لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-04-20, 01:47 AM   المشاركة رقم: 1496
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



مساء / صباح الخير

على برد ومتابعينها الأولين والجدد اللي شرفونا

الحمد لله السلحفاه تحولت أرنب وأنتهيت من مراجعة ال 43 مقطع اللي وصلني من برد

وباقي مقطع للآن ماوصلني عندها تكتب فيه الكسلانه ههههههههه

لو وصلني الليله أو بكره أنزل لكم الفصل بكره الأربعاء الساعه 9 لعيون الحبايب


المهم هذا موجز للفصل ومقتطفات منه اتسلو فيها لبكره


موجز الفصل الـ 25


أولا أنتم تعرفون حركات برد ودائما توقعوا منها غير المتوقع
***
في هذا الفصل أنا من تلقى الصدمات قبل الكل وأنا هالمره
اللي بغني لكم صدمات عمر مرت علي وإن شاء الله صوتي يعجبكم

***
برد تقلص عدد أبطالها بالتخلص منهم واحد وراء الآخر
أولا زوجة والد يمان وفي هذا الفصل شخصيه تنتقل الى
مثواها الأخير (فيس برد الإجرامي بدأ في الظهور )

***
ظهور أبطال اشتقنا لهم بعد غيابهم عنا الفصل السابق

***
مواجهة بين غيسانه ومطر تظهر مفاجأه وأرجع أغني صدمات عمرمرت علي مازال في جعبة ميشو الكثير من المفاجآت والقنابل

***
بطله تحتاج تغنوا لها لها جرب نار الغيره يمكن تصحى

***

ماريه أفزعوا لها وغنوا لها مسكينه البنيه مظلومه البنيه


***
أخيرا ينتظركم بارت وااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااو بأحداث صادمه ..... وسرد راقي.... وحوارممتع ... ووصف يعيشكم الجو مع الأبطال بارت أقدر أقول
لكم كتبته برد بمزاج عالي ربي يديم روقان البال عليها والنفسيه
تكون عال العال


مقتطفات من الفصل الــ 25


غضن جبينه باستغراب ما أن وقع نظره على جانب عنقها حيث الإحمرار الخفيف وأثر يشبه غرزات أسنان !! وارتفعت نظراته مجدداً لعينيها المحدقة في الفراغ يحاول أن يجد عاملاً وحيداً يربط كل هذه الأمور ببعضها .. ؟ شهادة الحراس ونافذة الغرفة المفتوحة وهذا الأثر في عنقها كما الخدوش البسيطة في الجانب الآخر من وجهها وعنقها بل وكتفها ولم يسمع أحد خارج المنزل ولا داخله صوت صراخها !

*****
صفعه بقوة حتى كادت رقبته أن تنكسر من قوة استدارة رأسه
جانباً ولم يستطع النطق بشيء فعلاوة عن أن النظر لملامحه
القاسية وهيلمان وجوده يشعرانه بالخوف والرهبة فهو المتحكم
في جماعتهم كاملة ولا أحد يكسر كلمته
*****
خرج مغلقاً الباب خلفه وترك التي راقبت
مكانه بصمت قبل أن تجر خطواتها نحو سرير الغرفة مباشرة
وتكورت جالسة فوقه تحضن ركبتيها بقوة ونظرت ناحية النافذة
المحمية تماماً والمرتفعة طابقين بعيداً عن الأرض لتكون الملاذ
الآمن تماماً لها قبل أن تبعدهما عنها تنظر للفراغ بحدقتان مرتجفتان واشتدت ذراعاها حول ساقيها أكثر تحضن ارتجاف جسدها تشعر بأنفاسه ولمساته بل وقبلاته لعنقها وجانب وجهها وكأنها الآن فدفنت ملامحها في ركبتيها تغمض عينيها بقوة وخرج أنينها الباكي يرتفع تدريجياً موجعاً حد الألم .

*****
وقال بشيء من البرود المناقض تماماً للأجواء المنفعلة
" شقيقها أمره سهل .. تلك الطفلة هي الشخص الوحيد
المحمي منا حتى الآن "

*****
" كيف تستحملين هذا المخلوق الحجري ؟ "
فتبدلت ملامحها كما نظراتها للحزن وهي تهمس وعيناها الدامعتان تتجهان للباب الذي اختفى خلفه
" ما أعلمه فقط أني أحبه وكيف ما كان "
*****
ووقف مصدوماً جامداً
مكانه كالتمثال وكحال من تفرقوا حوله فور دخولهم تحدق الأعين
بصدمة ليس في التي كانت تقف قرب النافذة المفتوحة تمسك
مسدساً بيديها المتدليتان نحو الأسفل بل بالجسد الملقى على
الأرض أقرب لهم منها غارقاً في بقعة دم كبيرة منكباً على
وجهه .

*****
وتحركت خطواتها نحو الداخل حتى وصلت
السرير يراقبها باستغراب وريبة تبدلت للدهشة سريعاً وهي تندس
تحت اللحاف بجانبه وانكمش جسدها تحته في وضعية الجنين
تولي ظهرها له لا يظهر منها سوى رأسها وشعرها الذي أخفى
ما يظهر من ملامحها التي تدفن أغلبها في الوسادة تحتها !
وتصلبت ملامحه ما أن خرج صوتها الهامس بخفوت
" لا أريد البقاء وحدي هناك "

*****
" المهم الآن هو موضوع ذاك المحامي نصران أريدك أن تتولى كل شيء يا نوح وتشرف عليه بنفسك وتضمن لي من يتسلل لمعقله ويفتش عن كل ما قد يفيدنا فأنا لم أعد أثق كثيراً بعصابة الحمقى أولئك "
*****

( لديا خبر رائع سيعجبك ... لقد أخرجونا من صالة المسافرين
وألغيت الرحلة وتم تأجيلها عدة أيام بسبب أوامر مفاجأة باتصال
من مدير المنظمة )


*****
شعرت بالأبخرة تخرج من رأسها فعلياً بسببه ورفعت نظرها له وقالت تجاريه في بروده الذي لم يعبر مطلقاً عن داخلها
" حدد لي إذاً ماذا ينقصك لتكون همجياً ؟ "
واتسعت عيناها بصدمة بل وقفزت فوق السرير بشهقة قوية ما أن قفز الخطوات القليلة ناحيتها ، وقبل أن تتمكن من مجرد الوصول لطرفه الآخر لتهرب كانت مرمية على وجهها فوقه بينما يداها مجموعتان في يديه خلف ظهرها يجلس على ساقيها

*****
فتبادل من تركهم خلفه نظرة لا يمكن تفسيرها تعبر أيضاً عن ألا متوقع وألا منطقي بتاتاً قبل أن يتحرك المعني بالأمر خلفه متمتماً من بين أسنانه بغضب " سحقاً لامرأة تدعس كبرياء رجل بحذائها "

*****
" أنت أخبرتني يوم التقينا في جمعية الغسق بأنك مدين لي
وبأنه ثمة دين قديم في عنقك وأعرفك رجل كلمته تسبق كرامته
وبأن عدله أكبر من عظمة رجولته "
وسحبت نفساً عميقاً لصدرها وتابعت حين لم يعلق بشيء تُرضخ
نفسها مجدداً من أجل شقيقها
" وأنا أرجوك سيدي أن لا تنتقم مما فعله شقيقي وأقسم لك بمن
خلقه وخلقني بأنه نسي أمر غسق منذ علم بأنها لا تكن له أي
مشاعر ولا يتصرف الآن إلا كمحامٍ لجأت له قريبته وصديقة
طفولته "

*****
تعلم بأنه لا يكذب في هذا مطلقاً وعليها أن تتصرف وتفعل أي شيء .. ولا شيء أمامها سوى الابتعاد عنه وإغلاق أحد الأبواب بينهما فهو لا يعي ما يفعل بالتأكيد ، لكنها لم تستطع ولا اجتياز الباب لأن ذراعها أصبحت وفي لمح البصر في قبضته وسحبها منها بقوة ....


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 08:12 PM   المشاركة رقم: 1497
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الفصل الخامس والعشرون


المدخل :ــ

بقلم/ Hanita


♥من مطر إلى غسق♥

أيا امرأة سكنت قلبي و لو كان الخيار بيدي ما اخترت سواك...

و كيف لي أن أملك من أمري شيئاً و أنت مهجتي و الروح فداك...

سلبتني عقلي و قلبي و لم أع إﻻ و أنا قد غرقت في بحور هواك...

لم اﻷسى و الهجران و كسري بما فعلت من غير تعقل و ﻻ إدراك...

أوقعت نفسك في قبضة اﻷعداء و كأنك موقنة بأني لن أسمح بأذية و ﻻ سوء أن يمساك...

يا ليتك قبل جور حكمك قد سمحتي بأن ترى ما في عيني عيناك...

كيف تصدقين ما تفوه به لساني و أنا الذي ما رأيت يوماً خليلة سواك...

أترمين بي في غياهب غضبك و تحرمين مقلتي من حنان رؤياك...

ابتعدي كما شئت حبيبتي فلن أسمح لبشر غيري أن يدخل حماك...

تظنين بي السوء و تجلديني بحرمان منك و أنا الذي ما وددت غير لقاك...

و لتعلمي مهجتي مهما فرقتنا اﻷيام فسوف أمضي حتى أنال رضاك...

***********
بقلم/ ৡOosary

مطر & غسق


رجلٌ حياته كلها حربُ
وجد نفسه غاص حبًا لفتاةٍ
لا تعرف أنه لها زوجًا ..
أحبته بكل ما أوتيت من حبٍّ وتخطت من أجله السُّبُلا ..

اما حياتهم
فكانت بين شدٍّ و جذبٍ
ومشاعرٍ لم يُرى مثلها قوةً وتجاذبٍ ليس له حد..

قائدٌ
حمل على اعتاقهِ همًا كبيرا لا يقوى عليه سواه .. اضطره لوضع قراراتٍ تَنسف حياتهم نسفًا..
فأنهاها بإنفصالٍ وجرحٍ
آخذًا معه ثمرات الحب قسرًا

صدمهٌ ..
كسرةٌ ..
بل جُرحًا غائرًا .. انتشلها من قمةٍ ظنت يومًا أن لن تنسف أبدًا ..

أمضت حياتها تشق طريقٌ ظاهره قوةً وعزمًا ..
حققت فيه مطالب كل جريحةٍ لم يلقِ بالاً لنصرتها قبلا ..

اما حين تخلو بنفسها ..
تنزفُ جُرح خيانةً وفقدٍ
وعمرٍ فارقت فيه أبٍ كان لها عونًا وسندٍ ليس كمثلهِ احدًا

.
.
.

عاد لها بعد عقدٍ وفوقه أربع سنواتٍ
تزيدُ أيامها يومًا على يومٍ ،
عاد بكل بسالةٍ
وقوة ٍ
وعزمٍ محققًا النصرَ..

عاد مقررًا ترميم قلبًا
وتعويض سنين فقدٍ
عله يتوج نصره باستقرارٍ أفتقده عمرًا..

أما هيَ
فقد اكتسبت من أيامها القوة والبأس ،
ولم تجعل لليأسِ ولمشاعرِ الحنين قلب..

رأته ..
وكأن كلُّ الذي مضى أصبح وهمٌ ،
ولم تقوى على التخطي والمضي من دونهِ قدمًا
أما هو
فلم يزد من فرص جراحه إلا جرحٍ .. كان علنًا ..
كان بينها وبينهِ ،
وحتى بين أشدِّ لحظاتهما قربٍ..

ولا زال ذلك المحاربُ
يتفننُ في حروف جراحهِ جرحًا
لعله يحميها من شر بأسٍ سيُلحق بها ولن يقوى عليه صبر ..

ظن أن الجرح أهون من فراق لن يجمعهم ابدًا

ولم يحسب حساب من استغل وتفنن في نكئ جرح قد فاض كيلها منه
ولم تقوى على الصبرِ .. امرأة لها من الصبر سنواتٍ
انتهت "بقص شعرها" الذي اهتمت به عمرًا
انهيارها لم يستطع احدٌ أن يعمل له حدًّا ..

أما هو

فما خشيه طغى وبغى ..

فسنرى منه إما قوةً
ونزيده كرهًا ع كرهٍ ..
أو تصرفٌ يرممُ كل ما أحدثه من فوضى ويعيد ما كان ومضى..

***************



جلس بسرعة يتلقف أنفاسه بصعوبة عيناه شاخصتان في الظلام

ومرر يده المرتجفة حيث الذي كان ينبض بتسارع مخيف وزفر

الهواء من بين شفتيه بقوة ... لقد كان حلماً .. حلم أفضع من

عيش الأمر حقيقة فهو لم يخشى الموت يوماً لكن اختلاف طرقه

يبدو سيغيّر من مفهومه لديه ، لكن ..... !!

نظر حوله وغضن جبينه بقوة يشعر بطنين الرصاصة لازال في

أذنه وحدق في الفراغ المظلم بصدمة توقف معها حتى صوت

أنفاسه يرهف سمعه لما يحدث في الخارج قبل أن يقفز واقفاً

ويركض باتجاه باب الغرفة فصوت الرصاصة كان حقيقياً وقد

أكده صوت الركض والصراخ المرتفع !.

فتح باب جناحه وخرج راكضاً وما أن وصل بهو المنزل التقى

بزوجة ابنه والدة رواح تتبعها والدة ضرار التي كانت تنزل

السلالم خلفها تناديها صارخة وتبادل نظرة صامتة انتقلت بينهما

وكأن كل واحد منهم يريد أن يؤكد للآخر أنه لم يكن يتوهم

بالرغم من أن وضعهم كان يتحدث دون عناء .

وتبع نظرهما نظر ضرار ما أن حدق في باب المنزل المفتوح

والتخمينات جميعها اتجهت صوبه وكان سيتحرك ناحيته

وستحذوان حذوه بلا نقاش لكن ذاك الأمل تبدد ووقف كل واحد

منهم مكانه فور أن ظهر وقاص وهو يدخل من الباب راكضاً

ووقف فجأة ينظر لهم نظرة لم تختلف عن تلك التي كانت في

أعينهم إن لم تكن أسوأ ، وارتفع نظره لأعلى السلالم وحيث التي

وقفت لحظتها وكانت والدة نجيب تتمسك يداها بخشب سياجه

اللامع المصقول بينما كان نظر أربعتهم موجه له بل ولأجساد

الحرس الواقفين خلفه خارج باب المنزل الواسع وعلم الجميع في

ذاك المكان حينها بأن مصدر الصوت الذي سمعوه لم يكن أسلحة

أحد حرسهم ولم يأتي من خارج المنزل بل داخله !

