لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-02-18, 09:47 PM   المشاركة رقم: 886
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



" أنا حقا أتمنى أن تفكري جيدا في قرارك هذا فنحن نحتاج

للموظفين الأكفاء مثلك وفي قسم الملاحة الجوية تحديدا "

نظرت ليديها وقالت بحزن

" ولا أنا أريد ذلك لكنها ظروفي سيدي "

وضع ذاك المغلف الأبيض من يده وقال

" الخيار لك وأمامك أسبوعين يمكنك تغيير رأيك فيها وسحب

استقالتك آنسة كنعان وأنا آمل ذلك حقا "

أومأت برأسها بحسنا تغتصب ابتسامة صغيرة واعتذرت هامسة

وغادرت مكتب المدير سريعا فلن تتراجع عن قرارها ذاك ولن

تعود لهذا المكان مجددا فهو سيجدها فيه ما أن تبدأ رحلتهم بل

والرحلات الأخرى التي ستنزل هنا وهو فيها وستضعف ما أن

تراه تعرف نفسها جيدا فهي لم تستطع حتى الآن نسيانه ومحو

صورته من ذاكرتها ولا نسيان إهاناته المتلاحقة لها ففوق ما

فعله أرسل لها يشتمها بل ويخبرها بأنه يريد فتاة أخرى وبكل

وقاحة فماذا كان سيفعل بحق الله وهو يربط فتاة بحياة معه وهو

لا يريدها ؟ وهذا بدلا من أن يعتذر عن موقفه المخزي في الحفل

يعيرها بطول لسانها ولسانه هو ضعف طوله ! تأففت محركة

رأسها بقوة ومررت أصابعها في غرتها تبعدها عن وجهها

وأدارت مقبض الباب الذي وقفت أمامه تفكر من الآن في مشقة

البحث عن وظيفة جديدة ستحتاج لأيام لتجدها وشهادتها مضيفة

طيران فأين ستعمل إن لم يكن في المطارات والطائرات ؟


تنفست بعمق وابتسمت للتي قابلتها خلف المكتب الجالسة عليه

والتي وقفت فورا وتوجهت نحوها قائلة بعتاب محب

" يا إلهي كوينوا ستتركيننا حقا كما سمعت ؟ "

وأمسكت يديها فشدت عليهما بقوة وقالت مبتسمة بحزن دمعتها

تسبح في مقلتيها الواسعة

" أجل .. أنا آسفة حقا ربيكا "

وتشاركتا حضنا طويلا عميقا صادقا فطالما أحبت هذه المرأة

واحترمتها وكأنها والدتها ، أبعدتها عنها ممسكة بذراعيها

ونظرت لها بصدمة قبل أن تحضنها مجددا قائلة

" أوه لا ما يبكي كوينوا الجميلة ؟ من هذا الذي كسر قلبك

يا فتاة ؟ "

ابتعدت عنها تمسح عيناها بظهر كفها تنظر للأسفل هامسة ببحة

" من قال أن أحدهم كسر قلبي ؟ أنا فقط سأشتاق لكم "

قالت التي قرصت لها خدها ضاحكة

" آوه لا ... أنا أعرف جيدا أنواع الدموع وكيف تكون تلك التي

يكون سببها رجل ، فمن هذا الأحمق الذي يفرط في فتاة رائعة

جميلة ورقيقة مثلك ! لا يكون هو سبب تركك لنا كوينوا ؟ "


هربت بنظرها منها تدس خصلات شعرها خلف أذنيها فعليها

الهرب من هنا قبل أن تحقق معها أكثر من هذا وستكتشف كل

شيء حينها تعرفها جيدا فهي بسنين عمرها وخبرتها الجميع

هناك كتب مفتوحة أمامها ولا كذب أو مراوغة معها أبدا .

ودعتها مجددا بعدما وعدتها أن تزورها في منزلها مستقبلا

وغادرت مكتبها فهذا التحقيق الأول نجت منه وما يزال أمامها

شيرل ومن لن تنجوا منه بالتأكيد .

ما أن وصلت الباب الذي سيخرجها لصالة المسافرين وقفت فجأة

وارتدت للخلف سريعا تراقب نظراتها المصدومة من خلف الزجاج

في الباب الخشبي الواقف هناك يتحدث مع أحد موظفي المطار

وقد أشار له ذاك حيث الباب الذي تقف خلفه فعادت أدراجها

راكضة ودخلت أول مكتب وصلته وأغلقت بابه خلفها ووقفت

عليه يدها على قلبها تتلقف أنفاسها بصعوبة فلم تتخيل أن يزور

المطار سريعا هكذا ورحلته بعد أكثر من أسبوع حتى تنتهي

التحقيقات الروتينية في حادثة الطائرة ولأنه تم منحهم فترة

استراحة هنا بعدما فعلوه لإنقاذ كل تلك الأرواح.


دست خصلات شعرها خلف أذنيها بتوتر وغرست أسنانها في

طرف شفتها لا تتوقف عن شتم نفسها وتوبيخ قلبها الغبي

الأحمق الذي كان ينبض بجنون وذاك حاله منذ وقع نظرها عليه

وكم بدا رائعا ووسيما بالثياب العملية .. بنطلون جينز داكن

وقميص رمادي مغلق ويضع نظارات سوداء فوق شعره البني


الكثيف الناعم ، وهي من كانت تتوقع أنه لن يكون أروع مما كان

في بدلة الطيران الزرقاء الغامقة الرائعة تلك ! عضت سبابتها

بقوة تمنع نفسها من التفكير فيه بإيلامها ولم تبعد أسنانها حتى

فاق ألمها التحمل ونجح الأمر أخيرا فابتعدت عن الباب وفتحته

ببطء شديد وأخرجت رأسها ونظرت للممر وتراجعت بسرعة

حين وجدته هناك واقفا أمام مكتب المهندس الجوي ينظر للافتة

المتبثة بجانبه وكأنه يتأكد من وجهته وعضت مفصل سبابتها

مجددا وبتوتر .. لا تريد أن تفكر في أنه يبحث عنها فلن يفعلها

أبدا وعلى عقلها الغبي أن يستفيق لنفسه فمؤكد هو هنا من أجل

أمر يخص رحلته تلك ولن تكون هي التي تحدث عنها سابقا ولم

يلتقيها سوى لمرة واحدة ، ما أن سمعت صوت صرير الباب فتح

في الممر خرجت وغادرت من هناك مسرعة فعليها أن تدرك

سائق التاكسي الذي ينتظرها قبل أن يغادر بوجبة دسمة أخرى

من المطار ويتركها كما يفعلون جميعهم .


*
*
*


فتح الباب ببطء وأدب بعدما طرقه طرقتان خفيفتان ووقع نظره

فورا على المرأة التي تجاوزت الخامسة والأربعين من عمرها كما

يبدوا عليها والجالسة خلف مكتب السكرتيرة هناك فإن لم يراها

بنفسه سابقا مع من استقبلوا طاقم رحلتهم لما صدق بأن تكون

تعمل هنا وهي بهذا السن ! تحمحم قليلا وقال ناظرا لبطاقتها

" مرحبا سيدة مارشنت "

رفعت نظرها له وقالت مبتسمة ببشاشة

" مرحبا ... أنت مساعد الطيار في تلك الرحلة أليس كذلك ؟ "

قال مبتسما

" أجل أنا هو وجئت أبحث عن .... "


وتردد قليلا قبل أن يقول

" أقصد ثمة موظفة هنا ضمن من كانوا في استقبالنا ذاك اليوم

وكانت من تحدثت معنا عبر جهاز الاتصال وهي صغيرة في

ال.... "


قاطعته قائلة بابتسامة

" آه أجل كوينوا تعني ؟ "

نظر لها باستغراب قائلا

" إسمها كوينوا !! "


ضحكت قائلة

" أوه لا لكني لا أعرف نطقه الصحيح فأنتم العرب لديكم أحرف

لا ننطقها نحن ، وعلى كل حال هي كانت هنا وغادرت أمامك الآن

بعدما قدمت استقالتها ورحلت للأبد "

نظر لها بصدمة هامسا

" استقالت !! "


رفعت كتفيها قائلة بحزن

" أجل ولا أحد يعلم أو يفهم سبب قرارها المفاجئ ذاك ولا مدير

المطار نفسه وكم حزنت على فراقها فهي أول عربية أحبها أكثر

من الانجليزيات "

وتابعت بضيق وقد عادت لأوراقها مجددا

" وسيكون عليا ولأسبوعين أن أقوم بمهامها أيضا حتى يتم

تعيين مساعدة جديدة للسيد فيثال و.... "


تركها وحديثها المسترسل ذاك وغادر المكتب بل والممر بأكمله

بخطوات مسرعة تبحث عيناه عنها في كل مكان في طريقه لعله

يلمحها فيه وخطواته الواسعة الشبه راكضة تأخذه ناحية باب

المطار فهي قالت بأنها غادرت مكتبها للتو أي أنها ستكون في

مواقف السيارات أو ستخرج عما قريب وفي كلا الحالتين عليه أن

يدركها فإن غادرت من هنا لن يجدها أبدا كما أنه يعلم جيدا عن

قوانين هذه الأماكن فلن يعطوه أي معلومات عنها مهما حاول

فكيف وهي مغتربة .


وصل موقف السيارات وتباطأت خطواته الراكضة ما أن وقع

نظره على سيارة الأجرى المغادرة من هناك والجالسة في مقعدها

الخلفي منشغلة بحقيبتها ولم تنتبه له فركض فورا جهة السيارة

التي قام باستئجارها فترة بقائه هنا وركبها سريعا وشغلها وما أن

نظر للخلف ليتراجع ثم يلف مغادرا خلفها اعترضت طريقه

سيارة أجرى أخرى وقفت لينزل منها من كانوا فيها وبدؤا بإنزال

حقائبهم ورغم ضغطه المتواصل على منبه السيارة إلا أن صاحب

التاكسي تبلد عمدا فضرب على المقود شاتما بحنق فهو لن يدرك

تلك السيارة الآن ومهما فعل وحاول لأنها ستضيع في الشوارع

المزدحمة وعليه أن يفقد الأمل في إيجاد تلك الفتاة وللأبد .


*
*
*


اتكأت بطرف وجهها على راحة يدها تسند مرفقها بمسند الاريكة

متنهدة في داخلها بضيق فرماح إن أمسك بجهاز التلفاز يشعرك

بالمرض من كثرة ما ستشاهده من أخبار بل ويجعلك تندم على أن

اخترت وبإرادتك وضع واحدا من أجله في كل مكان في المنزل ،

والكارثة أنه منسجم تماما مع تكرار ذات الأخبار وسماع ذات

الأراء العقيمة حتى أنه يشاهد من وقت حوارا عن القوانين

الجديدة ودمج الثنانيين في البلاد وما قد يترتب عليها بل ورأى

البعض بأنها ذريعة لمطر شاهين يخفي بها إخفاقه في مسألة

اليرموك وعدم تبريره لتسليمها للخارجين عن القانون كما

يسمونهم وغطاء لصمته عنهم حتى الآن ولم يهتم ولا بجلوس

آستريا معهم والبعض ينتقد قبائلهم وعلانية وكأنه يعاقب الجميع

معه .

ضمت قبضتها وأتكأت عليها بجبينها وأغمضت عينيها ببطء فهي

ليست أفضل حالا منه فبالرغم من مرور عشرة أيام كاملة على

ذاك اليوم الكارثي لازال مزاجها مشتعلا كالبارود ينتظر فقط أن

يقترب أحد منه فينفجر ومن دون كبريت ، فها هي مثله تماما

تعاقب غيرها بما تشعر به حتى بات الجميع يتجنبها وبشكل

ملحوظ عدا تيما التي لم تتوقف محاولاتها المضنية لجعلها تبتسم

وتشاركهم أي موضوع وتندمج معهم في أحاديثهم ، وماذا كانت

ستتوقع من نفسها بعدما حدث ذاك اليوم وأتلف البقية المتبقية

من غسق وعانت لأيام من محاربة حتى تذكر تفاصيله وكتمانها

له داخلها ... وماذا ستقول مثلا ولمن ؟ فهي لم تنسى حتى الآن

تلك النظرة التي رأتها في عيني عمتها حين دخلت عليها الغرفة

فجأة وكانت أسبق لها من يدها لحجابها الذي تمسكت به وقتها

تخفي ما رأته تلك حينها وبسهولة ونظرت لها بطريقة لن تنساها

حياتها بل والمصائب لم تنتهي هناك فما أن جذبت شعرها على

عنقها ونظرت للأسفل قائلة بامتعاض

" عمتي لا تنظري لي هكذا فهو زوجي إن نسيت "

فما كان من تلك إلا أن تنهدت بضيق قائلة

" كنت رحلت معه لما تدخليه متسللا بيننا كاللصوص "

فرفعت وجهها لها قائلة بضيق

" لم ادخله ولم يدخل عمتي فتوقفي عن النظر لي كطعم

سيلتقط جبران ويعيده إلى هنا وافقدي الأمل بي ففصلي

انتهى من حياته "

قالت بسخرية ومن فورها

" ومن سيعنيه جبران أو سيفكر فيه مثلا ؟ "

وتابعت بضيق مغادرة

" هنيئا فقط لكل ميت بموته .. ولعله سيسمي شاهين هذه

المرة وليس أميمة "

وغادرت وتركتها عيناها ستخرجان من مكانهما من الصدمة

ليس بسبب قولها لذلك بل مما قالته تحديدا فهي لم تفكر في

ذلك أبدا بل لن تفكر فيه ولن يحدث مطلقا وتحمل طفله مجددا

وفي أي وضع هما فيه ؟ لا تلك كارثة وليست تتوقعها فلما

سيحدث ذلك من ليلة واحدة ! رغم يقينها من أن تلك الليلة

الجنونية كفيلة بجعل العاقر تحمل .

أغمضت عينيها بقوة أكبر وحركت رأسها برفض فما سيكون

وضعها أمامهم جميعا حينها ؟ أخوتها والكاسر وأقاربهم بل

والناس أجمعهم فلن يرحمها أحد وهي لم تتخلص بعد من آثار

الفواجع السابقة والتي جعلت منها العنوان الرئيسي للصحف

والمجلات لأسابيع ، تيما وحدها من ستتوقع رد فعل مختلف

منها فهي مجنونة بوالدها ولن تتغير أبدا ومهما فعل .

رفعت رأسها ونظرت جانبا لها وللكاسر الجالسان على السجادة

الفاخره على الأرض يلعبان لعبتهما الطفولية السخيفة تلك وهو

يمسك أذنيه بينما تمد هي له يديها ويحاول ضربهما ولا يسمع

مع صوت ذاك التلفاز المرتفع سوى أصوات ضحكاتهما

وصرخاتها المتألمة فهما ما أن يجتمعا معا يتحولان لطفلين

وكأنهما يعوضان ما فاتهما ودون اهتمام برأي أحد ، وهذا

حالهما منذ أن انتقلوا إلى هنا وهي تزورهم بشكل شبه يومي

بل ونامت عندهم هنا البارحة ولم يناما إلا في وقت متأخر

وبعد توبيخ منها .

نظرت للجانب الآخر ولرعد وآستريا هذه المرة وكالعادة

يتهامسان ولا تسمع من حديثهما شيئا ولولا ضحكة رعد

التي تُسمع بعض الأحيان لظن من يراهما أنهما نائمان وهما

جالسان يكاد رأسه يتكئ على كتفها لولا ذرة الحياء التي يبدوا

أنه يحتفظ بها في مكان ما .

نظرت جهة الفرد المتبقي وهي عمتها الجالسة بحانب رماح

والوحيدة التي استطاعت الانسجام مع ذاك البرنامج على

ما يبدو قبل أن تستدير حدقتاها السوداء للجالس بجوارها

وقالت بجمود

" متى ستقرر أن نزور العمران ومنزل عائلة خطيبتك ؟ "

نظر لها المعني بالأمر بطرف عينيه قبل أن يعود بنظره للتلفاز

قائلا ببرود

" قمتِ أنتي بالواجب وألبستها حتى الخاتم فما يفعلونه بي

تسحبوني معكم لهم ؟ "

قالت بضيق

" وإن يكن فزيارتك لهم أمر ضروري فكونهم أقل منا ليس

معناه أن نعاملهم بدونية ولا نكترث بما هو واجب ناحيتهم "

رمقها بنظرة حادة تجاهلتها فورا ، ولم يكن ذاك حاله لوحده

بل والجميع انتقلت نظراتهم لهما وتحديدا للذي عاد لمشاهدة

التلفاز دون أن يعلق بشيء فقالت بضيق أكبر

" رماح أنا أتحدث معك "

قال بذات بروده ونظره لم يفارق التلفاز

" وأنا سمعت وما لدي قلته "

قالت بضيق أشد

" وما تقوله لا يعجب أحدا يا ابن شراع "

رمى جهاز التحكم من يده ونظر لها قائلا بحدة

" هذا هو عريس ابنتهم أعجبهم كان بها لم يعحبهم ليغيروا

رأيهم ويفعلوا معروفا في حياتهم ويرفضوه "

وتابع بذات حدته ينقل سبابته بينها وبين الجالس قريبا منها

" وكنت تزوجتها أنت يا سيدة الأصول أو زوجتها لشقيقك

الذي يتبعك كابنك وأرحتماني ونفسيكما "

نظر له رعد بصدمة بينما ردة الفعل كانت من الجالسة ملاصقة

له والتي شهقت دون شعور قبل أن تنظر للأسفل خجلا من خروج

شهقتها المصدومة تلك وتابع الذي أشار بسبابته هذه المرة

للجالسة على الأرض

" وأنتي أخبري والدك حين يغضبها مجددا يأخذها معه

لتنفث غضبها به وليس بي "

فنقلت نظراتها المصدومة منه للتي وقفت من فورها مغادرة وقد

تحرك ذاك الكرسي بعدها مباشرة وغادر صاحبه أيضا فكان رد

الفعل الوحيد من عمتهم التي حركت رأسها متنهدة بأسى ومتمتمة

" رحمك الله يا شراع "

فوقف حينها رعد في صمت وغادر في الجهة التي سلكتها تلك

ويعرف أين سيكون مقصدها وهو مكتبه والمكتب الوحيد هناك فلا

أحد غيره بات يحتاج مكانا مماثلا ، فتح الباب بهدوء ووقع نظره

فورا على الواقفة عند إحدى النوافذ الزجاجية الطويلة مولية

ظهرها له وقد مسحت عيناها فورا فتقدم ناحيتها قائلا بهدوء

" غسق لا تنزعجي مما قاله رماح فمؤكد لا يقصده ومن غضبه

لم يكن يعي ما يقول "

نظرت ليديها تشد بأصابعهما طرف قميصها وقالت ببحة وحزن

" لست غاضبة يا رعد ولا منزعجة منه بل عليه وما يفعله

بنفسه "

تنهد بعمق قائلا

" أخشى أننا تسرعنا يا غسق وما كان علينا إجباره على

ما لا يريد ، هذا وليست هنا فما سيفعله بها حينها ؟ "

رفعت نظرها للحديقة المنسقة في الخارج وقالت بجمود

" لا لم نتسرع ولم نخطئ أيضا ، رماح يحبها ومن يؤذي

من يحب يؤذي نفسه معه أيضا يا رعد ولن يرتاح إلا إن

سعى لراحته ، جهينة أعقل وأنضج مما تتصور ومتأكدة من

أنها ستغير نظرته للأمر كليا ، ثم هي مفتاحنا الوحيد لجعله

يقرر العملية يا رعد وهي تعرف ذلك جيدا "


تنهد بعمق وقال

" سنترك الحديث عنه الآن ونتحدث عنك أنت "

دارت له بكامل جسدها وما أن كانت ستتحدث سبقها قائلا بجدية

" وضعك لا يعجبني يا غسق ولا نفسيتك المشتعلة مؤخرا وأريد

أن أفهم ما حدث يومها وأين كنتما ؟ "

أشاحت بوجهها عنه جانبا وهمست بجمود

" لا شيء في الأمر مهم تعرفه "

تنهد بضيق وما أن كان سيتحدث سبقته قائلة وقد عادت

بنظرها له

" كل ما عليك فعله هو التحدث معه فأنا لا أريد سماع صوته

مجددا وليطلقني "

نظر لها بصدمة قبل أن يقول باستهحان

" لن أغامر بحياتي وأقولها له يا غسق ، ولعلمك فقط هو لن

يوافق ولا بعد ألف عام "


لوحت بقبضتها صارخة بغضب

" لا أريده .. أخبره بأني لا أريده فليحررني منه أو المحكمة

الفاصل بيننا "

قال بضيق

" غسق بالله عليك كيف ستجبرين رئيس البلاد بالقانون ؟

لن تجني شيئا من ذلك فالمحكمة لن تقبل قضيتك ولا بألف

حجة قوية لأن القضاء سيرجع له قبل كل شيء "

قالت بذات غضبها

" سيطلقني ورغما عنه فأنا من يقرر عن نفسي لا هو "


وما أن أنهت عبارتها الغاضبة تلك تحركت من هناك مجتازة له

وغادرت بخطوات غاضبة نظره يتبعها حتى خرجت من الباب

المفتوح وتنهد بعمق مغمضا عينيه وما أن فتحهما ظهر أمامه

خيال امرأة فاتنة أخرى ولم تكن هي نفسها هذه المرة بل واحدة

تصغرها بكثير تزم شفتيها الرقيقتان تمنع نفسها من الانفجار

باكية وتلك الدموع في عينيها من التقاطر منها تباعا فتنهد بقلة

حيلة وتوجه نحوها وسحبها من يدها لداخل المكتب وأغلق الباب

ونظر لها وأمسك وجهها قائلا

" تيما لا تتدخلي ولا تتحدثي معها مفهوم ؟ والدك لن يطلقها

والأمر بيده فقط "

انسابت أول دمعة من رموشها الكثيفة هامسة ببحة

" وماذا إن فعلها في حالة غضب ؟ ثم ووضعهما هكذا ألا

يعد طلاقا مع وقف التنفيذ "

أحاط كتفيها بذراعه وسار بها جهة أريكة صالون المكتب قائلا

" أتري عنادك وعنادها ؟ والدك ضعفه بملايين المرات فإن كان

في أوج غضبه يهدد ويتوعد من يقترب منها فكيف سيطلقها

وهو غاضب ! "

وتابع وهو يجلسها ويجلس بقربها

" ما أريد معرفته الآن ما بك أنت ولا تكذبي عليا أبدا فلن تنطلي

علي حيلك بالتهرب مني أكثر "

نظرت ليديها في حجرها قبل أن ترفع يمناها وتمسح عينيها بظهر

كفها هامسة

" لا شيء مهم "

كتف ذراعيه لصدره وقال

" كيف لا شيء مهم يا ابنة مطر ! وما سر النظرة الحزينة في

عينيك إذا ؟ ولا تحاولي أن تكذبي علي فأنا من يعرفك جيدا "

رفعت نظرها له وقالت بامتعاض

" لأنه لم يحدث شيء "

قال ببرود

" كيف لم يحدث شيء بعد كل ما حدث تلك الليلة ؟ لن يكون

رجلا طبيعيا حينها بالتأكيد "

أبعدت نظرها عنه وقالت بحنق

" بلى ظهر أنه كذلك وهو لم يدخل منزلنا ولم أراه من حينها

ويبدوا استقر في منزله الجديد كما علمت "


قال بعد صمت لحظة

" ثمة ما حدث يا تيما أليس كذلك ؟ "

نظرت ليديها مجددا ولم يعد هناك من مفر من التهرب منه فهي

خشيت أن تعلم آستريا كما قال والدها وقد تعلم والدتها حينها ولن

تغضب منها هي فقط وقتها بل كليهما لكن مع إصراره فلا مفر لها

من المجازفة والثقة به ، شدت على أناملها الرقيقة وقالت بحزن

ونظرها لازال عليهم

" والدي أخبرني أنه ثمة من خطبني وهو يريده زوجا لي ويبدوا

مقتنعا به بشدة وقال بأنه لن يجبرني عليه لكنه لن يتمنى لي

غيره ومهما كان وينتظر ردي "


نظر لها باستغراب لوقت قبل أن يقول

" لكنك صغيرة على الزواج يا تيما وهو يعلم ذلك جيدا ... يمكنك
تأجيل الأمر أو رفضه "


حركت رأسها نفيا هامسة بحزن أعمق

" قال أن زواجي أمر مسلم به فقط الشخص من لن يمانع إن

رفضته وتغير "


تنهد بضيق متمتما

" لو أفهم عقل والدك فقط كيف يفكر ويزن الأمور ؟! "


رفعت نظراتها الدامعة له وقالت

" أنا متأكدة من أنه لن يفكر إلا فيما له مصلحة لي وإن جهلته

وكرهته نفسي وهو من يرفع هموم البلاد ومن فيها أجمعهم فكيف

بابنته ؟ لكني خائفة حقا من ردة فعل والدتي إن علمت "


حرك رأسه قائلا

" اتركينا من والدتك الآن فهو من قرر هذا وليتحمل نتائجه

وأخبريني هل علم ذاك المدعو قاسم بالأمر لذلك فر من المنزل

أم ماذا ؟ "


أسدلت جفنيها الواسعان هامسة

" لا أعلم ولست أستبعد ذلك أيضا فهل رأيت خططك ما كانت

نتائحها ؟ "

دفعها من جبينها الصغير بسبابته قائلا

" خططي كانت ناجحة ... العيب إما بك أو به "

نظرت له وأمسكت خصرها قائلة بضيق

" وأنا فعلت كل ما اقترحته أنت وبالحرف الواحد "

لوح بسبابته أمام وجهها قائلا

" هيه تيما لا تلقي باللوم علي فأنا لم أطلب من والدك أن

يزوجك ولا من ذاك الغبي الأحمق أن يفر هاربا كالجبناء "

أبعدت يديها قائلة بضيق

" لكني لو قبلت اعتذاره تلك الليلة لكان اختلف الأمر "

قال من فوره وبامتعاض

" لا تكوني حمقاء يا تيما فالرجل كلما ابتعدت عنه ركض ناحيتك

إن الأمر لديهم يشبه لعب كرة القدم والمرأة هي الكرة يركض

خلفها وهي بعيدة عنه وما أن تصبح عند قدميه يرميها بعيدا
ثم يعود للركض خلفها "

لوت شفتيها وقالت بضيق

" وها قد رماني خارج الملعب بأكمله بل وخارج المجرة على ما

يبدو ، ثم لا تنسى بأنك رجل أيضا فلما لا أراك تركل زوجتك ثم

تركض خلفها ؟ بل أنت كحارس المرمى تماما تتمسك بها بكلتا

يديك "

انفجر ضاحكا بل وضحك كثيرا حتى ظن بأنه لن يستطيع التوقف

عن الضحك وقال من بين ضحكاته يراقب نظراتها الحانقة

" وما الذي تعرفينه أنتي عما حدث بيننا في الماضي وإن كنت

أركلها بعيدا أم لا ؟ ثم يا فهيمة أنا لا أتحدث عن المتزوجين

بل المغرمين كحالتك مثلا "

لكمته في كتفه قائلة بضيق

" توقف عن قول هذا فأنا لست مغرمة به "

قال مبتسما

" لا تكذبي يا فاتنة ، وسأخبرك أمرا مهما ...إن كان ذاك الشاب

يحمل لك مشاعرا كالتي في قلبك له فسيجد حلا للأمر ، أما إن

رضخ واستسلم وابتعد فستكوني تخلصت منه لأنه لا يستحقك "

ضربت بقبضتها على فخذها قائلة باستياء

" ومن قال أني أريد التخلص منه "

ضحك كثيرا وقرص خدها قائلا

" انظروا لهذه التي كانت تقول قبل قليل بأنها ليست مغرمة به ؟

إن سمعتك والدتك لقطعت لك لسانك "

أبعدت يده عنها قائلة بضيق

" رعد توقف عن المزاح السخيف "

ضحك وقال

" حسنا يا سخيفة ما الذي تريدينه إذا ؟ "

قالت من فورها

" أن أعلم إن كان يعلم أم لا ولما غادر فجأة ؟ هل لأنه كما

تقول أم ترك لي حرية الاختيار وأن أقرر "

وتابعت بأسى من قبل أن يعلق

" لكنه لكان أخبرني أو لمح للأمر على الأقل ! ياله من متحجر

وقاسي "

سند مرفقه بظهر الأريكة واتكأ بجانب رأسه على قبضته قائلا

بابتسامة

" من المؤسف أن أفكاري فاشلة لكنت أسعفتك بإحداها "

تمتمت ببرود

" قلها والقرار لي "

ضحك وحرك كتفه قائلا

" لا شيء سوى أن تتصلي به وتسأليه وتضعي إصبعيك في

عينيه ... وهي فكرة مجنونة طبعا لن تنفذيها لذلك فلا حل

لوضعك أبدا فكل ما عليك فعله أن تقرري بشأن ذاك العريس إما

أن توافقي عليه أو أن ترفضي أملا في أن يستحي ذاك المتحجر

على نفسه ويخطبك بعده "

وقفت متمتمة بضيق
" فكرتان سيئتان كلتيهما "

ضحك وما أن كان سيعلق انفتح باب المكتب وقالت التي وقفت

مستندة بإطاره مبتسمة

" لو أعلم فقط ما هذه الأسرار التي بينكما ؟ "

وقف الذي قال ضاحكا

" الله أكبر على الفضولية "

عبست ملامحها الجميلة فضحك ومد يده لها وأشار بأصابعه

تعالي فتوجهت نحوه فورا وطوقها هو بذراعه وقبل رأسها قائلا

" إنها أسرار أنثوية ذكورية بين ابنة وخالها ما شأنك

أنتي بها ؟ "

رفعت نظرها له متمتمة بعبوس


" وأنا أنثى أيضا أم ماذا ؟ "

ابتسم وقبل شفتيها بخفة فقالت الواقفة قربهما مبتسمة

" هيه لا تنسى أني هنا "

وأشارت له بسبابتها في وجهه وهي تتراجع للخلف جهة

الباب قائلة

" لا تخبرها يا رعد فالسلطات العليا حذرت من أن تعلم هي

تحديدا والمسموح به أنت فقط "

قال مبتسما

" لا تقلقي سأتصرف بمعرفتي مع خلايا الفضول في دماغها "

وتابع ضاحكا وقد أنزل نظره للتي كانت تنظر له حانقة

" أنا لم اخبرها سابقا فلن أفعلها الآن بالتأكيد "

وقبل أنفها مبتسما ما أن أنهى عبارته تلك فقالت التي غادرت

جهة الباب مبتسمة

" حسنا إذا ولا تنسى إغلاق الباب ورائي بالمفتاح فستكونان

المسؤلان عن انحرافي مستقبلا إن دخلت مصادفة مجددا "

وخرجت علی صوت ضحكة رعد مغلقة الباب خلفها مبتسمة

بسعادة من أجلهما فهما وحدهما من يشعرانها بأنه ثمة أمل في

أن يسعد الجميع مثلهما وأن لعنة أبناء شراع ليست موجودة أو

أنه ثمة أمل في أن تختفي مع الزمن ، وكم تتمنى أن كانا والداها

هكذا بل وجميع من تعرف وتحب .

تنهدت بأسى وتحركت من هناك تخرج هاتفها من جيب بيجامتها

حين علا رنينه ونظرت للاسم في شاشته قبل أن تجيب قائلة

بابتسامة

" مرحبا عمي صقر "

وصلها صوته البشوش فورا

" مرحبا بدميتنا الجميلة ، أنتي مع والدتك كما علمت ؟ "

قالت وهي تعبر الممر

" بلى أنا هنا منذ ليلة أمس لقد طلبت من والدي أن يسمح لي

بالمبيت هنا ووافق ، هل عدت أنت من الشمال ؟ "

قال من فوره

" أجل وأنا في حوران منذ ساعات الفجر الأولى وثمة مشوار

مهم عليك أن ترافقيني فيه الآن "

غضنت جبينها الصغير قائلة باستغراب

" مشوار أرافقك فيه ! "

" أجل فأنتي الأنثى الوحيدة في المنزل حاليا ، سأمرك بعد وقت

قصير اتفقنا ؟ "

قالت من فورها

" حسنا وأنا سأجهز نفسي وأنتظرك "

وأبعدت الهاتف عن أذنها تنظر له باستغرب قبل أن تدسه في

جيبها مجددا رافعة كتفيها وتوجهت جهة السلالم نظرها على

الذي كان ينزل منه مسرعا وما أن وصل لها أمسك بذراعها

وقال باستعجال

" تيما أين الجريدة التي كانت معك ؟ هل أخرجتها وقت خروجنا
من غرفة والدتك ؟ "

أدارت مقلتيها الزرقاء بتفكير قبل أن تنظر له قائلة

" لا تركتها على الطاولة هناك ... لما تسأل وماذا يوجد فيها ؟ "

اجتازها مسرعا جهة ممر مكتب رعد فنادته قائلة

" هيه كاسر ماذا هناك ؟ "

قال مبتعدا

" لا شيء والدك بخير أقسم لك ... لا شيء مهم "

نظرت له باستغراب ولحقته لعدة خطوات قائلة بصوت مرتفع "

اطرق الباب أولا فزوجته معه هناك "

وصعدت بعدها السلالم فلا وقت لديها لتتحقق من سبب

خوفه من أن ترى والدتها تلك الجريدة بل وباتت تتوقع

السيء دوما فيما يخصهما ، وما يطمئنها أنه بخير الباقي كله

سيتغير مع الوقت إلا فقدانه .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:49 PM   المشاركة رقم: 887
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




فتح الباب ودخل ورمى الجريدة من يده على الطاولة قائلا بحدة

ونظره على الواقف مقابلا للنافذة وموليا ظهره له

" هل أفهم سبب هذا أيضا يا مطر ؟ "

قال الذي لم يتحرك من مكانه وببرود

" من أجل ابنتك وابنتها بالتأكيد لما كنت اخترت ما يبعدها

عني أكثر في كل مرة "


لوح بيده قائلا بضيق

" وابتعد عنها نهائيا يا رجل وارحمها من تعذيبك لها "

دار له بكامل جسده وقال بحزم

" إما لي أنا أو لن تكون لأحد "

صرخ فيه من فوره

" مطر ما حب التملك المرضي هذا ؟ "

رمى يده جانبا صارخا بالمثل

" اعتبره ما يكون فلن أتركها تؤذي نفسها من أجل أي كان

مجددا فأنت لا تعرفها مثلي إنها تدخل للنار بقدميها من أجل

من تحبهم فكيف إن كان أنت خاصة وأنهم يبحثون عن نسلك
وبشراسة "

كتف الواقف مقابلا له ذراعيه لصدره وقال بتملق

" لنرى أين ستصل بها وبنا نهاية الأمر "

تجاهله ونظر جانبا حيث طاولة مكتبه فقال الذي أنزل يديه

يشد قبضتيه بقوة متمتما ببرود

" ما هي حالة إسحاق ؟ "

رفع قلما من فوق مكتبه وقال ونظره عليه يقلبه بين أصابعه

" لم يفق بعد ولا أحد يستطيع تكهن متى سيحدث ذلك كما

أن عملياته لم تنتهي بعد "

قال من فوره

" هل ستنقله للخارج ؟ علينا التحرك سريعا يا مطر فكلما طالت
غيبوبته تلك كلما قارب دماغه للهلاك "

رمى القلم من يده ونظر له وقال

" بل سأحضر الطاقم الطبي هنا للبلاد فنقله وهو بهذه الحالة

ليس في صالحه كما أكدوا لنا بعدما أرسلنا تقاريره الطبية ،

سيكون لديهم هناك أفضل لكننا لن نغامر وسنخرجه في الوقت

المناسب وبما يساعد حالته "

قال بهدوء محدقا في عينيه

" وزيزفون يا مطر ؟ "

حرك رأسه نفيا ونظر للأرض داسا يديه في جيوب بنطاله وقال

" لا أحد يمكنه الكذب عليها بشأنه وأنت تعلم ذلك جيدا ، لقد

أخبرناها بأنه تعرض لحادث قوي وبأنه سيتحسن تدريجيا "

تنهد بأسى وقال

" وماذا بشأن التحقيقات ؟ "

رفع نظره له وقال بجمود

" السيارة باعها صاحبها لكنهم لم يسجلوها باسمه بعد وقد

باعها له عن طريق شخص آخر أيضا وبيعت مجددا ...

المستهترون يتجاهلون القوانين فقط لأن شرطة المرور في مدن

الجنوب لا تكثف حملاتها ضدهم بسبب أن المناطق زراعية هناك

وهذا ما علينا معالجته سريعا ، كما أننا نكاد نصل لمالكها الأخير

وهو من سيشرح لنا ما كانت تفعل عند إسحاق وكيف

وصلت له "

قال دجى من فوره

" وماذا بشأن أبناء غيلوان ؟ "

زم شفتيه بحنق قبل أن يقول

" أخرجوا نفسهم منها بالطبع ككل مرة وكل شيء ولا شاهد

لدى النيابة والتحقيقات ما تزال سارية "

قال دجى بجدية

" سنكتشف الفاعل بل نحن نعرفه وستثبت التهمة عليهم ، هذا

أفضل من فكرتك في إعلان موته يا مطر "

حرك رأسه برفض قائلا

" كنت أريد حمايته فلن يضمن أحد أن لا يحاولوا الوصول له

خاصة إن كان اكتشف شيئا عنهم ويخشون من وصوله لنا

وهذا ما أنا واثق منه "

قال دجى من فوره

" وإعلان موته ليس حلا أيضا وسيشكون بالأمر ويبحثون

عنه في المستشفيات ، ثم الحراسة حوله مشددة كما أخبرني

صقر سابقا فكيف سيصلون له ؟ "

همس الذي أخرج هاتفه من جيبه بعد رنينه

" أتمنى ذلك "

وأجاب فورا ما أن نظر للإسم قائلا

" أجل يا تيم "

واشتدت أصابعه على الهاتف دون شعور منه ينتظر ما يتوقع

أن لا يكون تافها بالتأكيد فهو لن يتصل عبثا أبدا ، وما توقعه

حدث فعلا وقد وصله ذاك الصوت الرجولي العميق الجاد

" مطر باخرة المحيط التي سترسوا في ميناء صيباء بعد ثمان

وأربعين ساعة على متنها ثلاث حاويات تحمل رقم ثلاثة ألاف

وإحدى عشر مليئة بالأسلحة الخفيفة والمتسوطة وسيتم إدخلها

كبضائع وثمة من سيساعد في عبورها الميناء أسمه رجب عمر

الصاوي شرطي في الجمارك البحرية ... لقد حدث ما توقعتَ

تماما يا مطر هم يريدون إدخال أسلحة أخرى ويعلمون بأن

اليرموك مراقبة وسيسربونها والغطاء لهم أنها أسلحة منها "

تنفس بعمق مغمضا عينيه قبل أن يفتحهما قائلا

" جيد كن حذرا يا تيم وابقى قريبا منهم دائما فهم بدؤا يثقون

بك بالفعل ، سنموه بأن من كشفهم هنا في الداخل ... تابع

مهمتك يا بطل "

وما أن أنهى المكالمة معه توجه جهة الباب على صوت من

تركه خلفه قائلا بريبة

" مطر ماذا يجري وماذا قال لك تيم ؟ "

قال بضيق وهو يخرج بخطوات واسعة غاضبة

" قال ما جنت به نصف صنوان على نفسها وقدموا لي غطاءً

كالذي كانوا يحلمون هم به "


*
*
*

نزلت بضع عتبات من ذاك السلالم الخشبي العريض ثم جلست

تمسك يدها بسياجه واتكأت بجبينها عليه تنظر بحزن وعينان

دامعة للعائلة الجالسة في الأسفل .. للأبوان بل وتحديدا للأب
المبتسم لابنته والتي في نفس عمرها تتكئ على فخذه تلعب يده

بخصلات شعرها يحدثها ضاحكا كما تلعب يدها بسلسلة مفاتيحه

الكثيرة ، والطفلة ذات الثلاث أعوام تتأرجح في الهواء ضاحكة

متمسكة بساعدي الجالس على الأريكة ، أرخت نظرها ما أن وقع

على ملامحه واشتدت أصابعها على الخشب المصقول وانسابت

الدمعة اليتيمة من عينها تتذكر ما حدث من أكثر من أسبوع وكأنه

اليوم ولا يمكنها تخيل ما كان سيحدث لها إن لم يظهر لهم هناك

من العدم وكيف تمكن من إخراجها من منزل يحترق لا سبيل

للدخول له ونافذة مؤمنة بالحديد وظنت أنه لا أحد يمكنه إخراجها

من هناك وأن نهايتها حانت لا محالة خاصة وأنها لم تكن تستطيع

الوقوف بسبب ألم جسدها حينها واختناقها برائحة الدخان ،
فغاب ذاك الشاب للحظات قبل أن يرجع راكضا وصرخ من الخارج

" يمامة ابتعدي عن مسار النافذة بأكمله ، تنحي جانبا

يا يمامة "

فزحفت لا ترى شيئا حولها تقريبا وأغلقت أذنيها صارخة بذعر

ما أن تتالى صوت تلك الرصاصات المرتفع المخيف وقد وجد حلا

لتلك النافذة المحمية بأن صهر حديد بعض أقطابها برصاص

مسدسه المرخص وكلما فرغ مخزنه ملئه مجددا حتى تخلص

من أغلبها فتمسك به وقفز واقفا على حافة النافذة وبدأ بضربه

بقدمه بقوة حتى انثنى للداخل يضربه ويركل ويركل يسابق

الوقت بل والنيران التي بدأت بأكل باب الغرفة من الأسفل

والتسرب تدريجيا للداخل ، وما أن اتسع الحديد بشكل أوسع
قفز للأسفل ولأنه لا يمكنه الدخول منها ولا أن تقف هي ليخرجها

رفع تلك الخادمة القصيرة النحيلة بخفة وسهولة وأنزلها في

الداخل فساعدتها لتقف ورفعتها جزئيا وأخرجها هو بسهولة

حينها .

كانت ليلة لا يمكنها نسيانها أبدا بل وعانت بعدها من الكوابيس

لأيام وكانت والدته تنام معها بعض الليالي أو ابنتها بثينة ، ومنذ

ذاك اليوم وهي هنا تنعم بالراحة التامة .. السرير الواسع الرائع

والأغطية الحريرية الناعمة والغرفة الفاخرة التي لم تتخيل أن

ترى مثيلة لها في حياتها بل والأطعمة التي لم تتذوق مثيلا لها

سابقا تصل لها وتختفي الأطباق ما أن تشبع دون أن تأخذها هي

ولا أن تغسلها وحتى الثياب الرائعة التي بات لديها منها الكثير
حتى أنها تنسى أغلبه من كثرته لا تغسلها بيديها ولا تنشرها

ولا تراها إلا نظيفة مكوية ولم تتخيل يوما أن قصة ساندريلا

التي كانت تراها في التلفاز خلسة وشقيقاها يتابعانه أنها حقيقة

قد تحدث معها وأن الخادمة قد تعيش في قصر الأحلام يوما حتى

باتت تخشى أن يكون حلما وتفيق منه على واقع مرير مخيف

ووالدها يضربها مجددا لأنه ليس ثمة مذنبة غيرها قد تفعلها

وتحرق المنزل ، حضنت نفسها وجسدها المرتجف بقوة وتقاطرت

الدموع من عينيها تباعا ... لكن عمتها جوزاء أخبرتها بأنها لن

تغادر من هنا وأنها أصبحت زوجة لابنها فعلا وأنها ستكون حيث

هو يعني معهم دائما ووعدتها أن لا يعاقبها والدها بل ولن يراها

، لكنها لا تستطيع أن تشعر بالسعادة هنا وهي لم ترى شقيقها

يمان ... لم تراه مطلقا بعد ذاك اليوم الذي وعدها فيه أن يرجع

ويأخذها معه وها قد مرت أيام على وجودها هنا ولم يأتي وكلما

سألتها عنه قالت بأنه سيزورها قريبا ولم ترى ذاك اليوم أبدا

وتخشى أن مكروها قد أصابه ويخفون عنها ، مسحت عيناها

ودموعها بباطن كفها ونظرت مجددا للجالسين هناك في الأسفل

بحزن فكم تمنت أن تكون لها عائلة مثلهم وأبا كهذا وأم وأشقاء

جميعهم معا سعداء هكذا .

أجفلت مبتعدة عن السياج ما أن رفع الجالس هناك نظره ناحيتها

وهو ينزل شقيقته للأرض ونظر لعينيها مباشرة فوقفت وغادرت

من هناك راكضة وعادت لغرفتها ودخلتها وأغلقت بابها خلفها

تحاول تثبيت قوس الشعر على رأسها المجعد فهو لا يثبت عليه

بسهولة أبدا لكنه ساعدها أيضا في التخلص منه ومن مضايقته

لوجهها .

طرقات قصيرة ومتقطعة على الباب جعلتها تتراجع مجفلة عنه

تنظر له بخوف وتردد فمن سيكون هذا ؟ يستحيل أن يكون هو

فهو لم يزر غرفتها سابقا ولم تراه منذ ذاك اليوم إلا الآن بل

ومن لحظة أخرجها من النافذة لأنها فقدت الوعي بعدها ولم

تستفيق إلا وهي في هذه الغرفة وعلى ذاك السرير فلن يكون

هو بالتأكيد وقد تكون والدته أو شقيقته .

اقتربت من الباب بخطوات بطيئة وأدارت مقبضه ببطء وشهقت

مفزوعة وتراجعت للخلف ما أن انفتح الباب على اتساعه وظهر

من خلفه الذي كان يقف متكئا بإطاره يديه في جيبي بنطلونه

الجينز وقال بابتسامة جانبية منتقلا بنظره من جسدها الصغير

النحيل الملتف في بيجامة زهرية قصيرة وصولا لعينيها الرمادية

الواسعة

" من هذا الذي وضعك جاسوسة علينا هنا ؟ "

أجفلت قائلة باستنكار

" لا أحد اقسم لك "

ضحك وقال وقد تقدم للداخل خطوتين ويداه لازالتا سجينتا جيبيه

" كنت أمزح معك يا صغيرة فلا تبكي "

وتحرك مجددا وما أن وصل عندها سحب قوس الشعر من شعرها

وقال

" هذا لا يضعونه هكذا فسيتعبك "

مسحت بأصابعها على خصلات شعرها التي تحررت بشكل

فوضوي تتجنب النظر له فغرسه فيه مجددا يرفعه به ولم يثبته

خلف أذنيها كما فعلت هي بغرس حوافه في شعرها وثبتها به

فأبعدت نظرها مغمضة عينيها وهي ترى صدره وقميصه المغلق

عليه مقابلا لها تماما ورائحة عطره القوية التي لم تعرف شيئا

جميلا مثلها إلا في شقيقته ووالدته تسربت مع أنفاسها وأشبعت

رئتيها حد الخدر ، وما أن أبعد يديه ابتعدت عنه بخطوتين تلمس

القوس الفضي بأطراف أناملها فمد يده لوجهها ومسح بإبهامه

تحت جحفنها قائلا ونظره عليه

" لما كنت تبكي يا يمامة ؟ "


أنزلت رأسها ولم تعرف ماستقول ومن أين تبدأ فوصلها صوته

الهادئ حين طال صمتها" أمازلت تري كوابيسا بما حدث ؟

أم أنك خائفة ؟ لن يمسك أحد بسوء وأنتي هنا يا يمامة فلا

تخافي "

قالت بحزن تنظر لأصابعها تلف حولهم شعره علقت بيدها

" أريد أن أرى يمان فلست أعلم حتى أين يكون الآن ..

أليس صديقك ؟ أنت تعلم أين هو بالتأكيد فأخبره أني أريد

رؤيته وأني مشتاقة له كثيرا "

تنهد بعمق وحرك رأسه بأسى فبماذا سيخبرها ؟ بأنه لم يراه

وليس يعلم أين يكون ؟ حتى أويس قال بأنه لم يذهب لهم هناك

ولا للشركة الزراعية التي يعمل فيها الأسبوع الماضي وحين
سأل والده عنه قال بأنه رآه بعد حادثة احتراق المنزل في اليوم

التالي ثم لم يراه بعدها وحتى هاتفه فقده بسبب الحريق ، وكان

غاضبا منه على ما يبدوا ويمان المسالم طوال حياته يبدوا أنه

تمرد على واقعه وانفجر في ذاك الوالد المهمل نهاية الأمر

واختفى ولا يمكنه لومه ويعلم جيدا فيما يفكر فهو سيلوم نفسه

بالتأكيد على كل ما حدث مع شقيقته لكنه مخطئ فيما يفعل وعليه

أن لا يجعلها تخسره أيضا فهو لا يراها تلومه مطلقا بل ومتلهفة

لتعلم أين يكون وموقن من أنها كانت تبكي لأنها لم تراه .

مد يده لذقنها ورفع وجهها له وقال ناظرا لعينيها الدامعة

" يمامة شقيقك يحبك أكثر من كل شيء لذلك هو بعيد الآن فعلينا

أن نترك له حرية اختيار الوقت الذي سيزورك فيه من نفسه
وتأكدي من أنه سيفعل ذلك قريبا "

أومأت بحسنا تنظر لعينيه بحزن زاد تلك العينان الواسعة الناعسة

جمالا فابتسم ومال جهتها هامسا

" طفلة جميلة ... لما لا تكبرين سريعا ؟ "

" أباااان "

رفع رأسه وأدار مقلتيه السوداء عاليا وأبعد يده عنها قائلا ببرود

للتي يعرف صوتها جيدا وإن لم يراها

" أمي لو أعلم ما في رأسك أخبرك بأني لم أصعد لغرفتي "


قالت بضيق من خلفه

" أخبرني ما في رأسك أنت فانزل حالا والدك يريدك "


أدار رأسه ناحيتها وقال بشك

" متأكدة أم سأنزل ولن أجده هناك ولا في المنزل بأكمله ؟ "


قالت بنبرة تهديد

" بل ستنزل في جميع الأحوال وتحرك هيا لدي أنا ويمامة

ما نفعله "

استدار بنصف جسده ونظر لها ببرود قبل أن ينظر للتي كانت

تنقل نظرها بينهما باستغراب ومد يده لخدها وقرصه برقة قائلا

" سأحاول أن أجده من أجلك ... حسنا يا جميلتي ؟ "

ثم أبعد يده وقبل أصبعيه وغادر وتركها خلفه مصدومة ينظر

بمكر للتي كانت تلحقه نظراتها الغاضبة والتي تمتمت ما أن مر

بجوارها

" سنتحاسب على هذا لاحقا يا أبان "

فغادر يغني ضاحكا

" زوجتي ملكي أنا ... مرجعها عندي أنا "

وغادر تاركا الأبخرة تخرج من ذاك الرأس الغاضب والذي نظرت

صاحبته للواقفة أمامها تنظر لها وقالت بضيق

" ماذا فعل ؟ "

نظرت لها بعدم استيعاب فقالت

" أعني ماذا أخبرك ؟ "

لاذت بالصمت للحظة قبل أن تقول بصوت منخفض وعيناها

الرمادية الواسعة تمتلئ بالدموع

" سألته عن يمان فأنا لم أراه من أيام ومشتاقة له كثيرا "

اقتربت منها وحضنتها رأسها يتكئ على صدرها تمسح على

شعرها بحزن فكم عانت هذه المسكينة فوق صغر سنها وفقدها

لوالدتها فلن تنسى ما عاشت تلك الليلة التي أحضرها فيها أبان

شبه ميتة وجسدها من علامات الضرب لا تكاد ترى فيه شبرا

سليما وكيف حكت لها الخادمة تبكي بهستيرية عن كمل ما حدث

ورأته هناك ... تذكر أنها بكت تلك الليلة لساعات ولم تنم ولا

تاركت النائم بجانبها ينام درجة أن مرضت ليوم كامل بعده فلم

ترى حياتها وحشية كتلك ولم تكن تتخيل أن ما يرونه في التلفاز

ستراه واقعا أمامها يوما ما بل وبشعا بتلك الصورة ، وفوق كل

ما حدث معها كانت ترفض أن تقدم شكوى ضد والدها ولا حتى

زوجته وكل ما فكرت فيه شقيقاها التوأمان اللذان لا تريد أن

يتربيا من دون أب أو أم ، وقبلها يمان الذي كاد يجن جنونه

ويطير للسماء من حالتها مصرا على ألا يصمتوا عما حدث

وليست تلومه فحالها كان يبكي الحجر .. وقبل كل ذلك هي شقيقة

صديقه المقرب والمفضل لديه بل ومحام لن يرضى بالتأكيد

بالصمت عما يراه خاصة بعد التعديلات الاخيرة في القوانين

الوضعية والعقوبات التي تخص حقوق المرأة وعلى رأسها العنف

الجسدي فكان أقل ما قد يناله ذاك الرجل ست سنوات في السجن

لكنها رفضت وعاندته وأيوب ساندها في ذلك لأن في الأمر

محاكم وشوشرة وسيصبح اسم هذه المسكينة وما حدث معها على

كل لسان وستجرحها الناس به خاصة عائلة زوجها الذين لم

يحبوها يوما فكيف إن علموا أنها اختارتها زوجة لابن ابنهم

كما يرون ؟ وما زادها إصرارا أيضا هو تمسك يمامة برفضها

لأن يسجن والدها أو أن يكشفوا له عما ما فعلت زوجته واعترفت

به خادمتهم كي لا يطلقها ويتيتم شقيقاها الصغيران ، وهي

احترمت صمتها من أجلهم وشعورها الأخوي والإنساني نحوهما

فلا أنقى من قلب هذه الفتاة أبدا ولم ترى مثيلا له في الوجود .

ضمتها لها أكثر وقبلت رأسها حامدة الله في سرها أنها ألحت

على أبان أن يذهب لهم تلك الليلة فمنامها ذاك كان السبب

والمرأة التي كانت فيه تراها ولا تعرفها وكانت تحضن طفلة بقوة

وما أن تقترب منها ترفع عينيها لها والدموع تنزل منهما بغزارة

وفي صمت وقد تكرر معها ذاك الحلم لثلاث ليال متتابعة حتى

لعبت بها الظنون وكانت تشعر بأن الحلم يخصها .. لا تعلم كيف

ولا لما لكنها هكذا شعرت وكانت ظنونها في محلها تماما وقد

أدركوا الكارثة قبل وقوعها لكانت احترقت في ذاك المنزل ولا يعلم

عنها أحد أو عاشت مشوهة طوال حياتها وفقدت كل هذا الوجه

الجميل الذي يفترض أن يصبح لامرأة شابة فاتنة رائعة الجمال .
نزلت بنظرها لها حين رفعت وجهها ونظرت لها بعينان دامعة

وهمست ببحة بكاء

" هل سيجده فعلا عمتي ؟ هو سيحضره أليس كذلك ؟ "

مسحت على وجهها قائلة بابتسامة

" سيفعل ما في وسعه يا يمامة وستريه وهو بخير تأكدي من

ذلك فالجيران ووالدك رأوه بعد الحريق "

وتابعت مبتسمة بحنان تمسح الدموع من وجنتيها

" حتى متى ستناديني بعمتي هكذا ؟ قولي أمي كبثينة أم لا تريدين

أن آخذ مكان والدتك ؟ "

نزلت دموعها فورا ودفنت وجهها في صدرها وطوقت خصرها

بيديها قائلة ببكاء

" بلى تمنيت كل حياتي أن كانت لي أم بل ومنذ رأيتك أول مرة

تمنيتك والدتي التي فقدتها من قبل أن أراها "

حضنتها بقوة بذراعها تمسح بيدها الأخرى الدمعة التي تمردت

على عينيها وقالت بحزن

" إذا ستناديني أمي من الآن وصاعدا وأنتي ابنتي الثالثة لانقاش

لأحد في هذا "
ثم أبعدتها عنها وأمسكت ذراعيها ونظرت لعينيها الدامعة وقالت

بجدية

" يمامة هذه غرفتك حدودك لا يقربها ذاك المحتال المدعو أبان

وإن دخلها تخرجي أنتي اتفقنا ؟ "

نظرت لها باستغراب وعدم استيعاب فقالت

" هو زوجك أجل لكن غرفتك لك وحدك فقط وإن دخلها تخرجي

اتفقنا ؟ "
أومأت لها برأسها بحسنا رغم أن نظرتها الحائرة تلك توحي بعدم

فهمها لشيء مما تقول لكن لا بأس هي بالمرصاد لذاك المنحرف

وستعلمه معنى أن يقول لا أريد الشيء ويتركه لها هي ، مسحت

على طرفي وجهها بيديها وقالت مبتسمة

" هيا انزلي معي لتجلسي معنا بما أن القطب السالب سيتصرف

معه والده وينقشع من هنا "


نظرت لها باستغراب فضحكت قائلة

" انزلي هيا وشاركينا يومنت يا يمامة ولتتعرفي أكثر بوالدك

الآخر "

كانت تتمنى أن تقول والدك الجديد والوحيد لكنه يبقى والدها وقد

يغير الله ما في النفوس يوما ما وهو القادر على كل شيء يجعل

الكافر يسلم في لحظة ، شدتها من يدها وقالت

" هيا انزلي معي واستمتعي بوقتك وسنخرج للحديقة ونتناول

الغداء فيما بعد هناك ... يكفيك سجنا لنفسك هنا "

وقفت مكانها وقالت بحياء

" أريد أن أغير ثيابي أولا أخجل من عمي أيوب ثم .... "

تلكأت قبل أن تهمس بحزن ناظرة للأسفل

" ساقاي ويداي بشعتان قد لا يتناول طعامه فوالدي كان يقرف

كثيرا من هذا "

أمسكت دموعها بصعوبة وحضنتها مجددا هامسة بعبرة تكاد

تقتلها من كتمها لها

" من هذا الذي يتناول طعامه في وجود هذا الوجه الجميل ويقرف

! أنتي لم تعرفي والدك أيوب بعد "


*
*
*


جلست بقربها على السرير ومسحت على شعرها الغجري الأشقر

قبل أن تحضنها تدفن بكائها في صدرها وقالت بأسى

" يكفيك بكاء يا مايرين فلن يفيدك هذا في شيء "

قالت بنحيب تسحب معه أنفاسها بصعوبة

" أعرفهم يا فجر لن يكون حلهم لي منصفا أبدا ، إنهم وحوش

وليسوا بشرا ، ليتك لم تخبريهم بذاك الحادث وتلك الكذبة "


مسحت على شعرها وقالت ببكاء

" كان لديا أمل أن يجلبوه رغما عنه حين سأخبرهم لا أن يختفي

من الوجود نهائيا ... كان قصدي مساعدتك فقط يا صديقتي "


استمرت في البكاء في حضنها تودع حتى هذا الحضن والوحيد

الذي يشعر بها وتشعر بالأمان فيه فذاك الشهم الذي كانت تجزم

بأنه لن يتخلى عنها فعلها فعلا وخذلهما معا وهو يختفي وللأبد

فاضطرت لقول تلك الكذبة لشعيب غيلوان أيضا حين جاء وشقيقه

نوح للمستشفى بعد أن شاع خبر رحيل جسار المفاجئ وتركه لها

في الشارع وقد خانوا جميع توقعاتهما وجاءوا من أجلها فعلا

لكنها لم تكن لتستأمنهم عليها وهم قساة متحجرين متجبرين لم
يشعروا بها يوما ليفعلوها الآن بل وخشيت أن يسبقوا غيرهم لما

تخشاه هي عليها فمن لا يخاف الله يفعل أي شيء ومهما كان

فأخبرته بتلك الكذبة التي صدمتها أن استقبلها وكأن شيء لم

يكن وكأنها تقول له أن ما بها خدش بسيط لا يحتاج ولا لضمادة !

وهذا ما زاد ذعرها وخوفها عليها فقالت له بأنها تحتاج لأسبوع

حتى تستطيع أن تغادر المشفى تأمل في أن يأتي ذاك الشاب وفي

أن يظهر من العدم كالمرة السابقة وينقذها لكن الأيام كانت تمضي

ولا أثر له وها قد حان اليوم الذي عليها أن تغادر فيه لمصيرها

المجهول .

أوقفتها خارج السرير وساعدتها لتلبس حجابها وما أن خرجتا

من هناك ووقع نظرها على الواقف في الخارج ونظرته السوداء

الكارهة لها بدأت بالبكاء وبهستيرية متمسكة بصديقتها التي لا

حيلة لها مثلها تماما وهو يسحبها بالقوة لتتركها .. لم يهتم لا

لبكائها ولا نحيبها ولا رجاءاتها الباكية ولا حتى لحجابها الذي

نزل عن رأسها تودعها تلك العينان الباكية والتي لن تتوقع لها إلا

الأسوء من كل هذا فهذا نوح أيسرهم كان هكذا فكيف بالبقية ! .


*
*
*




نزلت السلالم مسرعة تغلق زر سترتها البنية الأنيقة والقصيرة

وقد لبست معها تنورة من ذات اللون طولها يصل لنصف ساقيها

وحذاء طويل لركبتيها تقريبا وقميص أبيض حريري تحت تلك

السترة وحجاب أبيض أيضا حوافه مزينة بنقوش وفصوص بنية

، خرجت من باب المنزل وعبرت الحديقة تجيب على هاتفها قائلة

" أجل عمي أنا خارجة حالا "

وما أن كانت خارج بوابة المنزل ابتسمت للذي قال ضاحكا وفاردا

ذراعيه لها

" ما كل هذه الأناقة والحسن ! من أخبرك أني سأذهب لخطبة

إحداهن ؟ "

ضحكت وحضنته قائلة

" هل تصدق أني فكرت في ذلك فعلا ؟ "

قال بضحكة " وآخذك أنتي معي يا ابنة الأربعة عشرة عاما ؟

سيطردوننا حينها من عند الباب "

ضحكت وابتعدت عنه وقالت مبتسمة

" لا تستهن بقدراتي في فن الإقناع "

فتح لها باب السيارة قائلا بابتسامة

" ومشوارنا يحتاج لفن الاقناع وفي الموضوع خطبة وزواج

أيضا فهيا اصعدي لأن زيارتنا مفاجأة وأخشى أن يهرب منا

الشخص المقصود "

جلست في الكرسي الأمامي وأغلق الباب خلفها تنظر له

باستغراب ولم تفهم شيئا مما قال ، حركت كتفيها بلا مبالاة فقد

يكونوا عائلة أصدقاء له أو أقارب لهم لم تعرفهم بعد ولا بأس إن

كان في الأمر تشويق وإثارة وخطبة وزواج .

نظرت له ما أن انطلق بالسيارة وقالت

" هل مشوارنا خارج حوران أو في ضواحيها ؟ "

نظر لها ثم للطريق وقال مبتسما

" بل ليس بعيدا عن هنا فقط بضعة أميال ولن نخرج من

حوران "

نظرت للطريق أيضا وتوقفت عن سرد الأسئلة كي لا تصبح

مزعحة ومملة فستعرف كل شيء ما أن يصلا ، وكان المكان كما

قال ليس بعيدا كثيرا وهما يدخلان لأحد الأحياء الراقية مبانيها

عبارة عن فيلات كبيرة جميعها وجميلة .. الأشجار والأزهار

تظهر من أسوارها العالية وبعضها تتدلى منها في جمال مميز

وما كانت تتوقع وجود هذه الأحياء هنا ! بل هي لم تتحرك في

العاصمة بعد فكيف ستعرف ما يكون فيها ومشاويرها المعدودة

كانت لمنزل رعد فقط ولم يخرجوا للتنزه ولا هي والكاسر أبدا

فهو أيضا المكان مجهول بالنسبة له وسيحتاج لوقت ليعرفه جيدا

ويسهل عليه التنقل فيه .

توقفت السيارة بهما عند إحدى الفلل وكان بابها مفتوحا وتبدوا

حديقتها الصغيرة في طور التنسيق والفيلا كذلك وكأنه أعيد

طلائها مجددا من الخارج ومن وقت قريب جدا ! نظرت للذي فتح

بابه وقالت باستغراب

" هنا يكون من سنزورهم ؟ "

نزل قائلا

" أجل هيا انزلي "

نزلت وأغلقت بابها تنظر للمكان باستغراب وتبعته ما أن توجه

نحو البوابة الحديدية المفتوحة تتبعه ناظرة لما حولها باستغراب

حتى أن أحواض الأشجار يبدوا تم نزع الغراس منها لغرسها من

جديد بشتلات مختلفة بل وثمة نافورة حجرية وضع لها حجر

الأساس في منتصفها وأعمدة أضواء جديدة تتدلى منها مصابيح

فمن سيكون هؤلاء الذين يسكنون منزلا لم يجهز بعد وكيف

يأتيان لزيارتهما ! أسرعت في خطواتها لتلحق به وصعدت خلفه

عتبات الباب الرخامية وقد قال ناظرا تحت قدميها

" ضعي قدميك بالرفق فهذا الرخام تم إضافته مجددا وقد لا يكون

جاهزا بعد ولم يجف الاسمنت تحته بشكل جيد "

نظرت لقدميها وهي تصعد باقي العتبات برفق وقالت ما أن وصلا

للباب الخشبي المقوس والذي تم طلائه باللون الأسود حديثا على

ما يبدوا وقالت باستغراب

" عمي من هؤلاء الذين سنزورهم ومنزلهم يبدوا ليس جاهزا

وما.... "

قاطعها وهو يقرع الجرس بجانب الباب قائلا بابتسامة

" ليسوا عائلة إنه شاب أعزب "

نظرت له بصدمة وقد تابع من قبل أن تسأل ولا أن تفسر وتفكر

وتحلل " فها قد قرر الزواج أخيرا وخطب إحداهن وعلينا أن
نساعده فيما لا يفهمه هنا فيبدوا أن عمتك جوزاء حصلت له

على عروس سريعا "

لم تستطع منع انفراج فمها الصغير من صدمتها بما قال وما

فهمت لحظة أن انفتح الباب ودون أن تحضى ولا بفرصة لأن

تجتازها ولتلملم شتات نفسها المحطمة أو تدرك ما قال ويستوعبه

عقلها وهي ترى الذي وقف أمام الباب ببنطلون قصير لنصف

ساقيه وقميص قطني أبيض بأكمام قصيرة وكتابة سوداء جهة

صدره العريض وقد ابتسم لخاله بدهشة ويبدوا لم يتوقع زيارته

تلك قبل أن تموت تلك الابتسامة من شفتيه وتتحول نظرته

للصدمة أيضا ما أن وقع نظره عليها .


*
*
*

وقف أمام باب المنزل الخشبي المدعم بالحديد بشكل متناسق

ونظر لساعته وتنهد بضيق فوالدته تصر على وضعه في مواقف

سيئة دائما وليس يفهم لما تصر على سليطة اللسان تلك ! ورغم

أنه اضطر لأن يخبرها بكل ما حدث لأنه لا يمكنه أن يكون كاذبا

مثلها فقد أصرت على زيارته لهم بل وقالت وبكل اقتناع

( لا اصدق أن تلك الفتاة الرقيقة الجميلة المهذبة والخلوقة بل

والرائعة أن تكون كما تقول ! ثم إن كان الموقف كما قلت فمعها

حق تتضايق وأنت من عليه أن يبرر ويوضح لهم وأن يعتذر

أيضا )

لا يفهم كيف سيبرر لهم بعد كذبة ابنتهم تلك بأنهما لم يتفقا فهل

سيظهرها أم نفسه كاذبا ! مرر أصابع في شعره البني الكثيف

المصفف بعناية وتأفف نفسا طويلا فوالدته وكعادتها لم تتركه

وشأنه حتى أخذت منه وعدا بأن يفعل ما طلبت منه وهو اضطر

لتأجيل ذلك حتى نهاية رحلتهم ليسافر بعدها فورا فلعلها تحدث

مصيبة تلغي كل هذا ، تأفف مجددا مستغفرا الله على تمنيه

لحظتها أن والدته لم تربيهم على الصدق والوفاء بالوعود لما

كان زار هذا المنزل أبدا ولكان صاغ أكذوبة لينجى كما فعلت تلك

الوقحة ، حتى أنه حاول البحث مجددا عن كوينوا تلك ولم يجدها

أبدا حتى أنه حاول استجواب تلك المرأة مجددا وبجميع الطرق

وبلا نتيجة فهي لا تعرف لا مكان سكنها ولا رقم هاتفها ولا أي

شيء عنها أو أنهم يتعمدون التكتم كعادتهم في كل شيء وكأنها

أسرار دولة وليس مجرد مطار ! لو أنه وجدها فقط لكان أخبر

والدته بأنها من يريد الزواج بها وانتهى الأمر فهي كانت تصر

على زواجهم أكثر من إصرارها على هوية العروس ، لكن لا مفر

له من سليطة اللسان تلك على ما يبدوا وأمله في أن ترفض هي

وتخلصه منها فلن يتوقع العكس بعد موقفها منه

.

حسم أمره المحسوم سلفا وضغط بإصبعه على جرس الباب فهو
حتى لم يبلغهم بحظوره والعنوان أرسلته له والدته قرابة الثلاث

مرات ولم يتصل برواح ليخبرهم أو يأخذ رقم والدها فلعله لا

يجدها في المنزل ويتخلص من رؤيتها ، نظر بترقب للباب الذي

فتح ببطء يخشى أن تظهر تلك المتوحشة في وجهه من الآن

وتنهد بارتياح حين اكتشف العكس ووجد أمامه رجل فيما يقارب

الستين من عمره وقد ابتسم له فورا قائلا برحابة

" مرحبا "

مد يده له وقال مبتسما " مرحبا سيد قصي أنا غيهم أيوب

الشعاب وآسف لزيارتي دون موعد مسبق "

نظر له الواقف أمامه بطريقة غريبة وكأنه طفيلي تحت مجهر أو

حشرة في أنبوب اختبار وقد فهم الأمر سريعا وكله بسبب ابنته
المصون طبعا والتي لا يعلم بأي طريقة شوهت صورته أماهم

لتقنعهم بأنهما لم يتفقا ؟ قال الذي استفاق لنفسه مبتسما وهو

يترك يده

" لما تعتذر بني المنزل منزلك "


وتابع وهو يفتح له الباب

" تفضل ادخل ولا تتردد فلا أحد هنا عداي وزوجتي المدفونة

في المطبخ "


دخل مبتسما له فها هو تخلص من أول همومه وهي ابنتهم التي

لا يريد أن يعرف أين تكون ، ثم هذا الرجل يبدوا بشوشا بسيطا

سينسجم معه سريعا ولن يشعر بالملل في الدقائق القليلة التي

سيكون عليه قضائها عندهم ، دخل يتبعه وقد أوصله للصالون
المقابل بقرب المدفئة الحجرية المطفئة وجلس هناك وغاب

مضيفه معتذرا وتركه لوحده فتنقلت نظراته في المكان ببطء ..

كان منزلا متواضعا وجميلا أيضا بأثاث كلاسيكي تميزه الألوان

الزاهية كالأصفر والبرتقالي والأبيض في تناغم ما كان ليتصور

أن يكون هكذا وإن اقترحه عليه أحدهم لكان رفضه فورا أما الآن

فقد غير رأيه بكل أفكاره السابقة تلك فقد طغى ذاك التناغم على

بساطة الأثاث والستائر ، وما لفت انتباهه أكثر هو النظافة

منقطعة النظير في المكان وكأنه لا أحد يعيش فيه بل وكأن كل

شيء وضع فيه جديدا ! إنها نظافة فاقت منزلهم الذي يحوي أربع

خادمات اثنتان منهن مخصصتان للتنظيف فقط ! نظر للأرضية

الخشبية اللامعة بشكل مدهش حتى الباب البعيد يكاد يرى صورته

في كل قطعة فيها فإن وضع لك عليها الطعام ستأكله دون أن تفكر

أبدا في نظافته !

نظر جهة المتقدمان نحوه ووقف مبتسما للتي اقتربت منه برفقة

من غاب قبل قليل وقد عاد معها يحمل صينية فيها كوب ماء

ومدت تلك المرأة التي تجاوزت منتصف الأربعين يدها له قائلة

بابتسامة

" مرحبا بابن جوزاء الحالك ... نحن سعداء فعلا بزيارتك "


صافحها شاكرا لها بابتسامة فعلى ما يبدوا أن ابنتهم تلك لم تشوه

صورته بالشكل الكافي لينفروا من مقابلته ؟ جلس وما أن وضع

له الذي جلس بقربه كأس الماء على الطاولة أمامه توجهت

زوجته نحوه فورا قائلة

" انتظر يا قصي "

وسحبت منديلا ورقيا من العلبة النحاسية وسط الطاولة ومسحت

المكان الذي وضعه فيه والكوب أيضا وكأنها تزيل بصماته من

عليه وقالت للذي كان ينظر لها بصدمة ونظرها على الكوب وكأنه

سيتدحرج من أمامه

" يمكنك شربه الآن فلابد وأنك تحتاج لبعض الماء "

وغادرت معتذرة بأنها ستعود قريبا وحملت المنديل معها نظراته

المستغربة لازالت تتبعها قبل أن ينظر للذي قال مبتسما وهو

يقرب الكوب منه " آسف على ما حدث أمامك ولن ألومك فيما

ستفكر فيه لكنه طبع ملتصق بزوجتي ، إنها مهووسة بنظافة كل

شيء وحتى أظافر من يعيشون معها وتصرفاتها هذه خارجة

عن إرادتها وسترى بنفسك بأنها ستعتذر منك مرارا على أفعال

مماثلة فهي بنفسها ستعترف بعيبها ذاك "

ابتسيم له من فوره ... يا سلام أول البشائر ولابد وأن ابنتها

مثلها ، رفع الكوب وشرب القليل منه ووضعه مكانه قائلا

" لا بأس في ذلك فكثير يعانون من هذا النوع من الوساوس وأنا

معجب فعلا بتقبلك لها فأنا أرى أن ذلك صعبا بل ومستحيلا "


ورمى له بأول قذيفة رفض علني لابنته متأملا أن تكون كوالدتها

لكنه رماها عليه من قبل أن تنفجر وفجرها فيه هو قائلا بابتسامة

" أجل معك حق فمن يحب شخصا يمكنه التعايش مع عيوبه كما

مميزاته وحمدا لله أن رزقنا بابنة متفهمة لوضعها كثيرا بل وأكثر

منا جميعا ولم تتذمر منها يوما وهي أكثر من يحتك بها لأنها

امرأة مثلها ، أما شقيقها فقد وجد في سكن الطلبة ملاذا آمنا

لميكروباته حتى الآن "


لم يستطع امسياك ضحكته التي شاركه فيها ذاك الرجل من فوره

وقد انضمت لهما التي جلبت القهوة ووضعتها على الطاولة قائلة

بابتسامة

" لما لا تشاركاني الضحك معكما ؟ "


قال زوجها مبتسما

" أخشى أن تغضبي إن علمت أنه عنك ؟ "

فنظر له الجالس بقربه بصدمة بينما قالت المقابلة لهما ضاحكة

" كنت أعلم أنه عني فأنت لا تقصر في التعريف عني بطريقتك

أبدا "

وتابعت مبتسمة تنظر للذي نقل نظره لها

" أنا آسفة حقا بني عليك أن تتحمل طباعي السيئة فأنا لا أشعر

بالراحة إلا هكذا "


قال مبتسما بدعابة

" لا بأس ولا تقلقي أبدا بهذا الشأن المهم أن لا تكوني ممن

يغسلون الصابون "


ضحكت كثيرا وقالت

" لا تلك مبالغة سينمائية فقط "

نقل نظره منها للجالس بجواره حين قال

" ظننت أنك ستكون سافرت ولست هنا حتى الآن ؟ "

قال مبتسما

" لا فرحلتنا ستكون فجر بعد الغد "

وانسجما في الحديث سريعا وكل واحد منهما شعر بأن الآخر من

سنه لتقارب الأفكار بينهما حتى أنه لم يشعر بمضي الوقت وهما

ينتقلان من موضوع لآخر وقد شرب ثلاث فناحين قهوة كل واحد

منها أكثر نظافة من سابقه وكما قال زوجها إن استطعت فهمها

فسيكون باستطاعتك تفهمها بل وتقبل طبعها أيضا وهذا ما حدث

معه هو وبسرعة لم يتوقعها بل وحتى انسجامه معهما فاق

توقعاته ومخيلته ويستغرب كيف تكون تلك ابنتهما ؟ هل سيربيان

واحدة لا تشبهما !

نظر لساعته واكتشف بأن الوقت قد سرقه ولم يتحدث فيما جاء

من أجله ولا هما فعل ذلك كما كان يأمل ويتوقع وها هو في ورطة

حقيقية فهل سيخبرهم حقيقة ما حدث معه ويظهر أن ابنتهما

كاذبة أم يموه الأمر ليفهموا بأنه سوء فهم بينهما أم ماذا يفعل ؟

والدته وتلك المدعوة كنانة يستحقان ضرب رأسيهما في بعضهما

على ما وضعاه فيه ، تحمحم قليلا وقال ونظره على كل شيء

حوله عدا الجالس معهما

" حقيقة الأمر أنا جئت لأعتذ..... "


ليقطع كلامه قفل الباب الذي تحرك ببطء وتبعه ذاك الباب الخشبي

الذي فُتح وكأن نسيما خفيفا يدفعه وقالت الجالسة أمامهما وقد

التفتت للخلف حيث ذاك الباب وبابتسامة

" ها هي كنانة وصلت أخيرا فلن تيأس أبدا من البحث عن وظيفة

بعيدا عن المطار على ما يبدوا "

فوقف حينها الذي وقع نظره قبل كلمات تلك في أذنيه على التي

دخلت من الباب تضع مفتاحها في حقيبتها ينظر لها بصدمة شلت

أطرافه قبل أن تنتبه هي لوجوده وتتحول لتمثال حجري مماثل

وقد همس من فوره ناظرا لها باندهاش " أنتي !!! "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:55 PM   المشاركة رقم: 888
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



جلست حاضنة حقيبتها ومذكراتها على أحد مقاعد مدرج ملعب

كرة السلة الواسع بإضاءته القوية ونوافذه العالية حيث تلك

الأرضية الخشبية المصقولة وأصوات الكرة المصطدمة بأرضيتها

وخطوات وصراخ الراكضين فوقها وبعض الهتافات المتفرقة من

مشجعيهم وهم يتدربون فلا يخلوا مدرج الملعب من وجود الطلبة

فيه أبدا .. منهم من يحب هذه الرياضة ويشاهد تدريباتهم دون

كلل ولا ملل والبعض الآخر أصدقاء وصديقات لهم أو حتى

حبيبات فلا تجده خاليا أبدا وقت التدريب والداخلين له أكثر من

الخارجين منه ، نظرت مبتسمة للذي ركض بالكرة بين لاعبين

ورماها عاليا لتسقط في حلقة السلة فورا فانتبه لها حينها وأشار

لها بإبهامه فلوحت له بيدها بشكل خفيف فزيارة هذا المكان

أصبح أحد طقوسها اليومية أيضا بل وتستمتع بوجودها هنا متعة

لم تكن تتخيلها حياتها وبات هذا أحد الأمور التي تشغل بها نفسها

عن كل شيء وأوله التفكير فيما يؤلمها ويؤرقها ولم يعد لها

فماريه القديمة تغيرت كثيرا وتغيرت في وقت لم تتوقعه هي ...

لم تنساه ولم تتوقف عن حبه وكاذبة إن قالت ذلك لكنها تعايشت

وليس مع وضعهما بل مع وضعها وحدها .. لم تعد مقيدة بكل تلك

التعليمات وأن كل ما يربطها بهذا المكان محاضراتها فقط بل

زارت جميع أنشطته الطلابية وكونت صداقات وإن كانت قليلة

وأحبت فعلا ترحيب الجميع بوجودها بينهم ، حتى أنها أصبحت
تزور النادي الرياضي مع ساندرين ... طرق غبية للنسيان تعلم

لكنها تجدي فعلا في التناسي وفي أن تمر الأيام دون أن تشعر

بها على الأقل وأن تنهار نائما في الليل دون أن تفكر كثيرا ولا

أن تبكي كثيرا .. هي دقائق فقط ثم تصبح في عالم الأحلام التي

ليته يمكن التحكم بها أيضا ففي بعض الليالي تجلب تلك الأطياف

بل تذكرك بواقعك المرير لتستيقظ صباحا منهكا عاطفيا وجسديا

وستحتاج لساعات لتتأقلم مع الواقع وتنسى كل تلك الكوابيس

المؤلمة ... لكننا نعتاد أليس كذلك ؟ فها هي لم تراه ولم تسمع

صوته منذ ذاك اليوم وباتت على الأقل مقتنعة بأن عالمها أصبح

خاليا منه وإن لم يخرج من دمائها بعد .. من أنفاسها .. من

ذكرياتها .. ولا حتى تيم الطفل لكن ذلك سيتغير .. مؤكد سيتغير

ومهما طال الوقت ، إنها دورة النسيان ... تبكي تتألم تعيش مع

الذكريات تموت وتموت وببطء ثم تتعايش وتتناسى ثم ... تنسى ،

فبالتأكيد ستنسى يوما وأحدهما سيسبق لك ذات يوم النسيان

أو الموت .

ضمت جاجياتها تتكئ بذقنها على حافة مذكراتها الكبيرة

وابتسمت تراقب نظراتها الذي توجه نحوها وجلس بجانبها قائلا

بنفس متقطع

" ما رأيك بي اليوم ؟ "

خرجت منها ضحكة صغيرة وقالت

" بك أم بكم جميعكم فأنتم فريق ؟ "

ضحك واستند للخلف على يديه وقال " بل بي ألسنا حبيبان ؟

عليك أن تمدحيني وحدي "


عادت للضحك ولم تعلق فكين كان الشخص الذي استطاع أكثر من

غيره أن يسعادها على تجاوز صدمتها العنيفة تلك .. لم يسألها

ولم يتحدث عن الموضوع أمامها رغم علمه التام به بل حاول

فقط مساعدتها ومساندتها بدون شفقة ولا عبارات دعم ولا حتى

أن سبه وشتمه كحال شقيقته التي أمضت أيام تستخدمه كوجبة

دسمة صباحا ومساء حتى أنها تشك أحيانا أنها تفرغ غضبها من

موضوع خطبتها تلك به خاصة أن والدها أجبرها على أن تلبس

خاتمه رغما عنها ولا تنزعه أبدا ، وما رحمها ورحم ذاك الشاب

وجميعهم معه أنه مسافر من أسبوع ولا وجود له في انجلترا

بأكملها ومع عودته ستكون المواجهة العنيفة بالتأكيد خاصة

أن عائلته يريدون إقامة حفل خطوبة لهما وهي يجن جنونها

إن فتح الموضوع أمامها وترحم تيم من شتائمها لساعات

لأنه ثمة من شغلها عنه حتى بات ذكرهما كليهما في ذاك المنزل

شبه معدوم كما تحول كل غضب والده وعم والدته الذي تحدثت

عنه ساندرين لصمت تام أيضا وهذا ما كانت تعلمه وموقنة منه

فلن يفرض عليه أحد شيئا ولن يتحكم فيه أيا كان لا والده لا عمه

لا عم والدته ولا رئيس البلاد بأكمله .

نظرت للجالس بجانبها حين سحب مذكراتها منها وفتش فيها قائلا

بابتسامة

" دعيني أرى ما فعلته اليوم يا مجتهدة "

فضحكت تراقبه قبل أن يلفت انتباهها الجالسة في المدرج المقابل

.. الفتاة الانجليزية ذات الوجه الدائري الصغير والجميل والعينان

الخضراء الواسعة مع انحناءتهما المميزة ... ملامح في غاية

الرقة والهدوء يحيط بها شعر أسود لامع وقد أسدلت جفنيها

وأبعدت نظرها عنهما وملامحها تنطق حزنا ، لقد انتبهت

لوجودها هنا أكثر من مرة وكلما جلس كين بجانبها وتحدثا

وضحكا تتبدل ملامحها وتقف مغادرة الملعب بأكمله ! تبعتها

نظراتها وهي تخرج ناظرة للأسفل تتجنب رفع نظرها في كل من

تمر بينهم ونقلت نظرها للجالس بجانبها والذي كان يشيح بوجهه

جانبا قبل أن ينظر لقدمه التي ركل بها علبة عصير فارغة شوهت
جمال ذاك المكان النظيف فقالت باستغراب

" كين من تكون تلك الفتاة ؟ "

قال وقد رفع نظره لأعضاء فريقه في الملعب

" أي فتاة ؟ "

قالت ونظرها لم يفارق ملامحه

" الفتاة التي غادرت المدرج الآن طبعا "


حرك كتفيه قائلا ببرود

" وما يدريني أي فتاة غادرت المدرج ومن دخل وخرج ؟ أنا لا

أجلس بحانب الباب "

زمت شفتيها وقالت بضيق

" كين لا تتغابى فأنا أراها هنا كثيرا وتغادر في كل مرة تجلس

فيها بجانبي فثمة قصة بينكما بالتأكيد "


نظر لها وقال مبتسما

" تغارين يا حلوتي ؟ "

عبست ملامحها وقالت

" كين أنا لا أمزح "


شبك أصابع يديه خلف عنقه متكئا عليهم للخلف وقال

" فتاة ... فتاة كأي فتاة وفقط "


نظرت له بصمت لبرهة قبل أن تقول بضيق

" لا ليست أي فتاة أو أنك أنت من لست بأي رجل بالنسبة لها ...
هل تتعمد إغاضتها بي يا متوحش "


استوى في جلوسه مبعدا يديه ونظر لها وقال

" ماريه لا تكوني غبية هكذا فأنا لست من ذاك النوع "


قالت تستفزه عمدا

" حسنا أنت منه فعلا على ما يبدوا "


ونجح مخططها بأسرع مما كانت تتوقع حين قال بضيق

" لا لست كذلك وعلى تلك الفتاة أن تبتعد عني وتبعدني عن

تفكيرها نهائيا "

تقوستا شفتيها بحزن وهمست

" لما أنتم قساة هكذا ؟ ألا تشعرون "



تنهد بضيق وأبعد نظره للملعب مجددا وقال بجمود

" لا تقارني ماريه فالوضع مختلف "


قالت من فورها ناظرة لنصف وجهه

" وأنت معجب بها أيضا لا تنكر ذلك فعيناك وأنت تتحدث عنها

الآن تقولان كل شيء "


نظر لها وقال بذات ضيقه

" ذلك لا يكفي ولست معجبا بها فتلك الفتاة انجليزية "


قالت باستغراب ناظرة لعينيه

" وأنت انجليزي أيضا ! "


نظر جهة الملعب مجددا وقال بصوت منخفض

" لكني مسلم ماريه لا تنسي ذلك "

عبست ملامحها بحزن وألم فهو سبق وأخبرها بسره ذاك سابقا

وبأنه لا يشهر إسلامه لأنه ثمة علاقة زمالة وصداقة قوية كانت

تربطه مع أحد رجال مطر شاهين بل وقريبه وبعد أن عادوا

للوطن وخشية عليه وعلى نفسه كان عليه أن لا يظهر شيئا ولا

حتى إسلامه لكن قراراتهم قاسية ! الرجال جميعهم متشابهون لا

يكترثون بجرح امرأة تحبهم فقط لأن العقل يقول ذلك ، ولن

تصدق أن يكون الأمر مجرد صديق له بل لا تستبعد أن يكون هو

أيضا أحد رجاله أو معاونيه وإن لم يكن من المقربين منه ، تعلق

نظرها بنصف وجهه وتمتمت بحزن

" لكن المسلم يمكنه الزواج من كتابية ؟ "


نظر لها وقال بجمود

" وكيف ولن تعلم بإسلامي ؟ ثم أنت تعلمين جيدا ما يعني

الإسلام ماريه وما الذي نتعلمه منه "

نظرت له باستغراب فعاد بنظره هناك وقال بشرود بل بوجوم

" إننا نتعلم معه أن المرأة لرجل واحد ماريه لم يسبقه لها أحد

وتلك الفتاة ليست كذلك قطعا "


قالت محتجة

" لا ذاك ليس عذرا كين إلا إن كان ثمة ما تخفيه وتخشى أن

تكشف تلك الفتاة ؟ ثم المسلم يتزوج الأرملة والمطلقة وليس

عليه أن يكون الرجل الأول في حياتها "


ابعد نظره عنها وقال

" الأمر بالنسبة لي مختلف ماريه مختلف كثيرا "


وتابع بابتسامة مائلة ناظرا لها

" ما رأيك أن أتزوجك أنت فكلانا أجنبي مسلم بالخفية وأكون

أسبق لك من أصدقائي الذين باتت أسئلتهم عنك لا تتوقف "


نظرت له بحنق وكانت ستتحدث لولا كانت تلك اليد أسبق لها وقد

سحبها صاحبها منها قائلا بابتسامة

" تعالي ماري إنه دورك "

فتحركت خلفه بصعوبة تجتاز المقاعد قائلة

" ريك انتظر أنا لا أعرف كيف ألعبها ولست بطول أجسادكم "

قال وهو يدخل بها للملعب

" لا تقلقي الأمر سهل جدا وممتع فلا تكوني جبانة "

وفي لحظات وجدت نفسها بين أولئك اللاعبين المخيفين فأغلبهم

طوال قامة بشكل مخيف رغم أن منهم من طولهم معتدل ككين

والذي رغم ذلك فهو كابتن الفريق فيبدوا أن المهارة لا علاقة لها

بطولهم فهو يصوب رميات لا يستطيع فعلها أطولهم ! مد لها

أحدهم سلك مطاطي نزعه من يده وأشار لها على شعرها وركض

مبتعدا فرفعته عاليا وأمسكته به في جذيلة وما كان من مفر

أمامها منهم ، بل وكان الأمر كما قال ممتعا جدا .. لا بل هم من

جعلوه كذلك وهم يجعلون منها هدافتهم ودون منازع والكرة تمرر

لها في كل مرة درجة أنها انسجمت في اللعب والركض باستمتاع

لم تتخيله أبدا تصرخ منادية لكل واحد منهم ليعطيها الكرة حتى

أنها كانت تحضنها أحيانا وتركض بها من بينهم ضاحكة دون أن

تضربها على الأرض وكانت الفتاة الوحيدة بينهم لكنهم استطاعوا

دمجها في لعبهم بسهولة حتى أن سترتها الجينز نزلت على

ذراعيها بسبب ركضها وكل ما كانت تلبسه تحتها قميص من دون

أكمام وكلما رفعتها تدلت من جديد حتى نسيتها مع ركضها

وحماسها .

وصلت تحت السلة في أول مرة لها ورغم ابتعادها عنها عاليا

وصعوبة الأمر إلا أنها قفزت منتهزة الفرصة وصرخت بحماس

ضاحكة حين شعرت بتلك اليدين تمسكان خصرها وترفعانها عاليا

... عاليا جدا درجة أن استطاعت وضعها في السلة وبكل سهولة

تستمع للتصفيق والضحكات من الجالسين عند المقاعد المصفوفة

بعناية ، وما أن وصلت للأرض مجددا بدأت تستقبل تلك الأيادي

الرجولية وكل واحد منهم يضرب كفه بكفها ضاحكين وآخرهم

الذي قرص خدها قائلا بضحكة

" كنت رائعة أيتها الإيطالية الجميلة "

فابتسمت له قبل أن تموت تلك الابتسامة بل وتتحول لصورة

جامدة كل شيء حولها يتحرك إلا هي وحتى الجماد وهي تنظر

بأنفاس متقطعة بسبب ركضها للواقف أعلى المدرجات يديه في

جيبي بنطلونه الجينز ينظر لها بل لعينيها تحديدا نظرة عرفتها

واعتادتها بل وألفتها تماما في عينيه ... النظرة الجامدة التي لا

يمكنك قراءة ما خلفها ولا التكهن بما يفكر أن يفعل صاحبها

ومهما حاولت ، تمنت حينها لو نزعت قلبها من بين أضلعها

ورمته في ذاك الملعب وداسته بقدميها بقوة بل وجميع تلك الاقدام

الرجولية الكبيرة وأحذيتها الثقيلة وكرتهم أيضا لشعورها المقيت

بضرباته المرتفعة تصاعدا كلما أطالت النظر لتلك العينين وكلما

طالت نظرته تلك لها تذكرها بحلمها الميت وأملها المحتضر

ومشاعرها التي مزقها ودون رحمة فكانت هي من كسر ذاك

الجسر المتين وأبعدت نظرها بل ووجهها عنه لأنه يؤلمها هي

وتغرس حوافه في قلبها هي لا هو ولن تسمح بأن يقتلها أكثر

بعينيه قبل كلماته ككل مرة .

لو تفهم فقط ما أحضره إلى هنا ؟ ألم يطردها من منزله دون حتى

أن يكلف نفسيه عناء أن يقنعها أكثر بالبقاء ؟ ما كانت لتبقى أبدا

لكنه لم يحاول أيضا وكل ما فعله أن قتلها وبقسوة أكبر وذبح

روحها الجميلة وهو يخبرها وبكل بساطة بأنه ما فعل ذلك إلا

ليسكت والده وعم والدته عنه بل وهي أولهم لأنها من طالبه بذلك

قبلهم ، ولم يكفيه كل ذلك ليمتعها بذاك العرض السخيف في

الشارع وكأنه أخذها هناك فقط ليقتلها وليريها الواقع الذي قد

يرفض عقلها تصديقه يوما ، والكارثة أنه يعلم ... فبعد رسالة

ساندرين له سيكون علم بالتأكيد أين كانت حينها وبأنها لم تغادر

لكان وجدها في طريقه قرب المبنى السكني .

رفعت يدها لشعرها وأزالت ذاك المشبك المطاطي منه بحركة

واحدة وتدلى ذاك الشعر الحريري على كتفيها وظهرها وتحركت

من هناك ليوقفها الصدر الذي اصطدمت به وظهر في طريقها

فجأة وكأنه يتعمد فعل ذلك فتراجعت للخلف خطوة ورفعت غرتها

عن عينيها وانحرفت في سيرها لتجتازه ودون أن تنظر له ولا

للمحة صغيرة لكن تلك الأصابع القوية كانت الأسبق لها وهي

تلتف على معصمها وأدارها نحوه ، لم يتحدث ولم يحاول جعلها

تنظر له .. كل ما فعله أن أدخل يده في جيب بنطلونه الضيق

وأخرج ما جعلها تنظر له بين أصابعه بصدمة وكان ما أرسلته له

سابقا مع رواح وقبل أن يسافر بيوم واحد وهو مغلف بني يحوي

وثيقة زواجهما القديمة والعملات النقدية التي أرسلها لها سابقا

وهذا .... خاتم الزواج الذي أحضره سابقا وألبسها إياه أمام باب

منزل عمها في تلك الليلة التي لم تتخيل لحظتها أن تتحول لمأساة

رافقتها لأيام وأيام فكان عليه أن يعلم حينها بأن ما يربطهما قد

انتهى .. الماضي الذكريات وتلك الوثيقة القديمة والتي رغم

اختلاف قوانين البلاد وتجديدها لعدة مرات في المحكمة إلا أنها

احتفظت بتلك النسخة التي كتبها شيخ قريتهم بيده تحوي اسمها

واسمه وعمريهما الحقيقيان حينها ... خمس سنوات للزوجة

وثلاثة عشر عاما للزوج وظنت بسذاجة أن ذاك يعنيه كما عناها

هي وعاشت عليه ولأجله لأعوام .

أمسك بيدها متجاهلا محاولتها لسحبها منه وأدخل الخاتم في

أصبعها ولم يكتفي بذلك فقط بل والتفت أصابعه حول ذقنها ورفع

وجهها له ... ودون أن ينظر لعينيها انحنى لشفتيها وقبلها أمام

الجميع .. أمام تلك الصرخات والتصفيق والتصفير ممن حولهم

وخاصة الفتيات ، كانت قبلة قصيرة لكنها كافية ليراها الجميع

هناك ولتدمر دفاعاتها التي حاربت بشراسة لتتمسك بما تبقى

منها ، وما أن ابتعد عنها ببطء نظر بصمت لعينيها ولحدقتيها

الذهبيتان الغاضبتان كقطة ذهب نقية تعكس ضوء النهار القوي

والتوى طرف شفتيه بابتسامة ساخرة وانحنى لاذنها هامسا

قربها وبابتسامة ساخرة

" ستكونين مطيعة الآن ماريا أو فعلت المزيد "

وما أن أنهى عبارته تلك سحبها من يدها خارجا بها من هناك

تتبعه أحبت ذلك أم كرهته .

‏*‏
‏*‏
‏*‏


دخل من الباب بخطوات واسعة ينظر لساعته فهو لم يزر قصرهم

نهارا منذ أكثر من أسبوع لا بل منذ ذاك اليوم والليلة وهو يمضي


يومه في خارجه ولا يرجع إلا ليلا يصعد لجناحه وينام فورا

ليغادر فجرا من جديد ، هربا من نفسه أولا وليقنعها بالعذل عن

كل ذاك الجنون ثانيا وليجهز نفسه ويدربها على طمر تلك

المشاعر ثالثا وأخيرا والأهم بل وأكثر ما يجزم بأنه مستحيل لذلك

كان عليه أن يبتعد فهو أضعف ما يكون أمامها وفي وجودها ، أما

اليوم وبما أن ما سعى من أجله أصبح جاهزا فعليه أن يراها ولن

يقول ليطفئ شوقه فعلى كل ذلك أن يموت في داخله أو قتل نفسه

.
كان قد مر بعامل الحديقة أولا ولفت انتباهه حينها الجالسة عند

تلك الشرفة بل وفوق حافتها الحجرية العريضة ترفع ركبتيها

وتضع دفتر رسمها عليهما وترسم وليست منتبهة ولا مهتمة بأي

شيء يحدث حولها ، لقد خصص لمربيتها هاتفا محمولا بسيطا

وطلب منها أن لا تخبرها عنه وأن تتصل به كلما استدعت الحاجة

لوجوده ولم تفعل طيلة الأسبوع أي أن أمورها تسير بشكل جيد ،

لكنه لم يستطع فعلها قبل قليل ومنع نفسه من سؤال ذاك العمال

ما أن لمحها هناك إن كانت تجلس دائما في ذاك المكان فقال له

وفورا

( بلى سيدي تجلس هكذا وترسم لوقت طويل )


وصل لغرفة الشاي ولباب الشرفة الزجاجي تحديدا ودفعه وخرج

فقد كان مغلقا على غير عاداتها السابقة حين كانت تتركه مفتوحا

! وظن أنها فعلتها لتشعر بأي شخص سيدخل فتخفي رسوماتها

تلك لكن ذلك لم يحدث ! لم تغلق دفترها ولم تخفيه بل ولم تهتم

ولا برفع رأسها ونظرها عنه رغم يقينها من أنه سيكون هو ..

عكس الشوق الذي ينهشه هو ويطمره كالنار تحت الرماد .


وصل عندها ووقف قربها ونظر لما ترسمه وشعر بذاك الانقباض

المرير في قلبه فالذئب هذه المرة يمسك الأرنب بأنيابه واختفى

الأسد وكل شيء معه لكن هذا الأرنب ليس ذاك ! هذا ثمة لون

رمادي خفيف في فرائه جهة الرأس فأي لغز جديد هذا وهو لم

يقم ولا بحل القديم ؟ نقل نظره لملامحها وعيناها المركزتان على

ما تفعل وقال بهدوء

" زيزفون انزلي قليلا أريدك في أمر "


" ألا ينفع وأنا هكذا ؟ "


تنهد بأسى بسبب صوتها البارد أكثر من تأثير كلماتها تلك وحمد

الله أنها تساعده على الابتعاد عنها بمعاملتها السيئة هذه الأغلب

الأحيان ، رفع يده ومرر أصابعه على الأرنب في الرسمة وقال

ونظره عليه

" لما ترفضي أن أساعده يا زيزفون ؟ لما لا يكون ثمة أسد هنا

أيضا ؟ "


أغلقت دفترها بعدما سحبته من تحت يده ونزلت ونظرت له في

صمت كم خشي مما سيكون بعده لكنه طال حتى تيقن من أنه ليس

ثمة حديث سيليه فنقل نظراته بين عينيها قائلا

" لو أعلم فقط يا زيزفون ما مواصفات الصديق في قاموسك من

العدو ؟ "


حركت كتفها وقالت مبتسمة ببرود

" أن لا يتدخل في حياتي .. في صمتي .. في حديثي وفي كل

شيء يخصني طبعا "


رفع نظره عنها للأعلى وتنفس بعمق وقال يراقب السماء الصافية

" إذا أنا أشد عدو لك وزوجة والدي والدة ضرار هي صديقتك "


" أجل "


قالتها مباشرة وقتلته دون رحمة .... لا هي لم تقتله ولم يؤذيه

تجريحها له يوما ولن يحدث ذلك ، أنزل نظره لها ونظر لحدقتيها

الزرقاء الناظرة لعينيه بسكينة تعاكس كلماتها المدمرة كالموج

المدفون تحت الصخور يدمر كل شيء في صمت وسكينة وقال

بذات هدوئه

" أخبريني سببا واحدا لكرهك لي ولن تريني مجددا

يا زيزفون "


انتظر جوابها بترقب فهو يعرفها جيدا لا تجيب إلا بما في نفسها

وصدقا بل ولا يعنيها ما تفعله كلماتها فيمن توجهها له لذلك

انتظر وبفضول لكنها لم تتحدث بل أبعدت نظرها عنه متمتمة

ببرود

" ألأجل هذا أنت هنا وتركت أعمالك يا وقاص ؟ "

تنهد بعمق وقال

" لا "


وتابع وهو يخرج العلبة المخملية الزرقاء الغامقة من جيب سترته

" بل من أجل هذا "
وفتحها على نظراتها المستغربة لها وأخرح منها سلسال من


الذهب الأبيض وما أن رفعه تدلى منه ما كان مصمما خصيصا


ليوضع فيه وما كلفه الكثير ليحصل عليه هكذا ويجمعهم جميعهم

... ثلاث خواتم زواج الفضي الرجالي الذي وجده في النافورة


واثنان ذهبيان نسائيان وتقليديان لا شيء بهما سوى نقوش


بسيطة وفصوص صغيرة جدا في أحدهما وقد تم دمجهم ثلاثتهم


بقصهم وإدخالهم بين بعض قبل لحمهم مجددا ليصبحوا كحلقات


السلسلة كل واحد مرتبط بالآخر وقد مرر سلسلة رقيقة جدا


بينهم تحوي ثلاث ماسات تمر كل واحدة من الثلاثة عبر خاتم ،

وضع العلبة على حافة الشرفة وقال

" ارفعي شعرك وسأخبرك عنه ما أن تلبسيه "


نظرت له بين أصابعه قبل أن ترفع شعرها كما طلب ويعلم جيدا


أنها تعرفت على اثنان منهما أما الثالث فمستحيل ، وقف ورائها


وأداره حول عنقها وأغلقه يحاول التركيز فقط على أصابعه ..


فقط لا غير حتى انتهت مهمته وتركه ينزل على عنقها فرقت تلك


الخواتم بأصابعها تنظر لها فأشار لها بسبابته وقال ونظره عليهم


" هذا خاتم جدتك .. يليه خاتم والدك .. أما هذا فخاتم والدتك "


اشتدت أطراف أصابعها عليه لا إراديا وأدارت وجهها ونظرت له


خلفها وقالت ناظرة لعينيه


" خاتم والدتي ! "


نظر لعينيها وقال


" بلى ولم يكن إخراجه من هناك سهلا لحجر المحكمة عليه كل


تلك الأعوام لكني استطعت فعلها "


ثم عاد بنظره للسلسال وللخواتم بين أصابعها وتابع ونظراتها لم


تترك وجهه وعيناه


" الماسة الأولى هي والدك أنجبته جدتك فهي معلقة بخاتمها ثم


أنتي وماستك معلقة بخاتمه "


نظرت لهم بين أصابعها وقالت


" والثالثة ؟ "


قال مبتسما " لم أطلبها من ذاك الصائغ لكنه أصر على وجودها

وقال بأنه سيكون ناقصا من دونها ولست أعلم لماذا سترمز ! "


نظرت لها بحزن فهي تعلم .. تعلم جيدا إنه شقيقها الذي ليست


تعلم ستراه يوما أم ستفقده للأبد .


" هل لنا أن نعلم ما سر هذه الهدايا في الشرفات ؟ "


ارتفع نظرهما كليهما للتي كانت تقف عند باب الشرفة تكتف


ذراعيها لصدرها وتنظر لهما نظرة يفهمها كل واحد منهما فتمنى


فقط في قرارة نفسه أن لا تحاول الواقفة أمامه إجابة سؤالها لكن


أمنيته تلك ماتت في مهدها حين خرج صوتها باردا مستفزوا


" يأخذ مكان ابنك هل لديك مانع ؟ "


ابتسمت تلك بسخرية قائلة

" فليرحمنا الله من عقوباته على هذا المنزل بسبب الرذيلة

التي تحدث فيه "


نظر لها وقاص بصدمة بينما أنزلت الواقفة أمامه يدها وأدارت


جسدها قليلا وأمسكت بيده ممررة أصابعها بين أصابعه وسارت


به من أمامها مجتازة لها وكأنها لا تقف هناك حتى وصلت


غرفتها ودخلت وهو يتبعها ولم تترك يده حتى كانا في الداخل


فقال بضيق ناظرا لها


" زيزفون محاربتهم بتلك الطريقة لن تجدي في شيء بل


ستضرك أنتي "


فتحت باب خزانتها وقالت ببرود


" لست أهتم إلا كنت أنت تخاف على حياتك الضرر "


تنهد بعمق وقال


" أنتي تعلمين جيدا أ..... "


قاطعته بحزم ناظرة لعينيه


" لن نتحدث فيما قلت هنا سابقا يا وقاص "


زفر بقوة وأومأ برأسه موافقا وقال متجنبا النظر لها


" أعلم ولم أكن لأتحدث عنه بل ما كان عليا أن أقول ما قلت "


أخرجت ورقة ما من خزانتها وأغلقتها قائلة


" لا بأس فأنا أعلم أنك قلت ذلك فقط لتتخلص من عقدة الذنب


اتجاهي "


تنهد بعمق مغمضا عينيه وقلبه يردد وبألم


( بل حقيقة هي يا زيزفون وكان كلاما صادقا ومن أعماقي لكنك


لن تصدقي أبدا ومهما قلت )



مدت له بالورقتان المطويتان اللتان أخرجتهما قبل قليل وقالت


" أعطي هذه لجدك وليفتحهما ويقرأهما أمامك لتعلم صدق ما


قلت لك يومها ولتراه على حقيقته ... بل وليعرف هو نفسه "


*
*
*


رمى الجريدة من يده وقال بضيق

" سحقا ... هي ليست ابنة ذاك الرجل إذا ؟ "

نظرله الواقف أمامه وقال مبتسما بسخرية

" كنت تكاد تكون واثقا يا شعيب ؟ "

نظر جهة النافذة المفتوحة وهمس من بين أسنانه

" كانت الخيط الوحيد وانقطع وعلينا أن نصرف النظر عنها

ونلتفت لما هو أهم الآن "

حرك يوسف رأسه إيجابا وقال

" معك حق ثمة ما هو أهم قبل أن يضيع كل ما فعلناه لأعوام

سدى "

وتابع ناظرا له ونظره لازال على تلك الأشجار في الخارج

" ماذا حدث بشأن ذاك الجاسوس إسحاق ؟ "


تحولت ملامحه للشر وكشر عن أنيابه البارزة وقال بغضب

مدفون

" لم نستطع الوصول له حتى الآن ... الحراسة حوله مشددة

لكن ثمة من سيساعدنا وسنتخلص منه سريعا قبل أن يخرجوه

من البلاد "


قال الواقف قربه بغيظ

" ذاك الإمعة مطر شاهين لقد كان ورائه فعلا وها هو يحميه

وبشراسة وإن استفاق ذاك الطفل وتحدث فسيخبره بما علم ولن

نستبعد الأسوأ بعدها لذلك عليه أن يموت وسريعا جدا "

نظر له شعيب وقال

" لو أعلم فقط من أخبرهم عن مكانه ولم يكن هناك أحد قرب

الجرف ولا أحد سيلحظ سيارته في الأسفل ؟ كله من زكريا وذاك

الاتصال مؤكد تتبعوه وعلموا عن المكان "

انفتح الباب فجأة سارقا نظرهما واهتمامهما للذي دخل منه ونظر

لهما بما لم تخفيه عيناه ولم يحاول هو فعلها وقال بجمود يخفي

كل ذاك الحقد الأسود

" هل سأنتظر في الخارج حتى المساء مثلا لتأذنوا لي بالدخول

وأنتم من طلب رؤيتي ؟ ورائي رحلة لحوران ولجامعتي هناك فما

هذا الذي جعلكم تتنازلون وتقابلوا وجهي "

صرخ فيه الواقف هناك من فوره

" أويس احترم من هم أكبر منك فطول اللسان لن يفيدك في

شيء "

قال شعيب مسكتا له

" انتهى يا يوسف نحن لسنا هنا لنتشاجر كالصبية بل لنقول

ويسمع "


قال الواقف قربه بضيق

" بل وينفذ "


نظر لهما بكره ولم يعلق فلولا والدته ما بقي في هذا المكان

والبلدة يوما واحدا ليقابل هذه الوجوه وإن مصادفة رغم أنه لم

يراهم منذ وقت طويل ولا يراهم إلا نادرا بالرغم من أن أراضيهم

متجاورة ، قال شعيب ناظرا لعينيه ودون أن يهتم لتك النظرات

الحاقدة

" من هذا الذي اسأجرت له ملحق منزلك مجددا ونحن من سبق

وحذرناك من فعلها دون علمنا ولا أن نوافق على هوية المستأجر

أيضا ؟ "

لاذ بالصمت لبرهة قبل أن يقول بجمود

" وفيما سيضركم مستأجر في أرضي ومنزلي ؟ هل تأخذون أنتم

رأيي فيما تفعلونه في أراضيكم ؟ "


قال شعيب من فوره وبحدة

" أراضيك جزء من أراضينا يا أويس وما يمسها يمسنا ولا شيء

يحدث فيها دون إذننا ولا علمنا مفهوم ؟ "


شد على أسنانه بغيظ قبل أن يقول

" أنا استأجرت للرجل ولن اخرجه منه ما لم يفعل بنفسه ، ثم هو

ليس من الجنوب ولا علاقة له بأحد هنا فما من داع لأن تخشوا

على أسراركم المدفونة "


رماهم بها عمدا في حرب باردة مستفزة وإن كان لا يعلم ما

يخفونه إلا أنه متأكد من أنه ثمة أسرار كثيرة يحمونها بقوة ومن

كل شيء حتى من أنفسم مثلما هو متأكد من أنه ليس ثمة سر

يدفن للأبد ولابد وأن يكشف يوما ما ويدمر صاحبه مكافئا له على

حفاظه المستميت عليه .


" من يكون ؟ "


خرج شعيب من صمته أولا ينظر له عاقدا حاجباه الكثيفان فقال


ببرود
" مهندس عمل مؤخرا هنا واسمه يمان إبراهيم حجاح "


تبادلا نظرة صامتة جعلت الواقف أماهما ينقل نظره بينهما

مستغربا قبل أن ينظر له شعيب وقال

" من معه ؟ "


قال من فوره

" وحده لكنه مختف منذ أسبوع تقريبا ولا أحد يعلم أين "


راقبهما بدقة وهما يتبادلان نظرات صامتة جديدة قبل أن يتحدث

شعيب مجددا

" لا بأس لكن إن تركه فلا تستأجره لأحد حتى تخبرنا أولا "

شد على أسنانه بقوة وتمنى أن قال الكثير .. لا بل أن قطع لحمه

بهما لكن لا بأس لابد وأن يأخذ القانون مجراه يوما ما ويأخذ كل

ذي حق حقه ، التفتت الأنظار جميعها للباب مجددا وللذي دخل

منه وقد دفع ذاك الجسد الذي كان يمسك بذراع صاحبته حتى


ارتمت أرضا وقال

" ها هي فتفاهموا في مصيرها "

فوقف ذاك الجسد المنهك ببطء يخفي ذاك الشعر الغجري الأشقر

الطويل ملامح صاحبته قبل أن ترفع رأسها ونظرها ببطء ليس

لهما بل للواقف يمينا ومن هرب من نظراتها وعينيها الباكية فورا

مشيحا بوجهه عنها قبل أن يدفعها نوح من ظهرها للداخل أكثر

حتى اصطدمت بالجدار بقوة وابتعدت عنه تمسح أنفها المتألم

بظهر كفها ببكاء صامت ترفض أن يخرج أمامهم ولا أن


تستجديهم فقد فعلتها حتى مع جسار الذي لم ترى منه رأفة ولا

رحمة يوما لكن هم لا .. لن تفعلها وإن ساوموها بذلك على

حياتها فستختار الموت ودون تردد .


التفتت ناظرة لهم بصدمة حين قال شعيب بأمر مشيرا بسبابته لها


ونظره على أويس

" هذه هي ستأخذها معك أم نحدد نحن مصيرها وندفنها حية "


ارتجف قلبها بل وجسدها بأكمله تنظر بذعر للذي لا مزاح في

كلامه أبدا .. ومنذ متى يعرف هذا الرجل المزاح ولن يليق بوجهه


المخيف قطعا ، نقلت نظراتها الجزعة منه للذي كان ينظر


لثلاثتهم والواقفين قرب بعضهم بكره قبل أن يقول بجمود


" آخذها لأين مثلا ؟ "


فتسربت تلك الدموع من عينيها فورا الواحدة تلحق بالأخرى وقال

نوح بسخرية


" شقيقتك إن كنت تريدها حية "


فصرخ من فوره وبعنف مفجرا كل ذاك الحقد والغضب


" ليست شقيقتي ووالدي لم يقرب والدتها يوما .. هو أنزه

وأشرف من أن تنسب له هذه الفتاة ولا أن يقرب تلك ال.... "


" تتزوجها إذا "


لم تكن الصدمة من نصيبها وحدها هذه المرة بل والذي قطع


كلامه وهمس بصدمة واستنكار ناظرا تحديدا لصاحب تلك العبارة

والذي لم يكن ولن يكون سوى شعيب


" أتزوجها !! "


قال بحزم


" أجل ... ألم تقل بأنها ليست شقيقتك ؟ ستتزوجها إذا ورغما


عنك "


انهارت حينها الواقفة بينهم جالسة على الأرض وخبأت رأسها


بين يديها ولم تستطع ولا الصراخ وكأن صوتها مات ...! اختفى

وانعدم وللأبد فكيف يتزوجها ! ماذا إن كانت شقيقته فعلا وليس


كما يقول ؟ ثم والناس ماذا سيقولون عنهما ووالده اعترف قبل


موته وأمام الجميع بأنها ابنته رغم نكرانه العنيد لذلك قبلها ؟

نزلت دموعها تتقاطر في حجرها ولم تتمنى الموت حياتها كما

تمنته لحظتها رغم أنها ترجته واستنجدت به لليالي وأيام لعله

يرحمها .


" أتزوجها كيف هل جننت ؟ "

نطق أويس أخيرا بما استطاع إخراجه من حنجرته المتصلبة فكان


رد شعيب سريعا وجاهزا

" ألم تقل بأنها ليست شقيقتك ؟ إذا تفضل تزوجها أو ستختفي

من الوجود وأنت المتهم بها "


رفعت رأسها ونظرت لهم وقالت صارخة ببكاء

" اقتلوني أرحم لي واتهموني أنا في نفسي لا مانع عندي ،

أجلبوا لي حبلا وسأشنق نفسي "


ضحك نوح وقال بسخرية وبلا رحمة

" حل رائع ما رايكم ؟ "


نظر له شعيب بتهديد نظرة أسكتته فورا كما اختفت معها

ابتسامته تلك وأطبق الصمت على المكان ليس بسبب ما قاله لأنه

لا يستدعي الصمت بل بسبب تلك الخطوات التي اقتربت من الباب

جعلت الجميع ينظر له ... البعض بفضول والبعض بترقب

واستنكار قبل أن يظهر ذاك الجسد الذي ملأه وحدقت الأعين بتلك

الأحداق الرمادية التي استقرت من فورها على صاحب تلك

العمامة والشعر الذي لامس كتفيه والنظرة السوداء الغاضبة ،

ورغم تلك الملامح الشاحبة المتعبة وبشكل واضح فقد قال

صاحبها بجدية

" عذرا لدخولي دون استئذان لأني لم أجد أحدا وقد دلني أحد

العمال على مجلسكم هذا "


وتابع ونظره لازال على تلك العينان السوداء الجامدة قائلا

" أنا من صدم ابنتكم بسيارتي وعلمت عن قصتها مع شقيقها

وأنا وحيد ولا أحد لي فهل تزوجوني إياها ؟ "




المخرج ~~

بقلم / جزيل العطاء

( رماح & جهينه )

سألت فصيح عربي بجهينة ماقيل؟
فقال:تصغير لجهنة وهو ذاك السواد منتصف الليل.
قلت: جاهل انت و عين رأتها تداعب زبد البحر مثل شمس الاصيل.
قال: و ترخيم لجهانة وهي من ودعت الصبا لتعانق الشباب خليل.
قلت: ويحي أنا وعشقي لصباها قبل شبابها بالقلب سليل.
قال: أعالم أنت عن صفات حامل الإسم ماقيل؟
قلت: بلى بقدرثقتي التي اوليتها كانت ولن أجد دونها بديل.
فقال باسم ثغره: وزد .. حبها لزهو الحياة دليل.
قلت بغصة زاحمت مخارج الحروف بحلقي: أي حب ذاك وهو بخيل؟
فقال مزمجرا: ويحك ياهذا تحديها لواقعها لتكون لك سندا لأمر جليل.
قلت أضرب على خافقي: شفقة منها تلك يرفضها هذا العليل.
قال يضرب كف بكف مسمى شفقة عن حبها كيف تطلقه بديل؟
قلت: أي حب وقد كنت السبب بقطع سبل الوصل منذ وقت طويل.
قال: حبها لك باق وقد زاد مع السنين فهل لها بالمثل عنك قليل؟
قلت ناظرا له: أتسأل حقا عن قليل وقد احتل حبها قلبي سيدا نبيل؟
وكيف بحب يزيد بقلب انثاي مع سنين إتخذت فيها من غيرها حليل؟
ترضونني لها كسيحا لكني لا أرضى يكفيني ذكراها كل مليل.
قال: كفاكم الم قم دق الطبول فقد دنى وقت الوصال فلا تعدو كليل.
أخبرتني هي بأنك الرماح الذي أطاح قلبها بالحب قتيل.
رماحة انتم أشعل لهيب الشوق بالقلب فتيل .
قلت: تتكلم واثقا وانت عما جرى بيني وبينها دخيل.
فقال:"عند جهينة الخبر اليقين" مثل عند عربان قضاعة قيل.
قلت: ماذا تعني فعقلي لم يجد لكلامك معنى وتحليل؟
قال: ويحكم أيها الرجال ألا تدرون ان عذاب النساء هو البعد والرحيل؟
أسرع تحرك لتلحق شمسك قبل المغيب فهي أهم من القال والقيل.
*******



نهـــــــــــــــــــــــاية الفصل

الفصل الثامن عشر بعد أسبوعين الأربعاء مابعد القادم


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:58 PM   المشاركة رقم: 889
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 345 ( الأعضاء 38 والزوار 307)
‏فيتامين سي, ‏عيوش بنت محمد, ‏نوار حوران, ‏Triva, ‏جماااااني, ‏ام البنين, ‏سعيده ببلادي, ‏ذكرى لن تعود, ‏aya mahmoud, ‏نينونة القلب, ‏بنتي أميرتي+, ‏يمنى عادل, ‏sareeta michel, ‏لولو نادرة, ‏ديـ*M*ـوم, ‏بطه اورنج, ‏المتوكله, ‏samam, ‏عشقي النصر العالمي, ‏منوني, ‏الترف المغنج, ‏سممر ال باز, ‏دانة الشرق, ‏ام عبدالسميع, ‏métallurgier, ‏ثرثرة حنين, ‏أم مروان, ‏حوراء وهيفاء, ‏امال العيد, ‏coha, ‏Aya youo, ‏الوان الدنيا, ‏eryania, ‏ام ابرار, ‏بيانكو, ‏inay, ‏غير عن كل البشر

وأحلى سلفي معكم آل ليلاس
قراءه ممتعة لكم ......وردود ممتعة لنا....... ولحبيبتنا ميشو .......

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 15-02-18, 04:05 AM   المشاركة رقم: 890
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2017
العضوية: 327145
المشاركات: 68
الجنس أنثى
معدل التقييم: بنت الفارس عضو له عدد لاباس به من النقاطبنت الفارس عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 135

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
بنت الفارس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 

يااارباه ماهذا 😢😢💔 .. مطررر حرام عليك ووش سويت 🙄🙄 خربت ابو العلاقة كل ماقلت هانت البارت الجاي يتصادقون يخربها الله يصلحه 💔💔 .. تيم مدري ارحمه ولا ارحم ماريااا 💔😭😭😭 وضع ابطالنا صعبببب جدا كل واحد يمشي على قناعاته موب قلبة 💔😢 ... البارت جدا حزيييين مطر وتيم ووقاص ويممان 💔 قلوبهم متكسسسره يبيله تجبييير 😢 .. ابان رهيب جازلي تعاملة اللطيف مع يمامه 😍🌹🌹 .. زهووور جابت العيد قبلت خطوبة الجنوبي المغبر 🤣🤣🤣🤣🤣🤣🤣🤣🤣 .




الا من اللي قال صدمة عمر 🤣🤣🤣 يكون جبران ولا غيهم

 
 

 

عرض البوم صور بنت الفارس   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 04:30 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية