كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
" أجل ... أجل قاااااادمة "
ركضت الصارخة بتلك العبارة جهة الباب الذي لم يتوقف رنينه
ولا لأخذ فترة راحة مالئا المنزل بضجيجه المرتفع وما أن فتحت
الباب تلقت يداها شاهقة الجسد الذي تهاوى ناحية الأرض
لتَمسك صاحبته بالباب الذي فتحته باندفاع ، حاولت أن تسندها
لجسدها قائلة بفزع
" ماريه ما ...... ؟ ماذا أ .... ؟ "
وصرخت منادية حين خانتها الكلمات لتصوغ أي جملة
" أميييي تعالي بسرعة أرجوووك "
وحضنت التي كانت ستنزلق من بين ذراعيها لحظة أن اقتربت
منهما راكضة من لم تجد وقتا ولا لمسح يديها من الماء تمسحهما
في مريلة المطبخ التي تضعها فوق ثيابهت ووصلت عندهما
وساعدتها في إسنادها وساعداها لتسير جهة ممر غرفتها
متمتمة بحزن
" يا إلهي ماذا حدث أيضا لهذه الفتاة ؟ "
أوصلتاها الغرفة فارتمت فورا على السرير وتناثر ذاك الشعر
البني حول وجهها بسبب ارتدادها القوي وأغمضت عينيها برفق
وسرعان ما عادت وفتحتهما جزئيا والدمعة الحارة تنزلق منهما
ببطء وانحنت على نفسها جانبا فتحركت التي عادت لمسح يديها
قائلة وهي تغادر من هناك
" سأجلب لها شيئا تشربه فساعديها لتستلقي جيدا ساندي "
وخرجت مسرعة فجلست ساندرين على الأرض أمام النائمة على
السرير بجانبها ووجهها مقابل لها ومسحت على شعرها تنظر
لملامحها المتعبة فوق الكدمتان فيه والخدش في جبينها قائلة
بحزن
" ماريه ماذا حدث ؟ هل أحضرك هنا بعد كل ما فعله ليأخذك
من هناك ؟ "
تحركت تلك الشفاه الجافة ببطء وخرج منهما ذاك الهمس الخافت
الكسير والدمعة الجديدة تنساب على ذاك الاحمرار الطفيف ببطء
" بل جئت وحدي وعلى قدماي "
شهقت ممسكة فمها قبل أن تمسح على وجهها وشعرها قائلة
بصدمة
" من هناك إلى هنا وعلى قدميك وأنتي في هذه الحالة ماريه !
هل جننتِ ؟ "
غطت وجهها بساعديها تضم يديها فوق رأسها وهمست ببكاء
موجع
" أردت أن أشعر بألم أقسى من ذاك ... أن يفوق أي ألم آخر
على ما كنت أشعر به في صدري "
ملأت دمعة الجالسة أمامها عينيها رغما عنها ومسحت على
ذراعها هامسة بأسى
" ليته يحترق فقط ... كم أتمنى من الله أن يحرق قلبه "
وقفت بعدها ومسحت عيناها بظهر كفها وتوجهت لقدماها اللتان
ما تزالان على الأرض نزعت حذائها ورفعتهما على السرير
ليخرج ذاك الأنين المتألم من النائمة فوقه فأبعدت يديها قائلة
" آسفة ماريه هل آلمتك ؟ "
ليخرج لها ذاك الصوت الخافت المؤلم الباكي
" يؤلمني .. يؤلمني كثيرا "
توجهت نحوها ومسحت على شعرها هامسة بحزن
" هل نتصل بالطبيب ؟ ما الذي يؤلمك ماريه ؟ "
تكسر صوتها بسبب بكائها الخافت تشد أصابعها على شعرها
هامسة
" قلبي يؤلمني .... إنه يموت ساندي يموت "
عادت دموعها للتمرد على مقلتيها الزرقاء الغامقة وشدت اللحاف
بقبضتيها بقوة حتى كادت تمزقه بينها تخفي انفعالها فيه
وسحبته على جسدها برفق ولم تستطع قول شيء كي لا يظهر
ذلك في صوتها لأنها تريدها قوية رغم كل شيء وأن تشعر بأن
من حولها أقوياء فتستمد ذلك منهم لا أن يشفقوا عليها ، ولم
تكن تعلم بأن ما مرت به فاق حدود الشفقة حتى على الذات
فلم تتخيل يوما أن تتمنى أنها لم تراه مجددا وهي من انتظرته
بالساعات والدقائق لسنين طوال ... أن تحن لحياتها البائسة مع
عمها قيس ونظرات الاتهام ممن حولها والعيش وحيدة ومنبوذة
ومشوهة هناك على العيش بقربه هنا فعلى الأقل كانت تعيش على
أمل رؤيته وعودته وأن ينتشلها من كل ذلك وينسيها كل ما
قاسته وعانته وحيدة ولم تكن لتقاسي منه أيضا لتكتشف بأنه
الدرب الأخير الذي سيغلق أمامها ، شدت يداها على رأسها أكثر
تدفن وجهه في ساعديها وذراعيها تكتم وجعها من ماذا تحديدا
لا تعلم ؟ من أين تبدأ مع نفسها وكيف تنتهي ؟ حتى قسوة
الشوارع والطرقات التي سلكتها متعثرة بالكاد تري طريقها
بسبب كل تلك الدموع لم ترحم جسدها الضعيف وترميه لدوامة
الموت ... لا شيء رأف بقلبها لا شيء رحمها أبدا .. بل وحتي
جفناها اللذان أرختهما حينها ببطء مغمضة عينيها المرهقتان
أظهرتا صورتهما أمامها فورا وذاك المشهد الحي يتحرك أمام
عينيها وكأنها تراه الآن ... لا صور لا صحافة ولا جرائد بل
واقع ينبض بالحياة يقتلها أكثر وينهيها أكثر وأكثر ويحذرها من
الكذب على نفسها موهمة إياها بأنها مجرد تمثيلية قصيرة الأمد
وخدعة وفصل قد يطوى من حياتها يوما ما وللأبد لأنها ستكون
هي تلك الصفحة البالية التي ستمزق وتحرق وتتحول لهباء .
فتحت جفنيها ببطء تهرب من كل ذلك .. تهرب من الألم للألم
ومن الخيالات والذكرى المؤلمة للواقع للوحدة وللمرارة فلا شيء
في واقعها يشعر بها أكثر من تلك اليد التي مسحت على شعرها
ببطء ووصلها صوت صاحبتها الحزين هامسا قرب أذنها
لتقبيلها لصدغها برفق
" حاولي أن تنامي ماريه وستكونين أفضل "
لتنزلق الدمعة الجديدة من عينيها ودون رحمة ولا رأفة بعذابها
المضاعف بسببها وهمست بوجع عبرتها السجينة تكاد تحطم
أضلعها
" كيف ولا أرهما أمامي ؟ هل لي أن أنام وعيناي مفتوحتان
ساندي فقد تعبت حقا "
زمت الواقفة فوقها شفتيها تمسك نفسها عن كل شيء وأولهم
الصراخ والدعاء على ذاك الكنعاني بأن يلحق بوالدته حبيبته
ويرتاح ويريح غيره منه فأبعد ما كانت تتوقعه بأن يكون أخذها
معه هناك لتراهما معا وليقتلها بأكثر ما كانت تخشاه وما
اعترفت أمامها سابقا بأنه الأمر الوحيد الذي سيدمرها نهائيا
ولن تستطيع ولا ادعاء الصمود إن حدث أمامها ، سحبت
هاتفها من فوق طاولة السرير بحركة عنيفة غاضبة لأنه تم
تسليمه لهم بعد الحادث وخرجت من الغرفة تخرج هاتفها هي
من جيب قميص بيجامتها وفتحت الرسائل فورا وأرسلت لرقمه
ودون تردد ولا تراجع ولا خوف
( إن كنت بلا قلب وجعلتها ترى عرضكما المسرحي السخيف
أمامها فكنت تمسكت بإنسانيتك قليلا وأوصلت جثتها هنا بدلا من
أن تتركها ترجع للمنزل سيرا على قدميها لساعات يا متعجرف يا
عديم الرحمة وأنت تعلم بأنه لا نقود لديها ولا هاتف ... لكن لا
بأس شكرا لك لأنك تشفيها منك )
وما أن تيقنت من أن الرسالة وصلته أغلقت هاتفها وهي تدخل
المطبخ وتوجهت للخزانة المعلقة في الجدار ووقفت على رؤوس
أصابعها ورمت الهاتف الآخر هناك فوقها وكما توقعت علا رنينه
فورا صداه يتردد في ذاك المكان الواسع فتجاهلته ملتفتة للتي
كانت تنظر لها باستغرب تمسك كوب حليب دافئ في يدها وقالت
بجمود
" لا داعي لهذا أمي فهي لا تحتاجه سأحقنها بمهدئ لتنام "
نظرت لها باستغراب قائلة
" تحقنيها بالمهدئ ؟ ألن يضرها "
زمت شفتيها وقالت بحنق
" لا ولن يكون أقسى عليها من تحمل وجع جسدها وقلبها "
نظرت للأعلى خلفها حين عاد الهاتف الموضوع فوق الخزانة
للرنين فور توقفه فتجاهلته مجددا ونظرت للتي قالت ونظرها
معلق به في الأعلى
" أليس هذا هاتف ماريه الجديد ؟ لما تضعينه في الأعلى ومن
هذا الذي يتصل ؟ "
توجهت جهة الصيدلية المنزلية المعلقة هناك وقالت وهي تفتحها
" لأنه عليه أن يبقى هكذا يرن ويرن وذاك يتصل ويتصل حتى
يحترق من غيظه ولن يهتم له أحد ولن يستطيع المجيء هنا طبعا
لينزل من قيمة نفسه المتعجرفة ويدخل منزل أعدائه مجددا "
أخرجت ما تحتاجه منها وضربت بابها الصغير بقوة متابعة بضيق
تنظر للواقفة مكانها هناك والكوب لازال في يدها
" وما ستفعله بسماع صوته مثلا ؟ ليسمعها سيلا من توبيخه
القاسي كقلبه لأنها لم تعتمد عليه حتى في دفنه مع جراحها "
وتابعت بغضب مغادرة من هناك
" أفضل ما فعلته ماريه ... قسما أنها تعجبني تلك الفتاة فلتتخلص
منه بوجع وببطء حتى يخرج من دمائها "
وخرجت من هناك بخطوات غاضبة وما أن اجتازت باب
المطبخ وقفت مكانها تنظر جهة الباب الذي دار قفله قبل أن
يفتح ودخل منه الذي نظر لها قائلا وهو يدس مفاتيحه في جيب
بنطلونه الخلفي
" مرحبا ساندي كيف هي ماريه الآن ؟ لم أستطع المجيء قبل
هذا الوقت فمحاضراتي انتهت قبل قليل وجئت من هناك إلى هنا
فورا "
تنهدت بضيق وقالت ببرود مغادرة من هناك
" والدتك في المطبخ سلم عليها ورافقتك السلامة فماريا نائمة
وليست بخير أبدا "
نظر لها باستغراب وهي تتوجه جهة ممر غرفته سابقا حتى
اختفت عن نظره وتوجه بعدها جهة المطبخ ودخل مبتسما للتي
ابتسمت ما أن رأته ، اقترب منها وقبل خدها ممسكا ذراعيها
وقال
" مرحبا أمي كيف أنتي ؟ "
تبدلت ابتسامتها للعبوس متمتمة
" لست بخير فثمة ابن لا يزوروني إلا نادرا وكأني لست
والدته "
قبل جبينها ورأسها وقال مبتسما
" مشغول مع دراستي فقط أمي أقسم لك وسأتخلص من همومها
قريبا وتشبعي من وجودي ، ثم نحن تقابلنا البارحة "
وتابع وقد سرق نظره لباب المطبخ قبل أن ينظر لها مجددا "
قابلت ساندرين وتبدوا نفسيتها سيئة جدا ؟ كما أنها لم تجبني
بشيء عن حا... "
وقطع كلامه ناظرا يمينا ولأعلى الخزانة ولصوت رنين الهاتف
الذي علا في صمت المكان وقال مستغربا
" من هذا الذي تشاجر مع هاتفه ! "
رفعت نظرها حيث ينظر وقالت بعبوس
" هذه شقيقتك قررت رمي هاتف ماريه في الأعلى ولمسه ممنوع
طبعا "
نقل نظره لها وقال مستغربا
" ولما ؟ ماذا حدث ويبدوا أني أجهله ؟ "
تنهدت بأسى تحرك رأسها متمتمة
" ماذا سأقول لك وماذا يا كين ؟ "
سحب لها كرسيا من الطاولة قربهما وأجلسها عليه وأدار كرسيا
آخر وجلس مقابلا لها وقال
" أخبريني بكل شيء فابنتك أدخلت لي دماغي في علبة كبريت "
*
*
*
فتحت باب المنزل ودخلت مغلقك إياه خلفها بهدوء وتوجهت فورا
جهة غرفة الطعام رامية بحقيبتها ومذكراتها على أقرب كرسي
ودخلت على حديث والدتها وزوجها وهو يقول
" ومن قال بأننا لن نأخذ رأيها ؟ أنا فقط قلت بأنه شاب لا
يعوض ولا يقارن بغيره وعلينا أن نجتهد في إقناعها "
قالت الجالسة بجانبه فورا
" وأنا كنت سأقول بأنها أعند من الصخر وستتحجج بدراستها
التي لن تنتهي بالتأكيد حسب طموحاتها "
اقتربت منهما وقبلت خد كل واحد منهما ودارت حول الطاولة
وجلست قائلة تنظر لأطباق الطعام
" يبدوا أنه ثمة رجل تذكر أخيرا بأنه يوجد واحدة أسمها
زهور ؟ "
تبادلا الجالسان أمامها نظرة صامتة قبل أن ينظرا لها وأن تقول
والدتها ببرود
" من يسمعك يصدق بأنك تفكرين في الأمر فعلا ولست لا تعلمين
أين يكون الرجال فى هذا الكوكب ! "
رفعت أكمام سترتها قائلة
" حسنا قد أكون غيرت رأيي فمن يكون هذا العريس الذي
ستكثفان الجهود لأوافق عليه ؟ "
قال المقابل لها مبتسما وكأنه ينتظر فقط أن تسأل
" شاب جيد بجميع المقاييس عمل كمحام لمجموعة شركات
النهضة الاستثمارية مؤخرا وأذهل الجميع "
رفعت المعكرونة بالشوكة وقالت قبل أن تأكلها
" لا تقل بأنه الجنوبي الذي لا تخلوا مكالماتك مع شركائك
من التحدث عنه ؟ "
قال بابتسامه واسعة
" بلى هو ... إنه أذكى وأفطن وأفضل محام مر علينا ولم أصدق
أذناي حين قال بأنه يريد خطبتك "
نظرت له الجالسة بجانبه وقالت
" أجل لم تخبرني من أين يعرفها ويعرف أنه لك ابنة ؟ "
حرك كتفيه قائلا
" لست أعلم ولم أستطع سؤاله عن أمر سخيف كهذا فقد يكون
رآها معى مرة مصادفة أو أنه سمع عنها فقط فسيكون جوابه
أحد الخيارين بالتأكيد خاصة وأنه يزور العاصمة لأيام محددة
فى الأسبوع فقط "
" حسنا أنا موافقة "
نظرا كليهما بدهشة وعدم تصديق للتي ضحكت على شكليهما
قائلة
" لما تنظران لي هكذا ؟ أليس هذا ما تريدانه ؟ "
قالت والدتها بعدم استيعاب
" موافقة هكذا دون حتى أن تريه ! "
حركت كتفها قائلة بلا مبالاة وهي تغرس شوكتها في صحن
السلطة قربها
" ولما سأراه ؟ أليس والدي يمدح خلقه وذكائه وووو ...
إذا لا مانع لدي "
قال بحماس الذي وضع الملعقة من يده وكأنها ستشوش عليه
ما سيقوله
" أجل وليس ثمة رجل لن يتمناه لابنته فلو أنك تري حديث
وأراء رؤساء المجموعة التجارية فيه لما استغربت هذا فلقد
أبهر الجميع بذكائه حين خلصهم من ورطة محتمة مع لجنة
مكافحة الفساد الجديدة التي زارتنا مؤخرا وكدنا ندخل السجن
دفعة واحدة بسبب خطأ قانوني صغير في معاملات شركة التأمين
العام الماضي "
نظرت له وقالت مبتسمة
" حسنا هذا يكفي إذا لأوافق بما أن رأيك فيه هكذا أما بالنسبة
لشكله فلن أحتاج أن أفكر فيه بما أنه من الجنوب فجميع من في
الكلية من هناك وسماء وكل واحد منهم ينافس الآخر تعرفهم ما
أن تراهم من بعيد ... أولئك الحوالك يسببون للبقية أزمة "
وختمت جملتها بضحكة صغيرة قبل أن تدير حدقتاها السوداء
للأعلى قائلة بحالمية
" وعلى رأسهم ذاك الأسطورة مطر شاهين .. يا قلبي لو فقط
يشبهه في كل شيء حتى في شخصيته "
ضحك المقابل لها بينما قالت الجالسة بجواره بضيق
" جُنت هذه الفتاة بالتأكيد ! لاحياء من والدك يا وقحة "
ضحك المعني بالنصف الأخر من العبارة وقال
" أنا لا بأس المهم أن لا تقول هذا أمامه مستقبلا فيدفنها
زوجها وسط مزارع الجنوب "
أبعدت خصلات شعرها القصير الناعم خلف أذنها قائلة بابتسامة
مائلة
" وهل سينكر هو أو غيره ما أقول؟ ثم ذاك الرجل لا يعرف في
أي أرض أكون وإن دعستني عجلات سيارته فلن يكلف نفسه
عناء الوقوف والنظر لي خلفه "
وتابعت بابتسامة لعوب
" ولا تخف على رجال الجنوب فألسنتهم أحد من السيوف على ما
يبدوا ويصيبونك في مقتل بكلمة واحدة ، وأقل ما سيقوله ذاك
الرجل ضعي نفسك بجانب زوجته وقارني لتخرسي وللأبد "
ضحك زوج والدتها مجددا ووقفت هي فقالت التي تبعتها بنظرها
" أنتي لم تأكلي شيئا "
قالت مغادرة
" أشعر بنعاس لم أعرفه حياتي وسأستحم وأنام قليلا لأستيقظ
وأصلي المغرب "
وتابعت مغادرة وعائدة لذات موضوعها السابق
" أخ لو أرى فقط تلك المرأة التي ترك حسناء صنوان من أجلها
وجل ما أخشاه ومتأكدة منه أنها بشعة لا تساوي نصفها "
واجتازت بهو المنزل وصعدت السلالم تغني تاركة كل ما تحدثوا
عنه ويعد مستقبلها خلف ظهرها فلما تهتم فالرجال سواء وهي
ستتزوج أحدهم يوما ما إن كان هو أو غيره لا يهم بما أنه يعجب
والدها الذي رباها فالأمر لا يحتاج للتفكير ولا داعي للتردد
فوالدتها لن ترحمها أبدا إن هي رفضت ولا سبب ترفض به أيضا .
رمت مذكراتها على سريرها ودخلت الحمام لازالت تغني بانبساط
فلن تترك أي شيء يعكر اليوم مزاجها وسعادتها بتنفيذ مخططها
أخيرا وقصة ذاك الغيلواني المتعجرف على كل لسان في الجامعة
بل ووضعت ملصقات لها على الأعمدة والجدران ليقرأها الجميع
وليجرب ما فعله بها فسيلتهي الجميع عنها به بعد الآن وليريها
كيف سيدخل ذاك المكان بعد المرة القادمة وكيف سيرفع عينيه
في عيني أصغر طالب فيها بل وكيف سيعرف من السبب وراء
ذلك ذاك المغرور الذكي شديد الغباء .
وضعت قدمها ببطء في الحوض المليء بالمياه وشعرت بذاك
الشعور الرائع بالاسترجاء ما أن غمر الماء جسدها بأكمله
وأغمضت عينيها مبتسمة فستتخلص أخيرا من رؤية كابوسها
الأسود الوحيد في الجامعة بعد الأسبوع القادم .
*
*
*
غرست أصابعها في غرتها ويدها الأخرى تمسك قلم حبر أسود
اللون تملأ دون توقف تلك الجداول المصفوفة حتى أنها إن
أغمضت عينيها لا ترى سوى تلك المربعات ... مربعات وخطوط
وأرقام ورأسها يكاد ينفجر فلم تتخيل يوما أن تعود للتدريس في
الجامعة بعدما غيرت جمعية الغسق حياتها بالكامل ووجدت فيها
المتنفس لهمومها وروحها التائهة وشغلت وقتها بها وبات
طموحها ككل من يعملن فيها مساعدة من يحتجن لعونهم بل ورأت
من هن أسوأ منها وتعلمت أن تنظر لنفسها بأنها أفضل حالا من
الكثيرات وأن نعم الله عليها لا تحصي ولا تعد وأن عليها أن تصبر
وتتعايش وتتعلم ممن كن أمامها نماذج حيه علمتها الكثير
والكثير ... وها هي فقدت أيضا ذاك المكان الذي عرفت فيه أفضل
صديقات لها وكان على ذلك أن يحدث ليس ضعفا منها ولا هروبا
بل من أجل غسق ... أجل من أجلها فقط فلن تستلم رآستها بعدها
مهما ألحت عليها في ذلك ، ثم تضامنا معها وكما اعتادت كل
حياتها في السراء والضراء معا وبعد خروجها من الجمعية لم يعد
يمكنها الاستمرار فيها رغم إصرارها عليها في أن تستلم رآستها
لكنهم لن يحتاجوها أيضا وسيتابعون من دونها ، لم تخبرها
السبب الحقيقي وراء خروجها منها بل أخبرتها فقط عن إصرار
والدتها وإلحاحها على أن تقبل ذاك المنصب وغضبها كلما فتح
الموضوع أمامها فجنبتها ونفسها كل تلك المشاكل وغادرت ذاك
المكان وللأبد ، فكان كل ما قالته لها حينها
( آخ جليلة لو أعلم فقط ما بنا تعيستان معا في كل شيء ولم
يختلفا قدرينا يوما )
فكان تعليقها الضاحك والفوري
( لا لسنا متشابهتان تماما فأنت زوجك رئيس البلاد الحالي وأنا
لم أحضى ولا بأقل منه ولو بقليل ولن نحسب رماح زوجا طبعا ) .
حركت رأسها مبتسمة تتذكر حديثهما الأخير ذاك وعادت لما كانت
تفعله فلم تجد وقتا له إلا الآن ومنزلهم اليوم انقلب رأسا على
عقب بسبب خبر الزائر الذي تناول العشاء مع والدها وكل ما قيل
أمامها بأنه مسؤول ورجل مهم في البلاد لم تهتم للسؤال عن
التفاصيل عنه وكانت متأكدة من أنها مجرد مزحة سخيفة أو
مقلب تلفزيوني سيوقعون والدها فيه ليضحك الناس عليه
رمضان القادم في التلفاز فمن هذا المسؤول الذي قد يزورهم
ولما ؟ إلا إن كان من المباحث أو الجنايات ولتتمنى وقتها فقط أن
يخطئها ولا تكون هي ضحيته ككل مصيبة تقع على هذا المنزل
وكما بات يراها الجميع بل وباتت هي تلك المصيبة التي يجزم
الجميع بأنهم لن يتخلصوا منها ، استغفرت الله بهمس وأبعدت
تلك الأفكار عن رأسها مجددا كي لا يتلاعب بها الشيطان أكثر
فعليها أن تنظر له كإهتمام من عائلة يفكرون فيها ويحبونها
ويتمنون لها الخير فهذه الأفكار والعقليات متجذرة لا أحد يمكنه
تغييرها ولا جعلهم يفكرون مثله ، ووالداها قبل الجميع يتأثران
بما يقال أمامهما فلن تلقي باللوم عليهما ، أما وثاب فذاك طبعه
منذ كان شابا سليط لسان حاد طباع ولن يتغير أما شقيقاها التوأم
من والدتها فمنذ أن كبرا واستقلا بحياتهما وابتعدا بسبب
أعمالهما أصبحا الحاضر الغائب عنهم وحتى عن مشاكلهم فعقدة
أن الشقيق من الأم أو الأب لا قرارات له يبدوا لن تغادر عقول
البشر أيضا ، أما شقيقاتها فلكل واحدة عائلة وأبناء وحياة بل
وحتى أحفاد لاثنين منهما ، وإن اجتمعوا لديهم كرهت الجلوس
معهن ليس لسبب سوي تلك المراعاة التي تحولت لشفقة مقيتة
في نظرها حتى أنهن يتجنبن الحديث أمامها عمن خُطبت أو
ستتزوج من معارفهم أو الأقارب ويُسكتن كل من تتطرق
للموضوع بالخطأ وكأن عمرها تجاوز الأربعين أو أنها تهتم
أساسا بتلك الأمور والمواضيع فلو أن الله كتب لها أن تتزوج
صغيرة لتزوجت منذ أن خطبها أكثر من شخص وهي ابنة
العشرين عاما لكن حكمته فوق كل شيء فهل سيكتب لنا السوء
مثلا ؟ هل يختار الحزن والقهر لعباده وهو أحن عليهم من
أمهاتهم اللاتي ولدنهم ؟ كانت مقتنعة كل حياتها بذلك وبأن ما
كتبه الله لها فيه الخير ومهما كرهت نفسها فلما لا يتركونها
وشأنها ..؟ ثم هي راضية ومقنعة بل قانعة بوضعها فلما يشغلون
أنفسم بها !
أغلقت المذكرة بعدما فقدت الأمل في أن تنجز باقي عملها فهي
متعبة فعلا بسبب كل الأعمال التي قامت بها هي ووالدتها
والخادمة الوحيدة تطهوان كل تلك الأطعمة وحمدت الله أن تعبها
لم يضع هباءً وضيفهم المنتظر وصل فعلا بل وليس وحده
فوالدها طلب من أشقائه وأزواج شقيقاته الحضور جميعهم
وليست تفهم لما وما يريده ذاك الرجل قادم لزيارتهم وتشعر بأنه
ثمة أمر مريب في الموضوع وأن والدتها تعمدت أن لا تقول كل
شيء أمامها أو أن والدها لم يخبرها هي أيضا أو هكذا هيء لها
فها قد غادر ضيفهم دون كوارث أو هكذا هيء لها فعلا فما أن
وقفت لتجمع أوراقها انفتخ باب غرفتها على اتساعه فنظرت
مصدومة لوالدتها التي توجهت نحوها مسرعة ابتسامتها تصل
لجانبي وجهها وعلى ملامحها فرحة لم تراها فيه منذ متى
لا تذكر وللأسف ! احتضنتها بقوة فور أن وصلت عندها وهي
لازالت على حالتها تلك جامدة مكانها من الصدمة وكل هذه
العاطفة المفاجئة التي نسيتها من وقت طويل ! وليتحول ذاك
التمثال الجامد لكتلة من الغضب حين قالت التي زادت من
احتضانها لها " مبارك لك يا جليلة لم أصدق أذناي حين أخبرني
والدك بأنه جاء لخطبتك .. تقبل الله دعائي أخيرا "
فما كان منها إلا أن أبعدتها عنها صارخة بصدمة
" يخطبني !! "
ضمت الواقفة أمامها يديها أمام شفتيها قائلة بسعادة
" أجل فطوال حياتك سعيدة حظ بل حظك أفضل من شقيقاتك فقد
تزوجك ابن شراع وهو ابن رئيس البلاد وحين تدنى حظك
وتطلقت منه ها قد ارتفع مجددا وأتاك من هو أفضل منه وما
توقعت أن يطرق بابك أحد ليطرقه هذا تحديدا "
زمت شفيها تمنع نفسها من كل شيء وأولهم التفوه بما قد يجرح
الواقفة أمامها ومن لم تعد تجد لها مبررات جديدة لتجريحها
المستمر لها وقالت بضيق
" أمي لست أفهم أي مسؤول في الدولة هذا الذي يعرفني وجاء
لخطبتي ! وأي عجوز أو متزوج من ثلاث نساء الذي كنتِ يئست
من أن يتقدم لي وخالف توقعاتك ؟ "
أمسكت بذراعيها وقالت بضحكة خفيفة
" عجوز !! بل هو لم يسبق له الزواج أبدا "
ظهر الانزعاج سريعا على ملامحها وما أن كانت ستتحدث
سبقتها قائلة بحماس
" ولن تصدقي من يكون إنه ر... "
تراجعت للخلف خطوة لتبتعد يديها عنها بأدب وقاطعتها بذات
ضيقها
" لا أريد أن أعلم ولا أن أصدق وأنا لست موافقة "
فصرخت فيها من فورها وبصدمة
" ماذا... ! ما هذا الجنون الذي أسمعه ؟ أثمة عاقلة ترفض
رجلا مثله ! فكيف إن كانت مط.... "
قاطعتها بأسى تغلق أذنيها بكفيها
" رجاءً يا أمي لا تذكريني بما أعلمه وحفظته جيدا ويجرحني
منك أكثر من غيرك .. مطلقة وكبيرة في السن والناس لا تتوقف
عن إلقاء اللوم عليا فيما حدث وأني بلا رحمة ولا ضمير وتخليت
عن زوجي لأنه أصبح مقعدا وعانس مع مرتبة الشرف ...
سعيدة بهذه الألقاب ولا أريد زوجا ولا أي رجل يدخل حياتي
وأيا كان "
صرخت فيها بحدة ملوحة بيدها في وجهها
" ولما لا تريدين أن يدخل رجل لحياتك ؟ لا تكوني رجلا
ولا نعلم ! "
أبعدت يديها بحركة عنيفة وقالت بذات ضيقها
" أكون ما سأكونه يا أمي فأنا لست موافقة إن كان الرأي لي
حقا وليس الأمر بالإكراه "
صرخت فيها بحدة
" أين عقلك لتقولين هذا يا جليلة ؟ قسما أني لن أستطيع
قولها لوالدك فمن هذه التي ترفض رئيس مخابرات البلاد
بل وأحد رجال مطر شاهين المقربين ! "
فغرت فاها المتناسق الجميل قبل أن تقول بصدمة
" من ...! رئيس ماذا ! "
عادت الابتسامة سريعا لشفتي التي قالت بحماس
" أجل رئيس جهاز مخابرات الدولة عمير مصطفى الخالدي ،
لا أحد في البلاد لا يعرفه ولا يعرف مركزه ومكانته ..
جاء بنفسه ولخطبتك تحديدا بل ومصر عليك وقال بأنه
على استعداد ل.... "
قاطعتها التي أفاقت من صدمتها أخيرا وقالت بضيق
" ويخطبني أنا ما يريده مني ؟ "
ضربت كفيها عند وسطها قائلة بسخرية
" يضعك تحفة ويتفرج عليك ، لأنه يريدك زوجته وأم أبنائه
طبعا يا ابنة والدتك "
مررت أصابعها في غرتها متأففة وقالت بحنق
" أمي أنا لست أفهم ما يريده بي ذاك الرجل مع كل تلك الألقاب
التي لم تتركيني أنساها يوما ؟ هل تنقصه شهرة وأضواء
ليبحث عن واحدة يتحدث عنه الناس في كل مكان ما أن يرتبط
بها ؟ قولي أمرا يصدقه العقل ! "
قالت الواقفة أمامها بضيق
" أنا التي لست أعرف واحدة يقولون لها بأنه رجل مثله خطبها
تقول هذا ! فهل والدك كان يتوهم أمورا ليست موجودة مثلا وهو
كان جالس بجانبه ويسمعه جيدا أم أن من كانوا معهم يتوهمون
أيضا ! "
أشاحت بوجهها عنها وأغمضت عينيها تخفي ماذا ليست تعلم
هل الألم أم الدمعة التي ترفض ولا أن تفكر في ذرفها أم الذكريات
المريرة لكل ما حدث معها لأعوام أم تلك الصور التي تتابعت
أمامها وكأن الماضي قرر هزيمتها نهاية الأمر وبكل بشاعة ؟
( جليلة أنا لست اطالبك بما ترفضينه .. أنا أحبك وكل ما
أراه في عينيك يشجعني على قول هذا )
( أتري هذا يا جليلة إنه ينبض لك ويعيش من أجلك ... أنت
مستقبلي )
( جليلة ... نصار سافر ... أنت وصيته لي حتى غادر مع
المسافرين يلتفت لي وعلى شفتيه اسمك فقط فانتظريه هذا
فقط ما يريده وأنا سأساعدكما من أجلك ومن أجل صديقي
قبلك فلن أسمح بأن تكوني لغيره )
غطت عيناها بكفها وانهارت باكية .. الأمر الذي أقسمت أن
لا تفعله من أجل ذاك ولا بسببه أبدا ما عاشت ... لكنها لا
تبكيه قسما ليست تبكي عليه بل على نفسها .. على سنوات
عمرها التي ضاعت في أوهام بل وحياة غيرها قبلها فما
ذنب رماح وحبيبته يدفعا ثمن فشلها هي وكذب ذاك الرجل ؟
انهارت جالسه على الكرسي ودفنت وجهها في كفيها ولم
تعد تسمع شيئا سوى عبراتها المتقطعة لا حديث والدتها
ولا ما تقوله وتعلمه جيدا وإن كانت لا تسمعه فأبعدت يديها
وقالت بانفعال باكي
" لا أريده ... لا أريد أمي لا هو ولا أي رجل .. لا أريد
أن أتزوج أساسا "
فصرخت فيها التي استوت واقفة من فورها
" أقنعي والدك وشقيقك بهذا بل والناس جميعهم وأنت
ترفضين رجلا مثله "
وتابعت مغادرة من هناك
" لم أعرف حياتي من ترفس النعيم مثلك ، سأتركك لوالدك
يتفاهم معك فأنت لا تنفع معك الطرق المتحضرة في إخبار
الفتيات وأخذ رأيهن "
وغادرت تاركة خلفها التي سقت دموعها وجنتيها صارخة
في الباب الذي صفقته بعدها
" أنتم لا تأخذون رأيي أمي بل تأمرونني ... لا بل تقتلوني
وكأني لست ابنتكم "
وتتالت شهقاتها وعبراتها هامسة لذاك الباب الأصم وكأنه لم
يعد غيره يشعر بها أو يفهمها
" لا أريد رجلا آخر .. لا أريد وعودا وتعلق وخيانة وخذلان ...
أقسم أني متعبة وأحتاج لقرون ليشفى قلبي وجراحي فلما لا
ترحموني لماذا ؟ "
وعادت للبكاء بحرقة ووجع تفرغ كل ذاك الكبت ولتنهار نهاية
الأمر وينهار صمودها وكل تلك القوة التي تمسكت بها لأعوام فما
يريده ذاك الرجل بحطام امرأة وبجسد من دون روح ... لماذا ؟
لما هي تحديدا ويمكنه أن يتزوج من أفضل منها بل ولن ترفضه
أي واحدة في البلاد ! أيتحدا بها نفسه وقدراته ؟
مسحت عيناها بقوة ونظرت حولها حتى وجدت هاتفها ورفعته
واتصلت فورا بمن سيفهمها وإن لن يجد لها حلا وهذا طبعها
إن تضايقت تتحدث ولأي شيء وإن كان للجماد أو الفراغ
المهم أن تفرغ كل ما في داخلها وتكبته وبعدها ترتاح وإن لم
تجد لمشاكلها حلا بذلك ، ولأن غسق لا ينقصها هموم فكان
خيارها الثاني والفوري هو شقيقها من والدتها والمقرب لها
من بين الجميع في عائلتها بل وبئر أسرارها الوحيد فعلاقتهما
كانت رائعة ومنذ طفولتهما ومختلفة عن الجميع حتى شقيقاتها
وحتى توأمه ، اتصلت به فورا ولم يتأخر في الرد عليها كعادته
ووصلها ذاك الصوت الباسم المتزن
" مرحبا بالجميلة التي تذكرتنا لمرتين اليوم "
همست ببحة حزن
" مرحبا وسام "
وصلها صوته مستغربا
" الله أكبر ما بها الجليلة تبكي على غير العادة ! من هذا
هذا الذي أحزنها ؟ "
مسحت دمعة جديدة تمردت على مقلتيها البنيتان وقالت مباشرة
" يريدون إجباري على الزواج يا وسام .. أنت تعلم بأن
هذه الفكرة تجلب ليا المرض "
قال من فوره
" أرفضي يا جليلة وانتهى الأمر "
ضربت بقبضتها على فخذها قائلة بأسى
" كيف سأرفض وقد لعبوها بحرفية فسيقتلني والدي ووثاب
قبله بعد أن حضر أعمامي وأزواج خالاتي "
قال من في الطرف الآخر باستغراب
" ولما يحضرون معهم ؟ جليلة ماذا حدث تحديداً "
تنهدت بعمق تبلع غصتها وعبرتها وسردت عليه ما حدث فهذا
ما تريده أن يستمع لها أحدهم دون أن ينتقدها ولا أن يصرخ
بها ويأمرها فهي متأكدة من أنه لن يمنحها غير ذلك لأنهما
يعزلان نفسيهما عن أي قرار يخص شقيقاتهم والسبب كان
وثاب طبعا ولن يستطيع أحد لوم غيره فبعد شجاره في الماضي
مع شقيقه قائد وأمامه بل وأمامهم جميعا وقد صرخ به يومها
قائلا
( أنت لست سوى شقيقها من والدتها ولا شأن لكما بما يحدث
هنا .. والدتكم أمامكم من أرادها يأخذها معه )
ولن تنسى يومها النظرة التي رأتها في عيني قائد بل ووسام
قبله وهو أكثر رجل حساس عرفته حياتها ومنذ ذاك اليوم تحولا
لغريبان عنهم لا يبديان ولا رأيهما فيما يقال أمامهما رغم كل
ما فعلوه ليغيروا نظرتهما تلك بل وإجبار والدتهم لوثاب
للاعتذار عما قال وتهديد والده له إن لم يفعلها لكن الشرخ
كان أوسع من أن يجدي معه إصلاح فكل ما بقي لهم منهما
محبتهما الأخوية وزياراتهما القصيرة المتباعدة .
مسحت دموعها ما أن أنهت حديثها ووصلها ذاك الصوت الهادئ
مرافقا تنهيدة رجولية عميقة
" جليلة أتفكرين فعلا في رفض ذاك الرجل ! "
قالت من فورها وبضيق
" وسام حلفتك بالله لا تكرر لي اسطوانة والدتك "
تنهد بعمق مجددا وقال
" أكره أن أقول ما يزعجك يا جليلة لكنها الحقيقة "
قالت بأسى
" لا تزد من همومي يا وسام وأنت أكثر من يعرف
ما مررت به "
وصلها صوته الجاد فورا
" جليلة لا تنسي ما سيقال حال رفضك خصوصا أن جميع أقاربك
باتوا يعلمون حاليا عن تلك الخطبة فما سيفكرون فيه وأنت كنت
زوجة صوريا لرجل آخر ؟ أقل ما سيقال عنك أنك أخطأت معه
وإن كان زوجك فلا سبب آخر سترجحه الناس لرفضك لرجل
كهذا .. لا سبب ولا ليجدوه عذرا لك "
اتكأت بجبينها على راحة يدها تغرس أصابعها في غرتها
القصيرة متمتمة بحنق
" لو أفهم فيما يفكر ذاك الرجل ! في كسري أكثر أم تدمير حياته
معي لأصبح مطلقة مرتين ؟ لو أنه فكر بعقل وأبلغني بأي
طريقة كانت لرفضته ووفرت على نفسي كارثة هو
السبب فيها "
قال من في الطرف الآخر مباشرة
" جئنا للنقطة الأهم في الموضوع وما كنت فعلا أريد السؤال
عنه .. من أين يعرفك ذاك الرجل يا ابنة والدتي وكيف رآك ؟ "
تبدلت ملامحها للضيق قائلة
" لا تبدأ أنت قبل الجميع يا وسام فأنا لم ألتقيه سوى لثلاث
مرات .. اثنتان كانتا بالمصادفة حيث كان برفقة مطر شاهين
فلا تنسى بأنه زوج ابنة خالتك وكنا نعمل سويا في الجمعية ،
ومرة حين سلمني ورقة الطلاق لأنه من كلفه رماح بفعل ذلك
في المحكمة فقط لا غير ولم نتحدث فيما سيجعله يفكر في
خطبتي بل ولم أنتبه لهذا .. لا بل لم أنتبه له تقريبا ولست أفهم
أي أفكار هذه الفاشلة التي جعلته يتقدم لي وجل ما اخشاه أن
يكون ابن شاهين من اقترح عليه ذلك ، لو كان على وفاق هو
وغسق لاتهمتها هي دون تردد "
وصلها صوته الجاد فورا
" لست أعتقد أنه ممن يقترح عليه الغير قراراته أو حتى يؤثر
فيه يا جليلة فرجال ابن شاهين أراهم يشبهونه في الكثير "
قالت بحنق
" وهذا ما لا أريده وأخشاه نسخة أخرى عن غسق تضاف
لمعاناة جليلة السابقة أم لم تسمعه بنفسك وهو يهدد ويتوعد
بضرب اليرموك وأنهم ينتطرون الإشارة فقط من زعيمهم ؟
أخشى أن أكون أنا يرموك أخرى في حياته "
تلقت أذنها ضحكته الخفيفة فورا قبل أن يقول مبتسما
" أراك بت تتحدثين عن مستقبلك معه كأمر واقع ! هل
وافقت سريعا هكذا ؟ "
لوحت بيدها قائلة بضيق
" وسام أنا لا أمزح ولا مزاج لي للمزاح أيضا "
تنهد قائلا بهدوء
" حسنا فقط لا تغضبي مني ، وللأمانة يا جليلة هو رجل سمعته
نطيفة كالثوب الأبيض الجديد وكثير يمدحونه بل وثمة توقعات
بأن يستلم وزارة الداخلية والعامة متقبلين لذلك وبرحابة فرفضك
له معناه عاصفة هوجاء لن تستطيعي الصمود أمامها هذه المرة
شقيقتي "
همست بأسى
" وداعا يا وسام وآسفة لإزعاجي لك يا شقيقي "
رمت بعدها الهاتف بعيدا عنها ومررت أصابعها في شعرها
وأغمضت عينيها بقوة فعليها أن تفكر في حل وعلى ذاك الرجل
أن يبتعد عن طريقها فهي لا تصلح له ولا لغيره فليتركوها تعيش
وحيدة في سلام بعدما تأقلمت مع همومها الماضية وتعايشت
معها ... لما يصرون على مضاعفتها ! .
*
*
*
|