وبما أن رواح كما سلطان مسافران وضرار الصغير ليس هنا فلم

يتبقى سوى شخصان فقط ... حقيقة كان أول من أدركها وفكر

فيها وبلمح البصر الواقف عند باب المنزل والذي نظر سريعاً

ناحية ممر غرفتها تبعه مؤكداً صرخة الواقفة في الأعلى

بذعر مصدوم

" ابنييييي "


وكان وقاص أيضاً أول من تحرك وركض في تلك الجهة يتبعه

الجميع يشعر بخطواته الراكضة تضرب في رأسه وتكاد تقسمه

لنصفين وقلبه توقف عن العمل تماماً تكاد أنفاسه تتبعه ويموت

في مكانه ، وكم شعر بالمسافة لغرفتها طويلة وبالفاجعة تقترب

منه مسرعة ذات الوقت ولم يستطع التفكير سوى في سلامتها إن

كانت هي الفاعلة أو المفعول بها ..

أمر تغلب على أي مشاعر أخرى قد تنتابه وحتى الأخوية

ورغماً عنه .


وصل باب الغرفة المغلق وخطوات من وصلوا خلفه تتوقف تباعاً

وأدار مقبضه وفتحه بقوة على اتساعه ووقف مصدوماً جامداً

مكانه كالتمثال وكحال من تفرقوا حوله فور دخولهم تحدق الأعين

بصدمة ليس في التي كانت تقف قرب النافذة المفتوحة تمسك

مسدساً بيديها المتدليتان نحو الأسفل بل بالجسد الملقى على

الأرض أقرب لهم منها غارقاً في بقعة دم كبيرة منكباً على

وجهه .


بل ثمة من كان ينظر هناك فقط وللواقفة تنظر لعيناه تحديداً ومن

بين جميع الواقفين على جانبيه نظرة جامدة لم تشبه البتة نظرته

المصدومة بل الممزقة كحجم تلك الفاجعة وارتفعت إحدى يديها

لكم فستانها الممزق بينما لازالت يدها الأخرى تمسك المسدس

فيها وقد هوت بجانب جسدها .

" نجيييييب "

صوت والدته الصارخ وهي تتجه ناحيته وتهوي أمام جسده على

ركبتيها كان ما كسر كل ذاك الصمت والصدمة التي غرق فيها

الجميع ووحدها من استطاعت اجتياز الثواني المعدودة لصدمتهم

تلك وجلست عند رأسه ناحبه تحرك كتفه مناديه ببكاء قد تحول

لضربات بقبضتها ما أن لم يستجب لها قبل أن تحضن رأسه

باكية وضرار يحاول بالقوة منعها صارخاً بضرتيها

" خداها من هنا بسرعة "

فانصاعتا لأوامره فوراً وأوقفتاها وإن بالقوة بينما لم يوجهها

لحفيده لأنه لم يعد أساساً يقف معهم فقد أخذته خطواته ورغماً

عنه ناحية التي لازالت عيناها تحدقان به وكأنها لا تراه بل ولا

ترى شيئاً ! لا بل وكأنها واقعة تحت تأثير تنويم مغناطيسي !

وما أن وصل لها رأى بوضوح الخدوش في بشرة وجهها

البيضاء النقية وعنقها وكتفها حيث قماش فستانها الممزق !

وما أن مد يده للمسدس في يدها حتى تركته من بين أصابعها

ودون مقاومة وانتقل نظرها ليده وهو يمسكه بطرف أصبعيه

ومن كلا جانبيه بحيث لا يمسكه من منتصفه أو من أخمصه

وكأنه يخشى أن تطبع بصماته أو تمحى باقي البصمات من عليه

فاتسعت نظراتها بصدمة وهي ترفعها لوجهه وتحركت شفتاها

بهمس ما أن التقت نظراتهما

" أنا من قتله يا وقاص "

وكانت عيناه هو من اتسعت بصدمة حينها وما أن تابعت بنبرة

قوية هامسة

" أنا من قتله أتفهم هذا ؟ "

وكأنها تحذره من البحث عن حقيقة أخرى مغايرة للواقع وتعلم

جيداً بأن عقل المحامي سيكتشف غير ذلك وسريعاً أيضاً .


*
*
*

حملتها خطواتها المرتجفة خلف عم والدها وهي تتبعه يعبر

الغرفة ليخرج من بابها الآخر تحاول طرد أي خيالات قد يخبرها

بها عقلها عن جملة توقعات كل واحد منها أسوأ من الآخر بينما

تراقب نظراتها الوجلة يد صقر وهو يرفع هاتفه لأذنه يتحدث مع

أحد الحراس المكلفين بحماية المنزل وحراسته وقد توقفت كلماته

فجأة مع توقف خطواته وخطواتها أيضاً وكادت أن تحرر عبرة

باكية من بين أنفاسها التي اندفعت لرئتيها بقوة في شهقة مكتومة

ولم تعرف حياتها شعوراً مماثلاً للراحة ولا حين تم إنقاذها من

أفراد العصابة في ذاك الملهى الليلي وهي تنظر الآن للجالس حيث

الكرسي الخشبي مولياً ظهره لهما ويبدو لم يشعر بوجودهما أيضاً

فثمة مسافة لابأس بها بينهم .

كان منكساً رأسه للأسفل بينما ذراعاه مشدودتان لصدره وكأنه

يفصل نفسه متعمداً عن العالم من حوله !

وتقوست شفتاها بحزن ما أن نظرت لعيني صقر الذي نظر

ناحيتها بصمت ، وبإشارة صامتة أيضاً من رأسه ناحيته أنهى

وجوده هناك وهو يعود من حيث خرج ونظراتها الدامعة تتبعه

قبل أن تعود بها للجالس مكانه وعلى حاله السابق وكم هي مهمة

صعبة هذه التي وضعها على عاتقها ، ولا تفهم لما يظنها قادرة

على إخراجه من حالته تلك ؟

وبما ستخبره وما الذي بيدها تفعله أيضاً !

مسحت عينيها بقوة وتحركت خطواتها نحوه وتراه على حق فهي

حفيدته والأقرب له طيلة السنوات الماضية وإن كانت لا تراه

كثيراً ووحدها يقع على عاتقها رأب بعض الصدوع التي قد تكون

سبباً في خسارتها لعائلتها الصغيرة وللأبد ، وشقيقه لم يترك لها

المهمة إلا وهو يعلم وموقن بأنه عاجز تماماً عن فعل أي شيء

وقد سبق وجرب حظه معه البارحة وكانت النتيجة سيئة للغاية .

اقتربت منه بخطوات بطيئة نظراتها الحزينة لا تفارقه وبالرغم

من يقينها بأنه بات يعلم بوجود أحدهم خلفه إلا أنه لم يلتفت لها

بل ولم يحرك ساكناً ولها أن تتخيل ما يشعر به الآن وما يحدث

داخله ، ابتلعت غصتها مع ريقها الجاف ودارت حول الكرسي

الوحيد بين أشجار ذاك الجانب من الحديقة كحال الجالس عليه

وكأن كل واحد منهما يكمل الآخر وجلست بجانبه نظراتها الحزينة

لم تفارق ملامحه الجامدة المتجهمة وعينيه التي لم تفارق الأرض

الرطبة تحت قدميه وامتدت يدها ببطء حتى لامست أناملها

أصابعه المشدودة على ذراعه وارتجف صوتها بحزن هامسة

" جدي لا يمكن لقلبك المحب أن يغضب منها بالتأكيد ؟ "

وازداد وضعها سوءاً حين لم يعلق بل ولم يحرك ساكناً وقالت في

محاولة جديدة يائسة بائسة كصوتها وملامحها

" ثمة شيء ما حدث وسنعلمه بالتأكيد وستعذرها حينها "

وملأت الدموع عيناها واختنقت العبرة في حلقها وهمست

ببحة بكاء

" جدي أقسم بأنها تحبك ولم تقصد بالتأكيد كل كلمة قا.... "

وتوقفت كلماتها في حلقها حين نظر ناحيتها بسرعة نظرة قوية

بالرغم من جمودها جعلت كلماتها كما الدموع الساكنة في عينيها

تتجمد مكانها أيضاً .. نطرة لم تراها ولم تعرفها سابقاً في عينيه

وقد انعقد حاجباه بقوة ما أن قال بجمود مشابه

" هل عاد ولدك ؟ "

" لا "

كان همساً حزيناً كرفيف جناحي فراشة ما خرج منها حينها بينما

نظراتها الآسية الحزينة لازالت تستقر على عينيه وكأنها

تستجديهما في صمت بل وكأنها تحاول جعلها تتعرف عليها

وفشل كل ذلك ما أن اصطدمت نبرته الحازمة بجدار مشاعرها

المستجديه تلك محولاً إياه لأشلاء حين قال

" ولما وهو أكد لي بأن مكوثه هناك لن يتعدى الساعات

المحدودة ؟ بل وسافر قبل الموعد الذي كان قد قرره

وتغير فجأة ؟! "

ابتلعت غصتها مع ريقها الجاف وهمست بحزن

" لا أعلم جدي ومؤكد بأنه سيصل في أي وقت "

فعاد لوضعه السابق مبعداً نظره عنها ودون أن يعلق بحرف على

ما قالت لكن ذلك لم يؤثر سوى على قلبها الممزق التعيس أما

عزمها فلم ينقص شيئاً وهي تحاول مجدداً قائلة برجاء كسير

" جدي أنت تحبها وهي ابنتك و.... "

" ذاك كان قبل أن تنكر ذلك بلسانها "


جعلتها كلماته الحادة بل ونظرته الجوفاء الميتة المشابهة للأرض

المحدق بها ترفع ظهر أناملها لشفتيها تحارب باستماته شهقتها

الباكية ولم يرحمها الذي نظر ناحيتها هذه المرة وقال بقسوة

ظهرت في ملامحه قبل صوته

" أتعلمين لما لم تستطع والدتك أن تفهمك ولا أن تشعر بك ؟

لأنها لم تربيك .. وهذا هو شعورها ناحيتي أيضاً لأني لم أكن

من رباها "

فأبعدت يدها بقوة وقالت بإحتجاج حزين

" لا جدي ليس صحيحاً ، هي حُرمت منا جميعاً .. مني وأنا على

قيد الحياة ومنك وهي لا تعلم حتى أنك لازلت حيا ، هي عانت

الكثير وأضاع الحزن والوحدة سنوات كثيرة من عمرها "

ودمعت عيناها ما أن اشتدت نبرته التي لم تتغير أساساً

قائلاً بضيق

" سنوات ماذا يا تيما وكم تكون تلك ؟ أنا أضعت خمساً وثلاثين

عاماً من عمري من أجلها ولأحميها ، ووالدك أضاع نصف

شبابه وحيداً كي لا يرى دموعها وكي لا تكرهه وماذا كانت

النتيجة ؟ "

وانسابت دمعتها هذه المرة وقالت باحتجاج باكي

" هي تحبه وتحبك أيضاً وأكيدة من ... "

" هي لا تحب سوى شراع وعائلته "

اتسعت عيناها الباكية بصدمة ليس فقط بسبب ما قال وأصاب به

قلبها كخنجر مسموم بل وملامحه ونظراته التي كانت تؤكد أنه لا

كذب ولا تزييف فيما يقول ، وبالرغم من كل ذاك الألم في قلبها

الجريح عادت للإحتجاج وبقوة تشبه جيناته التي غرسها فيها

ولن تقل عنه

" ليس صحيحاً فهي تركتهم ودخلت منزلنا هنا بالرغم من كل ما

يحدث بينها وبين والدي فقط من أجلك ولأنها تحبك ولا تريدك أن

تغضب منها ، بل وقبلت بالعودة زوجة له رسمياً فقط لتراك

وتكون معك فكيف لا تكون تحبك ؟ "

وحين لم ترى منه أي استجابة لما قالت ونظراته الحادة لازالت

ترمق عينيها بصمت قالت والدموع تترقرق فيهما مجدداً

" هي تركت المستشفى جدي .. اختفت ولا أحد يعلم أين تكون

ولا أبناء جدي شراع ولم تلجأ لهم "

ما كان بإمكانها إخفاء الأمر أكثر وعليه أن يعلم بأنه ثمة

ما دفعها لفعل كل ذلك حتى قررت الابتعاد وتركهم جميعاً

فتابعت تنظر بأسى لعينيه التي كانت وكأنها تترجم ما سمعت

أذناه وفي صمت

" متأكدة من أنه ثمة سبب ما جعلها تتصرف هكذا أكبر من

كل ما مرت به ... "


وتكسر صوتها بحزن مرير وعبرة وهي تتابع

" ألم ترى الألم في عينيها وفي صراخها الموجع ؟ هي كادت

تقتل نفسها ونسيَت كل شيء من حولها وحتى الطفل الذي ينمو

في داخلها ! علينا معرفة السبب قبل أن نحكم على ما قالت "

ونزلت دموعها تتناثر كلآلئ صغيرة على وجنتيها ما أن أبعد

نظره عنها للأرض مجدداً وإن كان بوجوم صامت فقط هذه المرة

وأمسكت أصابعها بقماش قميصه الذي يغطي ذراعه وقالت

ببحة بكاء

" جدي هي تحتاجنا وعلينا أن ..... "

" سأعود لبريطانيا "

ألجمتها عبارته تلك وجعلت لسانها يتيبس مكانه كما نظراتها

الدامعة المصدومة لوجهه وهمست ما أن أدركت أن ما قال

حقيقة بالفعل

" ما ... ماذا ... جدي أنت .. "

فقاطعها مجدداً وقد عاد بنظره لعينيها قائلاً بجمود

" ما الفائدة من وجودي هنا سجين الجدران أتلقى الخيبة تلو

الأخرى ؟ لا مكان لي هنا ولا نفع "


" وأنا ... ؟ "

قالتها باكية تشير لنفسها وكان رده سريعاً أيضاً ولم يتغير لا

الجمود في نبرته ولا نظراته

" أنت لك زوج ستصبحين في منزله قريباً وانتهى دوري

الهامشي من حياتك أيضاً "

حركت رأسها باكية ولم تستطع ولا التحدث أو استيعاب ما قال

ولم يترك لها المجال لذلك وهو يدفن رأسها في حضنه وعبراتها

الباكية في أضلعه تحيطها ذراعه بقوة ونظر للفراغ بحزن كئيب

، يعذرها ويفهمها ويتفهم كل ما قالت لكن وجوده لم يعد له من

نفع فهو يزيد حتى من حياة ابنته تلك تعقيداً أكبر من تعقيدها

فمنشأ الحكاية كان بسببه .. هو القاتل والجاني وذنبهما فقط أنهما

من سلالته ولن يقدم لهما شيئاً لا بوجوده ولا عدمه ولن ينفعهما

بشيء سوى بأن يدني الخطر منهما مجدداً وفي أي لحظة .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 08:15 PM   المشاركة رقم: 1498
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*


