كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
*
*
*
صفعه بقوة حتى كادت رقبته أن تنكسر من قوة استدارة رأسه
جانباً ولم يستطع النطق بشيء فعلاوة عن أن النظر لملامحه
القاسية وهيلمان وجوده يشعرانه بالخوف والرهبة فهو المتحكم
في جماعتهم كاملة ولا أحد يكسر كلمته ، كما أن أعمالهم
المشبوهة تجعل من كل واحد فيهم لعبة بين يديه يتحكم بها كيف
يشاء لأنه وبأمر واحد منه يصبح في السجن الذي لن يخرج
منه أبداً .
مسح على جانب وجهه المتحجر من الألم ونظر للأسفل بصمت
بينما صرخ الواقف أمامه بحدة
" مجموعة حمقى فاشلين ولا يمكن الاعتماد عليكم أبداً "
بينما تأفف شقيقه والواقف قربه وقال بضيق
" انتظر يا شعيب لنفهم منه ما حدث أولاً "
مما جعل نظراته المشتعلة تتجه نحوه هو هذه المرة وقال بحدة
" ما الذي ستفهمه منه أكثر مما حدث وبعدما أضاعوا الفرصة
من أيديهم ؟ "
قال عيسى بجدية ينظر لعينيه مباشرة وكأنه يذكره بالتروي
ودون حديث
" الفرصة ضاعت كما تقول فاتركنا نستمع لبقية كلامه "
فتأفف نافضاً سترته السميكة ونظر ناحية الذي ارتجف ما أن
وقعت عليه تلك الجمرات السوداء المشتعلة يخشى من أن يقرر
معاقبته بالفعل ويعلم جيداً أي عقاب هذا الذي ينتظره فارتفعت
يده لوجهه مجدداً وفي حركة لا إدارية وقال مقراً بكل شيء
وبكامل تفاصيله
" لقد كلفنا المجموعة كاملة بمراقبتها جيداً الفترة الماضية ورغم
قلة خروجها ، وحين دخلت سيارة الإسعاف بعد دخولها لمنزل
مطر شاهين تمت مراقبتها وتتبعها ما أن خرجت وأبلغنا الصحافة
ليكونوا هناك تغطية لوجود من سندخله معهم وقد أخرجها قريبها
أمام أعينهم لكن ما أكده الطبيب وابنتها أيضاً بأنه تم نقلها لقسم
آخر بعد احتجاج قريبها ذاك على القسم الذي وضعت فيه وتم
سحب بطاقاتهم الشخصية وحتى الصور التي التقطوها وتم
تهديدهم من الشرطة أيضاً "
ولاذ بالصمت حين نبأته نظرات الواقف أمامه بأنه لم ينجح في
إخماد غضبه بما لديه وجاءه الدليل سريعاً ما أن صرخ مجدداً
" ما يهمنا الآن ليس صورهما بل ما الذي حدث جعلها
تنهار في... "
وقاطع نفسه وقال بحدة ملوحاً بيده
" وليس هذا ما يعنينا أيضاً بل هل سألتم في المستشفى وعلمتم
أنها ما تزال هناك أو غادرت منه ؟ "
فتقلصت ملامح الواقف أمامه تنذره بخطر احتمال أن يتلقى صفعة
أخرى حين خرج صوته بما يشبه الهمس المرتجف
" لا سيدي لأنهم.... "
لكنه قاطعه وليس بصفعة كما كان يخشى بل بصراخ غاضب
مجدداً
" هل واثقون من بقائها فيه يا حمقى ؟ هل راقبتم إن خرجت من
هناك أم ليس بعد ؟ "
فقال من فوره وكأنه وجد أخيراً ما يسترضيه به
" بلى ولم تغادر سوى ابنتها وابن عمة والدها ولم يرجعا
للمستشفى مجدداً "
فعقد حاجبيه بقوة قائلاً
" ليست هناك إذاً ؟!! "
قال الواقف أمامه مبرراً لا يعلم لنفسه أم لها هي !
" قد تكون نقلت منه ليلتها "
فقال بنظرة تفكير وإن كانت لازالت موجهة له بل وبحدة
" مستحيل لكنا علمنا إلا لو أنه ... "
ولاذ بالصمت فجأة فنظر له نوح باستغراب وقال في أول خروج
له من صمته
" لو أنه ماذا ؟ "
فنظر له بصمت قبل أن يعود بنظره للذي كلفه كقائد لمجموعة
كاملة لمراقبتها تحديداً وقال بضيق
" إلا لو أنهما غادرا بالفعل حينها يا أحمق أليس كذلك ؟ "
فاتسعت عيناه بصدمة وقال بشبه همس
" لم نفكر في الأمر بهذه الطريقة !! "
" لأنكم حمقى بالطبع "
وكان عقابه كسابقه وهو الاستنقاص والصراخ الغاضب وليس له
أن يعترض بالطبع وذاك ما يعلمه جيداً .. بل وأربعتهم هناك وقد
تابع بأمر غاضب
" أريد معلومات كاملة عن قريبها ذاك "
قال الواقف أمامه سريعاً
" لا يحتاج ذلك فهو معروف .. إنه محامٍ له مكاتب عدة في أكثر
من مدينة في البلاد ولديه مجموعة محامين يعملون معاً كفرق
تحري كامل ويعملون لحسابهم الخاص واسمه قائد نصران "
اشتدت قبضتا شعيب بقوة ونظراته تزداد سواداً وقتامة أرعبت
الذي ظن بأن نهايته اقتربت لا محالة بينما قال عيسى هذه المرة
باستغراب ونظره ينتقل بينهما
" لما كان هو من نقلها من المستشفى إذاً وأين تكون ؟! "
وقال نوح الذي حدق في شعيب تحديداً
" هذا سؤال وجيه فعلاً .. أين هي وما الذي حدث ؟ "
فخرج من صمته حينها وقال للواقف أمامه وبحزم
" تقصو لي عن ذاك المحامي وأين يكون الآن وإن كان مختفياً
أيضاً أم لا فثمة إجراءات مهمة علينا اتباعها وتحرك من دون
أخطاء غبية هذه المرة .. مفهوم؟ "
فأحنى رأسه امتناناً فقط لخروجه سالماً من هنا بعد ما سماها
أخطاء فادحة منه وغادر من فوره فاراً بجلده قبل أن يكون منفذاً
لأوامره بينما قال عيسى بامتعاض يخص بنظراته الواقف قربه
والذي انشغل بهاتفه يبدو ينوي الإتصال بأحدهم
" لا أرى مبرراً لغضبك منهم يا شعيب "
نظر له وقال بضيق
" بلى وحماقاتهم كانت في كل مرة ستتسبب لنا بالمشكلات "
وتابع بضيق أشد يشير له بالهاتف في يده
" أرأيت الغبي الذي تركت لك أمره وكاد أن ينكشف ليكشف لهم
كل شيء وبكل غباء وهو يدخل منزل تلك المرأة ولم يطلب منه
أحد ذلك ؟ "
لكن شقيقه ذاك قابل ضيقه وحدته بابتسامة جانبية معلقاً
" لولا غبائه ذاك كما تصفه ما كنا لنكتشف بأنها مراقبة ، بل
وتخلصنا منها وممن كان يراقبها دون أن نتورط في قطرة دم
واحدة والفضل يعود لشهامة زوجها "
قاطع نوح كل حديثهم ذاك وقال مغادراً صمته المعتاد مجدداً
وببعض الضيق
" لا أفهم لما تصر على أنها ابنة دجى الحالك وتلاحق أخبارها يا
شعيب ؟ بل وكلما أعلنت يأسك وظنناك غضضت الطرف عنها
عدت لذات منوالك القديم "
وكان مصيره الأولي نظرة حارقة تبعها صوته الحازم
" لأنه لا شأن لك بما أفعل "
لكن ذلك لم يجعله يتراجع وقد عاد وسأل وبإصرار
" ولما لا شأن لي ؟ بل وبتنا نراك تعمل وحدك فلم نكن نعلم
عن كل هذا ! "
فأجابه هذه المرة قائلاً بضيق يشير لصدغه بالهاتف الذي لازال
في يده
" لأني لست مقتنعاً البتة بالحقيقة التي يراها العيان وإن
كانت دامغة "
قال نوح مجدداً وبضيق هذه المرة يشير بسبابته بعيداً
" أنظر كم من أعوام مرت وأنت تنتظر حقيقتك الدامغة
الخاصة تلك ؟ "
جابهه بقوة معترضاً
" بل هذه الأحداث الأخيرة ستكون أحد أمرين وأتوقع أن يُكشف
لنا الكثير مما نجهل "
فتنهد عيسى بضيق من جدالهما العقيم هذا يرى أن نوح كمن
سكت دهراً ونطق كفراً وهو يعلم عناد شعيب جيداً بينما قال نوح
" توقف عن مطاردة السراب يا شعيب ولنلتفت للأهم "
وحدث ما خشيه شقيقهم الثالث بالفعل وهو اشتعال شعيب
الغاضب والذي صرخ حينها بانفعال
" نلتفت لماذا تحديداً ؟ أنت قلت هذا بأم لسانك أضعنا أعواماً
عديدة في أمر لم نحقق الهدف الأساسي منه بعد "
وحين كان سيتحدث صرخ فيه شعيب مسكتاً إياه
" أنت تحديداً تصمت فقد أثبت فشلك منذ وقت "
وجعله ذلك ينفعل بالمثل قائلاً باحتجاج غاضب
" لا يحق لك اتهامي بشيء لا علاقة لي به فالفتاة شبه مسجونة
في منزل شقيقة المدعو مطر شاهين ولا طرق للوصول لها
وشقيقها هنا ملتصق بنا أي هفوة سنكون نحن المتهمين بها "
تكلم حينها عيسى وكأنه سعد بتغيير مجرى الحديث أخيراً وإن
كان سيأخذهما لشجار آخر محتم لكنه ليس تافهاً كسابقه كما يرى
وقال بشيء من البرود المناقض تماماً للأجواء المنفعلة
" شقيقها أمره سهل .. تلك الطفلة هي الشخص الوحيد
المحمي منا حتى الآن "
قال نوح من فوره وكأنه ينتظر من يبرر له
" ستكون ثمة فرصة مناسبة فكل ما نحتاجه هو بعض الصبر "
قال شعيب بضيق
" أجل حجة الأحمق زكريا الذي لازال يتسكع في إنجلترا مدعياً
أن الأمر يحتاج لبعض الصبر "
قال نوح بجمود
" لا أراه يبالغ أو يتملص وهو أكد مراراً بأنه لم يستطع الوصول
له داخل المصح المحصن تماماً فلا تنسى بأن تلك البلاد اللعب
فيها مع ابن شاهين يشبه اللعب في أرضه فلنفوذه هناك يد أطول
من أيدينا كما يبدو "
وقال عيسى مؤيداً
" ولا تنسى أيضاً بأن زكريا هو المتضرر الأول من بقاء ذاك
الفتى على قيد الحياة حتى يفيق من غيبوبته وأرى فكرة استغلاله
لشقيقته لتكون الطريق للوصول له خطة ذكية وتحتاج للكثير
من الصبر بالفعل "
قال شعيب معارضاً من جديد وموجهاً حديثه له
" ما أعلمه وموقن منه أن مشنقتنا ستكون على يدي شقيقك
المتهور ذاك فلا أحد منا هناك ليراقب تصرفاته وما يفعل "
قال عيسى سريعاً
" سبق وحذرتَه يا شعيب ويعلم جيداً بأنه في حال أصبح خطراً
علينا بسبب غبائه سيكون الموت مصيره "
قال نوح معترضاً على ذاك الرأي الدموي كما يراه
" لا أرى من داعٍ للخوف فلن يستطيع أحد اكتشاف اللعبة التي
لعبها مع القانون فلم تستطع هيئة محلفين كاملة اكتشاف الثغرة
ولحسن الحظ أغلق ابن شاهين ملف القضية مبكراً ورفض
تسليمها لأي محامٍ آخر خوفاً على شقيق الفتاة "
ربتت كف شعيب على جانب صدره بظهرها وقال ناظراً لعينيه
" المهم الآن هو موضوع ذاك المحامي نصران أريدك أن تتولى
كل شيء يا نوح وتشرف عليه بنفسك وتضمن لي من يتسلل
لمعقله ويفتش عن كل ما قد يفيدنا فأنا لم أعد أثق كثيراً بعصابة
الحمقى أولئك "
ربت هو على كتفه هذه المرة مبتسماً وغادر من فوره ، وهو لا
يريد أن يفشل في هذه المهمة أيضاً ليعلما بأنه ليس كما يظنان
لا نفع منه وسيثبت لهما ذلك هذه المرة ولشعيب تحديداً .
*
*
*
كانت كفه مفرودة الأصابع تغطي الورقة التي لم يرتفع نظره من
عليها ومستقرة على الطاولة تحته لا تصدق عيناه حتى الآن ما
يحدث ، وذاك حاله منذ وقت وكأنه يحاول إقناع نفسه بما تراه
عيناه في تلك الأسطر الواضحة من بين أصابعه الرجولية الطويلة
، بل وهذا حاله هو فكيف سيكون حال ووضع المعني بالأمر ؟
كانت أفكاره تدور في تلك الدوامة السحيقة بينما كان سمعه مع
الذي كان يقول بصوت جاد عميق قربه
" الرجل يرفض قول غير ما قال والأدلة جميعها ضده .. بصماته
على سلاح الجريمة وعلى فأس الحراثة وآثار الضرب على
جسدها أيضاً "
قال بشر موجهاً حديثه له أيضاً بينما نظره هو لم يغادر الورقة
تحت يده بعد
" رجلك مات بسلاح مغاير وآلة التصوير الخاصة به اختفت مما
يعني بأن الشخص الذي كان معها أخذها بعدما قتله "
قال قاسم
" انظر لتحليلي للأمر .. دخل الرجل للمنزل ولحق به زوج
الضحية وكان ثمة شجار دفع بالرجل الذي وضع لمراقبتها
بالاقتراب من المنزل أكثر أو محاولة إنقاذها بسبب صراخها
المرتفع وذاك ما جعله مكشوفاً وتقديري أنه ثمة شخص آخر كان
في الخارج وهو من قتله "
نظر له تميم وقال
" أين اختفى الرجل الذي كان في الداخل إذاً ولما ليس هو
من قتلها ؟! "
رفع قاسم كتفيه يمد شفتيه بمعنى لا أعلم ثم قال
"مفتاح القضية لدى زوجها وعليه أن يتحدث ويقر بكل ما لديه"
قال بشر وقد وجه نظره كما حديثه لمن لم يغادر صمته التام
حتى الآن
"أعطي الإشارة لرجالك يا عمير وسيسحبون كل ما نريد منه
بطريقتهم الخاصة ، أو قم بإحالة القضية للجهات المختصة
وسيعلم رجال التحقيق كيف يجعلونه يعترف بكل شيء "
لم يعلق المعني بالأمر ونظره لازال على الأحرف العريضة أعلى
الورقة تحت يده وعبارة المحكمة العليا للقضاء تحديداً فأمسكت
يد قاسم بكتفه وقال من خلف أذنه بجدية
" هذا أمر يخص مطر وحده فلا تزعج نفسك به فقد خرج عن
اختصاصنا "
رفع حينها يده كما نظره من عليها وتمتم ببرود يدس يديه في
جيبي بنطلونه الكحلي
" وتلك الجريمة تخصه وحده أيضاً ولا أحد يتدخل فيها حتى
يكون هنا "
تنفس قاسم بضيق وتبادل وتميم نظرة صامتة قبل أن تنتقل
الأنظار جميعها هناك ناحية باب المكتب الذي انفتح على اتساعه
وللذي وقف أمامه لازال يمسك مقبضه بيده وكأنه خرج من
أفكارهم .. بل من مخاوفهم ! وبالرغم من علمهم بأن طائرته
وصلت منذ دقائق عدة وبأن وجوده هنا قد يكون خياره الأول قبل
حتى أن يفكر في زيارة منزله إلا أن أمنيات عقولهم الباطنة كانت
مخطئة على ما يبدو ، زد عليه أن يطلب بأن يكون فريق طبي
كامل وسيارة إسعاف في انتظاره ما أن تنزل طائرته وبأنه ليس
وحيداً على متن تلك الرحلة والطائرة الخاصة ، والأسوء أن
يكون ذاك الزائر هو شقيقته التي يعرف كل واحد من ثلاثتهم من
وكيف تكون .. أي أنه لا حدود لتنبؤاتهم بمزاجه حينها .
وعادت تلك الأعين للتحدث فيما بينها في صمت وصوته
الجهوري المبحوح قد ملأ المكان الذي أغلق بابه خلفه بقوة
ليضيق بهم جميعاً وهو يتحدث في هاتفه الذي دخل وهو على
أذنه وكانت كلماته حازمة قوية تقترب للغضب
" أخبر مدير ذاك المصح بأنه سيكون المسؤول الأول إن غادرت
غرفتها وبأن عقابه لن يكون هيناً ، ساعات قليلة وسأكون هناك
وسأتحدث معها بنفسي "
وغرقت الأحداق المشوشة بترقب في حديث صامت آخر فيما
بينها بينما ارتفع حاجبا بشر وكأنه ينبههم لمصيرهم المماثل حين
علا صوته الغاضب وهو يجتازهم نحو مكتبه
" ليحقنوها بمنوم أو بأي شيء يجعلها تنام .. هل سأعلمكم
أنا ما عليكم فعله ؟ "
أنهى بعدها المكالمة ورمى هاتفه فوق الطاولة التي أصبح يقف
أمامها وانتقل نظره بين الأجساد خالية الأرواح حوله والأعين
الناطقة دون صوت وقال بحزم ولازال حاجباه معقودان بضيق
" هل أفهم ما الذي يحدث هنا ؟ "
ظن كل واحد منهم بأنه علم وبطريقة ما بما يحدث وإن كانت
قضية القتل التي لحقت بخيطهم الوحيد للوصول لأهم حقيقة
يبحثون عنها منذ أعوام لولا يقينهم بالتكتم التام عن الأمر وفي
دائرة ضيقة للغاية .
" ليتحدث أحدكم "
عبارته الغاضبة تلك وسبابته تضرب نحو الأسفل حيث الطولة
المليئة بالأوراق تحتها جعلتهم يتبادلون نظرة صامتة أخرى ، وما
كان عليهم أن يستغربوا قط بأنه قادر على قراءة المصائب في
أعينهم وهم رجاله وعرفهم لأعوام ، وكان صوت قاسم من
اخترف حاجر الصمت السميك حولهم وذاك المنتظر منه بالتأكيد
فهو يبقى قريبه .. والأهم منها زوج ابنته الوحيدة ، وبالرغم من
ذلك خرج صوته مدججاً بالترقب الوجس قائلاً بهدوء
" المرأة التي وضعتها تحت المراقبة في أغادير وجدت مقتولة "
وتبادل عمير وتميم فقط نظرة صامتة حينها قبل أن تتشتت بين
زعيمهم وابن عمته المحدقان ببعضهما وذاك كان المتوقع منه أن
يلقي القنبلة الأصغر في وجهه أولاً رغم عظمها لكنها تبقى أقل
قوة وفتكاً من الأخرى ، وحدث المتوقع حين انتقلت نظراته
المتسعة بغضب منه لعمير فقال من فوره ومن قبل أن يعلق "
زوجها من فعلها "
وكالمتوقع أيضاً فقد ثار غضباً وهو هدفه الوحيد
" وكيف يفعلها ؟! ألستَ مكلفاً بمراقبتها ؟ "
ولم يتوقف الأمر هناك بل أضاف سريعاً وبغضب أشد
" علمت منذ البداية أنني أعتمد على طلبة ثانوية "
كانت إهانة ثلاثية الأبعاد مثل عددهم تماماً وعليهم استقبالها
بروح معنوية مرتفعة بالطبع ، لكن عمير يبدو لم يعجبه ذاك
الوسام الشرفي ودافع عن نفسه قائلاً باحتجاج
" رجلي قُتل أيضاً يا مطر وزوجها يرفض الإعتراف سوى بأنه
من فعلها ولم نستعمل القوة معه لأنه والد قريب عمك وزوجتك "
كان الغضب لازال مسيطراً على العينان الحادة والأحداق السوداء
القوية المحدقة بهم وما يعلمه جميعهم بأنه لازال في جعبته
المزيد لولا يد قاسم التي رفعت الورقة عن طرف طاولة المكتب
ومدها ناحيته أمام النظرات المصدومة للواقفين قربه فلم يتوقع
أيا منهما أن يفعلها ولم يفكرا في فعلها أيضاً وهو بمزاجه الناري
المشتعل هذا ! بينما قال قاسم وهو يدفعها نحوه بطول يده
" وصلت هذه من المحكمة العليا لمكتبك اليوم "
وما أن استلتها أصابع مطر منه بقوة عم الصمت القاتل المكان
وكأنه لا أحد فيه ولم يجرؤ أياً منهم على النظر ناحيته وقد انتقلت
حدقتاه في الأسطر المكتوبة أمامه وكأن كل واحد منهم قرر أن لا
أن يرى نظرة الغضب أوالصدمة أو أيا كان ما يكون رد فعله على
ذلك يفرضون على أنفسهم احترامه المشبّعة به دمائهم قبل
احترامهم لخصوصياته ، ولولا سفره ما كان ليقرأ أسطرها أحد
غيره ، ارتفعت نظراتهم تباعاً ناحيته ما أن تحرك مغادراً من
خلف طاولة مكتبه قائلا بجمود الصخر
" أين هو زوجها ؟ "
وذاك أول رد فعل لم يتوقعه أي واحد منهم ولا في أبعد
أحلامهم !! وكانت يد قاسم الأسبق له ما أن لاحظ أنه سيكمل
طريقه ناحية باب المكتب الموصد موقفاً إياه ، وما أن استدار
مقابلاً له نظر لعينيه ونزلت يده لذراعه وشد عليها قائلاً بصوت
يبدو خشي حتى أن تسمعه أذناه
" كانت في منزلك البارحة "
وتبادلا نظرة صامته ولم يستغرب أن لا يعلق على ما قال بعد
موقفه السابق فتابع بقلب شجاع ويعلم بأنه يكسر واحداً غيره
بينما نظراته على عينيه المحدقة فيه بجمود
" كانت منهارة تماماً وتعرضت لنزيف حاد وبعد نقلها للمستشفى
غادرت برفقة قريبها المحامي قائد نصران وهي مختفية منذ ذاك
الوقت ولم نجدها "
وساد الصمت المكان وكأنه لا أحد فيه وحدقت الأعين جميعها به
فسحب ذراعه من قبضة أصابعه بحركة قوية وأولاهم جميعاً
ظهره يجعد ورقة المحكمة بين يديه القويتان وتحرك ناحية الباب
ورماها لتستقر في سلة المهملات قربه قبل أن يفتحه ضارباً إياه
بقوة على اتساعه وقال بصوت قوي آمر مغادراً
" عمير اتبعني سأتحدث معه بنفسي أولاً "
فتبادل من تركهم خلفه نظرة لا يمكن تفسيرها تعبر أيضاً عن ألا
متوقع وألا منطقي بتاتاً قبل أن يتحرك المعني بالأمر خلفه متمتماً
من بين أسنانه بغضب
" سحقاً لامرأة تدعس كبرياء رجل بحذائها "
*
*
*
فرك أصابعه بقوة حتى سمع صوت طقطقة عظام مفاصلها بينما
نظره على أشباح أشياء تمر دون أن يركز ما تكون من خلال
نافذة السيارة وحيث يجلس بجانب أويس الذي لم يتبادل معه ولا
كلمة واحدة منذ اقتربت سيارته من حوران فهو رفض أن يغادر
لوحده بسيارته ولا أن يقودها بنفسه خوفاً عليه ، وكان ذاك قراراً
صائباً اعترف به الجالس خلف المقود بينه وبين نفسه فهو لاحظ
وطوال الطريق الذي سلكاه من منزله حتى العاصمة توتره
وتشتت أفكاره وشروده الحزين أغلب الوقت فبالرغم من العلاقة
المهزوزة بينهما إلا أنه يبقى والده ، وذلك إن استثنينا بالطبع
زوجته التي كانت ستكون سبباً في موت شقيقته محترقة ، وله أن
يتوقع العكس أيضاً فلن يستغرب أن يكون متألماً من أجلها
فشخصية كيمان يتأثر ويغضب حتى من أجل عمال المزارع الذين
لا ينتمون ولا لبلاده لن يستغرب منها أي شيء خاصة بعد موقفه
من المدعوة مايرين وفعلتها تلك فلم يكن يتوقع أن تستمر زوجة
له بعد تلك الليلة ! وإن كان هو مكانه لطلقها على الفور .
لقد تجنب التحدث معه في أمرها طوال الطريق وكان نقاشهما
بأكمله يدور حول ما حدث مع والده والمعلومات الضيقة التي علم
بها عن الجريمة وكان لأبان الدور الأساسي فيها فالأمر لازال طي
الكتمان ولم يُعرض لا على الجنائية ولا النيابة العامة .
توقفت سيارته أمام مبنى معين بعد أن اجتازت شوارع عديدة في
عاصمة البلاد وكان المبنى الرئيسي لجهاز المخابرات العامة ،
وهذا أمر آخر فعله من أجله أبان والذي وجداه ينتظرهما هناك
ومن كان على اتصال دائم بأويس حتى وصلا .
تصافحوا في صمت ما أن اجتازت خطواتهما الواسعة الرصيف
ووصلا عنده وقال أبان مربتاً على ذراع صديقه
" كن قوياً يا يمان وسيخرج إن كان بريئاً تأكد من ذلك "
وكان تعليقه إيماءة صامتة قبل أن يتحرك ثلاثتهم يميناً عبر
الرصيف الحجري المحاذي للبناء المرتفع بطوابقه الخمسة تحفه
أشجار الزينة المقلمة بعناية ودخلا الباب الواسع المفتوح لم يمنع
دخولهم ذاك أحد من الحرس الموجودين لا أمامه ولا داخله حتى
وصلوا لباب معين طرق عليه أبان بمفصل سبابته قبل أن يفتحه
ودخل ثلاثتهم لغرفة بمكتب أسود واسع وصالون جلدي مقابل له
وبذات اللون وأرفف خشبية على الجانبين حوت مجموعات
كبيرة من ملفات مرتبة بعناية بينما كان ثمة رجلان في المكان
أحدهما جالس خلف المكتب والآخر واقف أمامه وقد استدار
نحوهم عندما دخلوا ، وتبادلوا السلام معهمم فور دخولهم فإبن
شقيقة مطر شاهين ومن سمحوا له بالدخول باتصال واحد من
رئيسهم كجهاز عام لمخابرات الدولة كان معروفاً ودون أن
يُعرف عن نفسه .
قال الذي وقف من خلف مكتبه ونظره وحديثه موجه ليمان تحديداً
بينما خرج صوته جاداً يشبه ملامحه
" سنسمح لك برؤيته لهذه المرة فقط وننصحك بمحاولة إقناعه
ليتجاوب معنا لأن الصمت لن ينفعه ولن يستمر أيضاً فلم تصلنا
الأوامر بعد للتحقيق معه بالطريقة التي نتقنها والوحيدة التي
نجيدها ليقر بكل ما فعله منذ ولدته أمه ولن يكون وضعه في
الجنائية أفضل إن تم نقله لها "
وما أن أنهى عبارته تلك خرج من خلف طاولة مكتبه وقال ما أن
أصبح يقف أمامهم ولازال حديثه كما نظره موجهان له
" شقيقاك الصغيران موجودان لدينا أيضاً إن قررت أخذهما أو
سيتم إرسالهما لعائلة والدتهما وحال رفضهم لهما سيتم
تحويلهما لأحد دور الأيتام حال تثبت إدانة والدك فالقرار
سيكون لك حسب ما وصلتنا الأوامر "
وغادر من فوره ورفيقه يتبعه تاركان صمتاً مخيفاً بعدهما ،
وبينما كانت نظرات أويس تتجول في المكان حوله يداه في جيبي
بنطلونه كانت نظرات أبان لم تفارق ملامح صديقه المقرب والذي
كان ينظر للأرض بشرود حزين يشعر به وكأنه داخله .. وتلك
كانت مشاعره دائماً إتجاهه حتى حين كان لا يعلم أسباب ما
يحزنه فكيف الآن ؟ فإن أنساه أي شيء حقيقة ما يحدث فكلمات
ذاك الضابط عن شقيقيه ستُذكره وبقسوة أن بقايا عائلته الصغيرة
قد تشتت مجدداً فكيف ينطق أمامه عبارة أن الميتم سيكون
مصيرهما ؟ ليس وهما شقيقان لهذا الشاب الذي يعرفه أكثر من
نفسه والذي علمته الحياة أن يكون رجلاً منذ صغره ، وكم يؤلمه
حال صديقه هذا وما وصل له فالمسؤليات لا تتركه أبداً على
ما يبدو كما المآسي والفواجع .
انتقل نظرهم ثلاثتهم ناحية الباب وللداخل منه يمسكه أحد رجال
ذاك المكان من إحدى ذراعيه المثنيتان خلف جسده حتى اقترب به
منهم منتصف المكان وفك الأصفاد من يديه أولاً وقال وهو يغلق
الباب الذي خرج منه وبصوت بارد كالجليد
" دقائق فقط "
وفقط هذا ما قاله أيضاً وتركهم في مواجهة صاحب الشعر
الرمادي والعينان الفضيتان مثله والملامح التي لم تغادرها
القسوة كما التجهم في مشهد ألفه إبنه ذاك وعرفه منذ صغره
وشعر بأنه ذاته وكأنه يقف أمامه قبل أسابيع في منزلهم القديم
حتى خطوط وجهه القاسة لم تتغير مما جعل قبضتاه تشتدان
بجانب جسده بقوة فقد كانت نظراته مصوبة لعينيه تحديداً وصمته
مخيفاً يشبهه تماماً شعر به حتى الواقفان معه بل وأويس الذي
يراه للمرة الأولى عكس أبان ، سحب يمان نفساً عميقاً لصدره
قبل أن يخرجه ببطء قائلاً بهدوء لم يشبه انفعال ضربات قلبه
" صديقي أويس كما أبان زوج ابنتك محاميان ووعدا بمساعدتك
، فقط ما عليك الآن فعله ... "
" أين كنت ؟ "
قطع كلماته ولاذ بالصمت ينظر للعينان المحدقتان فيه بغضب
وقسوة تشبه كلماته تلك وازداد شده ليديه بقوة حتى آلمته
أصابعه وقال ببطء
" كنت في الجنوب "
" لماذااا ؟ "
صرخ بتلك الكلمات في وجهه وتردد صداها في المكان مما جعل
أبان وأويس يتبادلان نظرة مستغربة فهل هذا يكون وضع رجل
تنتظره قضية قد يأخذ فيها حكماً بالإعدام إن أصر على أقواله !!
لم يعد كلاهما يمكنه إجزام العكس وأن يكون بريئاً فعلاً منها
ففوق الأدلة الثابتة ضده عيناه وحدها قادرة على القتل ودون
سلاح ...!! وكان ذاك ما قالته نظراتهما وإن لم ينطقاه وفهمه كل
واحد منهما ودون عناء التحدث والشرح ، وسرعان ما انتقلت
نظراتهما لصديقهما الذي كان لازال يحدق في والده بصمت بينما
صرخ الذي تحرك خطوتان للأمام حتى أصبح يقف على بعد
خطوتين فقط منه
" ما الذي جعلك تترك والدك وأرضك يا يمان؟ "
قال مباشرة ودون خوف هذه المرة بل ولأول مرة منذ ولد وعرفه
" لأنها ليست أرضي ولا ما أريد "
وشخصت عينا الواقفان جانباً بصدمة حين دوى صوت الصفعة
القوية عالياً وأمسكت يد أويس ذراع أبان يمنعه من التحرك ما أن
فكر في ذلك وهو يرى صديق طفولته يمسك وجنته ينظر للأرض
بعينان فارغتان قتلتاه أكثر من الصفعة التي شعر بها تنزل على
وجهه هو ، وكان سيتحرك مجدداً ينوي منع يده وبالقوة حين
ارتفعت مرة أخرى لتضرب الجانب الآخر من وجهه لولا توقف
كل شيء في تلك الغرفة بسبب صوت بابها الذي انفتح على
اتساعه فجأة وللواقف أمامه وقد همس أبان مصدوماً ما أن
وقع نظره عليه
" خالي مطر !! "
*
*
*
|