الفصل الثاني والعشرون
المدخل :
بقلم / ساره الحالك
من مطر الى غسق
يا عشقي الدفين رفقا بقلب في هواك سجين
يا من سكنت قلبي و عزفت على اوتاره
يا من توطنت عقلي و سبرت اغواره
يا مهجة الروح لا تغلقي بيننا الابواب
يا بلسم الجروح لا تذيقيني العذاب
لا تزيدي جراح روحي ملحا اجاج
إِكوِي بعشقك قلبي فالكي لقلبي علاج
يا زائرة الليل بسِهامِها ، اصابني سهم عينيك .
يا ساكنة الروح ،روحي ِفدًى لشفتيك
رفعتُ الرُّمح و السهم في حرب العشاق
فاردتني حوراء العين حالكة الاحداق .
فيا قرة العين ، انصتي لأنين قلبٍ حزينٍ .
مزّقه و اضناه عشق السنين .
*****
بقلم / وعودي للأيام
من غسق إلي مطر
أتعلم
أتعلم شيئا يا مطر أتعلم أن حبك في قلبي أمسي حجر
'''
من كان يظن أن ألتقيك بعد سنين مرت كالدهر و لا أشعر نحوك سوي بالغضب و بالندم
'''
قهرتني يا رجل و لتعلم أن قهر النساء خطر
'''
أتعلم يا مطر .. أتعلم كم كان حبك في قلبي كبيرا .. و بفعلك جرحت القلب الذي أحبك ؛ فما الذي حصدته بظنك سوي ذلك الحجر الذي أردم به الثقب الذي خلفه جرحك لي ، لا تعود إلي يا مطر لن تجد عندي شيئا أنت لم تترك لي شئ ... فحتي ذكرياتك أصبحت أطردها كي لا تقتلني !
'''
*******
لم يكن ما يشعر به من ألم في أحشائه ولا رئتيه يساوي شيئا
مما كانت تشعر به الحاضنة لكتفه بقوة تخفي بكائها الموجع في
ذراعه وأصابعه تشتد على كفها بقوة لازال يحاول إخراج ما
باتت موقنة بأنها روحه تلك التي ستخرج وتفارق جسده ليتركها
في هذا العالم الكئيب وحدها بعده ... أمر التفكير فيه فقط يشعرها
بالموت .
اشتدت أناملها على قميصه بقوة هامسة بعبرة
" لا تتركني تيم حلفتك بالله ... لا تفعلها بي أرجوك "
ازداد شده على أناملها حتى كانت ستتحطم بين أصابعه وقبضته
القوية قبل أن ترتخي يده ببطء وتوقف صوت تقيؤه فابتعدت عنه
تتراجع للوراء وتبدلت نظراتها له للذهول حين استوى واقفاً
وفتحت يده صنبور المياه ليخرج متدفقاً منه بقوة وبدأت يده
الأخرى تحرك تلك المياه المتجمعة في الحوض الرخامي
بعشوائية وكأنه يبحث عن شيء ما فيها وراقبت نظراتها الدامعة
الذاهلة يده التي أخرجها منه والمعدن الصغير اللامع الملفوف
الذي يمسكه بين أصابعه وقد نفضه في الهواء متمتما بحنق
وصوت مبحوح
" سحقا كاد أن يتلف "
نظرت له بصدمة بينما التفت هو جهة المغسلة مجددا وكأن شيئا
لم يكن وانحنى برأسه تحتها تنزل عليه المياه الباردة وما أن رفع
حركه بقوة نافضا المياه منه ورفع شعره بأصابعه ناظرا ناحيتها
فأشارت لما في يده هامسة بذهول وصوت ضعيف مرتجف
" كنت تخرج هذا من معدتك ! "
أخرج يده من شعره ونظر لما في يده الأخرى وقال ببرود
" أجل فثمة شيء مهم بداخله تكتشفه الأجهزة في المطار
بسهولة وهذه الطريقة الوحيدة لأعبر به "
زمت شفتيها بقوة تتجمع الدموع في عينيها الواسعة قبل أن
تقترب منه وبدأت بلكم صدره بقوة تتقاطر الدموع من عينيها
هامسة بصوت متقطع لم يخفى الغضب فيه
" لماذا لم تخبرني ... يالك من تافه .. أحمق ومعتوه "
وما أن اكتفت من ضربه وشتمه أمسكت فمها بيدها وانهارت
باكية حتى أن قواها خارت تماما ولم يعد يمكنها الوقوف من شدة
تبعات صدمتها تلك فاستندت بظهرها على جدار الحمام ونزلت
عليه ببطء وما أن استقرت في الأسفل دفنت وجهها وبكائها في
ركبتيها فتحرك نحوها ونزل أمامها مستندا بقدميه وتخللت
أصابعه غرتها يحاول رفع رأسها برفق متمتما
" ماريا ما يبكيك الآن يا حمقاء ؟ "
وحين لم تعلق أو ترفع رأسها حاول مجددا رفعه وبكلتا يديه
خصلات من شعره الرطب انزلقت علي وجهه ملامسة أعلى أنفه
وتمتم بما يشبه السخط
" من هذه التي كانت تدعوا الله منذ قليل كي لا أموت وأتركها
...! أيبكيك أني لم أمت ؟ "
رمت يديه عنها قائلة بضيق تقطع عبرتها كلماتها
" بل مصالح متبادلة فلا أحد لي "
استند بيديه خلفه حيث الأرضية الرخامية كي لا يفقد توازنه
بسبب دفعها له وقال بابتسامة مائلة ينظر لعينيها المجهدة
من البكاء
" كاذبة ... لديك عم والدتك "
شدت على أسنانها بقوة وغيظ من بروده وتملقه قبل أن ترمي
بيدها قائلة بغضب
" وأنا لا أريدهم لأنهم تخلوا عني وتركوني هناك لعمي قيس ...
ليس الأمر حكرا لك وحدك "
ضحك رافعا رأسه للأعلى فنظرت له باستغراب أنساها حتى بكائها
فهذه المرة الأولى التي تراه فيها يضحك هكذا....!
كأي بشر طبيعي...!
وما أن أفاقت من ذهولها وتحديقها الأحمق به تحركت من مكانها
ودفعته من أمامها دفعة أجلسته على الأرض هذه المرة ووقفت
وغادرت المكان تتبعها نظراته مبتسما ووقف وخلع قميصه
الداخلي بحركة واحدة متقنة ورماه جانبا ووجهته حوض
الاستحمام .
وبعد حمام سريع كعادته غادر الغرفة مرتدياً بنطلون جينز
وقميص أسود كلونه تماما ووصل غرفتها يلبس سترته الرمادية
الخفيفة وما أن أدار المقبض وفتح الباب نظر للجالسة متربعة
على السرير تمسك إحدى مذكراتها وقلما في يدها المرتجفة حتى
الآن لازالت شهقاتها الصغيرة المتفرقة تقطع أنفاسها وقد رفعت
يدها ومسحت بظهر كفها عينيها مما يعني أن تلك الدموع لازالت
تنزل بصمت ، اقترب منها حتى وقف قرب السرير ولازالت تنظر
للمعادلة الطويلة المعقدة التي تقوم بحلها ولم ترفع رأسها ولا
نظرها له رغم علمها بوجوده .. ترفع غرتها بمشبك ذهبي صغير
تنزل خصلات قليلة منها على جبينها الصغير وشعرها البني
الناعم يعانق كتفيها وذراعيها منسابا على ظهرها بنعومة ترتدي
بجامة بنية غامقة مزجت لون القهوة الداكنة فيها مع تلك
الخصلات بلون العسل الطبيعي متناثرة عليها .
أمال رأسه لتظهر له ملامحها وقال ونبرته تحتفظ بجمودها
المعتاد ويديه في جيبي بنطلونه
" ما رأيك في عشاء في الخارج ؟ "
وابتسم فجأة مناقضا ذاك السلوك الملتصق به ما أن توقفت يدها
عن الكتابة لكنها سرعان ما عادت كما كانت ولم تعلق فاستقام في
وقفته قائلا بابتسامة متكلفة
" معدتي فارغة منذ ليلة أمس فتحدثي قبل أن آكلك "
رفعت حينها رأسها ونظرت له ببرود فقال بابتسامة مائلة
" هيا ماريا يمكنك الصمت طوال الوقت لكن التأخر ممنوع "
نظرت خلف كتفه الأيمن ثم الأيسر ودون أن تعلق فدار برأسه
للخلف قبل ينظر لها وقال ببرود
" عما تبحثين ؟! "
عادت بنطرها لعينيه وقالت بتملق تلوي شفتيها الجميلتين
" عن زوجي طبعا فهلا أرجعته "
ولم تؤثر بها قطعا نظرة الضيق في عينيه من مقصدها ولم يتأخر
ما تتوقعه جيدا حين قال ببرود
" ستذهبين معي أم أذهب لوحدي "
عادت بنظرها لمذكرتها متجاهلة له فابتسم بمكر والتفت وغادر
جهة الباب متمتما بجدية
" لابأس لن اجبرك على ما لا تريدين "
" هيه انتظر "
وصلته كلماتها المندفعة تلك وكما توقع تماما بل وكما عرفها
لأعوام تلك الطفلة المشاغبة فوقف مكانه ورفع رأسه للأعلى
يسمع خطواتها حين وقفت خارج السرير وقد قالت من خلفه
بضيق تمسك وسطها بيديها
" سحقا لكم معشر الرجال لا تعرفون كيف تسترضون امرأة
غاضبة أبدا "
فابتسم وتابع سيره حتى وصل الباب ووقف والتفت لها بكامل
جسده واتكأ بكتفه على إطاره لازالتا يديه سجينتا جيبيه وقال
بابتسامة جانبية
" لتعلمي فقط أنكن السبب في خسارة العروض المماثلة "
لوت شفتيها وتمتمت بتملق تقلده فقال ببرود
" ماذا تقولين ؟ "
أمسكت خصرها بيديها أكثر تشد أصابعها الرقيقة عليه
وقالت بضيق
" لم أقل شيئا طبعا .. فهل يمكنك انتظاري قليلا لأغير ثيابي أو
أخبرني من الآن كي لا اتعب نفسي وأخرج ولا أجدك "
أمال طرف شفته متمتما
" لابأس ها أنا أنتظرك هنا لتطمئني "
نظرت له بصدمة فأخرج يديه من جيبيه وكتف ذراعيه لصدره
العريض وأضاف بتهديد
" لا تستمري في إضاعة الوقت "
زمت شفتيها بحنق وتعلم ما سيكون مصيرها إن هي عاندت ،
توجهت للخزانة أخرجت فستانا وتوجهت للحمام مسرعة قبل أن
يفقدها ورقتها الرابحة ودخلت وأغلقته خلفها بالمفتاح ، غيرت
ثيابها سريعا ونظرت لنفسها في المرآة ... نزعت المشبك من
شعرها ورتبت غرتها وباقي شعرها على كتفيها وخرجت وكان
واقفا مكانه فوقفت تنظر له ونظراته تنتقل على جسدها صعودا
وما أن عاد بنظره لعينيها تمتم ببرود
" غير مناسب "
فانزلقت كتفاها نحو الأسفل بإحباط وهمست بأسى
" لماذا ... ؟ إنه رائع "
نظر لعينيها بتركيز متمتما
" لأنه كذلك لا ماريا ... غيريه بسرعة بآخر يغطي ذراعيك
كلاهما "
نفضت يديها متأففة وتوجهت للخزانة وفتحت بابها بقوة وأخرجت
فستانا آخر لكنها لم تتحرك به بل رفعته أمامه قائلة
" ها هو طلبك "
شمله بنظراته البطيئة الجامدة المشابهة لعينيه وحدة نظراته
الواثقة قبل أن يشير له برأسه بهزة خفيفة متمتما
" ألا ترين طوله ؟ "
أدارته جهتها قليلا قائلة بإحباط
" لكنه تحت الركبتين ! "
نظر لعينيها وقال بضيق
" ومن أين جلبت هذه الفتوى الرائعة ما تحت الركبتين يمكنه
استنشاق الهواء الطلق ؟ "
نفضته في يدها قائلة بضيق مماثل
" تيم ماذا تريد تحديدا ؟ أن أغضب وأعفيك من أخذي معك "
عاد لبروده المميت معلقا
" لو أردت ذلك ما أخبرتك .. لكنت خرجت لوحدي "
وما أن كانت ستتحدث سبقها قائلا بجدية
" ماريا سبق وأخبرتك أني أتغاضى عن مسألة حجابك لأسباب
أمنية فقط وغيره لا ... أنا لست راض مطلقا عما اعتدت عليه في
حياتك السابقة مع عمك ذاك "
تأففت نفسا طويلا غاضبا ودارت جهة الخزانة وعلقت الفستان
مكانه بحركة عنيفة وأخرجت سترة من الحرير قصيرة أنيفة
ومميزة ولبستها فوق فستانها الذي كانت ترتديه وفردت ذراعيها
قائلة
" وهكذا ؟ "
استوى في وقوفه مبعدا كتفه عن إطار الباب وقال
" هكذا جيد "
مطت شفتيها متمتمة بحنق
" أهذا ما استطعت قوله ... جيد ! "
دس يديه في جيبيه متمتما يقلدها
" حسنا ممتاز "
عبست ملامحها الرقيقة هامسة بحنق
" يالك من بارد "
فابتسم وتوجه نحوها وسحبها من يدها مغادرا بها وقال يجتازان
باب الغرفة
" جميلة رائعة وفاتنة يرضيك هذا ؟ ... تحركي هيا فأنا جائع "
قالت بضيق تجاري خطواته الواسعة
" ها أنت تعرف تلك الكلمة ولها وجود في قاموسك البالي ...
لما كان عليا أن ألقنها لك تلقينا "
وقف حيث وصلا عند باب الشقة وألتفت لها وأمسك ذراعها
وسحبها نحوه وقبل شفتيها بقوة وما أن أبعد شفتيه قال من
بين أسنانه
" أتعلمي إن لم تطبق هذه الشفتين على بعضها حتى نصل ما
سأفعل بك "
أجفلت تنظر له ترمش بعينيها قبل أن تبتسم ولسانها يلامس
طرف شفتها وقالت بضحكة صغيرة
" ترميني من الشرفة ؟ "
أشار برأسه خلفها وقال بضيق
" بل آخذك لتلك الغرفة وآكلك أنت "
نظرت له بصدمة فتأفف في وجهها عمدا واستدار للباب وفتحه
وخرج يسحبها من يدها معه تتبعه يدها في يده وجسدها خلفه
تنظر له مبتسمة وما أن وصلا السيارة وقفت وقالت
" هل لي أن اقول شيئا صغيرا ؟ "
التفت لها وعد بأصابعه أمام وجهها قائلا
" قلت الآن ست كلمات بقي لديك أربعة فقط "
لوحت بيدها بسخط فقاطعها من قبل أن تتحدث يهددها بسبابته
بأنها ستضيع باقي الكلمات فتأففت وأشارت للسيارة قائلة بضيق
" لن أجلس في الخلف مجددا أو سأرجع للأعلى الآن "
قال مبتسما ببرود
" ولغرفتي طبعا "
قالت بحدة
" لا بالطبع لأنك ستذهب لتناول الطعام أنا لا أؤكل "
أشار بعينيه للأعلى هامسا
" تعالي لنرى "
ضربت الأرض بقدمها قائلة بحنق
" تيم لا تكن سخيفا "
أشار للكرسي الخلفي في السيارة بسبابته وقال بحنق مماثل
" اركبي هيا ولا تلمسيني مطلقا مفهوم ؟ "
قالت ساخطة
" لما هذا التعذيب النفسي ؟ "
أشار بإبهامه للمبنى السكني خلفه دون أن يتحدث فتأففت بسخط
ولكمت صدره بقبضتها وفتحت باب السيارة وجلست غاضبة
ونظرت له من خلال الباب المفتوح قائلة بعبوس
" أغلق الباب هيا ماذا تنتظر "
اتكأ بساعده على سقف السيارة ونظر لها في الداخل وقال
بابتسامة مائلة
" أتعلمي لو لم نكن في الشارع ما فعلت الآن ؟ "
نظرت له بصدمة وزحفت على الكرسي الجلدي حتى منتصفه
فأهداها ابتسامة جانبية وأغلق بابها وفتح الباب الأمامي وجلس
خلف المقود وشغل السيارة وغادرا فورا محبطاً أملها الصغير
مجددا في أن يغير رأيه نهاية الأمر .
وكان لجلوسها في الخلف ثمنا غاليا هذه المرة أيضا رغم أنها لم
تحضنه وكرسيه معه فجلوسها منتصف الكرسي أعطاها مساحة
أوسع لتكون بجانبه تتكئ بمرفقيها على ظهر كرسيه والكرسي
المجاور له تجلس على حافة الكرسي تحتها ووجهها بجواره
تقريبا واختارت هذه المرة ما سيكون خيارا أفضل لها وهي تغني
أغنية طفولتها التي كان يتدمر منها غالبا يدها تلوح أمام وجهها
مبتسمة لازالت تذكر كلماتها وكأنها اليوم وكانت الأغنية عن
طفلان يصعدان جدار الجيران ويسرقان من شجرة توت ويمسك
بهما صاحب المنزل وتسقط الفتاة وينقذها ويتلقى ضربات عصى
الرجل ... وكان هو يستمع لها مبتسماً يتعمد تلك الابتسامة التي
تفهمها منذ طفولتهما لتخبرها بأنها سخيفة كأغنيتها تلك
وتتجاهلها هي بالطبع كالماضي تماما ، وما أن انتهت رمقته
بطرف عينيها مبتسمة بمكر قبل أن تنتقل لأغنية أخرى لكنها لا
تمد لطفولتهما بصلة هذه المرة بل أغنية عاطفية بإيقاع مرتفع
تفرقع بأصابعها وقد اتكأت برأسها قرب رأسه تكرر
" حبيبي .. حبيبي وبقلبي أريد أضمك ... من غيرك ... أحسك ...
مثل الهوى وأشمك"
فابتسم ودفع وجهها بيده للخلف دفعة جعلتها تسقط على ظهر
الكرسي خلفها ضاحكة وسرعان ما جلست مجدداً لكن خلفه تماما
هذه المرة وحضنته ساعديها يلتفان حول كتفيه فلا مفر له
منها أبدا وعليه أن يستسلم لذلك .
*
*
*
نظر باستغراب لذراع الواقفة بجانبه تلتف حول ساعده قبل أن
تهمس بصوت مرتجف خائف
" لا تنظر جهة مدخل القاعة "
نظر لوجهها باستغراب فكانت تنظر حولها بتشتت وكأنها تبحث
عن أحدهم وما أن حاول أن يسحب ذراعه من قبضتها تمسكت
بها أكثر وقالت
" لا ... انتظر حتى يغادر "
نظر لها وقال باستغراب
" من هذا الذي سيغادر وعما تتحدثين ؟ "
قالت ناظرة للبعيد وبصوت مرتجف
" عن زوجي السابق أتحدث "
قال يحاول سحب ذراعه منها مجددا وبطريقة لبقة قدر الإمكان
" وما علاقتي أنا بزوجك ؟ "
فشدت على ذراعه التي كادت تفلت منها قائلة بخوف
" ها هو هناك لا تتركني وحدي أرجوك "
نظر حيث نظرت منذ لحظات ووقع نظره فورا على الرجل
الإنجليزي الطويل العابس تلتف حول جسده بدلة سوداء فاخرة
وكان نظره مسلط عليه تحديدا فنظر للتي كانت تشتت نظرها بعيدا
عن تلك الجهة بأكملها وقال ببعض الضيق
" إن كان ثمة مشاكل بينك وبين طليقك فلا تقحميني فيها رجاء
واتركي يدي لأغادر فورائي ما أفعله "
نظرت له برجاء قائلة
" إن ابتعدت فسيأتي ووالدي ليس هنا ليدافع عني وسيأخذني من
هنا فهو سبق وتوعد بذلك ، أيرضيك أن يحدث كل هذا بسببك ؟
انتظر قليلا وسيصل والدي وتذهب أرجوك "
نظر لعينيها عاقدا حاجبيه وهو يقول
" وما يدريك بأنه لن يفعلها وأنا موجود ؟ "
قالت تنظر لعينيه
" لا لن يفعلها فأنا أخبرته في شجارنا الأخير بأنه لدي صديق
وسنتزوج وبأنه رجل لا يمكنه التغلب عليه لأنه ذو نفوذ وسلطة
وهذه الصورة التي سيكونها عنك الآن "
حرك يده بانزعاج يريد الفكاك من هذا الإزعاج والتمثيلية السخيفة
التي وجد نفسه فيها لكن تركها وإثارة مشكلة بسبب ذاك الرجل
سيسبب له هو مشكلة أيضا فها قد ظهر السبب الحقيقي وراء ما
فعلاه وقالاه ، هم يبحثون عن طريقة للتخلص من طليقها السابق
إذا وهو الطعم ؟ أو هذا ما كان يعتقد ولم يكن يعلم بأن مخططهم
لم ينتهي عند ذاك الحد فقد اختفى ذاك الرجل فجأة فحاول سحب
ذراعه منها بسرعة لكن تشبثها به كان أكبر من أن يستطيع
التخلص منه وهي تتحرك به من هناك قائلة
" خذني لمواقف السيارات إذا حيث والدي ولا تتركني
هنا وحيدة "
تحرك معها متنهدا بضيق وقد دس يده الأخرى في جيب سترته
وأرسل الرسالة التي يتركها جاهزة دائما ولشخص معين سبق
الاتفاق بينهما على ما يفعله ما أن تصله وكان فيها
( حدد مكاني وتابعه )
لكن المفاجأة كانت في انتظاره من قبل أن يغادر المكان حين
توقفت تلك المرأة المتشبثة بذراعه فجأة ونظرت لجهة بعيدة من
القاعة حيث يقف أربعة رجال وامرأة أحدهم من قالت عنه منذ
قليل بأنه طليقها وإثنان لا يعرفهما والرابع والذي تقف بجانبه
المرأة الوحيدة في المجموعة هما من جعلاه يقف متسمرا مكانه
ينظر لهما بصدمة بل لصاحبة الفستان النيلي الطويل بلون
عينيها تحديدا والتي كانت تنظر له والواقف بجانبها قد انحنى
جهة أذنها يهمس لها بشيء ما ينظر ناحيته أيضا مبتسما بمكر
وكل ذلك بعد حديث قصير دار بين المجموعة بدأه ذاك الرجل
الغاضب أو من كان يدعي ذلك فمؤكد قد قدمه لهم على أنه
عشيق طليقته فنفض ذراعه منها بحركة غاضبة جعلتها تنظر له
مجفلة بصدمة فنظر لها وقال بضيق
" يكفي انتهت المسرحية لا مزيد من التمثيل "
وغادر وتركها لكن وجهته لم تكن الباب بل سار يجتاز
الموجودين في تلك الجهة حتى كان عند الذين اجتاز حلقتهم
الصغيرة دافعا الواقف أمامه بل وكانت وجهته للتي أمسك برسغها
تلتف أصابعه الطويلة حوله بقوة وسحبها معه بالقوة من هناك
متجاهلا الجميع وأولهم الذي لحق به قائلاً بغضب
" لما لا تنتظر قليلا يا صعلوك فهذه لا تخصك "
لكنه تابع سيره متجاهلا عباراته الغاضبة وشتائمه المتتابعة بل
ومقاومة التي كانت تحاول الفكاك منه حتى غادر بها المكان
وكانوا في الممر الشبه فارغ حيث أدركه الذي أمسك بكتفه
وأداره بقوة مجبرا إياه على الوقوف وقال بحدة ناظرا لعينيه
الغاضبة
" أخطأت في العنوان سيادة نائب المدعي العام فليس هنا
منزل عائلة زوجتك "
التفت أصابعه حول رسغها أكثر بتملك وقال بحدة
" هذه آخر مرة تأخذها فيها لتعرفها بالمنحرفين أمثالك ولن
تخرج بها مجدداً ولا على قطع عنقي يا نجيب أتفهم ذلك "
أمسك رسغيهما وفكها من قبضته بالقوة وقد تركها هو خوفا
فقط عليها وقال الذي أصبحت يدها في قبضته
" هذه تكون زوجتي ولها رأي ولسان إن أرادت الرفض ولا
أحد له الحق في التدخل فيما يخصنا "
فتجاهله ونظر لها قائلا بحدية
" زيزفون لا يجرفك هذا الإمعة لعالمه أنت أنزه من كل ذلك ..
هم وحوش وسيؤذيك صدقيني "
كانت تنظر لعينيه بصمت وجمود فتابع مشيرا بيده خلفه
" زيزفون كان كله مخطط منهم ، تلك المرأة التي لا أعرفها
أساسا وطليقها وكل شيء فلا يخدعك بما يقول ويفعل "
ونظر بحقد يشد على أسنانه للذي رفع رأسه ضاحكا بصوت
مرتفع قبل أن ينظر له قائلا بابتسامة ساخرة
" كم أنت مثير للشفقة يا شقيقي ، هل تراها غبية لتصدق ذلك ؟
أنت حقا لا تخجل من نفسك ..! بأي صفة تشرح لها وتقدم
التبريرات ؟ لا وتنكر بأنكما عشيقان "
وما أن أنهى عبارته تلك ارتد رأسه للوراء فجأة بسبب الألم
القوي في طرف أنفه وفكه بل بسبب اللكمة التي تلقاها وما أن
استقام في وقوفه واقترب منه وفي نيته رد الدين أوقفته التي
وقفت بينهما قائلة بضيق تنظر للذي كان ينوي ضربه مجددا أيضا
" غادر من هنا يا وقاص ولا علاقة لك بما يخصني ... ثم أنا لا
علاقة لي بحياتك الخاصة وإن خرجت برفقة جميع النساء "
نظر لعينيها أنفاسه الغاضبة تخرج بقوة تظهر معها تفاصيل
صدره العريض بوضوح من تحت سترته السوداء الفاخرة
يظهرها القميص ناصع البياض وقال بجمود
" لن أسمح له بأن يشوهك مثله وأن يجعلك نسخة عنه يا
زيزفون ولن أقف أتفرج كالبقية وإن قتلته وأخذت فيه حكما
بالإعدام أتفهمين هذا ؟ "
وغادر وتركهما نظراتها المصدومة تتبعه بينما همس الواقف
خلفها بسخرية
" لنرجع للداخل واتركينا من ترهات ذاك المنفصم شخصيا
فزوجته البدينة تلك سببت له عقدا لا نهاية لها "
دارت ناحيته بكامل جسدها وقالت بضيق
" ألأجل هذا نحن هنا ؟ لأرى ذلك "
رفع يده بجانب وجهه بحركة كسولة كعادته وحرك كفه قائلا
بسخرية
" لا بالطبع فمن يهتم بحياة ذاك النزيه ؟ أنا لا أهتم وأنت تقولين
ذلك أيضاً وأعتقد بأنك اقتنعت الآن أم تضنين فعلا بأنه
سيقتلني ؟ "
وأتبع جملته تلك بضحكة عالية يدس يديه في جيبي بنطلونه
الكحلي الفاخر فاكتفت بأن أشاحت بنظراتها الغاضبة عنه فهي لم
تستفد من هذا الصعلوك في شيء حتى الآن ولا يبدوا أنه يفكر
لأبعد من أنفه ولن يعتمد عليه أحد ليجعله تابعاً له فمن يكون إذا
الذي أخبره بكل ذلك وما صلته باختفاء مربيتها والذين تعمل
لصالحهم وهو يعلم عنهم ؟ لا شيء في حياة هذا الممل سوى
مجموعة من الرفقاء الكسالى لا شيء مهم لديهم أو مثير للانتباه
سوى أحاديث مملة ورموز مبهمة لم تهتم ولا لفكها وفهمها .
" أظن أنه علينا أن نغادر الآن فلم يعد لوجودي ضرورة "
قالت جملتها تلك وتحركت من تلقاء نفسها دون أن تنظر إليه
لكن يده كانت الأسبق لذراعها وأوقفها قائلا
" لا بالطبع فليس أنت من يقرر هذا "
وتابع ما أن أدارها ناحيته مجبرة
" وسبق وأخبرتك أن أمر ذاك الصعلوك لا يعنيني أم أنه أنت
من انزعج من ذلك ؟ "
سحبت ذراعها منه بالقوة وقالت بضيق
" لما لا تتوقف عن التفوه بالحماقات ..؟ أنا لست غبية كي لا
أفهم ما يجري أمامي فغرضك لم يكن أن أراه أنا مع تلك المرأة بل
أن يرى هو أني رأيتها "
تأفف بتذمر وسحبها من يدها قائلا
" اسمعي يا فتاة .. المرأة الذكية كثيرا لا تخدم أحدا أكثر من
نفسها ، كانت لتجدي واحدة بلهاء ندفعها فتسير طوعا "
وقفت مجبرة إياه على الوقوف معها وقالت بضيق تحاول سحب
يدها من قبضة أصابعه القوية
" أنت من عليه أن يسمع يا فتى ... عليك أن تفي بشروط الاتفاق
وتخبرني الآن من أخبرك عن كل ذلك ومن وراء اختفاء مربيتي
وإحضارها ؟ "
ترك يدها بعنف بسبب محاولاتها المزعجة للفكاك منه وقال
بضيق أشد
" دعي ذكائك يخبرك عن كل ذلك أما اتفاقنا فلم ينتهي بعد وأنت
تعلمين ذلك جيدا "
مسدت معصمها بانزعاج وقالت تنظر لعينيه
" هل أفهم ما علي فعله أيضاً ؟ "
حرك رأسه بحركة خفيفة حيث كانا منذ وقت وقال بتذمر
" ستعلمين تباعا ... هيا نرجع للداخل فسهرتنا لم تنتهي بعد "
فكت يديها من بعضهما قائلة بإصرار
" لا أريد أعدني للمنزل "
مد يده لوجهها ومرر طرف سبابته أسفل ذقنها الصغير قائلا
وبابتسامة ساخرة
" لا يا فاتنة الأمر ليس بيدك أبدا .. أعلم جيدا ما تخططين له "
أبعدت يده قائلة بضيق
" أنا لا أخطط لشيء مما يخبرك به عقلك المريض بل أريد العودة
لغرفتي الآن "
دس يديه في جيبي بنطلونه وقد عاد لنبرته الكسولة المزعجة
تلك قائلا
" حسنا إن كنت منزعجة من الأجواء هنا نذهب لمنزل خالك فهو
يصر على أن نقوم بزيارته "
" لا أريد "
قالتها مباشرة وبرفض قاطع فرفع حاجبيه ناظرا لعينيها
وعلق سريعا
" عجبا !! ألا تريدين زيارة خالك ! "
شدت قبضتها وسحبتها نحو الأسفل قائلة بإصرار
" أجل وقلت بأني أريد العودة للمنزل الآن .. سنغادر معا
أو غادرت لوحدي "
*
*
*