كانت شهقتها المصدومة العالية كفيلة بجعلهما ينتبها لوجودها

ولم يعد لإختبائها خلف الجدار من داعٍ وتحركت خطواتها حتى

ظهر لها الواقف عند الباب ينتظر لها عاقداً حاجبيه بقوة والكره

يتدفق من عينيه السوداء المظلمة قبل أن ينظر ناحية يمان والذي

كان ينظر لها أيضاً وبتشتت علمت بأنه لايراها معه وبأنه لازال

يعيش الفاجعة التي يصعب عليه استيعابها أو تصديقها ، وتحركت

حدقتاه الرمادية عنها بسرعة ناحية الذي قال باستهزاء ونظراته

تنزلق على جسدها تباعاً

" لازالت هنا ؟ "

فارتفعت يدها لصدرها وانفرجت شفتاها في صدمة قبل أن تتحرك

عيناها ناحية يمان والذي كان ينظر لأويس حينها وإن لم تستطع

قراءة أي شيء في نظرته تلك .. للغيلواني الذي لم يكتفي بتذكيره

برميها خارج منزله فقط بل وتابع يشير برأسه لها بينما نظره

على عينيه قائلا بازدراء

" ما الذي تفعله هذه ال.... "

" يكفي يا ابن غيلوان "

كانت هي من قطع كلماته التي تعلم ما ستكون .. بل وبنبرة قوية

حازمة تكاد تكون صراخاً آمراً تحدق في عينيه بقوة كقوة الكره

الذي يقذفها به ككتل من نيران ، وكان يمان من تحدث حينها

وقال بحزم ناظراً لها

" مايرين اصمتي وعودي للداخل "

لكنها لم تستجب له بل ولم تبتعد عيناها عن عينيه وقالت بحزم

وسبابتها تشير له قبل أن تنتقل بينهما

" لن أصمت وعليه سماع الحقيقة .. بل وكليكما معا "

ارتسمت السخرية مجدداً على شفتي أويس وهو يهمس محدقاً في

عينيها وكأنه لا وجود لطرف ثالث بينهما

" الحقيقة ؟!! "

فواجهت سخريته بشجاعة لم تتراجع أبداً وقالت من فورها

" أجل ووالدتك من يملكها أيضاً "

وحدقت بقوة في عينيه التي رمقتها باستغراب لم يختلف عن

نظرة يمان التي نقلها بينهما فإن كان هو ابن غيلوان فدمائه ذاتها

التي تسري في عروقها نسبت لمن نسبت له وتعلم معنى أن يثور

الغيلواني لحقه ، وظهر ذلك سريعاً لكن ليس منها هذه المرة بل

من الذي صرخ بعنف يشير بسباته لوجهها

" لا علاقة لوالدتي بأفعالك الا أخلاقية ولا تذكري اسمها

على لسانك ... "

وكان يمان من خرج من صمته حينها وقال بضيق موجها حديثه

للذي انتقلت نظراته منها له

" أنا من لن يسمح لك بقول ما قلت عن زوجتي يا أويس

واحترمني على الأقل في منزلي "

حدق فيه أويس بشيء يشبه الصدمة قبل أن يقول بضيق

" ظننتك رجل يا يمان لن يرضى أن يهان في شر.... "

وكانت مايرين من قاطعته هذه المرة وبحزم ونبرة قوية تشبه

الزمرد المشتعل في عينيها الخضراء صارخة

" بلى رجل ولم تعرف الرجولة شخصاً مثله "

وتابعت من فورها ومن قبل أن يفكر في الرد عليها أو زوجها

في إيقافها

" يمكنك الذهاب لوالدتك وسؤالها عن المرأة التي زارتها

البارحة من كانت وماذا كانت تريد وستخبرك بأنها أنا وبأني جئت

بحثاً عنك لتبحث عن يمان وهي من أخبرتني عن منزل العجوز

وكيف أصل له وبأنه سيساعدني لكن النور المنبعث من هاتفك

أرعبني لاني أعلم بأن يمان لا يملك واحداً وحين ركضت باتجاهي

خفت وركضت مبتعدة عنك "

" يكفيك سخافات "

وعادت نبرته الساخرة لإلجامها مجدداً مما جعل الغضب يشتعل

في عينيها أكثر وكم حمدت الله حينها بأنه ليس زوجها وبأن يمان

لا يحمل طباعه بل ولا جينات تلك القبيلة الكريهة التي نبذتها

وعاملتها كحيوان موبوء ودون أدنى رحمة لأنهم لا يعرفون معنى

تلك الكلمة ولا وجود لها في قلوبهم ، وتابعت ما بدأته دون أن

تهتم لما قال ولا ما تراه في عينيه من كره وازدراء فهدفها ليس

أن يسمع هو أو يعلم بل من كانت تعلم بأنه يستمع لها وإن لم

بعلق بشيء

" لك أن تسأل والدتك وتتأكد بنفسك فهي من ألح عليا للذهاب ،

وما كان يمان سيغفل عني إن كنت أخرج من منزله ليلاً فمهما

كان متعباً ومنهكاً كان سيسمع باب المنزل الحديدي وهو يُفتح أم

تجهل ما يكون عليه باب منزلك الذي تستأجره له يا أويس "

أنهت ما قالت تلجمه عن الرد وبادلته النظرة بواحدة أقوى منها ،

بل ولم يسمح له بذلك من قال بحزم غاضب هذه المرة ويده تشير

نحو الداخل

" أدخلي الغرفة يا مايرين "

فلم تعترض ولم تشرح أكثر مما قالت وتعلم بأنه ليس بغبي ولا

سادج درجة أن لا يصدقها وقد قالت ما لديها وما كانت تريد قوله

له منذ البداية ولم يترك لها مجالاً لقوله ، ومن الجيد أن ذلك

حدث في وجود المدعو أويس وليتأكد من والدته إن لزم الأمر .

ما أن أغلقت باب الغرفة التصقت به تنظر للأرض بحزن تسمع

كلماتهما القليلة قبل أن يصلها صوت صرير الباب الخارجي ثم

إغلاقه له من الخارج ونزلت دمعتها رغماً عنها تبكي حاله وليس

حالها هي فلها أن تتخيل أي فاجعة هذه التي وصلته وما الذي

ينتظره أيضاً ، وها هو سيسافر الآن لشرق البلاد حيث منزل

عائلته أو العاصمة وسيتركها سجينة هنا فما ينتظره هناك أهم ،

رفعت رأسها ونظراتها المغمورة بالدموع حيث سقف الغرفة

وهمست بعبرة

" يا رب كن في عونه وهون كربته يا رب "


*
*
*

جمدت ملامحها كما الدموع المتحجرة في عينيها وتبدلت نظراتها

للإستغراب فهذا ليس ما كانت تراه وهذه الملابس السوداء ليست

له فكيف لعقلها أن صور لها أنه هو بل وسمعت صوته أيضاً !

هل فعلت بها مشاعرها كل هذا !!

نزلت نظراتها المستغربة لحركة يد التي دست المفتاح في حقيبتها

تتشاغل بالنظر له ومؤكد لم تتوقع وجودها هنا أيضاً فهذا ما بدا

على ملامحها فكيف أن تكتشف بأنها باتت تملك مفتاحاً لقفل الباب

الجديد ؟ ويبدو أنها تدخل الشقة ليلاً متسللة ومؤكد تبحث عن

شيء ما هنا وهي تعلم جيداً بأن صاحبها ليس موجوداً ومؤكد

علمت بأنها لم تكن هنا أيضاً الأيام الماضية ؟!


كانت تراقبها بنظرات باردة ولاذت بالصمت بينما ارتفعت

الخصلات الحمراء النارية وانكشف وجه التي انتهت من إغلاق

حقيبتها الصغيرة اللامعة وقالت بسخرية تعترف بجرمها الذي لا

مفر لها منه

" غريب أني هنا أليس كذلك ؟ والأمر غريب بالنسبة لك أيضاً

ماري !! "

أجل فهذا ما توقعته أن توجه لها التهمة كي لا تكون المذنب

الوحيد هنا لكنها لن تصمت أيضاً فيكفي أن تترك لها ساحة القتال

قريباً معلنة انهزامها ، قالت بأحرف مشدودة خرجت من عمق

أفكارها القاتلة تلك

" لكن تيم ترك لي مفتاحاً لأدخل متى أريد "

ونظرت بحقد للتي تجاهلت ما تقول وكأنها لا تتحدث معها وقد

تقدمت خطواتها نحو الداخل تنظر حولها بغطرسة ظهرت في

صوتها المتعالي بينما تزين شفتاها بلون التوت ابتسامة انتصار

" تيموثي أصبح يعمل لدى والدي في نورثود ، هل لديك علم بهذا

أيضاً ؟ "

" أجل "

قالتها سريعاً تنطر لها وأسنانها تكاد تتحطم من شدها عليها

بغضب مكتوم ، وتحولت نظراتها للصدمة ما أن قالت التي وقفت

أمامها مباشرة

" ظننته علم من والدي قبل سفره بلحظات وهاتفه مغلق !! "

فحدقت فيها بصمت بينما لم يخفى عليها نظرات التشكيك والاتهام

في عينيها كما الاستغراب وقالت

" هل تحدث معك ؟! "

رفعت أناملها لغرتها وشتت توترها في جمعها لخصلاتها خلف

أذنها وقالت دون تفكير ولا مجال لذلك أيضاً

" قبل أن يصعد الطائرة "

فتعالت الدهشة في عيني الواقفة أمامها وإن حاولت وببراعة

تبديدها سريعاً لتحول لنظرات اتهام واضح وكأنها تقول لها

( لما يتصل بك قبل أن تقلع طائرته فقط ليعمك بذلك !! )

وعلمت حجم الورطة التي وضعت نفسها فيها فكيف ستخبرها

عن المصدر الحقيقي لتلك المعلومة وهو مطر شاهين ؟!

حقيقة لو علمتها لباتا كلاهما في المقبرة الليلة وإن كان كل واحد

منهما في بلاد ، وأيقنت حينها بأنه ليس فقط وجودها يشكل

خطراً عليه بل ولسانها أيضاً على ما يبدو ، قالت تدرك نفسها

والموقف بأكمله ما أن تذكرت مكالمة والدها له في تلك الليلة

" لقد اتصلت به لأعلم إن أقلعت طائرته وحين أجاب استغربت

أن تتأخر كل ذاك الوقت وهو أخبرني بأنه كان هناك فسألته ما

الذي أخذه .. "

" أين خاتمك ؟ هل انفصلت عن خطيبك ؟! "

قاطعتها وكأنها لا تهتم بمعرفة باقي ما ستقوله مما جعلها تكتم

غضبها في أسنانها مجدداً ولا تعلم أتشعر بالراحة لعدم اهتمامها

بذاك الأمر الذي إن فكرت فيه لوجدت له ألف إجابة أم تنزعج من

تعاليها الواضح عليها ؟

لكن المهم الآن وكما يبدو أنها وجدت ما يهمها أكثر من ذلك ،

تنفست بعمق وقالت تشد قبضتاها بجانب جسدها بقوة

" أجل "


فهي نزعته ومنذ ليلة البارحة ولا تعلم لما وكأن مشاعرها

المؤلمة جميعها ستختفي باختفائه من أمام عينيها ! ونسيت أمره

تماماً اليوم ولم تلحظه في حقيبتها ، اتسعت عيناها بذهول ما أن

قالت التي نظرت لها بحقد

" بداية جيدة لمخططك "

كان اتهاماً واضحاً وجريئاً لكنها كتمت كل ذلك وابتلعته مع الهواء

الذي سحبته لصدوها بقوة وحررته سريعاً قائلة بجمود

" لا أعتقد ذلك ، لن أدخل حرباً خاسرة "


فتحول كل ذاك الحقد لسخرية وقالت تلعب أصابعها بخصلات

شعرها الناري القصير

" جيد أنك آمنت بذلك أخيراً حتى كان الثمن أن فقدت

خطيبك الوسيم "

فلم تعلق بينما أبعدت نظرها عنها مشيحة بوجهها بحركة قوية

غاضبة وليس لديها ما تقول فهي انتصرت عليها بالفعل ولعب

القدر لعبته وخسرت زوجها وأكثر من تحب في هذا العالم وليس

فقط خطيبها وستسلمه لها إن طواعية أو كراهية النتيجة واحدة

، رفعت نظراتها لها ما أن قالت ولازالت تنظر لها وابتسامة مائلة

تزين شفتيها

" السيد غاستوني ميديشي أصبح هنا في انجلترا مؤكد تعلمين

بذلك فهو قريبك ؟ "

لم تعلق أيضاً بينما تركتها تلك وتحركت ناحية الأريكة التي ارتمت

عليها بجسدها الرشيق المشدود في ثياب أنيقة من الجلد الأسود

وغرست أصابعها خلال خصلاتها الناعمة بينما تسند مرفقها

بظهر الأريكة خلفها ورفعت ساق فوق الأخرى وقالت تنظر لما

يظهر لها من وجهها والابتسامة ذاتها لازالت ترتسم على

شفتيها

" ﻓﺎﻟﻴﺮﻳﻮ هو إبنه .. إنه شاب وسيم للغاية وجذوره الإيطالية

جعلت منه هدفاً للكثير من النساء "

" ولما عليا أن أعلم كل هذا ؟ "

قالتها مباشرة وببرود ودون أن تنظر ناحيتها فقالت التي حركت

قدمها في الهواء وابتسامة واسعة تزين شفتيها

" نحن نتحدث فقط فما بك تضايقتِ هكذا ؟ .. "

فتنفست بعمق مغمضة عينها تتمنى من الله فقط أن يلهمها المزيد

بل والكثير من الصبر لتتمكن من تحملها حتى تختفي من أمامها

ولأي سبب كان ، ويبدو أن التي لازالت تنظر لها أمامها من أعلى

رأسها لأخمص قدميها لم تكتفي بعد وقد تابعت بذات ابتسامتها

المتحمسة والمليئة بالسخرية أيضاً

" هو يعمل الآن في نورثود أيضاً لأنه ضابط في البحرية وزار

منزلنا البارحة ، لقد أخبرني بأنه لم يراك منذ كنت طفلة رضيعة

بينما كان هو فتى حينها ، أعتقد قال في الثامنة أو التاسعة

من عمره "

