*
*
*
بصق بقايا العود من فمه ورماه من يده يتكئ على الجذع خلفه
وقال ناظرا للتي لازالت تعتصم في مكانها جالسة على الأرض
تحضن ركبتيها وتنظر للفراغ بحزن
" هيا يا طفلة يكفيك بكاء ستستهلكين كل الطاقة التي تحصلت
عليها من طعامك ذاك "
رمقته ببرود وأشاحت بوجهها للجانب الآخر لتتبدل ملامحها
للحزن فورا على ذات ذاك الصوت البارد الذي يصلها من بعيد
" حتى أنك أوقعت الحلوى التي يفترض أن لي نصيبا فيها "
فابتسمت بحزن وامتلأت حدقتاها الذهبيتان بالدموع فورا فها
هو لازال يصر على تسمية الشيكولاتة بالحلوى !
نظرت للأسفل تمسح عينيها ما أن اقتربت خطواته منها حتى
وقف فوقها ووصلها صوته الجاد
" ماريا لا تجعليني أندم على ما أنا مقتنع تماما بصحة فعله وأنا
أختار أن لا أتركك لجهلك وجراحك مني متعذرا بالوطن والواجب
وحمايتك لأن النتيجة ستكون أن ارجعك للبلاد حتى أجل قد يكون
أبعد مما نتوقع "
حضنت ركبتيها أكثر وهمست ببحة وحزن
" أسمع صوت مياه هنا هل هو ذات المكان الموجود فيه الكوخ
الخاص بك ؟ "
ابتسم على طرقها الغريبة والفريدة من نوعها لإيصال ما ترفض
قوله بلسانها وقال
" أجل لكنه بعيد عن هنا لا تخافي لن أخل باتفاقنا "
قالت بذات همسها الحزين ولازالت تنظر للأرض تحتها
" لنذهب للنهر إذا "
مد يده لها وقال
" هيا إذا ... ويكفي بكاء ماريا من أجلي "
نظرت ليده وأمسكت بها ووقفت ولم يكن يعلم بأن كلماته تلك
كانت كفيلة بجعلها تبكي مجددا لكنها عاندت عينيها ودموعها من
أجله فقط كما طلب فإن طلب عمرها وروحها والنور في عينيها
ما رفضت أبدا ولا ترددت في أن تهبها له .
تبعته بخطوات سريعة لتجاري خطواته الواسعة لازال يمسك
بيدها حتى بات صوت تلك المياه الجارية يقترب أكثر أو أنهما
هما من كانا يقتربان منه شيئا فشيئا حتى ظهر لهما من بين
الأشجار فاقترب بها منه حتى وصل لحافته وترك حينها يدها
ونزل له مستندا بقدميه وغرف من مياهه بكفه ووقف مجددا وما
أن وصل به لوجهها كان بالكاد يحتفظ بالقليل منه فمسح وجهها
به متجنبا أشرطة اللاصق الطبي فيه ومرر أصابعه على عينيها
فاتكأت على صدره وضمها هو بذراعه بقوة وسار بها على حافة
النهر بخطوات بطيئة فحضنت خصره بذراعيها هامسة بحزن
" لا أريد لابنك أن يكرهك مستقبلا يا تيم "
ضمها له أكثر وقبل رأسها ولم يعلق فأبعدت يدها عن خصره
ومسحت بها عينيها ولم تتحدث عن الأمر أكثر من ذلك فلم
ترفض ذلك ومنذ البداية إلا من أجله فلا تريد لما حدث مع والده
أن يتكرر معه رغم أنها بعدما قاله وأخبرها به لم تكن تريد منعه
عن أي شيء يريد أن يكون بينهما فكما قال قد لا يعطيهما
المستقبل أي فرص ليكونا معا كما الآن لكن العوائق كثيرة أيضا
عادت لمسح دموعها التي بدأت بمحاولاتها الجديدة للتسرب من
رموشها ووقفت فوقف لوقوفها ما أن كانا عند الجهة الصخرية
من ذاك النهر حيث المياه أقل ارتفاعا وسرعة جريانها أقل أيضاً
فابتعدت عنه ورفعت نظرها له ولازالا سائرين ونظرت له نظرة
رجاء رقيقة مبتسمة تميل رأسها جانبا مع رفعها لكتفها جهته
فأبعد نظره عنها مبتسما وقال
" لا تفكري فيها مطلقا يا طفلة لن أركض بك في النهر أنا لست
جوادا إن ضحك عليك عقلك بذلك "
استدارت في سيرها حتى أصبحت مقابلة له تسير للخلف ورفعت
ذراعيها جانبا وقالت بابتسامة شقت تلك الملامح الحزينة
" ومن قال أنك ستركض ؟ نحن نعيش اللحظات أليس كذلك ؟
إذا فلنعشها كما يريد كلينا "
حرك رأسه بالرفض وتمتم ببرود
" هيا توقفي عن جنون الاطفال ، ما هذه الطريقة السخيفة التي
نعيش اللحظة بها ؟ "
وقفت وأوقفته بيديها على صدره وقالت برجاء
" أرجوك تيم هذه المرة فقط "
أمسك يديها وأنزلهما ببطء متماً بضيق
" أنا أساسا لن أجلبك لهذا النهر مجددا لتكون ثمة مرة أخرى "
وما أن عاد للسير سارت للخلف مجددا مقابلة له وقالت بعبوس
" وكأني أطلب أمرا مستحيلا "
شدها من ذراعها ما أن تعثرت خطواتها بسبب حجر عرقل سيرها
المقلوب شاتما بكلمة يونانية هامسا وانحنى لركبتيها ورفعها
بخفة ونزل لمياه النهر قائلا بضيق
" ستتوقفين عن مشاهدة الأفلام السخيفة مفهوم ؟ "
تعلقت بعنقه وقالت مبتسمة تنظر لنصف وجهه المقابل لها
" ومن أخبرك أن هذا يعرض في الأفلام السخيفة يا رجل
مطر شاهين ؟ "
تغلغلت خطواته في المياه أكثر حتى وصلت لساقيه وقال ببرود
" قال لي أن أفكار النساء السخيفة جميعها بسببها "
حضنت عنقه أكثر متمتمه بابتسامة
" يالك من متعجرف رائع "
وصرخت ضاحكة ما أن دفع الماء بقدمه للأمام بقوة حتى أن
قطراته المتطايرة وصلتها ورفعت رأسها للخلف مبتسمة بسعادة
فكما سبق وقال المستقبل لا أحد يعلمه والتفكير فيه إضاعة
للحاضر ليس إلا بل والاعتراض عليه مجرد حماقة فليعيشا
اللحظة معا وليس عليها سوى أن تتوجه بالدعاء لمن بيده كل
شيء أن يحفظه لها وأن يحميه من أجلها وأن يعطيها القوة
للمضي وحدها إن هي فقدته يوما باتت لا تراه بعيدا أبدا .
*
*
*
دخلت مبنى الجامعة تنظر لكل شيء حولها كطفلة تدخل مدينة
الألعاب لأول مرة في حياتها تمسح نظراتها حتى الأعمدة
الرخامية وكأنها تراها لأول مرة في حياتها ...
( جامعة عين حوران للإقتصاد ! )
المكان الذي تمنت أن تدخله يوما وكان مجرد حلم سخيف فلا أحد
غير طلبتها يدخلونها ولا ببطاقة طالب من جامعة أخرى ...
أكبر وأشهر جامعة في البلاد بل وصنفت ضمن أفضل خمس
جامعات في الشرق الأوسط شهاداتها معترف بها عالميا تخرّج
رجال الأعمال وحاملي الدكتوراه في الإقتصاد وحاملي شهاداتها
فرص العمل أمامهم لا حصر لها ما أن يخرج من هنا وأغلب
خريجيها من طلبة الماجستير والدكتوراه ومن هم في مثل وضعها
قلة فلا يتم قبولهم هنا بسهولة إلا إن حصل على الدرجة كاملة في
شهادة الثانوية العامة حتى أن درجتها كانت ثمان وتسعون
تقريبا ورفضوها فورا ودون نقاش فأقل درجة يقبلون بها
99،5% ولا تصدق أبدا أن حلمها قد يتحقق !
نطرت لحركة الطلبة حولها من لا تعلم من منهم الطلبة من
الأساتذة فلا وجود لأصحاب تلك الأعمار المتفاوتة بين التاسعة
عشرة للثالثة وعشرون إلا القليل تشعر وكأنها في اجتماع لرجال
الأعمال ورؤوس الأموال في الدولة ! وتمنت لحظتها أن جاءت
في وقت مبكر لكانت حركة الطلاب أقل على الأقل .
" أنت زهور ؟ "
التفتت خلفها فورا ونظرت للفتاة الواقفة أمامها .. كانت في
الثلاثين من عمرها تقريبا بحجاب أبيض عكس الحمرة الطفيفة
في بشرتها البيضاء .. ابتسامة جميلة وعينان عسلية واسعة
تحيطها رموش بنية ناعمة واستطاعت فورا أن تتكهن أنها من
شمال الهازان وستكون خماصية بالتأكيد فتلك الدماء والملامح
تعرفها فور أن ترى أحدهم ، مدت يدها لها وقالت مبتسمة
" أجل أنا هي "
صافحتها من فورها وقالت بابتسامة مماثلة
" أنا غدير وثمة توصية بخصوصك من خطيبك فهو صديق
لشقيقي وزميل سابق لي وأنت غريبة عن هذا المكان كما قال
وسأساعدك في كل ما تحتاجينه "
ابتسمت بسعادة ... يا إلهي ما هذا الخطيب الرائع واسع النفوذ
الساعي لراحتها هكذا ! قالت ترفع خصلات شعرها القصير خلف
أذنها
" سيكون ذلك من دواعي سروري فأنا بالفعل لا أعلم اليمين
من الشمال هنا "
ضحكت الواقفة أمامها وتحركت من مكانها قائلة
" تعالي إذا لمكتبي لنتحدث بحرية أكثر "
سارت بجانبها وقالت تنظر لها باستغراب
" ألست طالبة هنا ؟ "
قالت مبتسمة تدخلان أحد أروقة الطابق السفلي الخاص بموظفي
الجامعة
" لا أنا رئيسة قسم المحاسبة القانونية هنا "
فغرت فاها بصدمة تنظر لها وهي تفتح باب مكتبها بمفتاح
أخرجته من حقيبتها وهمست بدهشة
" رئيسة قسم كامل !! "
ضحكت التي دخلت قبلها وقالت وهي تدور حول طاولة مكتبها
" مجرد قسم فالأقسام هنا لا يمكن حصرها ، تعالي اجلسي
يا زهور "
جلست على الكرسي الجلدي المقابل لمكتبها ووضعت حقيبتها
على الطاولة الزجاجية أمامها وقالت مبتسمة
" إذا ما يكون ذاك الخطيب الذي درس معك ؟ أخشى أن
أكتشف نهاية الأمر بأنه رئيس البلاد ! "
لاحظت باستغراب تبدل ملامحها بدلا من أن تضحك كما توقعت
وأبعدت نظرها عنها فورا وقالت ترتب الأوراق تحتها
" لا تسمعك ابنة الزعيم شراع تخطبي نفسك لزوجها "
ابتسمت ابتسامة سرعان ما تحولت لضحكة وقالت
" لا بالله عليك من تنافس تلك المرأة ؟ لم تكن صورتها في
الجريدة واضحة لكني كدت أموت من الصدمة ما أن رأيتها ، لقد
فاتتني أعداد المجلات التي أظهرت صورتها بوضوح ولم أكتشف
ذلك إلا بعد مرور أكثر من أسبوع "
ابتسمت الجالسة خلف مكتبها بسخرية ممزوجة بالحزن وقالت
ولازالت تتجنب النظر ناحيتها
" حتى المجلات لم توفيها صورها حقها إنها تشعرك بالتقزم
ما أن تريها وتتحدث أمامك "
نظرت لها باستغراب وقالت
" هل رأيتها سابقا ! قلة هم من رأوها وجها لوجه إن استثنينا
ساكني مملكة الغسق طبعا فهي انتقلت لحوران موخرا "
نظرت ليديها على الطاولة تحتها وقالت ما لا يمكنها نكرانه
" لقد زارت المكتب الذي أعمل فيه قبل أيام تسأل عن مديره
وهو ابن خالتها ، ما لم تسمعي صوتها وطريقة حديثها
ولباقتها مع حسنها الغريب ! لن توفيها حقها أبدا أي صور "
ورفعت نظرها لها وقد تابعت بابتسامة ساخرة هي أقرب للمرارة
" لا أستغرب أبدا أن يتشاجر عليها الرجال وحتى الأشقاء "
تنقلت نظراتها المصدومة في ملامحها فقالت مبتسمة تغطي
كل ذلك
" لن تصدقي أبدا أن يكون الزعيم مطر تركها من أجل امرأة
أخرى ؟ إنها حماقة لا يصدقها من يفكر بعقله ! لو كنت رجلا
لوضعتها في أعلى جبل في البلاد وعشت معها هناك بعيدا عن
الرجال ليس أن أبحث عن شيء لن تملكه غيرها أبدا ، إنها
امرأة ذكية قوية قادت مملكة كاملة تحضن أكثر مشاكل النساء
تعقيدا .. واثقة من نفسها أنيقة أنثى متكاملة ومتواضعة ذات
الوقت ، لقد ظلمها ذاك الرجل العظيم حين قال بأنه عاد لها
بسبب وعد وتركها من أجل امرأة أخرى ! هذه إن أشارت
لرجل بطرف رمشها جعلته تابعا لها "
تنهدت الجالسة أمامها وقالت بحيرة
" إنها مسألة معقدة أثارت أراء كثيرة بين الناس بين مكذب
للأمر ومصدق فمطر شاهين لم تكن له نساء وعلاقات بهن وقت
زعامته للحالك ! تزوجها بطريقة غريبة وتركها بطريقة أغرب
وكما قلت أنت الأذكياء سيلاحظون وجود ثغره في الحكاية ...
لكنه اعترف وأمام الملأ ! "
رفعت الجالسة خلف المكتب كتفيها وقالت
" واعترافه أكبر دليل على الخلل في الموضوع فأي طريقة
اعتذار تلك التي تجعله يعترف بذنبه أمام الملأ ! هذا قتل للمرأة
وليس اعتذارا منها "
لوحت بيدها قائلة
" تلك المسألة مناقشتها مضيعة للوقت فليسا سوى رجل أعظم
وأنبل من أن يكون مخادعاً ولا كاذباً وامرأة متكاملة يتمناها كل
رجل في العالم إذا هي أحجية لا حل لها "
ابتسمت لها ولم تعلق فنقلت نظرها ليديها البيضاء على الطاولة
تبحث فيها عن أي خاتم وقالت مبتسمة
" وأين الرجال الحمقى عن امرأة مثلك ؟ لا أرى خاتم زواج
أم أنك لا تفضلين ارتدائه ؟ "
انقبضت تلك الأصابع على بعضها وانسدل جفناها الواسعان على
تلك الأحداق العسلية وهمست الشفاه الزهرية بحزن
" لم يكتب الله نصيبا بعد "
عضت شفتها وقالت باعتذار
" آسفة إن كان سؤالي سخيفا فأنا حمقاء هكذا دائما أنسجم
مع الناس بسهولة ، آسفة يا آنسة غدير "
رفعت نظرها لها ورسمت ابتسامة صغيرة لم تمحي الحزن
في عينيها الجميلتان وقالت محركة كتفها بلامبالاة
" أبدا ليس عليك أن تعتذري فليس خطأ أن تقف المرأة مع
نفسها لوقت أطول لكي تختار شريك حياتها "
تأوهت الجالسة أمامها بعدم تصديق قائلة
" آه لا أنت رائعة وجميلة فإن كنت تنتظرين رجلا كمطر شاهين
فتزوجي سريعا فلن يأتي "
وضحكت ما أن ختمت جملتها تلك ونجحت في زرع ضحكة
صغيرة صادقة على تلك الشفاه فكم تعشق هذا النوع من النساء
اللواتي يتعاملن معك وكأنهن يعرفنك من أعوام وليس لقائكم
الأول ، قالت مبتسمة
" لو يسمعك خطيبك قد يغضب ، ألا تخشين أن أوصل
هذا له ؟ "
ضحكت من فورها وقالت
" لا بالله عليك لا أريد أن أخسر الدراسة هنا "
ضحكت كثيرا وقالت
" يالك من امرأة استغلالية لا تنكر ذلك أبدا ! "
ضحكت وما أن كانت ستتحدث ماتت الكلمات على طرف شفتيها
تراقب اختفاء الابتسامة من شفتي الجالسة أمامها وقد استقر
نظرها على شيء ما خلفها جهة الباب قبل أن تقف مبتسمة
فالتفتت من فورها بفضول ونظرت للذي كان يقف عند باب
المكتب ووقفت أيضا تنظر بحاجب مرفوع .. للرجل الطويل
الرائع بالبدلة السوداء الأنيقة يمسك حقيبة حاسوب شخصي
في يده ويرفع طرف سترته بيده الأخرى التي يدسها في جيب
بنطلونه .. شعر أسود مصفف للخلف بعناية وعينان سوداء
فاحمة وحاجبان طويلان .. أنف مستقيم وشفاه تدل على شخصية
متحكمة مسيطرة يحفها شارب ولحية خفيفة .. فكان عريضان
وشخصية مميزة تصيب بالإغماء رغم أن صاحبها يبدوا بلغ
الأربعين من عمره لكن هيبة ذاك العمر هي ما زادته جاذبية
ووسامة ! راقبت نظراتها بفضول التي خرجت من خلف مكتبها
قائلة
" مرحبا قائد ما هذه الزيارة الغير متوقعة لحوران ! ظننتك
غادرت بالأمس "
تقدم نحو الداخل وقال
" بلى عدت اليوم من أجل أمر ضروري وأريد مساعدتك فيه
يا غدير "
ابتسمت له التي التفتت قائلة للتي أصبحت خلفها
" هذه زهور طالبة جديدة هنا وخطيبة لصديق قديم للعائلة ، وهذا
قائد نصران يا زهور هو رئيس مكتب المحاماة الذي أعمل فيه
وهو أستاذ هنا يدرس طلبة الماجستير كما أنه تم ترشيحه لإدارة
الجامعة لكن تواضعه المريع الذي جعله يرفض وظيفة الإدعاء
العام جعله يرفض هذا أيضا "
انتقلت تلك النظرات والأحداق السوداء له بدهشة على ذاك
الصوت الرجولي العميق باسما
" لما كل هذا الموشح التعريفي يا غدير من هذا الذي قال لك
أني أبحث عن زوجة ؟ "
قالت التي هربت بنظرها منه للواقفة خلفها تغتصب ابتسامة
صغيرة
" أرأيت كم هو متواضع درجة الإزعاج ؟ لا تخافي وأبدي
رأيك فهو لن يدرسك "
لم تستطع الواقفة أمامها أن تمسك ضحكتها وقالت
" لا أنا لا ترهبني هذه الأمور أبداً فسبب تركي لجامعتي السابقة
شجاراتي المتواصلة مع أستاذ القانون التجاري "
وتابعت تحييه بيدها من مكانها
" سعيدة بمعرفتك سيد قائد ولن أستغرب هذا التواضع من مدير
ومدرب هذه الجميلة المتواضعة "
نظرت لها الواقفة أمامها بصدمة وما أن التفتت خلفها شعرت
بقلبها سيتوقف ما أن وقع نظرها على تلك العينان السوداء
الناظرة له تزين شفتي صاحبها ابتسامة صغيرة والذي قال من
فوره
" غدير ستصل ابنة خالتي لمكتبك بعد قليل وستسلمك ظرفا ورقيا
سآخذه منك بعد نصف ساعة في مكتب العميد اتفقنا ؟ "
ليحطم ذاك القلب وتلك الابتسامة بصفعة مباشرة فبلعت غصتها
بصعوبة وهمست
" بالتأكيد أنا في الخدمة "
وراقبت نظراتها بحزن وأسى الذي نظر لساعته في معصمه قبل
أن يغادر من هناك ويختفي كما ظهر فتنفست بعمق مغمضة
عينيها قبل أن تنظر للواقفة خلفها وقالت بابتسامة مغصوبة
" يبدوا أن حلمك سيتتحقق وستري غسق شراع على
الطبيعة "
فغرت فاها بصدمة وقالت بدهشة
" قولي قسما ! هل هو مديرك ابن خالتها الذي سبق
وتحدثت عنه ؟ "
وما أن كانت ستجيبها تراجعت بسبب التي وقفت أمام باب المكتب
قائلة
" عذرا هل هنا مكتب الآنسة غدير ؟ "
لتنظرا كليهما لصاحبة البذلة السوداء فائقة الأناقة والرقي
والحجاب الأسود الملفوف بأناقة حول الوجه الدائري والملامح
الفاتنة وعينان رغم لفها له جهة صدغيها فقد لامست أطرافه
فتحتها الواسعة فاقت الليل سوادا تجعلانك ودون شعور منك تبتعد
عنها في باقي الملامح الساحرة لتعود لها في كل مرة تدور
حدقتاك بينها كالمنوم ..! وبينما استقبلتها تلك العينان العسلية
المليئة بالحزن والألم بابتسامة رقيقة كانت العينان الأخرى لم
تجتز ذهولها بعد فاغرة صاحبتها شفتاها بشكل طفيف وهمست
بما وصل للواقفة قربها فقط
" يا إلهي ليحضر لي أحدهم ذاك الرجل الأحمق لأضرب
رأسه بالجدار "
ابتسمت لها التي قالت بأدب ناظرة للواقفة عند الباب
" نعم
سيدتي هنا مكتبي وأنا غدير تفضلي "
ابتسمت لها وتقدمت نحو الداخل بخطوات أنيقة ومدت يدها
مصافحة كل واحدة منهما وقالت للتي تعرفت عليها بسرعة
" تقابلنا في مكتب قائد أليس كذلك أم أن ذاكرتي خانتني ؟ "
ابتسمت لها بتواضع قائلة
" بلى سيدتي وسعيدة بأن كان لي فرصة أخرى لنتقابل
بشكل أقرب "
سحبت يدها وقالت تهديها ابتسامة أجمل
" وأنا كذلك يا غدير فقائد يمدحك كثيرا "
ونظرت للأسفل ما أن فتحت حقيبتها وأخرجت منها ما جعلها
تنظر له بصدمة والذي كان عبارة عن بطاقة دعوى مستطيلة
خاصة بالحفلات بإطار خشبي مزخرف بأناقة ففهمت فورا بأن
ما تحدث عنه سيكون مخفيا داخلها ويبدوا أنهما لا يريدان ولا
للطلبة المتنقلين في الممر أن يلحظوا ما ستعطيه لها وتابعت
مبتسمة
" حتى أنه يؤمنك على ما أستغرب أن يفعلها مع شخص غير
نفسه ! "
ومدت لها البطاقة على نظراتها الذاهلة ليس بسبب تلك البطاقة
بل بسبب ما سمعته وانتبهت لنفسها ما أن لاحظت نظراتها لها
وابتسامتها فشعرت بالإحراج وأخذتها منها متمتمه هاربة
بنظرها منها
" لا يأخذك تفكيرك لما يسافر له كل من يرانا معا فلسنا سوى
زملاء وقائد يفخر كل من يعرفه بأن يكون صديقاً له "
قالت مبتسمة
" بالتأكيد يا غدير وأنا من يعرفه منذ أن كنا أطفالاً لا يفهمه
إلا من يفكر بذات طريقته ... إنه شقيق رائع لي وأفخر
به كذلك "
نظرت لها باستغراب ونظراتها تنتقل لحقيبتها التي أغلقتها قبل
أن تنظر لهما وصافحت كل واحدة منهما مجددا وودعتهما
مبتسمة وغادرت من فورها أربع عيون ذاهلة تتبعها هذه المرة
خاصة للتي رمتها بقذائف مباشرة قبل أن تخرج لتتركها تسبح
في دوامة ذهول وفاتها أن تلك الفاتنة تستطيع قراءة النظرة
التي رأتها في عينيها ما أن تقابلتا أول مرة وسألت عنه ، ذهول
لم يخرجها منه سوى التي قالت من خلفها بصدمة ترتب شعرها
قائلة
" أثمة مرآة هنا لأرى إن كنت امرأة فعلا أم رجل "
فلم تستطع التي التفتت لها إمساك ضحكتها التي لم تستطع أيضاً
التحكم بها بسهولة لتوقفها وقالت ما أن هدأت
" ألم أخبرك بأنها تشعرك بالتقزم ؟ لا تزعجي نفسك أنت
امرأة وجميلة أيضا فلا تفكري في غير ذلك أو ستصيبك
نكسة مستديمة "
تنهدت بعمق وجمعت يديها عند جانب وجهها وقالت بحالميه
مبتسمة
" هذه إن لم يلق بها مطر شاهين فلا بديل له سوى ذاك الوسيم
الذي كان هنا قبل قليل ، فقط لا تخبري ذاك الجنوبي كي لا
يغضب مني "
وأتبعت ما قالته بضحكة صغيرة قبل أن تتابع بفضول تنظر للتي
أولتها ظهرها تخفي انفعالاتها عنها وقد دارت حول طاولة
مكتبها
" صحيح لما أنت من تأخذ منها ما قال عنه وليس هو
وهو هنا ! "
وقفت خلف مكتبها ووضعت البطاقة في الدرج ونظرت لها وقالت
" هذه أمور أنا نفسي لا أستطيع سؤاله عنها فليس جميع ما
يخص عمله نكون على إطلاع به ولا يحق لي أن أسأل عما لم
يفصح هو عنه "
حركت كتفيها وقالت مبتسمة
" آسفة كان سؤالا عفويا ولم يكن فضول بشع ، يبدوا لي أنك
مشغولة هل أراك اليوم مجدداً "
قالت بسرعة قبل أن تفكر في المغادرة
" لا أين ستذهبي فأنت موصى عليك من جنوبيك ذاك وعليا أن
اعرفك على جامعتك وطلبة تخصصك ومساعدتك فيما
ستحتاجينه منهم "
ابتسمت بسعادة وفردت ذراعيها قائلة بضحكة
" اقسم أن ذاك الجنوبي أفضل وأروع من مطر شاهين ومن
رئيسك ذاك أيضاً "
لم تستطع التي جلست خلف مكتبها إمساك ضحكتها وقالت
وهي تجلس
" تعالي اجلسي واحكي لي عن الأستاذ الذي تركت جامعتك بسببه
بينما سننتظر وقت ذهابي لمكتب العميد فتبدوا لي أن حياتك مليئة
بالمغامرات "
مطت شفتيها بضيق قبل أن تبتسم وتتوجه نحو الكرسي الذي
جلست عليه سابقا قائلة بحماس
" ما رأيك بمغامرات طفولتي فهي أكثر متعة من التحدث
عن ذاك الجنوبي المغبر "
*
*
*
اتكأ بخده على راحة يده وتنهد بضيق ينظر لحقيبته النائمة على
الأرض أمام قدميه وحسدها على لامبالاتها لا يعنيها إن خرجت
من هنا أم لا عكسه تماماً يكاد يحترق من الانتظار جالس هنا منذ
ساعات حتى بات يرى بأن ذلك سيمتد لوقت طويل ، تبعت حدقتاه
السوداء التي يخفي جفناه أغلبها حركة القدمان والحذاء النسائي
الذي يغطيه قماش فستانها الطويل وهي تجتازه حتى جلست
بقربه ووصله صوتها المنخفض مبتسمة
" لما لا تتصل بها أفضل من جلوسك هنا تنتظر لكل هذا الوقت
يا كاسر ؟ "
أدار مقلتيه للجانب الآخر وتمتم ببرود
" بالله عليك لا تسخري مني يا ثنانية يكفيني رماح لقد جعلني
أكره الرماح بجميع أنواعها "
خرجت منها ضحكة صغيرة وقالت
" ومن قال أني أسخر منك ؟ أنا فقط أقترح عليك ما أراه
أفضل لك "
تنهد بضيق وقال
" ومن قال أني لم أفعل ذلك ؟ لقد تحدثت معها قبل ساعتين وقالت
بأنها في مكتبها في البرج التجاري وستأتي لأخذي فيما بعد ولا
أرى أن للبعد هذا وجوداً "
قالت بذات ابتسامتها الرقيقة
" ليأخذك رعد إذا أو اذهب بنفسك فقد تكون مشغولة أو نسيت
تماما أنك تنتظرها فحفل الافتتاح اقترب وستكون منشغلة
بالإعداد والترتيب له "
أبعد يده وحركها قائلا بأسى
" لا يمكنني الذهاب لهم ودخول منزلهم ولأول مرة هكذا وحدي
آستي ما سيكون موقفي أمامهم ؟ لا وأحمل حقيبتي معي !
سأكون كطفل جلبوه من دار الأيتام "
ضحكت بصوت منخفض وما أن كانت ستتحدث قاطعتها التي
وقفت خلفه مباشرة قائلة بضيق
" ها أنت تعترف بنفسك بأن وجودك هناك خاطئ بل وغير
مرغوب به يا كاسر "
وقف من فوره والتفت للتي قال لها بضيق
" عمتي لما تقولين هذا ؟ والدتي موافقة وأبي بنفسه طلب
مني ذلك "
تبدلت ملامحها للقسوة وقالت بضيق أشد
" كاسر لا تناديه بأبي مجددا والدك هو الكاسر ابن شراع وإن
كان ميتا فلا تنزل من قدره لديك وفي قلبك "
نفض يده قائلا باحتجاج
" ومن قال أني أفعل ذلك ! لن يحب أحد والديه كمن فقدهما ثم
ها أنا أنادي عمتي غسق أمي فما المانع من مناداته أبي وهو
أبي فعلا ؟ "
قالت بضيق
" غسق ربتك ورعتك كابنها وأكثر من ذلك أما ذاك الرجل فلم
تعرفه إلا من أسابيع مهما كثرت فلا تفرض نفسك على من لا
يراك كما تراه "
شد قبضتيه بجانب جسده وقال بضيق مماثل
" خطأ عمتي فهو من طلب مني أن أناديه بأبي كابنته تيما
وأن أعيش معهم هناك أيضاً "
صرخت فيه من فورها
" ناده والدي مطر على الأقل إذا واحترم ذكرى والدك في قلبك
وفي هذا المنزل وأمام أشقائه وأمامنا جميعا فنحن لم ننساه يوما
إن كنت أنت لا تعرفه وذاك الرجل لا يحترمنا ويحترمه ، أنا لست
راضية أبدا عن تركك لعائلتك الحقيقية والانتقال هناك يا كاسر
فذاك المنزل ليس منزلك "
لوح بيده قائلا بضيق
" عمتي أخبريني ما مشكلتك معه فأعمامي لم يعارضوا ؟
ثم أنا ذاهب حيث أمي ستكون وإن للمريخ "
لوحت بسبابتها في الهواء قائلة بحدة
" لأن مصائبنا جميعها من تحت رأس ذاك الرجل وأنت لا تحتاج
لوالدتك أنت لم تعد طفلا يا كاسر فحتى الحيوانات تترك أهلها
وأعشاشها ، أنت رجل فلا تتصرف كالأطفال فرماح يحتاجنا
بقربه جميعنا "
قال محتجا
" رماح سيتزوج ولن يحتاج لأكثر من زوجته كعمي رعد تماما
أما أنا فأحتاج لوالدتي لا يمكنني العيش بعيدا عنها عمتي وإن
كنت عجوزا "
أشارت بيدها جهة باب المنزل خلفه وقالت بضيق
" وها هم لم يذكرك أحد منهم ، ستبقى غسق ابنة عائلة الشاهين
وأنت ابن شراع وثمة فرق شاسع بين غرب البلاد وجنوبها
والحالك وصنوان يا ابن الكاسر "
غزى الحزن ملامحه وما أن كان سيتحدث توقف فجأة والتفت
جهة باب المنزل حين سمع صوت السيارة التي توقفت في
الخارج فركض جهته قائلا بسعادة
" ها هي قد جاءت عمتي لتري بنفسك "
وما أن فتح الباب وقف متسمرا مكانه ينظر للذي كان واقفا أمامه
ينظر له .. لصاحب البدلة السوداء الفاخرة التي يشك أنه تخاط
لغيره مثيلة لها ..! صاحب تلك الوقفة الواثقة والرجولة الصارخة
فتبدلت نظرته لخيبة أمل عميقة وقال بإحراج
" ظننتك والدتي "
وتنحى قليلا قائلا
" عمي رعد ليس هنا يمكنك انتظاره قليلا .. تفضل "
لكن الواقف أمام الباب لم يتحرك من مكانه بل قال مبتسما
" أنا لست هنا من أجل رعد بل من أجلك أنت "
نظر له بصدمة لم يجاهد أبدا لإخفائها وقال مبتسما
" من أجلي ؟ "
أومأ له بنعم وقال
" أجل وهيا لنغادر "
ابتسم له بسعادة وعاد للداخل راكضا ورفع حقيبته من الأرض
ونظر للواقفة على يمينه وقال مبتسما
" وداعا يا ثنانية وسأزوركم قريبا وأخبري عمتي بأن
والدي بنفسه من جاء لأخذي من هنا "
وغادر مسرعا متجاهلا الواقفة خلف الأريكة مكانها والتي
قالت من خلفه بحدة
" سترجع هنا حين يرميك أنت ووالدتك تلك خارج منزله
وحياته يا كاسر وسأذكرك بهذا يوما ما فمن رماها مرة
سيرميها مرارا "
تجاهلها وتجاهل كل عباراتها المؤلمة الجارحة تلك متمنيا في
قرارة نفسه أن لا يحدث ذلك فعلا ليس من أجله أو بسبب كلامها
ذاك بل من أجل تلك المرأة التي لا يتمنى لها الألم مجدداً ومطلقاً
، ما أن وصل الباب وقف ينظر بصدمة للذي لازال واقفا مكانه
ومن ظن بأنه سيكون جالسا في سيارته أي أنه سمع كل
ما قالته فتلعثم ولم يعرف ما يقول تحديدا .. كان يريد أن
يبرر له أسباب عمته لكن الواقف أمامه لم يترك له فرصة
أطول وهو يستدير وينزل عتبات الباب الرخامية قائلا
" هيا يا كاسر فورائي اجتماع مهم "
فخرج ونزل خلفه فورا فنبرته لم تدل على الضيق أبداً مما
سمعه وهذا ما أراحه ، ما أن وصل السيارة التفت له الذي
كان يفتح بابه ونظر للحقيبة التي كان يجرها خلفه
وقال مبتسما
" ما كان من داع لنقل أغراضك يا كاسر فسأشتري لك كل
ما تريده وأكثر "
ابتسم بسعادة وفتح باب السيارة الخلفي ورفعها بصعوبة قائلا
" ولما نشتري ما أملك منه الكثير ؟ "
وأغلق الباب ما أن وضعها على الكرسي ودار حول السيارة
وركب بجانب الذي جلس خلف المقود قبله وكم يعجبه كل
شيء في هذا الرجل حتى أنه يقود سيارته بنفسه لا يتخذ
سائق ومرافق يحمل له حقيبته ! لازال كما سمع عنه من
الحكايات الكثير قبل عودته فذكره لم تنساه الناس ونقلته
لأبنائها خاصة من كانوا يدرسون معه من الحالك كان
بطلهم الذي يتحدثون عنه وكأنهم عاصروا وقت حكمه
لهم يذكرون جميع تفاصيل ما فعل وكان يفعل حتى شكل
سلاحه الرشاش ولونه وكيف كان يحمله في المعارك
ويشارك فيها .
ما أن خرجت السيارة من أسوار المنزل وبوابته حتى التفت
حولها سيارات حرسه عبر الشارع الواسع لا يمكن ولا لسيارة
خلفهم اجتيازهم رغم أن أغلب ساكني تلك الأحياء الراقية هم
مسؤولين في الدولة وشخصيات مهمة ووزراء والسيارات
المحاطة بالحراسة أمر عادي هناك لكن ليس كهذه وكالموكب
الذي يتبعها حتى أنه من ضمنهم سيارتين للجيش .
نظر ناحيته وقال
" كنت أنتظر والدتي .. لقد أخبرتني بالأمس بأنها ستأتي
لأخذي اليوم ويبدوا بأنها نسيت أمري تماما بوجود ابنتها
المدللة تلك "
نطر له قبل أن يعود بنظره للطريق وقال مبتسما
" لا هي لم تنساك أنا من أخبرها بأني سآتي لأخذك أم لا
يعجبك أن تغادر مع والدك ؟ "
ابتسم وقال
" لا بالطبع أنا استغربت فقط أنها لم تأتي "
وما أن عاد بنظره للطريق ابتسم بدهشة ما أن اجتازت
سياراتهم الإشارة الحمراء دون توقف فضحك وقال بحماس
" أول مخالفة ضد رئيس البلاد وسيتم مصادرة سيارتك "
ضحك الجالس بجانبه وقال
" هذا فقط لأننا كنا في الخط الأمامي حين أضاءت الإشارة
لكنا وقفنا ننتظر كغيرنا فلن نقفز فوق السيارات المتوقفة
أمامنا "
ضرب ظهر يده في كف الأخرى وقال
" ما يضايقني أن الإشارة مراقبة وسيروا في المرور أنك
خالفت الإشارة ولن يحاسبوك "
ضحك مجدداً ولم يعلق وما أن استدارت سياراتهم لشارع
فرعي ودخلت للشارع الواسع المحاط بأشجار الزينة والذي
جعله ينظر حوله مستغرباً وقال
" هذا ليس مكان منزلك من العاصمة إنه... "
ونطر له ما أن تابع نيابة عنه
" القصر الرئاسي ... بلى هو فمحطتنا الأولى هنا إلا إن لم
تكن لك رغبة في هذا "
قال بحماس
" كيف لا رغبة لدي في هذا !! أنا لم أزر هذا المكان بعد تلك
المرة الوحيدة قبل وفاة جدي شراع في آخر حفل رآسي ، الحفل
الوحيد الذي سمحت لي والدتي بحضوره "
قال الذي ابتسم بسخرية
" يبدوا أنها ترفض أن تكون رجل سياسة أو جيش ؟ "
نظر للشارع حوله وقال
" لا هي لم تقل ذلك سابقا لكنها كانت تفضل أن أكون أكبر قليلا
بعد للظهور في تلك الأماكن "
قال وهو يدير المقود لدخول وجهتهم الأساسية
" النتيجة واحدة يا كاسر هي ترفض أن تُبنى شخصيتك كرجل
سياسة أو حروب ، تريدك هكذا مرحا بسيطا تتخطى تعقيدات
هذه الفئة "
رفع كتفيه وقال
" لا أعلم كنت فقط لا أريد إغضابها في كل ما ترفضه وإن
رغبت به "
نظر له وعاد بنظره للطريق وقال
" وأنت مؤهل الآن لدخول هذه الأماكن يا كاسر إنه مكانك أكثر
من غيرك ، أريدك أن تحتك فعليا بهذا العالم فهو مصيرك نهاية
الأمر لأنه مكان والدك وجدك وأعمامك فستتعلم الكثير من
المشاهدة فقط الآن "
مد قبضته أمامه قائلا بحماس
" وأنا لا مانع لدي أبدا فإن بدأت دراستي فستسجنني والدتي
في المنزل كالعادة "
قال مبتسما
" ودراستك مهمة يا كاسر رغم أني أشك أنه سيكون ثمة دراسة
وأنت وشقيقتك في مكان واحد "
ضحك وقال
" لا تقلق من هذه الناحية فأنت لم ترى زوجتك بعد وقت
الإمتحانات ، لقد كانت تراقبني حتى في غرفتي وتعرض شريط
التسجيل أمامي نهاية اليوم حتى أنها تكتشف أني كنت أدعي
النوم فوق مكتبي الدراسي أحيانا "
ضحك ولم يعلق ودخلت سياراتهم بوابة ذاك المبنى الحجري
العملاق حينها ونظرات السعادة تشع من عيني الجالس بقربه
فهو بهذا أولاه اهتماما لم يقدمه له ولا أعمامه سابقا .
*
*
*