كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
*
*
*
ما أن سمعت باب الشقة فُتح رمت مذكرتها من يدها وقفزت
مغادرة السرير وأغلقت نور الغرفة لتغرق في الظلام التام
ووقفت ملتصقة بالجدار المحاذي لبابها تعض طرف شفتها
مغمضة عينيها بقوة تسمع خطواته وهو يغادر من جهة غرفته
بعدما فتح بابها وتلك الخطوات تقترب لغرفتها فأمسكت تنفسها
تكتم ضحكتها ما أن انفتح باب الغرفة حيث أصبحت خلفه ما أن
فتحه ، وكما توقعت كان سيعلم أين تكون ما أن يشعر بأنفاسها
وإن كانت جثة لا تتحرك من مكانها أو لن يكون عضوا في تلك
المنظمة فبدون ولا عناء أو بحث ولا أن يدخل الغرفة أستدار
حول الباب الذي كان يمسك مقبضه في اللحظة التي اختارت فيها
أن تتبع أسلوبها وقت طفولتهما حين كانت تفعل شيئاً تعلم بأنه
سيغضبه ويعاقبها عليه فأنزلت رأسها وأخفت عينيها في
قبضتيها في حركة طفولية لترتسم تلك الابتسامة على طرف
شفتي الواقف أمامها ممسكا خصره بيديه يسمع تلك التمتمة
الطفولية التي أعادته أعواما للوراء
" لن أكرهك إن ضربتني لكن لا تضربني كثيرا "
فشدها من ذراعها وخرج بها من الغرفة يسحبها خلفه وما أن
دخل بها غرفته أوقفها عند السرير وأشار بسبابة يده الحرة له
قائلا
" ما هذا الذي فعلته بسريري يا طفلة حجور ؟ "
نظرت له مبتسمة تغرس أسنانها في طرف شفتها وما أن
سحبها نحوه خلصت ذراعها منه مبتعدة وارتمت على
السرير أمامها بالعرض تتكئ بجانب وجهها على ملاءته
المليئة برسوماتها وأشارت بسبابتها قائلة بابتسامة
ونظرها عليها
" ظننتك ستعرفها فورا ؟ هذه طريق بلدتنا الصغيرة
القديمة الجميلة "
وتابعت تتبع بنظرها حركة أصبعها مبتسمة بحنين
" هنا أشجار السرو والبلوط والطريق الترابي الناعم الذي كنا
نسلكه باتجاه المدرسة ، هذا المرج عند منزل شيخ القبيلة
وهنا حقل الرمان الشمالي ومن هنا كنا نركض مختصرين
الطريق عندما نتأخر "
ومدت ذراعها للمربع المرسوم بعيدا ومقسم لأجزاء متابعة
بابتسامة " هنا المدرسة .. هذا الجدار الذي كنت تنتظرني
عنده حتى أخرج من باب المدرسة ، هذه أزهار الصفاف
التي كانت تنموا بذاك المكان دائما وكنت آخذ منها واحدة
كل يوم متجاهلة سخريتك مني بسببها طوال الطريق وأنا
أتحدث معها وأغني لها وحين كنا نصل كنت أعطيها لك "
ورفعت نظرها نحوه ولازالت نائمة على السرير وتمتمت
بعبوس
" وكنت أجدها صباح اليوم التالي مكانها عند الباب
مرمية وذابلة "
ابتسم ورفع قدمه وثنى ركبته وسندها بحافة السرير
وانحنى نحوها مستندا بيده بجانب خصرها وأمسك القلم
الأسود المرمي على السرير بيده الأخرى قائلا بابتسامة
جانبية
" لو أني احتفظت بها ما كنت لتعطيني غيرها في اليوم التالي "
وأشار به في يده على رسمتها صعودا متابعا بهدوء ونظره
على يده
" كنت معطاءة ماريا لم تهتمي يوما إن كان ثمة مقابل لما
تعطينه أم لا "
اتكأت بخدها على اللحاف مجددا ونظرها على يده هامسة
بابتسامة حزينة
" ولازلت تيم ... لازلت "
نظر لها وابتسم متمتما باليونانية " Άγγελος μου "
وما أن عقدت حاجبيها بتساؤل تنظر له أبعد نظره عن
عينيها وأشار بالقلم في يده على ملائة السرير قائلا
" انظري هذا مكانه خاطئ لقد خانتك ذاكرتك الصغيرة
تلك فهذا البئر القديم هنا في الجانب الأيمن للطريق "
ابتسمت بحنان تراقب نظراتها وحدقتاها الذهبية من بين
رموشها ما أشار له وأشارت له بإصبعها أيضا وقالت
" لا لم أنسى مما كان هنا شيئا فكم مرة وقفت أناديك
في فراغه وظلامه المخيف "
ورفعت جفناها وتلك الرموش الطويلة الكثيفة ونظرت لعينيه
المحدقة بها وقالت بعبوس
" مخادع لقد كذبت عليا مرارا وأنا أناديك هناك تدعي
بأني إن ناديتك فيه فستسمعني وتأتي "
انحنى فوقها أكثر يرسمه في مكانه الصحيح حتى أصبح
صدره قريبا منها تستنشق رائحته وعطره وارتفعت نظراتها
لشفتيه حين قال بهدوء
" لو لم أفعل ذلك لما كنت لتبقي هناك تنتظريني حتى أصل
ولكنت ستضيعين مني في كل مرة تزعمين أنك تبحثين عني "
وما أن نظر لها وانحنى نحوها أكثر يبعد ركبته عن حافة السرير
دفنت وجهها وابتسامتها في اللحاف تحتها تكتم أنفاسها ما أن
شعرت بثقل جسده على جسدها وتسللت يديه تحتها يحضن
خصرها بقوة قبلاته الرقيقة تداعب عنقها وكتمت ضحكتها
ما أن علا صوت رنين هاتفه وقد أخرج يده من تحتها
تسمع شتائمه الهامسة يخرج الهاتف من جيب بنطلونه
الخلفي وأجاب متمتما ببرود
" ماذا تريد ؟ "
قال سريعا
" لا بالطبع "
دفن وجهه في عنقها وشعرها البني متمتما بذات بروده
" قسما يا سافل يا.... "
غرزت أسنانها في شفتها تسمع هذه المرة حديث الذي قاطعه
في الطرف الآخر قائلا بضيق
" اصمت يا قليل المروءة والتهذيب ، غيرت رأيي لا أريدك
أن تأتي يا حثالة كنعان .... وداعا يا مغفل وأخبرها فقط بأنه
لك حبيبة انجليزية لنغني لك أغنية وداعا يا صديقي .... "
وما أن فصل عليه الخط رمى الهاتف على السرير بإهمال وعاد
لدفن يده تحت خصرها النحيل الغض وعادت شفتاه للعبث
