لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-02-19, 09:04 PM   المشاركة رقم: 1281
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


*
*
*

وقف أمام باب الغرفة وابتسم مستندا بيده على إطاره ينظر

للواقفة عند النافذة متكئة على زجاجها بجبينها تنظر للخارج

بشرود تحضن نفسها بذراعيها وتنقلت نظراته من شعرها

المموج الطويل نزولا لفستانها القصير يحتضن بنعومة جسدها

المستدير ، تحرك من مكانه واقترب منها حتى كان خلفها تماما

وحضنها تلتف ذراعاه حول ذراعيها وهمس في أذنها بحنان

" ما بها ثنانية رعد شاردة الذهن وحزينة هكذا ؟ "

وما أن رفعت يدها لوجهها ابتعد عنها وأدارها ناحيته وقال ينظر

لعينيها بصدمة

" لا .. لا .. لا في الأمر دموع أيضا آستي بالله عليك !! "

وحضنها بقوة من فوره وقبل شعرها ورأسها ودفنها في حضنه

بقوة وقال ما فهمه جيدا

" اشتقت لهم آستريا ؟ "

التفت ذراعاها حول خصره بقوة تتكئ بجانب وجهها على صدره

وهمست ببحة بكاء

" أجل وكثيرا يا رعد .. اشتقت لشقيقتي وأبنائهما .. لأشقائي

وعائلاتهم وحتى ساجي ورغماً عن كل ما حدث "

نظر لها ومسحت أطراف ظهر أنامله على وجنتها وقال

" هل آخذك لهم لتزوريهم ؟ سأخاطر بفعلها فقط لا أرى

هذه الدموع حبيبتي "

ابتعدت عنه ونظرت لعينيه من بين دموعها وهمست بعد شهقة

بكاء صغيرة

" لا بالطبع أتريد أن أخسرك ؟ أحبهم أجل وأشتاق لهم لكني

سأختارك عليهم ما حييت يا رعد "

سحبها لحضنه مجددا وحضنها بقوة قائلا

" حبيبتي أنت آستي من دونك عالمي لا طعم له مطلقا "

طوقت ذراعاها خصره بقوة وقالت ببحة بكاء تدفن ملامحها

في صدره

" وأنا معك حيثما ستكون لكني أخشى فعلا أن تكبر الفجوة بيننا

وبين العرب واحرم منهم أو منك فأعيش وابنك من دونك "

أبعد شفتيه ليتحدث فتحجرتا مكانهما ما أن استوعب ما قالت

وأبعدها عنه قائلا بصدمة

" إ.. ابن من ؟ هل قلت ابني ! "

ابتسمت من بين دموعها وهمست تمسح بظهر كفها عينيها

العسلية الواسعة

" أجل ألم أخبرك ؟ الطبيبة أكدت لي بالأمس لكنك لم تكن

هنا البارحة "

وصرخت ضاحكة ما أن رفعها عن الأرض بين ذراعيه ودار بها

حول نفسه دورة كاملة متمسكة به بقوة كي لا تقع وقالت بضحكة

" رعد أنزلني "

لكنه خرج بها من الغرفة وعبر الممر مناديا بسعادة

" عمتي ... عمتيييي "

وتوجه بها جهة المطبخ السفلي متجاهلا احتجاجها الضاحك

حتى وصل للتي خرجت من هناك مسرعة تنظر لهما باستغراب

فدار بها حولها قائلا بسعادة

" شراع قادم عمتي ... وأخيرا سأحمل ابني بين يداي ومن

هذه المرأة تحديدا "

نظرت لهما مبتسمة بعينين دامعة حامدة الله بهمس وقالت

تتبعه بنظرها فلم يكتفي بعد من الدوران بها

" أنزلها هيا ولا توقعها وتقتل ابنك بنفسك "

أنزلها حينها وحضن كتفيها بذراعه قبل أن يدفنها في حضنه
يضمها بذراعيه بقوة وقال بسعادة ناظرا للتي كانت تنظر

لهما مبتسمة

" أفقد حياتي إن فقدتها عمتي .. ها أنا اقولها لكم من الآن

فلا يلمني أحد إن حدث ذلك "

لامست يدها ذراعه وقالت بحنان

" لا فرق الله بينكما بني ولا أبكى عينا أحدكما على الآخر "

وتابعت مبتسمة تنظر لهما ولازال يرفض أن تترك حضنه

" وماذا إن كانت فتاة ؟ "

ضحك وأبعدها عنه وأمسك وجهها وقبل جبينها وقال

ناظرا لعينيها

" علي أن أكون عادلا حينها وسنسميها على اسم جدتها لكنك

لن تستطيعي نطقه بشكل صحيح عمتي قبل أن يصبح

عمرها عامين "

نظرت له عمته باستغراب بينما ضحكت التي لكمت صدره

بقبضتها ونامت فيه وحضنت خصره بذراعيها بقوة قائلة

" يكفي أن تكون ابنتك وسمها أنت ما تريد "

ابتسم ورفع نظره للتي قالت وابتسامتها تختفي تدريجيا

" ماذا حدث في موضوع شقيقك رماح ؟ حاله لا يعحبني بني

وكم أتمنى له نصف السعادة التي حظيت بها أنت أخيرا "

قال ويده تمسح على شعر النائمة في حضنه

" كان يفترض أن نعقد قرآنهما هذه الفترة عمتي لكن

غسق ها هي تستجم مع زوجها في بينبان وتبدو

رحلتهما طويلة "

تنهدت الواقفة أمامهما وأشاحت بوجهها جانبا فقال بجدية

" عمتي غسق سعادتها مع ذاك الرجل لأنها تحبه ولم تستطع

السنين الماضية أن تنسيها إياه اعترفنا بذلك أم رفضناه

ويفترض أن سعادتها ما يهمنا جميعا فيكفيها ما قاسته

أعواما طويلة "

وكان تعليقها تنهيدة متضايقة أخرى قبل أن تنظر له قائلة

" المهم الآن اتركنا في موضوع رماح فلست أرى وجود

غسق ضروريا إن كانت رحلتهما ستطول فأملنا كبير في

أن تغير تلك الفتاة أفكاره حول العملية لعله يجريها ويستعيد

عافيته مجددا "

قال بجدية

" عمتي ما يهمني الآن أن يكون رماح سعيدا مع المرأة التي

يحبها واستعادة قدرته على المشي ذاك أمر الله وحده يعلم ما

الخير فيه وإن كانت العملية ستحققه أم لا "

تنهدت بأسى قائلة

" لعلنا نرى ابتسامة وضحكة رماح القديمة .. قسما أني اشتقت

لها فقد فقدها مع والده وساقيه "

تنهد الواقف أمامها بحزن وما أن كان سيتحدث قاطعه رنين

هاتفه فأخرجه من جيبه لحظة ابتعاد التي كان يحضنها بقوة

ونظر لاسم المتصل قبل أن يجيب قائلا

" أجل يا تيما "

وصله صوتها القلق فورا

" خالي رعد أنا في المستشفى .. الكاسر أصيب في يده ولم

أستطع الاتصال بوالدي وهو في الداخل منذ أكثر من ساعة ولا

أعلم ما الذي يمكنني فعله "

نظر للواقفتين قربه تنظران لملامحه باستغراب وقال

" وما خطورة إصابته ؟ "

" لا أعلم إنه مقص التقليم الكهربائي وقد نزفت يده كثيرا "

شتم هامسا وتوجه جهة الباب قائلا

" أنا قادم "

فلحقتا به اللتان وقفتا ما أن سبقت يد إحداهما الأخرى لكم سترته

وأوقفته قائلة

" ماذا حدث يا رعد بماذا أخبرتك تيما ؟ "

نظر لها أولا وقال وهو يستدير مغادرا من جديد

" لا شيء خطر عمتي الكاسر أصيبت يده وتيما معه في

المستشفى لوحدها "

فأمسكت يده موقفة له مجددا وقالت

" لا شيء خطر وتتصل بك ؟ وتنقلب ملامحك هكذا

وتخرج فورا !! "

نظر لها وقال بضيق

" عمتي بالله عليك لا تهولي الأمور "

قالت متجاهلة ما قال

" سأذهب معك "

" عمتي أ.... "

قاطعته بإصرار

" ستأخذني معك الآن يا رعد لأراه بنفسي وأتأكد "

تأفف وخضع لإصرارها ولا حل أمامه .

*
*
*


أغلق باب الشقة وتقدم يديه في جيبي بنطلونه نحو التي سارت

للخلف مقابلة له ترفع سبابتها قائلة بابتسامة

" تيم أنت رجل والرجل لا يتراجع عن كلمته لا تنسى ذلك "

واصل سيره باتجاهها قائلا

" حذرتك سابقا من الاقتراب مني ... فعلت أم لم أفعل ؟ "

التصق ظهرها بباب غرفتها المغلق خلفها ورفعت يديها

باستسلام قائلة

" حسنا لن أفعلها مجددا أقسم لك و... "

شهقت ضاحكة ما أن وصل عندها وشدها من خصرها لجسده

بساعده يلفه حوله بقوة بينما فتح بيده الأخرى مقبض الباب

خلفها وسار بها للداخل وأدار يده مغلقا الباب خلف ظهره

وانحنى ورفعها بين ذراعيه وخطوتين فقط وكانت مرمية على

السرير وما أن رفعت جسدها بمرفقيها وزحفت للخلف قليلا

لتبتعد ارتدت للأسفل على السرير بقوة بسبب أصابعه التي التفت

حول كتفيها وثبتها عليه وانحنى فوقها يثبت ركبته بحافة السرير

فرفعت يديها لكتفيه وأمسكته قائلة

" تيم انتظر أرجوك دعنا نتفاهم أولا "

أبعد يديها وأدارهما خلف خصرها يثبتهما بيد واحدة محكمة

وارتفعت يده الأخرى لسترة الفستان وأبعد طرفها بحركة واحدة

وانحنى ناحيتها أكثر وما أن شعرت بملمس شفتيه على بشرة

نحرها الناعمة همست بصعوبة

" تيم أنت وعدتني "

وحين لم يستجب لكلماتها عبث شفتيه يواصل طريقه نزولا

حركت جسدها من الأعلى واستطاعت تحرير يدها بذلك فرفعتها

لكتفه والتفت أصابعها حول قماش قميصه تحاول إبعاده متمتمة

" تيم استمع لي ولنتفاهم أولا "

رفع رأسه ونظر لها وهمس بجدية ويده ترفع فستانها تلامس

فخذها صعودا

" هيا قولي أسبابك وأقنعيني "

أغمضت عينها تتنفس بصعوبة وأصابعه تلامس خصرها

العاري بنعومة وما أن فتحت عينيها نظرت لعينيه وهمست

من بين أنفاسها

" ستعرض نفسك للخطر بهذا "

رفع قدمه الأخرى عن الأرض وما أن نزل بجسده على جسدها

شعر بارتجافه كفراشة مبللة الجناحين تحته فارتسمت على طرف

شفتيه ابتسامة صغيرة وهو يهمس

" لن نفترض الأسوأ "

غرست أسنانها في طرف شفتها وأغمضت عينيها أمام نظراته

وابتسامته المائلة لاستسلامها التدريجي له ورفع فستانها ونزعه

عنها بحركة متقنة وتسللت يداه لظهرها وحضنها بقوة وعادت

شفتيه للعبث بنعومة على عنقها فعادت تلك الشفاه المشدودة

بتوتر للهمس مجددا

" تيم نحن لم نحطت ... ماذا إن حملت ؟ "

طوق جسدها بذراعيه بقوة أكثر قبلاته ترتفع لأذنها وهمس

" لابأس وأنا أريد طفلا "

وعادت قبلاته الشغوفة المتلاحقة لسحق تلك البشرة البيضاء

الناعمة فارتخت يداها كما جسدها بين ذراعيه وانهارت باقي

قواها لمقاومته وهذا ما كان كلاهما أكيدا من أنها ستصله نهاية

الأمر فابتسم بانتصار وانتقلت شفتاه لشفتيها وبالفعل سرعان ما

انساقت معه في قبلات شغوفة متتالية أصابعها تتخلل شعر قفا

عنقه والأخرى تشد ياقة قميصه من الخلف بقوة .

وسرعان ما ابتعد عنها واقفا بقفزة سريعة يتبادلان نظرة

مصدومة من بين أنفاسهما القوية المتعاقبة وسحبت اللحاف

على جسدها بسرعة تغطيه وتعالت أنفاسها أكثر تنظر له وقد

أدار وجهه للخلف بعد أن فتح أحدهم باب الشقة من الخارج ...!

وما أن تحركت تلك الخطوات بالكعب النسائي المرتفع في الخارج

اتسعت عيناها المحدقة به بذهول فشد أصابعه في قبضة واحدة

وشتم هامسا وهو يستدير فوقفت مسرعة وأمسكت ذراعه توقفه

وما أن نظر ناحيتها رفعت يدها لشفتيه تزيل عن طرفها أحمر

الشفاه الزهري الذي ترك أثرا عليها فأمسك يدها وأبعدها بقوة

ملامحه الغاضبة لا تنبئ بالخير بتاتا واستدار للباب مجددا

فاستدارت أمامه ووقفت بينهما وأمسكت ذراعيه وهمست ناظرة

لعينيه وعيناها تمتلئ بالدموع تدريجيا

" أنا لست على استعداد لأفقدك تيم ولأي سبب كان فتهورك

الآن لن يخدم كلينا "

وحين لم يعلق ولم يتحرك من مكانه أيضا رفعت إبهامها لشفتيه

ومسحت باقي الحمرة منهما ورفعت أوراقا من مذكرتها بسرعة

ووضعتها في يده ورفعت فستانها وتوجهت لباب الغرفة أولا
وفتحته قليلا وببطء تسمع صوت تلك الخطوات جهة غرفته في

الجانب الآخر وتوجهت بعدها للحمام فورا ودخلت وأغلقته خلفها

تراقبها نظرات الذي تركته واقفا مكانه فتأفف يشد أصابعه على

الأوراق فيها بقوة ومرر أصابع يده الأخرى في شعره بعنف

يحاول ترتيبه ونظر لقميصه ونفضه بغضب حين اكتشف بأنه فقد

زرين من ياقته وانتهى الأمر والتفت للباب ينظر بغضب للتي

فتحته بقوة ودفعته للداخل دفعا ونظرت له بصدمة وكأنها لم

تكن تتوقع أن تجده لوحده هناك ولا خارج سرير الغرفة

وانتقلت نظراتها للأوراق في يده ثم لباب الحمام حيث صوت

المياه المتدفقة بقوة مما يعني بأن الموجودة داخله تستحم

والواقف هنا ينتظرها ليس إلا !

" من أين أخذت مفتاح الشقة لوسي ؟ "

قالها بأحرف مشدودة من بين أسنانه .. كلمات تجاهلتها كما

تجاهلت غضبه الواضح وكأنه لا حل لها غيره وقالت بضيق

أيضا وقد تقدمت للداخل

" تخرجا للعشاء معا ولم تفعلها معي يوما تيموثي وتتحجج

في كل مرة "

" المفتاح لوسي "

مد يده لها صارخا فيها بتلك الكلمات بغضب فنظرت له بصمت

وما أن صرخ مجددا

" المفتااااح "

حتى تأففت بضيق وفتحت حقيبة فستانها الحمراء وأخرجت

مفتاحين في حلقة معدنية ومدتهما له فصرخته تلك كانت كفيلة

ليس بجعلها تخضع لأوامره فقط بل وبجعل الواقفة خلف الباب

تضم قبضتها قرب شفتيها وكأنها كانت موجهة لها هي ،

وأغمضت عينيها وكأنها تلقت صفعة حين علا صراخه الغاضب

مجددا فوق صوت الماء المندفع بقوة قربها

" ليس تيم من تخضعه امرأة لأوامرها لوسيانا .. ولست أنا من

تحركه امرأة كانت من تكون .. وليس الواقف أمامك الآن من

يسمح لأحد بالتدخل فيما يخصه ... لا أحد مفهوم ؟ وباب الشقة

لا تدخليه من دون إذني وإن وجدته مفتوحا "

فعلا الصراخ المحتج من الطرف الآخر أيضا وكأنها لا تهتم

أساسا لغضبه

" يكفيك صراخا بي .. أنت خطيبي تيموثي ما الخطأ في

أن أملك مفتاحا لشقتك "

فصرخ مجددا

" ذلك حين أكون أنا راض عن ذلك ، هل سألتك أنت أين

تكونين وهل تبعتك أخنقك هكذا ؟ لا علاقة لك بي لوسي

وإن وجدت إحداهن نائمة في حضني "

فاتسعت تلك العينان الزرقاء بصدمة قبل أن تهمس صاحبتها

" ماذا تعني بلا علاقة لي ؟ أنت تت... "

قاطعها بغضب

" أين كنت البارحة لوسي هل لك أن تجيبي ؟ "

نظرت له بصدمة أشد وبصمت لبرهة قبل أن تقول محتجة

" كنا نخيم مجمو.. كنا في... أنت رفضت أن تكون معنا ..

أخبرتك ورفضت بسبب عملك "

لوح بيده قائلا بضيق

" أخبارك لا تخفى عني لوسي كما تصلك تحركاتي بدقة ..

ليكن معلوما لديك فقط "

ضربت قدمها بالأرض قائلة

" أنت من يدفعني لذلك .. إنك ترفض حتى أن نتشارك في قبلة

يفعلها المخطوبان طوال الوقت ، أنت تهملني كأنثى تحبطني

وتشعرني بالنقص "

قال من فوره وضيقه يزداد حدة " ولما لا يرضيك أن أفعل

أنا ذلك وعليا فقط أن أكون وفيا ؟ "

قالت سريعا وبقوة

" لأنك من يرفض "

فصرخ فيها من فوره

" لا تتحججي لوسي "

اقتربت منه وحضنته تطوق عنقه بذراعيها بقوة وقبلت خده

هامسة باعتذار

" أهذا ما أغضبك ؟ آسفة حبيبي قسما لن يتكرر ذلك ، لقد كان

مجرد لهو ومزاح "

أبعد يديها عنه بقوة وود لو قال ما في قلبه وبأنه لم يعنيه شيء

مما فعلت وتفعل لكنه وكالعادة غادر وتركها بل ووجهته كانت

باب الشقة الذي ضربه خلفه بقوة زلزلت الجدران وتركها خلفه

تتآكل غيظا فلم ترضخ نفسها وتنزل كرامتها لشاب مثلما فعلت

معه فهي أساسا لم يجذبها رجل مثله من قبل وما حدث البارحة

لأنها كانت ثملة وتعلم جيدا من سيكون أوشى بها .

نظرت بسرعة جهة باب الحمام الذي انفتح فجأة وللواقفة أمامه

تنظر لها بصدمة لتوقعها بأنها غادرت أيضا وكم حمدت الله أنها

كانت تلبس روب الحمام لا الفستان وأن شعرها قد تبلل عندما

فتحت مياه حوض الاستحمام مما أظهرها الآن بمظهر من كانت

تستحم فعلا ، وكانت هي من كسر الصمت تواجه نظراتها

المشبعة بالحقد قائلة

" مرحبا لوسي .. هل تر... "

" تظنيني غبية سأصدق أنك لم تسمعي صراخه الغاضب "

قاطعتها بقسوة وكأنها تفرغ غضبها منه بها .. أجل فهي لن

تستطيع فعل ذلك معه ، قسما لا يجبرها على تحملها غير

سلامته لما استحملت كل هذا ، قالت ببرود متعمد

" سمعت لكني لم أكن أ.... "

قاطعتها مجددا وبأمر

" أنت فعلا تحبين خطيبك ذاك ؟ "

نظرت لها بذهول وقد تابعت تلك من قبل أن تعلق

" أنتما لم تجتمعا معا طيلة الأيام الماضية ! لم تخرجا معا !

لم يأتي هنا ! لم تذهبي له ولم تتقابلا ولا في الجامعة ؟ "

أخفت الصدمة من ملامحها بصعوبة فلم تكن تتوقع أن يكونا

مراقبان أيضا وها هي شكها ناحيتها لم ينتهي لما كانت لتفعل

كل هذا فقط لتتأكد من علاقتها وكين ، قالت بشبه همس

" تشاجرنا مجددا ولم أراه "

اقتربت منها خطوتين وقالت تنظر لعينيها

" أتعلمي يا فتاة أنا لا أصدق كل هذا .. أنت تتلاعبين بذاك

الشاب فقط لتغطي على أفعالك ومشاعرك الحقيقية التي

ليست موجهة له أساسا "

ففغرت فاها وشفتيها الرقيقتان بصدمة قبل أن تهمس

" كين لا... "

فقاطعتها كالعادة قائلة بضيق

" قد تنطلي حيلك هذه على الرجال لكن ليس على

امرأة مثلك ، غرضك من كل هذا الحصول على تيموثي

الشاب اليوناني الذي يفوق خطيبك الوسيم وسامة

وتستخدمين جميع الحيل للحصول عليه دون أن يشعر كليهما

ونسيت بأن له خطيبة لن تسمح لك بلمس شعرة من رأسه "

حركت رأسها بقوة قائلة

" غير صحيح ... ما تقولينه ليس صحيحا فكين وتيم

أبناء خالة وصديقان أيضا وما كانا ليسمحا لهذا بأن يحدث

وإن أردته أنا كما تقولين "

أشارت بسبابتها في وجهها قائلة

" وانت ابنة خالتهما كليهما ...؟ أتعلمي بأنه حولك دائرة

حمراء كبيرة بالنسبة لي وسر عليا أن أكتشفه "

راقبتها نظراتها باستغراب وهي تدور حولها بحركة بطيئة

وقد تابعت هجومها المباغت قائلة بجدية

" ماري الفتاة الإيطالية التي اختفت وقيل بأنها ماتت منتحرة

بسبب حبها لرجل لم يبادلها تلك المشاعر وجرحها ورفضها

أمام الملأ .. ثم ظهرت مجددا فمن هو ذاك الرجل وأين كنت

ماري تلك الفترة ؟ لما يصر تيموثي على مناداتك ماريه كما

تصرين أنت على اسم تيم ؟ "

قالت بجدية أيضا تتجنب النظر لها بما أنها لم تعد أمامها

مباشره

" الجميع يناديه كذلك ويختصرون اسمه كما أن ماريه اسم

يستخدمه خطيبي كين وماضيا أمر يخصني وحدي لا وجود

لخطيبك فيه فهو يعيش هنا بينما كنت أنا في إيطاليا "

لم تعلق تلك لكن نظرات الشك لم تغادر عينيها ما أن كانت

أمامها مجددا ولا نظرات التوجس من المقابلة لها فبحثها

عن الحقائق معناه أنها قد تُكتشف ... قد تَكتشف بأنها ليست

ماري دفيسنت الإيطاليا إذا فتيم ليس تيموثي فالكون يوناني

الأب إيطالي الأم وأنهما ليسا أبناء اثنين من الشقيقات

الإيطاليات الثلاثة اللاتي تزوجن من رجال من دول مختلفة ،

تلك الفكرة وحدها كادت ترسل عقلها للجنون فقالت سريعا

" ماذا تريدين مني يا لوسي ؟ "

قالت تلك من فورها

" تبتعدي عنه ولأبعد مكان ممكن لا أن تتوقفي فقط عن

حركاتك الطفولية التي تسحبيه بها نحوك "

نظرت لها بصدمة قبل أن تقول

" ظنونك جميعها خاطئة وتيم لن يعجبه إن علم "

كان تهديدا واضحا ولها ان تفهمه كما تشاء ، ولم يتأخر

رد تلك والواثق أيضا

" لن يعلم لأنك إن أخبرته فسأبعدك بطريقة لن تعجبك

والخيار لك ماري "

وأتبعت تهديدها ذاك بابتسامة واثقة وكأنها تتحداها

أن تنفذ تهديدها وتخبره فعلا ، غادرت بعدها من أمامها

وما أن وصلت الباب وقفت واستدارت ناحيتها تنظر

لقفاها وقالت

" آه أجل ثمة حبيبة قديمة له وأنت صديقة طفولته فمن

تكون تلك ؟ "

فزمت شفتيها بقوة قبل أن تحررهما وقالت دون أن تلتفت لها

" لا أعلم "

قالتها بحزم ودون تردد فوصلها صوتها سريعا وبما تتوقع جيدا

" جوابك هذا يعني بأنك كاذبة "

فاستدارت ناحيتها وقالت أيضا وبإصرار

" لست كاذبة فتيم بالفعل غادر إيطاليا منذ أعوام وعاش في

اليونان شابا فما يدريني من التي أحبها ! أنا لم أهتم يوما

بخصوصياته "

شدت أصابعها على الحقيبة الأنيقة في يديها وقالت تنظر

لعينيها

" أنا أهتم وسأعلم وبأي طريقة كانت من تكون تلك المرأة

التي لم تفقد تأثيرها عليه حتى الآن "

أنهت عبارتها تلك ونظراتها لا تترك عينيها وكأنها تقول لها

( إن كانت أنت فلن أرحمك أبدا )

ولها أن تتوقع منها الكثير .

انهارت جالسة على السرير ما أن غادرت تلك الخطوات

بصاحبتها وخبأت وجهها في كفيها ما أن سمعت باب الشقة

اغلق خلفها وكأنها تريد طرد صورتها من مخيلتها أيضا

وللأبد ، رفعت غرتها الرطبة للأعلى بأصابعها وارتمت

للخلف على السرير تشد شعرها بأصابعها بقوة مغمضة

عينيها التي انسابت دموعها من طرفيهما ببطء وغطتهما

بظهر كفها ما أن تعالت شهقاتها الصغيرة المتتالية في

عبرات متقطعة احتجت على صمود أضلعها .

*
*
*

كتفت ذراعيها لصدرها ونظرت جهة النافذة متأففة بتذمر

ففوق بعد المسافة وطول الرحلة التي تكاد تصل للثلاث ساعات

والركوب مع سائق فيحكم عليك بالخرس نهائيا عليهم فوق كل

ذلك زيارة منزل تلك العائلة بل تلك المرأة التي اختارها زوجة

له وفضلها عليها هي ابنة عمته وحبيبته لأعوام خلت ! لا تفهم

لما عليهم الذهاب لهم وقطع كل تلك المسافة من حوران

للعمران ؟ فلتذهب عمته لوحدها والتي يضعها في مقام والدته

كما يقول ... أم لأنه لا أحد له سيكون عليه وضعهم كلوحات فنية

في الواجهة ؟ حمقاء وهل كانوا سيرفضونه أو سيهتمون لهذا !

من يرفص رئيس جهاز مخابرات البلاد بأكملها وأحد أقرب رجال

مطر شاهين وإن ذهب لهم لوحده أو أرسل وفدا ولم يروه

أساساً ، شدت على أسنانها بغيظ ونظرت للجانب الآخر ولوالدتها

الجالسة بجوارها تضع حفيدتها في حجرها تتحدثان عن كل ما

يمرون به وهذا حالهما طوال الطريق بينما يجلس ابنها في الأمام

بجوار السائق والذي تجاوز عمره الخمسين عاما وقد جلبه عمير

مؤخرا من أجل كل ما يحتاجونه أو للخروج إن أرادوا ولم يقنع

والدتها بوجوده إلا بعد عناء لأنه يتغيب عن المنزل أغلب النهار

وحجتها كانت بأنهم لا يحتاجونه .

تأففت نفسا طويلا آخر وعادت بنظرها لنافذتها مجددا ، الأمر

الايجابي الوحيد في كل هذا والذي يروح عن نفسها قليلا أنه لم

يأخذهم إلى هناك بنفسه فتكفيهم هذه الإهانة قادمون من دونه

في أول زيارة لفرد من عائلته فهو بالكاد وجد وقتا ليحدث

عمته في الهاتف ويخبرها بأنهم في انتظارهم لإعلامهم مسبقا

بقدومهم حتى أنه لم يطلب شراء أي هدايا لهم ويبدوا أنه نسي

ذلك وهي نجحت في إقناع والدتها أن لا تعلمه بالأمر بما أنها

تعرفها جيدا لن تتصرف في ماله وهو ليس موجوداً ولم تخبره

رغم أنه لا يحاسبها عليه أبدا .

رفعت نظرها عاليا ما أن اجتازت سيارتهم تلك البوابة الحديدية

الخضراء الضخمة الواسعة والعالية والمفتوحة على مصراعيها

مجتازين أسوار مدينة العمران .. المدينة التي مزجت الخضرة

الطبيعية بالألوان الخضراء الاصطناعية والبياض الناصع في كل

مبنى فيها ... مشهد جعل الأعين في تلك السيارة تلتفت له وذاك

حال كل من يدخلها لأول مرة رغم رؤيتهم للكثير من الصور

والمشاهد التلفزيونية لها لكن لرؤيتها واقعا أمام العيان طعم

ولون آخر وشعور مختلف تماما ، كما التي طافت نظراتها في

كل شيء حولها الآن لكنها نظرت له من زاوية مختلفة تماما

عن البقية فأول ما سافر له تفكيرها هو المرأة التي امتلكت هذه

المملكة وبنتها .. ابنة زعيم صنوان سابقا ورئيس البلاد فيما بعد

وزوجة زعيم الحالك سابقا ورئيس البلاد حاليا مما جعلها تتمتم

بحسرة

" نساء ولدن وفي أفواههن ملاعق من ذهب "

ليصلها التعليق من التي سمعت تمتمتها تلك بوضوح بل ويبدو

توقعتها وهي تهديها بالمثل وبنبرة باردة ودون أن تنظر لها

" من يقتنع بما لديه فسيرى نفسه ملكا "

رمقتها بطرف عينيها بضيق قبل أن تنظر للأمام ولم تعلق بشيء

فهي تعرف لسان والدتها جيدا ولن تستطيع هزيمتها ولا إقناعها

بأفكارها فما الخطأ فيما تقول وتفكر ؟ بعض النساء بالفعل ولدن

ليأمرن وتنفذ أوامرهن وليعشن أميرات بل وملكات على وجه

الأرض والبعض العكس تماما حتى أن من تخدمها امرأة مثلها

وليس عيبا أن يتمنى الإنسان لنفسه الأفضل وأن يسعى له إن

وجد الفرصة أو الوسيلة .

حدقت عيناها باستغراب في المنزل الذي توقفت سيارتهم أمام

بابه ما أن اجتازوا بوابته الحديدية الخضراء البسيطة مثله !!

أهذه العائلة حقا من اختار عمير أن يناسبهم ! لا يبدوا أنهم

من بسطاء الناس بل من الأيسر حالا لكن ليس بمكانته وليس

ما يتوقع المرء من رئيس المخابرات أن يختار مناسبتهم !!

وهذه كانت أول الأفكار التي جعلتها تحترق لا بل ليست أولها

فهي ومنذ علمت بموضوع خطبته لإحداهن وهي تكاد تتحول

لرماد ، وقفت بجانب والدتها كارهة لكل شيء حولها تمسك

يد ابنتها بقوة قبل أن يفتح لهما باب المنزل وكانت في

استقبالهما المرأة التي تجاوزت الستين عاما بعباءة

مطرزة طويلة وأنيقة وكان استقبالها لهما مفعما بالحفاوة

والترحيب وكأنه لم يزرهم أحد أبداً ، وما أن أصبحوا في

الداخل بدأت تلك النظرات الباردة والأحداق السوداء بالبحث

عن أي شخص آخر سيكون في استقبالهم واكتشفت بأنه

لا أحد أبدا حين وصلت بهم لصالة واسعة بصالون أنيق

وجديد على ما يبدو ، وما أن جلسوا حتى قالت التي لم

تستطع صبراً

" يبدوا أنه لا أحد غيرك في استقبالنا ؟ "

لم تكن نظرة الخجل من تلك المرأة وحدها ما أكد لها وقاحتها

بل ووكز والدتها لها بمرفقها والذي تجاهلته تماما بينما قالت

التي تحدثت بأدب

" بناتي المتزوجات ولا واحدة منهن تسكن العمران أو قريبا من

هنا ونحن لم نعلم عن زيارتكم إلا من وقت قريب ولا زوجات

أبناء لدي فابناي من زوجي الأول واحد منهما فقط متزوج

ويسكن وعائلته في تيمور أما ابني من زوجي الحالي فقد

تزوج مرتين لكن لم يكتب الله لزواجيه أن ينجحا وهو شبه

عازب حاليا "

ونظرت فورا للتي لوت شفتيها بعدم رضا وما أن كانت والدتها

ستتحدث موضحة ومعتذرة سبقتها قائلة بسخرية وابتسامة

شامتة

" يبدوا أن الطلاق طقس لديكم "

لتلجم جملتها تلك الجالستان معها احداهما من الصدمة والأخرى

من حجم تلك الإهانة مما جعلها تقف ودون شعور منها وغادرت

معتذرة لتستعجل ابنتها فأتى تلك ما كانت تنتظره وتتوقعه تماما

حين نظرت لها الجالسة بقربها وقالت بضيق

" يبدوا لي أنك تركت مفتاح لسانك في المنزل هناك وأنه
يحتاج للقطع "

نظرت لها باستنكار وقالت بضيق

" وما قلته يُقطع عليه لساني ؟ أم يعجبك أنه لم يكن في

استقبالنا أحد سوى تلك العجوز وكأنهم يسخرون منا ولديها

فريق من النساء اللواتي أنجبتهن "

قالت تنظر لها بحدة

" ذلك ليس سببا لتقولي ما قلته وهي وضحت عذرهم ثم نحن

هنا من أجل خطيبة عمير وليس شقيقاتها "

أشاحت بوجهها عنها متأففة فقد سمعت خطوات تقترب منهم

وما هي إلا لحظات ودخلت المرأة التي غادرت منذ قليل تتبعها

شابة جعلت عيناها تنفتحان بصدمة ما أن وقعتا عليها فقد تعرفت

على هذا الوجه سريعا وأدركت في لمح البصر بأنها ذاتها المرأة

التي كانت في الصورة في تلك الجريدة التي وجدتها في غرفته

سابقا ...!! إذا هذه هي المرأة التي اختارها .. جليلة يونس

طليقة رماح شراع والتي دارت حولها الشائعات لأسابيع لا بل

لأعوام منذ تزوجها وتركها في منزل عائلتها ... !! ابنة خالة

شقيقتهم من والدهم غسق شراع وصديقتها المقربة والتي تم

عزلها حتى عن منصبها من جمعية الغسق بعد طلاقها والشائعات

التي دارت حولها ... والآن وبعد كل ذلك يخطبها أحد أهم رجال

البلاد ومن لم يسبق له الزواج !!.

بدأت الغيرة تأكل ذاك الجسد كما تأكل النار الحطب ونظراتها

تراقبها وهي تدخل ... المرأة التي تناقضها في كل شيء ..

لون الشعر البني الطويل والذي تجمعه جهة كتفها ومن

كثافته ونعومته تتمنى أن تلمسه وإن لمرة في حياتك ..

عينان مشابهتان له في اللون واسعتان باستدارة واضحة

ومميزة بل ولون الحاجبان أيضا مثلهما تمسك غرتها الكثيفة

كما يبدوا بمشبك لم يستطع السيطرة عليها فانزلقت منها

خصلات على جبينها وطرف وجهها .. أنف صغير مستقيم

مدبب وشفاه متساوية وغمازتان تزينان ذاك الوجه الدائري

ظهرتا بوضوح ما أن زمت شفتيها في خط رقيق ... عكسها

تماما بالفعل وفي كل شيء ! هي ذات الشعر الأسود القصير

والعينان السوداء مثله تماما .. الوجه الطويل والوجنتان

المرتفعتان فهذه حتى وجهها ممتلئ قليلا بشكل دائري مميز

بل وجسد ممتلئ قليلا متناسق مع طولها رغم قصره ... أيختار

امرأة مناقضة لها لهذا الحد ! ألم يعد ولا يجذبه في النساء ما

أحبه فيها يوما !! هذه لم تكن كتوقعاتها أبداً ! ابنة صنوان !!

آه أجل هذه تنحدر جذورها من قبائل غزير والتي كانت تسكن

حدود الحالك لأجيال واكتسبوا من سماتها الكثير فهذه أخذت

لون الشعر والعينان واستدارة الوجه والأنف الصغير من قبائل

صنوان وسرقت الباقي من الحالك فكانت هكذا بمزيج غريب كما

غيرها ما أن تداخلت بعض الأنساب بعد توحيد البلاد .

راقبتها تلك العينان المحتقنتان بالغضب والغيرة وهي تقترب من

والدتها أولا وتسلم عليها وعلى شفتيها ابتسامة صغيرة شعرت

بالتكلف الواضح فيها وكأنها مجبرة على إهدائها لهم !

بل ومجاملة ليس إلا ! هذه مغترة بنفسها أم تكبر أو تعجرف

يكون هذا ! هذه إذا التي تركتك تنتظر موافقتها لأيام يا عمير !

كانت تلك هي الأفكار التي تدور في رأسها وهي تسلم عليها

مقبلة خدها وبعبارات مختصرة باردة نافست برود تلك الأحداق

البنية الواسعة وجلست متجاهلة ليدها التي مدتها لها مصافحة

فانقبضت تلك الأصابع البيضاء في قبضة واحدة وجلست صاحبتها

حيث طلبت منها التي قالت مبتسمة

" تعالي واجلسي بقربي يا جليلة ... حمدا لله الذي أحياني حتى

رأيت عروس ابن شقيقي الوحيد "

فتمتمت التي تململت في جلوسها

" خطيبته أمي فهما لم يتزوجا بعد "

فكان التجاهل من نصيبها هي هذه المرة بل والمزيد كان في

انتظارها حين قالت والدتها معرفة

" هذه بثينة ابنتي الوحيدة يا جليلة وهي مطلقة ولديها طفلان "

فنظرت لها باستياء بينما لم تنظر لها والدتها بتاتا ، كان عليها

توقع هذا وبأنها لن تفوتها لها وكأنهم هم عائلتها وليست هي

ابنتها وحيدتها كما تقول !.

أهدتها الجالسة على يسار والدتها ابتسامة صغيرة مجاملة

متمتمة

" تشرفت بمعرفتك يا بثينة "

بينما قالت والدتها والجالسة على مقربة منهم

" عوضك الله خيرا يا ابنتي فالطلاق لا يعني نهاية حياة المرأة

وأنا أمامك تطلقت وتزوجت وأنجبت وعوضني الله برجل أفضل

من السابق "

حركت شفتيها بامتعاض قبل أن تقول

" أجل معك حق والدليل واضح في أيضا في .. "

" أين ذهب ابنك فهو لم يدخل معنا ؟ "

قاطعتها والدتها موجهة نظرات تهديد قوية لعينيها فتأففت

بصمت ونظرت جهة ابنتها الجالسة بقربها قبل أن تنظر للفراغ

متمتمة ببرود

" لا أعلم تركته وشقيقته يدخلان خلفي ... سيكون مع

السائق بالتأكيد "

وما أن كانت ستتحدث والضيق باد على ملامحها قاطعتها التي

قالت مبتسمة

" لا تقلقي هو في مجلس الرجال لقد أخبرني وثاب بأنه أدخله

معه هناك حين وجده جالسا مع السائق في السيارة فيبدوا أن

حفيدك يخجل كثيرا ويكبر قبل أوانه "

فتغيرت ملامحها للاسترخاء ونظرت لها قائلة بابتسامة

" أجل فبالرغم من أنه في العاشرة تفكيره أكبر من سنه .. حتى

أن عمير يعتمد عليه في الكثير من الأمور وكأنه يترك رجلا

ورائه في المنزل "

وانخرطتا في حديث طويل سرعان ما انسجمتا فيه بينما لم

تشاركهما المرأتان الأصغر سناً فبينما اكتفت إحداهما بالنظر

ليديها في حجرها بصمت كان للأخرى من الضيق والامتعاض

ما منعها سوى عن مراقبة تلك الجالسة بصمت وهدوء حتى

أنها لم تشرب أو تأكل شيئا مما جلبته خادمتهم .

تصاعدت الأبخرة من رأسها في سحب كثيفة لم يشعر بها

أحد غيرها بالطبع حين تغير الحديث عن مكان سكنهم قبل

أن ينتقلوا لحوران وبدأت والدتها تتحدث وبكل فخر عن

قريتهم القديمة تلك ونظرت لها بعينين متسعة من الصدمة

حين قالت مبتسمة وكأنها تلقي دعابة

" ما أجملها من أيام كانت تلك رغم أن منازلنا من طين

وحياتنا عشناها في فقر إلا أن تلك البلدات لم تتخلى عن

عاداتها ولازال أهلها يتسمون بالكرم وحسن الأخلاق حتى

اليوم رغم أن أحوالهم تحسنت مؤخرا ومنازلنا أصبح لها سقف

وطليت جدرانها بعدما غطتها طبقة إسمنت جديدة لكن ذلك لم

يغير في نفوسنا شيئا "

قالت المقابلة لهما في الجانب الآخر مبتسمة

" معك حق فالقرى لا يتغير أهلها بسهولة عكس ما يحدث في

المدن فحياتهم تناسبنا نحن العجائز أما صغار السن فالعكس

تماما ومن الظلم سجنهم فيها بلا دراسة ولا تعليم "

فقالت من فورها معترضة

" بل أرى تربية أبنائهم أفضل ورجالهم أنضج وأحنك من أشباه

النساء الذين يتجولون في العاصمة هناك يصيبونك بالغثيان

كلما رأيت أحدا منهم ، وإن كان مخالفا لهم فتأكدي من أنه

لم ينشئ ويتربى هناك ، أما المدارس باتت مشكلة من الماضي

بعد أن أمر الزعيم مطر ببنائها في جميع القرى والبلدات ولن

يقتصر التعليم على المراحل الابتدائية فقط "

وحمدت الله أن انتقل حديثهما عن ابن شاهين هذه المرة عن

عودته وما فعل ويفعل كحديث الجميع في تلك البلاد وآخرها

محاولاته لدمج الثنانيين مع العرب وكأنهم ليسوا من صنوان

ومدنهم تلك التي تحاصرها جيوشه ودباباته وقد يقتحمها في

أي وقت مدمرا إياها وزاجا ابنائها في السجون !! ولم يوقف

حديثهما الطويل المتحمس ذاك سوى الخادمة التي وقفت عند

الباب ونادت سيدتها وغادرت تتبعها تلك المرأة وغابت لوقت

قبل أن ترجع وجلست مكانها قائلة بابتسامة

" ما كان عليكم أن تكلفوا أنفسكم بجلب كل هذا .. يكفي ما

جلبه عمير سابقا فقد أغرقها وغمرنا بكرمه "

وأنقذت ذات المرأة تلك العينان من الخروج من مكانهما من

الصدمة حين تابعت بذات ابتسامتها

" عمير قال بأنكم مغادرون قبل المغرب رغم أنه أرسل السائق

لحوران بعد وصولكم ! وبالرغم من إصرار وثاب ووالده

لتتناولوا العشاء معنا لكنه رفض "

ففهمت سريعا بأنه أصبح هنا معهم وبأنه من جلب كل ما تتحدث

عنه وهي من ظنت بأنه تجاهل أو نسي ذلك وبأنه فضل أشغاله

ومهامه على مرافقتهم وليس من فكر في كل شيء وكان قريبا

من هنا فطلب من السائق جلبهم ولحق هو بهم بدلا من أن يجلبهم

من حوران وهي وبكل غباء ظنته لا يهتم لمشاعرهم ولا لاتباع

أصول اللباقة معهم وكانت مخطئة وكل الخطأ حين اعتقدت بأن

السلطة والمال غيروا في عمير وإن القليل .. وكيف لها أن

تستغرب ذلك فهو لم يبخل عليها وعلى عمته بل وأبنائها

من رجل لا يقرب له فكيف بالتي سيتزوجها .

شعرت بالنيران تشتعل في جوفها أكثر وما كان من مجال

للتنفيس عنها سوى فيهما فقالت تنظر حولها باستعلاء

" من الغريب أن عمير اختا.... "

فقاطعتها مجددا التي قالت ناظرة لها بوعيد

" لا تتركي ابنتك تبتعد .. تعلمين جيدا بمشاغبتها "

فزمت شفتيها ونظرت للتي أصبحت قدماها الصغيرتان وحذائها

الزهري الأنيق على الأرض تحتها فرفعتها وأجلستها مكانها

بعنف قائلة من قبل أن تجد والدتها مجالا لمقاطعها

" وإن ابتعدت ما الذي ستفسده هنا مثلا نخشى عليه ؟ "

لتلجم كلماتها القوية تلك الجميع هناك ورد الفعل الوحيد كان

من التي وقفت على طولها وغادرت المكان تراقبها تلك العينان

الكارهة والتي تمتمت صاحبتها بهمس خافت حانق

" يا لك من متعجرفة لا تساوين ولا نعاله "
*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 13-02-19, 09:06 PM   المشاركة رقم: 1282
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


*
*
*


عبر الممر بخطوات سريعة ومن الانتشار الأمني الواسع فيه علم

بأنه وصل لمقصده دون أن ينظر للافتات المعلقة بينما أفسح له

الطريق من علموا هويته وأنه ممن لا يمكن منعهم عن اجتياز

المكان ، وما أن وصل عند الواقفة قرب أحد الأبواب المغلقة

والتي التفتت نحوه فور أن شعرت به أسرع الخطى نحوها

تتبعه عمته وقال ما أن وصل عندها

" ألم يخرج بعد ؟ "

أشارت برأسها نفيا وامتلأت عيناها بالدموع هامسة ببحة

" لم يخرج لا هو ولا الطبيب حتى الآن ! أنا قلقة عليه يا رعد "

نظر لباب جانباً قبل أن ينظر لها مجددا وقال

" أليس جرحا في يده فلما القلق والبكاء يا تيما ؟ "

قالت تمسك عبرتها بصعوبة

" ولما لم يغادر غرفة الطبيب حتى الآن ؟ لقد نزفت يده كثيرا

وحين وصلنا إلى هنا كان لون أصابعه بدأ يتحول للون الأزرق ،

أخشى أن الجرح أضر بأربطة يده "

حاول إخفاء قلقه عنهما وتنفس بعمق متمتما

" فلنتفاءل خيرا يا تيما وتوقفي عن البكاء "

وما أن التفت للتي كانت تقف بصمت خلفه ارتفع نظره لنهاية

الممر حيث تقدم مجموعة من الحرس الشخصي قبل أن يظهر من

بينهم من اقتربا نحوهم مسرعان فالتفتت عمته أيضاً حين لاحظت

بأن نظره انحرف عنها لشيء ما خلفها وتوجهت نظرات الصدمة

لثلاثتهم نحو التي كانت تلبس عباءة سوداء وحجاب أبيض مزين

بحواف من الدانتيل العريض من ذات اللون وقد تخلت عن

الحجاب الأسود ! بل وعن السواد التام الذي تتمسك به منذ أشهر

ومهما كان السبب ! مشهد أسعد شخصين في ذاك المكان

وخاصة التي لم تراها بهذا اللون من قبل يزيد بشرتها البيضاء

نقاءً ورقة بينما لم يرق الوضع للشخص الثالث والصامت بينهم

والتي راقبتها نظراتها ما أن وقفت أمامهم باستهجان بل واليد

التي كانت تمسك بذراعها والذراع المحيطة بكتفيها للواقف

ملاصقاً لها وقد قالت بقلق نظراتها تنتقل بينهم

" أين هو الكاسر وما به ؟ "

قبل أن تستقر على رعد تحديداً وارتجفت يدها وهي ترفعها لكم

سترته والتفت أناملها حوله بقوة وارتجف صوتها تباعا هامسة

" أين ابني ...؟ ماذا حدث له ؟ "

وقبل أن يصدر عنه أي جواب نظرت جهة الباب المغلق وتوجهت

نحوه مبتعدة عن الذي سبقت يده لها وأمسك بذراعها قائلا

" غسق انتظري لنفهم منهم أولا "

فسحبت ذراعها منه والتفتت لهم قائلة

" أنتظر ماذا ..! أين هو ابني ؟ "

كانت يداها التي تقبضها ببعضها ترتجفان كما مقلتيها السوداء

المستديرة الواسعة التي كانت تتشتت بضياع وارتجفت شفتاها
وهي تهمس قبل أن تستدير نحو الباب مجدداً

" كاذبون ... أريد ابني "

فلحق بها رعد بينما نظرات الاستغراب لم تترك اللذان يحدقان

بها قبل أن يتبادلاها معا بينما لم يكن ذاك حال من لحق بها

فوحده وعمته الواقفة بعيدا بعض الشيء يعلمون ما تكون تلك

الحالة وسببها وهي تعلقها الشبه مرضي بالطفل الذي ربته

وأفرغت في حبها له كل ما كبتته داخلها لأعوام من فقد واحتياج

وفراق فمحبتها لشقيقها الذي فقدته قبل أن تراه والزوج الذي

تركها وهاجر دون حتى أن يشرح لها أسبابه آخذا ابنتها حديثة

الولادة معه تاركين في روحها فجوة عميقة وفراغا موحشا وقلبا

جريحا ضمدت جراحه النازفة لأعوام بحبها واهتماها بذاك

الرضيع الذي كان يشاركها حتى سريرها ليلا وهو طفل ، من طُبع

في ذاكرته وحده بكائها الصامت ليلا وهي تحضنه ... ذكرى ما

كان لغيره أن يحملها لأنه لم يرى أحداً غيره تلك الدموع التي

تركت في روحه حزنا عميقا تمنى معه ولسنوات أن يرجع ذاك

الرجل ويداوي جراحها وإن كان هو السبب فيها .. أن يمنحهم

هدية لم يهبها لهم القدر أبدا وهي رؤيتها تضحك بصدق وتبتسم

ابتسامة حقيقية لا دموع ولا حزن فيها .. أن يجعله يرى غسق

التي سمع حكاياتهم عنها فقط وقد دُفنت خلف الماضي منذ ذاك

اليوم الذي عادت لهم فيه وحيدة محرومة حتى من طفلها الذي

كان يكبر في أحشائها .

أمسك رعد بيدها من مقبض الباب وشد على أصابعها وقال

بهدوء كي لا يزيد من انفعالها ناظرا لنصف وجهها المقابل له

" مجرد جرح في يده يا غسق ومؤكد سيخيطونه له ويغادر

معنا "

انزلت رأسها ورفعت يدها الأخرى ومسحت بظهر كفها المرتجف

أنفها والدمعة التي انزلقت عليه وهمست ببحة

" أريد أن أراه ... الآن يا رعد "

تنهد بعمق مغمضا عينيه قبل أن ينظر للذي اقترب منهما بل

ومنها تحديدا وأمسكت يداه بذراعيها وأدارها ناحيته والتفت

أصابعه حول رأسها وهو يدفن ملامحها في صدره نظره على

الواقف أمامه والذي همس له

" عليها أن تراه يا مطر "

وعلم فورا بأنه فهم رسالته بل والحالة التي تمر بها حينها ولما

يصعب عليهم إقناعها بأنه بخير .. بل ولم يترك له الباب خلفه

مجالا ليقول أو يشرح المزيد وهو يفتح فجأة لتنتقل الأنظار

جميعها له وللذي خرج منه ونظر لهم باستغراب لاجتماعهم

هناك جميعهم ورفع يده الملفوفة بالشاش لشعره وقال مبتسما

يحاول تحريك أصابعها داخله " ما كل هذا ؟ جيد أثبتم لي بأني

شخص مهم لديكم جميعا "

وكان رعد من استطاع اجتياز الصمت أولا وقد قال باستغراب

" ما الذي تفعله في الداخل حتى الآن ! "

جالت نظراته بينهم قبل أن يقول مبتسما بإحراج

" كنت أستعلم من الطبيب عن مهنته "

وتابع بحماس ناظرا للتي لم تتخطى صدمتها بعد

" إنه رائع أمي لم يبخل عليا بالمعلومات الرائعة التي

جعلتني .... "

فقاطعته ما أن وجدت صوتها قائلة بضيق

" معلومات ....!! تترك الجميع ينتظر هنا منشغلا وأنت تتحدث

مع الطبيب عن مهنته ! "

اتسعت عيناه قبل أن يقول مبررا

" أمي أ..... "

فقاطعته مجددا وبلهجة أشد هذه المرة

" ثم كم مرة حذرتك من استخدام ذاك المقص أم نسيت ما حدث
معك سابقا ؟ متى ستتعلم أن تبتعد عما لا وظيفة لك فيه "

قال مجددا

" أمي... "

وكان مصيره كمحاولاته السابقة وهي تصرخ به

" اصمت ... منذ طفولتك وأنت تبحث عن مسببات المشكلات ، كم

مرة أخبرتك أن تلك الأدوات خطرة "

" آسف أمي .... "

قالها متنهدا بعمق بل وصادرة من القلب لكنها لم تجد أي صداً

لدى التي قالت بحدة

" أجل آسف ولن يتكرر هذا مجددا رغم أني أيضا كررت هذه

الجملة مرارا وبلا نفع فأنت لن تتوقف عن عبث الأطفال هذا

حتى تتسبب في بتر يدك "

وما أن كان سيتحدث سبقته قائلة بضيق

" أصمت ... هذه ليست المرة الأولى ولا حتى العاشرة يا كاسر

التي تحشر أنفك فيها في أشياء لا تخصك وليست لسنك وينتهي

الأمر بكارثة في كل مرة "

نظر لها بأسى وما أن حرك شفتيه ليتحدث كتمت كلماته وكلماتها

معها وهي تشده لحضنها بقوة وكأنها ليست التي كانت تصرخ

به وتعنفه بشدة قبل قليل بل وهمست بألم تغمض عينيها

" متى ستفهم بأنك تشعرني بمرارة فقدك في كل مرة تعرض

فيها نفسك للخطر ... متى ستفهم ذلك يا كاسر ؟ توقف عن

إحياء ذكرى موت والدك في قلبي مرارا "

فشد يديه حول جسدها يحضنها بقوة بينما أحاطت قبلاتها رأسه

وصدغه تحضنه بقوة أكبر وكأنها كانت تكاد تفقده وللأبد ....

مشهد بث الحزن في أغلب تلك الأعين المحيطة بهما إبتداءً

بصاحب اليد التي مسحت على كتفها مرورا لذراعها وصولا للتي

اختلط الحزن في مقلتيها الزرقاء الواسعة بمرارة ( الفقد ) ...

أجل من افتقدت كل هذا طوال عمرها ولم تعرفه من كلاهما كلما

تعرضت للخطر هكذا مثله وهو الذي تعلم الآن تلك المرأة التي

أنجبتها هي كامل تفاصيل حياته وطفولته وبجميع تفاصيلها بينما

عاشت هي وحيدة تقريبا تفتقدهما حتى وقت الألم رغم أن أحدهما

كان موجودا ، راقبت عيناها السابحة في الدموع الذي أبعدها عنه

بهمسه لبضع كلمات في أذنها قبل أن يغادر بها من هناك تحيط

ذراعه كتفاها كتطويق تلك الحراسة لهما يبتعدون عبر الممر

الطويل ليسرق نظراتها تلك رنين هاتفها في جيبها فأخرجته

ونظرت لاسم المتصل قبل أن تسكت رنينه وتعيده لجيبها متمتمة

بحنق

" لم أجدك حين اتصلت بك ما الذي سأفعله بك الآن ؟ "

وانتقلت نظراتها سريعا للذي قال

" هيا عليا أن أوصلكما للمنزل قبل أن آخذ عمتي لمنزلي "

فتحركت التي سحبت الكاسر من يده مجبرا قائلة في أول خروج

لها من صمتها بل وفي أول رد فعل لها

" بل عليه المغادرة معنا يكفيه هذا الجرح المخيف حاليا "

وغادرت به متجاهلة كلماته المتذمرة عن أنه لم يعد طفلا وأن

جرحه ليس كما تتصوره وتركا خلفهما تلك النظرات المتفاوتة

بين الحنق والاستغراب قبل أن يجفل ذاك الجسد الصغير ما أن

قال الواقف قربها مقربا وجهه منها بطريقة مفاجئة

" وأنت ما جديدك أيضا ؟ "

نظرت له مجفلة ترمش بعينيها قبل أن تقول وبكل بساطة

" لا شيء مهم طبعا فقد تزوج "

نظر لها باستغراب قبل أن يقول

" تزوج تزوج ...!! "

حركت رأسها بنعم مبتسمة تمسك ضحكتها بصعوبة وهي تنظر

لملامحه المصدومة وقد قال بعد صمت لحظة وكأنه يحاول جمع

الكلمات

" متأكدة ؟ "

فحركت كتفيها مبتسمة وكأنها لا تهتم فهمس بعدم استيعاب

" و ... وأنت ....؟ "

حركت كتفيها مجددا ومتمتمة

" تزوجت أيضا وانتهى كل شيء "

اتسعت عيناه بصدمة وقال

" تزوجت ممن ومتى ؟! "

أمسكت ضحكتها بصعوبة وقالت بابتسامتها الا مبالية مجددا

" ممن اختاره لي والدي بالطبع "

فحرك يده أمام وجهها وقال سريعا

"هيا لا تلعبي بعقلي يا طفلة كيف تتزوجين بآخر هكذا وتكو.... "

وسكت فجأة ينظر لها بصدمة وكأنه يترجم شيئا ما في عقله

فابتسمت مومئة له بخفة بأن ما يفكر فيه واقعي فضحك وشدها

لحضنه دون شعور منه قائلا

" يا مشاغبة فعلتها بالرجل إذا ....! ها قد أتاك صدق حديثي "

وسرعان ما سحبها من يدها مغادرا بها من هناك قائلا

" هيا لمنزلي أنت أيضا فعليا أن أعلم بكل شيء منك ومفصلا

لنحتفل بانتصارنا معا "

وغادر بها تتبعه مبتسمة فمن حقه بالفعل أن يحتفل بإنجازاته

معها فمخططاته كانت ناجحة بالفعل وهو من دفعه لخطبتها لما

كان سيتركه التردد يفعلها .
*
*
*

اجتاز بسيارته باب المنزل بقليل ما أن أصبحا أمامه وما أن

أوقفها نظر للتي كانت تنظر ليديها في حجرها بصمت فكل ما

همست به وهما يغادران المستشفى أن يجلبها إلى هنا لمنزل

رعد وهو لم يعارضها لم يسأل ولم يناقشها الأمر وكان الصمت

رفيقهما حتى وصلا لم يحاول أيا منهما كسره .

راقب بصمت انفراج شفتيها وسحبها للهواء ببطء منهما يتخلل

جسدها مالئا رئتيها قبل أن تزفره دفعة واحدة وخرجت الكلمات

من بينها متأنية لازالت تنظر ليديها التي بدأت تشد أصابعها

ببعضها قائلة بشبه همس

" عليا أن أبتعد لبعض الوقت ثم ..... "

وبدأت الأحرف تقاتل باستماته لتخرج من بين تقاطع أنفاسها

لازالت تراقب نظراته بشغف الشفاه التائهة بين أنفاسها وكلماتها

وانسدال تلك الأجفان والرموش الكثيفة تخفي أغلب سواد مقلتيها

عنه وعاد بنظره لشفتيها حين همست متابعة

" قد يكون حينها ثمة مجال لنفتح الجرح النازف ونتحدث "

فكان هو من سحب نفسا طويلا حينها مغمضا عينيه قبل أن

يفتحهما وينظر لها مجددا فهو يشعر بكل ذلك ويعيش مأساتها

تماما بالرغم من أنها لا تراه سوى السبب فيها .. يفهمها ويتفهم

موقفها فهو من سبق وجن جنونه بل وآذاها أيضا بقسوته حين
عاش موقفا لا يعتبره مشابها بهذا بل أقل منه بدرجات فاتهمها

ودون رحمة بالخيانة .

رفع يده ولامست أنامله طرف وجنتها فأطبقت تلك الأجفان

والرموش تخفي عينيها سريعا وابتسمت تلك العينان تراقبها

وانحني نحوها مبعدا أصابعه قليلا وختم بنعومة شفتيه مكانها

وهمس مبتعدا عنها

" سأنتظر يا غسق "

واستوى جالسا مكانه لكن يده لم تبتعد عنها كما لم تتركها نظراته

ممررا إبهامه على طرف حجابها الأبيض المزين بالدانتيل

والفصوص الصغيرة اللامعة حين قال يحرك إصبعه عليه نزولا

" أعلم بأنك ما كنت لترتديه لولا انشغالك بما حدث للكاسر لكنك

تحتاجين بالفعل لنزع ذاك السواد يا غسق فقلبك أنقى منه وإن

كان مليئا بالحزن "

ونجح في سرقة نظرها له هذه المرة ... نظرة كانت كما يتوقع

تماما كسيرة تغشوها غمامة حزن سوداء فاقت سواد تلك الأحداق

الواسعة والتي سرعان ما امتلأت بالدموع قبل أن تهمس

صاحبتها

" ليس ومن قتلوا والدي شراع وببشاعة لازالوا طلقاء ... "

واختنقت كلماتها خلف عبرتها التي سجنتها وسط أضلعها

بصعوبة فالتفت أصابعه خلف رأسها وقربها منه مع اقترابه وقبّل

جبينها بعمق قبل أن ينظر لعينيها الدامعة وهمس بجدية

" لن يهربوا بفعلتهم تلك طويلا يا غسق .. هي مسألة وقت

ليس إلا وسيفتضح أمرهم "

رفعت رموشها المشبعة المبللة وامتلأت عيناها مجددا بالدموع

ونظرت لعينيه هامسة بعبرة

" حينها أعدك أن أنزعه فلا تتأخر في فعلها يا مطر "

فابتسم لها بحنان .. بدفء .. بمحبة قبل أن ينحني جهتها أكثر

وسرقتهما تلك القبلة الرقيقة سريعا فسرعان ما سقطت فريسة له

وكالعادة .. لا تفهم متى ستشعر بالاكتفاء من ذاك المذاق .. من

طعم تلك الشفتين ومن الغوص في ذاك الشعور بشغف كالمنومة !

بل ومتى ستشعر بالاكتفاء من هذا الرجل ؟

ورغم كل ذلك كانت هي من قطع تلك اللحظات الحميمة مبعدة

شفتيها ببطء وكأنها تنزعها انتزاعا من كليهما ونزل نظرها

لذقنه وأغمضت عينيها ببطء ما أن همس ولم يبتعد عنها بعد

إبهامه يداعب نعومة شفتيها

" لا تتركيني أشتاق لها كثيرا يا غسق "

أنزلت رأسها في صمت واشتدت أصابعها علي أصابعه التي لا

تعلم كيف أصبحت في كفها أساسا ! قبل أن تتركها أيضا وتستدير

لباب السيارة وتفتحه ونزلت وأغلقته خلفها وغادرت جهة عتبات

باب المنزل التي صعدتها ودخلت دون أن تلتفت خلفها على الرغم

من أنها لم تسمع صوت تلك السيارة الفاخرة تغادر من مكانها ،

وكانت وجهتها سلالم المنزل فورا بل وهدفها الوحيد باب غرفتها

الذي دخلت وأغلقته خلفها واتكأت بظهرها عليه تنظر للأعلى

وأغمضت عينيها ببطء تسمع هذه المرة بالفعل صوت هدير

سيارته وهو يغادر وكأنه تأكد من أنها أصبحت في غرفتها في

الأعلى وبات مطمئنا .

رفعت ظهر أناملها لشفتيها وغطتها بها وانسابت الدموع الحارة

من طرف تلك الرموش الطويلة المطبقة تنزلق على طرف

وجنتيها ببطء ... وكم كرهت حينها ذاك الشعور المميت بالاحتياج

له وكأنه يأخذ معه روحها مغادرا ويتركها جوفاء خاوية ضائعة

ومشتتة .

لامست أنامل يدها الأخرى رحمها برفق فهي تعلم السبب جيدا ...

إنه ما ينمو ويكبر هنا قطعة منه في أحشائها مجددا يربطها به

مهما فرقتهما المسافات بل ويجعلها تشتاق له وهو بقربها

فكيف إن ابتعد ؟ .

أنزلت رأسها وحضنت أناملها شفتيها تمسكها بقوة قبل أن تتوجه

مسرعة جهة باب الحمام ودخلته فورا وجهتها المغسلة الرخامية

التي كانت في انتظارها وكأنها تتوقع قدومها وبدأت المحاولات

المستميتة لإخراج ما ليس له وجود أساسا في معدتها حتى فقدت

تلك الأحشاء الأمل تماما فاتكأت بطرف جبينها على ساعدها

الذي كانت تريحه على طرف المغسلة تسحب أنفاسها بصعوبة

نظرها على المياه المنسحبة داخلها في دوامات متناسقة وكأنها

تأخذها معها للمجهول ، لم تعرف هذا أبدا في حملها بابنتها ولم

تختبره وكأنها ليست هي ذاتها من حملتها ومنه ! وهذا ما

لا تجد له تفسيرا ؟

وقفت ببطء ونزعت حجابها ورمته جانبا قبل أن تدس أناملها

تحت المياه ورفعت ما جمعته بهم منه لوجهها ورمته عليه رميا

وكررت ذلك عدة مرات حتى أشبعته بالمياه تماما ليترك آثاره

عليه وعلى خصلات بسيطة من شعرها الذي انفك من عقدته

متناثرا على ظهرها وذراعيها .

غادرت الحمام وسارت جهة سريرها لم تنظر ولا ناحية التي كانت

واقفة قرب باب الغرفة المفتوح والتي لم تكن موجودة وقت

دخولها وقد قالت محرجة ما أن رأتها تخرج

" آسفة يا غسق طرقت الباب ولم تجيبي وكنت أود سؤالك

عن الكاسر كيف هي حالته فرعد لم .... "

وانقطعت الكلمات من شفتيها تنظر باستغراب للتي جلست

بتنهيدة تعب قائلة

" هو بخير آستريا "

لم تعلق تراقبها بذات تلك النظرات المستغربة وهي ترفع غرتها

عن وجهها بأصابع كلتا يديها ولملامحها الشاحبة فاقتربت منها

قائلة بقلق

" غسق هل أنت بخير ؟ "

فكان جوابها إيماءة صامته فقط قبل أن تنظر للأسفل لتخفي تلك

الغرة الطويلة المدرجة أغلب ملامحها عنها فاقتربت منها أكثر

وسحبت الكرسي قليلا وجلست عليه مقابلة لها وقالت

" تبدين متعبة وشاحبة ! متأكدة من أنك بخير ؟ "

وراقبت بفضول خالطه الكثير من الاستغراب ملامحها ورموشها

المسدله للأسفل تنظر لأناملها التي تقبضها بقوة وتحركت شفتاها

الجافة ببطء هامسة

" أنا حامل يا آستريا "

وكان رد فعلها الأول أن نظرت لها بصدمة قبل أن تنطلق

ضحكتها ... الضحكة التي لم تستطع إمساكها رغم خروجها

متقطعة منخفضة .. وكانت في مواجهتها سريعا تلك النظرات

الحانقة للجالسة أمامها فقالت تحاول التحكم بها بصعوبة

" اعذريني يا غسق لكنكما أغرب شخصين عرفتهما ! من يرى

حروبكما ويسمع رأيك به لا يصدق ما تقولين الآن "

رفعت غرتها خلف أذنيها بعنف قائلة بضيق

" وهل كان الأمر بيدي ؟ هل يترك لك الرجل فرصة

لترفضي وتقرري "

وتأففت بحنق حين استفاقت لما تقوله وكتفت ذراعيها لصدرها

ونظرت جانبا فوصلها صوت الجالسة أمامها هادئا مبتسما

" ليس لأننا نفتقد الفرص يحدث ذلك يا غسق بل حين تعشق

المرأة الرجل وبعنف أليس كذلك ؟ "

لم تعلق وقد دست ملامحها في كفيها تسند مرفقيها بركبتيها

ورفعتهم للأعلى لتتخلل أناملها غرتها فقالت الجالسة أمامها

مجددا

" وما قررتما بشأن هذا ..؟ هل أخبرته ؟ "

حركت رأسها بالنفي متمتمة

" لا .. لكنه يعلم بالتأكيد فهو يعلم عن كل شيء دائما "

قالت الجالسة أمامها من فورها

" أمور كثيرة سيكون عليها أن تتغير الآن يا غسق من أجل

طفلك قبل الجميع "

اشتدت تلك الأنامل على شعرها أكثر وخرجت الحروف من شفتيها

مشدودة خاوية لم ترفع رأسها ولا نظرها بها

" ابني من حقي "

فتنهدت تلك قائلة

" لا أحد ينكر ذلك لكن حين فقدت ابنتك سابقا كانت من

حقك أيضا يا غسق "

فرفعت حينها رأسها ونطرها لها قائلة بضيق

" ما كان في الماضي تغير الآن كما تغيرت البلاد معه "

قالت تواجهها بالحقيقة التي لا يمكنها نكرانها

" لكنه يستطيع فعلها وأنت تعلمين ذلك جيدا يا غسق لذلك عليك

أن تفكري فيه وأن لا يحرم من أحدكما .. لا تكررا مأساة شقيقته

فالحل بيدكما فقط "

ملأت الدموع عينيها تنظر لها بصمت ... الدموع التي سرعان

ما مسحتها قبل أن تمنحها شرف رؤيتها تعانق وجنتيها وأبعدت

نظرها عنها تشد يديها في حجرها بقوة فقالت بهدوء

" أتفهم موقفك يا غسق لكن صدقيني يصعب عليا تصديق

أن الزعيم مطر قد يفعلها "

وبالكاد وصلها همسها الكسير المبحوح لازالت تشيح

بنظرها عنها

" لكنه اعترف آستريا "

فقالت بجدية تراقب ملامحها الفاتنة الحزينة

" وهذا ما لا أستطيع استيعابه في الأمر فنحن من عرفناه قديما

ودخل مدننا وسار بين نساء ثنان وأنت من سبق ورأيتهم بنفسك

وقسما لم تراه عيني ينظر لإحداهن ولا تحدث معها بل وكان

رمزا للرجل النبيل الشريف لذلك لم أجد لاعترافه مكاناً أبدا في

الوقائع التي رأتها عيني "

أدارات وجهها بسرعة ونظرت لها قائلة تشير لنفسها

" وما الذي سيجعله يعترف وأمام الملأ ليذبح روحي و كرامتي "

قالت من فورها

" سيكون لديه تبرير للأمر بالتأكيد فهل حاول شرح الأمر لك ؟

هل علمت أسبابه ؟ "

حركت رأسها بالنفي قبل أن تقول بضيق غلفه الكثير من المرارة

" ما تلك الأسباب التي تشفع للرجل خيانته لك ؟ ما الذي سيقدمه

ويشرحه ! هل ترضيها لنفسك آستي ؟ هل تغفري لرعد وتستمعي

لتبريره إن فعلها ؟ "

نظرت لها بصمت ولم تعلق فعادت لدفن رأسها بين يديها وهمست

بمرارة

" مشتتة آستريا ولم أعد أعلم فعلا ما الصواب من الخطأ في

علاقتنا وما عليا فعله فكيف والآن بعدما بات ثمة طفل بيننا

سيكون ضحية جديدة لأي فشل لتلك العلاقة مستقبلا إن استمرت

على أسس هشة وانعدام الثقة "

رفعت يدها لكتفها ولامسته برفق قائلة

" امنحيه الفرصة إذا يا غسق بل وامنحي الفرصة لكليكما ...

استمعي لأسبابه فلن تكون أقسى مما سبق "

لم تعلق ولم ترفع رأسها أيضا فتابعت بجدية تمسح بيدها نزولا

من كتفها لذراعها

" أفهمك جيدا وأعلم بأن فتح الجراح أقسى من الشعور بها ذاتها

وأنه لا شيء يشفع للرجل أن تكون امرأة أخرى بينكما لكن الأمر

يستحق يا غسق ليس من أجله ولا من أجل مشاعرك ناحيته فقط

بل ومن أجل ابنكما الذي لا ذنب له في كل ما حدث "

لم تعلق على ما قالت أيضاً بل أبعدت يديها عن رأسها ودفنت

عينيها في كفها واختنقت تلك العبرة في صدرها تئن بين أضلعها

بوضوح تفضح تلك الدموع التي لا تراها فوقفت وجلست بجانبها

وحضنها بقوة فهذه المرة الأولى التي تتحدثان فيها هكذا

كصديقتين كشقيقتين بل وكفردين من ذات العائلة بالفعل فهي لم

تكن تراها سوى بعيدة صامتة مشتتة حزينة رغم كل تلك القوة

والبرود واللامبالاة التي تغلف نفسها بها كما أنها تشعر بها حقا

وإن لم تعش ذات الموقف فهي مثلها امرأة أحبت وبجنون تعلم

معنى الجرح والخذلان وإن لم تختبره ، مسحت يدها على شعرها

قائلة بحزن

" أنت تحبينه يا غسق ومشاعرك نحوه يمكنها مساعدتك

لسماعه ولتجتازا تلك العقبة معا فالأمر صعب لكنه ليس

مستحيلا صدقيني "

وما أن أنهت عبارتها تلك وابتعدت عنها قالت مبتسمة تراقبها

وهي تمسح عينيها بقوة تنزل رأسها للأسفل

" انظري كيف أنستني فرحتي بطفلك أن اخبرك عن طفل شقيقك

الذي يبحث له عن مكان بينكم أيضا "

فرفعت وجهها لها حينها ونظرت لها بصدمة من بين تلك

الدموع التي لازالت تبلل رموشها قبل أن تهمس بابتسامة

كسرت حزن تلك الملامح والشفتين

" أنت حامل آستريا ؟ "

أومأت لها بنعم مبتسمة فحضنتها بقوة من فورها وقالت بسعادة

" يا إلهي ما أروعه من خبر آستريا ... وأخيرا حصل شقيقي

على كل ما حرم منه لأعوام "

بادلتها الحضن قائلة بابتسامة

" أجل وها هو اختار له اسم شراع من الآن "

وعضت طرف شفتها بقوة توبخ نفسها ما أن لاحظت اشتداد

أناملها على قماش قميصها ولازالت تحضنها قبل أن تبتعد عنها

هامسة بعبرة لم تستطع كتمانها

" الأحمق من أخبره بأنها ليست فتاة ؟ "

فراقبتها بحزن وهي تجاهد لإخفاء حزنها ومرارتها فوقفت وقالت

مبتسمة تحاول أيضا أن تبدد كل ذاك الجو الكئيب

" اتركيه يواجه الواقع المرير إذا "

وتابعت مغادرة جهة الباب

" سأتركك لتنامي وترتاحي قليلا "

وغادرت مغلقة إياه خلفها بهدوء تراقبها تلك العينان السابحة في

الدموع قبل أن تنحني صاحبتها على ملاءة السرير تحتها تدفن

وجهها وعبرتها فيها واشتدت أناملها حول قماشها بقوة وهمست

ببكاء موجع

" ليتني استطعت أن أهبك روحي وتركتك وما رحلت وتركتني

يا والدي الحبيب "
*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 13-02-19, 09:08 PM   المشاركة رقم: 1283
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


*
*
*

ضربت باب السيارة خلفها ما أن ركبتها متجاهلة تلك النظرات

التي رمقتها بها والدتها والتي أصرت على أن تركب في الخلف

وتترك حفيدها يجلس في الكرسي الأمامي عكس ما أراد ابن

شقيقها واحتراما لها ، وما أن غادرت سيارتهم بوابة ذاك المنزل

حتى قالت بضيق ومتجاهلة كل شيء .. غضب والدتها منها

وقاحتها وجرأتها والأهم من كل ذلك فضحها لمشاعرها أمامه

مجددا حين اندفعت تلك الكلمات من شفتيها ودون رادع وكأن

غيرة المرأة بداخلها ما يحرك لسانها قبل يدها الملوحة بغضب

" لا أعلم يا عمير تجلب عمتك هنا لتهان أم ماذا ؟ أنا لا أرضى
لوالدتي بذلك إن كنت أنت ترضاه لها ولن نقول لي فأنا أساساً
أتيت مجبرة "

وما أن أنهت حديثها الغاضب ذاك نظرت لتلك العينان السوداء في

المرآة أمامهم والتي ارتفعت تنطر للجالسة بجانبها تحديدا والتي

تجاهلت مناداتها لها باسمها آمرة لتصمت فهي تنتظر فقط سماع

ذاك الصوت الرجولي العميق المتزن والذي كما توقعت سرعان

ما ملأ صمت السيارة حين قال صاحبه بجدية ونظره لازال مركزا

على عمته

" هل ثمة من أهانك أو أخطأ في حقك هناك عمتي ؟ "

وما أن كانت ستتحدث سبقتها التي قالت ما تحدثت من أجل قوله

تحديدا

" بلى حدث فما معنى أن لا يكون أحد في استقبالنا غير تلك
العجوز وابنتها وأن تجلس معنا تلك المغرورة لا تتحدث ولا تنظر

لنا وحتى الابتسامة تجبر نفسها على التكرم بها علينا وكأننا

نشحذ رضاها عنا ثم وبكل وقاحة غادرت وتركتنا ولم تكلف

نفسها ولا بتوديعنا عند مغادرتنا وتعذرت والدتها بأنها وجدتها

في الحمام وكأننا أطفال أمامها تظننا سنصدق ذلك "

وسحبت نفسا عميقا قبل أن تتابع منقذة باقي كرامتها المهدورة

أمامه كي لا يفسر السبب الحقيقي لكل ما قالت

" يمكنك أن تتزوج من أي امرأة في البلاد لكن كهذه لن تحترم

أهلك ولا ضيوفك مستقبلا ستكون أخطأت الاختيار فابحث لك

عن غيرها "

وأنهت حديثها الغاضب ذاك تسحب أنفاسها بقوة لازالت تنظر

لتلك الأهداب السوداء في المرآة والتي لم ترتفع وتكشف لها عن

عينيه بل نظر هذه المرة ومجددا للجالسة بجانبها تنظر لها بحدة

وقال

" صحيح هذا عمتي ؟ "

فتحدثت حينها التي نظرت له وأصابعها تقرص فخذ ابنتها بقوة

جعلتها تخرس من الألم قائلة

" بل أعجبتني الفتاة بني وإن كان لي ابن ما كنت لأخطب غيرها

له ، إنها خلوقة قليلة كلام وتبدوا تلك طباعها ولم تتعمدها كما

أنها جميلة ومرتبة تناسبك تماما "

وتابعت ترمق الجالسة بقربها بطرف عينيها ومن تعلم كلاهما

بأنها لن تستطيع قول الحقيقة وما فعلت وقالت هناك له خجلا منه

ليس إلا فكيف تخبره بأفعال ابنتها المشينة

" ووالدتها أخبرتنا بنفسها بأن بناتها يسكن خارج العمران

جميعهن كما زوجة ابنها وبأنك لم تبلغهم مبكرا لإبلاغهم والباقي

للفتاة أسبابها فيه بالتأكيد "

فانتقلت نظراته بينها وبين التي كانت تنظر جهة النافذة بصمت

حانق قبل أن يعود بنظره لها وابتسمت لها تلك العينان السوداء

قبل أن يقول صاحبها

" من الجيد أن كان هذا رأيك بها عمتي وأنا أفهم جيدا وأتفهم

ظروفها وما مرت به فإن صدر عنها ما أزعجك فأنا أعتذر نيابة

عنها واستحمليها من أجلي عمتي فهي مختلفة عن ذلك تماما

وستعرفينها في المستقبل جيدا "

فنظرت له تلك العينان بحب وابتسامة ودود قبل أن تمتد يدها

لكتفه أمامها وقالت بحنان

" جعلها الله من نصيبك بني وأقر عيناي برؤية أبنائكما قريبا "

بينما كانت النظرات المتقدة غضباً وحقدا وغيرة بل وألماً وندماً

من نصيب الجالسة بجوارها لازالت تنظر لتلك العينان التي لم

ينظر صاحبها ناحيتها بتاتاً وكأنها شخص لا وجود ولا قيمة له

فحتى كلامها طلب من عمته أن تؤكده له وكأنها كاذبة ! ثم وما

أن قالت خلافها صدقها فورا لا ويعتذر منها نيابةً عنها بل ويطلب

منها أن تستحملها من أجله !! هل سرقت قلبه وعقله لهذه

الدرجة ! أهو على استعداد لتحمل جميع تصرفاتها فقط

لتكون له ؟ امتلأت عيناها بدموع القهر والحسرة .. دموع

الندم والخسران .. لا بل دموع الشفقة على نفسها قبل أن

تستدير ليس بوجهها فقط بل وبكامل جسدها ناحية النافدة

تحاول إخماد البركان المشتعل داخلها وإخفاء دموعها عنهم .

وكان الباقي في انتظارها وكأنه ينقصها قهر ومعاناة حين قال

الجالس خلف المقود وهو يدخل بالسيارة لشارع فرعي

" لدي منزل هنا اشتريته مؤخرا من أجل زيارات جليلة لعائلتها

مستقبلا وسنبات فيه الليلة فالرحلة مجددا لحوران ستكون

متعبة لك وللطفلين عمتي "

وزاد على كل ذلك أن تجاهل ذكرها وكأنها لا تتعب مثلا !

بل وكأنها شخص لا مكان ولا وجود له مما جعلها تتمنى

لحظتها أن قفزت من تلك السيارة الفاخرة وماتت تحت عجلاتها .

ولم يكن الوضع حيث المكان الذي تركوه خلفهم بأفضل منه وثمة

بركان غاضب يقدف حممه هناك أيضا والواقفة قرب سرير

ابنتها توبخها بعنف وغضب مرددة

" ألم يكن بإمكانك التصرف بلباقة معهم تلك الدقائق المعدودة

حتى يغادوا "

وسحبت أنفاسها بغضب تنظر للتي رمت السوار والخاتم في

الدرج قبل أن تغلقه بقوة فهي من أجبرتها حتى على ارتدائهما

وقت نزولها ونظرت لها وقالت بضيق

" وما الخطأ الذي فعلته أمي فقد استقبلت عائلته الموقرة

وجلست معهم كما تريدون .. هل كان عليا تقبيل أيديهم

امتنانا لهم على تواضعهم لزيارتنا ؟ "

قالت التي لم يخف غضبها شيئا

" بل أن تتصرفي معهم كجليلة التي نعرفها ويعرفها الجميع

وربيتها بنفسي تحترم الكبير وتقدر الصغير وتتحلى بأخلاق كرم

الضيافة أكثر من غيرها "

فلوحت بيدها قائلة بضيق

" آسفة أمي لم يكن بإمكاني تقديم عرض وتمثيلية أفضل

من تلك .. أم لم تري بنفسك ولم تسمعي ما تقوله ابنتها "

قالت من فورها وبضيق

" وإن يكن هم ضيوفنا وأقارب خطيبك لن نركز على تصرفات

تلك المرأة فأنت ستتزوجينه هو وليس هي "

قالت بضيق مماثل

" وسأعيش معهم أمي أليس كذلك ؟ وأنت أكثر من يفهم وقاسى

وعانى من تدخلات أهل الزوج في حياتك حتى دمروها نهائيا

وطردوك من حياة ابنهم نهاية الأمر آخذين ابنيك منك ، ألم تري

نظراتها المتعالية والمشمئزة لكل شيء حولها وكأنها تجلس في

حاوية نفايات وليس منزلا قضيتِ أنت وابنتك وخادمتكم نهارا

كاملا في ترتيبه وتنظيفه لاستقبالهم لتسخر نهاية الأمر من

وضعنا مقارنة بابن خالها ذاك ... عذرا أمي أنا ما كان يمكنني

استحمال اهانتها تلك لنا وخروجي دون أن أتحدث كان

وحده يكفي لتعلم بأنه كرما مني ليس إلا "

قالت بضيق أشد

" كنت نزلت لتوديع عمته على الأقل فهي لم تخطئ معك في

شيء بل وبلسانها وأمامك حكت عن حياتهم السابقة وعن فقرهم

وعن أن خطيبك من أخرجهم من كل ذلك لمنزله "

شدت قبضتها بقوة حتى آلمتها يدها وقالت بحدة

" لا تقولي خطيبك أمي وتوقفي عن نسبه لي "

واجهتها بحدة أشد قائلة

" بل خطيبك ورغما عنك وسنناديه بزوجك قريبا فهو تحدث مع

والدك وشقيقك عن عقد قرانكما ، كنت أعلم ومنذ البداية أن ما

يغضبك ليس ما قالت وفعلت ابنة عمته وأنت من لم تهتم يوما لما

قيل ويقال عنها لأعوام "

لوحت بيدها قائلة بضيق

" لا أريده أمي لا أريد أن أتزوج .. لا أريد رجالا ولا أي

رباط يربطني بأحدهم لما لا تفهمون هذا لماذا ؟ "

قالت من فورها وبغضب

" لأنك لا تقولين ما يستوعبه أي عقل يا ابنة والدتك فليس ثمة

فتاة لا تريد أن تتزوج وتنجب أبناء وأن ترفض ذاك الرجل وبها

عقل كباقي البشر "

أشارت لنفسها تضرب بأطراف أصابعها ضربا على صدرها

قائلة بحنق

" أنا أمي ... أنا لا أريد كل ذلك واعتبروني مجنونة أو أيا

كان ذلك "

نظرت لها بصدمة واقتربت منها وأمسكتها من ذراعيها ونظرت

لعينها بذعر قائلة

" إن سبق وحدث شيء ما بينك وبين ابن شراع فتحدثي عنه

الآن ليعلم والدك قبل أن تصلي بفضيحتك للرجل وتدفني رؤوسنا

في التراب "

فكانت نظرات الصدمة من نصيبها هي هذه المرة وقالت باستنكار

" أمي ما هذا الذي تقولينه ! ابنتك هذه التي ربيتها وتتهمينها

في أخلاقها "

فتركت ذراعيها قائلة بضيق

" ما بك إذا ؟ "

وتابعت تعد بأصابعها ونظرها على عينيها

" إن كان سحرا أخذناك لمن يزيله وإن كانت عينا رقيناك وإن

كان جنونا فليس ثمة علاج له سوى شقيقك وثاب يدق عنقك

ويخرس هذا اللسان للأبد "

شعرت بكلماتها تحرقها كالنيران فقالت ناظرة لها بأسى

" لا أعلم لما لا ترون به إلا مزاياه ؟ ألم تفكروا للحظة بأنه

سيكون هدفا للاغتيال إن من المعارضين أو المتطرفين وترجع

لك ابنتك أرملة أو أن يهاجر مجددا ويتركني خلفه مطلقة كما فعل

زعيمه وصديقه مع غسق سابقاً "

فضربت الواقفة فوقها يديدها ببعضهما تمسكهم عند وسطها

قائلة بضيق

" لن يتغير وضعك حينها فإن طلقك سترجعين كما اخترت لنفسك

الآن وأنت تطلبين الطلاق بنفسك من ابن شراع وإن مات فلست

أول أرملة في البلاد ولا تتحججي بما الله وحده يعلم حدوثه

من عدمه "

وما أن كانت ستتحدث قاطعتها ترفع سبابتها قائلة بتهديد غاضب

" قسما يا جليلة إن أخجلتنا مع الرجل بعدما أعلمناه بموافقتك

أني أنا من سيتصرف في الأمر وسأطلب بنفسي من شقيقك قائد

أن يتدخل وتعرفيه جيدا لن يفعلها إلا إن طلبتها أنا منه ..

ولا تنسي يا ابنة يونس ما سيكون موقف والدك وشقيقك

وثاب إن الغيت الخطبة وعلموا أنك السبب "

وما أن أنهت حديثها ذاك غادرت الغرفة ضاربة بابها خلفها

تاركة الجالسة فوق سريرها مكانها تتآكل غضبا .. من استلت

مشبك الشعر من شعرها بعنف محررة تلك الغرة الكثيفة ورمته

على الطاولة بقوة وأمسكت هاتفها تنظر له بين يديها فلا حل

أمامها سوى مواجهة ذاك الرجل فإن كان نبيلا وكريم أخلاق كما

يقولون عنه فسيفهم من نفسه بأنها لا تريد أن تتزوجه وأنها

وافقت مكرهة ومجبرة ، وما أن وصلت لرقمه من الرسالة التي

أرسلها لها سابقا من أجل رئاسة الجمعية توقفت تنظر له من

بين الدموع التي ملأت عينيها تتذكر كلمات والدتها الاخيرة وما

ستواجهه إن هي فعلتها وأنهت هذه الخطبة ، رمت الهاتف من

يدها ودفنت وجهها في كفيها تدفن دموعها وبكائها الموجع فيها .

*
*
*


دخلوا المنزل أربعتهم يكتسي التجهم ملامحهم ولأسباب متفاوتة

سوى الذي شقت ابتسامته وجهه ينظر للتي كانت في استقبالهم

ما أن نزلت السلالم البيضاء العريضة والتي قالت ناظرة

لعينيه تحديدا

" غسق هنا في غرفتها "

فاختفت ابتسامته تلك تدريجيا وكان الصمت جواب الجميع وقد

تبادل الكاسر والواقفة قربه نظرات الاستغراب فلم يتوقع أحد

منهم أن يغادر بها من هناك ليجلبها إلى هنا ! وكان من غادر

المكان أولا هي عمتهم والتي تبعتها نظرات الجميع وهي تتحرك

متمتمة بهمسات متضايقة لم يفهمها أي منهم ووجهتها ممر

غرفة رماح بينما كانت وجهة الكاسر السلالم من فوره وما أن

فكرت التي تركها خلفه في اللحاق به أوقفتها اليد التي التفت

أصابعها حول معصمها وسحبها صاحبها جهة الممر الغربي قائلا

" أنت بيننا حديث ما أولا ثم تصعدين لها "

وسار بها حتى دخلا مكتبه والتفت وأدارها لتقف مقابلة له وقال

" هيا احكي لي ما حدث مفصلا .. أريد أن أعلم الآن كيف وقع

الفأر في المصيدة "

ابتسمت تلك الملامح الجميلة وصاحبتها تقول ضاحكة

" لم يقع فهو كان فيها أساسا "

نظر لها باستغراب فضحكت وبدأت تسرد عليه ما حدث بالتفصيل

ملامحه تنتقل مع حديثها من الدهشة للحماس للتجهم حين

وصلت للحطة التي علمت فيها الغاضبة منها في الأعلى وخبى

كل ذاك الحماس وهي تهمس بإحباط منزلة كتفيها

" وها هي هنا وعليا مواجهتها وأنا من ظننت بأنها لن تكون هنا

وسأهرب من مواجهة كليهما "

قال ولازال محدقا فيها باستغراب

" والدك كان يعلم إذا ؟ "

حركت رأسها بالإيجاب وهمست بأسى

" مؤكد يعلم بما أن جدي يعلم وذكر ذاك الملهى "

حرك رأسه متنهدا ولم يعلق بادئ الأمر لكن تلك الملامح المحبطة

الجميلة والعينان المحدقة فيه بأمل جعلته يخرج من صمته قائلا

" حسنا أنت في مأزق مزدوج الآن لكن مواجهة والدك ستكون

الأيسر بما أنه يعلم كل ذاك الوقت ولم يغضب منك أو يعاقبك

أما والدتك فستحتاجين لوقت ليهدئ غضبها منك بالتأكيد "

قربت حاجباها الرقيقان قائلة بحزن

" أغادر لمنزل والدي تعني ولا أتحدث معها الآن ؟ "

حرك كتفيه قائلا

" كان سيكون خيارا سليما إن غادرت من المستشفى هناك فورا

لكن الآن هي ستعلم بأنك كنت هنا وغادرت وذاك وإن لم يعجبها
فسيجرحها بالتأكيد "

عبست ملامحها أكثر وتمتمت بأسى

" أجل معك حق "

أمسكت يداه بكتفيها وقال بجدية

" لن يحبك أحد مثلها يا تيما كما لن يصلح ذاك الشرخ أحد مثلك

مهما تدخلنا وأنا من يعرف والدتك جيدا وتربى معها "

أسدلت جفنيها للأسفل وتنهدت بإحباط فقد حطمت كلماته تلك

الأمل في داخلها بأنه ثمة من سيساعدها وإن كان الكاسر فهي

كما قال هم أكثر من يعرفها ويعلم عن طباعها عن غضبها وطرق

إخماده لكن المهمة لن تكون سهلة عليها أبدا وإن كانت تحبها

فالموقف لم يكن سهلا وهي كانت غاضبة بشدة ولا تعلم إن كانت

رحلتهما جعلتها تهدئ قليلا أم زادت الأمور سوءا ، تحسد والدها

أحيانا على شجاعته في مواجهة غضبها وكأنه يدرس جيدا طرق

احتوائه وإخماده وإن كانت محاولاته غالبا لا تزيده إلا اشتعالا .

أفاقت من شرودها الحزين ورفعت نظرها بالذي ربتت يده على

كتفها ونظرت بحزن لابتسامته وإيماءته الخفيفة برأسه مشجعا

لها فتنهدت باستسلام وغادرت من عنده في صمت مجتازة

الرواق الطويل في شرود حزين حتى كانت في بهو المنزل

الواسع واجتازت الواقفة هناك مكانها الذي تركوها فيه تنظر

لها باستغراب حتى صعدت السلالم تفكيرها منحسر في الطريقة

التي ستجعلها تغفر لها وتنسى غضبها منها ولازالت حتى الآن

تشعر بتلك الصفعة تحرق وجنتها بشدة كلما تذكرتها وجميع

عباراتها الغاضبة تلك تعاد وتتكرر في أذنيها

( أجل فاللوم ليس عليه ولا عليك يا رئيس البلاد ولا على جدها

بل عليها هي التي لم تجعل لوالدتها مكانة لديها تخبرها بأمر كهذا

، كانت قالت يا جدار ثمة أمر يحدث من وراء ظهرك وأنا شريكة

فيه لكنها لا تتغير أبداً فلو كنت أنا من أردتها أن تتزوج لرفضت

وأخبرت والدها فهي ابنته وليست ابنتي )

( أصمتي أنا لا ابنة لي مطلقا أنا ابني الكاسر الذي ربيته يحترم

قراراتي ورأيي لا أحد يناقشه فيما أقول ولا أعمامه ولا جده حين

كان حياً .. أنت لا أعرفك أنت ابنة مطر شاهين فقط )

شدت قبضتيها بقوة وألم لازالت تصعد عتبات السلالم ببطء

تنظر لها تحتها بحزن وهي تتذكر مجددا ما حدث .. لقد كان

غضبا مدمرا وجهته ناحية الجميع .. هي ووالدها وجدها بل

وحتى قاسم لم ينجو من تلك الضربات القاسية وهي تتهمه في

أفكاره وقرارته تنعتها بالطفولية فكيف الآن وقد اختفوا جميعهم

وستكون لوحدها في مواجهة غضبها منها ؟ لكنها وكما قال رعد

بمغادرتها أو حتى ببقائها دون التحدث معها ستكون في موقف

سخيف وستجرحها في كلا الحالتين وكأنها لا تهتم لغضبها أو

رأيها فيما حدث .

وقفت ما أن وصلت قرب الباب المفتوح وتنفست بعمق تسمع

عبارات الرجاء من الضحية الأخرى التي سبقتها وهو الكاسر

ويبدوا بأنه يحاول التحدث معها والاعتذار منها وأنها تتجاهله

وهذا لن يكون مؤشرا جيدا على الإطلاق ، حزمت أمرها وتقدمت

من الباب فهذه المواجهة لا مهرب لها منها ولن تترك والدتها

غاضبة بسببها أبدا وإن تحدت والدها والجميع .

وما أن أصبحت أمام باب الغرفة وجدت ما توقعته جيدا والجالسة

على طرف السرير تكتف يديها لصدرها مشيحة بوجهها جانبا

عن الواقف أمامها يردد برجاء ودون يأس فاردا ذراعيه قليلا

" أمي قلت قسما لن أقترب من أدوات أولئك العمال مجددا

وأني أعترف بخطئي .. لا تكوني قاسية معي هكذا "

وحين لم يبدر منها أي تعليق كان سيحاول مجددا ودون يئس

بالطبع لكنها سبقته هذه المرة قائلة ببرود ودون أن تنظر له

" قلت وأعيد متعبة وأريد أن أنام "

فأحنى حينها كتفيه متنهدا بيأس وغادر في صمت مجتازا التي

أومأ لها برأسه نفيا لتعذل عن فكرة التحدث معها الآن ومهما

كان نوع الحديث ذاك وتبعته نظراتها المحبطة حتي اختفى عند

آخر الممر .

" أغلقي الباب "

أجفلت فجأة تنظر لصاحبة تلك العبارة الخاوية والجالسة مكانها

وعلى ذات حالها السابق فتقوست شفتاها بحزن وعزمت على أن

تحذو حذو شقيقها فهي في نظرها الآن حاولت على الأقل لولا

أوقفها صوتها الحازم قبل أن تفكر في تنفيذ ذلك

" ادخلي وأغلقي الباب يا تيما "

فتنفست بعمق مغمضة عينيها قبل أن تتقدم بخطوات بطيئة نحو

الداخل وأغلقت الباب خلفها لتصبح في مواجهة تلك العينين

السوداء المحدقة بها قبل أن تقول صاحبتها بجدية

" أنت موافقة فعلا على ذاك الرجل يا تيما ؟ "

تاهت الأحرف من شفتيها المنفرجتان الجميلتان وتلاحقت أنفاسها

بتقاطعات قصيرة وكأنها لم تعرف لغة الكلام يوما ورحمتها

الجالسة هناك حين قالت دون أن تنتظرها أكثر وبذات

نبرتها الجادة

" هل أنت مقتنعة فعلا بما حدث ؟ "

فهمست حينها وبرجاء حزين

" أمي أ.... "

" أجيبي سؤالي يا تيما "


قاطعتها بحزم فامتلأت عيناها بالدموع سريعا وترددت الأحرف

بين شفتيها قائلة

" هو ... لقد أنقد حياتي أمي وفعل أمرا ما كان ليفعله أحد من

أجلي ولم يكن يعلم حتى من أكون و... "

وكسرت العبرة صوتها الحزين وهي تتابع

" لقد أحببته أمي وتمنيت أن التقيته مجددا وما كنت أتخيل

أن أجده هنا وأن يكون هو "

ونظرت برجاء حزين من بين دموعها لتلك الملامح واليد التي

ارتفعت ناحيتها تمدها لها قبل أن تهمس تلك الشفاه الجميلة

" تعالي بنيتي "

فتقاطرت الدموع من تلك الأحداق الزرقاء الواسعة وتحركت

نحوها مسرعة وجلست بجانبها ونامت في حضنها تحيطها تلك

الذراعان بقوة ، أجل عليها أن لا تجعلها ضحية غصبها المدفون

مجددا ودائما ... أجل الآن تفهم معنى ما كان يحاول الجميع

شرحه لها بالطرق التي كانت تراها هي مجحفة في حقها جارحة

قاسية بل وخاطئة أيضا فهي مثلها تماما لم تختر يوما مصيرها

وذنبها الوحيد أنها امتلكت أحلاما وأرادت تحقيقها بل ونصبت

سعادتها بأكملها فيها ، لن تلقي باللوم عليها في هذا بينما تغفر

للجميع .. لن تجعل منها متنفسا لغضبها من ذاك الرجل وهي التي

لم تستطع تنفيسه به فهذا لن يجدي في شيء سوى في الانحدار

بعلاقتهما لهوة سحيقة .


نظرت لها وهي تبتعد عنها وحدقت بها تلك العينان الزرقاء

الجميلة وهمست الشفاه الزهرية المرتجفة

" أنا موقنة فقط من أنه له أسباب لا يستطيع شرحها لي أمي ...

أنا أثق به حقا "

مسحت أناملها على طرف وجهها تراقبها تلك العينان بحزن

وهمست

" لا تمنحيها لرجل مثله يا تيما أبداً فليسوا جميعهم سواء "

انسابت الدموع من عينيها مجددا فبقدر ما أشعرتها بالسعادة

لأنها توصيها بأن تثق به دائما إلا أنها سببت ألما كبيرا داخلها

وهي تؤكد لها أيضا بأن لا تثق في رجل غير والدها أي أنها

تقصد نفسها مثلها تماما ، أمسكت يدها وقبلت باطن كفها

وحضنتها جهة وجنتها قائلة بحزن

" أريد فعلا أن تكوني راضية أمي أو لن يجمعني وذاك الرجل

منزل ولا حياة وسأخبر والدي بذلك وإن غضب مني "

سحبت يدها منها ونظرت للأسفل تراقبها تلك العينان الحزينة

الدامعة وخرج صوتها هادئا

" لا تكوني سببا في أي مشاكل بينكما ولا من أجلي يا تيما ..

وأتمنى فعلا أن لا يندم يوما على اتخاذه لقرار متهور كهذا "

تقوست شفتاها بأسى فرأيها يبدوا لم يتغير أبدا ، قالت بهدوء

مشابه وإن شابه الكثير من الحزن

" هو وعدني أن يقف في صفي وأني لن اظلم مع من سيزوجني

إياه وكائنا من يكون وإن كنت المخطئة "

رفعت نظرها لها وهي تقول بجدية

" ذاك يكون إنصافا حين لا يكون في قلبك شيئا لذاك الرجل يا

تيما فحينها لن يداوي والدك جراحك ولا أي شخص آخر "

نظرت لها بحزن ولم تستطع نكران ذلك وما أن كانت ستتحدث

قاطعتها قائلة بحزن مشابه ويدها تمسح على شعرها

" لنأمل فقط أن يكون قدرك أفضل من والدتك ومن جدتك

وجدة والدتك قبلها "

ملأت الدموع عينيها مجددا ونامت في حضنها من فورها

وحضنت خصرها بقوة قائلة بأسى حزين

" لنعتبر أن كل واحدة منهن تزوجت رجلا عظيما يحبها ...

فقط أقدار الله من فرقتهم "

*
*
*

أغلق باب درج المكتب بعنف وفتح باقي الأدراج بحثا عنها بل

وأرفف المكتبة رغم يقينه من أنه وضعها في ذاك الدرج تحديدا

منذ أعطته إياها ولم يخرجها من مكانها منذ ذاك اليوم فهي

من طلبت منه أن لا يفتحها إلا في وجود جده وها هو يدفع ثمن

تصرفاته النبيلة في هذه العائلة ، ضرب باب المكتب بقوة وهو

يخرج مغادرا جناحه بأكمله ، لن تكون زيزفون الفاعلة رغم أنه

يتمنى ذلك على أن يكون الشخص الذي يضن من فعلها فعلا

فزيزفون لن تعطيه إياها إن كانت سترجعها حتى أنها لم تسأله

ماذا حدث بشأنها .

وصل باب الجناح الذي ما أن كان سيدير مقبضه ليفتحه انفتح

أمامه على اتساعه وظهر أمامه الذي قابله بابتسامة ساخرة قائلا

" ما هذه الزيارة المفاجئة على غير العادة ؟ "

فكان جوابه أن مد يده لياقته والتفت أصابعه حولها ودفعه للداخل

بقوة لم يستطع مقاومتها وضرب الباب خلفه قبل أن يديره حوله

ويوقفه عليه وقال من بين أسنانه ناظرا لملامحه المتألمة

" أين الأوراق يا نجيب ؟ "

واشتدت أصابعه على ياقته أكثر يكاد يحطم أسنانه من الشد عليها

ينظر لتلك الابتسامة المستفزة التي أهداه إياها وكأنه يؤكد له

بأنه الفاعل وهذا ما كان واثقا منه فيبدو أن جناحه يتعرض

للتفتيش وبشكل دائم إن كان هو الفاعل أم والدته أو إحدى

الخادمات بأوامر من أحدهما .. المهم أنها بالفعل باتت لديه

الآن ويعلم بما يوجد فيها ، همس من بين أسنانه وقبضته

أصبحت تحت ذقنه الذي رفعه عاليا بسبب ارتفاعها له

" أين هي يا نجيب تحدث قبل أن أحطم لك هذه الأسنان القذرة "

لكن تلك الابتسامة لم تغادر تلك الملامح وذاك الوجه وصاحبه

يهمس بانتصار

" بح .... انتهت ... أحرقتها فلا تتعب نفسك "

فسحبه بعيدا عن الباب قبل أن يضربه عليه بقوة صارخا

" بل لديك وستخرجها الآن "


فنظرت له تلك العينان النصف مفتوحتان والذي لم يخفى

عنه أنين صاحبها المتألم قبل أن يقول بصعوبة

" أخبرتك أن لا تتعب نفسك فما فيها بات لدي وأصبحت

بلا أهمية فأحرقتها وانتهى أمرها "

وكان رده أن سحبه مجددا وضربه بقوة أكبر على الباب خلفه

متجاهلا صرخته المتألمة بالفعل هذه المرة ووجه له لكمة جهة

معدته مباشرة جعلته ينحني للأسفل بألم ، ولم يكن ينوي إيقاف

ما بدأه حتى يخرج منه بتلك الأوراق أو يقتله ولا حين علا

الطرق على الباب أمامه قبل أن يفتحه أحدهم يحاول دفع ذاك

الجسد الذي يعيقه عن فتحه فأمسك بياقته مجددا ورفعه ودفع

به الباب مغلقا إياه بجسده فقد علم هوية الموجودة خلفه

ما أن سمع صوتها صارخة بأمر ليتركها تدخل ويدع ابنها

قبل أن يتغير مسار كلماتها للسباب والشتائم الموجهة له

تحديدا وهو يزيدها اشتعالها بسبب اللكمات التي انهالت

على جسد ابنها مجددا بقبضته يسمع معها بوضوح صوت

أنينه المتألم والمكتوم متجاهلا حتى تهديداتها بأن تتصل

بجده وتخبره وهو مستمر في لكمه وضربه بقدمه حتى

خارت قواه فرفعه رافعا وجهه له فقال صاحب تلك الملامح

المتألمة والوجه المليء بالدماء ينظر له وكأنه لم يتلقى

كل ذاك الضرب سوى من نبرة الألم في صوته هامسا بسخرية

" أخبرتك أن لا تتعب نفسك فالغبي وحده من يضع مغلفا في

مكتبه دون أن يفتحه ويعلم ما فيه في منزل قد جعل من

جميع ساكنيه أعداءً له "

فرماه ضاربا له على الباب خلفه محررا له ليس من قبضته

فقط بل ومن ضرباته الموجعة المتتالية التي يراه هذه المرة

أضعف من سابقاتها في مواجهتها فقد كان يكاد يكون ندا قويا

له ، كما سمحت حركته تلك للواقفة في الخارج بأن تفتح الباب

قليلا وتدخل وقد ركضت فورا جهة ابنها وجلست بجواره على

الأرض وحضنت كتفيه قبل أن ترفع نظرها له صارخة بكره

" كسر الله يديك يا مريض يا متخلف أهذا ما تفعله بشقيقك ؟

أبرز عضلاتك على من هم .... "


فتركها وخرج دون أن يهتم لسماع باقي كلماتها ووجهته السلالم

الذي نزل منه على الفور ووجهته هذه المرة كانت بابا آخر لكن

لغرفة وليس لجناح والذي ما أن طرقه أدار مقبضه ودخل ليصبح

هذه المرة في مواجهة ملامح باردة أخرى لكن أنثوية أنعم وأرق

من تلك ، قال ودون مقدمات

" الأوراق ... لقد سرقها نجيب من مكتبي "

لتتحول تلك الزرقة الصافية في المقلتان المقابلتان له لسحب

غاضبة سريعا وقد قالت صاحبتها بضيق

" يا لك من أحمق "

عدل سترته بعنف وقائلا بضيق

" أحمق أجل لكنت فتحتها وقرأتها وحدي قبل أن أنتظر الفرصة

التي ستجمعني بشخص بت لا أراه سوى لأتشاجر معه ويترك

أحدنا الآخر "

تعاقبت أنفاسها بغضب وأشاحت بوجهها جانبا فهذا إذا سبب

معرفته بكل تلك الأمور ، سحقا سيكون علم عن إسحاق أيضا

وعن أمور ما كان يجب أن تصل له ويعلمها لكن إصلاح الأمر

الآن مستحيل وفات أوان الندم على ما حدث ، بهذا إذا تم

استدراج مربيتها بل ويبدوا تم الضغط عليها لتعترف وهذا سر

الرسالة التي وجهتها لها في حديثها المصور ذاك وفقدت الصلة

بينها وبين مطر شاهين وأصبحت في يد عدوها المجهول الآن

والذي إن علم بكل تلك الأمور ستكون أوقعت نفسها في حفرة

عميقة لن تستطيع الخروج منها أبدا .

" ما الذي تحويه تلك الأوراق يا زيزفون ؟ "

أخرجها صوته العميق الجاد مما كانت فيه فرفعت نظراتها له

ونظرت لعينيه بضياع نظرة رآها سابقا ولمرة واحدة فقط كانت

حين زارته في منزل عائلة إيلينا الريفي تلك الليلة التي لن ينساها

ما عاش حين احتاجته ولجأت له وهو رفضها وبكل قسوة ،

نظرة سرعان ما أخفتها وببراعة لتعود لتلك الزرقة برودة

الشتاء ما أن قالت بجمود

" لم يعد ذلك يعنيك يا وقاص ومنذ وقت "

رمته بتلك الكلمات الباردة القاسية ودون رحمة تذكره مجددا

بخذلانه لها ورفضها سابقا فشد قبضتيه بقوة بجانب جسده وقال

ناظرا لعينيها

" بل يعنيني كما السابق تماما ومغادرتي المنزل ليس

معناه أني .... "

" أصمت ... "

قاطعته بأمر غاضب فقال بغضب أشد متجاهلا لها

" لن أصمت وستستمعين لي ولن أتوقف عن البحث خلف جريمتا

ماضيك يا زيزفون حتى اثبت براءتك أو تركت القضاء والقانون

بل وهذه العائلة وللأبد "

نظرت له بغضب ورفض قاطع وهي من يعلم جيدا معنى أن تظهر

براءتها وهو رمي شقيقها خلف قطبان السجن وللأبد فقالت

رامية يدها جانبا

" أخبرتك مرارا أن تبتعد عني وعن حياتي وعن ماضي ولا

علاقة لك بكل ما حدث فيه "

قال بإصرار محدقا في عينيها الغاضبة

" لن أبتعد حتى يحدث ما تعلمينه جيدا يا زيزفون ولن تدخلي

محاكم بريطانيا وأنا حي أتنفس "

" وفر كرم أخلاقك هذا لباقي نسائك أنا لا أحتاجه "

قالتها بحدة وقسوة متعمدة كل حرف فيها وكما توقعت تماما بل

وكما أرادت قال ومن فوره وبضيق

" تلك المرأة لا أعرفها ولم أرها سابقا وكلها كانت لعبة

من تلك ... "

فقاطعته بضيق أشد من قبل أن ينهي حديثه

" أخبرتك مرارا بأن حياتك الخاصة لا تعنيني .. أنا لست زوجتك

ولا حبيبتك تشرح وتوضح الأمر لي "

وما أن كان سيتحدث قاطعته صارخة فيه بغضب

" لا أريدك في حياتي يا وقاص .... أكرهك ألا كرامة لديك

مطلقا ؟ ألا رجولة وكبرياء لديك ؟ "

وجهت له كلماتها تلك تحرقه بها كالسم ولا تعلم بأن وقعها عليه

كان أشد وأقسى مما توقعت وتخطط بكثير ، كان عليها فعل ذلك

فعليه أن يبتعد عن ماضيها وعن شقيقها الوحيد فلن تسمح أبدا

بأن يكون مصيره السجن وإن دخلته هي وأفنت عمرها فيه ، أجل

ذاك هو السبب ولن تسمح لأفكار أخرى بأن تسيطر عليها

وبأنها تحمي هذا الرجل أيضا من المجهول الذي يتخلص من

جميع المقربين لها وممن يحاولون مساعدتها لأنه سيكون

ضحيته القادمة بكل تأكيد والموت مصيره كالبقية تماما ... هو

من يختار لنفسه كل هذا فليتحمل إذا وليبتعد عن شقيقها .. هذا

فقط ما تريد .. أجل سلامة إسحاق فقط والبقية للفناء حتى هي

نفسها .

استدار صاحب ذاك الجسد الطويل وغادر الغرفة في صمت وذاك

ما كانت تتوقعه من رجل مثله وجهت له كتلك الكلمات ، وما أن

اغلق ذاك الباب خلفه بهدوء أغمضت عينيها متنهدة بعمق

واستدارت جهة النافذة فورا تنظر للسماء الزرقاء الصافية

والبعيدة كابتعاد كل شيء عنها تلك اللحظة ، رفعت يدها

ولامست أناملها وكفها مكان قلبها برقة وبطء تشعر به هنا ...

نعم إنه ينبض هناك مثله تماما فهو لازال على قيد الحياة وفي

مكان ما لا يبدوا لها بعيدا أبدا .. متأكدة من ذلك وهذا كل ما

يعنيها وتحتاجه أن تعلم بأنه بخير وبأنه لازال موجودا في

هذا العالم .


أطبقت رموشها الكثيفة مخفية تلك الأحداق الزرقاء خلفها بل

وتلك الدمعة اليتيمة التي سبحت بينهما وظهرت صورته أمامها

فورا وفي آخر مرة رأته فيها قبل أعوام بعيدة وقبل أن يفترقا

مجددا يحضنها بقوة يدفنها في حضنه باكية وجسد ذاك الرجل

ملقى قربهما جثة هامدة تسبح في دمائها لا تعلم من منهما كان

يواسي الآخر يضمد جراحه يخفف من ذعره ويطمئنه ؟ فكلاهما

كان يبكي بصمت يتألم بصمت ويموت ببطء .

تحركت من مكانها تمسح عيناها بقوة ووجهتها باب الغرفة فتحته

وخرجت وما أن كانت في بهو المنزل توجهت جهة السلم الذي

صعدت عتباته مسرعة حتى كانت عند باب الجناح الذي فتحته

ودخلت دون أن تطرقه .

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 13-02-19, 09:10 PM   المشاركة رقم: 1284
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*

فتح باب الشقة ودخل وواجهه الظلام الدامس فورا سوى ما تسلل

من نور الباب الذي فتحه للتو متمثلا في تلك الأضواء الصفراء

الباهتة وغضن جبينه حدقتاه السوداء تتجول في المكان واستقرت

حيث استطاع تقدير رائحة عطرها المنبعث من المكان فهي هنا

وليست في غرفتها هو متأكد من ذلك ! أغلق باب الشقة يدير يده

خلف جسده دون أن ينظر له وتحسست أصابعه الجدار وعم

النور المكان ما أن لامست زر الإنارة ووقع نظره فورا وحيث

توقع على الجالسة فوق الأريكة منكمشة تحضن هاتفها ونائمة

خصلات غرتها تغطي عينيها وجزء من شعرها ينساب بنعومة

على عنقها وذقنها لميلان رأسها على ظهر الأريكة ، وضع

الكيس من يده واقترب منها وما أن وصل عندها انحنى ناحيتها

وحملها برفق وما أن استوى واقفا وتحركت خطواته ناحية

غرفتها تسللت يدها لعنقه وطوقته بذراعيها وابتسمت لازالت

تغمض عينيها فابتسم ودفع الباب بقدمه وقال ببرود يدخل بها

" إن كنت أعلم أنك مستيقظة لما حملتك يا ممثلة "

تعلقت بعنقه أكثر تتكئ برأسها على كتفه وقالت مبتسمة ولازالت

عيناها مغمضتان

" هذا عقابك على إغلاقك لهاتفك فقط ،بقي تأخرك لهذا الوقت "

وشهقت بضحكة حين رماها على السرير وأبعدت شعرها عن

وجهها ونظرت له فوقها يمسك خصره النحيل بيديه قبل أن

يقول بجدية

" لأنه كان عليا أن ابتعد عنك ماريا وأنا غاضب .. عليك أن

تفهمي بأنه ثمة تيم آخر متوحش لا أريدك أن تريه

حين يغضب "

تذكرت فورا صراخه الغاضب ذاك والذي أسكنها الرعب وهي

ليست المعنية به وقربت حاجباها الرقيقان هامسة برفض

" لا تيم أنت لست متوحش لما تقول ذلك "

أشاح بوجهه جانبا قبل أن يقول

" بلى وغضبي الحقيقي يدمر كل شيء ماريا هذه حقيقتي

أنا لست ملاكا "

تنقلت نظراتها الحزينة في ملامحه وقالت بصوت منخفض

" جميعنا لسنا ملائكة "

حرك رأسه بالنفي ممررا أصابعه في شعره ما أن عاد

بنظره لها وهمس

" أوخي ماريا إسي "

فعبست ملامحها الجميلة حين لم تفهم سوى أول كلمة مما قال

وقالت وهي تجلس

" وأين أمضيت هذا الوقت بأكمله ؟ "

فنظر لها مضيقا عينيه قبل أن يقول ببرود

" تحقيق هذا ماريا ؟ "

حركت كتفيها قائلة

" لا بالطبع هو سؤال وليس لك إلا أن تجيب "

تمتم بابتسامة جانبية بسبب جملتها القاطعة تلك

" في ملهى ليلي "

اتسعت عيناها بصدمة وهمست

" كاذب "

تمتم مجددا

" أتعرفينني أكذب من قبل "

ضربت بقبضتها على فخذها لجلوسها متربعة وقالت بضيق

" لماذا ؟ "

قال من فوره وبذات بروده

" أنت سألت وأنا أجبت وتحقيق مطول ممنوع "

ارتجف صوتها وهي تقول بأسى

" كنت معها ؟ "

" لا بالطبع "

قالها سريعا وبلامبالاة فقالت وقبضتها تشتد أكثر

" مع من غيرها إذا ؟ "

حرك رأسه وقال بحنق ما أن نظر لعينيها مجددا

" أهذا كل ما يعنيك في الأمر المرأة التي امضيت الليل معها ! "

قالت وتلك العبرة سجينة أضلعها تجد لها مكانا في صوتها الحانق

" تيم تحدث فورا قبل أن أرميك من الشرفة وألحق بك "

رفع رأسه عاليا وتنفس بقوة قبل أن ينظر لها مجددا وقال

" مع رجل يا متملكة "

مسحت عينيها بظهر كفها بقوة وقالت سريعا وبضيق

" ورجل في ملهى ليلي لماذا !؟"

فرد يديه وذراعيه مبرزا ذاك الصدر العريض من تحت سترته

الرمادية المفتوحة قائلا بضيق مماثل

" لأنها مهمة أجلتها كثيرا وكنت الليلة في أفضل مزاج

لفعلها لأن السهرة انتهت بأن حطمت وجهه بقبضتي "

نظرت له بصدمة مجفلة قبل أن تبتسم ابتسامة كرتونية

متسعة قائلة

" ومزاجك الآن أفضل أليس كذلك ؟ "

أمسك خصره بيديه وانحنى قليلا نحوها قائلا بوعيد

" أجل بعض الشيء لكن إعادته كما كان لا أسهل منه "

فرمشت بعينيها دون أن تعلق فخرجت منه ضحكة صغيرة

مكتومة وقال متوجها لباب الغرفة

" ثمة ما أحضرته لك "

وغادر تنظر له باستغراب ولمكانه بعده ثم له ما أن دخل الغرفة

مجددا يحمل كيسا ورقيا في يده فهو لم يفعلها سابقا ليفكر في

فعلها الآن وهو يخرج من هنا كتلة مشتعلة من الغضب ! نظرت

بفضول للكيس الذي فتحه وما أن أخرج ما فيه بيده الأخرى

شهقت بضحكة تنظر للدمية القماشية التي رفعها لمستوى

وجهه ينظر لها مبتسما تنظر ضاحكة للدمية بساقيها الطويلتان

وقد وصل طولها لمرفقه يمسكها من إحدى جديلتيها الشقراء !!

وما أن رماها لها أمسكتها تنظر لها وقد عادت للضحك

مجددا قائلة

" لازلت تذكر ! "

رمى الكيس الفارغ جهتها أيضا قائلا ببرود

" بالطبع أذكر وهذا وعد قطعته لك ها أنا أفي به "

نظرت للدمية مبتسمة تكاد دموعها تخونها وهي تتذكر حين

وصلتهم الأخبار في بلدتهم عن الدمى التي قام رجال مطر شاهين

بتوزيعها على الأطفال في الهازان وأصبح حديثها الذي لا ينتهي

عن الدمية التي سيحضرها لها في المستقبل تشبه الدمى الجاهزة

التي لم تراها يوما وها هي كما طلبتها في الماضي شقراء

بفستان أحمر وعينان زرقاء وساقان طويلتان لأنه بالطبع كان

يسخر من قصر ساقيها حين كانت تتعثر وتسقط .

نقلت نظرها منها له وقالت تمسك ضحكتها

" وأنت دخلت بنفسك للمتجر لتشتريها ؟ "

وكما توقعت تماما زم شفتيه بضيق قبل أن يحررهما قائلا

" ومن غيري مثلا ؟ ولك أن تتخيلي ذاك المشهد السخيف وأنا

أطلب دمية بمواصفات سخيفة .. لقد قالت البائعة ضاحكة بأن

ابنتي مدللة كثيرا "

ضحكت كثيرا وحضنتها تحني رأسها جهة رأسها وقالت مبتسمة

" إنها رائعة ولم أمتلك شبيهة لها ولا بعد توحيد البلاد وانتقالنا

لمنزل عائلتي ، لم أمتلك دمية وأنا صغيرة أبدا "

أشار لها بإصبعه في حضنها وقال بجمود

" ها هي إذا ولا أريد أن أراها تنام بجانبك كالشبح كل

صباح أو أحرقتها "

ضحكت وقالت تلوح بها في الهواء تمسكها من يدها

" أثمة من يعطي هدية ويشترط بشأنها ؟ "

قال مغادرا

" بلى أنا "

فابتسمت بحزن تنظر له بحب فكم تعشق هذا العابس على

الدوام ، مسحت عينيها بقوة وهمست قبل أن يخرج

" تيم "

فوقف مكانه والتفت لها فقالت وبالكاد خرج صوتها

" من أين حصلت تلك المرأة على المفتاح ؟ "

ولاحظت بوضوح اشتداد فكيه قبل أن يهمس من بين أسنانه

" من الشركة المصنعة له "

نظرت له بصدمة هامسة

" الشركة المصنعة ! "

قال من فوره وبضيق

" أجل .. توقعت هذا في البداية ورغم استبعادي للأمر إلا أني

اشتريت قفلا فرنسي الصنع وتجنبت الانجليزي لكن أمثالهم لا

شيء يقف أمام ما يريدونه "

شعرت بقلبها انقبض بقوة بسبب كلماته الأخيرة وتذكرت حديثها

وتهديدها فقالت بتوجس تنطر لعينيه

" لازالت تشك بأمرنا تيم وتبحث عن حبيبة قديمة لك إنها ....

إنها تتوقع بأني أحاول جعلك تحبني وأسرقك منها "

نظر لعينيها بصمت ولم يعلق فرطبت شفتيها بطرف لسانها

وهمست بحذر

" تيم أنا سأ... "


" أصمتي ماريا "

توقفت الكلمات على طرف شفتيها تنظر له بعينين دامعة وسبابته

على شفتيه ينظر لها بضيق وتابع ولم يبعد إصبعه

" لن أسمعها منك ماريا ولن تتركي المكان الذي أكون

فيه مفهوم "

اختنقت بعبرتها هامسة

" لكنها قالت بأ.... "

قاطعها مجددا وبحدة

" لا تخبريني بما تقول تلك التافهة ماريا ... لا تتحدثي

عنها أمامي "

ورمى إصبعه جانبا متابعا بغضب

" إن انتهت حياتي في الغد سنكون اليوم معا ماريا لن أكون

شاهر كنعان آخر أتفهمين هذا ؟ "

ضربت بقبضتها على فخذها قائلة بضيق تكاد تختنق بعبرتها

" توقف عن التحدث عن موتك تيم توقف "

أشار لها بسبابته قائلا ما تحاول فعلا الهرب من التفكير فيه دائما

" أنتي من ستتوقفين عن التهرب من الحقيقة ماريا فأنا وأنت

عمر أحدنا قد يكون أقصر من الآخر .. القدر اختار لنا هذا ... "

ورمى إصبعه جانبا مجددا وهو يتابع

" أربعة أعوام مرت كنت خلالها أنتظر قرارا بإحضارك هنا

ويتأجل تحت مسمى سخيف المهمات والمخاطر والموت وما كنت

موافقا أبدا على تركك هناك لهذه الأسباب التي ما شفعت

لمن سبقوني "

تبدلت نظراتها للدهشة فهل كان يخطط فعلا لجلبها منذ كانت

في الخامسة عشرة وزعيمه من منعه ! والحقيقة الصادمة كانت

لازالت في طريقها لها وهو يتابع بحزم

" قسما لكان ابني منك الآن عمره ثلاثة أعوام وما كنت استمعت

لكل تلك الترهات .. تموت تؤذيها تضر نفسك ... ضحي .. انتظر

... احميها منك ونفسك منها فبسبب كل هذه الخرافات ماتت

والدتي اهمالاً وحزناً وقهراً "

قالت بأسى تنظر لعينيه بعينين بدأت تغشوهما سحب الدموع

" تيم لا تسمح لماضيك وحزنك على والدتك وجرحك من والدك
أن يدمرا حاضرك ومستقبلك ... أنا لا أريد أن أخسرك "

وتلاحقت أنفاسها تسجن تلك العبرة في صدرها تنظر للذي اقترب

منها فنظرت له فوقها وقالت بعينين دامعة متجاهلة غضبه

ونظراته الحانقة

" تيم لا تحرمني منك أرجوك ... "

وأغمضت عينيها بقوة ما أن انحنى ناحيتها ممسكا كتفيها بقوة

آلمتها ودفعها نحو السرير خلفها ودمعتها تفارق طرف عينيها

وهمست بألم دون أن تفتحهما

" إن كان على أحدنا أن يموت فعليها أن تكون أنا أولا وإن كان

على أحدنا أن يفارق الآخر فعليه أن يكون أنت ... "

فقطع كلماتها بقبلته العنيفة وكأنه يجبرها على الصمت والتوقف

تماما عن أي حديث في الأمر يضغط شفتيه ويقسو في قبلته أكثر

حتى وصله أنينها المتألم بسبب خشونته تلك فحررها منه مبعداً

شفتيه ببطء ونظر لعينيها الدامعة وهمس يسحب أنفاسه بقوة

" مكانك هنا ماريا مفهوم ... قرار لم أسمح ولا لمطر شاهين

أن يناقشني فيه فلا تغضبيني منك "

وما أن أنهى عبارته تلك استوى واقفا وأولاها ظهره وغادر

فأوقفه صوتها المنخفض مجددا

" أين ستذهب ؟ "

فأدار وجهه فقط وقابلها جانبه وقال ببرود

" لغرفتي طبعا وإن اقتربت من هناك قطعت ساقيك

أتفهمين هذا ؟ "

فابتسمت من بين دموعها وحزنها تراقبه حتى اختفى خلف الباب

المفتوح والذي تركه هكذا خلفه بعدما همس بأمر مغادرا

" لا تغلقيه "

مسحت عينيها بظهر كفها تنظر للسقف بحزن وأغمضت عينيها

ببط تتنفس بعمق ...وعالمها لا يساوي شيئا من دونه ولا تريد أن

تكون إلا معه لكنها تخشى فقدانه .. تخشى الموت الذي لا يخشاه

هو ولا يفكر فيه .. تؤمن بأنه حقيقة لكن يصعب عليها أن

تتعايش مع فكرة أن تكون هي السبب فيها ، فتحت عينيها المليئة

بالدموع ونظرت للسقف ووضعت يدها على صدرها هامسة بعبرة

وأنفاس متقطعة

" يا رب إن كتب لأحدنا أن يموت فخذ روحي قبله يا رب ... يا
رب أنت من تعلم كم أحبه .. وحدك من تعلم فليس لبشر أن يتخيل

كم يكون ذلك "

وارتفعت يدها لشفتيها وغطتهما بظهر أناملها تمسك شهقاتها

الباكية وما أن نظرت جانبا تسللت يدها للدمية النائمة بجانبها

وسحبتها نحوها وجلست تبعد شعرها عن وجهها تمسح دموعها

بقوة ونظرت لها بين يديها وابتسمت بحزن تتذكر ذاك اليوم البعيد

وكأنه الآن حتى ملامحه لازالت تحفظها وهو يتكئ بيديه على

الرصيف خلفه وينظر للسماء الزرقاء الصافية وهو يقول

( قسما حين سيصبح لدي مال كثير أن أشتري لك واحدة

هل يكفيك هذا ؟ )

فدارت حوله قائلة بسعادة

( وتشتري لي منزلا جميلا ودراجة وعربة بحصان وفساتين

كثيرة وحلوى و... )

فقاطعها بانزعاج وهو يقف

( من أخبرك بأني سأكون لصاً حين سأكبر )

ابتسمت بضحكة صغيرة تغلبت على حزنها ونظرت جهة الباب

قبل أن تعود بنظرها للدمية في يديها وما أن عادت بنظرها له

مجددا وقفت وتوجهت نحوه ووقفت أمامه ونظرت حيث باب

غرفته النصف مفتوح أيضا وها هو يأخذ أول احتياطات سلامتها

رغم وجوده هنا ! نظرت للدمية في يدها ثم لباب غرفته مجددا

وابتسمت تغرس أسنانها في طرف شفتها وتحركت بخطوات

خافتة حافية القدمين حتى وصلت الباب ووقفت متكئة بكتفها

على إطاره تنظر بحب مبتسمة للذي كان نائما على السرير يغطي

نصف جسده بلحاف السرير ونصفه العلوي عاري يريح ساعده

على عينيه وشعره الرطب يلمع تحت الضوء المتسلل من النافذة

قربه ولازالت تستغرب متى وكيف يستحم هذا الرجل في وقت

قياسي هكذا !

" غادري كاملة بساقيك ماريا أفصل لك "

ابتسمت بحزن واتكأت برأسها أيضا على إطار الباب

وهمست برقة

" لم أشكرك على الهدية "

رفع ساعده عن وجهه وأداره تحت رأسه وقال بجمود

ناظرا للسقف

" أتعلمي أمراً ؟ إن وصلت سريري وأمسكت بك فلن تغادريه قبل

الصباح ولن يوقفني شيء ماريا وقسما إن دخلت تلك المرأة

علينا مجددا أن اقبلك أمامها "

أجفلت تنظر له بصدمة وما أن أدار رأسه ونظر لها رفع

سبابته هامسا

" قسما "

عبست ملامحها الجميلة ونفضت الدمية في يدها تمد شفتيها

بعبوس فتجاهلها ناظرا للسقف مجددا بل وغطى عينيه بساعده

من جديد فقفزت تلك الشياطين الصغيرة في رأسها تحرك قدميها

نحو الداخل بخطوات خافتة وما أن كانت فوقه أمسكت ابتسامتها

بأسنانها تنظر لشفتيه التي مالت بابتسامة صغيرة واكتشافه

لوجودها لم يجعلها تتراجع أبدا بل انحنت نحوه ببطء حتى داعبت

أنفاسها وجهه وقبلت خده برقة وهمست ما أن أبعدت شفتيها

" أحبك "

وصرخت ضاحكة حين أمسك برسغها ما أن ابتعدت وشدها منه

بقوة أوقعتها على صدره والتفت ذراعه وساعده حول كتفيها

يثبتها بقوة فقالت بضحكة تحاول الفكاك منه

" تيم اتركني سأغادر أقسم لك "

لف ذراعه الآخر حول خصرها أيضا هامسا من بين أسنانه

" ولن تعتب قدماك الباب ؟ "


قالت بصعوبة تحاول رفع جسدها بعيدا عنه

" لا ورب الكعبة "

تركها حينها فابتعدت عنه مسرعة جهة باب الغرفة ووقفت هناك

تبعد غرتها المتبعثرة على وجهها ونظرت له مبتسمة بمشاكسة

ورفعت يدها لشفتيها وأرسلت له قبلة وهمست مبتسمة

" أحبك بحجم العالم بأكمله "

وما أن جلس راميا اللحاف عنه حتي ركضت ضاحكة ودخلت

غرفتها واندست تحت لحاف سريرها وضمت الدمية لحضنها

بقوة هامسة بابتسامة

" سيكون عليه رؤيتها صباحا حتى تكثر هداياه وأنسى هديته

الأولى بالطبع "
*
*
*



ما أن كانت في الداخل وقفت مكانها تنظر للجالس قرب النافذة

ووالدته تجلس بجواره تمسح الدماء عن الجرح في وجنته والتي

وقفت ما أن رأتها وقالت بضيق

" ما الذي تريدينه أنت أيضاً ؟ ألا يكفي ما فعله عشيقك "

وكان رد فعلها أن تجاهلتها مبعدة نظرها عنها للجالس مكانه

وقالت ببرود

" علينا أن نتحدث "

فتحدثت تلك الغاضبة مجددا قائلة بضيق أشد

" ابتعدي عن ابني أنت أيضا يكفيه مرضى عقليين و... "

" أمي أتركينا لوحدنا قليلا "

نظرت له باستنكار ما أن قال تلك الكلمات وفي أول خروج له من

صمته منذ غادر ذاك بالرغم من كل ما كانت تقول وتسب وتشتم

أمامه ، وما أن كانت ستتحدث سبقها قائلا ببرود

" أنا لست طفلا وأعلم جيدا ما أفعله "

فتنفست بضيق نفسا قويا غاضبا تشد قبضتيها بجانب جسدها

بقوة قبل أن تتحرك من مكانها .. وما أن كانت قرب الواقفة عند

الباب المفتوح وقفت ونظرت لها بحقد هامسة

" لن أنسى لك ولذاك الطفل ما فعله به الآن أبدا أقسم بذلك "

وغادرت ضاربة الباب خلفها عمدا من خلف التي لم تهتم ولا
بحديثها وتهديدها نظرها على الجالس مكانه والذي يبدوا تلقى

ضربا مبرحا من الذي جاء يستجوبها بعده وقالت بجمود

" من أخبرت عن الموجود في تلك الأوراق ؟ "

وحين لم يجب لازال ينظر لها تلك النظرة الكسولة المستفزة

يرسم على شفتيه ابتسامته الكريهة المعتادة والتي تراهن

على أنه لن يتقنها سواه قالت وبإصرار

" من غير والدتك يعلم يا نجيب ؟ "

" إن كنت تقصدين جدك فلم يعلم "

قالها بسخرية وكأنه يستخف بها فشدت قبضتيها بقوة

قائلة بضيق

" جدك وليس جدي وليس عنه أتحدث فله أرسلتها أساسا "

وشدت على أسنانها بغيض حين رفع رأسه ضاحكا وما أن

نظر لها قال ساخرا

" تكذبين يا حفيدة الخماصية وتتلونين كحسنك تماما كل بلون "

قالت من فورها وببرود

" لا شيء يضطرني للكذب ولا حتى لأبرر لأمثالك "

أراح يده وساعده على الطاولة تحته وقال بذات سخريته

" حسنا سنفترض بأنك بالفعل أعطيتها لذاك المحامي الفاشل

فقط ليوصلها لجده وليس جدك بالطبع فما كان غرضك من

كل ذلك إذا ؟ لما تكشفين له عن أمور حدثت في الماضي

جلها يخص أموات تواروا تحت التراب "

قالت من فورها وببرود أشد

" ذاك أمر لا يعنيك فأجب عن سؤالي قبل أن تبدأ

بطرح الأسئلة "

حرك فكه السفلي بيده بملامح متألمة وقال ما أن أبعد يده

" من تخشين أن يعلم إذا ؟ آه خالك ذاك ؟ "

تصلبت ملامحها وهي تهمس

" هل اعطيتها له ؟ "

حرك رأسه بالنفي من فوره قائلا

" لا ولم أخبره شيئا "

نظرت له بشك لبرهة قبل أن تقول بجدية

" لا تفعل إذا فهو خارج كل ما بيننا يا نجيب وعليك أن

تفي بوعودك وتكون على الاتفاق بيننا "

نظر لها بصمت للحظة قبل أن يقول

" موافق لكن بشرط "

وتابع ما أن طال صمتها تنتظره دون أن تعلق

" لن تصل لجدي أيضا ولن يعلم ما فيها ولا حفيده

المفضل ذاك "

فشدت قبضتها بقوة قائلة بضيق

" ولما لا يعلم عن باقي جرائمه ؟ لن يموت وهو يجهلها أبدا "

ابتسم بسخرية متمتما

" لن يؤنبه ضميره إن كان ذاك ما تصبين له "

" وما الذي تصبوا له أنت ؟ "

قالتها سريعا ومباشرة فوقف وتحرك نحوها وإن كان واضحا في

مشيته تلك أنه يحرك إحدى ساقيه بصعوبة ودار حولها قائلا

" لن يعلم أولا بأن له حفيدان تؤام من ابن الخماصية لن يحقق

ذلك هو له هذا أولا والأهم أما الباقي فلا يخصك أبدا "

قالت ببرود تتبعه بنظرها

" أهذا كل ما تفكر فيه ... والدك ؟ "

وقف أمامها وقال

" لا ليس هو بالتأكيد فكل مسئول عن أفعاله "

فقالت بشك تنظر لعينيه

" أنت تخفي شيئا وتتملص من الإجابة ...! لن أصدق بأن

ذاك يكون السبب الأساسي أنا لست غبية "

ابتسم بسخرية ورفع يده لشعرها وقال يبرم خصلة منه بين

أصابعه وبذات ابتسامته تلك ونظره على عينيها

" ليس في صالحك أن تكشفي أوراقك من الآن يا جميلة فلازال

الوقت طويلا أمامنا وهدفي لا يشبه هدفك البتة لا تنسي ذلك "

رفعت يدها واستلت شعرها منه بعنف قائلة بضيق

" هدفك لا يعنيني "

دس يديه في جيبيه وقال

" أعلم وأحاول فعلا أن أصدق لكن هدفنا واحد وإن اختلف

فمصالحنا مشتركة "

قالت بعد صمت لحظة

" أنت تستخدمني لأغراضك التافهة فقط أنا لم أحصل على

شيء من اتفاقنا ذاك "

حرك كتفيه قائلا بابتسامة مائلة

" لأنك لم تطلبي شيئا حتى الآن يا جميلة ... أنت لازلت

تدرسين عدوك فقط أو تبحثين عنه "

نظرت له بصمت ولم تعلق ... من يفكر بأن هذا الرجل أحمق

وغبي فسيكون هو كذلك فيبدوا أن الموجود فوق جسده يتحرك

فعلا حينما يريد هو ذلك ، قالت تنظر لعينيه مباشرة

" أوراق ملكية أسهمي في شركة ﺗﻴﻜﺴﺘﺮﻭﻥ ولا أظنه عملا

صعبا عليك "

رفع رأسه ضاحكا قبل أن ينظر لها وقال

" ليس الأمر كما تظنين يا فاتنة لكن لك ما تريدين فقط أمهليني

بعض الوقت "

وتابع وقد بدأ بالتحرك حولها مجدداً كذئب يتصيد لفريسته

" ولا تنسي شركة ﺩﺍﺳﻮﻟﺖ ستكون بعيدة عن خط هجومك "

همست بابتسامة ساخرة

" لك ذلك "

وقف خلفها مباشرة وقال هامسا جهة أذنها التي يخفيها ذاك

الشعر الأشقر الطويل

" أود أن أصدقك لكن ذلك مستحيل فلا تنسي بأني

حذرتك مسبقا "

دارت ناحيته دورة كاملة حتى أصبحت مقابلة له ومدت

يدها له قائلة

" نفذ تهديداتك حينها "

نقل نظره من عينيها ليدها باستغراب فقالت

" أعطني الأوراق "

رفع نظره لعينيها مجددا وقال وقد عاد لسخريته المستفزة

" ألم يخبرك حليفك القديم بأن أمرها قد انتهى ؟ "

زمت شفتيها بضيق قبل أن تحررهما قائلة

" لم يخبرني شيئا ولن أصدق ذلك فقد تتخلص من أي واحدة

منها إلا رسالة إسحاق فأعطني إياها لأنها تخصني وحدي "

تحرك نحو باب ما في تلك الردهة الواسعة الفاخرة ودون أن

يعلق وما هي إلا لحظات وخرج وفي يده ظرف ورقي مده لها

في صمت لا تفارق شفتيه تلك الابتسامة الساخرة فأخذته منه

بسحبة واحدة فأمال رأسه وقرب شفتيه من أذنها مجددا وهمس

بذات سخريته

" لا تثقي مجددا فيمن لا يمكنه فعل شيء من أجلك كي لا تنتهي

نهاية كل مرأة دخلت عالمه "

وكان تعليقها نظرة باردة لامبالية أهدته إياها قبل أن تخرج

مغادرة من هناك فلن يجدي مع أمثاله الشرح والتفسير ولن

تفعلها في جميع الأحوال ولن تهتم .

*
*
*

خبئت نصف وجهها بكتف الجالسة بجانبها تنظر بعين واحدة

للجالس بعيدا والذي ضحك بصمت رافعا رأسه للأعلى بسبب

حركتها تلك قبل أن يدعي الانشغال بهاتفه ما أن أمسكت

أطراف أناملها الرقيقة البيضاء بثوب الجالسة قربها

هامسة برقة تشبهها

" أمي "

وما أن التفتت لها الملاصقة لها تعطيها ظهرها تقريبا رفعت

نظرها وحدقت تلك الأحداق الرمادية بعينيها السوداء قائلة

بذات همسها الرقيق

" هل أصعد لغرفتي ؟ "

فابتسمت لها تلك الملامح بحب سريعا ومن قبل أن تصل

تلك الابتسامة لشفيها قائلة

" لماذا يا يمامة ؟ اليوم والغد إجازتك من الدروس التي

تأخذينها وأنت تسجنين نفسك في غرفتك كثيرا مؤخرا !

أريدك أن تشاركي عائلتك حياتها صغيرتي "

وكان جوابها أن ابتسمت لها ابتسامة تشبه ابتسامتها بل وتشبه

ملامحها الجميلة البريئة فنقلت نظرها منها فورا للجالس مقابلا

لهم في الجهة الأخرى ونظرت له مضيقة عينيها فكان على

حاله السابق منسجم تماما مع هاتفه فأبعدت نظرها عنه حينها ،

وبينما عادت جوزاء للانشغال مع الخادمة الجالسة أمامها

تدون في لائحة طويلة ما تمليه عليها عادت أيضا الجالسة

بجانبها لسرقة النظرات المتقطعة جهة الذي اتكئ برأسه

على ساعده هذه المرة ثانيا يده خلف رأسه ويرفع قدميه

فوق الأريكة التي أصبح شبه مستلقٍ عليها بالعرض ينصب

ساق على الأخرى ونظره عاد للالتصاق بها تزين شفتيه

ذات تلك الابتسامة اللعوب وما أن حرك هاتفه في يده وأشار

لها به بمعنى تعالي أريك شيئا حتى اختبأت عنه مجددا بجسد

والدته وعادت لشد ثوبها وما أن التفتت لها قالت

تنظر لأصابعها

" أريد مراجعة بعض الدروس أمي فهل تسمحين لي "

فنظرت لها بشك قبل أن تدير رأسها وتنظر للذي لم يبقي

هناك سوى مكانه الخالي منه وجالت بنظرها في المكان

الواسع قبل أن تعود به لها قائلة بابتسامة

" كما تشائين يا يمامة .. أردتك فقط أن تتسلي قليلا معنا "

فابتسمت لها بدورها وقبلت خدها وغادرت في صمت ووجهتها

السلم القريب منهم والذي ما أن كانت أعلاه تسارعت خطواتها

حتى وجدت نفسها أمام باب غرفتها ففتحته سريعا ودخلت لتقفز

بشهقة فزعة ما أن وقع نظرها على الواقف في الداخل ينتظرها

مكتفا ذراعيه لصدره ينظر لها مبتسما تلك الابتسامة الماكرة ..

وما أن فكرت في الفرار راكضة حتى أوقفتها يده وأصابعه

الطويلة التي التفت حول ساعدها وسحبها نحو الداخل وقال

مغلقا الباب بيده الأخرى وبضربة واحدة

" انتظري هنا قليلا ... كنت أعلم أن نهايتي في هذه العائلة

ستكون على يديك "

وما أن أدارها ناحيته نظر لعينيها الرمادية الواسعة .. تلك القطعة

الفضية اللامعة يحيطها صفا رموش بنية كثيفة وجفن واسع
بانحناءة بسيطة ومميزة عند طرفه لتعطي ذاك الحزن فيهما معنا

مختلفا غريبا ورائعا أيضا تجمع شعرها المموج للخلف كما

وتمسك تلك الغرة المجنونة بمشبك كريستالي عريض سامحا لذاك

الوجه الدائري والعينان الواسعة والملامح الصغيرة الرقيقة

بالبروز أكثر .

ترك ذراعها ما أن ملأت الدموع عينيها المحدقتان فيه بذعر

ورفع يديه بجانب وجهه قائلا بابتسامة

" انتظري قليلا أنا هنا فقط لأشرح لك الأمر فلا تتسببي في

طردي من المنزل فستفعلها جوزاء ودون تراجع إن أخبرتها "

وتابع من فوره منزلا يديه يدسهما في جيبي بنطلونه

" كان الأمر مزحة فقط يمامتي كما سبق وأخبرتك "

زمت شفتيها الرقيقتان قبل أن تهمس بصوت متقطع

" ما تلك الصورة إذا ؟ "

رفع كتفيه قائلا بابتسامة

" لا شيء ... إنها فقط لا شيء "

قربت حاجباها البنيان الطويلان وهمست باستغراب

" وماذا يفعلان إذا ؟ "

قال يمسك ضحكته

" وأنا مثلك تماماً لا أعلم "

نظرت له بشك لبرهة قبل أن تقول

" وما يفعل الزوجان ؟ "

وتبدلت نظرتها للاستغراب ما أن رفع رأسه ضاحكا قبل

أن ينظر لها مجددا وقال بضحكة صغيرة

" لا شيء ... يتشاجران طوال النهار ثم ينامان وفقط "

حركت حدقتيها بتفكير قبل أن تنظر له مجددا قائلة

" والدي وزوجته كانا يتشاجران دائما "

ضحك من فوره وقال

" أجل كما أخبرتك .. وفي الأحيان القليلة التي لا يتشاجران

فيها يمكنهما إنجاب بعض الأولاد "

نظرت له بشك قليلا قبل أن تقول

" وكيف ينجبونهم ؟ "

وتحولت نظراتها البريئة للحنق حين عاد للضحك مجددا فأخرج

يده من جيبه ومدها لوجهها وقرص خدها يغرس أسنانه البيضاء

في طرف شفته وما أن أبعد يده قبل إصبعيه وقال

" ما أروعك من فتاة ... ومن الأفضل أن لا تعلمي مني

كي لا ننام كلينا في الشارع "

نظرت له تلك الأحداق الرمادية باستغراب وعدم استيعاب

مجددا فضحك وقال

" يمكننا التحدث عن الأمر عندما تموت جوزاء شاهين أو تدخل

في غيبوبة طويلة أو يطردها أيوب الشعاب من هنا .. وطبعا كل

واحدة منهم تبدوا لي مستحيلة أكثر من الأخرى "

فسرعان ما تبدلت تلك النظرات في عينيها للحزن وظنه بسبب

ما قال حتى قالت ببحة والدموع تملأ عينيها

" ماذا عن يمان ؟وأنت وعدتني أن تبحث عنه وتحضره ...

هل هو ميت وتخفون الأمر عني ؟ "

نظر لها بذهول وقال

" لا بالطبع ما هذه الأفكار السوداء يا فتاة ! هو حي يرزق

وفي الجنوب كما أخبرتك أقسم لك "

اختنق صوتها بعبرتها وقالت ببحة بكاء

" إذا لما لا يأتي لزيارتي ؟ أريد أن أراه أبان أرجوك "

وضع يده على قلبه وتأوه قبل أن يقول

" آه يا قلب أبان ... حاظر ستريه رغما عنه وعن أبناء

غيلوان جميعهم "

فمسحت عينيها ترتسم ابتسامة صغيرة على ملامحها الحزينة

البريئة فغمز لها قائلا

" لكن ثمة شرط طبعا "

مسحت عينيها بقوة ونظرت له بصمت فقال بابتسامة صغيرة

" عليك أن لا تخبري والدتك تلك عن أي شيء مما دار بيننا وعن

تلك الصور تحديدا اتفقنا "

أومأت برأسها موافقة من فورها ويعلم جيدا أهمية رؤية شقيقها

بالنسبة لها وبأنها لن تخل بالاتفاق ورغم ذلك قال رافعا

سبابته بينهما

" حاذري يا يمامة فإن علمت فلا اتفاق بيننا أبدا "

فحركت رأسها نفيا من فورها ودون أن تتحدث فابتسم وقرص

وجنتها مجددا وقبل أصابعه وهو يجتازها خارجا من الغرفة التي

ترك بابها خلفه مفتوحا ونظرها يتبعه حتى اختفى حاجباها

البنيان الرقيقان يقتربا من بعضهما ببطء ترتسم على ملامحها

نظرة تفكير خالطها بعض الاستغراب تتذكر حديثه السابق

والحالي وتمتمت بعبوس

" ولما والدته ووالده لا يتشاجران أبدا !! "

وسرعان ما ظهرت تلك الصورة أمام عينيها مجددا والوجهان

الشبه ملتصقان ببعضهما وتلك النظرة في عينيهما وشعرت

سريعا بذاك الألم الغريب في معدتها فحركت رأسها بقوة

وتحركت من مكانها مغادرة الغرفة وما أن اجتازت الممر الطويل

كانت في وجهها التي خرجت أساسا للبحث عنها والتي لم تترك

لها مجالا لا لتتحدث ولا لتسأل وهي تسحبها من يدها قائلة

" تعالي لقد بدأ البرنامج "

وسحبتها معها راكضة حتى كانتا قرب الغرفة المخصصة للتلفاز

فوقفت مجبرة إياها على الوقوف قبل أن تدخلا ونظرت لها قائلة

" بثينة هل أسألك عن أمر وتجيبيني عنه ؟ "

فقالت تلك من فورها ملوحة بيدها

" لا بالطبع فمؤكد يخص الدراسة وأنا من عليها أن تسألك

لا أنت"

مدت شفتيها بعبوس وقالت

" لا هو لا يخص الدراسة أبدا "

نظرت لها باستغراب فنضرت للأسفل مبعدة نظرها عنها قبل

أن تنظر لها مجددا وقالت بتردد

" بثينة ما الذي يحدث بين الزوجين ؟ "

لتزداد تلك النظرات المستغربة تحديقا فيها قبل أن تنفجر صاحبتها

ضاحكة فضربتها بقبضتها على كتفها متمتمة بعبوس

" وما الذي أقوله يضحك هكذا ؟ ما المضحك فيما أسأل عنه "

وما أن أنهت الواقفة أمامها نوبة ضحكها الطويلة قالت تمسك

نفسها عن الضحك مجددا

" حقا لا تعلمين ما يحدث بين الزوجين يا يمامة ؟ "

تمتمت باستياء

" إن كنت أعلم ما سألت "

وما أن كانت الواقفة أمامها ستتحدث بلعت كلماتها كما لسانها

معها تنظر للتي أصبحت فجأة معهما في المكان والتي قالت تنظر

لهما باستغراب

" ما هدا الذي تسأل عنه ولا تعلمه ؟ "

فضحكت التي دارت بجسدها جيدا لتقابلها وقالت ضاحكة

"هذه يمامة تسأل ما الذي يحدث بين الزوجان ..تصوري ذلك ! "

وأمسكت فمها بيدها تنظر بذعر لتلك العينان السوداء التي حدقت

فيها بصدمة خالطها غضب مخيف وما كان من خيار أمامها

سوى الهرب بالطبع والاختفاء في لمح البصر تاركة حمم تلك

العينان تتبعها حتى اختفت قبل أن تنظر للتي قالت لها عاقدة

حاجبيها

" لما تسألين عن ذلك يا يمامة "

فأجفلت تنظر لها بارتباك فهي لم ترى مطلقا تلك النظرة في

عينيها فترة وجودها معهم هنا بالرغم من أنها لا تقارن أبدا بتلك

التي خصت بها ابنتها فقالت بتوجس

" هل الأمر سيء أمي ؟ "

قالت المقابلة لها وملامحها لا تزداد إلا قسوة وضيقاً

" أبان من تحدث معك في الأمر ؟ "

نظرت لها بصدمة قبل أن تحرك رأسها بالنفي ودون أن تتحدث

فقالت تنظر لها بشك

" متأكدة يا يمامة ؟ أعرفك لا تكذبين أبدا "

حدقت فيها بصمت تتذكر كلامه واتفاقهما... لكنها بالفعل لا تكذب

ولا تحب الكذب أبدا وكان يمان ينهاها عنه دائما ... ( يمان )

عند تلك النقطة وعند شقيقها انهارت جميع معتقداتها تلك بل

ومشاعرها أيضا فهمست بخفوت تشد سبابتيها ببعضهما

" لا أمي لم يفعل "

فقالت من فورها

" لما السؤال إذا يا يمامة ؟ "

قالت بعد صمت لحظة

" تساءلت فقط وأردت أن أعلم "

نظرت لها بصمت وتفكير فلن تقتنع أبدا بأنها سألت من نفسها

هكذا لكانت تحدثت عن الأمر سابقا ! تعلم بأنها عاشت معزولة

تماما عن كل ما يربطها بالعالم الخارجي وحتى هنا لم تخرج أبدا

والتلفاز هي من تحدد القنوات التي تتابعانهما فيه وتمنع عنهما

الهواتف والانترنت ولن تجد أبدا ما يجعل تلك الأسئلة تدور في

ذهنها أما ابنتها تلك فتذهب للمدرسة وفي تلك الأمكنة لا حدود

للمعرفة أبدا ولا يقتصر التعليم فيها على الدراسة والمعلمات

خصوصا أنها تضعها في مدرسة عامة حالها حال شقيقيها سابقا

فهي تكره المدارس الخاصة وأن لا يحتك أبنائها بعامة الناس

ويكونوا مثلهم ، فمن هذا الذي زرع تلك الأفكار في رأسها إن لم

تكن بثينة ؟ لكنها تعرف يمامة جيدا هي لا تكذب أبدا لما أخرجت

ذاك الوقح من دائرة اتهامها أبدا .

أحاطت كتفاها بذراعها وسارت بها خارجتان من هناك قائلة

" إذا لا تسألي عن ذلك مجددا ولا تفكري فيه فأوانه لم يحن

بعد ويحتاج لوقت طويل "
*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 13-02-19, 09:13 PM   المشاركة رقم: 1285
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


*
*
*


أدارت الصينية الحديدية الواسعة بيد تحاول باليد الأخرى جمع

الدقيق بالماء لتتكون العجينة التي باتت تشك بأن تحصل عليها

والجالس هناك ينظر لها هكذا ولا تفهم ما به اليوم وما أرجعه

مبكرا على غير العادة يجلس هناك ومنذ وقت ! بل كان شبه

مضطجع يثني الوسادة تحت مرفقه ينصب إحدى ركبتيه بينما

يثني ساقه الآخر تحتها ويجلس معها هنا في المطبخ منذ رجوعه

ولا تفارقها نظراته التي كانت تلاحظها وإن لم تنظر ناحيته حتى

أربكها وهذا حالها منذ أصبح هنا وها هي تحاول جمع العجين

مع بعضه بتكرار والذي وكأنها لأول مرة تعجنه وليست تفعلها

منذ عرفت شقيقها جسار وزوجته حتى أصبحت تلمه وتسبكه

في لحظات !!.

" مايرين "

أغمصت عينيها متنهدة بعمق فها هو على الأقل قرر أن يخرج

من صمته وقد تفهم على الأقل سبب هذه الزيارة المبكرة

والنظرات الغريبة ، نظرت ناحيته وأجبرت شفتيها على رسم

ابتسامة صغيرة فلن تستطيع التحدث على ما يبدوا ولا بكلمة

نعم ، وكم حمدت الله أن أبعد نظره عنها ينظر لعود القش في

يده وهو يقول

" أنت لم تطلبي شيئا لنفسك أبدا منذ تزوجنا ... ألا تحتاجين

لأشياء قد لا نهتم لها نحن الرجال ؟ "

نظرت له باستغراب وكانت لتفسر كلامه ذاك ملايين التفاسير لولا

تابع ولازال ينظر لتلك القشة الذهبية في يده

" المتزوجون يشتكون دائما من طلبات زوجاتهم التي لا تنتهي

ولا أراك تطلبين شيئاً أبداً "

فزحفت تلك الابتسامة الصادقة لشفتيها قبل أن تتحول لضحكة

صغيرة وهي تقول

" وهل يزعجك أن لا أكون متطلبة مزعجة مثلهن ؟! "

رفع نطره لها وقال

" بل أخشى أنك تفعلين ذلك من أجلي فقط وتحرمين نفسك

من أبسط حقوقك علي "

يا إلهي من يسمح لها فقط بأن تقبّل هذا الرجل بين عينيه شكرا

وامتنانا فقط على كلماته وإن لم ينفذها ، قالت تنظر ليديها

والعجين الذي بدأ يجف على أصابع يمناها

" لا شيء ينقصني يا يمان أقسم لك بل ولدي أكثر مما

أحتاج واعتدت "

وتابعت تكتم ضحكتها لازالت تتجنب النظر له

" ويبدوا أنه عليك أن تحمد الله أن لا جيران ولا أصدقاء لنا لما

رحمتك أبدا من سأذهب لتلك وستأتي لزيارتي الأخرى ..

هذا إن اضفنا له حفلات الزفاف "

وصلها صوته فورا

" وهذا جزء مما أظلمك فيه يا مايرين ويبدوا أنه علينا فعلا

الانتقال من هنا بل ومن الجنوب بأكمله لتتمكني من العيش بين

الناس كأي امرأة مثلك لكن أمهليني حتى أجد فرصة عمل

مناسبة بعيدا عن الجنوب والأراضي الزراعية "

نظرت له سريعا وبصدمة قائلة

" ما هذا الذي تقوله يا يمان ! بل وأين ستجد فرص أفضل من

هنا ؟ أنت تعلم جيدا وأنا مثلك بأن ذلك لن يحدث ... ثم أنا لست

منزعجة من وضعي هنا ومعتادة على العيش وحيدة .. من أخبرك

بأني أحتاج لجيران أو حتى لصديقات ؟ أنا كنت أمزح فقط حين

قلت ذلك "

حدقت فيها تلك العينان الرمادية بجمود وقال بجدية

" أعلم بأنك تقولين ذلك فقط من أجلي لا أحد يحب أن يعيش

وحيدا ومنبوذا .. لا تحاولي إقناعي بذلك "

وما أن كانت ستتحدث معترضة قاطعها من فوره

" قد أكون من انتشلك من الشارع وحتى من مخالب أعمامك

أولئك لكني لست من وفر لك الحياة التي تنتظرها أي امرأة من

الرجل الذي تتزوجه "

أبعدت شفتيها لتتحدث لكنه كان الأسبق ومجددا وقد شردت عيناه

للفراغ بوجوم كئيب

" أنا أعلم بنفسي منك يا مايرين لا يمكن لامرأة أن تعتمد علي

لأني سأخذلها نهاية الأمر بسبب عجزي واستسلامي "

حركت رأسها نفيا وكأنه يراها وعيناها المحدقتان به يغمرها

الأسى والحزن وقالت معترضة

" لا أعلم على أي أساس تصف نفسك بظلم وإجحاف هكذا ؟

متأكدة من أن والدتك توفيت وهي فخورة بك وشقيقتك من بعدها

ومن ستكو.... "

قاطعها مجددا وهو يستوي جالسا ولازال يتجنب النظر لها وكأنه

يخفي تلك النظرات الغارقة في الألم

" أخبرتك بأني عكس ما تظنين ولم أقدم شيئا لهما وخذلت

شقيقتي بي .. هذا هو أنا مهما حاولت أن أكون العكس "

ووقف من فوره تراقبه نظراتها المستغربة من حديثه وقال

متوجها نحوها " لما لا تتركينا من الحديث عن كل هذا فثمة

ما عليك رؤيته "

نظرت له باستغراب وهو يجلس بجوارها متربعا ومد يده ليدها

اليسرى والنظيفة وأمسكها وسحبها نحوه بينما كانت يده الأخرى

تخرج شيئا ما من جيب بنطلونه دسه فورا في إصبعها قائلا

" هذا من أبسط حقوقك التي لم أوفرها لك في وقتها المناسب "

رفعت يدها ونظرت لخاتم الزواج الذهبي البسيط الذي دمج

اللونين الفضي والذهبي مزين بفصوص صغيرة جدا قبل أن

ترفعه مجددا بالذي كان ينظر لها مبتسما وما أن عادت بنظرها

له يزين إصبعها الأبيض الطويل امتلأت عيناها بالدموع تنظر لما

لم تمتلكه في حياتها فكيف أن يكون خاتم زواج وهي التي لم

تتوقعه يوماً !! حضنت يدها تلك بيدها الأخرى تضمهما لصدرها

تنظر له بعينين دامعة وبالكاد خرج صوتها وهي تهمس

" شكرا لك يا يمان "

وسرعان ما ارتمت في حضنه والتفت ذراعها حول خصره

بقوة قائلة مجددا

" شكرا لك يا يمان ... يا من تتمنى كل امرأة في الوجود أن

تحظى بمثيل لك "

ودست وجهها في صدره ما أن شعرت بأصابعه وكفه تلامس

شعرها وبتلك القبلة الطويلة العميقة لرأسها قبل أن يتكئ بذقنه

عليه هامسا

" قد يتغير رأيك هذا بي يوما "

حركت رأسها بالنفي لازالت تدفن وجهها في صدره وهمست تشد

ذراعيها حول خصره بقوة أكبر

" لن يتغير أبدا ومهما حدث أقسم لك "


فلم يكن تعليقه التالي بضع كلمات محبطة كسابقتها ولا أن

أبعدها عن حضنه وقبل جبينها وغادر في صمت ككل مرة بل

أن تخللت تلك الأصابع الرجولية الطويلة شعرها الأشقر تبعده

عن طرف وجهها .. وارتجف جسدها بوضوح وازداد تعلقها به

وكأنها ستسقط في الفراغ حين شعرت بنعومة شفتيه على

صدغها في قبلات رقيقة ناعمة متتالية جعلتها تهوي للقاع وقد

نزلت تباعا لطرف وجنتها وانحنى أكثر نحو عنقها ونحرها

يقبلهما بشغف يزيد من احتضانها وبقوة جعلتها تنهار عاجزة

أمامه وعلمت حينها بأن حقيقتها بل وكذبتها تلك شارفت على

نهايتها وبأنها من ستخذله بها لا هو ومن ستخسره وقريبا جدا .
انتفضت مبتعدة عنه بينما وقف هو على طوله حين علا صوت

الباب الحديدي في طرقات مرتفعة وكأنه يكاد يخلع من مكانه

فرفعت نظراتها الوجلة به تحاول ترتيب خصلات شعرها الغجري

الطويل والتي تبعثرت مع وقوفه مخرجاً أصابعه منه وكان ينظر

جهة باب المطبخ حيث يصلهم الصوت الذي لم يتوقف للحظة

مزلزلا الجدران ، وما أن تحرك ناحيته وقفت ولحقت به وأمسكت

بيده قائلة

" إن كان شعيب أو أحد أشقائه فسأذهب معك إلى حيث

سيأخذونك "

فالتفت لها وفك يده منها وقال بضيق ناظرا لعينيها

" مايرين توقفي عن الجنون فقد يكون أحد العمال .. ابقي

هنا ولا تخرجي أو غضبت منك "

وما أن أنهى عبارته تلك غادر المكان تاركا إياها خلفه تودعه

عيناها الدامعة لا تعلم متى سترحمها همومها ولا تخشى في كل

مرة يخرج فيها من هنا وإن لعمله بأنها لن تراه مجدداً .

*
*
*



نظرت لشاشة هاتفها ووضعته على الوضع الصامت ودسته

في جيب بجامتها مجددا ولم تجب ولن تفعلها أبدا فعليه أن يتعلم

الدرس ذاك الأحمق ولا يكررها مجددا فهي لم تتصل به حينها

إلا لأنها تحتاجه بالفعل .. لا وكررت الاتصال مرارا مما يؤكد

له ضرورة أن يجيب عليها وكل ما فعله حينها أن أرسل لها

بأنه مشغول وبأن تتصل بعمها صقر أو برعد إن كان الأمر

ضروريا .. أهو زوجها أم رعد ؟ أم حتى عم والدها ؟ ولأنها

تعلم بأنه لن يستطيع المجيء هنا لمنزل والدتها استمرت

في عنادها .

عادت بنظرها للعبة في يد الكاسر متجاهلة مجددا اهتزازه في

جيبها .. ولم يكن وضعها مختلفا عن الجالسة على مبعدة منهم

يفصلها عنهم حاجز زجاجي مزخرف فيبدوا بأنها وابنتها

متفقتان على معاقبة الرجال وهي تقلب هاتفها أيضا دون أن

تجيب على الذي كان قد حاول للمرة الثالثة حينها وعادت

بنظرها مجددا للتي كانت تشرح لها والقلم في يدها عن الموجود

في الورقة تحتها لكنه يبدوا اتخذ أسلوبا آخر هذه المرة وبأنه

ليس بأقل عنادا عن زوج ابنته وهو يرسل لها رسالة بدلا من

أن يتصل فرفعت هاتفها مجددا وفتحتها ونظرت لأحرفها

المختصرة

( نتناول العشاء معا الليلة ؟ )

فأرسلت ومن فورها

( لا )

ولم يتأخر رده أبدا وكما توقعت

(سآخذك من منزل رعد وارجعك له ولن نخل بالاتفاق

يا مجحفة )

فأرسلت وبإصرار

( لا ... وكن نزيها يا مطر )

تعلم بأنه يفهم جيدا ما تعني كما تعلم جيدا بأنه يفعل ما يريد

دائما وإن رفضت وعاندت .

" يبدوا أنك مشغولة سيدتي ؟ "

رفعت نظرها بالجالسة أمامها والوجه الدائري ببشرته البيضاء

النقية يلتف حوله حجاب قرمزي يشبه لون شفتيها .. نظرت لها

مبتسمة بإحراج أقرب للإعتذار وقالت

" لم أعد كذلك الآن ويمكننا متابعة ما كنا نتحدث عنه "

فحركت تلك كتفيها قائلة

" الأمر لن ينجح هكذا سيدتي ما لم نتفق وحفل الافتتاح

بات قريبا جدا ولا وقت أمامنا "

تنهدت بأسى و فركت جبينها بأصابعها تنظر للأوراق المتناثرة

بينهما ووصلها صوتها بعد لحظات قصيرة

" الجميع متفق على ذلك سيدتي ومهمتي كانت محاولة إقناعك

ويبدوا لي لم ينجح الأمر "

رفعت رأسها ونظرها لها وقالت متنهدة باستسلام

" من الصعب أن تقف ضد الجميع ... حسنا أنا أستسلم "

فابتسمت تلك من فورها وقالت

" سينجح الأمر سيدتي لا تقلقي وأعدك أن نراعي جميع البنود

التي كانت سبب رفضك "

أومأت برأسها بهزة خفيفة متمتمة

" أتمنى ذلك بالفعل وأن لا نواجه أي مشكلات مستقبلا "

وقفت تلك وبدأت بجمع الأوراق بينهما قائلة

" لن يحدث ذلك سيدتي بما أننا لم نخالف القانون والدولة على

اطلاع بكل ما نفعل .. كوني مطمئنة "

واستوت واقفة تحضن الأوراق التي جلبتها معها تنظر للتي وقفت

أيضا وقالت مبتسمة

" شكرا لك سيدتي وآسفة حقا لإضاعة الكثير من وقتك "

قالت بابتسامة تشبه ابتسامتها

" بل أنا من عليها شكرك والاعتذار يكفي أن نفذتم طلبي

بحضور من ينوب عنهم ويأتي هنا لمنزلي "

قالت المقابلة لها باحترام

" نحن في الخدمة دائما سيدتي ولم يوجه أي من الشركاء

أي اعتراض على هذا "

وصافحتها مغادرة بعدما شكرتها مجددا بأدب واحترام بينما

رافقتها هي حتى غادرت من باب المنزل خطواتها الأنيقة تشبه

زيها الرسمي المميز ، وما أن أغلقت الباب خلفها تحركت نحو

الداخل ووصلت بقرب اللذان كانا وكالعادة يتشاجران على تلك

اللعبة الإلكترونية السخيفة وبالرغم من الإصابة في يد أحدهما

فحركت رأسها بيأس منهما قبل أن تقول ببرود

" أنتما ألا تكبران أبدا ؟ "

وما أن نظرت تيما ناحيتها بعبوس وجد الجالس ملتصقا بها

الفرصة لسرقتها من بين يدها وقفز واقفا بها على نظراتها

الحانقة له فوقها وكان التعليق من رعد الذي قال ضاحكا

" لا يبدوا ذلك حتى يكون ثمة من أصغر منهما "

فنظرت ناحيته فورا وكما توقعت ضحك من فوره وغمز لها

فشعرت بأنها أصبحت والأرضية الرخامية تحتها سواء من شدة

الإحراج ونقلت نظرها فورا للجالسة على مسافة قريبة منه

والتي حركت كتفيها من فورها مبتسمة فزمت شفتيها تنظر لها

بضيق تلك الثرثارة ، بينما تحدث من لم يكفه إحراجا ذاك على

ما يبدو ووصلها صوته الباسم قائلا

" آستريا عليك أن لا تتدخلي يوما وأبدا بين زوجان متخاصمان

لأنك ستشعرين دوما بأنك مع الطرف الخاسر ونهاية الأمر

تكتشفي بأنك وحدك من كان كذلك "

فشدت أصابعها في قبضة واحدة قبل أن تحركهم بعشوائية وما

أن نظرت له كان وكما توقعت ينظر لها مبتسما بتسلية وعليها

أن تتوقع كل ذلك بالطبع ولازال ينتظرها من الإحراج المزيد فما

معنى وضعها هذا سوى أنهما ..... يا إلهي جل ما تخشاه أن

يفكروا كما فكرت عمتهم سابقا بأنه كان يدخل منازلهم لغرفتها

متسللا .

أشاحت بوجهها متجاهلة نظراته تلك دون أن تعلق على ما قال

وتحركت من هناك وغادرت ووجهتها السلم الذي صعدته من

فورها فتشارك رعد وزوجته ضحكة صغيرة بينما تبادل الكاسر

والجالسة أمامه نظرات الاستغراب قبل أن تنظر تيما نحوهما

قائلة

" ماذا هناك !؟ "

فضحك رعد وقال

" انشغلا بلعبتكما تلك ولا تتدخلا فيما لا يخص الأطفال "

فنظرت له بضيق تمسك خصرها بيديها ولم تكن نظرة الكاسر

بأقل منها فضحك مجددا وقال ناظرا للجالسة قربه

" لم أخبرك حبيبتي فتيما تزوجت "

نظرت له الجالسة على الكرسي المحاذي لأريكته باستغراب وقالت

" تزوجت ؟! "

قبل أن تنقل نظرها لها متابعة

" حقا تزوجت تيما ...؟ لكن ممن ومتى ؟ "

فحركت تلك كتفيها مبتسمة وقالت

" من قريب لوالدي .. وكيف هذه لا تسأليني عنها فمن هذا

الذي يفهم كيف يزوج مطر شاهين النساء "

ضحكت تلك من فورها وقالت

" معك حق والدليل حدث معي ... مبارك لك على أي حال "

قالت الجالسة بعيدا بضحكة صغيرة

" أنت أول شخص يعلم عن الأمر ولا ينتقد سني ويستغرب

الأمر بسببه "

ضحكت تلك أيضا وقالت

" وما المشكلة في ذلك ؟ "

وتابعت مبتسمة ترمق الجالس قربها بطرف عينيها

" فأنا حين كنت في مثل سنك هذا تحديدا كنت على استعداد لأن

أتزوج من أحدهم إن طلب مني ذلك لكنه كان يحتاج بالفعل لمطر

شاهين ليفعلها رغما عنه "

فقفز حينها المعني بالأمر واقفا وأمسكها من يدها وسحبها

معه قائلا

" لما لا تتركينا من هذان المملان قليلا "

وغادر بها من هناك تتبعهما تلك النظرات الباسمة قبل أن تنظر

صاحبتها للواقف فوقها منسجم تماما مع اللعبة الإلكترونية في

يديه والذي ما أن شعر بنظراتها الموجهة له ضحك وتحرك من

هناك راكضا فالتفتت تنظر له بحنق من خلف ظهر الكرسي وهو

يصعد السلالم ثم وقفت أيضا ووجهتها ذات وجهته وصعدت

السلالم يديها في جيبي بجامتها وما أن وصلت للأعلى وعبرت

الممر وجدت نفسها ودون شعور منها أمام باب غرفة والدتها

ويدها ترتفع له وأدارت المقبض ببطء دون أن تطرقه خشية أن

تكون نائمة وتوقظها ، وما أن فتحت الباب قليلا ظهرت أمامها

التي كانت تضطجع على السرير شبه جالسة تضع مجموعة

وسائد خلفها متكئة برأسها عاليا وتمسك عينيها بأصابعها

وتريح يدها الأخرى على وسطها حيث معدتها ، وما أن أبعدت

يدها ونظرت ناحيتها قالت بهدوء مبتسمة

" إن كان وجودي يزعجك أغادر أمي "

فابتسمت لها تلك الملامح المتعبة قبل أن تمتد تلك اليد

ناحيتها وهمست

" تعالي يا تيما "

فأغلقت الباب من فورها مبتسمة بسعادة وتوجهت نحوها مسرعة

ونامت معها على سحابة الوسائد الناعمة تلك وحضنت خصرها

بقوة تتكئ برأسها على كتفها نظرها على النافذة والسماء الزرقاء

الصافية من خلف زجاجها بينما مسحت تلك الأنامل على شعرها

منزلة حجابها عنه فأغمضت عينيها مبتسمة وتركت نفسها لتلك

المشاعر ... فقط للشعور بذاك الحضن الدافئ وضربات ذاك

القلب المنتظمة وللشعور بملمس أناملها وحركتها البطيئة على

شعرها فلطالما عاشت وحلمت وتمنت هذا وانتظرته وهي هناك

بعيدة عنها لا تعرف ولا كيف تكون ملامحها .. لا تسمع صوتها

لا أخبارها ولا أي شيء سوى ذاك الحب والشوق المدفونان لها

داخلها يعذبانها باستمرار .

عبست ملامحها الجميلة وتنهدت بضيق حين قطع صوت هاتفها

كل تلك المشاعر واللحظات الجميلة وذاك الصمت الذي اختارتاه

كليهما فجلست تدس يدها في جيب بجامتها وأخرجته ونظرت

لاسم المتصل قبل أن تفتح الخط وتضعه على أذنها قائلة

" أجل أبي "

وعضت طرف شفتها تنظر للتي ارتفعت حدقتاها السوداء جهة

النافذة ووصلها صوت من الطرف الآخر فورا

" مرحبا تيما ... "

وقبل أن تجد مجالا لتجيب تابع ذاك الصوت الجهوري المبحوح

" كيف هي والدتك ؟ "

فارتسمت ابتسامة رقيقة على ملامحها لازالت تنظر لذاك الجمال

الساكن الصامت أمامها وقالت بصوت رقيق منخفض

" لا أعلم إن كانت بخير فعلا لكنها لازالت موجودة وهذا

هو المهم "

وعادت لغرس أسنانها البيضاء الصغيرة في طرف تلك الشفاه

الزهرية ما أن استدارت المقلتان السوداء ناحيتها وعلمت على

ما يبدوا تلك الفاتنة النصف نائمة على سريرها بأن الحديث

عنها .. وتلك كانت الصورة أمامها بينما كان الصوت مختلفا

رجوليا عميقا حازماً وقع في أذنها فورا

" ما معنى لا تعلمين يا تيما ! أهي مريضة ؟ "

فابتسمت أمام تلك العينان النصف مفتوحتان والمحدقتان فيها

ببرود تفهمه جيدا وحركت كتفيها بمعنى لا حيلة لدي بينما تابع

من في الطرف الآخر قائلا

" هل تناولت طعامها جيدا ؟ "

فتمتمت من فورها

" ليس تماما "

" تيما لما لا تقولي جملا مفيدة يمكن فهمها "

عضت طرف شفتها مجددا قبل أن تقول

" بعض السلطة وقطعة لحم صغيرة فقط "

وعضت طرف لسانها وكأنها توبخه ما أن كتفت الجالسة أمامها

ذراعيها لصدرها وأشاحت بوجهها جهة النافذة البعيدة بينما كان

التوبيخ صارما ممن في الطرف الآخر وكأن الصوت والصورة

متفقان عليها

" وأين أنتم جميعكم تتركونها تهمل طعامها هكذا ؟ "

فأنزلت كتفيها متنهدة بإحباط وقالت

" نحن نحاول جهدنا أبي وأنت تعرفها أكثر منا "

" خالك رعد هناك في المنزل "

همست من فورها

" أجل "

" حسنا وداعا الآن "

نظرت لشاشة هاتفها بعبوس ما أن أغلق الخط شاركه سريعا

ذاك الصوت الأنثوي البارد قربها

" أترياني طفلة أنت ووالدك ؟ "

نظرت لعينيها المحدقتان فيها بضيق وقالت بعبوس

" أمي أمامك هو من اتصل وسألني هل أكذب عليه مثلا ؟ "

أشاحت بوجهها عنها مجددا فهمست بأسى منزلة كتفيها

" أمي لا تغضبي مني أرجوك فلا ذنب لي في هذا "

وسرعان ما زحفت تلك الابتسامة الرقيقة لملامحها الجميلة

ما أن امتدت لها تلك اليد مجددا فنامت في حضنها فورا

وشدت ذراعها على خصرها بقوة تغمض عينيها بقوة هامسة

" أحبك أمي كما لم تحب فتاة والدتها في الوجود "

وخالطت ابتسامتها سعادة غامرة وهي تشعر بتلك الشفاه تقبل

رأسها بحنان وعادت لغمر نفسها بتلك المشاعر المفعمة بالدفء

والعاطفة مجددا .. وكانت أيضا من كسر ذاك الصمت وقد رفعت

رأسها تنظر لها قائلة

" أمي هل أسألك عن أمر تخبريني عنه ولا تغضبي وإن

رفضتِ ذلك "

فنظرت لها تلك العينان قبل أن تحدقا في الفراغ مجددا

وهي تهمس

" اسألي يا تيما "

فابتسمت بسعادة قبل أن تقول مندفعة بحماس

" احكي لي ما حدث حين اقتحمت حدود الحالك في الماضي "

وتلاشت تلك الابتسامة تدريجيا كما حماسها معها ما أن طال

صمت تلك الملامح الشاردة بعيدا عنها وفقدت الأمل في أن

تجيب وكل ما بات يعنيها وقتها أنها لم تغضب منها لكن تلك

الشفاه الفاتنة خانت توقعاتها حين تحركت ببطء وخرجت

منها الكلمات متأنية تشبه شرود تلك الأحداق الواسعة

" يمكنك سؤال والدك عن هذا فأنا ما أن رماني ذاك الجواد

من على ظهره لم أفق إلا وقد أصبحت في منزله "

فحدقت فيها تلك العينان بصدمة وصاحبتها تجلس هامسة

بفضول

" لم يمسكوا بك إذا بل الجواد السبب ! "

انعقد حاجباها الرقيقان ونظرتها تتحول للجمود تدريجيا وكأنها

تعيد ذكرى ما حدث وترفضه وقد تمتمت بضيق

" بل رصاص أسلحتهم السبب "

ونظرت ناحيتها ما أن تابعت بذات ضيقها الرقيق مثلها

" وهكذا كان والدك وأصبح .... يفسد كل ما يخصني وأريده "


فخرجت منها ضحكة صغيرة وكأنها لا تهاجمه أمامها فهي وكما

أخبروها وعلمت عنها لم تتحدث قط عن تلك الفترة من حياتها

وكأنها ليست موجودة فلن تضيع هذه الفرصة لتعلم أي شيء عن

ماضيها مع ذاك الرجل وكيف جعلته يحبها ويتعلق بها ، قالت

مبتسمة بحماس

" وماذا عن زواجكما هل رآك وتحدثتما أولا ؟ "

ولم يكن الجواب مختلفا عن سابقه وهي تبعد نظرها عنها مجددا

قائلة ببرود

" عليك سؤاله هو عن هذه أيضا فمن زف لي الخبر كان عمته

وأنا هي التي لم أراه إلا بعد زواجنا "


فمدت شفتيها بعبوس قبل أن تتمتم

" ما كل هذا التعقيد ! أين التشويق في الحكاية إذا ؟ "

قالت التي عادت بنظرها لها مجددا

" ومن قال أنه ثمة تشويق في الأمر ؟ "

وتابعت من فورها وبامتعاض

" أتري حال والدك الآن هناك في منزلكم ؟ "

عبست تلك الملامح الجميلة أكثر ولم تعلق فتابعت المقابلة لها

من فورها

" وهو كذلك في الماضي لم يتغير شيء "

مدت شفتيها بعبوس وإحباط فهي لم تحصل على أي شيء

بالرغم من أنها أجابت عن أسئلتها جميعها ، لمعت فكرة

ما في رأسها وقررت تنفيذها قبل أن تتراجع فأخرجت هاتفها

من جيبها قائلة تبحث عن رقم معين قبل ان تمنعها

" علينا أن نكون عادلين إذا فقد يكون الطرف الآخر

يملك الأجوبة "

وما أن مدت يدها لهاتفها قائلة بضيق

" تيما ما هذا الذي تفعلينه ؟ "

حتى أبعدت الهاتف جهة أذنها الأخرى وأمسكت يدها

قائلة بابتسامة

" لن أخبره بأني معك أمي أقسم لك .. دعينا نستمع لرأيه

في الأمر فقط "

وما أن سمعت صوت الرنين في الطرف الآخر أبعدت الهاتف

عن أذنها وشغلت مكبر الصوت فهكذا سيكون الأمر أفضل

ولتستمعا معا .. وتجاهلت بالطبع كل تلك النظرات المتضايقة

الموجهة لها تنطر لهاتفها بحماس والذي كما توقعت خرج

منه ذاك الصوت الرجولي المميز بتلك البحة العميقة قائلا

" ما بك يا تيما ؟ "

فرفعت نظرها مبتسمة بالتي لازالت تخصها بتلك النظرات

الحانقة وقالت

" آسفة إن أزعجتك أبي أردت فقط سؤالك عن أمر ما فهل

أنت لوحدك الآن "


قال من فوره

" أجل لوحدي ماذا هناك يا تيما ؟ "

عضت طرف شفتها مبتسمة لازالت تنظر لتلك العينان

المحدقة بها وقالت

" سألت والدتي سابقا عن مغامرات ماضيها ودخولها

لأراضيك في الماضي لكنها لم تملك أي جواب لأنك

من يملكه بالطبع "

" هي قالت ذلك ؟ "

نظرت لها بطرف عينيها متمتمة بابتسامة

" أجل "

" وماذا قالت أيضا ؟ "

ابتسمت بمشاكسة وزحفت قليلا للوراء هربا من تلك

النظرات المتوعدة قائلة

" قالت أيضا بأن وضعك كما هو الآن غائبا عن المنزل

طوال الوقت ووجودك يشبه غيابك "

فخرج صوته الحاد من ذاك الجهاز الأصم فورا

" لما لا تقولي لها في نصف عينيها بأنها كاذبة "

فأمسكت فمها وضحكتها بيدها تنظر للتي اتسعت عيناها

بصدمة وهذا ما كانت تتوقعه كلاهما أن يعلم من نفسه

بأنها قربها الآن وتسمعه بينما تابع ذاك الصوت الجهوري

مالئا صمت الغرفة مجددا

" واسأليها ولتقر الآن عن السبب الذي جعل حبيبة تصاب

بالحمى وتمرض يوما كاملا فبإجابتها ستعلمين "

فاستلت تلك اليد الهاتف من يدها وأخذته منها وفصلت

الخط متمتمة بضيق

" وقحة أنت ووالدك "

فقالت من فورها محتجة تضرب فخذها بقبضتها

" لا أمي هيا أخبريني أرجوك من تكون حبيبة تلك

وما سر إصابتها بالحمى ؟ "

رمت لها هاتفها في حجرها قائلة بضيق

" غادري هيا أريد أن أنام "

فرفعته مبتسمة ووقفت خارج السرير وقبلت خدها

وحضنتها بقوة قائلة

" حسنا سأتركك تنامين ... أحبك كثيرا أمي "

وغادرت من فورها وما أن وصلت الباب وفتحته

التفتت لها فكانت تنظر لها مبتسمة بحنان فابتسمت

وأرسلت لها قبلة بيدها قبل أن تغلق الباب وتختفي

خلفه تاركة تلك العينان للفراغ والوحدة مجددا والتي

سرعان ما ظهر من بددها ورنين هاتفها يرتفع تدريجيا

فرفعته وكما توقعت كان اسمه يضيء شاشته فشعرت

بجسدها تجمد ما أن تذكرت ما قال لابنته وذاك الموقف

وما حدث حينها وفصلت الخط دون أن تجيب وأرسلت

له فورا وقبل أن يفكر في المحاولة مجددا

( لن أنساها لك أبدا يا مطر )

وكما توقعت كان رده سريعا

( وافقي على الخروج للعشاء لتتوقف الحرب ضدك )

أرسلت ومن فورها ( لااااااا )

ورمت هاتفها على طاولة السرير وعدلت الوسائد

رامية ببعصها بعيدا عنها ونامت تغطي حتى رأسها باللحاف .

*
*
*

ابتسم وهو يدس هاتفه في جيبه وصعد عتبات الباب

بخطوات سريعة واسعة وثابتة حتى كان في الداخل

ووقف مكانه ما أن ظهر في وجهه الذي قال بحاجبين معقودين

" أين هي ابنتي ؟ "

تنفس بضيق ممسكا خصره بيديه من تحت سترته السوداء

المفتوحة وقال ببرود

" لا أصدق بأنك لم تتصل بها أو بتيما وتعلم "

قال دجى بذات ضيقه

" أنا أسألك أنت الآن يا مطر وليس هما "

تمتم حينها ببرود

" عليك إذا أن تغير صيغة سؤالك للما هي هناك فهذا

كان مقصدك بالتأكيد "


قال من فوره

" جميعها واحد فلما أخذتها هناك بدلا من أن ترجعها

إلى هنا وما الذي حدث ؟ "

كتف ذراعيه لصدره قائلا

" أخذتها هناك لأنها من طلبت ذلك .. وما حدث أنها أرادت أن

تبتعد لفترة عن هنا وأنا وافقت وأفهم أسبابها وستتغير الأمور

بعدها عمي أعدك "

اومأ برأسه موافقا وكأنه فهم الأمر وقال

" وماذا حدث بشأن إسحاق ؟ "

فتنهد الواقف أمامه بعمق قبل أن يقول

" وضعه في تحسن والأطباء قالوا بأن جسده بدأ يستجيب

للأجهزة وثمة مؤشرات جيدة عن إفاقته قريبا "


تنقلت نظراته في ملامحه قبل أن يقول بتوجس

" هل سيكون بخير يا مطر ؟ "

فك ذراعيه ومرر أصابع يده اليمنى في شعره قائلا

" لا تقلق فالحراسة حوله مشددة ويتم التحقق حتى من

الأطباء الذين يدخلون له "

علق المقابل له سريعا

" لكنه ليس هنا لتتمكن من حمايته جيدا يا مطر وأنا

أخشى أن نفقده ... بل أن تفقده شقيقته "

قال بجدية

" وهناك أيضا أذرعنا كثيرة ولن نعجز عن حمايته كن مطمئنا "

اومأ برأسه بحسنا وقال

" وماذا عن .... "

" مطر أين ابنتك ؟ "

ليقاطعه ذاك الصوت الرجولي الحانق الذي اقتحم حديثهما

فجأة فالتفت مطر للواقف خلفه ينظر له عاقدا حاجبيه قبل

أن يقول بضيق ملوحا بيده بينهما

" ما بكم معي أين ابنتي وأين ابنتك ...؟ هل سأحاسب

عليهما حيا وميتا ؟ "

قال المقابل له

" يمكنك أن تجيب عن السؤال فقط إذا "

قال وبذات ضيقه

" في منزل رعد ... فها قد أجبت "

فشد على أسنانه هامسا

" فعلتها تلك المحتالة إذا "

عقد حاجبيه قائلا

" ما بكما ؟ "

قال فاردا يديه وبضيق

" قل ما بها هي وليس بي وهي ترفض الإجابة

على اتصالاتي وتعتصم لديهم هناك لأنها تعلم بأني لن أصل لها

وكل هذا فقط لأني لم اجب على اتصالاتها بالأمس وأرسلت لها

بأن تتصل برعد أو عمي صقر لأني كنت مشغولا "


فظهرت ابتسامة واضحة على طرف شفتي الواقف أمامه

والذي قال من فوره


" فعلت بك ما تستحق .. لا أراها تحتاج لمن ينصفها

في حياتها معك مستقبلا "

نظر له بضيق وما أن نقل نظره للواقف خلفه انفجر

ضاحكا وقال

" دميتي الجميلة تلك تستحق وساماً بالفعل "

فأمسك خصره بيديه ينظر له بضيق وتحرك مطر

من هناك جهة ممر مكتبه قائلا

" عمي اتبعني علينا التحدث عما يخص خروجك من هنا "

وغادر بخطوات ثابتة حتى اختفى عن نظراتهما المستغربة

قبل أن يتبادلانها معا وتحرك دجى ليلحق به ولحقه ذاك

من فوره .

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 10:19 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية