كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
*
*
*
وقف أمام باب الغرف المفتوح ونظر للتي كانت تجلس
على السرير تحضن ركبتيها وتدفن وجهها فيهما فتنهد
بأسى ودخل وجلس بقربها على السرير ومسحت يده على
شعرها قائلا بهدوء
" تيما ارفعي رأسك وانظري لي "
فرفعته ببطء لتظهر له تلك العينان المجهدة من البكاء
وتابع بجدية
" مؤكد تعلمي بأن والدتك تفعل كل ذلك من أجلك يا تيما
فهي تخاف عليك وتحبك كما أنها غاضبة مني وليس منك
مهما عبرت عن ذلك ناحيتك "
تدحرجت دمعتها وهمست بعبرة
" بل من كلينا أبي بل والجميع .. أنا... أنا ما كان علي ...
ما كان علينا إخفاء الأمر عنها أبي هي غاضبة مني أيضا
لأني اخفيت ذلك عنها ولأني أوافقك في تحديد مصيري
لكني أؤمن بأنه لك أسباب وإن لم تشرحها ، أنت لم تجبرني
على الشخص الذي سأتزوجه لكن... لا يمكنني لومها أبي "
مرر يده على شعرها وشد رأسها ليتكئ على صدره وقال
ماسحا على شعرها الأسود الناعم
" أجل من حقها أن تغضب .. كنت سأطلعها على الأمر بعد أن
آخذ موافقتك لكن الأمر حدث ولا نفع من الندم عليه الآن "
ابتعدت عنه وأمسكت يده وقالت برجاء باكي ناظرة لعينيه
" أبي لا تغضب منها أرجوك ومهما قالت .. هي تحبك أنت
تعلم ذلك "
حرك رأسه ببطء هامساً
" لا يا تيما لن أغضب منها "
رفعت يدها وأصابعها المرتجفة لشفتيها هامسة ببكاء
" كله بسببي أنا المخطئة أنا من... "
وانحنت جهة الوسادة وحضنتها بقوة تدفن وجهها وبكائها فيها
فمسحت يده على شعرها وما أن كان سيتحدث أوقفته اليد التي
أمسكت كتفه فنظر فوقه للذي ابتسم له من فوره وقد أشار
بسبابته والوسطى على كتفه وكأنه يقول له لا تأخذ مكان
غيرك ورتبته فابتسم له ووقف وربت على كتفه وغادر
مغلقا الباب خلفه وتاركا بالفعل الدور لصاحبه .
*
*
*
أغلقت باب الخزانة واتكأت عليه بجبينها وراحة يدها ..
قسما لا يمنعها شيء عن مغادرة هذا المكان سوى والدها
فلا تريد أن يشعر بأنها تهدد بهذا ولا تهتم بأمره ولا برأيه
ووجوده وهي التي لا تصدق أنها وجدته أخيرا ، شدت أناملها
تقبضها على الخشب المصقول وأغمضت عينيها تسحب أنفاسها
بقوة تشعر باختناقها يزداد وكأن الهواء سُحب من المكان بأكمله
، فالتموت إذاً ما نفعها في هذه الحياة وما مكانها في حياة
من حولها ؟
ابتعدت تمسح عيناها بظهر كفها بقوة والدموع التي لم تفارق
رموشها بعد ما أن سمعت تلك الطرقات على باب غرفتها فرفعت
غرتها خلف أذنيها وجلست على طرف السرير تنظر للأرض ما
أن انفتح الباب ووقف أمامه الذي نظر للحقيبة المرمية تحت
قدميها قبل أن يرتفع نظره للتي كانت تسند كفيها على السرير
تحتها تنظر لها بشرود نظرة جامدة خالية من أي تعبير فقال
وهو يقترب منها وبنبرة تشبه تلك النظرة الخاوية في عينيها
" ماذا يا ابنة دجى ؟ من تقررين معاقبته بهذا ؟ "
ووقف على بعد خطوات منها ما أن خرج همسها المخنوق
" لن أخرج من المنزل وأنت فيه أبي إلا لو كنت معي بل ما
يجعلني أتمسك بالحياة وجودك فيها "
عقد حاجبيه قائلا بضيق
" كيف تقولين هذا يا غسق ؟ إن فرضنا بأنك غاضبة من
ابنتك فماذا عن ابنك الذي ترك حتى عائلته قادما خلفك
ومن أجلك ؟ "
ابتسمت بسخرية ومرارة وقالت ونظرها لم يفارق الحقيبة
الفارغة تحتها
" لا تخف بشأنه فابن شقيقك قادر على جعله نسخة أخرى
عنه وعن ابنته وسيعلمه كيف يعصيني ويقرر وينفذ من
ورائي وأتحول لشخص لا أهمية له في حياته "
شد قبضتيه بجانب جسده بقوة وقال بذات ضيقه
" غسق هل أفهم لما ينتقل السواد الذي تحيطين مطر به
لكل المحيطين بك ؟ "
ضربت بيديها على طرف السرير تحتها حيث تستند بهما
وقالت بضيق أكبر ولم ترفع نظرها به
" أبي توقف عن الدفاع عنه وعنها أرجوك فأنا المخطئة
أعلم لا تذكر لي هذا لا أريد سماعه من شفتيك تحديدا "
قال من فوره وبحدة
" أنا لم أقل أنك مخطئة ولن أقولها يا غسق لكن اللوم
ليس على تيما وحدها في هذا فأنت من أبعدها عنك "
نظرت له هذه المرة وهي تقول بذات ضيقها
" أبي هل أفهم أي نوع من إلقاء اللوم هذا وتقول بأني
لست المخطئة ؟ "
قال مباشرة وبجدية تشبه نظرته القوية الحازمة لعينيها
" وإن قلت بأني موافق على هذا الزواج يا غسق وعلى
استمراره وأن يعلن في أقرب وقت ممكن ؟ "
وقفت وقالت بغصب ملوحة بيدها
" لماذا...؟ بأي حق تزوجونها وهي في هذا السن !
هل لأن مطر شاهين يريد ذلك توافقه ؟ "
قال بحزم
" لا دخل لمطر بهذا يا غسق وأنا كنت رافضا مثلك
وأكثر منك واقتنعت "
نظرت له بصدمة قائلة
" ماذا تقصد بهذا أبي هل أخطأت معه ؟ "
نظر لها بدهشة وقال موضحاً من فوره
" لا يا غسق ما هذا الذي تقولينه ! "
قالت بضيق تشير لنفسها
" لماذا إذا اشرح لهذه الغبية لتفهم لما تحددون مصير ابنتها ؟
لماذا تزوجونها الآن ؟ لما عليها أن تكون أم وهي تحتاج لمن
يرعاها لا لمن يتزوجها ؟ وممن ؟ من أحد رجال ابن شاهين
الرائعين بل وأكبر من والدتها "
قال من فوره
" ابنتك كل من يراها يعطيها عمرا يقارب العشرين يا غسق
والواقع يتحدث أمامك "
اشارت بيدها جانبا قائلة بذات ضيقها
" وهل سنحكم على جسدها وما يظهره لنا الظاهر ؟
هل على هذا تُزوج النساء ؟ تزوجت والدها وأنا ابنة
التاسعة عشرة وكنت أحتاج لعقول جميع النساء لأفهمه
وأعيش معه وفي النهاية ماذا؟ بحث عن غيري "
عقد حاجبيه قائلا بحدة
" قاسم مختف يا غسق رجل يمكن الاعتماد عليه وفي كل
شيء وهو يريدها زوجة له فعلا "
لوحت بيدها جهة الارض صارخة باحتجاج
" إن كان هو بعقل فأر هل علينا جميعنا أن نكون مثله "
واجهها بتعليقه الحاد فورا
" غسق هو زوج ابنتك الآن مهما كان رفضك له وقبلها
هو ابن عمتك المرأة التي عرفتها هنا وعشت معها ومتأكد من
أنه كل من عرفها أحبها وحمل لها من الجميل ما لن ينساه أبدا "
شدت شعرها للخلف ممرره أصابعها فيه ولم تستطع نكران ذلك
فهي حملت في قلبها لتلك المرأة ما لن تنساه ما عاشت لكن ليس
ابنها ليس من كان على قيد الحياة وحرمها ونفسه من أن يكونا
معا وبكل قلب ميت ودم بارد فسيكرر ذلك مع ابنتها وسيفعل ما
فعله زعيمه يوما ما ، أخرجت اصابعها من شعرها قائلة بجمود "
إن كانت على قيد الحياة لوافقت احتراما لها فقط أما الآن فأنا
لست موافقة وإن كانت زوجته ولن أسمح لهذا الأمر أن يحدث ،
تيما ابنتي أيضا ولي الحق في هذا كوالدها تماماً "
تنهد بضيق وقال بجدية
" غسق قاسم بمشيئة الله أنقذ ابنتك من الموت في لندن ومن
أن تفقديها طوال حياتك وهو لا يعلم من تكون ، بحث عنها
في كل مكان بعدها وأحبها وأرادها له من قبل أن يعلم من
تكون ولا أنها زوجته ، وابنتك تحبه أيضا ووالدها كان يريد
التأكد من أن مشاعرها ناحيته ليست امتنان ولا مشاعر
مراهقة وكان سيترك الأمر للوقت الذي يكون مناسبا للتحدث
معك فيه قبل حتى أن يعلن بأنها زوجته فقاسم نفسه لم
يكن يعلم "
أشارت بأطراف أصابعها لصدرها قائلة بضيق
" وهل كان سيأخذ برأيي إن رفضت؟ هو كان سيعلمني
بالأمر فقط كي لا أسمعه من الصحف والتلفاز ، أنا أساسا
لا أعلم ما مصلحة ابنتي وقراراتي ناحيتها لا نفع منها "
قال من فوره وبحدة
" غسق ما كل هذه العقد التي تحيكينها حول نفسك ؟ "
رمت يدها جانبا قائلة بحدة مماثلة
" أجل أبي معقدة فقط لأني أقول ما نفع وجودي في حياة
أشخاص لست في حياتهم سوى شيء زائد عاشوا من دونه
فلن يغير وجوده من عدمه في شيء "
قال بحدة أشد
" غسق أريد أن أفهم أتثقين فيما أقول وما أقرر أم أني
بالنسبة لك مجرد مطر شاهين آخر ؟ "
مررت أصابع يديها في شعرها للخلف قبل أن تنزل بهما لعنقها
وأشارت لصدرها بكفها تضربه برفق قائلة بعبرة مكتومة عيناها
الواسعة تمتلئ بالدموع تدريجيا
" أبي أنا متعبة ... أموت قسما أموت ولا أحد يعلم ما الذي
يموت هنا .. إنها غسق تنتهي وتختفي .. ليته فقط يتم
إنصافها لمرة واحدة لتموت مبتسمة على الأقل "
نظر لها باستنكار وكان سيتحدث لولا قاطعه الذي دخل
وتوجه نحوها من فوره متجاهلا محاولته لإمساك كم
سترته وإيقافه مناديا
" مطر !! "
حتى وصل عندها وأخذ حجابها المرمي على السرير وأمسكها
من يدها وسحبها منها بالقوة خارجا بها من الغرفة ورغم
محاولاتها للفكاك منه أو إيقافه وضربها بقبضتها لساعده
ألا أن ذلك لم يؤثر به ولم يتوقف حتى وصل بها لسيارته
المتوقفة أمام باب المنزل وفتح بابها وأركبها مرغمة وأغلقه
خلفها وأغلق جميع الأبواب كي لا تنزل وما أن دار حول
السيارة ليركب في كرسي السائق وصله صوت الذي لحق
بهما قائلا بحزم
" مطر ماذا تفعل ؟ "
غرس المفتاح في الباب وأداره فيه قائلا بجدية
" لا تقلق عمي لن أقسوا عليها ولن نرجع اليوم فلا يقلق
أحد على تأخرنا "
وما أن فتح الباب ركب مغلقا إياه خلفه وغادر من هناك من فوره
فتنهد الذي تركه خلفه متمتما ونظره على السيارة المبتعدة
" لا أعلم ما هذه المعجزة التي ستجمعهما معا مجددا ؟ "
*
*
*
وقف مكانه لوقت ينظر لصاحبة ذاك الفستان الزهري الناعم
الذي ارتفع لركبتيها لا يظهر منها سوى تلك الساقان البيضاء
الناعمة النقية واليدان الرقيقة التي تشتد أناملها بقوة على
الوسادة البيضاء الناعمة تحتها والشعر الأسود الحريري
الذي تناثر على ظهرها وكتفيها فمد يده له حتى لامست
أصابعه تلك النعومة الفائقة وخرج صوتها الباكي الحزين
" آسفة أبي أنا خجلة من نفسي فعلاً ليتني أموت .. أنا السبب
في كل ما حدث تصرفت بجنون بتهور أ.... "
وصرخت بصدمة ما أن أمسكتها تلك اليدين وأجلسها فنظرت له
بصدمة وتراجعت لظهر السرير تنظر بصدمة للذي مال نحوها
يمسك خصره بيديه قائلا بضيق
" من هذه التي تريد أن تموت ؟
أسمعيني ذلك مجددا لأقطع لسانك "
التصقت بظهر السرير أكثر وكأنها ستخترقه تنظر له بعينان
دامعة وهمست بأحرف متقطعة
" ما... ماذا تفعل.. غادر ستراك والدتي وتغضب أكثر ، ثم
هنا غر... "
" وإن قلت بأني لن أخرج "
قاطعها وقد اتكئ بيده على خشب السرير المرتفع فوقها
ينحني ناحيتها أكثر فزحفت للجهة الأخرى قائلة
" سأغادر أنا إذاً "
وصرخت بشهقة ما أن أمسك بيدها وسحبها نحوه وبدأت
تحاول الفكاك منه والهرب قائلة
" اتركني سيأتي والدي .. إبتعد عني "
سحبها بقوة أكبر مبتسماً حتى أوقعها على السرير نائمة
على ظهرها وما أن مال نحوها توقف فجأة متنهدا بضيق بسبب
الباب الذي انفتح خلفه ووصله ذاك الصوت الرجولي الباسم
" لما لا تبتعد عنها يا وقح ؟ "
فتركها ووقف ونظر للذي قال مشيرا للباب خلفه بإبهامه
" اخرج هيا سأتحدث أنا مع دميتي الجميلة فليس كل
ما يلغط به الرجال يقال "
فابتسم له وقد فهم مقصده سريعا ومعه حق فليست الحقيقة
بأكملها تقال فلن يعجبها بالتأكيد أن تعلم بأنه كان لها شريكة
فيه قد تظهر في أي وقت وأنه وافق على وجودها ، غادر
مغلقا الباب خلفه تاركاً صاحب تلك الابتسامة الطفيفة يراقب
التي جلست تبعد شعرها وغرتها عن وجهها هامسة بتلعثم
" جدي أنا .... هو .... لم أكن موافقة هو من ...
هو دخل هنا و... "
ونطرت ليديها في حجرها وأصابعها المتشابكة في بعضها
ما أن عجزت عن صياغة جملة كاملة فقال مبتسما وهو
يجلس أمامها
" لا بأس هذا من حقه وأنا المتطفل بطرده بالطبع "
نظرت له بعدم استيعاب فابتسم وأمسك أنفها وقال مبتسماً
" مبارك يا أصغر وأجمل عروس .. لن أقول في العائلة
فقد سبقتك والدتك ولحقت بجدتها وجدتك "
ازدادت نظراتها له استغرابا فضحك وأمست بيدها ونظر
لكفها الصغير الناعم وقال يحرك سبابته فيه يرسم دوائر
ونظره عليه
" كان يا ما كان ثمة طفلة جميلة تشبه الدمية وعمرها كان
عشرة أعوام اختار لها والدها أميرا وزوجها له ولا أحد
منهما يعلم عن الآخر حتى التقيا مصادفة بعد أربعة أعوام
في ملهى ليلي و... "
شهقت بصدمة ساحبة يدها منه تنظر له بصدمة فنظر لها
وضحك وقال مشيراً بإبهامه للباب خلفه وغامزا بعينه
" والأمير الوسيم طبعا في غرفته الآن فلتمارس أميرته
هواية الركض لحضنه المفضلة لديها بسرعة "
نظرت له فاغرة فاها الصغير فالصدمة كانت أشد من استيعابها
رغم أنها لا تتوقع غير ذلك من والدها فضحك وأشار لها
برأسه فهمست بتلعثم
" و.. لكن... والدتي "
قال مبتسما
" أخذها والدك ويبدو أنهما سيقضيان رحلة قصيرة فلنأمل
أن تعود منها متقبلة للأمر فالموافقة والرفض فات أوانهما "
ذبلت ملامحها بحزن وهمست
" تظنهما سيتصالحان جدي ؟ الأمور كانت تسير على
ما يرام حتى اليوم "
أومأ موافقا وأشار برأسه جهة الباب قائلا بابتسامة
" هيا قبل أن يغادر "
فضحكت بخفوت وزحفت مغادرة السرير تتجنب النظر له
محرجة وما أن كانت خارج الغرفة ركضت تعبر الممر حتى
كانت عند الباب المشترك بين أروقة المنزل وعبرت الممر
الشمالي وما أن وصلت باب غرفته وقفت أمامه تعض طرف
إبهامها وأغمضت عينيها بقوة تسمع خطواته في الداخل ، فتاة
غيرها ما كانت لتستوعب ما قاله لها جدها بسهولة لكن في
عائلتها وقصص النساء فيها وطرق زواجهن وظروف حياتهم
هناك ما كانت لتستغرب هذا ، وكم لعبت الظروف والمصادفات
دوراً في كل هذا فكيف تلتقيه وينقذها وتتعلق به ولا أحد منهما
يعرف من يكون الآخر بل وبأنه ثمة رباط قوي يجمعهما !
مدت يدها ببطء لمقبض الباب وفتحته بحركة أكثر بطئاً ونظرت
من شق الباب المفتوح مبتسمة للذي كان يرفع هاتفه ومفاتيحه
من على طاولة التزيين لحظة أن شعر بالباب والتفت له برأسه
فقط قبل أن يبتسم مستديرا بجسده ناحيته ينظر لصاحبة ذاك
الفستان الزهري والشعر الأسود الناعم والوجنتان اللتان ازدادتا
توردا مع نظرة الخجل في العينين الزرقاء الواسعة تغرس أسنانها
البيضاء الصغيرة في طرف شفتها المبتسمة فمد يده ناحيتها
وحرك أصابعه بأن تعالي فتراجعت للخلف خطوة ووجنتاها
تزدادان توردا وحركت رأسها برفض مبتسمة فابتسم وحرك
أصابعه مجددا قائلا
" تعالي هيا أو جئت أنا وقسما أن أركض خلفك
إن فررتِ هاربة "
وضحك على نظرتها المصدومة وشهقتها الصامتة قبل أن تدفع
الباب وتركض نحوه وقد استقبلها من فوره ضاحكا وحضنها
رافعا لها عن الأرض متعلقة بعنقه وقال
" مرحبا بحبيبة قاسم في عالمه الكئيب الموحش "
حضنته بقوة أكبر وهمست بحزن
" لن يكون كئيبا بعد الآن ولن تكون وحيدا سنكون معا دائماً "
أنزلها للأرض رغم أنه لم يبعد يديه عنها تماما يمسك بهما
خصرها النحيل بينما ترتاح يداها على صدره ونظرت له بعينين
حزينة هامسة
" ولم تعد غاضباً مني بسبب ما حدث في لندن ؟ "
حرك رأسه نفيا وهمس
" ولن نذكره مجدداً "
ابتسم بضحكة خفيفة ما أن قفزت حاضنه له مجددا متعلقة بعنقه
فالتفت ذراعاه حول جسدها فورا يحضنها بقوة يدفن ملامحه في
شعرها الأسود الكثيف لا يصدق بأنه دخل هنا وبات ليلة لم
يغمض له فيها جفن ليأخذ رأيها فيما كان موقنا بأنه سيكون
الرفض ليجدها في لحظة زوجته ملكه وفي حضنه ! همس يقبل
خصلات شعرها بشغف
" ما رأيك لو نغادر للمنزل الآن ؟ "
ابتعدت عنه بشهقة مصدومة وقالت
" ما رأيك لو تغادر أنت لمنزلك الآن ؟ "
ضحك وقال يحاول إمساكها من ذراعها
" موافق لكن معا "
ابتعدت عنه مسرعة وبخفة لم يستطع إمساكها معها حتى
أصبحت عند الباب تمسكه بيدها وقالت ناظرة له
" ليس قبل أن توافق والدتي "
نظر للأعلى يمسك خصره بيديه وتنفس بضيق متمتما
" إذا لا خروج لك من هنا أبدا إلا لو قتلتني "
عبست ملامحها الجميلة وهمست بحزن
" لا تتحدث هكذا عن والدتي "
نظر لها وقال بحزم يرفع سبابته أمام وجهه
" ليكون معلوما لديك فلن أطلقك مهما كانت رافضة
فلا تفكري يوما في طلب هذا مني من أجلها فلن أوافق "
قربت حاجباها الرقيقان قائلة برجاء حزين لازالت تقف مكانها
أصابعها تلتف حول خشب طرف الباب
" لن أطلب هذا منك لكننا سننتظر موافقتها قاسم عدني "
حرك رأسه ممررا أصابعه على فكه وتنهد متمتما
" أمري لله ... أعدك أن ننتظر لكن قليلا فقط "
لونت ابتسامة رقيقة ملامحها الجميلة وهمست له
" أحبك "
قبل ان تختفي من هناك ما أن تقدم نحوها مبتسما ولم يجد
في الممر سوى رائحة عطرها الخفيف بعدها .
*
*
*
دخلت معه لا تحاول النظر لما حولها وكان المكان بالفعل
لم يعج بالمدعوين بعد وشبه فارغ لكن الباب الواسع كان
في استقبال الداخلين حديثا بالتتابع ولم تفهم حتى الآن
ما يكون هذا الحفل ولما ومن ستقابل فيه ! وبدأت مسيرة
تعريفها ببعض من توقفا من أجلهم ولم تكن منتبهة ولا
لأسمائهم تفكيرها منحصر في الشخص الذي ستفقد عقلها
ما أن تراه ! من يكون وما صلتها هي به ومن تعرفهم
محدودين جداً !! ارتجف جسدها ما أن شعرت بيده على
ظهرها وهمس عند أذنها
" ها هي المفاجأة خلفك "
فاستدارت بسرعة وانفتحت عيناها بصدمة تنظر للذي اقترب
منهما يرتدي بدلة سوداء بدون ربطة عنق قميصها خارج
حزام بنطلونها ورغم الشيب الخفيف جدا في شعره والخطوط
التي ارتسمت بجانبي شفتيه تزين فكيه العريضان استطاعت
التعرف عليه سريعا ، ثمان سنوات فصلت بين آخر لقاء بينهما
لم تراه بعدها ولم تسمع عنه شيئا والآن ... !! كيف علم بأنها
هنا !
ما أن وصل عندها أمسك ذراعيها وقبل خدها قائلا بابتسامة
" زيزفون يالا الفتاة الجميلة ! ما كل هذا ؟ "
ابتعدت عنه وابتسمت له بشحوب ليس بسبب ما حدث في
الماضي ويعرفه فقط بل وبسبب حديث وقاص سابقا والذي
قفز لمخيلتها فوراً
( أنا لا أثق به يا زيزفون وحدس المحامي لا يخطئ أبدا )
تعلم بأنه محام ذكي وله حدة نظر وأيضا موقنة من أنه اطلع
على قضيتها المعلقة في المحاكم حتى الآن ولن يقول ما قاله
من فراغ لكن لما وعلى ماذا استند فخالها بشير الشخص الوحيد
الذي يعلم بخبايا الجريمة غير خالها دجى وابن شاهين ورغم
ذلك شهد معها كما ساعد إسحاق على الهرب تلك الليلة فلما لا
يثق به ! وما مصلحته ليؤذيهما وهما ابنا شقيقته وهو من
وجد لهم إسحاق بعد عشر سنين من اختفائه مختطفا ؟
وذاك كان السبب الذي جعل والدتها تسلمها لجدتها خوفا من
أن تلقى مصير شقيقها والذي كانت واثقة منه حينها فهي
لم تصدق حديثهم حين قالوا بأنه مات وقت ولادته وبأن
شقيقته مريضة وقد تنتهي لنهايته لكن من قال كل ذلك !
من اختطف إسحاق حينها ورماه عند الحدود ليجدوه غيلوان
ولما أخذ خالها والدتها من منزل زوجها المتوفى قبل أن تلد !
أيكون هو السبب في اختفاء إسحاق ! لكن لما كان سيحميه
من السجن إذاً !
انتبهت من شرودها على حديث الواقف بجانبها يكرر سؤاله
لها فاغتصبت ابتسامة هامسة
" أجل اشتقت له فأنا لم أراه منذ أعوام "
قرب يده من وجنتها ومسح عليها متمتما بابتسامة
" آه يالا الفتاة الجميلة ما رأيك لو نجتمع مجددا وثلاثتنا معا ؟ "
انتفض قلبها بقوة وفهمت من عنا بالشخص الثالث بينما يبدوا
أن الواقف بجانبها لم يعلم منه بعد عنه ولم تعد تفهم أعلم بما
حدث لإسحاق وبأنه عاد لعائلة غيلوان وبالحادث الذي تعرض
له أم لا ولما سألها إذا أن يجتمع ثلاثتهم ! شدت قبضتيها
المتعرقتان أكثر وسحبت أنفاسها بصعوبة ما أن تقدمت منهم
امرأة شقراء قصيرة رغم ارتفاع كعب حذائها وهمست شيئا
ما للواقف بجانبها فغادر معها من فوره ، رفعت حينها نظرها
للواقف أمامها قبل تنظر للذي غادر مبتعدا ولا تعلم لما يبدوا
لها أن الأمر مفتعل وقد تم إبعاده عنهما قصدا ! لكن من
طرف من ؟
ارتجف جسدها لا شعريا بسبب ملمس أصابع الواقف أمامها
لذقنها وقد أعاد وجهها له وقال مبتسماً
" لا تعلمين أن إسحاق سيكون هنا في لندن قريبا ؟ "
اتسعت عيناها الزرقاء الواسعة بصدمة وكما توقعت هو يعلم
بما حدث له وسيكون وراء إبعاد نجيب الآن لكن لما !
هو لم يخبره عن إسحاق إذا وسيكون له أعوان هنا ولا
يتحرك وحده !! نظرت حولها وبدأت تشعر بأن كل من يوجد
هناك عدو مباشر لها ، لما شك وقاص في خالها !
لماذا وعلى ماذا استند ؟ إن كان خالها يعلم عن مكان إسحاق
فما الذي يعلمه أيضاً هل هو من أخفاه لديهم هناك ؟
هل يهتم بأمر حمايته فعلا !
" أين سافر بالجميلة خيالها ؟ "
تراجعت خطوة للوراء لا شعوريا لتبعد عن ملمس يده وأصابعه
فلم تفهم لما شعرت بالقشعريرة تسري في كامل جسدها بسببها
ولأول مرة في حياتها ؟ الأنها لم تعد تعلم عدوها من صديقها
أم السبب مختلف تماماً ؟ وإن كان خالها عدو لها فلما يخبرها
بأنه يعلم بأن إسحاق مصاب وسينقل هنا ! كيف لها أن تتأكد
وجميع اتصالاتها بمطر شاهين قطعت بإبعاد مربيتها واستغلال
حلقة الوصل بينهما ؟ قالت ونظرها لم يفارق عينيه
" مؤكد تعلم إذا بأن ملف القضية فتح مجددا وبأنه تم الإبلاغ
عن مغادرتي المصح "
أومأ برأسه بنعم وقال
" بلى لكن جدك لعبها بذكاء مجددا وحملت إحدى نزلائه الفعليين
اسمك الحقيقي ولن تخرجي من هناك مجددا "
همست تسحب نفسا طويلا لصدرها
" كيف علمت ؟ "
حرك كتفيه قائلا بابتسامة ساخرة
" أنا أعلم عن الكثير حُلوتي وبكل ما قد يضر أبناء شقيقتي ، ما
كان على شقيقك أن يعرض نفسه للخطر إنهم يبحثون عنه
وسيحاولون قتله فهم لا يسامحون ولا يتهاونون "
أمسكت قلبها لا شعوريا وهمست تنظر لعينيه وعيناها تلمعان
ببريق الدموع
" أنت لن تخبرهم عنه وعن أنه من قتله ولا أي أحد ؟
لن تفعلها خالي أليس كذلك ؟ "
حرك رأسه نفيا وقال بابتسامة جانبية
" لا بالطبع أنا أريد حمايتكما فقط وأنا هنا من أجل ذلك لذلك
علينا أن نتعاون يا زيزفون وذاك المغفل الذي يدعى نجيب
عليه أن يبتعد "
نظرت له بصدمة متمتمة
" لماذا ؟ ما صلتك به وكيف تعرفتما ؟ "
حرك كتفه بلامبالاة قائلا
" مصادفة ... أتصدقي أن الأمر كان مجرد مصادفة ؟ كنت أتحدث
معه عن أني هنا لأرى ابنة شقيقتي التي لم ألتقيها من ثمانية
أعوام وأنها إحدى نزلاء مصحة نفسية خاصة ومشهورة وأخذنا
الحديث حتى علمت بأنه ابن سلطان ضرار السلطان "
نظرت له بصمت لبرهة قبل أن تقول
" أتعني بأنه علم منك عن الجريمة وعن فتح القضية مجدداً ؟ "
نظر لها باستغراب وقال
" لا ... من قال ذلك ؟ "
نظرت لعينيه بصمت ولم تعلق ، إذا ثمة شخص آخر تعمل
مربيتها لصالحه وهو من يعمل معه ويعده بتدمير عدوه وقاص
وهو من أخبر نجيب ، أم أن خالها يكذب ! لا تنكر بأنها لم تعد
تثق به أيضاً وعليها أن تأخذ حديث وقاص عنه على محمل
الجد وها قد بات قلبها يخبرها بأن الخطر أكبر وأقرب لها من
السابق فكيف وهي تحاربه وحيدة ؟
نظرت للذي انضم لهما مجددا والذي لامس كفه ظهرها وقال
بابتسامة
" طلبت من خالك أن يقيم لدينا لكنه رفض فهل تقنعينه بهذا ؟ "
كادت تنفجر ضاحكة لولا أمسكت نفسها .. يقيم لديهم وهو يبدوا
يقرر أن يخرجه من حياتها ! لم تعد تستبعد ولا أن يموت قريبا
لأسباب مجهولة ؟ شعرت بضربات قلبها ترتفع ..
أيعقل أن يفعل خالها هذا ؟
الرجل المسالم كما عرفه الناس لأعوام ؟
الرجل الذي شهد معهما في المحكمة رغم معرفته للحقيقة ؟
لكن نجيب وسيلتها لمعرفة عدوها الحقيقي وسيكون متصلا به
فهل يكون هو ذاك العدو أم أنهما تقابلا مصادفة فعلا ؟
هذا ما عليها الانتظار للتحقق منه أولا وأن لا تتسرع ، اغتصبت
ابتسامة صغيرة ما أن قالت
" خالي رجل منعزل بعض الشيء يا نجيب أنت لا تعرفه فلن
يكون مرتاحا في القصر "
نقل نظره منها له وقال مبتسما
" إذا ستكون تكاليف إقامتك هنا على حسابي وإن أردت
سيكون لك منزلا خاصا "
بادله الابتسامة قائلا
" سيكون لطفا منك يا صهر عائلتنا "
وتابع وقد رفع كفه
" نلتقي أذا ؟ "
مد يده وصافحه قائلا
" نلتقي قريبا وسيكون بيننا اتصال "
تصافحا وما أن افترقت أيديهما اقترب من التي أمسك ذراعيها
مجددا وقبل خدها مودعا لها وقد همس قرب أذنها قبل ان يبتعد
عنها
" لا تثقي كثيرا به فلم يعجبني "
وابتعد عنها نظراتها الصامتة تتبعه وهو يستدير مبتعدا عنهما
تفكر في كلماته ، لن يكون هو العدو الخفي إذا لما كان حذرها
منه إن كان شريكه ولكان نصحها بأن تثق به لكن ماذا إن كذب
في هذه أيضا وهو مجرد مخطط ؟ كيف لها أن تعلم ؟
لن أثق به أجل بل ولكني لن أثق بك أيضا يا خالي بعد الآن
فالجميع عدو لي حتى أعلم من يكون عدوي الحقيقي .
*
*
*
نزل من سيارته مغلقا بابها ونظر لساعته قبل أن يرتفع نظره
للقصر المرتفع أمامه وتنهد بضيق فأكثر ما يكرهه أن يكون
مجبرا على فعل ما لا يريد بل وأن يؤمر بذلك أمراً وليس أمامه
سوى التنفيذ فتلك المدللة السخيفة حددت الموعد واللقاء وليس
عليه سوى ان ينفذ أو سيكون في موقف سخيف مع والدها كما
أنه عليه أن يدخل مكتبه مجددا من أجل جهاز التنصت الذي
يزرعه هناك فبطارياته تعمل لفترة محددة فقط .
صعد عتبات الباب الرخامية المرتفعة يدس مفاتيحه في جيب
سترته السوداء الأنيقة ودخل من الباب الزجاجي الذي فتحته
الخادمة أمامه وقد انحنت له باحترام وسارت من فورها يتبعها
لتوصله حيث كان يتوقع تماما فلا شيء لدى ذاك الرجل إسمه
غرفة استقبال ضيوف أو شرب شاي فلم يستقبله مرة خارج
مكتبه ثم ينتقلون لطاولة الطعام ، وذاك ما كان يخدمه دائما
فزرع الجهاز فيه حينها يكون أكثر سهولة بمجرد أن يثبته
أسفل الكرسي الذي سيجلس عليه .
ما أن وصلا لباب المكتب وككل مرة كان هو من يفتحه له
ويستقبله أمامه مصافحا له بمودة وترحاب عليه مبادلته إياه
وإن بما يشبهه قليلا حتى كره أداء ذاك الدور المقيت ..
يُظهر مودة واحتراما لمن يسعى بكل نفوذه لمساعدة من
يدمرون بلاده ...! قسما أن يكون أحدهما قاتل الآخر فلن يرتاح
له بال قبل أن يفعلها ويخلص البلاد منهم جميعهم أو يموت
دون ذلك .
ربتت يده على ظهره وقال يدفعه ليدخل معه
" تفضل هيا وانزع عنك هذه السترة لن تحتاج للرسميات هنا
فهنا منزلك وعائلتك "
سار معه نحو الأريكة الجلدية الواسعة وخلع سترته بالفعل
ورماها على ظهرها وجلس وأرخى ياقة قميصه الأسود فاتحا أول
زرين فيها فهو يحتاج بالفعل لأن يتنفس بحرية هنا بل وما أن
يدخل من الباب الخارجي لهذا المكان وبعيدا عن المهام الموكلة
له والتي تحتاج لهدوء وتركيز كي لا يُكشف في مكان محصن
كهذا أصبح فيه محل ثقة لا يمكن الشك في نواياه لكن أي خطأ
صغير سيكون كفيلا بإرساله للجحيم بتهمة الخيانة والتجسس
وانتحال شخصية والمساس بأسرار دولة كاملة أي لن يرى النور
ما عاش وهذا إن تركوه يعيش أساساً فعقاب جرائمه الموت ولا
شيء غير الموت لديهم حتى أن قاتله لا يحاكم ولا يعاقب .
جلس مقابلا له وقال مباشرة
" يبدوا أني أواجه مشكلة ما يا تيم وقد أحتاج لمساعدتك فيها "
غضن جبينه ينظر له باستغراب فهذه المرة الأولى التي توكل فيها
مهمة من طرفه ! لا ويقول مشكلة ! تمتم بجدية ناظرا لعينيه
" بماذا يمكنني المساعدة ؟ "
قال من فوره
" بعض أعمالنا تتعرض للجاسوسية ونظام مكتبي يتعرض
للاختراق رغم المراقبة المشددة "
استطاع ببراعته وقدرته الفائقة على التحكم في انفعالاته أن يظهر
جمودا يحسد عليه وهو يسمع كل ذلك ، ورغم توقعه لذلك إلا أن
الأمر كان سيكون صادما له ومن عدة جوانب أهمها أن يطلب
مساعدته في ذلك وهذا ما لم يتوقعه وسيخدمهم جيدا ، وها هو
تخمين مطر شاهين أصاب بينما خانه هو ذكائه حين استبعد
الأمر في آخر اتصال بينهما وصدقت ظنون ذاك العقل المدبر وها
هو بالفعل استعان به لكشف من بدأ يفكك خليتهم في الوطن هناك
ببطء وبالتتابع فستخاف الأذرع هنا على أعناقهم بالتأكيد فكيف
بالرأس ؟ رغم أن الجالس أمامه الآن متيقن من أنه محصن ولن
يطاله ما يطالهم لكنه له ولن يرتاح له بال ما لم يقتص من كل
ذلك منه وإن ماتا معاً ، قال بجدية محدقا في عينيه
" وكيف يتعرض نظامكم للتجسس وأنت تقول بأنه محمي تماما
ومحصن ؟ "
جلس منتصبا على ظهر الكرسي الجلدي وقال
" هذا ما أود معرفته .. من الخائن الذي يكون موجودا وهو ليس
معنا ومن هذا الذي يسرب معلومات مهمة كتلك ؟ ستزور منظمة
خاصة وسرية منزلي ومكتبي الخارجي من أجل التفتيش
وسنكتشف إن كان ثمة ما يستخدم من أجل ذلك "
استوى في جلسته أيضا ينظر له بجمود وصمت ، جيد إذاً عليه
نزع الجهاز السابق فقط بدلا من زراعة غيره حتى يتم التأكد من
خلو المكان رغم أنهم وإن وجدوه فلن يكتشفوا بأنه صاحبه لكن
عليه أن يشعرهم بالأمان وهنا تحديدا ، قال بذات جديته
" وبماذا يمكنني أن أساعد ؟ "
نصب ساق على الأخرى وأراح يده على ركبته قائلا
" أنت أكثر من يمكنني أن أثق به وأريدك أن تعلم من يكون
من وراء ذلك ، سأطلعك على بعض الأمور وسنتخذها كخطة
لكشف عدونا .. أريده حيا لأفصل رأسه عن جسده بنفسي "
ابتسم بسخرية متمتما
" لك ذلك ... سأفعل ما هو أكثر من هذا إلا إن كان عدوك
ليس ممن ستضعهم ضمن دائرة الاتهام "
قال من فوره
" لن نضع أشخاصا محددين أبدا "
ابتسم بانتصار ولم يعلق .. جيد فهذا ما كان يريد التحقق منه
ويمكنه الآن أن يحيك الشباك حول الجميع عداه رغم خطورة
الأمر فبما أن الشك دخل لعقل هذا الرجل فلن يستبعد أبدا أن
يُدخله هو أيضا ضمن دائرة اتهامه وأن تدور دوائر الشك
حوله .
وانتقل الحديث بينهما سريعا لما ينسجم فيه كليهما فإن كان
أحدهما عضوا مهما في منظمة عالمية فالآخر قائد للقوات
البريطانية البحرية بأكملها وانسجام أفكارهما وأحاديثهما من
أسهل ما يكون ، حديث ممتع بالنسبة لكليهما ولا يمل لكن
الأمر كان بالعكس دائما بالنسبة للتي فتحت الباب حينها والتي
كانت تنزعج منهما في كل مرة .. بل والتي تأخرت على موعد
قدومه لمنزلهم على غير العادة فدخلت مبتسمة بعدما تركت
الباب على اتساعه مفتوحا بعدها ووقف كليهما في استقبالها
فاردة ذراعيها يكشف الفستان الحريري الأزرق القصير تفاصيل
جسدها الأنثوي الرشيق وخطواتها تتسارع باتجاه الذي عانقته
فورا متعلقة بعنقه تختم على نحره بنعومة شفتيها في قبلة
طويلة قبل أن تنظر لعينيه هامسة بابتسامة
" ظننت أنك ستكون مشغولا ولن تأتي ... أحبك "
فكان جوابه أن نظر لعينيها بصمت مبهم قبل أن يتنهد متمتما
ما أن تذكر ما يجب أن يكون عليه
" ما كنت لأترككما تنتظران لذلك أتيت "
وقبل أن تعلق سبقها الذي قال من خلفها ضاحكا
" كان يفترض أن أحضى أنا بهذا الحضن أولا أم نسيتي
أني والدك وأننا لم نتقابل منذ ليلة البارحة ؟ "
التفتت له برأسها مبتسمة واتكأت به على صدر الذي
حضنت خصره بذراعيها قائلة
" وهو ابنك أكثر مني لذلك لن تغار لو أحببته أكثر منك "
ضحك من فوره ونظر للذي اغتصب سريعا ابتسامة صغيرة
ينظر له أيضا فأشار له بيده عليها قائلا
" أثمة امرأة تبيع أثمن ما تملكه من أجلك غير هذه يا تيم ؟ "
" أجل "
كان جوابا مباشرا وقويا جعلهما كليهما ينظران لعينيه نظرات
تفاوتت بين الصدمة والاستغراب فالتوت شفتيه بابتسامة مائلة
باردة وتابع
" ثمة واحدة في الماضي والثمن كان غاليا جدا لذلك لم أخض
التجربة بسهولة "
جواب أبهم فيه من الحقائق الكثير ليصل لهما فقط ما يشبع
فضولهما وما ينفي الشكوك من رأس ذاك الداهية الواقف أمامه
والذي سرعان ما قال مبتسما بارتياح
" ليس على الرجل أن يقف مكانه بسبب قصة حب فاشلة في
الماضي ، نحن نتعلم من تجاربنا فقط يا تيم "
حرك كتفه متمتما بلامبالاة
" ربما "
لكن ذلك بأكمله لم يعجب التي قالت بضيق رافعة نظرها له
" ومن تكون تلك الفتاة ؟ "
نظر لها بصمت ولم يعلق فالتعليق جاء من الواقف أمامهما
والذي قال بجدية
" أخبرنا أنه ماضي لوسي لما تهتمي بالسؤال عنه ؟ "
لكنها لم تهتم لما قال ولم تبعد نظرها عن تلك العينين
السوداء الحادة وقالت بإصرار
" أهي يونانية أم إيطالية ؟ "
أبعد نظره عنها للبعيد متمتما ببرود
" ليست كلاهما والأمر لا يعنيك لوسي وأنا لا أريد
التحدث عنه "
نظرت حينها للموجود معهما وقالت بعبوس
" أبي أرأيت ؟ يعترف أمامي بأنه يحب أخرى ولا يريد حتى
قول من تكون "
تنهد بضيق قائلا
" لوسي لا تكوني طفلة ، ثم انظري كم شاباً كان لك به
علاقة قبله ؟ "
حضنت خصره أكثر لازال رأسها يرتاح على صدره قائلة
بضيق أنثوي " لكني لم أحب أيا منهم ولست أعيش قديسة
على ذكراه حتى الآن "
ضحك الواقف أمامهما من فوره ولوح بيده برفق قائلا ونظره
على عينيه
" أرأيت لما يوصل قول الحقيقة للنساء ؟
تعلّم مستقبلا بأنه عليك المراوغة معهن بعض الأحيان "
أهداه ابتسامة جانبية متمتما
" لست افضل الكذب وتحت أي مسمى أو ظرف كان ومن
لا تعحبه الحقيقة فليجد كذبة لنفسه ويصدقها "
ضحك من فوره وقال ونظره ينتقل لابنته
" عليك إذاً أن تكوني ممتنة بأن خطيبك صادقاً حلوتي
وما تحدث عنه مجرد ماضٍ كما فهمت "
عبست ملامحها الانجليزية الفاتنة وخبأتها في صدره تشد
ذراعيها حول خصره بقوة متمتمة
" انت لي وحدي ... لي وحدي فقط "
*
*
*
|