ببشرتها الناعمة يرسلها للجنون تشعر أنها تفقد قدرتها على
مقاومة سحبها لذاك العالم بقوة فدفنت وجهها في قماش
الملاءة أكثر هامسة بابتسامة
" ابتعد أريد أن أتنفس.. ألم يخبرك أحدهم سابقاً بأنك ثقيل "
فوقف حينها وسحبها موقفا لها بيد واحدة وأدارها نحوه
وقال ببرود
" يمكنك التنفس الآن يا كاذبة ؟ "
ابتعدت عنه خطوة وقالت تسحب الهواء لصدرها
ممسكة ابتسامتها
" أجل بعض الشيء "
نظر لها بحنق وأمسك خصره بيديه وأشار برأسه
خلفها وقال
" أريد أن أعلم لما رسمت تلك الرسمة السخيفة
فوق السرير ؟ "
نظرت خلفها وضحكت فورا تنظر للقلبين المرسومان
بأحمر الشفاه دمي اللون وكان ذات النقش الموجود على
الكوب الخزفي الذي اشتراه لها وسخر من الصورة
الموجودة عليه وقت عودتهما فحرمته من الشرب
معها فيه بسبب ذلك وخبأته حيث ظهر أنه يعلم بمكانه ،
نطرت له مجددا وقفزت نحوه متعلقة بعنقه بقوة وقالت
تغمض عينيها
" هذا لتعلم بأني آسفة ... "
وأغمضت عينيها بقوة تشعر بيديه تحيطان خصرها
وهمست مبتسمة
" آسفة فعلا لكل ما حدث صباحا وقلت ، أنا.... "
وابتعدت عنه مقاطعة نفسها ونظرت ليديها تشد سبابتيها
ببعضهما وقالت بصوت منخفض
" أنا كنت مستاءة و ... وكنت محقا لم يكن وقت حديث
في أي أمر حينها "
لامست أصابعه ذقنها الصغير ورفع وجهها له وقال
ناظرا لعينيها
" ماريا عليك أن تفهمي جيدا ما كنت أقوله ... تجنبي
ما تعلمي جيدا بأنه سيغضبني لا أريدك أن تُخرجي من
داخلي تيم الذي لا أريد أن تريه "
نظرت لعينيه بحزن ولم تعلق فمررا إبهامه على وجنتها
هامسا ونظره لازال على عينيها
" أنتي الحد الفاصل بين ماضي وحاضري ماريا ..
أنتي طفولتي ووالدتي التي فقدتها بسبب الجميع عداك ..
لا أريد أن أضعك في مرتبتهم ماريا لا تختاري ذاك لنفسك "
حركت رأسها نفيا عيناها تمتلئ بالدموع ببطء وارتمت في
حضنه تدفن وجهها في صدره تشعر بيديه تتحركان على
ظهرها برفق ورقة وأبعدت أصابعه خصلات شعرها البني
الناعم عن طرف وجهها تتخلله برفق وقبلاته تداعب خدها
ففكها فأذنها وتزداد عمقاً وشغفا ويده الأخرى تشدها لجسده
بقوة تشعر بصمودها يتهاوى وقد بدأت تفقد قدرتها على
مقاومته تباعا أصابعها تشتد على ياقة سترته تكاد تنزعها
عنه دون شعور أنفاسها تتصاعد تباعا لتصاعد أنفاسه
وأصابعه تلامس قفا عنقها تنزلق شفتيه لبشرة نحرها
الناعمة ، لا تنكر بأنها تتوق له وبقوة وشغف .. لأن تختبر
النوم معه وفي حضنه .. أن تنام وتستيقظ تنظر لعينيه
وترى فيهما تلك النظرة التي تخبرها بأن الأمر كان رائعا
وكنتِ فراشتي الجميلة التي لونت عالمي بعد تلك الليلة ،
تشتاق للحياة التي تجمعهما روح واحدة وجسدين أقرب
لبعضهما من الجميع لكن الأمر أصعب من أن يكون واقعا
فلا ظروفهما ولا مستقبلهما يسمح بهذا وإن طلبه هو
وأراده فهو كما سبق وقال يريد أن يعيش الحاضر فقط
دون أن يفكر في المستقبل مهما كان ما سيحدث فيه وما
يحمل لهما لكنها لا تستطيع كيف تسامح نفسها إن فقدته
بسببها هي أو كانت السبب في أن يصاب بأي مكروه ؟
ماذا إن حملت ابنه في أحشائها لمن سينتسب حينها وما
سيكون مصيره ؟ هل ستكون في مواجهة عباراته الغاضبة
كتلك التي كان يسمعها هو لوالدته وهو يعاتبها لزواجها
من رجل كان يعلم بأن مصيره الموت ؟ تربط مصيرها
ومصير طفل بمستقبل من دون أب ولا زوج ولا سند وهي
التي لا تعلم ما سيكون حالها بعده ؟ ارتخت أصابعها عن
ياقته تدفن وجهها في عنقه وهمست بصعوبة
" تيم أنت تفقد زمام الأمور ... على ماذا اتفقنا ؟ "
وحين لم تشعر بأي استجابة منه نزلت بيدها لساعده
وهمست تحاول فك نفسها من الالتصاق به تخرج يده من
تحت قميص بيجامتها الضيق المرتفع بسببها
" تيم أرجوك اتركني "
وما أن نجحت في الخلاص منه رفعت خصلات غرتها تسحب
الهواء لصدرها بقوة بينما تأفف الواقف أمامها بقوة ورفع يده
جانبا وقال ببعض الضيق ناظرا لها
" ماريا ما لعبة القط والفأر هذه ؟ "
رفعت نظرها له وقالت بضيق مماثل
" لا تلقي باللوم عليا تيم أنت من فعل هذا "
فتح زر قميصه من تحت الستره ومرر يده على عنقه
متأففا بقوة مجددا فتجمدت نظراتها على أحمر الشفاه الذي
كان أثره واضحا على بشرته البيضاء فأسدلت جفنيها الواسعان
على تلك الأحداق المليئة بالمرارة وما يقتلها أكثر أنه لا يمكنها
التحدث لا الاعتراض ولا الرفض
" ماريا علينا أن نجد لهذا حلا والآن "
رفعت نظراتها الخاوية له ما أن وصلها صوته الحازم
وتتمتمت ببرود
" حلا ماذا تقصد ؟ "
لوح بيده قائلا بضيق
" ماريا لا تتغابي "
قالت بحدة
" أنا لا أتغابى فكن أنت واضحا .. ما الذي تقصد بالحل ؟ "
أشار بيده جانبا جهة سريره وقال بحدة أكبر
" حلا لما لا تعلمينه عن الرجال بالطبع ، أنا لا يمكنني
التحمل أكثر ولا بدائل أتفهمين هذا ؟ "
نظرت له بصدمة هامسة
" ماذا تعني بالبدائل ؟ "
قال بضيق مجددا
" ماريا لا تكوني حمقاء "
فانفجر الغضب المكتوم والذي لم يعد يمكنها كتمه أكثر
قائلة بغضب
" توقف عن مناداتي بالحمقاء دائما ، تزوجتني مرغما
وتبقيني لأني وصية والدتك أفهم كل ذلك فتوقف عن إهانتي
دائما والتحدث عن العيوب التي تراها وحدك بي "
صرخ فيها من فوره
" ماريا توقفي عن الشجار العقيم "
قالت بغضب أشد
" أجل أنا من تفتعل الشجارات العقيمة دائما "
" ماريا ما بك ؟ "
كانت نظرته لها حانقة متسائلة هذه المرة أكثر من كونها
غاضبة لكن ذلك لم يطفئ غضبها الذي عاد ليطفو على السطح
قائلة بحدة
" حمقاء ما بي مثلا ؟ "
نظر لها بصمت وحنق فسبقته قبل أن يعلق قائلة بضيق
" أعلم لا تقلها .. عليا أن أخرج من هنا سأفعلها من دون
أن تطلبها "
وما أن أنهت عبارتها تلك غادرت الغرفة بخطوات غاضبة
نظراته الحانقة تتبعها وما أن وصله صوت باب غرفتها الذي
ضربته خلفها شتم هامسا بغضب وضرب الكرسي أمامه
بحذائه بقوة جعلته ينسحب بعيدا مصدرا صوتا مرتفعا
مزعجا ومرر أصابعه في شعره بعنف وتوجه جهة المرآة
ينزع سترته التي رماها بإهمال وفتح باقي أزرار القميص
يبحث في الدرج الذي فتحه بحركة عنيفة وما أن رفع نظره
لصورته في المرآة أمامه تجمد نظره على ذاك اللون العالق
ببشرته فرمى ما في يده بغضب وسحب منديلا معقما ومسحه
به بعنف يشتم هامسا من بين أسنانه ، وما أن رماه أمامه
بإهمال نزع القميص أيضا ورماه خلفه وهو يغادر الغرفة ،
وقف أمام باب غرفتها وأمسك بمقبضه وأداره ببطء وفتح
الباب فوقع نظره عليها فورا جالسة على الأرض تتكئ
بظهرها على مقدمة السرير تمسك إحدى مذكراتها في يدها
تضعهما في حجرها وتمسك بالأخرى قلم حبر تحركه بقوة
وعشوائية حركة غاضبة على ورق صفحتها المفتوحة أمامها
وبقربها طاولتها الزجاجية المخفضة التي تستخدمها أغلب
الأحيان للدراسه ، أدار أصابعه حول المقبض لازال يقف مكانه
وينظر لها حتى وصله صوتها قائلة بجمود وحالها لم يتغير
" غادر من هنا "
التوت شفتيه بابتسامة وتمتم
" وإن لم أفعل ؟ "
ضربت بقبضتها والقلم فيها على المذكرة في حجرها وقالت
بضيق دون أن تنظر ناحيته
" تيم لا أريد أن أراك قبل الصباح فابتعد عني أو لا تلقي
باللوم عليا إن أغضبتك مني "
تجاهل ما قالت ودخل الغرفة فوقفت ورمت المذكرة من يدها
على الطاولة بقوة وأتبعتها بالقلم وتحركت مجتازة له لتخرج
هي من الغرفة فأمسك بيدها وأدارها بقوة كادت توقعها أرضا
وشهقت بصدمة حين انحنى وأمسك بساقيها بساعده ورفعها
عن الأرض وأصبحت في لحظة فوق كتفه نصف جسدها يتدلى
على ظهره وتوجه بها جهة باب الغرفة وخرج بها من هناك
يمسك ساقيها بقوة كي لا تسقط بسبب مقاومتها متجاهلا
ضربات قبضتيها لظهره وجميع عباراتها الغاضبة وتوجه
بها لباب الشرفة الزجاجي المفتوح على طرف بهو الشقة
الواسع وضربه بقدمه فانفتح أمامه على اتساعه وخرج بها
هناك ورماها مديرا لها لتصبح معدتها على حافة سياجه النحاسي
المستدير ونصف جسدها العلوي في الأسفل وقال
" ماذا كنا نقول ماريا ؟ "
تمسكت أصابعها بنهاية حديد السياج وقالت بضيق
" لم نقل شيئا ولن نقول "
وما أن أنزل جسدها أكثر صرخت بشهقة مكتومة كي لا ينتبه
لهما ساكني المبنى المجاور وإن كان يفصلهم عنهم شارعا
عريضا ووصلها صوته مجددا
" ماذا كنت تقولين ماريا ؟ "
قالت بضيق ويداها تسقطان للأسفل تحت رأسها متدليتان
في الهواء
" إن وقعت فلن أموت وسأدعي عليك ما حييت لأنك ستكون
السبب في إعاقتي "
ابتسم وأنزلها أكثر حتى بات يمسكها بيد واحدة وقال
بصوت مرتفع
" ماذا تقولين ماريا ؟ "
حركت قدمها الحرة تحاول تثبيتها وقالت بحنق
" أحبك ... أحبك يا متوحش "
اتسعت ابتسامته يراقبها من الأعلى وقال
" وما الذي أقوله وأكرره دائما ؟ "
قالت من فورها وبذات ضيقها
" اتركني وشأني أكرهك تيم "
أبعد قدمها وقال
" ماذا ؟ "
صرخت من فورها بضيق
" تيم لي وحدي ... كنت تقول تيم لي وحدي "
رفعها حينها حتى وقفت على أرضية الشرفة الرخامية وسحبها
من يدها للداخل وأغلق الباب وما أن نظر ناحيتها رفع يده
الأخرى ووضع سبابته على شفتيه يأمرها بالصمت وهمس
" لن نظيف شيئا على ما قلته هناك في الشرفة ماريا مفهوم "
فزمت شفتيها وامتلأت عينيها بالدموع فأشار بسبابته لعنقه
وقال بجدية
" قسما لم يتجاوز الأمر هذا المكان ماريا ولم يكن الأمر
برضا مني فوالدها كان موجودا "
فارقت أول دمعة من رموشها الكثيفة ولكمت صدره بقبضتها
بقوة ... ولم تكن تلك آخر لكمة من قبضتها ولا آخر دمعة من
عينيها ولم يمنعها هو ولم يقاومها وكأنه يفهم جيدا ما عليه
فعله حينها فسرعان ما اتكأت بجبينها على صدره وضمها هو
بذراعيه يقبل رأسها يدفن بكائها الصامت وسط أضلعه وقال
بهدوء
" الوطن يحتاجني ماريا هل نفقده ؟ الأمر أكثر تعقيدا من
أن أتراجع فيه الآن فسأفقد حياتي أيضا حينها "
حضنت جسده بذراعيها تشد أصابعها على قميصه الداخلي
جهة ظهره بقوة وقالت بعبرة
" أعلم بأني سأفقدك نهاية الأمر ... أعلم ذلك ... حيا كنت
أو ميتا سأفقدك "
قبل رأسها ومسح على شعرها هامسا
" لا أحد ينتصر على الموت ماريا لقد خلقنا لنموت "
ابتعدت عنه وقالت بضيق لازالت الدموع تنساب من عينيها
الجميلتان
" توقف عن قول هذا تيم .. توقف وإن من أجلي ومن أجل
دموعي التي تبكيك حيا .. يالك من قاس ... أحمق ... أكرهك "
أمسك وجهها بيديه وقبل جبينها ومسح دموعها بظهر أصابعه
قائلا بجدية
" لن نتحدث عن ذلك مجددا حسنا موافق لكن ما كنا
نتحدث عنه في الغرفة لا وعلينا التحدث عنه الآن "
ابتعدت عنه بخطوتين للوراء وقالت بعناد وإصرار
" لا حديث بيننا أبدا في ذلك "
قال بتحذير آمر
" ماريااا "
لوحت بيدها قائلة بضيق
" أنا لا أريد هل ستجبرني ؟ لما لا تفكرون سوى في أنفسكم
أنتم الرجال ؟ "
نظر لها بحنق وأشار بسبابته للمسافة بينهما وحركها بشكل
مقوس حوله قائلا
" إذا لا تتخطي هدا الخط ولا تقتربي مني ولا تدخلي مجالي
بما أنك ترفضين ذلك أو لا اتفاق بيننا أبدا "
أولته ظهرها وتحركت جهة غرفتها من فورها متمتمه بضيق
" حسنا موافقة "
وما أن وصلت باب الغرفة التفتت له وقالت من هناك ترفع
سبابتها
" وإياك والتحدث مجددا عن البدائل أو أنا من سأرمي بنفسي
من الشرفة حينها ولا داعي لتتعب نفسك "
وما أن أنهت عبارتها تلك دخلت الغرفة مغلقة بابها خلفها بقوة
فزم شفتيه بابتسامة وحرك رأسه قبل أن يغادر جهة غرفته
متمتما
" إذا لا حل سوى الصبر يا تيم ...... سحقا لعقول النساء "
*
*
*
مدت رأسها فقط مميلة جسدها ونظرت من الباب المفتوح
للجالسة خلف مكتبها والتي رفعت رأسها ونظرت لها مبتسمة
ما أن قالت " كيف هي الخماصية الجميلة اليوم ؟ "
قالت تبادلها الابتسام
" مرحبا بزهرة الجنوبي "
ضحكت ودخلت قائلة
" ما هذا اللقلب الجديد الرائع ؟ "
ضحكت وقالت تنظر لها وهي تسحب الكرسي أمام مكتبها
" هذا ما يلقبك به خطيبك حسب حديث شقيقي عنه
فهو يسميك بزهرة الجنوبي "
جمعت يديها بجانب وجهها تدير مقلتيها بحالمية وقالت مبتسمة
" يا إلهي ما أروعه من رجل "
ضحكت غدير وجلست هي أمامها قائلة
" لما لا تخبريني أين أجده لأراه وإن من بعيد بما أنه
يعتصم عني ولم يطلب ذلك بنفسه "
رفعت كتفيها قائلة بابتسامة
" في الجنوب حاليا "
مدت شفتيها بعبوس فضحكت الجالسة أمامها وقالت
" طلب من شقيقي أن أعطيه رقم هاتفك "
اتسعت عيناها بصدمة وقالت
" قولي قسما ؟ "
ضحكت تلك مجددا قائلة
" قسما أني أعطيته له ودون أن أخبرك فحمدا لله أنك
لم تغضبي "
رمشت بعينيها تنظر لها فقالت مبتسمة
" وثمة أمر آخر يخص جنوبي آخر "
همست باستغراب
" من !! "
اتسعت ابتسامتها وهي تقول
" صديقك القديم المغبر بالطبع "
تجعدت ملامحها وتمتمت بحنق
" ما أبرعك في تعكير المزاج الرائع "
ضحكت وقالت
" يبدوا لي قد يتغير حديثك عنه ورأيك فيه بعدما تعلمي
ما سأقوله "
نظرت لها بتفكير لبرهة قبل أن تقول
" من أين تعرفينه أنتي ؟ هل درس معك أيضا ؟ "
حركت كتفيها قائلة
" كلاهما أكبر مني ببضعة أعوام وعلى العموم الأمر يخص
قبولك هنا في الجامعة "
رمشت بعينيها متمتمه
" لم أفهم !! "
ابتسمت الجالسة أمامها وقالت
" ثمة ورقة تم طلبها من جامعتك السابقة تخص أسباب
خروجك منها ومعدلك في موادك هناك "
نظرت لها بصدمة قبل أن تقول بضيق
" ولما كل هذا ؟ أهي ثكنة عسكرية عليا جلب حسن
سيرة وسلوك وشهادة براءة ليتم قبولي فيها ! "
رفعت كتفيها قائلة
" إنها قوانين الجامعة يا زهور وأنت انتقلت من جامعتك
السابقة منتصف العام تقريبا "
ضربت بقبضتها على الطاولة بينهما قائلة بضيق
" لا تقولي أن ذاك الجنوبي المغبر أفسد الأمر عليا ليعيدني
هناك أو يحرمني من الدراسة هنا ؟ أعلم بأنه سيفعلها فمادته
وحدها التي لم أعد أحضرها مؤخرا "
حركت رأسها بالنفي مبتسمة وقالت
" لا بل العكس تماما "
نظرت لها بعدم استيعاب فقالت مبتسمة
" الأوراق التي تم تقديمها كانت بخط يده وأهمها بأنك
أول طالبة يمنحها الدرجة كاملة في مادته والتزم بأن يوثق
نيابة عن أساتذتك شهادة لصالحك وبأنك من الطلبة المتفوقين
في قسمك "
نظرت لها بصدمة فاغرة فاها وهمست
" أويس عبد الجليل غيلوان لا أحد غيره تقصدين !! "
حركت رأسها إيجابا تمسك ضحكتها فقالت تحرك كفها أمام
وجهها وكأنها صورة مشوشة تنقيها
" قولي أن الشتاء سيأتي قبل الصيف القادم سأصدقك أكثر "
ضحكت وقالت
" صدقي فذاك ما حدث فعلا "
لوحت بيدها قائلة ببرود
" حسنا أنت مبدعة في المزاح فعودي غدير السابقة
فهي أجمل "
ضحكت مجددا وقالت ترفع إحدى الأوراق وتمدها لها
" ها هي خذي لتتأكدي "
أخذتها منها فورا وما أن قرأت أول أسطر فيها رفعت نظرها
لها فاغرة فاها بصدمة فأشارت لها بيدها أن تتابع القراءة
فعادت حدقتاها السوداء للتنقل في تلك الاسطر المرتبة بخط
أنيق لم يدخلها اي شك أن يكون خطه فهو كان يدرسها وهذا
النوع من الخطوط المميزة لا تنساه ، رفعت نظرها لها ما أن
انتهت من قراءة تلك المعجزات المتتالية فقالت تلك مبتسمة
" ها .. ما رأيك الآن ؟ "
بلعت ريقها وهفت بالورقة على وجهها الذي كانت تشعر به
يشتعل وقالت بابتسامة باهتة
" يبدوا لي معك حق وتغير رأيي به لكن قليلا فقط "
ضحكت وقالت وهي تقف
" كل هذا وقليلا فقط يا ناكرة ؟ "
وقفت أيضا وقالت بضيق
" ليس ذنبي فهو لم يعطيني أي مجال لأتقبله كمخلوق بشري "
وتابعت تنظر باستغراب لما كان موضوعا على طرف طاولة
مكتبها
" هذه أليست البطاقة التي أحضرتها لك زوجة الزعيم مطر
سابقا ؟ ألم تعطيها لصاحبها ! "
نظرت لما تتحدث عنه وقالت
" بلى لكنها لم تعد تخصه إنها دعوة موجهة لي لحضور حفل
افتتاح برج القمة التجاري الجديد "
اتسعت عيناها بصدمة وقالت تنظر لها
" أنت مدعوة لحضور الحفل ! "
نقلت نظرها لها وأومأت بنعم فتأوهت قائلة بحسرة
" آه يا الهي ما أسعدك بمن يحقق لك ذلك لابد وأنه ذاك
الوسيم المدعو قائد "
أسدلت جفناها الواسعان بحزن تخفي ما يمكنها إخفائه هامسة
" بلى إنه رائع ... رائع وفي كل شيء ويمكنك أن تحسدي حتى
أصدقائه عليه "
تنهدت بعمق قائلة دون أن تنتبه لكل ذلك
" يا إلهي كم أنت محظوظة بكل هذا فذاك المشروع الضخم
لن يحضر افتتاحه أيا كان "
وما أن أنهت عبارتها تلك توجهت جهة الباب مسرعة وملوحة
لها قائلة
" أراك لاحقا يا جميلة "
وغادرت نظراتها الحزينة تتبعها قبل أن تنتقل للبطاقة الأنيقة
المدعمة بالخشب وتدلت الدمعة اليتيمة من رموشها تتذكر
المكالمة التي سمعتها بينه وبينها مصادفة في مكتبه عن قضية
الطلاق ، رفعت رأسها ومسحت دمعتها وجلست على كرسيها
وأخرجت هاتفها من حقيبتها واتصلت بشقيقها فورا .
*
*
*
أخرجت قدمها من المياه ونزلت بها على الأرضية الرخامية
اللامعة لتنزلق قطراته عليها وتركتها بقع متساوية خلفها وهي
تترك حوض الاستحمام قطرات الماء المنزلقة من شعرها الطويل
المبلل لم يوقف تناثرها خلفها سوى قماش روب الحمام الناعم
الذي لفته حول جسدها بقوة متشبثة به وارتجفت أصابعها وهي
ترفع يدها لغرتها المبللة تبعدها عن وجهها تسحب الهواء
لرئتيها في شهقة صغيرة واتكأت بطرف كتفها على الجدار
الرخامي قربها وأراحت يدها على برودته لتنزل دموعها مجددا
تتعالى شهقاتها معها تباعا تحاول كتمها بأصابعها المرتجفة ..
لا تصدق أن ما حدث كان مجرد كابوس .. كان كابوسا مريعا
رغم أنه حقيقي ... حقيقة حدثت أمامها وتيقنت للحظات من أنها
خسرته واختارت بالتالي أن تخسر حياتها خلفه فإما أن يعيشا
فيها معا أو أن تتركها معه ، ضربت بكفها على الجدار هامسة
بعبرة
" لماذا يا غسق ؟ لما تشعري بكل هذا سحقا لك ...
ماذا إن مات وإن فارقك للأبد ؟ وإن يكن يا حمقاء ؟ "
نزلت للأرض ببطء تشعر بأنها تفقد قواها مجددا وهي لم
تسترجعها بعد تنظر للفراغ بضياع لم تمسح ولا الدموع التي
اختلطت بالمياه المنسابة من شعرها تسابق بعضها فوق تلك
البشرة الثلجية الناعمة فها هي مجددا تنهار .. تحتاجه وتغرق
في دوامة من السواد ليعيدها هو منها ولتجد نفسها مبللة في
حضنه ليثبت لها في كل مرة بأنه الهواء الذي تضيع من دونه
تتشتت تنتهي وتتلاشى كالنهار ، فقدت الحياة حين فقدته مرة
وإن كانت ما تزال فيها ترى وتتنفس وها هو يثبت لها بأنها
ستخسرها نهائيا إن خسرته مجددا وبأن الحياة تتوقف عند
ابتسامته وهمساته الرجولية المبحوحة المميزة ولمساته الرقيقة
الدافئة .. بأنه إن اكتسح حياة امرأة لا يمكنها تركه يخرج منها
تبتسم له برضا لأنه لن يخلف خلفه سوى الدمار والضياع وامرأة
محطمة كليا تبكيه حتى تموت تتمسك به بكل ما تملكه وإن كان
قاتلها ومعذبها .
مسحت عينيها ووجنتيها بقوة ووقفت تستند بالجدار قربها
ما أن سمعت حركته في الخارج ودست يديها بحركة بطيئة
في أكمام الروب الزهري القصير وشدته حول جسدها النحيل
المتناسق وربطت حزامه وتحركت جهة الباب تحاول إخراج
شعرها من تحته أو ما استطاعت إخراجه منه ، وما أن أدارت
مقبضه وفتحته هربت بنظرها ووجهها من الواقف أمامه تماما
يسند يده بالجدار المحاذي لإطاره يسد الباب أمامها بجسده
الطويل وصدره العريض ، رفعت يدها ومررتها في غرتها
المبللة قبل أن تمرر ظهر كفها على أنفها لازالت تتجنب النظر
له وقد أخفت ارتجاف جسدها بصعوبة حين شعرت بملمس
أصابعه على أطراف أناملها وهو يبعد يدها عن وجهها ببطء
أصابع يده الأخرى تخللت خصلات غرتها الطويلة المبللة ورفع
وجهها له ببطء وهمس ناظرا لعينيها ورموشها المبللة
" متى ستتوقف هذه يا غسق ... ؟ توقفي عن تعذيبي بها
أرجوك "
أنزلت وجهها مجددا وأمسكت يده تبعدها عن وجهها ببطء
هامسة ببحة حزينة
" أنا من يسألك متى ستتوقف هذه التي لم أكن أعرفها قبل
أن أعرفك يا مطر "
أمسك وجهها بكلتا يديه وانحنى له يقبل خدها برقة انتقلت
للشغف سريعا وكأنه لم يختبر فعلها سابقا ، وما أن تسللت
يده الأخرى لظهرها نزولا لخصرها النحيل يشدها ناحيته علمت
بأنها ستنهار وتضعف مجددا ومجددا وككل مرة ما كان يجب
وحتما سيحدث ما أن انتقلت قبلاته لطرف شفتيها وداعبت شفتيه
شفتها بحرفية رجولية رقيقة جعلتها تستسلم سريعا وجذبها
لحضنه يحول الأمر لشغف رائع رغم قسوته على ذاك القلب
الرقيق المذبوح به وله وبسببه .
وما أن ارتخت يديه عنها بسبب ابتعادها البطيء عنه
رفعهما لوجهها ينظر لرموشها المسدلة على عينيها وهمس
" لازلت متعبة يا غسق ؟ هل أطلب الطبيب ؟ "
حركت رأسها برفض دون أن تتحدث أو ترفعه له فأبعد
خصلات غرتها الرطبة خلف أذنها هامسا
" بماذا تشعرين إذا ؟ تبدين لي لست بخير حتى الآن "
رفعت أناملها لطرف غرتها الآخر تدس خصلاتها أيضا
خلف أذنها وهمست ببحة
" جائعة "
فابتسم من فوره وشدها لحضنه تتكئ على صدره وقال مبتسما
ويده تمسح على شعرها الرطب
" جائعة فقط ؟ تجوع زوجة رئيس البلاد ! تجوع قلب
مطر وهو حي يتنفس ؟ "
سار بها نحو بهو المنزل الخشبي الصغير المطل على البحر
وما أمر ببنائه هنا وهكذا من أجلهما فقط في منطقة باتت
محضورة عن الجميع منذ أن اختارها له وحتى الحراسة
المشددة حولها تبعد لمترات عديدة عنهما ، وصل بها لطاولة
مستديرة حولها كرسيان فقط مليئة بالأطباق المغطاة بأوراق
القصدير تحوي الطعام الذي لم تراه ولم تشم ولا رائحته في
المكان ! وما أن أجلسها على الكرسي الذي سحبه لها قال وهو
يخرج الهاتف الذي بدأ بالرنين من جيب بنطلونه
" الخزانة في الغرفة تحوي ملابس جديدة وضعت هنا
لك لكن تناولي طعامك أولا "
وما أن أنهى عبارته تلك تحرك من خلفها مبعدا يده عن ظهرها
ببطء كحركته تلك وتوجه جهة الواجهة الزجاجية المقابلة للبحر
نظراتها تتبعه وهاتفه على أذنه يتحدث مع من يبدوا أنه تحدث
عن فحوى الموضوع مباشرة دون مقدمات ووقف هو يستمع
له بصمت يده الحرة تتخلل شعره الأسود الكثيف نظره على
الأمواج المترامية على رمال الشاطئ القريب ، أبعدت نظرها
عنه للأشياء الفضية اللامعة أمامها وأبعدت القصدير عن أقرب
طبق لها وبدأت تأكل منه ترفع اللقمة ببطء وتمضغها ببطء أكبر
وكأن قواها خارت عن فعل أي شيء ولا تنكر أن كل عصب فيها
لازال يرتجف حتى الآن ، تابعت طعامها منشغلة به عن كل شيء
حولها حتى الواقف هناك والذي لم تنتهي مكالماته المتتالية التي
يبدوا أن ما ورائها أمرا مهما يخص البلاد لم تهتم لأن تنتبه له
ولا أن تعلمه لكن ما جعلها تدير رأسها جانبا وتنظر له كان
تحركه من مكانه ما أن ذكر أن اسم المتصل عمير وخرج من
الباب الزجاجي المفتوح وابتعد حتى لم تعد تسمعه ، ورغم أنه
لم يتعمد خفض صوته إلا أنها تشعر بأن ثمة ما لم يكن يريدها أن
تسمعه ولم تهتم أساسا فإن كان الحديث عن مدن صنوان
المتمردة فهي أكثر منه لا تريد سماع ما يقول .
وقفت وتركت المكان وجهتها باب الغرفة الوحيدة هناك ودخلتها
وتوجهت للخزانة فورا دون أن تنظر لباقي تفاصيلها الفخمة
المميزة ، فتحتها ووقفت أمامها وحاجباها الرقيقان ينعقدان ببطء
تنطر لما قال بأنها ثياب موجودة فيها ومدت يدها لها وبدأت
تخرجها بالقطعة وتعيدها ولولا أنها كانت جديدة بالفعل لأقسمت
بأنها تخص امرأة أخرى فلما هذا التعمد في اختيار هكذا ملابس
تحديدا ! فتشت بعنف بين تلك الثياب المعلقة فعن أي ثياب يتحدث
يمكنها ارتدائها ؟ نزعت إحدها بحركة غاضبة ولا تفهم بسبب
هذا أم بسبب ذاك الشعور الكريه وعقلها يصور لها أن هذا المكان
لم تكن أول من زارته ، استغفرت الله بهمس مستاء ولبست ما
يمكن تسميته بنطلونا والذي لم يصل طوله لركبتيها أو ليغطي
كامل فخذيها .. لبست القميص الأبيض الذي رغم اتساعه قليلا
إلا أنه بالكاد أخفى جسدها تحته .. حتى أنه من دون أكمام
لكنهما خيارها الأفضل على ما يبدو .. ومما ستخجل مثلا وبعد كل
ماذا ! التفتت بسرعة جهة باب الغرفة الذي انفتح فجأة وللداخل
منه من شملتها نظرته حتى قدميها فأنزلت رأسها ونظرت للأسفل
والتصقت بالخزانة المغلقة خلفها وخطواته تقترب منها حتى كان
أمامها مباشرة ومرر يده على خصرها وشدها له وقبل خدها
يحرك شفتيه جهة أذنها هامسا بخفوت
" ألا يوجد شيء لا تكونين فيه رائعة ؟ "
مررت يدها في خصلات طرف جبينها هامسة أيضا لكن ببرود "
ما الرائع في ثياب المراهقات هذه ؟ "
ابتسم وشد رأسها ليتكئ على صدره وقبله قائلا
" الرائع فيها أنك كمراهقة تماما بها ومن الغريب أني أصبت
قياسك فكم ظننت بأني فاشل في هذا ! "
ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقالت ببطء ظنت أن الكلمات لن
تخرج معه
" أنت من اشتراها ؟ "
نظر لها باستغراب عاقدا حاجبيه وقال
" أجل .. أكنت تتوقعين أن أطلب من أي رجل أن يشتري
ثيابا لك ؟ "
أبعدت نظرها عنه ونظرت جانباً تعاند الكلمات مجددا وهي
تهمس ببحة
" كم منزلا تملك في البلاد يا مطر ؟ "
تنقلت نظراته في ملامحها التي تشيح أغلبها عنه وقال
" غير منزل عائلتي هذا فقط ولم أدخله إلا اليوم "
لم تعلق ولم تنظر له وجفناها ينسدلان على تلك الأحداق ببطء
وقد لاحظ شدها لأصابعها بقوة فمد يده لذقنها وأمسكه وأدار
وجهها ناحيته ورفعه له حتى نظر لعينيها بل وجعلها هي تنظر
لعمق عينيه وقال بهدوء
" غسق لما لا تفكري بصوت مرتفع وترحمي كلينا ؟
لم تدخل امرأة غيرك هنا ولن يحدث "
أنزلت رأسها ونظرها محررة ذقنها من ملمس أصابعه وهمست
بابتسامة متألمة
" أود أن أصدق من يعترف بلسانه بالعكس لكنها معجزة لا
أستطيع منحها لنفسي "
رفع يده لوجنتها هامسا بجدية
" غسق عليك نسيان كل ما قيل وحدث سابقا مفهوم ؟ "
رمت يده عنها ورفعت نظرها له قائلة بحدة
" لا أستطيع .. لا تطلب مني المستحيل يا مطر "
قال بحزم
" اتركينا نتحدث إذا واستمعي لأسبابي "
لوحت بيدها صارخة بغضب
" لا سبب يبرر الخيانة يا ابن شاهين لا سبب أبدا ولا تتحدث
مجددا عما لم تجربه "
أمسك وجهها ورفعه له وقال بحزم
" استمعي لي ثم احكمي "
أبعدت يديه عنها بقوة صارخة
" لاااا ... ابتعد عني "
شدها من ذراعها بقوة وقال بأمر
" غسق ستستمعين لي الآن ورغما عنك "
حركت ذراعها بعنف تحاول الفكاك منه حتى نجحت في ذلك
وقالت تشير لنفسها والدموع تتجمع في عينيها الواسعة
" إن كنت تريد أن أكرهك ما عشت فافعلها يا مطر وبرر لي
عن بطولاتك مع النساء فلا شيء يغفر لك في قلبي ..
في القلب الذي تركته ينزف دون أن تهتم وتريد الآن
وبكل بساطة بل ووقاحة أن يستمع ويغفر ويسامح وينسى
وكأن ما حدث لم يكن ! لو كنت مكاني أكنت تستمع أكنت تغفر ؟
أكانت ستسمح لك كرامتك وكبريائك بذلك ؟ "
أمسك وجهها بيديه وقبل جبينها ونظر لعينيها الغاضبة المليئة
بالدموع المتحجرة في تلك المقل الواسعة وقال
" قلنا حتى يحين الوقت يا غسق لا تنسي بأنك وعدتني
وأنا سأنتظر "
وما أن أنهى عبارته تلك أمسك بيدها وخرج بها من الغرفة بل
ومن باب المنزل وسار بها جهة الشاطئ حيث كان الهواء القوي
المنعش في استقبالهما والشمس الباهتة المستديرة تفارق الأفق
ببطء تختفي خلف تلك المياه ترمي بحمرتها المميزة على مياهه
في مشهد لا يضاهى ، قال وهو يقترب بها من الشاطئ
" لما لا تختبري مياهه مجددا ولكن بطريقة ألطف من سابقتها "
قالت بضيق تحاول سحب يدها منه تكاد تركض مجارية خطواته
" مطر اتركني لا أريد أن أدخله مجددا "
تجاهلها يسحبها مرغمة وما أن وصل بها للرمال المبللة وقف
وألتفت لها وانحنى لساقيها ورفعها بسرعة وخفة رغم تمنعها
واعتراضها وهي تحاول النزول قائلة بضيق
" مطر توقف عن الجنون .. أهذا ما يفعله من يخطط لأن
يكون جداً عما قريب ؟ "
نظر لها مبتسما وهو يقترب من المياه وقال
" حسنا الدور يليق بمطر شاهين لكن ثمة من لن يليق بها أبدا
أن تكون جدة فلتجد حلا لنفسها "
لكمت صدره لازالت تحاول الفكاك منه وقالت بضيق أشد
" لا حل سوى الرفض ولعلمك فقط أني لست موافقة ولن
أكون راضية عن هذا الزواج ما حييت "
رماها في المياه مبتسما على صرختها المصدومة وقال ناظرا
لها جالسة ونصفها تحت الماء تبعد شعرها بضيق
" لا تكوني حماة سيئة وتكدري حياة الرجل فهو يحب ابنتك "
رفعت نظرها له وقالت بحدة
" أحبته عاصفة غاضبة تقتلعه من جذوره ، ألا يخجل من نفسه
ويرى فارق العمر بينهما ؟ أيتزوج من طفلة ! "
انحنى جهتها وأمسك بيدها ورفعها له دون أن يوقفها وقال
مبتسما ينظر لعينيها
" لو أنك دخلت حدودي في مثل عمرها لكنت تزوجتك وما تركتك
تنامي بعيدا عني "
قالت بضيق تحاول سحب يدها منه
" كنت ستكون أصغر منه حينها ، ثم ما المفخرة في ذلك ؟
أنا وأنا ابنة التاسعة عشرة كدت توقف قلبي ليلتنا الأولى فما
سيكون مصير ابنتك ؟ "
ابتسم لذكرى ما حدث والتفت أصابعه حول أناملها أكثر وقال
" وضعهما مختلف طبعا يا جبانة "
سحبت يدها منه بقوة أكبر قائلة باحتجاج غاضب
" ما المختلف غير أنها أصغر مني بخمسة أعوام وقتها ؟ "
وكانت النتيجة أن خلصت يدها منه لكن ليس بقوتها هي بل
لأنه تركها فكانت النتيجة الأسوأ أن وقعت للخلف في المياه كليا
بسبب ارتداد جسدها وهي تسحبه فمالت بجسدها جانبا وأخرجت
نفسها بسرعة وساعدها الذي أوقفها ضاحكا وقال
" مختلف طبعاً لأنها تحبه عكسك وقتها ، ومختلف في أنه لا
يشبه مطر شاهين حينها أيضا ... أيرضيك هذا ؟ "
استلت يدها منه جسدها يقطر بالمياه وشعرها ملتصق بوجهها
تنظر له بحنق وقالت
" ألا تخجل من نفسك وأنت تقول هذا ؟ ما الذي تعرفه ابنتك عن
حب الرجال وجروحهم ؟ إن كانت والدتها فاشلة في ذلك فكيف
بها هي ؟ "
مد يده لوجهها ولامست أصابعه خصلات غرتها المبللة وقال
مبتسما بمكر " أي فاشلة هذه التي أوقعت ابن شاهين نفسه
في مصيدتها ؟ "
ضربت يده مبعدة إياها عن وجهها وهامسة من بين أسنانها
" مغرور "
ابتسم ومد يده لخصرها وأمسكها وسحبها منه نحوه فخلصت
نفسها مما ينوي فعله سريعا متمتمة بضيق
" ابتعد عني يا مطر "
وتراجعت للخلف بعيدا عنه في المياه تنظر له وقالت
بضيق أشد
" وبما أننا مستمران في مسيرة النكد هذه أخبرني الآن
وفورا لما فعلت ما فعلته وأنت تمثل الانتحار أمامي "
أمسك خصره بيديه وحرك رأسه قائلا
" أنا لم أمثل ولم أنتحر أساسا ، ما الذي يجعلني أخسر
آخرتي بما أنك موجودة "
صرخت فيه من فورها
" توقف عن الكذب "
أشار بيده جانبا حيث عرض المحيط وقال بضيق
" حسنا يا صادقة ما جعلك أنت تلحقي بي يا حمقاء وأنت
لا تجيدين السباحة ؟ "
رمت يدها جانبا أيضا قائلة بحدة
" وما كنت تتوقع مني وأنا أراك تختفي تحت المياه ؟
لقد كدت تقتلني من الخوف قبل الغرق .. ماذا كنت سأفعل مثلا ؟
أنتظر طائرا أسطوريا يأتي لينتشلك من المياه ! "
لوح بكفه بجانب وجهه قائلا بضيق
" لا يا ذكية بل ثمة رجال يحرسوننا كنت تستطيعين
الاستنجاد بهم أو حتى البقاء مكانك بدلا من الإلقاء بنفسك
في البحر وأنت موقنة من أنك لن تستطيعي الخروج منه
يا غسق ، كان عليك أن تحكمي عقلك قبل أن ترمي بنفسك
للهلاك "
نظرت له باستنكار وضربت بقدمها داخل المياه قائلة بحنق
" أهذا ما أستحقه منك ؟ أهذا ما كنت تريده أن أقف
وأتفرج عليك ؟ "
ضرب بأطراف أصابعه جهة صدغه قائلا بذات ضيقه
" كنت أريدك أن تفكري بعقلك .. بهذا .. قبل أن تقرري
فيما يخص مصيرك يا ابنة دجى الحالك "
رمت يدها صارخة فيه بغضب
" وما شأنك أنت بي أموت أو أنتهي من الوجود ؟ "
وسحبت نفسا طويلا تنظر له من بين الدموع التي بدأت باكتساح
مقلتيها الواسعة فقال بضيق
" غسق لا تأخذي الأمر بعاطفية فأنا إن كنت مكانك ما دخلت
البحر خلفك وأنا لا أجيد السباحة "
حركت رأسها بطريقة ساخرة وقالت متشدقة
" شكرا لك "
قال من فوره وبحزم
" أجل شكرا لي فثمة حلول كثيرة كنت سألجأ لها بدلا من أن
يفقد أحدنا الآخر كما كنت ستفعلين "
صرخت فيه من فورها
" بل لأنه لا يمكنني أن أكون بلا قلب ومتحجرة مثلك "
بادلها الصراخ بالمثل راميا بيده
" غسق توقفي عن التفكير بحمق فإن كان ثمة من سأدفع
عمري من أجله فسيكون أنت "
" كاذب "
قالتها صارخة دون تردد ولا انتظار فصرخ فيها أيضا
وكأنهما يتبارزان في ذلك
" كاذب كاذب .. لن تقرري عني أنا أعرف نفسي جيدا "
قالت بضيق
" حسنا آسفة لأني قلقت عليك وكنت سأفقد حياتي لأخرجك
أو نموت معا "
قال من فوره عاقدا حاجبيه بضيق
" أسفك مقبول ولا تكرريها مجدداً ومع أي كان وفي أي
موقف مختلف مفهوم "
رمت يدها جانبا قائلة بضيق
" استثني نفسك ولا علاقة لك بأحد آخر "
لوح بسبابته نحوها قائلا بحزم
" غسق لن تجدي من ينقذك من الهلاك الذي سترمين نفسك
فيه في كل مرة تذكري هذا جيدا ، وتذكري أيضا بأن الندم لا
يصلح شيئا انكسر وانتهى كما أن الموت ليس المأساة الوحيدة
التي تنهي الإنسان فثمة من يعيش يتمنى الموت ولا يجده ولومه
لا يتعدى نفسه ... تذكري كل هذا حين تمرين بموقف مشابه
مستقبلا "
حركت رأسها قائلة بضيق
" ماذا تقصد بكل هذا ؟ لما لا تكن واضحا "
أشار بسبابته لرأسه قائلا بحزم
" أقصد أن تفكري جيدا يا غسق وبعقل قبل أن تقرري ما تعلمين
مصيرك فيه فكيف ما تجهلينه ؟ "
نظرت له بصمت تسحب أنفاسها لصدرها بقوة أبرزت تفاصيلة
من تحت القماش الشفاف المبلل فأشار للبحر متابعا بحزم
" إن كان من أجل مطر شاهين الذي تكرهينه رميت نفسك في
البحر فكيف من أجل من تحبينهم ؟ "
همست بوجع والدموع الحارة تملأ عينيها مجددا
" إن كنت أكرهك ما فعلتها "
نظر لها بصمت فسحبت الهواء لصدرها بقوة ورفعت يدها
لوجهها تمسح بظهر كفها عينيها بقوة ورفعت رأسها قائلة
بجمود
" لكن في القادم أعدك أن لا أفعل وأن أكون مثلك "
وما أن أنهت عبارتها تلك غادرت بخطوات غاصبة ترمي
شعرها الملتصق بجسدها بحركة عنيفة تراقبها نظراته
حتى دخلت من الباب الزجاجي المفتوح فمرر أصابعه في
شعره متأففا نفسا طويلا فلا شيء يجدي معها أبدا وعليها
أن تعيش ذلك واقعا وتندم لتتعلم على مايبدو رغم أنها
اختبرته سابقا وهي تدخل حدوده .
تحرك أيضا جهة ذات الباب ودخل ونظر فورا لباب الغرفة
المفتوح ، أغلق الباب وتوجه نحوه وما أن دخل ابتسم ببطء
وخطواته تقترب من التي كانت تعصر شعرها تتمتم بغضب والتي
ما أن وصل عندها كانت قد انتقلت لأزرار القميص الملتصق
بجسدها تفتحها فوقف خلفها مباشرة وأدار يديه حولها وأمسك
يديها وأبعدهما عن أزراره التي لم تفتح منها سوى واحدا
وهمس وأنفه وأنفاسه تداعب عنقها
" لما لا تتركي هذا لي ؟ "
أمسكت يديه التي بدأت أصابعها بفك أزرار قميصها وهمست
ببحة ورجاء خافت
" مطر ابتعد "
فك الزر التالي هامسا قرب أذنها
" لا تطلبي المستحيل من مطر "
*
*
*
|