الفصل الثامن عشر
المدخل ~~
بقلم /غربة وطن 123
مارِيا ≈
أُرِيدُ أَنْ أَعُود صَغِيرَة ☆
أَسِير بِجَانِبِك ڪ الأَمِيرَة ☆
أَلْزَمَك أَيْن ماذهبت ڪ الْأَسِيرَة ☆
أتعثر وَاقِعٌ لِتَكُون لِي أَبَا
يكفكف دُمُوع ابْنَتَهُ الصَّغِيرَة ☆
أَرْقَص وأغني ڪ الفراشة
لتصفق لِي كَأَنِّي فَتَاة مَشْهُورَةٌ ☆
لَكِنِّي كَبِرَت وَلَمْ أَعَدّ صَغِيرَة ☆
عُدْ إلَيّ حَبِيبِي الذي
عَشِقْت لِأَنِّي بدونك فَتَاة فَقِيرَة ☆
اِشْتَاق لبسمتك
اِشْتَاق لهمسك وكلماتك الْقَصِيرَة ☆
أبْحَث عَنْك وأنادي طيفك
فِي الظَّلَام كَأَنِّي فَتَاة مسحورة ☆
أتبخر وأتلاشى بَيْنَ يديك
وَعِنْدَمَا تقبلني قبلاتك الصَّغِيرَة ☆
عُدْ إلَيّ حَبِيبِي الَّذِي سكن
الْفُؤَاد هَذِهِ هِي آمنيتي الْأَخِيرَة ☆
تيم ≈
كَفِي عَن تَعْذِيبِي يافاتني
فَمَا أَنَا إلَّا رَجُلٌ لوعته الْأَيَّام ☆
أَنْت الْأَمَل وَالنُّورِ فِي ظلمتي
وَأَنَا بَيْن حُبُّك وَحُبّ وَطَنِي آصارع الْآلَام ☆
أَعْطِنِي يَدَك وَقْفَي إلَى جَانبي
ولاتكوني انتِ وَالزَّمِن عَلِيّ مَعَ الْأَيَّام ☆
حُبُّك يَسْرِي فِي دمائي مُنْذ صِغَرِي
وماآنا إلَّا مُجْبَرًا لاآخرج بِلَادِي مِن الظَّلَام ☆
ثقي أنَّك وَحْدَك مِن مَلَكَت قلبي
فتعالي أضمك لِصَدْرِي لاآشعر بِالسَّلَام ☆
أَنْت عِشْقِي أَنْت زَوْجَتِي أَنْت ماريتي
وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْك طِفْلًا يَبْحَثُ عَنْ رَائِحَة أُمِّه لِيَنَام ☆
*********
لم يكن اجتيازه لتلك الصدمة بالأمر الهين وكم حمد الله أن
الجالسان معه كانا ينظران للواقفة عند الباب وليس هو فإن
كان موقفها وتفاجأها أمر طبيعي لأنها وجدته هنا من دون علم
مسبق فهو صدمته ستكون أمر مستهجن وهو من يفترض بأنه
يعرفها وسبق والتقاها في الحفل فأي حفل هذا وأي تخاريف
أيبحث عن فتاة لأسبوع كامل حتى يئس من إيجادها ثم يذهب لفك
رباط وهمي مع أخرى تهرب منها من أجلها فيجدها هي نفسها
!! كان ليتوقع أن يجدها في المريخ ولا أن يجدها هنا في هذا
المنزل وهذه العائلة !!
لم يعد يعلم أيضحك أم يصرخ أو ليحطم لها عظامها ورأسها على
ما فعلته به ومتأكد أنها تعرفه جيدا وعلمت من يكون منذ نزلت
طائرته ولعبت به تلك اللعبة لا بل هو من وضعهما كليهما فيها
... لا بل هي السبب فلما لم تخبره ؟
أكان كله غضبا واحتجاجا لأنه لم يحضر ذاك الحفل الذي كانت
بالتأكيد ستكشف نفسها له فيه وبدلا من ذلك كشفت به عيوبها .
ورغم أن نظراتها انحرفت عنه سريعا إلا أنه لم يستطع فعلها
يراقب أدق تفاصيلها .. العيان السوداء الواسعة بشكل طولي
مميز أنف يوناني مستقيم يبدأ من الجبهة الواسعة قليلا وبشكل
ميزها لتعرف ذكاءها فور أن تراها وشفاه ممتلئة بشكل متناسق
وجميل ..
ملابسها العملية البسيطة رفعها لشعرها الناعم في جديلة
وإمساكها لغرتها بمشبك صغير وصولا لخطواتها نحوهم فكلاهما
سيكون موقفه لا يحسد عليه ، وقف الجالسان معه وقال والدها
مبتسما ما أن وصلت
" لن يحتاج الأمر أن نعرفكما ببعضكما بالتأكيد فقد سبق والتقيتما
في الحفل ؟ "
نقلت نظرها منه للذي ابتسم لها بسخرية فها هو يذكرها بأنها
كذبت على الجميع وكم تمنت لحظتها أن كانت صادقة لما كان
استقبال والديها له بحفاوة هكذا ولكان ظهر أمامهما على حقيقته
وما كان والدها ليتركه في منزلهم أكثر من دقائق لكنها أنقذته
بينما ورطت نفسها الآن فلم تكن تتخيل ولا في منامها أن يفكر
في زيارتهم بعدما انتهى الأمر بما يرضيه ويخدم مصالحه .
وقفت أمامهم مباشرة ومدت يدها هامسة ونظرها بعيد عنه
" مرحبا "
نظر ليدها لبرهة لأناملها الناعمة الرقيقة والخاتم الفيروزي
البسيط فيها والأظافر المقصوصة بعناية قبل أن يرفع يده
ويتلامسا كفيهما وتلتف تلك الأصابع الرجولية الطويلة على كفها
الصغير فرفعت حينها نظراتها لعينيه المحدقة بوجهها وتلك
الابتسامة الساخرة لازالت تزين شفتيه وكم كرهته حينها ليس
بسبب كل ما حدث بل بسبب ذاك الشعور الذي يولده داخلها ما
أن تراه فكيف الآن ؟ استطاعت أن تقول أخيرا وبابتسامة تشبه
ابتسامته
" أجل نعرف بعضنا وجيدا أيضا "
وسحبت يدها من يده وأبعدت نظرها عن نظراته التي باتت
توصلها للجنون .. نظرة تعاكس الغضب الذي هي متأكدة من أنه
يشتعل داخله منها فإن كان قصده إحراجها أمامهما فقد نجح
وبحدارة .
" معذرة منكم "
تمتمت بتلك الكلمات قبل أن تغادر من هناك ووجهتها ممر الغرف
ودخلت غرفتها فورا وأغلقت بابها خلفها واتكأت عليه ترفع
رأسها للأعلى وأغمضت عينيها بقوة فلما تراه في كل مرة
يلتقيان فيها أجمل وأوسم من سابقاتها ؟ يا إلهي إنها تغرق
ورغما عنها وفي المياه الضحلة التي لن تعيش فيها طويلا
وليست تفهم لما تتشابك أقدارهما هكذا ! جل ما تتمناه أن يكون
قادما ليعتذر عن تلك الخطبة وبشكل نهائي وأن يكون تحدث في
الأمر قبل أن يراها رغم أن ملامح والديها وابتسامتهما لم تكن
تحكي ذلك أبدا ، كانت ترى الحماس في نظراتهما وكأنهما
يتمنيان بالفعل أن تسير الأمور عكس ما كانت عليه فهي المخطئة
زينت صورته بكل غباء وها هو وقت دفع ثمن أخطائها .
ابتعدت عن الباب ورفعت يدها لشعرها ونزعت الرباط المطاطي
منه بقوة وتناثر شعرها على ظهرها وصولا لأسفله ورمت ما في
يدها على طاولة التزيين وأتبعته بحقيبتها فاليوم كان سيئا من
أوله فقد خسرت الوظيفة التي كادت أن تحصل عليها وها قد ختم
يومها بهذه الزيارة المفاجئة لمن لم تتوقع أن تراه بعد تلك المرة
، ولم تكن تعلم بأن فصول تلك الحكاية لم تنتهي بعد حتى انفتح
باب غرفتها بعد طرقة خفيفة ودخل منه الذي قال بملامح متصلبة
" كنانة ما هذه الحركة الحمقاء وقلة التهذيب الذي
تصرفت به ؟ "
التفتت له وكانت ستتحدث فسبقها قائلا بضيق
" هل ربيتك على هكذا تصرفات يا كنانة ؟ "
أرخت نظرها للأسفل وهمست
" لا أبي وأنا كنت متعبة و.... "
قال من فوره وبضيق
" وإن يكن فليس من اللباقة أن تغادري بتلك الطريقة وما هو
قادم من أجله سيكون موضوعا يخصكما كليكما يا كنانة "
تنهدت بضيق مبعدة نظرها عنه فها قد قال سيكون يخصكما ولم
يقل يخصكما فقط أي أنه لم يتحدث عن الأمر بعد وهنا تكمن
الكارثة ، أخفضت رأسها قبل أن تنظر جانبا ووصلها صوته قائلا
باستغراب
" أنا حقا لم أفهم لما لم يعجبلك يا كنانة ؟ فترة جلوسي معه لم
أعرف سوى شابا مهذبا خلوقا تفكيره متحضر وراقي إن تحدث
مع والدتك فهم كيف تفكر وما أن تحدث معي أنا شعرت بأنه من
سني ويفهم طريقة تفكيري ولن أفكر ولا واحد بالمئة بأن مظهره
وشخصيته لم تعجبانك فحتى الأعمى لن يصدق ذلك فلست أفهم ما
هذا الذي لم تتوافقا فيه يا كنانة ؟ "
ولا هي تستطيع نكران ذلك وقد رأته وعرفته قبله بل وأفقدها
عقلها في دقائق معدودة ولازالت حالتها سيئة حتى الآن لكن
كرامتها فوق كل شيء ولن تنزلها ولا من أجل قلبها ، تنهدت
بعمق قبل أن تنظر للأسفل قائلة
" سأغير ملابسي وأخرج "
قالتها فقط على أمل أن لا تجده بعد أن تستحم على مهل وتغير
ثيابها على أقل من مهل لكن ذلك لم ينجح أيضا والواقف أمامها
يقول بحزم
" لا أرى من مشكلة في ملابسك وهو رآك بها فتغييرها لن
يجدي في شيء "
زمت شفتيها بحنق تمسك نفسها عن قول أي كلمة فما الذي
سيعنيها هي في الأمر لتتزين وتتأنق له ويوم كانت مستعدة لفعل
ذلك لم يهتم ولا لرؤيتها ، تنهدت باستسلام متمتمة
" حسنا قادمة "
قال من فوره وبأمر
" بل أنتي من ستذهبين قبلي لا أريده أن يلحظ شيئا يكفي ما حدث
حتى الآن "
تنهدت باستسلام وتحركت مجتازه له وغادرت الغرفة تسير
بخطوات بطيئة فهذا ما تستحقه وسعت له بنفسها مكانة لا
يستحقها وسط عائلتها ، سارت بذات البطء حتى كانت في بهو
المنزل ووصل لمسمعها حديثهما أو صوت والدتها وهي تجيب
سؤاله على ما يبدوا قائلة بابتسامة
" أجل لقد درست في أكادمية الطيران وعملت كمضيفة ثم انتقلت
للعمل في المطار كموضفة لأن عمل المظيفات لم يرق لها بسبب
ما فيه من مخالفات رغم حبها الشديد له فوجدت أن مهنتها
كموظفة في قسم الملاحة الجوية بدوام جزئي أفضل ولسنا نفهم
ما غير رأيها بشأنه فجأة ؟ "
شدت على أسنانها بغيظ وتحركت نحوهما فيبدوا أن تحقيقا
بشأنها قد بدأ للتو هنا ، أبعدت نظرها عن الذي شعر بها أولا
فنظراته تبعتها بشكل مزعج مستفز وكأنه يتعمد فعل ذلك وأن
يوصل وجنتيها المرتفعتان للإحتراق ، وما أن شعرت بها التي
التفتت لها وأدارت نظرها معها قالت بابتسامة
" كنا نتحدث عنك للتو "
وكم كرهت حينها إعجاب والديها به حتى أنها ترى وبوضوح
أنهما يأملان في أن تتغير مجريات الأمور وهي السبب طبعا ..
سحقا لها ، جلست بجانب والدتها وقالت ببرود
" يبدوا أن الحديث تغير ناحيتي فجأة ؟ "
وتعمدت أن لا تنظر ناحيته بينما كان التعليق ممن لم تترك مجالا
لأحد للتحدث وهي تنظر لقدمي الجالسة بجانبها عاقدة حاجبيها
قائلة
" أوه كنانة أنتي لم تغيري حذائك وقت دخولك ؟ انظري لقد تركت
أثرا بشعا على الأرضية "
نظرت لقدميها ثم للجالسة بجانبها وقالت مبتسمة
" نسيت أمي أنا آسفة "
ابتسمت لها وقالت
" حسنا لا بأس حبيبتي هي تحتاج فقط للتنظيف مجددا ، من
الجيد أنك لم تتحركي كثيرا في المنزل "
قالت تغتصب ابتسامة مصطنعة واضحة
" أنا من سيقوم بذلك فيما بعد أمي لا تقلقي "
" ناااادية "
التفتت المقصودة تلقائيا لسماعها اسمها من بعيد بينما مطت
الجالسة بجانبها شفتيها بامتعاض ما أن سمعت صوت والدها
يحاول ابعادها عنهما .. حركة جعلت الجالس على يسارهما يخفي
شفتيه وابتسامته في قبضة يده التي يريح مرفقها على مسند
كرسيه الجانبي فوقفت تلك من فورها واعتذرت بهمس مبتسمة
وغادرت من هناك ونظراته تتبعها حتى اختفت لتنتقل حينها
للجالسة على يمينه والتي رمته بنظرة حانقة لا تشبه بتاتا نظرته
تلك التي تكاد تجعلها تدخل اصبعيها في عينيه بسببها وهمست
ببرود
" لماذا أتيت ؟ "
رفع ذقنه بإبهامه لازال يسنده بقبضته وقال بابتسامة جانبية
" لما لم تقولي هذا أمام والدك ومالك المنزل الأساسي ؟ "
زمت شفتيها بحنق ورفعت ذقنها قبل أن تقول
" لو كان يعلم بفعلتك تلك ما كان ليستقبلك أساسا فما الذي
أحضرك الآن ؟ "
اتسعت ابتسامته أكثر وأرخى ظهره على الكرسي قائلا
" أرى أن يأتي ونخبره بفعلتي الآن "
قالت من فورها وبضيق
" وتظهرني كاذبة أمامهما ؟ "
حرك كتفه قائلا بسخرية
" حسنا لا مانع لدي فهذه بتلك "
نظرت له بغضب لم يعره أي اهتمام مما جعلها تشتعل أكثر ،
سحقا له لقد رمت بيديها الكرة في ملعبه وسيعاقبها الآن كما
يشاء ، قالت بحنق لم يعد يمكنها إخفائه
" وما الذي جعلني أفعلها برأيك ؟ ألا ترى بأني من حفظ ماء
وجهك من الإحراج ؟ لو لم تكن والدتي مريضة حينها وذهبا
للحفل لما حضيت بكل هذه الحفاوة فهما منخدعان بك وللأسف "
مرر أصابعه في شعر صدغه وكأنه يخطط لقتلها لا محالة وقال
بتأني
" أنا لم أطلب منك أن تزيني صورتي أمامهما .. أنا قادر على
فعل ذلك بنفسي "
ياله من مغرور .. كان هذا أول ما قاله عقلها وهي ترى ثقته
وكأنه لم يفعل شيئا لكنها لن تسكت له أبدا فهو المذنب لا هي ،
قالت مبتسمة بسخرية
" بالكذب طبعا ؟ "
انحنى للأمام قليلا وقرب وجهه منها قائلا بابتسامة
" بل بالحقيقية "
وما أن عاد لجلوسه السابق دس يده في جيب بنطلونه وأخرج
ورقة ومدها لها فورا فنظرت لها لبرهة بين أصبعيه السبابة
والوسطى قبل أن تمد يدها وتأخذها منه وما كانت لتهتم لولا ثقته
الزائدة التي حركت فضولها لتعرف ما تحويه هذه الورقة ليكون
دليلا لصالحه ! فتحتها ونظرت لها باستغراب لأن ما تراه أمامها
كانت وصفة علاج طبية ! رفعت نظرها له حين قال مبتسما
بسخرية
" انظري للتاريخ والوقت لتتأكدي أكثر أو استفسري من الفندق
فقد أكون كاذبا أيضا "
جعدت الورقة بين أناملها منزلة ليدها لحجرها حين سمعت
الخطوات التي اقتربت من مكانهما وتصلب جسدها بأكمله حين
وقف الجالس بقربها وانحنى ناحيتها وهمس في أذنها ببعض
الكلمات وعاد للجلوس سريعا في اللحظة التي كانت موقنة من
اقتراب والديها منهما فيها ورؤيتهما لذاك المشهد فتمنت أن
غرست أسنانها في ذاك العنق ومصدر تلك الرائحة الرجولية
المميزة والمتلفة للأعصاب ليس بسببها فقط بل وبسبب كلماته
وحركته المتعمدة تلك ولم تنتهي فصول لعبته كما توهمت وهو
ينظر لها مبتسما بمكر بل بتسلية لما يفعله بها في استقبال
والديها وقد نظر لهما مبتسما وقال
" كان عليا أن أعتذر عن سوء الفهم الذي حدث سابقا "
تشنجت عضلاتها وكادت تفقد سيطرتها على كل شيء فها هو
يلعب بمكر لكنه فاجأها حين قال
" لقد التقيت وكنانة في المطار وقت نزول رحلتي وأحدنا يجهل
من يكون الآخر وهنا كانت المشكلة وحدث سوء الفهم بداية
الأمر "
قال والدها الذي جلس يسارا
" آوه الآن أصبح بإمكاني فهم الأمر ولما حدث ما حدث في
الحفل ويبدوا أن كل ما في الأمر سوء فهم صغير ؟ "
قال الذي نقل نظره لها مبتسما
" أجل هو كذلك "
لم تشعر بالرغبة في ضربه كما حدث حينها وما زاد الأمر سوءً
حين قالت والدتها بحماس
" جيد فنحن نكره فعلا أن يكون ذلك بينكما ... وحتى إن لم
ترتبطا "
تنهدت براحة حاولت إخفائها بشق الأنفس فعلى الأقل أنقذت
والدتها ما تبقى من كرامتها نهاية حديثها يكفيها ما حدث حتى
الآن ، وقف حينها ووقفوا جميهم لوقوفه وكم كانت ممتنة لذلك
فكل ما تريده أن يغادر فقط وأن تجد أنها أصبحت لوحدها ولا أحد
معها تلملم شتات نفسها وما تبقى من كرامتها ومشاعرها
المعبثرة ، وظنت أن مراحل اللعب بالأعصاب انتهت عند ذاك الحد
لكن ذاك الثري الوسيم يبدوا كان يخفي لها المزيد وهو ينظر
للواقفة بجانبها وقال مبتسما
" آسف على هذه الزيارة الطويلة المعقدة وستتكفل والدتي بما
لا نفهمه نحن الرجال ولا نعتبره للأسف مهما "
كانت نظرات الصدمة الموجهة له حينها من شخص واحد فقط
والوحيد الذي استطاع هو التقاط نظرته تلك مبتسما وغمز لها
بعينه مما جعل الشخصان الواقفان معهما ينسجما في ضحكة
طويلة صادقة بينما كان ثمة من تقف بينهما تكاد تشتعل وتحرق
كل شيء أما هو فكان يعلم جيدا أن هذه العائلة عاشت وتربت في
مجتمع وبيئة منفتحة وكان موقنا من أن بعض الأمور يعدونها
عادية جدا بين من يكونا على ارتباط وإن كان ليس رسميا
والدليل كان السماح لها بالتعرف عليه سابقا وتركها معه
لوحدهما قبل قليل بينما التي كانت ما تزال ترمقه بتلك النظرات
الحانقة ما كانت لتتوقع أن الأمور قد تتطور لهذا الحد وفهمت
حينها معنى الكلمات التي همس لها بها قبل قليل ، صافح والديها
بينما كانت تحيته لها مختلفة تماما وهو يمد يده لوجهها ملامسا
طرف أنفها المستقيم المدبب بسبابته وقال مبتسما
" عودي للمطار يا كنانة لا تخسري عملك المفضل بسببي "
وغادر بعدها من فوره وتبعه والدها للخارج وما أن تواريا خلف
باب المنزل المفتوح نظراتها الحانقة تتبعه قالت التي ضمت يدها
بحماس
" رباه كم هو رائع يا كنانة كيف لم تتفقا قبل الآن ؟ يا له من
شاب راق حقا جاء ليعتذر وهو لم يرتكب أي خطأ "
نظرت لها بحنق وكانت ستتحدث ستقول أي شيء وإن الحقيقة
وأن تسبه أن تشتمه لكن الكلمات علقت في حلقها وكانت شفتاها
تتحرك من دون صوت وكأنها فقدت الكلمة التي تريد قولها
فضربت بقدمها الأرض بغيظ وغادرت من هناك ودخلت غرفتها
ضاربة بابها خلفها بقوة ورمت الورقة من يدها فهي تتوقع جيدا
ما يحدث الآن في الخارج ووالداها يخططان لكل ما سيحدث
مستقبلا ، توجهت لحقيبتها وأخرجت هاتفها وقبل أن تفكر في
فعل أي شيء سبقتها الرسالة التي وصلته وهو بين يديها وكانت
من رقمه فهي تحفظه جيدا ، فتحتها فكان فيها
( عودي للمطار يا كنانة فسيتم نقلك منه لبلادك وستعملي مظيفة
مجددا لكن في رحلاتي فقط )
رمت الهاتف على السرير بغضب قائلة
" ومن قال أني أريدك أن تحقق لي حلمي الضائع مني ؟ ومن
قال بأني سأذهب للوطن أساسا "
جلست على السرير ورمت الحذاء من قدميها بحركة غاضبة دون
أن تلمسه بيديها قبل أن تجعلها والدتها تغسل ارضية المنزل
بأكمله بالماء والصابون وأمسكت هاتفها مجددا وأرسلت له
( ومن قال بأنه ثمة ارتباط سيكون بيننا أساسا ؟ تزوج من الفتاة
التي تريدها وابتعد عني )
وكما توقعت وصلها الرد سريعا
( قولي هذا لوالديك وليس لي ... وبالنسبة للأخرى فلابأس
أتزوجها عليك )
نظرت لأحرف رسالته بصدمة أصابت قلبها قبل كل شيء وأرسلت
له سريعا
( بل ستتزوجها هي وتتركني وشأني ورغما عنك )
ولم يتأخر رده كالعادة
( بلى سأتزوجها وأنت لي يا كنانة ورغما عنك )
رمت الهاتف من يدها وعبست ملامحها متمتمة بقهر
" ليس هكذا ... وأين كرامتي ؟ "
*
*
*
شعرت بأن قدماها عالقتان في الأرض ولم تستطع ولا التقدم
خطوة للأمام وكم تمنت لحظتها أن عادت أدراجها راكضة
وغادرت من هناك واختفت وللأبد لكنها لن تفعلها أبدا ولن تظهر
له ضعفها وبأنها تتألم لاختياره لغيرها ، كان جرحا وضربة قوية
لقلبها المعلق به أن يعاملها بتلك الطريقة القاسية ويخطب أخرى
.. كيف يسمح لنفسه بفعلها ؟ كيف ستراهما معا بل وتدخل
منزلهما وترى أطفالهما قسما أن تموت ... لم تكن تتخيل الأمر
قاسيا ومؤلما هكذا ! يا الله ما أشده على قلبها فكيف ونظراتها لم
تستطع أن تبعدها عن ملامحه التي اشتاقت لها بجنون وذقنه
الخفيف قد نمى بشكل مرتب ومميز وذاك القميص القطني يبرز
جسده الرائع وبنطلون قصير ... إنه نموذج حي لرجل الأحلام
وللزوج والحياة المنزلية الدافئة والحميمية وكل هذا ستحظى به
امرأة أخرى بينما هي تقف تتفرج وليس وحدها في صورة بل
ورجل آخر يقف بجانبها ليست تعلم حتى كيف يكون وإن كانت
ستنظر له كهذا يوما أم لا ! أنزلت حدقتاها المليئتان بالألم بعيدا
عن عينيه تدفن كل ذلك فيهما ليوقظها مما هي فيه صوت الواقف
بجانبها مستغربا
" تيما يد قاسم ممدودة لك من وقت ! "
رفعت حينها نظرها لتلك اليد وشعرت بكل عصب في جسدها
يرتجف شوقا ويدها تلامسها فكيف وهي من اختبرت سابقا هذا
الملمس وليس على يدها فقط بل وجسدها بأكمله وهي تجد الأمان
في حضن صاحبها واختبرت وجنتاها الناعمة ملمسها ، ولم يكن
حال الواقف أمامها بمختلف عنها ونظراته المستغربة تنتقل بين
ملامحها لاختفاء تلك النظرة المتلهفة التي لمحها في عينيها
ليزحف لها الموت البطيء فجأة ! ولم يترك يدها حتى سحبتها
هي من يده فلم يشعر إلا وقتها بعذاب فقدان ذاك الملمس سابقا
ولم يفهم غرابة تصرفاتها أكل هذا بسبب حديثهما الأخير ؟
لكنه اعتذر وكرر اعتذاره ! شعر حينها بأمله في نيلها يضمحل
ويتناقص خاصة مع العهد الذي قطعه لوالدها أن لا يتحدثا في
الأمر لكان حملها على كتفه الآن وأخذها حيث يمكنهما التفاهم
وبالطريقة التي تعجبه ، فتح لهما الباب أكثر وقال
" تفضلا لقد كانت مفاجأة مميزة "
قال صقر وهو يدخل مبتسما
" سنساعدك فيما قلت بأنك لم تقتنع برأي مهندس الديكور فيه
لذلك جلبت معي العنصر النسائي الوحيد في المنزل فذوق النساء
في هذه الأمور متشابه "
ودخل ينظر حوله ونظرات من اجتازه للتو لازالت معلقة بالتي
دخلت خلفه تتجنب النظر ناحيته وغابت حدقتاها الزرقاء في
تفاصيل المكان ، كانت فيلا جميلة تراها منزلا عائليا صغيرا
ومميزا بل ودافئا وحميميا للغاية مع ذاك اللون القرنفلي المميز
للجدران مع نقوش ذهبية لزهرة القرنفل .. السلم اللولبي
والفواصل الزجاجية المفضلة لديها في
ديكور المنازل ، كانت قطع
الأثاث المغطاة منتشرة بعشوائية كما التحف والمناظر وبعض
علب الصمغ والطلاء ولفافات من ورق الجدران وشعرت بالمرض
لتفكيرها بأنه ثمة من ستعيش معه هنا ويجهزه من أجلهما ...
لما لا يشعر كما تشعر ؟ لماذا لا تستطيع أن تكون مثله !
يا إلهي إنها تموت وكم تخشى أن تفضحها دموعها سريعا .
قال صقر باشمئزاز مكشرا ملامحه
" بالله عليك يا رجل لما تستحمل الحياة هنا مع هذه الروائح
الخانقة ؟ كنت بقيت معنا هناك حتى اكتمل منزلك أو حتى
تتزوج ؟ "
انقبضت تلك الأنامل البيضاء الرقيقة مع بعضها تخفي انفعالها
فيهم حتى كانت مفاصلها تبيض وبشدة بينما حاولت أن تحافظ
على نظرتها الجامدة وهي تنظر للمكان بنظرة شاملة وقال الذي
لم يتوقف عن تأملها ولا تأمل تلك الملابس التي يراها بها أجمل
من كل مرة رغم أنها رائعة كيفما كانت
" أحيانا ثمة خيارات أقل ضررا من غيرها مهما كانت صعبة "
فأشاحت بوجهها عنه .. تلك التي لازالت تفسر الأمور بشكل
مغاير للواقع ولا أحد منهما قادر على إيصال ما يشعر به للآخر
وأحدهما قيدته الوعود والآخر وصل به الألم درجة أن عجز عن
التعبير عما في داخله ورغم كل ذلك قرر أن يتحدث منتظرا أن
يأخذ برأيها في كل ما سيفعله هنا وما كان يتمنى أن يختاراه
ويقرراه سويا بالفعل وإن بحضور والدها فقال ونظره لم يفارق
ملامحها الجميلة سجينة ذاك القماش الأبيض الذي لم يزدها سوى
رقة وجمالا
" مهندس الديكور اعتذر بسبب وفاة قريب له بالأمس ونحن لم
نتفق بعد بشأن أمور كثيرة وقد تساعداني في هذا "
قال الذي أحاطت ذراعه بكتفي الواقفة بجانبه
" ولهذا نحن هنا بل وأحضرتها معي تحديدا أما أنا فلست أفهم
في هذه الأمور أبدا "
تحرك من فوره قائلا
" حسنا يمكنني إحضار ورقة وقلم "
وراقبته نظراتها العابسة وخطواته الواثقة الواسعة تجتاز الأريكة
في منتصف المكان قبل أن يدور حولها فها هو سعيد جدا
بتحطيمها وكأن شيئا لم يكن .. حمقاء وما هذا الشيء الذي
سيكون مثلا ؟ لم يكن ثمة شيء بينكما لا شيء ولا وعد صغير
ولا كلمة واحدة عبر فيها وإن بتمويه عما في داخله أي لا وجود
لك ولا مكان وها هو أكبر دليل أمامك خطب ويجهز نفسه للزواج
وليس يعلم في أي أرض تكونين ، شعرت بنيران غيرتها تشتعل
كالسعير وهي تفكر في التي اختارها وستعيش هنا .. لا ويريدان
أن تختار هي تفاصيل منزل أحلامهما ! قسما لن تتركها تهنئ
بهذا وستجعلها تشمئز ما أن تدخله ، ما أن عاد نحوهما مجددا
ونظره على الورقة المطوية في يده نظرت حولها وقالت بجمود
" أرى الستائر تكون زرقاء "
نظرا لها كليهما باستغراب وقال صقر
" زرقاء مع جدران قرنفلية يا تيما ! "
قالت بامتعاض
" ألم تسألوا عن رأيي ؟ وهذا هو رأيي في الأفضل له "
قال الذي بدأ بتدوين ذلك في ورقته
" حسنا لا بأس ... أنا لا مانع لدي "
وما أن سمعت تلك العبارة وكأنه قام بتشغيل زر الفوضى في
دماغها قبل منزله الجميل وهي تتحرك من مكانها بحطوات بطيئة
تنظر لما حولها قائلة
" هنا تكون أريكة زهرية ... هنا سجادة خضراء مع نقوش نارية
... التحف بيضاء و.... "
وبدأت غيرتها الأنثوية المشتعلة في العبث في تفاصيل كل شيء
منتقمة من الذي كان يتبعها ويكتب كل ما تقوله نظراته المندهشة
من اختياراتها فقط ما يعبر عن دواخله والتي لم تكن تراها أساسا
ولم تهتم لرؤيتها ، بينما لم يفكر هو في مناقشتها فيما تقوله
لأنه أراد بالفعل أن تختار هي منزلها كيف تريد أن يكون وإن لم
توافق عليه ولم تكن زوجته فيكفيه أن يعيش فيما اختارته ووحيدا
أيضا ... وها قد أتته الفرصة لمنزله فكيف يرفضها ؟
دخل ذاك الصوت الرجولي مع صوتها الأنثوي الذي ملأ المكان
الشبه فارغ وكان للذي تركاه خلفهما والذي قال بصوت مرتفع
ليسمعاه
" لكنك اشتريت أغلب ما تحدثت عنه يا قاسم فلما تكتبه ؟ "
قال الذي لازال يدون بعثرات أحرفها المستاءة
" لا بأس سأغيره "
ولم يزد ذاك الواقفة أمامه إلا اشتعالا وهي تراه لا يهتم ولا بردائة
ذوقها بل ويوافق عليه ! هل بهذا ينتقم منها ؟ قسما أنه نجح في
ذلك وبجدارة ، طوى الورقة مرتين ثم دسها في جيب بنطلونه
ونظر لها هذه المرة لتتبع نظراته فورا مسار نظراتها المتجهمة
والتي لازال لا يفهمها مع مزاجها السيء الذي لم يفارقها !
وحين اكتشف ما كانت تنظر له تحرك نحوه مسرعا ورفع
اللوحة المغطاة بشكل شبه كامل سوى جزء بسيط منها في
الأعلى وأبعدها كي لا تراها ووضعها مقلوبة على الجدار خلف
الكرسي الذي كانت عليها وعاد جهة الأريكة القريبة منهما
وقال وهو يزيل الأوراق عنها
" تفضلا بالجلوس .. آسف الفوضى هنا في كل مكان عدا هذا "
تحرك صقر من فوره وجلس عليها متنهدا بارتياح وقال
" تعالي يا دمية آل الشاهين لنرى شجرة الزيتون ماذا ستضيفنا
ونحن نزورها فجأة ؟ "
تنهدت بأسى بينما ضحك الواقف على بعد خطوات منها وتحرك
من هناك قائلا
" صحن زيتون بالطبع ماذا ستتوقع من شجرة زيتون ؟ "
وغاب عنهما بسرعة في جهة خمنت أنها ستكون للمطبخ بالتأكيد
فتحركت بخطوات حانقة وجلست بجواره تضرب قدمها الأرض
بتوتر بل بانزعاج من كل شيء حتى من نفسها فلو كانت تعلم
أنهما قادمان هنا وأن الأمر هكذا ما أتت معه ولكانت رفضت ولن
تراعي مشاعر عمها في الرفض أبدا ، نظرت حيث ظهر القادم
من هناك يحمل صينية تقديم في يديه قبل أن يظهر لهما من
خلف الفاصل الزجاجي وعبست ملامحها الجميلة وأبعدت نظرها
عنه فها هي تلك الحمقاء حضت بكل هذا ... رجل متكامل حتى
أنه يعرف الطبخ ويقوم بأعمال المنزل دون تذمر ولا رفض ، كم
تكرهها وتتمنى أن يحترق هذا المنزل بها ما أن تدخله شرط أن
ينجوا هو طبعا فلن تحتمل فكرة فقدانه وإن اختار غيرها وكانت
غاضبة منه فتريده فقط أن يُعاقب ليشعر بها لكن ليس أن يموت .
وصل عندهما ووضع أمام كل واحد منهما صحن كعك شيكولا
وكوب عصير لوز وقال مبتسما وهو يرفع نظره للتي وضع
الكوب أمامها
" اخترت عصير اللوز خصيصا من أجل شجرة اللوز فلن نشرب
زيت الزيتون طبعا "
ضحك صقر ورفع كوبه بينما ذبلت تلك الابتسامة حتى اختفت من
شفتيه وهو يرى تلك النظرة العابسة المستاءة تتحدث ولا يفهم
حقا ما تقوله فمؤكد والدها أخبرها فلما هي مستاءة منه ؟
هل لأنها ترفضه لكنها تقع تحت تأثير ضغط كبير منه !
لكنه قال هي من ستختار فما سر هذا الموقف العدائي منه !
ألازالت على موقفها رغم اعتذاره وخطبته لها ؟
جلس أمامهما وذاك الجو المتوتر بدأ ينتشر وصولا له أيضا
لازال يراقب تلك الملامح الفاتنة الحزينة تارة والمستاءة تارة
أخرى وتلك الشفاه الرقيقة المزمومة أغلب الأوقات وتنهد
باستياء من ذاك المدعو مطر شاهين فهو السبب لكان سحبها
للخارج الآن وعلم كيف يتفاهم معها لكنه أغلق جميع السبل
أمامه وتركه هكذا يشتعل في صمت ، مرر أصابعه في شعره
ونظر جانبا بل وقرر أن يرحمها من نظراته أخيرا لعلها تستطيع
أن تبتلع لقمة أو اثنتين فلم تفهم حتى الآن لما لا يتوقف عن
مراقبتها ! أيحتفل بانتصاره عليها أم يراقب نتائج تحطيمه
لقلبها الغبي ؟
سحقا للرجال ... هذا ما رددته في داخلها وبكل ألم فلم تتوقع
أن يكون قاسيا معها هكذا ومجحفا في حقها ! وضعت صحنها
حين لم يعد يمكنها أكل المزيد منه ونظرت للجالس بجانبها
والذي يبدو انسجم في الأكل ويكاد ينهي طبقه وقال مبتسما
وهو يأكل آخر لقمة ويخرج الشوكة من فمه شبه نظيفة
" من هذا الذي وثقت به لتشتري منه يا عدو المأكولات
الجاهزة "
قال الذي نظر له مبتسما
" بل جهزتها بنفسي وهذا اعتراف منك بأني أتقنتها أخيرا
ولو كان كين هنا لسخر منك ومني "
ضحك صقر وقال
" لو كنت امرأة لتزوجتك رغما عنك "
ضحك ونظر للتي رفعت طبقها مجددا وعادت للأكل منه وابتسم
بارتياح فها هي على الأقل ستأكل حين علمت بأنه من أعده حتى
إن كانت لا تفضله على ما يبدوا أو لم يعجبها ! وقف بعدها
وغادر جهة المطبخ مجددا ونظراتها تتبعه قبل أن يرجفها ذاك
الصوت بجانبها
" دعيه يرى أنك ربة منزل جيدة أيضا وخذي الأطباق قبل أن
يأتي لأخذها "
نظرت له بعبوس فضحك ورفع هاتفه فتمتمت بضيق تجمع
الأطباق في الصينية
" تعرف كيف تهرب من مهام التنظيف دائما "
ووقفت تجر خطواتها مرغمة ودخلت المكان الذي لم تكن تريد
زيارته ولا أي مكان آخر في ذاك المنزل فيكفيها احتراقا أكثر من
ذلك لكن هذا يبدوا لن ينتهي أبدا حتى تحترق وبشكل كلي ، وها
هي تواصل مسيرة عذابها الطويل تنظر لتفاصيل ذاك المطبخ
الذي دمج اللونين الأسود والبني المحروق والأرضية السوداء
من الرخام الصناعي أو البورسلين وقد تم تغطية سطح منضدة
المطبخ أيضا بالبورسلين لكن باللون الأبيض مع إضاءة واضحة
من خلال الواجهة الزجاجية لتضفي نورا طبيعيا متناغما مع
ألوانه الغامقة ومع بار خشبي جانبي قريبا من تلك الإطلالة
المميزة للفناء الخلفي للفيلا بينما تم اختيار قطع وتحف
وإلكترونيات المطبخ باللون الأبيض وعلمت حينها بأنها ألقت
بنفسها لمسببات المرض المميت وها هو كل شيء فيها يؤلمها
خاصة وهي ترى الواقف هناك مواجها لذاك الباب الزجاجي
مكتفا ذراعيه لصدره ولا يفعل شيئا وكأنه ينتظر شيئا ما أو
أحدهم فهل يكون ينتظرها هي ؟ حركت رأسها نفيا فلتتوقف عن
التفكير بحمق ، دخلت ووضعت الصينية مصدرة صوتا ما كان
لها أن تمنعه رغم أنها وضعتها برفق مما جعل الواقف هناك
يلتفت لها فورا ووجدت أنه من السخف أن تضع ما في يديها
وتغادر ولا مناص لها من البقاء حتى تغسل الأطباق والكؤوس
على الأقل فتوجهت جهة المغسلة من فورها ووضعت الصينية
التي رفعتها مجددا هناك وبدأت ضربات ذاك الغبي الموجود وسط
أضلعها بالارتفاع ما أن شعرت بتلك الخطوات تقترب منها وكادت
تفقد أنفاسها تماما حين شعرت به يقف خلفها مباشرة وتصلب
جسدها بأكمله ما أن امتدت تلك الأصابع ليدها والتفت حول
كفها الصغير وهمس قرب أذنها
" ما بك يا تيما ؟ "
أدارت رأسها جانبا ورفعت نظراتها به والتقت عيناهما عن قرب
وأعادت له تلك التساؤلات التي تكاد توصله للجنون فلم يعد يفهم
أرسالة رفض هذه أم عتاب ومن نوع صامت وقاسٍ جدا ؟
لكن لما ! ... ماذا عليه فعله أيضا !
بل ذاك السؤال كان ما دمر الواقفة ملاصقة له تقريبا فما الذي
تفعله وبماذا تجيب على سؤاله ؟
ما بي مثلا ... ؟
إنني أحترق غيرة وأموت مئة مرة لأنك ستتزوج ولم تهتم لأمري
يوما ، فبما سيخبرها مثلا ؟ أنت كشقيقتي أم كابنتي أو أنه لا يريد
امرأة بماض سيء وهذا ما قاله أمامها وبوضوح سابقا ، شعرت
بيده تعتصر قلبها وهو يشد أصابعه الطويلة على أناملها وقال
ولازال ناظرا لعينيها
" حتى أني اعتذرت ولمرتين ولم تقبلي اعتذاري ! "
سحبت حينها يدها منه قبل أن تضعف أكثر وتتصرف بحمق
ويقسوا عليها بردة فعله الأخوية نحوها وقالت ببرود
" آسفة فلا شيء بيننا نعتذر عنه ... سبق وقلت ذلك مرارا "
وغادرت من هناك قبل أن تضعف بالفعل وماذا ستفعل مثلا تترجاه
أن لا يتزوج ؟
أن يفكر فيها بطريقة تعاكس معتقداته بها وما رآه بنفسه !
وصلت بهو المنزل تشعر بتلك الخطوات تتبعها فوقفت ونظرت
للجالس مكانه يضع هاتفه في جيبه ناظرا لها وقالت سريعا
" عمي لنغادر "
نظر لها باستغراب ثم للواقف خلفها يمسك خصره بيديه وينظر
جانبا قبل أن يعود بنظره لها قائلا
" لكننا لم نرى باقي الفيلا يا تيما ! "
سحبت انفاسها التي ستخونها لا محالة بفضحها بعبراتها
المجنونة إن بقيت هناك أكثر من ذلك وقالت بصوت مخنوق
" لقد أخبرت الخادمة لتخبر والدتي عن خروجي وأخشى أن
لا تكون قالت لها "
قال مباشرة
" اتصلي بها إذا "
كان التعليق من الواقف خلفها والذي قال
" لا تضغط عليها يا خالي ، إن كانت تريد أن تغادر فخذها
وعد بعدها إلى هنا "
اقشعر جسدها لا شعوريا من نبرة صوته الباردة تلك وها قد
غضب أيضا العريس ! فلينتظر مهندسه لما عليها هي من تنسق
له منزل الزوجية ، تحركت دون أن تنتظر تعليقا من الذي لا زال
جالسا مكانه وخرجت من الباب الذي تركته بعدها مفتوحا فوقف
الذي كانت تتبعها نظراته المستغربة قبل أن ينظر للواقف مقابلا
له ومن كان لازال ينظر لمكان خروجها وقال
" ما بها ؟ "
أشاح بوجهه وقال ببرود
" لا أعلم مزاجها هكذا سيء منذ دخلتما "
وتابع وقد عاد بنظره له
" أكانت تعلم بأنكما قادمان إلى هنا ؟ "
نظر له باستغراب وقال
" لا .. أخبرتها فقط أنه ثمة من سنزوره ولم أتوقع أنه ثمة
فرق في الأمر فما بينكما لتكون غاضبة هكذا ؟ "
كتف ذراعيه لصدره وتمتم بضيق
" اعتقدت بأنه لا شيء ولست أفهم حقا ؟ "
حيّاه صقر بيده من بعيد وقال مغادرا
" لابد وأن والداها السبب ككل مرة رغم أنها كانت بمزاج
جيد حين غادرنا ... وداعا "
وغادر مغلقا الباب خلفه تاركا الذي بدأ بركل كل ما أمامه قبل أن
يغادر جهة المطبخ مجددا متمتما بحنق
" ستوافق ورغما عنها فلن أتركها لغيري أبدا .. لن يحلم أي
رجل بها "
*
*
*