اكتفت بالصمت ولازالت تتجنب النظر لها كما الخوض في الأمر

برمته وتشعر بأنها تسير في أرض ملغمة ولا تعلم ما حقيقة ما

دار بينهما من حوار ؟ كما يبدو أنها لم تدخر وقتاً للإستعلام

عنها منه وتجهل حقيقة معلوماته عن قريبته تلك خاصة أنه

عاش معظم حياته مع والدته في اسكتلندا كما سبق وأخبرها ذاك

الرجل ولا تعلم الكثير أيضاً عن حياة تلك الفتاة ماري وتخشى أن

تزل وتخطئ مجدداً ، ولا تفهم بالفعل ما الذي تريده هذه الفتاة من

كل ما تقول ؟ إن كان جعلها تتحمس لرؤيته والتعرف عليه ومن

ثم الوقوع في غرامه فقد خدعها عقلها الصغير ولن يحدث ذلك

وإن أرادته هي وأجبرت قلبها عليه ، كتفت ذراعيها لصدرها

وقالت بجمود

" أنا لا أعرفه ولم أراه ولا أذكره مطلقاً "

فقالت تلك سريعاً وكأنها تجهز ذلك سلفاً

" بالطبع أخبرني بذلك ويبدو لي متشوقاً للقاء قريبته الوحيدة

من والده "


" لست الوحيدة "

قالتها سريعاً بينما استدارت قليلاً لتصبح في مواجهتها لكن وكما

يبدو لم يؤثر ذلك في الاحتفال الصغير الذي يبدو أنه يقام الآن

داخلها بكل هذه التطورات التي تراها ستخلصها منها ومن

وجودها هنا مع خطيبها ، وبدا ذاك واضحاً في نبرة صوتها كما

يدها التي لوحت بها تحرك خصلات شعرها الناعمة دون أن

تمسكها

" بلى هناك عمتك وابنيها في إيطاليا لكن العلاقات بينهم مقطوعة

من أعوام طويلة .. أتعلمين لما ؟ "


لم تعلق بادئ الأمر كما يبدو أنها كانت تعلم الجواب من نظرتها

وابتسامتها المائلة فقالت ببرود تختصر عليهما الخوض في ذاك

الأمر برمته

" ذاك أمر يخصهم لما نتحدث نحن عنه ؟ "

فوقفت على طولها وما أن كانت ستتحدث ابتلعت حروفها ونظرُ

كليهما ينتقل للباب الذي فتح فجأة وللذي أصبح يقف أمامه بالفعل

هذه المرة وليس صوراً يهيئها لها خيالها المريض به .. صاحب

الملابس السوداء والحقيقة على كتفه الأيمن حقيقة لا خيال ولا

تزييف فيها وقد تقدمت خطواته نحو الداخل نظراته تنتقل بينهما

جامدة مبهمة لم تستطع أيا منهما تفسيرها !!

وكانت صاحبة الثياب الجلدية السوداء من اخترقت ذاك الصمت

وقد تحركت من مكانها ناحيته قائلة بابتسامة

" تيموثي حبيبي... "

وتابعت وقد وصلت إليه تحضن عنقه بذراعيها

" كم أنا سعيدة ولم أصدق حين أخبرني والدي بالخبر "

كانت أصابعه المتيبسة كجمود عينيه ونظراته تلامس القماش

البارد على خصرها بينما نظراته تلك مركزة فقط على الواقفة

قرب باب غرفتها الموصد تتجنب النظر ناحيتهما تنتقل حدقتاها

الذهبية المستديرة في كل شيء حولها عداهما ولم ينتبه ولا

لكلمات التي كانت تقترح عليه الاحتفال بالمناسبة فابتعد متحرراً

بسرعة من ذراعيها بينما راقبته مبتسمة وإن لم تصل تلك

الابتسامة المتشنجة لعينها وهو يوليها ظهره متمتما بجمود

وخطوته تتوجه ناحية باب غرفته

" أنا متعب وأحتاج للنوم لبعض الوقت "

وفتحه ما أن وصل له ودخل مغلقاً إياه خلفه على ذبول تلك

الابتسامة المزيفة تدريجياً قبل أن تدير شفتيها بامتعاض مكتوم

واستدارت ناحية الباب الذي دخلت منه وخرجت مغلقة إياه خلفها

عائدة من حيث جاءت دون أن تواجه نظرات من تركتها خلفها

لتلعق جرح كرامتها بسببه بعيداً ، بينما خرج الهواء من رئتي

ماريه مندفعاً بقوة وكأنها تسجنه منذ أعوام وتسللت أصابعها بين

خصلات غرتها ترفعها عن وجهها وأخرجتها ببطء تنظر لباب

الغرفة الذي انفتح مجدداً وللجسد الطويل الذي ملأه وكان لازال

يرتدي بنطلون المنظمة الأسود والحذاء الطويل الثقيل المشدود

بأحزمة جلدية حول ساقيه بينما نزع السترة بل والقميص الأسود

الملحق لها أيضاً وبقي فقط بالقميص الداخلي الأبيض الذي لا

يخفي سوى القليل من عضلات جسده القوية .


نظر جهة باب الشقة أولاً وكأنه يتأكد من مغادرة من كانت

هنا قبل لحظات وتحرك من فوره نحو الواقفة مكانها تنظر له

بشغف واحتياج تعلم بأنه لن يراه فهو وما أن وقف أمامها أمسك

خصره بيديه وقال بضيق

" هل لي أن أفهم لما خالفت أوامري وأتيت إلى هنا ماريا ؟ "

أخفضت رأسها وأطبقت شفتيها نحو الداخل بقوة لا تعلم تمسك

عبرتها أم ابتسامتها الحزينة فها هو باقي حلم يقظتها ذاك

يتحقق ! فمؤكد رواح أخبره بأنها غادرت منزلهم منذ الصباح

حين اتصل بوالدته وأخبرته ويبدو كان يخطط لجلبها من هناك

فهو لم يفاجئ بوجودها هنا ، ارتفع رأسها ونظرت لعينيه حين

قال ببرود ولازالت يداه تمسك خصره النحيل

" هل لي أن أسمع صوت لسانك الصغير ؟ "

فملأت الدموع سريعاً القطعتان الذهبيتان المحدقتان به واختنقت

بعبرتها فعبارات طفولتهما يبدو لم ينساها قطعاً بل ولم يتخلى

عنها لتتركه !

غرست أسنانها في طرف شفتها المرتجف تمنعها من دفعها

للبكاء وخرج همسها رقيقاً حزيناً ما أن حررتها من قبضة

أسنانها ببطء

" حمداً لله على سلامتك "

وأغمضت عيناها بقوة ما أن التفت ذراعه حولها وضمها لصدره

بذراع واحدة فقط ليدمرها ويزلزل دفاعاتها بأكملها وشعرت

بدفء أنفاسه يحرقها حد الوجع حين همس بجدية قرب وجنتها

" ماريااا ... ماريا ماريا ما الذي أفعله بك يا صغيرة ؟ "

لم تعلق لم تتحدث ولم تقل شيئاً ... فقط التفت ذراعاها حول عنقه

ترفع جسدها عاليا ودفنت وجهها ودموعها الصامتة بين عنقه

وذراعها وبكت .. بكاءً كان صمتاً لكنه الأقسى والأكثر وجعاً في

العالم وشعرت به يخرج صراخاً ونحيباً يزلزل الأرض ومن عليها

تحضنه بقوة وتدفن وجهها في عنقه بقوة أكبر تستنشق رائحته

تشعر به بحضنه بوجوده ويداه تلتفان حولها بقوة وداعبت

أنفاسه بشرتها ما أن همس مجدداً وببرود هو أقرب للضيق

" ماريا لن تغضبي من وجود تلك الفتاة بالتأكيد فأنا من سيغضب

منك حينها "

اشتدت أصابعها على قماش قميصه القطني الرقيق وخرجت

الأحرف تخنقها عبرتها

" اشتقت لك "

وودت لو قالت سأشتاق لك بدلاً عنها ، بل تمنت لو قالت الحقيقة

كاملة والسبب الأساسي لبكائها في حضنه فلم تعد تجزم متى

ستكون المرة الأخيرة التي ستحظى فيها بكل هذا .. ؟

بالحضن الذي عاشت لأعوام على ذكراه تنتظر أن ترتمي فيه

ويحتويها من جديد ، أن تختبئ في دفئه من كل ما أخافها

وأحزنها وجردها من السعادة لأعوام .

انتفضت مبتعدة عنه أمام نظراته الجادة عاقداً حاجبيه ليس لسبب

سوى رنين هاتفها في جيب بنطلونها منذراً بوصول رسالة

سرعان ما تبعتها أخرى وعلمت بأن لعبة الموت السريع قد بدأت

وأن الخيط الفاصل بين وجودها هنا معه هو اكتشافه لفحواها

الذي لا يبدو بعيداً أيضاً فها هم كما قال يبدو يراقبون المجمع

السكني وسيعلمون بوقت تواجده هنا .

حدقت بتوجس في عيناه اللتان كانتا ترمقانها باستغراب لا تعلم

لتصرفها المفاجئ أم بسبب صوت رنين الرسائل في هاتفها أم أن

مخاوفها السبب ؟ ولم يكن يحتاج لأمر أن تتقمص الدور الذي تم

التخطيط له فهي قامت بأدائه وببراعة ابتداءً بملامحها المتصلبة

ووصولاً لأصابعها المرتجفة تلمس طرف سترتها الصوفية

الخفيفة حيث تشعر بمكانه من فوق قماشها كما قماش البنطلون

السميك .


وخرجت أنفاسها في دفعة واحدة ما أن علا صوت رنين هاتفه هو

هذه المرة مما جعل نظراته تبتعد عنها حيث باب غرفته المفتوح

قبل أن يتحرك باتجاهه فارتفعت أناملها تغطي بظهرها شفتيها

المنفرجة بصمت تسحب الهواء وتزفره بقوة وكأنها تخشى فقده

وللأبد !

وما أن سمعت صوته ينادي محدثه بالأميرال علمت من سيكون

فدخلت غرفتها مسرعة وأغلقت الباب خلفها ووقفت عليه

وأخرجت الهاتف من جيبها ونظرت بعينين دامعة لشاشته

المضاءة ، وقبل أن تصل لهدفها ارتفعت يداها وهو فيها ما أن

تتابع صوت الرسائل المتتابعة فركضت جهة سريرها ودسته تحت

الوسادة ونامت فوقها تدس وجهها فيها بل وعبراتها أيضاً والتي

استطاعت تحريرها ما أن سمعت باب الشقة يُفتح قبل أن يُغلق

سريعاً مما يعني أنه غادر وأن مخطط تلك المدللة الثرية لاحتفالهم

جميعاً بانضمامه لهم تحقق نهاية الأمر وكما تريد .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 08:17 PM   المشاركة رقم: 1499
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

صفعه بقوة حتى كادت رقبته أن تنكسر من قوة استدارة رأسه

جانباً ولم يستطع النطق بشيء فعلاوة عن أن النظر لملامحه

القاسية وهيلمان وجوده يشعرانه بالخوف والرهبة فهو المتحكم

في جماعتهم كاملة ولا أحد يكسر كلمته ، كما أن أعمالهم

المشبوهة تجعل من كل واحد فيهم لعبة بين يديه يتحكم بها كيف

يشاء لأنه وبأمر واحد منه يصبح في السجن الذي لن يخرج

منه أبداً .

مسح على جانب وجهه المتحجر من الألم ونظر للأسفل بصمت

بينما صرخ الواقف أمامه بحدة

" مجموعة حمقى فاشلين ولا يمكن الاعتماد عليكم أبداً "

بينما تأفف شقيقه والواقف قربه وقال بضيق

" انتظر يا شعيب لنفهم منه ما حدث أولاً "

مما جعل نظراته المشتعلة تتجه نحوه هو هذه المرة وقال بحدة

" ما الذي ستفهمه منه أكثر مما حدث وبعدما أضاعوا الفرصة

من أيديهم ؟ "

قال عيسى بجدية ينظر لعينيه مباشرة وكأنه يذكره بالتروي

ودون حديث

" الفرصة ضاعت كما تقول فاتركنا نستمع لبقية كلامه "

فتأفف نافضاً سترته السميكة ونظر ناحية الذي ارتجف ما أن

وقعت عليه تلك الجمرات السوداء المشتعلة يخشى من أن يقرر

معاقبته بالفعل ويعلم جيداً أي عقاب هذا الذي ينتظره فارتفعت

يده لوجهه مجدداً وفي حركة لا إدارية وقال مقراً بكل شيء

وبكامل تفاصيله

" لقد كلفنا المجموعة كاملة بمراقبتها جيداً الفترة الماضية ورغم

قلة خروجها ، وحين دخلت سيارة الإسعاف بعد دخولها لمنزل

مطر شاهين تمت مراقبتها وتتبعها ما أن خرجت وأبلغنا الصحافة

ليكونوا هناك تغطية لوجود من سندخله معهم وقد أخرجها قريبها

أمام أعينهم لكن ما أكده الطبيب وابنتها أيضاً بأنه تم نقلها لقسم

آخر بعد احتجاج قريبها ذاك على القسم الذي وضعت فيه وتم

سحب بطاقاتهم الشخصية وحتى الصور التي التقطوها وتم

تهديدهم من الشرطة أيضاً "


ولاذ بالصمت حين نبأته نظرات الواقف أمامه بأنه لم ينجح في

إخماد غضبه بما لديه وجاءه الدليل سريعاً ما أن صرخ مجدداً

" ما يهمنا الآن ليس صورهما بل ما الذي حدث جعلها

تنهار في... "

وقاطع نفسه وقال بحدة ملوحاً بيده

" وليس هذا ما يعنينا أيضاً بل هل سألتم في المستشفى وعلمتم

أنها ما تزال هناك أو غادرت منه ؟ "

فتقلصت ملامح الواقف أمامه تنذره بخطر احتمال أن يتلقى صفعة

أخرى حين خرج صوته بما يشبه الهمس المرتجف

" لا سيدي لأنهم.... "

لكنه قاطعه وليس بصفعة كما كان يخشى بل بصراخ غاضب

مجدداً

" هل واثقون من بقائها فيه يا حمقى ؟ هل راقبتم إن خرجت من

هناك أم ليس بعد ؟ "

فقال من فوره وكأنه وجد أخيراً ما يسترضيه به

" بلى ولم تغادر سوى ابنتها وابن عمة والدها ولم يرجعا

للمستشفى مجدداً "

فعقد حاجبيه بقوة قائلاً

" ليست هناك إذاً ؟!! "

قال الواقف أمامه مبرراً لا يعلم لنفسه أم لها هي !

" قد تكون نقلت منه ليلتها "

فقال بنظرة تفكير وإن كانت لازالت موجهة له بل وبحدة

" مستحيل لكنا علمنا إلا لو أنه ... "

ولاذ بالصمت فجأة فنظر له نوح باستغراب وقال في أول خروج

له من صمته

" لو أنه ماذا ؟ "

فنظر له بصمت قبل أن يعود بنظره للذي كلفه كقائد لمجموعة

كاملة لمراقبتها تحديداً وقال بضيق

" إلا لو أنهما غادرا بالفعل حينها يا أحمق أليس كذلك ؟ "

فاتسعت عيناه بصدمة وقال بشبه همس

" لم نفكر في الأمر بهذه الطريقة !! "

" لأنكم حمقى بالطبع "

وكان عقابه كسابقه وهو الاستنقاص والصراخ الغاضب وليس له

أن يعترض بالطبع وذاك ما يعلمه جيداً .. بل وأربعتهم هناك وقد

تابع بأمر غاضب

" أريد معلومات كاملة عن قريبها ذاك "

قال الواقف أمامه سريعاً

" لا يحتاج ذلك فهو معروف .. إنه محامٍ له مكاتب عدة في أكثر

من مدينة في البلاد ولديه مجموعة محامين يعملون معاً كفرق

تحري كامل ويعملون لحسابهم الخاص واسمه قائد نصران "


اشتدت قبضتا شعيب بقوة ونظراته تزداد سواداً وقتامة أرعبت

الذي ظن بأن نهايته اقتربت لا محالة بينما قال عيسى هذه المرة

باستغراب ونظره ينتقل بينهما

" لما كان هو من نقلها من المستشفى إذاً وأين تكون ؟! "

وقال نوح الذي حدق في شعيب تحديداً

" هذا سؤال وجيه فعلاً .. أين هي وما الذي حدث ؟ "

فخرج من صمته حينها وقال للواقف أمامه وبحزم

" تقصو لي عن ذاك المحامي وأين يكون الآن وإن كان مختفياً

أيضاً أم لا فثمة إجراءات مهمة علينا اتباعها وتحرك من دون

أخطاء غبية هذه المرة .. مفهوم؟ "

فأحنى رأسه امتناناً فقط لخروجه سالماً من هنا بعد ما سماها

أخطاء فادحة منه وغادر من فوره فاراً بجلده قبل أن يكون منفذاً

لأوامره بينما قال عيسى بامتعاض يخص بنظراته الواقف قربه

والذي انشغل بهاتفه يبدو ينوي الإتصال بأحدهم

" لا أرى مبرراً لغضبك منهم يا شعيب "

نظر له وقال بضيق

" بلى وحماقاتهم كانت في كل مرة ستتسبب لنا بالمشكلات "

وتابع بضيق أشد يشير له بالهاتف في يده

" أرأيت الغبي الذي تركت لك أمره وكاد أن ينكشف ليكشف لهم

كل شيء وبكل غباء وهو يدخل منزل تلك المرأة ولم يطلب منه

أحد ذلك ؟ "

لكن شقيقه ذاك قابل ضيقه وحدته بابتسامة جانبية معلقاً

" لولا غبائه ذاك كما تصفه ما كنا لنكتشف بأنها مراقبة ، بل

وتخلصنا منها وممن كان يراقبها دون أن نتورط في قطرة دم

واحدة والفضل يعود لشهامة زوجها "

قاطع نوح كل حديثهم ذاك وقال مغادراً صمته المعتاد مجدداً

وببعض الضيق

" لا أفهم لما تصر على أنها ابنة دجى الحالك وتلاحق أخبارها يا

شعيب ؟ بل وكلما أعلنت يأسك وظنناك غضضت الطرف عنها

عدت لذات منوالك القديم "

وكان مصيره الأولي نظرة حارقة تبعها صوته الحازم

" لأنه لا شأن لك بما أفعل "

لكن ذلك لم يجعله يتراجع وقد عاد وسأل وبإصرار

" ولما لا شأن لي ؟ بل وبتنا نراك تعمل وحدك فلم نكن نعلم

عن كل هذا ! "

فأجابه هذه المرة قائلاً بضيق يشير لصدغه بالهاتف الذي لازال

في يده
" لأني لست مقتنعاً البتة بالحقيقة التي يراها العيان وإن

كانت دامغة "

قال نوح مجدداً وبضيق هذه المرة يشير بسبابته بعيداً

" أنظر كم من أعوام مرت وأنت تنتظر حقيقتك الدامغة

الخاصة تلك ؟ "

جابهه بقوة معترضاً

" بل هذه الأحداث الأخيرة ستكون أحد أمرين وأتوقع أن يُكشف

لنا الكثير مما نجهل "

فتنهد عيسى بضيق من جدالهما العقيم هذا يرى أن نوح كمن

سكت دهراً ونطق كفراً وهو يعلم عناد شعيب جيداً بينما قال نوح

" توقف عن مطاردة السراب يا شعيب ولنلتفت للأهم "

وحدث ما خشيه شقيقهم الثالث بالفعل وهو اشتعال شعيب

الغاضب والذي صرخ حينها بانفعال

" نلتفت لماذا تحديداً ؟ أنت قلت هذا بأم لسانك أضعنا أعواماً

عديدة في أمر لم نحقق الهدف الأساسي منه بعد "

وحين كان سيتحدث صرخ فيه شعيب مسكتاً إياه

" أنت تحديداً تصمت فقد أثبت فشلك منذ وقت "

وجعله ذلك ينفعل بالمثل قائلاً باحتجاج غاضب

" لا يحق لك اتهامي بشيء لا علاقة لي به فالفتاة شبه مسجونة

في منزل شقيقة المدعو مطر شاهين ولا طرق للوصول لها
وشقيقها هنا ملتصق بنا أي هفوة سنكون نحن المتهمين بها "

تكلم حينها عيسى وكأنه سعد بتغيير مجرى الحديث أخيراً وإن

كان سيأخذهما لشجار آخر محتم لكنه ليس تافهاً كسابقه كما يرى

وقال بشيء من البرود المناقض تماماً للأجواء المنفعلة

" شقيقها أمره سهل .. تلك الطفلة هي الشخص الوحيد

المحمي منا حتى الآن "

قال نوح من فوره وكأنه ينتظر من يبرر له

" ستكون ثمة فرصة مناسبة فكل ما نحتاجه هو بعض الصبر "

قال شعيب بضيق

" أجل حجة الأحمق زكريا الذي لازال يتسكع في إنجلترا مدعياً

أن الأمر يحتاج لبعض الصبر "

قال نوح بجمود

" لا أراه يبالغ أو يتملص وهو أكد مراراً بأنه لم يستطع الوصول

له داخل المصح المحصن تماماً فلا تنسى بأن تلك البلاد اللعب

فيها مع ابن شاهين يشبه اللعب في أرضه فلنفوذه هناك يد أطول

من أيدينا كما يبدو "

وقال عيسى مؤيداً

" ولا تنسى أيضاً بأن زكريا هو المتضرر الأول من بقاء ذاك

الفتى على قيد الحياة حتى يفيق من غيبوبته وأرى فكرة استغلاله

لشقيقته لتكون الطريق للوصول له خطة ذكية وتحتاج للكثير

من الصبر بالفعل "

قال شعيب معارضاً من جديد وموجهاً حديثه له

" ما أعلمه وموقن منه أن مشنقتنا ستكون على يدي شقيقك

المتهور ذاك فلا أحد منا هناك ليراقب تصرفاته وما يفعل "

قال عيسى سريعاً

" سبق وحذرتَه يا شعيب ويعلم جيداً بأنه في حال أصبح خطراً

علينا بسبب غبائه سيكون الموت مصيره "

قال نوح معترضاً على ذاك الرأي الدموي كما يراه

" لا أرى من داعٍ للخوف فلن يستطيع أحد اكتشاف اللعبة التي

لعبها مع القانون فلم تستطع هيئة محلفين كاملة اكتشاف الثغرة

ولحسن الحظ أغلق ابن شاهين ملف القضية مبكراً ورفض

تسليمها لأي محامٍ آخر خوفاً على شقيق الفتاة "

ربتت كف شعيب على جانب صدره بظهرها وقال ناظراً لعينيه

" المهم الآن هو موضوع ذاك المحامي نصران أريدك أن تتولى

كل شيء يا نوح وتشرف عليه بنفسك وتضمن لي من يتسلل

لمعقله ويفتش عن كل ما قد يفيدنا فأنا لم أعد أثق كثيراً بعصابة

الحمقى أولئك "

ربت هو على كتفه هذه المرة مبتسماً وغادر من فوره ، وهو لا

يريد أن يفشل في هذه المهمة أيضاً ليعلما بأنه ليس كما يظنان

لا نفع منه وسيثبت لهما ذلك هذه المرة ولشعيب تحديداً .


*
*
*


كانت كفه مفرودة الأصابع تغطي الورقة التي لم يرتفع نظره من

عليها ومستقرة على الطاولة تحته لا تصدق عيناه حتى الآن ما

يحدث ، وذاك حاله منذ وقت وكأنه يحاول إقناع نفسه بما تراه

عيناه في تلك الأسطر الواضحة من بين أصابعه الرجولية الطويلة

، بل وهذا حاله هو فكيف سيكون حال ووضع المعني بالأمر ؟

كانت أفكاره تدور في تلك الدوامة السحيقة بينما كان سمعه مع

الذي كان يقول بصوت جاد عميق قربه

" الرجل يرفض قول غير ما قال والأدلة جميعها ضده .. بصماته

على سلاح الجريمة وعلى فأس الحراثة وآثار الضرب على

جسدها أيضاً "

قال بشر موجهاً حديثه له أيضاً بينما نظره هو لم يغادر الورقة

تحت يده بعد

" رجلك مات بسلاح مغاير وآلة التصوير الخاصة به اختفت مما

يعني بأن الشخص الذي كان معها أخذها بعدما قتله "

قال قاسم

" انظر لتحليلي للأمر .. دخل الرجل للمنزل ولحق به زوج

الضحية وكان ثمة شجار دفع بالرجل الذي وضع لمراقبتها

بالاقتراب من المنزل أكثر أو محاولة إنقاذها بسبب صراخها

المرتفع وذاك ما جعله مكشوفاً وتقديري أنه ثمة شخص آخر كان

في الخارج وهو من قتله "

نظر له تميم وقال

" أين اختفى الرجل الذي كان في الداخل إذاً ولما ليس هو

من قتلها ؟! "


رفع قاسم كتفيه يمد شفتيه بمعنى لا أعلم ثم قال

"مفتاح القضية لدى زوجها وعليه أن يتحدث ويقر بكل ما لديه"

قال بشر وقد وجه نظره كما حديثه لمن لم يغادر صمته التام

حتى الآن

"أعطي الإشارة لرجالك يا عمير وسيسحبون كل ما نريد منه

بطريقتهم الخاصة ، أو قم بإحالة القضية للجهات المختصة

وسيعلم رجال التحقيق كيف يجعلونه يعترف بكل شيء "

لم يعلق المعني بالأمر ونظره لازال على الأحرف العريضة أعلى

الورقة تحت يده وعبارة المحكمة العليا للقضاء تحديداً فأمسكت

يد قاسم بكتفه وقال من خلف أذنه بجدية

" هذا أمر يخص مطر وحده فلا تزعج نفسك به فقد خرج عن

اختصاصنا "

رفع حينها يده كما نظره من عليها وتمتم ببرود يدس يديه في

جيبي بنطلونه الكحلي

" وتلك الجريمة تخصه وحده أيضاً ولا أحد يتدخل فيها حتى

يكون هنا "

تنفس قاسم بضيق وتبادل وتميم نظرة صامتة قبل أن تنتقل

الأنظار جميعها هناك ناحية باب المكتب الذي انفتح على اتساعه

وللذي وقف أمامه لازال يمسك مقبضه بيده وكأنه خرج من

أفكارهم .. بل من مخاوفهم ! وبالرغم من علمهم بأن طائرته

وصلت منذ دقائق عدة وبأن وجوده هنا قد يكون خياره الأول قبل

حتى أن يفكر في زيارة منزله إلا أن أمنيات عقولهم الباطنة كانت

مخطئة على ما يبدو ، زد عليه أن يطلب بأن يكون فريق طبي

كامل وسيارة إسعاف في انتظاره ما أن تنزل طائرته وبأنه ليس

وحيداً على متن تلك الرحلة والطائرة الخاصة ، والأسوء أن

يكون ذاك الزائر هو شقيقته التي يعرف كل واحد من ثلاثتهم من

وكيف تكون .. أي أنه لا حدود لتنبؤاتهم بمزاجه حينها .


وعادت تلك الأعين للتحدث فيما بينها في صمت وصوته

الجهوري المبحوح قد ملأ المكان الذي أغلق بابه خلفه بقوة

ليضيق بهم جميعاً وهو يتحدث في هاتفه الذي دخل وهو على

أذنه وكانت كلماته حازمة قوية تقترب للغضب

" أخبر مدير ذاك المصح بأنه سيكون المسؤول الأول إن غادرت

غرفتها وبأن عقابه لن يكون هيناً ، ساعات قليلة وسأكون هناك

وسأتحدث معها بنفسي "

وغرقت الأحداق المشوشة بترقب في حديث صامت آخر فيما

بينها بينما ارتفع حاجبا بشر وكأنه ينبههم لمصيرهم المماثل حين

علا صوته الغاضب وهو يجتازهم نحو مكتبه

" ليحقنوها بمنوم أو بأي شيء يجعلها تنام .. هل سأعلمكم

أنا ما عليكم فعله ؟ "

أنهى بعدها المكالمة ورمى هاتفه فوق الطاولة التي أصبح يقف

أمامها وانتقل نظره بين الأجساد خالية الأرواح حوله والأعين

الناطقة دون صوت وقال بحزم ولازال حاجباه معقودان بضيق

" هل أفهم ما الذي يحدث هنا ؟ "

ظن كل واحد منهم بأنه علم وبطريقة ما بما يحدث وإن كانت

قضية القتل التي لحقت بخيطهم الوحيد للوصول لأهم حقيقة

يبحثون عنها منذ أعوام لولا يقينهم بالتكتم التام عن الأمر وفي

دائرة ضيقة للغاية .

" ليتحدث أحدكم "

عبارته الغاضبة تلك وسبابته تضرب نحو الأسفل حيث الطولة

المليئة بالأوراق تحتها جعلتهم يتبادلون نظرة صامتة أخرى ، وما

كان عليهم أن يستغربوا قط بأنه قادر على قراءة المصائب في

أعينهم وهم رجاله وعرفهم لأعوام ، وكان صوت قاسم من

اخترف حاجر الصمت السميك حولهم وذاك المنتظر منه بالتأكيد

فهو يبقى قريبه .. والأهم منها زوج ابنته الوحيدة ، وبالرغم من

ذلك خرج صوته مدججاً بالترقب الوجس قائلاً بهدوء

" المرأة التي وضعتها تحت المراقبة في أغادير وجدت مقتولة "


وتبادل عمير وتميم فقط نظرة صامتة حينها قبل أن تتشتت بين

زعيمهم وابن عمته المحدقان ببعضهما وذاك كان المتوقع منه أن

يلقي القنبلة الأصغر في وجهه أولاً رغم عظمها لكنها تبقى أقل

قوة وفتكاً من الأخرى ، وحدث المتوقع حين انتقلت نظراته

المتسعة بغضب منه لعمير فقال من فوره ومن قبل أن يعلق "

زوجها من فعلها "

وكالمتوقع أيضاً فقد ثار غضباً وهو هدفه الوحيد

" وكيف يفعلها ؟! ألستَ مكلفاً بمراقبتها ؟ "

ولم يتوقف الأمر هناك بل أضاف سريعاً وبغضب أشد

" علمت منذ البداية أنني أعتمد على طلبة ثانوية "

كانت إهانة ثلاثية الأبعاد مثل عددهم تماماً وعليهم استقبالها

بروح معنوية مرتفعة بالطبع ، لكن عمير يبدو لم يعجبه ذاك

الوسام الشرفي ودافع عن نفسه قائلاً باحتجاج

" رجلي قُتل أيضاً يا مطر وزوجها يرفض الإعتراف سوى بأنه

من فعلها ولم نستعمل القوة معه لأنه والد قريب عمك وزوجتك "

كان الغضب لازال مسيطراً على العينان الحادة والأحداق السوداء

القوية المحدقة بهم وما يعلمه جميعهم بأنه لازال في جعبته

المزيد لولا يد قاسم التي رفعت الورقة عن طرف طاولة المكتب

ومدها ناحيته أمام النظرات المصدومة للواقفين قربه فلم يتوقع

أيا منهما أن يفعلها ولم يفكرا في فعلها أيضاً وهو بمزاجه الناري

المشتعل هذا ! بينما قال قاسم وهو يدفعها نحوه بطول يده

" وصلت هذه من المحكمة العليا لمكتبك اليوم "

وما أن استلتها أصابع مطر منه بقوة عم الصمت القاتل المكان

وكأنه لا أحد فيه ولم يجرؤ أياً منهم على النظر ناحيته وقد انتقلت

حدقتاه في الأسطر المكتوبة أمامه وكأن كل واحد منهم قرر أن لا

أن يرى نظرة الغضب أوالصدمة أو أيا كان ما يكون رد فعله على

ذلك يفرضون على أنفسهم احترامه المشبّعة به دمائهم قبل

احترامهم لخصوصياته ، ولولا سفره ما كان ليقرأ أسطرها أحد

غيره ، ارتفعت نظراتهم تباعاً ناحيته ما أن تحرك مغادراً من

خلف طاولة مكتبه قائلا بجمود الصخر

" أين هو زوجها ؟ "

وذاك أول رد فعل لم يتوقعه أي واحد منهم ولا في أبعد

أحلامهم !! وكانت يد قاسم الأسبق له ما أن لاحظ أنه سيكمل

طريقه ناحية باب المكتب الموصد موقفاً إياه ، وما أن استدار

مقابلاً له نظر لعينيه ونزلت يده لذراعه وشد عليها قائلاً بصوت

يبدو خشي حتى أن تسمعه أذناه

" كانت في منزلك البارحة "

وتبادلا نظرة صامته ولم يستغرب أن لا يعلق على ما قال بعد

موقفه السابق فتابع بقلب شجاع ويعلم بأنه يكسر واحداً غيره

بينما نظراته على عينيه المحدقة فيه بجمود

" كانت منهارة تماماً وتعرضت لنزيف حاد وبعد نقلها للمستشفى

غادرت برفقة قريبها المحامي قائد نصران وهي مختفية منذ ذاك

الوقت ولم نجدها "

وساد الصمت المكان وكأنه لا أحد فيه وحدقت الأعين جميعها به

فسحب ذراعه من قبضة أصابعه بحركة قوية وأولاهم جميعاً

ظهره يجعد ورقة المحكمة بين يديه القويتان وتحرك ناحية الباب

ورماها لتستقر في سلة المهملات قربه قبل أن يفتحه ضارباً إياه

بقوة على اتساعه وقال بصوت قوي آمر مغادراً

" عمير اتبعني سأتحدث معه بنفسي أولاً "

فتبادل من تركهم خلفه نظرة لا يمكن تفسيرها تعبر أيضاً عن ألا

متوقع وألا منطقي بتاتاً قبل أن يتحرك المعني بالأمر خلفه متمتماً

من بين أسنانه بغضب

" سحقاً لامرأة تدعس كبرياء رجل بحذائها "


*
*
*

فرك أصابعه بقوة حتى سمع صوت طقطقة عظام مفاصلها بينما

نظره على أشباح أشياء تمر دون أن يركز ما تكون من خلال

نافذة السيارة وحيث يجلس بجانب أويس الذي لم يتبادل معه ولا

كلمة واحدة منذ اقتربت سيارته من حوران فهو رفض أن يغادر

لوحده بسيارته ولا أن يقودها بنفسه خوفاً عليه ، وكان ذاك قراراً

صائباً اعترف به الجالس خلف المقود بينه وبين نفسه فهو لاحظ

وطوال الطريق الذي سلكاه من منزله حتى العاصمة توتره

وتشتت أفكاره وشروده الحزين أغلب الوقت فبالرغم من العلاقة

المهزوزة بينهما إلا أنه يبقى والده ، وذلك إن استثنينا بالطبع

زوجته التي كانت ستكون سبباً في موت شقيقته محترقة ، وله أن

يتوقع العكس أيضاً فلن يستغرب أن يكون متألماً من أجلها

فشخصية كيمان يتأثر ويغضب حتى من أجل عمال المزارع الذين

لا ينتمون ولا لبلاده لن يستغرب منها أي شيء خاصة بعد موقفه

من المدعوة مايرين وفعلتها تلك فلم يكن يتوقع أن تستمر زوجة

له بعد تلك الليلة ! وإن كان هو مكانه لطلقها على الفور .

لقد تجنب التحدث معه في أمرها طوال الطريق وكان نقاشهما

بأكمله يدور حول ما حدث مع والده والمعلومات الضيقة التي علم

بها عن الجريمة وكان لأبان الدور الأساسي فيها فالأمر لازال طي

الكتمان ولم يُعرض لا على الجنائية ولا النيابة العامة .

توقفت سيارته أمام مبنى معين بعد أن اجتازت شوارع عديدة في

عاصمة البلاد وكان المبنى الرئيسي لجهاز المخابرات العامة ،

وهذا أمر آخر فعله من أجله أبان والذي وجداه ينتظرهما هناك

ومن كان على اتصال دائم بأويس حتى وصلا .

تصافحوا في صمت ما أن اجتازت خطواتهما الواسعة الرصيف

ووصلا عنده وقال أبان مربتاً على ذراع صديقه

" كن قوياً يا يمان وسيخرج إن كان بريئاً تأكد من ذلك "

وكان تعليقه إيماءة صامتة قبل أن يتحرك ثلاثتهم يميناً عبر

الرصيف الحجري المحاذي للبناء المرتفع بطوابقه الخمسة تحفه

أشجار الزينة المقلمة بعناية ودخلا الباب الواسع المفتوح لم يمنع

دخولهم ذاك أحد من الحرس الموجودين لا أمامه ولا داخله حتى

وصلوا لباب معين طرق عليه أبان بمفصل سبابته قبل أن يفتحه

ودخل ثلاثتهم لغرفة بمكتب أسود واسع وصالون جلدي مقابل له

وبذات اللون وأرفف خشبية على الجانبين حوت مجموعات

كبيرة من ملفات مرتبة بعناية بينما كان ثمة رجلان في المكان

أحدهما جالس خلف المكتب والآخر واقف أمامه وقد استدار

نحوهم عندما دخلوا ، وتبادلوا السلام معهمم فور دخولهم فإبن

شقيقة مطر شاهين ومن سمحوا له بالدخول باتصال واحد من

رئيسهم كجهاز عام لمخابرات الدولة كان معروفاً ودون أن

يُعرف عن نفسه .

قال الذي وقف من خلف مكتبه ونظره وحديثه موجه ليمان تحديداً

بينما خرج صوته جاداً يشبه ملامحه

" سنسمح لك برؤيته لهذه المرة فقط وننصحك بمحاولة إقناعه

ليتجاوب معنا لأن الصمت لن ينفعه ولن يستمر أيضاً فلم تصلنا

الأوامر بعد للتحقيق معه بالطريقة التي نتقنها والوحيدة التي

نجيدها ليقر بكل ما فعله منذ ولدته أمه ولن يكون وضعه في

الجنائية أفضل إن تم نقله لها "

وما أن أنهى عبارته تلك خرج من خلف طاولة مكتبه وقال ما أن

أصبح يقف أمامهم ولازال حديثه كما نظره موجهان له

" شقيقاك الصغيران موجودان لدينا أيضاً إن قررت أخذهما أو

سيتم إرسالهما لعائلة والدتهما وحال رفضهم لهما سيتم

تحويلهما لأحد دور الأيتام حال تثبت إدانة والدك فالقرار

سيكون لك حسب ما وصلتنا الأوامر "

وغادر من فوره ورفيقه يتبعه تاركان صمتاً مخيفاً بعدهما ،

وبينما كانت نظرات أويس تتجول في المكان حوله يداه في جيبي

بنطلونه كانت نظرات أبان لم تفارق ملامح صديقه المقرب والذي

كان ينظر للأرض بشرود حزين يشعر به وكأنه داخله .. وتلك

كانت مشاعره دائماً إتجاهه حتى حين كان لا يعلم أسباب ما

يحزنه فكيف الآن ؟ فإن أنساه أي شيء حقيقة ما يحدث فكلمات

ذاك الضابط عن شقيقيه ستُذكره وبقسوة أن بقايا عائلته الصغيرة

قد تشتت مجدداً فكيف ينطق أمامه عبارة أن الميتم سيكون

مصيرهما ؟ ليس وهما شقيقان لهذا الشاب الذي يعرفه أكثر من

نفسه والذي علمته الحياة أن يكون رجلاً منذ صغره ، وكم يؤلمه

حال صديقه هذا وما وصل له فالمسؤليات لا تتركه أبداً على

ما يبدو كما المآسي والفواجع .

انتقل نظرهم ثلاثتهم ناحية الباب وللداخل منه يمسكه أحد رجال

ذاك المكان من إحدى ذراعيه المثنيتان خلف جسده حتى اقترب به

منهم منتصف المكان وفك الأصفاد من يديه أولاً وقال وهو يغلق

الباب الذي خرج منه وبصوت بارد كالجليد

" دقائق فقط "

وفقط هذا ما قاله أيضاً وتركهم في مواجهة صاحب الشعر

الرمادي والعينان الفضيتان مثله والملامح التي لم تغادرها

القسوة كما التجهم في مشهد ألفه إبنه ذاك وعرفه منذ صغره

وشعر بأنه ذاته وكأنه يقف أمامه قبل أسابيع في منزلهم القديم

حتى خطوط وجهه القاسة لم تتغير مما جعل قبضتاه تشتدان

بجانب جسده بقوة فقد كانت نظراته مصوبة لعينيه تحديداً وصمته

مخيفاً يشبهه تماماً شعر به حتى الواقفان معه بل وأويس الذي

يراه للمرة الأولى عكس أبان ، سحب يمان نفساً عميقاً لصدره

قبل أن يخرجه ببطء قائلاً بهدوء لم يشبه انفعال ضربات قلبه

" صديقي أويس كما أبان زوج ابنتك محاميان ووعدا بمساعدتك

، فقط ما عليك الآن فعله ... "

" أين كنت ؟ "

قطع كلماته ولاذ بالصمت ينظر للعينان المحدقتان فيه بغضب

وقسوة تشبه كلماته تلك وازداد شده ليديه بقوة حتى آلمته

أصابعه وقال ببطء

" كنت في الجنوب "


" لماذااا ؟ "


صرخ بتلك الكلمات في وجهه وتردد صداها في المكان مما جعل

أبان وأويس يتبادلان نظرة مستغربة فهل هذا يكون وضع رجل

تنتظره قضية قد يأخذ فيها حكماً بالإعدام إن أصر على أقواله !!

لم يعد كلاهما يمكنه إجزام العكس وأن يكون بريئاً فعلاً منها

ففوق الأدلة الثابتة ضده عيناه وحدها قادرة على القتل ودون

سلاح ...!! وكان ذاك ما قالته نظراتهما وإن لم ينطقاه وفهمه كل

واحد منهما ودون عناء التحدث والشرح ، وسرعان ما انتقلت

نظراتهما لصديقهما الذي كان لازال يحدق في والده بصمت بينما

صرخ الذي تحرك خطوتان للأمام حتى أصبح يقف على بعد

خطوتين فقط منه

" ما الذي جعلك تترك والدك وأرضك يا يمان؟ "

قال مباشرة ودون خوف هذه المرة بل ولأول مرة منذ ولد وعرفه

" لأنها ليست أرضي ولا ما أريد "

وشخصت عينا الواقفان جانباً بصدمة حين دوى صوت الصفعة

القوية عالياً وأمسكت يد أويس ذراع أبان يمنعه من التحرك ما أن

فكر في ذلك وهو يرى صديق طفولته يمسك وجنته ينظر للأرض

بعينان فارغتان قتلتاه أكثر من الصفعة التي شعر بها تنزل على

وجهه هو ، وكان سيتحرك مجدداً ينوي منع يده وبالقوة حين

ارتفعت مرة أخرى لتضرب الجانب الآخر من وجهه لولا توقف

كل شيء في تلك الغرفة بسبب صوت بابها الذي انفتح على

اتساعه فجأة وللواقف أمامه وقد همس أبان مصدوماً ما أن

وقع نظره عليه

" خالي مطر !! "



*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 08:20 PM   المشاركة رقم: 1500
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 





*
*
*

انتقلت الأنظار جميعها للذي أصبح يقف أمام الباب المفتوح

وخلفه يقف عمير كما قاسم الذي لحق بهما فور مغادرتهما القصر

الرآسي وقرر أن يكون معه طوال اليوم ودون سؤال أو طلب منه

، كانت نظرات الموجودين هناك له متفاوتة فبينما كانت مستغربة

من أبان وأويس لوجوده هنا واهتمامه بأمر القضية بل وحتى

يمان والذي انكسرت نظراته تلك وأحنى رأسه للأسفل حين دققت

تلك النظرات الحادة القوية في عينيه تحديداً .. إلا أن نظرات

والده كانت مختلفة تماماً وعنهم جميعاً وهو يحدق فيه بعينان

جامدة كالصخر وحاجبان لم يتخلصا من عقدتهما المخيفة بعد ،

والمضحك في الحكاية أنه كان يجهل هويته فوقت الحرب الأهلية

عاشت البلاد في جهل وتأخر في كل شيء حتى أن التلفاز كان

شيء لا وجود له في منازلهم وبعد عودته التي مضى عليها عدة

أشهر فقط كان يتعمد عدم رؤية كل ما يخص أخباره وأخبار البلاد

ليس فقط لأن يومه مليء بمشاغله التي لا تنتهي كرجل مزارع

يحرث أرضه ويفلحها ويبيع محصولها لينام نهاية اليوم

كالأموات .. بل ولأنه لم يحب ذاك القائد المغوار يوماً والذي

أوصل بعد الله بلادهم لما عليه الآن بتوحيده إياها ورآه كقلة من

سكان الهازان مجتاح تسبب بإحراق بعض أراضيهم وإعادة

تقسيمها لمن يستحق ولا يستحق في نظرهم ، فلم يهتم بما فعله

جميع من لم يروه يوماً وهو التسابق لرؤيته ما أن ظهر في

قنوات التلفاز حيت عاد للوطن ، وكل ما أخبره به خياله حينها

بأنه رئيس جميع الموجودين هناك وبجميع رتبهم من طريقة

وقوفه وثقته والقوة المنبعثة من كل شيء فيه وليس نظراته

الواثقة فقط ، والذي لم يكن يعلم بأنه ليس هو بل أحد الواقفان

خلفه وبأنه أعلى رتبة ومكانة منه .

كان مطر من تحدث حينها بينما نظراته لازالت على يمان الذي لم

يرفع رأسه ولم ينظر لأحد قائلاً بجدية

" يكفيك هذا يا يمان أم تريد دقائق أخرى بعد معه ؟ "

فكان جوابه أن حرك رأسه برفض ودون أن يرفعه بينما خرجت

كلماته جوفاء خالية من أي تعبير

" لا سيدي لا شيء لديا بعد "

فتقدمت خطواته نحو الداخل حينها قائلاً بحزم

" إذاً اتركونا نقوم بعملنا يا شباب "

فتحرك ثلاثتهم منصاعين بعد نظرة صامتة تبادلها أبان وأويس لا

يفهمان مما يحدث شيئاً حتى غادرا المكان ووقف حينها عند

الباب الضابط الذي ترك لهما مكتبه قبل قليل والرجل الذي كان

برفقته بينما وقف مطر مقابلاً للذي قال له بجدية

" إبراهيم أريد أن أعلم حقيقة ما حدث ومفصلاً "

وكان جواب الواقف أمامه لازالت ملامحه تحتفظ بقسوتها كما

تجهمها ولازال يجهل بل ولا يهتم بمن يكون

" ما لديا قلته لرجالك أم أني الشخص الوحيد الذي أمسكتموه

في البلاد تمارسون عليه أ.... "

وسكت تماماً بسبب اليد التي خرجت من جيب صاحبها وبسرعة

البرق هوت على خده حتى استدار وجهه بأكمله ودوى صوت

الصفعة عاليا مما جعل عينا الموجودان خلفه تتسع بصدمة ،

وبصعوبة منع قاسم يده التي امتدت ناحية مطر والواقف أمامهما

تماماً وقبض أصابعها وأعادها مكانها قبل أن يحدقا في بعضهما

نظرتهم تلك تتحدث نيابة عنهما فهذا السلوك أبعد من أن يتخيلا

أن يصدر منه وهو من عرفوه كأنفسهم وكان عكس ذلك تماماً

ولأعوام طويلة حتى مع من هم يصغرونه بأعوام فكيف بمن هو

أكبر منه ! وذهبت ظنون كل واحد منهما بأنه غضب مكبوت لم

ينفس عنه بعد بعدما فاجأهم بردة فعله السابقة حين علم بورقة

المحكمة واختفاء زوجته ومع من ، لكن الحقيقة كانت في أمر

آخر تماماً رآه وحده لدخوله قبلهما وهي يده المرفوعة وأثر

أصابعه على وجه من غادر قبل قليل دون أن يرفع رأسه بأي

شخص ممن مر به بينهم ولازال ذلك يشتعل في داخله حتى الآن

وها قد أعطاه الفرصة لينفس عنه وكما يتمناها تماماً .

أدار وجهه جانباً ونادى بصوت غاضب

" نقيب خالد "

فدخل الواقف عند الباب من فوره وضرب له التحية وهو يقف

مستقيماً فإن كان ملزماً بها مع الواقف خلفه وهو عمير رئيسهم

كجهاز مخابرات فهذا من باب أولى بالتأكيد ، قال بأمر حازم ما

أن وقعت نظراته عليه وسبابته تشير للواقف أمامه قبل أن

يرميها جانباً

" حققوا معه بطريقتكم .. أريد اعترافاً كاملاً بما حدث "

فارتفعت يده لجانب رأسه في حركة سريعة وهو ينزلها مجدداً

ودون أن ينطق بشيء نظره يتبعه وقد غادر من فوره يلحق به

من دخلا برفقته بينما دخل رفيقه الواقف هناك ونظر هو للواقف

مكانه تتلمس أصابعه فكه الذي كان يشعر بأنه تحول لكتلة صلبة

ثقيلة وبسخونة غريبة تخرج من البشرة التي كانت تغطيه وابتسم

بسخرية ما أن نظر له وقال

" لا أعلم أين كان عقلك وأنت تقول ذلك لرئيس بلادك ؟! "

مما جعل الأحداق الرمادية تتسع بصدمة محدقة به وتابع ذاك

على الفور

" كنا نعاملك برقي لم يعرفه أحد من قبلك دخل إلى هنا خوفاً فقط

من غضبه ولأننا نعلم بأنه سيأتي لرؤيتك ، ووحده من كان

يمسكنا عن سلخ الجلد عن عظامك وها قد تسببت في خسارتك

لهذا الدلال "

وصرخ منادياً على الفور ورأسه يميل جانباً حيث الباب المفتوح

" عصااام "

وفي لمح البصر أصبح الذي كان يقف في الخارج واقفاً أمام

طاولته وضرب له التحية فأشار له عليه وقال بأمر حازم

" خذه للغرفة ثمانية وسأكون لديكم خلال لحظات "
*
*
*

حضنت نفسها واتكأت بطرف جبينها على زجاج النافذة الباردة

تنظر لقمم المباني والأشجار البعيدة بحزن لو وزع على جميع

ساكنيها لكفاهم وفاض منه الكثير ليعلمهم البؤس ما عاشت

أرواحهم ، كيف للإنسان أن يحضن أحزانه ويحتويها ؟

أن يربت على قلبه وينسيه مرارته التي هو السبب الأول فيها ؟

كيف يعتذر من نفسه عن كل ما فعله بها كي لا يخجل من أفعاله

أمامها لعله يرتاح بذلك ويريحها .

اكتسحت سحابة دموع رقيقة صامتة عيناها الواسعة شعرت بها

تحرقها بشدة حتى امتد الألم لجفناها المرهقان واشتدت أصابعها

على قماش فستانها القطني الناعم جهة رحمها وأسدلت جفنيها

ببطء لتنحسر الدمعة اليتيمة بين نعومة الرموش السوداء الكثيفة

وكأنها تحضنها مواسية ومتألمة لألمها رافضة حزن فراقها

وهاجمتها الذكريات كالموج الغاضب يضربها ودون رحمة ترى

صورتهما وهواء البحر يتلاعب بخصلات الشعر المموج الطويل

بالكاد ثمة شيء ما يستر ظهرها تلتف ذراعاها حول عنقه بينما

تنظر للخلف وحيث من يقوم بالتقاط الصورة لهما موليان

ظهرهما له ، كانت وكأنها تنظر لها الآن أمامها وتحترق بها

مجدداً واشتدت قبضة أصابعها أكثر على القماش الناعم بلون

السماء البعيدة واحترقت أضلعها تسجن عبرة لم تعد تقوى على

حبسها داخلها أكثر من ذلك تسجنها خلف أنفاسها المتعاقبة في

شهيق صامت .

( مطر لا تتعامل معي بهذا الأسلوب الذي تستخدمه مع جميع

نسائك فأنت تعلم جيداً بأني لست كأي واحدة منهن ، لا يعنيني

قولك بأنها مجرد فترة وسترجع ونرجع كما كنا فهذا لا يكفي)


( أنت لا تتوقف عن جعل النساء يصبن بالملل ليبتعدن عنك من

تلقاء أنفسهن كلما أردت التخلص من إحداهن لكني لست أي

امرأة وأنت من اعترف بذلك سابقا وبلسانه )

( قسما أني أحبك يا مطر ولا أفهم ما هذا الدليل الذي تبحث

عنه لتقتنع بذلك ؟ )

كانت تسمع صوتها الأنثوي بلكنته الأنجليزية السلسلة وكأنه ينزل

على أذنها وقلبها الآن بل وكأنها كانت نائمة ومغيبة عن كل ذلك

درجة أن تنساه وكأنه لم يحدث ! فكيف استطاع قلبها أن ينسيها

إياه ويخدعها ويتلاعب بها فلومها يقع عليه قبل أن توجهه ناحية

من خدعها بأكاذيبه وهي صدقتها وصدقت بالفعل أنه يملك تبريراً

لكل ذلك فما سيكون ؟

( كانت زوجتي حليلتي لا يحق لأحد ولا أنت لومي على ما

أحله الله )

وهذه أيسر مشنقة قد يضعها حول عنقها ويقتلها بها وهذا إن

كان لتبريره هذا وجود .

مسحت عيناها بظهر كفها بحركة سريعة ليس فقط لأنها ترفض

أن تشعر بتلك الدمعة اليتيمة تشق طريقها فوق نعومة وجنتها

فقد ذرفت منها الكثير وأكثر مما بات الأمر يستحق ، بل بسبب

صوت الطرقات القصيرة المتقطعة على باب الغرفة فرفعت يديها

لحجابها ولمسته أناملها ببطء تتأكد منه وقالت تنظر

للباب الموصد

" تفضل "

فدار مقبضه ببطء قبل أن ينفتح وأجبرت نفسها على رسم

ابتسامة صغيرة وإن لم تصل لعينيها المدججة بالحزن والأسى

تنظر لصاحبة الابتسامة الواسعة الصادقة وإن كانت أيضاً تراها

تتصنعها مجبرة فقط لتشعرها بالقوة التي عليها أن تستمدها من

الموجودين حولها بينما اقتربت منها تحمل في يديها صينية

جميلة من الفضة الصناعية يتوسطها كوب من الكريستال مملوء

بالحليب الأبيض النقي وكم شعرت بالإحراج منها لأنها جلبتها

بنفسها بدلاً من إرسالها مع خادماتهم فوقفت وخرج صوتها

متأثراً ببحة زادته رقة ولازالت تنظر لها تقترب حيث كانت تجلس

" لما تتعبي نفسك بكل هذا ؟ "

فقالت التي وضعت الصينية حيث الطاولة الزجاجية والمدعمة

بالنحاس الطبيعي وهي ترفع الكوب منها

" لأنك لن تطلبيها أبداً وكما لم تطلبي جلب غيرها "

وتابعت وهي تمدها لها

" حلفتك بالله أن تشربي وإن هذا فقط وإن من أجل طفلك

ياغسق فهو لن يصمد أكثر على هذا الحال "


مدت يدها وأخذته منها تنظر له بين يديها وشعرت بالألم يعتصر

قلبها بسبب كلماتها فهي بالفعل تقسو عليه بأكثر مما يستحمل

قلبه الصغير الذي بالكاد بدأ ينمو ، وكونه أثبت قوته في مواجهة

كل ما مر بهما لا يعني أنه يمكنه الصمود أكثر ، وكانت الواقفة

أمامها وكأنها تقرأ ما يدور داخلها وقد قالت مبتسمة بحنان

" لقد أتبث لك بأنه سيكون رجلاً قوياً فليعلم بأن والدته

أقوى منه إذاً "

فارتسمت ابتسامة عرفان صادقة على شفتيها تهديها إياها وكم

تشعر بالامتنان ناحيتها فهي أثبتت بأنها تستحق بأن تكون زوجة

لذاك الرجل العظيم والذي كان من القلة الذين حضوا بمحبة

مشتركة من جميع أقطار بلادهم الذي لم تُنسيه السنين بعد جراحه

القديمة الغائرة كرفضهم وبالإجماع أن يترك منصبه المهم لغيره

لما التمسوه من عدله وحبه لأبناء وطنه .

جلست تشرب منه بلا أي رغبة وكأنها تشرب شيئاً لا طعم له ولا

يشبه حتى الماء ليس فقط من أجل الواقفة قربها بل ومن أجل

صغيرها أيضاً وكما قالت فهو يحتاج ما لا ترى نفسها تحتاجه .

أنزلت الكوب النصف ممتلئ تنظر له بين يديها تحاول إقناع

نفسها بتقبل المزيد منه وإن من أجل الواقفة قربها لم تغادر حتى

الآن وتخشى أنها تنتظرها لتأخذ الصينية أيضاً ، قالت بهدوء

حزين وأصابعها البيضاء تشتد على زجاجه اللامع

" أعتذر على كل ما سببته وقد أسببه لكم ، أنا حقاً آسفة..... "

قاطعتها التي جلست بجوارها وشدت يدها على ساعدها

قائلة بحنان

" ما هذا الذي أسمعه منك يا غسق ؟ لو كنتِ شخصاً غريباً لا

نعرفه ما رددناه خائباً فكيف بإبنة عقبة التي لم ينجبها ؟ "

نظرت للسائل لأبيض بين يديها بحزن وأبت الكلمات أن تنساق

معها لتشكرها على الأقل خشية أن تتحرر معها عبرتها

المسجونة منذ أصبحت هنا فمعرفتها بهذه المرأة العظيمة ليس

وليد اللحظة بل منذ أصبح والدها الذي رباها رئيساً للبلاد وكان

زوجهاً وزيراً للعدل .. الوزير الوحيد الذي لم يتغير طيلة الأعوام

الماضية دعوات الناس بأن يطيل الله في عمره قد تفوق دعواتهم

لأنفسهم ، ولولا ذلك ما كانت لتلجأ له في أمر لن يفكر أي

شخص في مكانته أن يقف معها موقفاً صادقاً قوياً كما فعل

ومنحها حرية استخدام حقها في القضاء العادل للبلاد كأي شخص

موجود فيها .. لكنها تخجل أيضاً من سماحتها وتفهمها للأمر

دون أن تمانع زوجها فيما قرر ويفعل وأثبتت بأنه بالفعل وراء كل

رجل عظيم امرأة تسانده على الحق وتشجعه على التمسك به .


رفعت الكوب لشفتيها وشربت المزيد منه بينما يد الجالسة قربها

تمسح على ظهرها برقة وحنان وقالت مبتسمة

" أتعلمي ما قاله لي عمك عقبة اليوم ؟

( علمت الآن لما أحبها شراع وكأنها ابنة حقيقية له )

ولا أراه مخطئاً أبداً فيما قال "

اشتدت أصابعها على الكوب فيها ومنعتها عبرتها الحبيسة مجدداً

من قول أي شيء تكافئ به كلماتها تلك ولم تستطع منع نفسها

من النوم في حضنها ما أن ارتفعت يدها من ظهرها لرأسها

وأغمضت عيناها بحزن تأسر الدمعة السابحة فيهما تشعر بحنان

يدها تمسح على الحجاب الملفوف حول شعرها بإحكام وقد قالت

بحنان باسم

" لو كان له ابنة ما كنت لأتوقع أن يحبها هكذا "

ابتسمت بحزن هامسة تدعو الله أن يطيل في عمره فهو لديه ثلاث

شبان ولم يرزق بالإناث مطلقاً وكأنه يشبه والدها شراع في كل

شيء ، ترقرقت الدموع في عينيها وهمست ببحة

" لو كان والدي لازال على قيد الحياة كانت أمور كثيرة تغيرت "

وأغمضتهما برفق وحزن ما أن قالت التي مسحت بيدها

على ذراعها

" لا تتركي للشيطان فرصة التلاعب بك يا غسق ، وها هو والدك

الحقيقي مازال موجوداً والحمد لله كما أن عمك عقبة لا أراه إلا

والداً آخر لك يفكر في قضيتك أكثر من تفكيره في مشاكل

البلاد كاملة "

ابتعدت عن حضنها تمسح عيناها بقوة ووضعت الكوب الشبه

فارغ من يدها ولم تستطع قول أنها تخشى عليه بالفعل مما

وضعته فيه لأنه يفترض بذاك الرجل أنه رمز العدالة في هذه

البلاد ومنذ سعى وعمل على توحيدها فهل سيتعامل بالنقيض مع

وزير العدل في حكومته ؟ إن كانت هي مستثناة من كل ذلك

فغيرها العكس بالتأكيد خاصة وهو رجل بكل هذه المكانة

والشعبية في بلاد رفض شعبها حتى أن يتقاعد ، لكن خوفها

الحقيقي منصب نحو شخص آخر تماماً .

نظرت للتي كانت وكأنها تقرأ أفكارها مجدداً حيث قالت وهي تقف

وترفع الصينية والكوب فيها

" قريبك في مكتب عمك عقبة في الأسفل ويريد رؤيتك "

وتابعت ما أن استوت واقفة ونظرت لها

" إن كنت متعبة يمكنه رؤيتك في وقت لاحق يا غاسق "

وقفت من فورها قائلة

" لا فعليا رؤيته بالفعل .. هل توصليني له ؟ "

قالت مبتسمة

" بالتأكيد بالرغم من أنك تعرفين مكانه جيداً ولا أحد من

أبنائي يعيش معنا كما تعلمين أيضاً "

نظرت للأسفل بحياء منها وقالت

" لكن ابنك الأصغر موجود في البلاد وإن كان في منزل مستقل

وأخجل من أن ألتقي به مصادفة إن فكر في زيارتك "

ابتسمت وقالت مغادرة جهة باب الغرفة

" أخبرتك أيضاً بأني لا أراه ولا عائلته إلا يومي الإجازة

من كل أسبوع "

فتبعتها من فورها وقالت تنزل السلالم الحلزوني خلفها

" قد يضطره أي أمر للمجيء "


ضحكت التي كانت تنزل العتبات العريضة قبلها وقالت

" لا تقلقي من هذا فوالده نبه عليه أن يخبره إن أراد دخول

المنزل ولم ينسى مخاوفك "

ابتسمت تراقبها وهي تتحدث مع الخادمة التي أخذت الصينية

منها بينما كانت تنزل هي آخر عتبات السلالم الخشبية وتحركت

يساراً ودخلت الممر القصير الذي أوصلها مباشرة للباب الشبه

مفتوح ، وقفت أمامه وأمسكت بمقبضه ودفعته نحو الداخل ببطء

وظهر لها الذي وقف على طوله وكان يجلس في المكان وحيدا ً

، كانت تعلم بأنه موجود هنا في هذا المنزل الواسع ولا تعلم أين

تحديداً ويبدو خارجه لكنه بالتأكيد لم يتعدى أسواره كي لا يصبح

في قبضة من يبحثون عنه بشراسة وفي كل مكان الآن وهذا جل

ما تخشاه ويجعلها مترددة ناحية كل ما فعلوه ولم يعد يمكن

التراجع عنه ، فالسيد عقبة بحكم مركزه لن يتأذى وأكثر ما قد

يفعله ذاك الرجل حياله هو عزله من منصبه وإن بتقديم سبب

وهمي أو موجود لكن هذا الرجل الذي لا يمتلك شيء سوى

شهامته التي قدمها ودون مقابل لها لكي لا تقف في مواجهة

ظروفها وحيدة فلا يملك شيئاً يرد به جبروت ذاك الرجل عنه

ويكفيها أنه لم يتخلى عنها ولم يكن جوابه مشابهاً لمن تربت معه


كشقيق لها

( لا تفكري في محاربة القانون بالقانون يا غسق فستكونين كمن

يحارب الهواء بعصا من خشب )

أما هذا الرجل فقد كان مختلفاً فلم ينكر حقها في تحديد مصيرها ..

لم يخف ولم يتراجع بالرغم من قوة خصمهما ، فإن كانت هي

ابنة عمه ووالدة أبنائه فوق كل ما حدث وسيحدث فهذا الرجل

ليس لديه شيء يمسك إنتقامه عنه إن فكر في ذلك وهو مالا

تستبعده .

اقتربت خطواتها منه نحو الداخل تاركة الباب مفتوحاً وبالرغم من

أن فستانها كان طويلاً يغطي حتى قدميها وبأكمام طويلة وحجابها

غطى أكثر من نصف جسدها العلوي شعرت بالخجل منه وهو

يتجنب النظر لها وهي تمشي وقماشه القطني يحتك بجسدها فقائد

هو ذاته لم تغيره السنين أبداً كان يليق بالمهنة التي اختارها من

قبل أن يدرسها ، رجل لا يتخلى أبداً عن مبادئه مما جعله يخسر

سنوات عمره ليعيشها وحيداً وبسببها للأسف كحال جبران

ووثاب وكأنها لعنة حلت عليهم بل وعلى نفسها مثلهم ، وها هي

مبادئه السامية ومعتقداته تجرفه في التيار معها .

قال بصوت عميق متزن ما أن وقفت على بعد خطوات منه

ونظر لها

" كيف حالك الآن يا غسق ؟ "

وكان جوابها إيماءة من رأسها تتجنب النظر له وخرج

همسها خافتاً

" الحمد لله "

وصلها صوته الهادئ من فوره

" السيد عقبة قال بأنه سيتكفل بما طلبته بخصوص القضية "

رفعت نظرها له وقالت

" وما الذي بقي من إجراءات بشأن المحكمة ؟ "

دس يديه في جيبيه وقال بجدية

" الأوراق الموجودة في مكتبي وهي أهم ما نحتاجه فلم أكن

مستعداً ولم أجد وقتاً لجلبها قبل إخراجك من المستشفى "

قالت سريعاً

" لن تفكر في جلبها بنفسك بالتأكيد "

قال بابتسامة صغيرة

" لا بالطبع فخروجي خطوتين فقط في الشارع معناه

اختفائي وللأبد "

لكنها لم تستطع تقبل ذلك بمرح مثله بل كان قلبها يرتجف بشدة

حتى كانت تسمع ضرباته في أذنيها وهي تتخيل ذلك لكن هل

سينتهي هذا بانتهاء القضية ؟ لما لم تشعر بكل هذا الخوف عليه

سابقاً ! هل لأن الأمر أصبح واقعي وعيش الواقع لا يشبه التفكير

فيه فقط ؟ قالت بتساؤل

" وكيف ستجلبها إذاً ؟ "

حرك كتفيه قائلاً

" غدير هي سبيلي الوحيد وهي الشخص الوحيد أيضاً الذي

يمكنني الوثوق به "

ارتسمت ابتسامة خافتة على ملامحها الحزينة المجهدة وقالت

" تلك الأستاذة الجامعية تعني ؟ "

قال بهدوء

" أجل وهي تعمل في مكتبي هنا في حوران بل ومديرته

والمسؤولة عنه في غيابي وسأجد طريقة ما للاتصال بها

فستكون مراقبة بالتأكيد وعلينا الحذر "

حركت رأسها قليلاً وقالت وذات تلك الابتسامة تزين شفتيها

" تلك الفتاة لا تعلم ما الرائع فيها تحديداً سوى بأنها مزيج من

كل شيء ! لو كان رعد ليس متزوجاً لاتبعت معه جميع

الأساليب ليتزوجها "

وكان تعليقه إيماءة من رأسه وابتسامة عميقة حقيقية تزين

شفتيه ولم يعلق كما كانت تتوقع أو تتمنى ولم تفهم إشارته تلك

موافقة منه على ماقالت عنها أم ما قالته هي بخصوص أن تكون

زوجة لشقيقها ؟!

وتنهدت بعجز فالأمر الوحيد الذي تفهمه أن الرجال طباعهم

واحدة لا تخرج منهم المرأة بشيء تجهله ويعلمونه !! .

قالت بجدية

" عليك إذاً جلبهم لي ما أن يصبحوا لديك "

غضن جبينه وقال باستغراب

" لم أفهم ما تقصدين ! "

قالت من فورها

" ما أقصده بأني سأسلمهم للسيد عقبة ليأخذهم للمحكمة

وقت القضية "

" ولما ؟ "

كان سؤاله سريعاً ومقتضباً بل وكان كمن يساير طفلة صغيرة

ليعلم ما تريد قوله ويعلمه مسبقاً فزمت شفتيها بقوة لثواني قليلة

قبل أن تقول

" لأن الإدعاء العام من سيستلم القضية "

" ماذا ؟! "

اتسعت عيناه بصدمة وهو يهمس بتلك الكلمة اليتيمة فقالت

ودون تردد

" ما سمعته يا قائد فأنا لا أريد أن .... "


فقاطعها بضيق وكأنه لم يسمع أو يهتم بما تقول

" ولما طلبت مني هذا منذ البداية إن كنت ستتراجعين عنه

نهاية الأمر ؟ "

كانت تعلم بأنه سيستاء من قرارها بل وسيغضب وهذا ما تراه

الآن أمامها لكنه لن يستطيع أبداً فهم ما تشعر به وبات يرعبها

ولم تعد تنظر للأمر كلعبة تحدي كالسابق ، قالت بهدوء لا يشبه

مزاجه البتة

" معك حق في كل ما قلت ما كان عليا زجك في أمر فيه

مضرة لك يا قائد "


وتجاهل كلماتها مجددا وهو يقول بحدة

" أتعلمي معنى أن تتركي المحكمة تترافع عنك ؟ أنت تسلمي

الأمر له بهذا يا غسق ولن يقف السيد عقبة كمحامٍ لك أيضاً "

اشتدت أصابعها في قبضة واحدة وقالت بإصرار

" حتى خسارتي للقضية ليست أهم منك يا قائد وأعترف بأنانيتي

وأتراجع عنها أيضاً "

قال سريعاً وبضيق

" ولماذا الآن ؟ "

" لأن الأوان لم يفت بعد "

كان ردها سريعاً أيضاً لكنه لم يزده سوى ضيقاً كما يبدو وقال

" لا تتجاهلي فهم السؤال يا غسق "

قالت من فورها

" لا أتجاهله ولم أتراجع عن قراري بقضية الطلاق إن كان

هذا ما تقصده "

قال بنظرة تفكير

" ولا من أجل حمايتي ؟ "

وكان جوابها سريعاً أيضاً وبجمود لم يشرح مطلقاً ما كان

يشتعل في داخلها

" ولا من أجل أي شيء .. وكرامتي تستحق أن أضحي بكل شيء

من أجلها لكن ليس أنت يا قائد إنهم يبحثون عنك أكثر من بحثهم

عني وهذا ما لم أكن أتوقعه ، وإن كنت تجهل سبب إحالة العقاد

لقيادة معسكرات الجنوب فهو مطر شاهين والسبب طلبه ليدي من

عمي صقر وأمامه .. وهذا وهو القائد الأعلى للجيش سابقاً فكيف

بك أنت ؟ على دورك أن ينتهي عند هنا لأقل ضرر عليك مستقبلاً

وسأتفق مع السيد عقبة على كل شيء "

أشار لها بسبابته قائلاً بإصرار

" قلتها بنفسك أقل ضرراً .. إذا هو موجود وأنا لن أتراجع من

أجل مهنتي وأخلاقي كمحامٍ ليس من أجلك إن كان هذا يرضيك "

وتبدل مزاجها هي للضيق حينها قائلة

" قائد لا تفهم ما أقول بشكل خاطئ "

قال بحدة

" بل أفهمك جيداً وما تقولين وما تفكرين فيه أيضاً "

حركت رأسها قائلة بضيق أشد بسبب عناده

" لا يمكن ولا للسيد عقبة أن يسحب توقيعاً منه يتعهد فيه بأن

لا يتعرض لك "

فانقلب مزاجه فجأة وإن للسخرية وقال بابتسامة جانبية

" أجل بالتأكيد تلك ستكون مهزلة "


قالت بجدية

" لذلك ستكون أنت المسؤول عن كل شيء لكنك لن تظهر للعلن

وستمارس حقك في القضية كاملا ً "

قال وذات الابتسامة تزين شفتيه

" هل درستِ المحاماة سابقاً ؟ "

قالت بجمود وشدها لأصابعها يزداد قوة حتى آلمتها

" بل درست الجراج التي يكون مسببها أقوى من أن

تواجهه بالقانون "

فرد كفيه حينها وقال وإن كان ليس مقتنعاً

" لك ما تريدين إذاً "

وتابع يشير لوجهها بسبابته

" وعليك أن تعلمي بأني في صفك ولجانبك لآخر الأمر يا غسق "

ابتسمت حينها وإن بحزن وقالت

" شكراً لك يا قائد ولن أكون سعيدة إلا وأنت بخير "

أومأ برأسه مبتسماً وتحرك مجتازاً إياها فأوقفته كلماتها ما أن

وصل الباب ودون أن يلتفت لها

" كن حذراً يا قائد لا أريد أن تتضرر غدير بأي شيء نفعله فأنت

تعلم بالتأكيد معنى أن تصبح المرأة في السجن وإن خرجت

منه سريعاً "


حرك رأسه موافقاً وقال وهو يغادر من هناك

" أنا أحرص عليها من نفسي يا غسق ولن أؤذيها أبداً "

فابتسمت بحزن تراقب مكانه الذي أصبح خالياً منه وارتفعت

قبضتها لصدرها وهمست بعينين دامعة

" كم أتمنى أن تزول لعنتي عليك وعلى جبران تحديداً لأشعر

بالارتياح وإن من أجلكما دوني "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 07:40 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية