لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-02-18, 09:36 PM   المشاركة رقم: 881
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



أوصلته تلك السيارة لبداية مزرعة جارهم الأقرب لهم رغم بعده

عنهم بسبب طبيعة تلك المناطق الزراعية وكان ممتنا له وإن كان

أوصله لبداية المدينة وليس حتى هذه المسافة فقد اضطر

للوقوف في الطريق وانتظار سيارة تقله ومر به هذا الرجل بعد

أن سار على قدميه لمسافة طويلة حتى تفطرتا من الألم ليرسل له

الله تلك السيارة كرحمة من السماء ولم يمانع صاحبها أبدا في أن

يقله في طريقه بل وأصر أن يوصله لغرير رغم أن طريقه كانت

ستنتهي قبلها بكثير ففاعل الخير لا يحار في نفسه أبدا لأن

حسناته تتبعه حتى يأخذ جزاءه عليها في الدنيا قبل الآخرة .

سار بخطوات مسرعة فحتى إن كان فقد سيارته ونقوده جميعها

وقد لا يستطيع أخذها من هنا فعلى الأقل تراه وتعلم بأنه لم يخلف

وعده لها بل وسيخرجها من هذا المكان وإن شحذ في الشوارع

ليطعمها ويؤويها ولن يتركها لهم ليوم آخر بما أنها وافقته على

فعلها أخيرا .

دخل المزرعة وغضن جبينه ينظر لبهرة الضوء الحمراء الخفيفة

بعيدا وبدأت تلك الرائحة التي اسغربها قبل دخوله بالتسلل لرئتيه

بشكل أكبر وأوضح فتحركت خطواته مسرعة بل وراكضا يتخطى

كل تلك الأشجار المثمرة المزروعة في صفوف متساوية قلبه

سيخرج من مكانه من شدة ما كان ينبض ومخاوفه تزداد عظما

كلما اقترب من هناك أكثر يريد فقط أن لا يفكر في أن منزلهم ما

يحترق هناك بما أنها ليست أشجار المزرعة ولا المحصول وحتى

أن يكون ذاك الحريق أبعد من مجال رؤيته ويكون بعيدا عن

مزرعتهم ، ورغم أن الوقت قارب الفجر بقليل إلا أن تلك النيران

المتأججة احتاجت وقتا لتأكل كل شيء يتبع لذاك المنزل أيضا بل

وحتى الاسمنت الذي يغطي جدرانه وقررت أن لا تنطفئ قبل أن

تأكل كل شيء وحتى نفسها .

وصل حيث بعض الرجال من الجيران مجتمعين وكل واحد منهم
يصفق يديه أو يحرك رأسه متمتما بأسى

( لا حول ولا قوة إلا بالله )

والأنظار تراقب بقلة حيلة تلك النيران التي لازالت تأكل ما أبقته

في الداخل ولم يجتمعوا حول ذاك الحريق إلا وقتها بسبب

المسافات التي تفصلهم عن بعضهم ، ركض نحوهم وصرخ يشد

كل واحد فيهم من كتفه لينظر له

" ماذا حدث ؟ من أشعل النار ... ؟ أين هم عائلتي ؟ "

كانوا يتحدثون جميعهم ولم يكن يفهم من حديثهم شيئا لا يعلم

بسببهم أم بسبب الطنين المرتفع في أذنيه بل وفي رأسه بأكمله

وكل ما فهمه هو إشارة أحدهم لمكان ما فنظر لتلك الجهة بضياع

تبحث عيناه بأمل كسير وتحرك هناك مسرعا حتى وقع نظره على

الواقفة تحت إحدى الأشجار تمسك بيديها ابنيها التأمان فركض

ناحيتها صارخا من قبل أن يصل لهم

" أين هي يمامة ؟ "

فابتسمت بشر قبل أن يصل لها وتصبح في مجال رؤيته فها هو

طعمها الآخر وصل في الوقت المناسب وقبل والده الذي

استطاعت إبعاده الليلة ، قالت حين وصلها وببكاء تمثيلي

" لازالت في الداخل لقد أغلقت الباب على نفسها ورفضت

الخروج ، كنت أعلم بأنها ستفعل شيئا بنفسها وبنا "


حرك رأسها نفيا صارخا

" لا لن تفعلها وتقتل نفسها فهي كانت تنتظرني "

وركض كالمجنون جهة المنزل الذي بدأ سقفه الطيني المشتعل

يتهاوى تدريجيا تراقبه تلك النظرات بمكر قبل تتحول لغضب

مكبوت تشتم بهمس الذي شعر به من الواقفين هناك وركض

ناحيته وأمسك بذراعيه بقوة مانعا إياه من الاقتراب قبل أن يلحق

به البقية يصرخ مبعدا له

" لا أحد في الداخل ماذا تريد أن تفعل يا مجنون سيقع السقف

عليك "

صرخ ببكاء يحاول الفكاك منه

" شقيقتي في الداخل اتركوني اخرجها أو أموت معها "


قال الذي بدأ يسحبه معه مبتعدين به

" شقيقتك ليست هناك لقد خرجت لا أحد في المنزل يا يمان "

نظر له بضياع من بين دموعه هامسا " ليست هناك ! لكن

هي قا..... "

قاطعه قائلا بانفعال

" عمران كان من وصل أولا قبل أن يبلغنا وذهب منذ وقت لطلب

النجدة وقال أنه ثمة شاب أخذها من هنا وقال بأنه خطيبها ، لقد

أخذها هي وخادمتكم "

نقل نظره بينهم بضياع هامسا

" أبان !! لكن هو ! و.... ووالدي أين هو ؟ "

قال أحدهم

" ليس هنا وسيارته ليست موجودة ، زوجته قالت بأنه لم يرجع
منذ خرج مساءً "

تهاوى حينها على الأرض جالسا على ركبتيه وهمس حامدا

الله ودموعه لم تتوقف عن النزول ونظره على بقايا ذاك المنزل

المتهاوي ببطء ولن يتخيل ردة فعل والده كيف ستكون إن علم

وهو من كاد يقتلها بسبب احتراق المخزن فقط فكيف بالمنزل

كاملا وتلك المرأة ستتهمها كسابقتها بالتأكيد ، حمد الله هامسا

بوجع أن كان أبان الأسبق لها منه هذه المرة وسيعرف كيف

يحميها جيدا منهما ومن كل شيء بما أنه أخرجها وفعل ما عجز

هو عن فعله ... شقيقها الذي علقت آمالها عليه ومن تحملت كل

ذاك الأذى من أجله بل ووصية والدتهما له ليثبت للجميع الآن

وأولهم نفسه بأنه فاشل .. فاشل وبجدارة فماذا إن لم يأتي أبان

ويخرجها ؟ ماذا كان سيحدث لها ؟ ستحترق وتموت .. هذا إن

لم تعش مشوهة تعذبه برؤيتها أمامه ما عاش .

أطرق برأسه ودفن وجهه في كفيه وبكي ... بكى بنحيب بوجع

وما أشده بكاء الرجال وما أقساه فلا تخرج تلك العبرة من

أضلعهم إلا والوجع فيها فاق كل شيء خلق الرجل لتحمله ...

بكى وبكى كل شيء ... نفسه والدته ماضيه حاضره وحتى

مستقبله وهو يشعر بعجزه عن فعل كل ما كان عليه فعله ...

كل من يعتمد عليه خذله ، بنى نفسه من داخله ليكون كما أرادت

من أنجبته وحرمت من رؤيته يكبر أمامها ويصبح رجلا ورغم كل

ذلك فشل ... فشل حتى في أن يكون نفسه وها هو خسر كل شيء

حتى عمله الذي لن يستطيع الوصول له مجددا وهو بلا مال

ولا سيارة ... خسر منزله ثيابه أغراضه وشقيقته التي لن

يستطيع أن ينظر لعينيها مجددا بعدما خذلها ووعدها وأخلف .


*
*
*







جلست بشهقة مفزوعة تبعد شعرها المتناثر عن وجهها

تنظر بذعر للذي جلس وأمسك ذراعيها هامسا

" غسق هذا أنا لا تخافي "

وقد بدأ أيضا بإبعاد خصلات غرتها عن وجهها والتي أصبح

طولها مؤخرا يوازي ذقنها فأنزلت رأسها وغرست أصابعها

فيها لتنساب بنعومة من بينهم وهمست بصوت مرتجف

" يا إلهي مطر أفزعتني .... لقد أفزعتني "

فأمسك رأسها وقبله واتكأ عليه بجبينه وشد على أسنانه كي

لا يتفوه بأي كلمة وهو يدرك جيدا سبب هذا الفزع

والخوف فهي توقعت أن يكون ذاك المدعو جبران فهل كان

ليتجرأ لفعلها ومشاركتها السرير أم أنه خوف في داخلها

فقط ... ؟

توقف يا مطر لا تترك لجنون مشاعرك نحوها الفرصة

للتحكم بك مجددا ، طوق جسدها المرتجف بذراعيه يشعر

بضربات قلبها المرتفعة ما أن لامست يداه ظهرها فلازال

جسدها يعيش ذعر ما حدث وارتختا عنها طوعا حين استلت

نفسها منه وما أن فكرت في مغادرة السرير أمسكها من

ذراعيها مثبتا إياها ونظر لعينيها رغم تجنبها النظر له وقال

بهدوء

" أرى أننا في المكان المناسب يا غسق فلنتحدث قليلا أو

استمعي لي فقط على الأقل "

حركت ذراعيها محاولة التخلص من قبضته هامسة برفض

" لا أريد اتركني أذهب يا مطر فلا حديث بيننا عما أصبح

عمره بعمر ابنتك الشابة "

شد أصابعه على ذراعيها أكثر مقربا لها منه ليترفع رأسها

ويقترب وجهه من وجهها وقال ناظرا لتلك الأحداق التي

توارت عنه ببطء تحت جفناها الواسعان

" بلى ستسمعين لي يا غسق فكل ما كنت تجهلينه بات

واضحا لديك وعلينا أن نتحدث ... علينا أن نتحدث عن

كل شيء "

حركت رأسها برفض مميلة له للأمام حتى التصق جبينها

بذقنه فقبله بعمق مغمضا عينيه على همسها الخافت

" لا تقتلني أكثر يا مطر "

أمسك وجهها ورفعه له ونظره على جفناها اللذان كشفا عن

تلك الأحداق السوداء الواسع وضاعت نظراته بحيرة في

ذاك الاحمرار الذي اكتحل به طرفا جفنيها السفليان وقد

التمعت حدقتاها بألم مدفون جعل قلبه ينقبض بقوة من ذاك

المعنى فيهما وانفرجت شفتاها ببطء هامسة بتلك الكلمات

المتأنية

" لا تجعلني أكرهك ما حييت يا مطر .. لا تفعلها فقسما ذاك
ما سيحدث "

شد أصابعه يغرسها في ذاك السواد الحالك أكثر وشدها

لحضنه يدفن تلك الملامح والعينان والنظرة الكسيرة في دفئ

حضنه يشدها له بذراعه بقوة وأصابع يده الأخرى تتغلغل

في ذاك الشعر الحريري يدفن تلك الملامح أكثر حيث القلب

الذي لازال ينبض من أجلها ومن أجل رؤيتها في الحياة

وإن كانت بعيدة عنه يطفئ الشوق بالألم والحنين بالندم

يخمد النيران بإشعالها أكثر وأكثر يستمر في شدها لحضنه

وقبلاته ترسم حدودها حيث لم تكتفي بعد تختبر شفتاه

نعومة ذاك الشعر مجددا ودون رحمة ولا اكتفاء نزولا حيث

ماذا لا يعلم ولا يهم فها هي تفرد خيوط اللعبة في يده

مجددا ... لم تقل بأنها كرهته وانتهى ... بأنها سترفض

سماعه للأبد وبأنه مات في داخلها بل طلبت أن لا يفعل ذلك

... أن لا يُفقد نفسه حبها المدفون تحت جراحها وألمها منه

لكن كيف وكل شيء ضدهما ؟ كيف وهو من عليه أن

يجرحها ويقتلها في كل مرة ليحتفظ بها ؟ .

دفن وجهه في شعرها وتأوه بهمس رجولي عميق حين

خرج صوت نشيج بكائها الخافت تدفنه في أضلعه وأصابعها

تشتد على قميصه جهة صدره بقوة يشعر أنها تقتلع

أوردته بها مع كل عبرة مكتومة ترفض تحريرها فهو يفهم

ما مرت به هنا البارحة وما أحدثه فيها ما علمته بالأمس

وهي تواجه حقيقة بكل تلك البشاعة وها هي تبكيها في

حضن السبب فيها تحديدا ، مسح على شعرها يشدها له

أكثر وهمس عند أذنها

" كنت مرغما يا غسق اقسم أنه كان رغما عني ...

أخطأت في جزء وكنت مرغما في الآخر قسما بمن خلق الذي ينبض بك ولك "

وارتخت ذراعاه ينظر لها بصمت وهي تسحب نفسها من

حضنه وغادرت السرير من دون أن تنظر له ورفعت سترتها

قبل أن تغادر الغرفة بخطوات سريعة فقفز خارجه أيضا ولحق

بها ونزل السلالم مسرعا وأدركها قرب الباب وأمسك بذراعها

موقفا لها وأدارها جهة الجدار المجاور له ملصقا ظهرها به

فرفعت نظرها له محدقة في عينيه وقالت بضيق ينافي تلك

الدمعة التي انزلقت من رموشها الكثيفة ببطء

" مطر لا تتحدث عن شيء ... أي شيء واتركني أرحل لما


لا تفهم ؟ "


لن يتحدث حسنا وأجل لن يفعل ذلك لكن أن يتركها ترحل فذاك ما


لم يوافقه عليه لا قلبه ولا عقله وهو يرفع يديه لوجهها يسجنه


بين تلك الأصابع الرجوليه الطويلة ودون أن يترك لها وقتا ولا


لتفكر فيما ستكون خطوته القادمة أمال رأسه نحوها بحركة


سريعة وانقض على تلك الشفاه الناعمة المغرية القاتلة المذنبة


في حقه والتي حرم منها حتى شاخ قلبه قبل كل شيء فيه فلا


رحمة الآن يا مطر لا ترحمهما أبدا ... أجل خذ ما كان لك وسلب


منك جورا وظلما اقتص من كل شيء فيهما .. من الفراق من

التضحيات ومن السنين التي سرقت منك كل هذا .


كان يرفض الابتعاد بل ويخشاه .. يخشى أن يبعد شفتيه


ويحررها لبرهة فيفقد كل هذا فكيف وجسدها المتصلب قد بدأ


يرتخي ومقاومتها بدأت بالتراجع ببطء فلم يزده ذلك إلا دكا


لذاك الحصن العالي الذي بدأ بالانهيار ويده تلتف حول خصرها


يشد جسدها لصلابة جسده وأدار رأسها بحركة عنيفة ينتزع حقه


من تلك الشفتين أكثر وبجرأة واندفاع أكبر لم يعرفه كليهما في


مطر شاهين .. يطالب بكل شيء في مرة واحدة وفي قبلة واحدة


حتى شعر هو نفسه بأنه بدأ يؤذيها وأن جسدها لن يتحمل جنون


واندفاع عاطفته أكثر فحررها منه رغم أنها لازالت سجينة


ذراعيه وقد سند يديه بالجدار على جانبي رأسها ينظر لها منحن


الرأس أنفاسه القوية تكاد تمزق ودون رحمة أزرار ذاك


القميص الناصع البياض تراقب نظراته التي كانت تحني رأسها


أيضا تغرس أناملها البيضاء وسط تلك الغرة الحريرية وتغطي


بظهر أصابع يدها الأخرى شفتيها وأنفاسها فاقته صعوبة في


اجتيازها لحلقها قبل أن تنزل بهما للقميص الضيق تعيده مكانه


فانحنى برأسه هامسا من بين أنفاسه عند أذنها


" لم يكن حديثا هذا يا غسق بل ولم ينتهي بعد "


وما أن حدث ما كان يتوقعه وحاولت التحرك من مكانها منعها


منزلا يده لتصبح ذراعه حاجزا بينها وبين الباب بجانبهما

واقترب منها بغتة ودفن وجهه في عنقها وقبله بسرعة وهمس

" لنمضي هذا اليوم هنا ولن نتحدث عما ترفضين التحدث


عنه "


دفعته عنها وقالت بضيق تدفع ذراعه تحاول الفكاك من


سجنه لها


" هل جننت ؟ من هم في سنك أحفادهم يركضون حولهم "


لف ذراعه حول خصرها يمنعها من الوصول للباب الذي كادت


تخرج منه وقال بضحكة خفيفة من خلف أذنها


" ومن هم في مثل سنك لازالوا ينجبون الأبناء .. ثم ألا


يمكنك أن تحسني الظن بي مرة واحدة "


ضربت بقبضتها على رسغه المطوق لخصرها وقالت تقاوم

بضعف لمساته وقبلاته لعنقها


" مطر ابتعد .. قلت ابتعد "


لكن ذلك لم ينتهي هناك وقد انحنى للأسفل ممررا يده تحت


ركبتيها ورفعها بين ذراعيه بخفة وسهولة وتوجه بها للسلالم


وصد بها يقاوم ضرباتها واحتجاجها العنيف يصعد العتبات


بخطوات واسعة وقال وهو يدفع أحد الأبواب بقدمه


" هذه غرفتك هنا سابقا أليس كذلك ؟ "


ورماها على السرير فيها فورا فقالت بضيق تبعد شعرها تحاول


النهوض منه


" لن تنجح في هذا يا مطر ، لن تغرس ذكراك في هذا المنزل


أيضا .. لن أسمح بذلك "


ثبتها منحن فوقها يشبك أصابعها بأصابعه يثبت كفاها بجانب


رأسها بقوة وهمس ناظرا لعينيها الغاضبة


" بل فعلت وانتهى ولن تقاومي يا غسق تعرفين نفسك جيدا "


ما كان ليجبرها على ما لا تريده وكان فقط وكما قالت يريد


لذكريات أخرى أن تحتفظ بها في داخلها لهذا المكان ولن


يسمح لها بقتل نفسها بكل هذا .. بتعلقها بذكرى الراحلين


حتى ترحل روحها معهم ليتركوا له جسدها الخاوي الميت فقط ..


لن يسمح لهم بفعلها فهي له .. له هو ليست لهم جميعهم ،


انحنى لعنقها يقبله بشغف رغم تمنعها وكان ذاك غرضه فقط

لكن ما حدث وقتها جعل كل شيء يتغير والهاتف في جيب

بنطلونه الخلفي يرتفع برنينه الخفيف وتوقع فورا من سيكون


فهو كان هاتفها والذي أخرجه من سيارتها قبل دخوله هنا ورأى


تلك الرسالة التي أرسلتها له قبل وصولها تخبره بأنها اقتربت


من اليرموك لكنها لم تصل حتى الآن لأنها تراجعت عما تعلم جيدا


بأن فعله لن يكون في صالح الجميع وأولهم هي نفسها ، لن


يهزمه هذه المرة لن يسمح له بفعلها وها قد حانت الفرصة ليري


ذاك الجبان مكانه الحقيقي بينهما وهو المشاهدة فقط والموت في


صمت ، أدار يده وأخرج الهاتف من جيبه ونظر لاسمه أولا


وتأكد من أن شكوكه في محلها فلا أحد غيره سيتصل بها الآن ،


بينما توقفت النائمة تحته عن محاولاتها المستميتة للخلاص منه

رغم إفلاته لإحدى يديها تنظر بتوجس لملامحه وعيناه الغاضبة


وقد فتح الخط بحركة عنيفة من إبهامه ورماه على السرير بجانب


رأسها وكتم أي كلمة قد تخرج وقتها من شفتيها بشفتيه وأصابعه


تفتح أزرار قميصها بحركة سريعة عنيفة فثوان فقط ....


هي ثوان معدودة وستستسلم له وإن مكرهة فهو من سبق ونام


معها ويعرف جيدا ما يضعفها حد الاستسلام وتسامحه بعدها أم لا


لا يهم المهم أن يعلم ذاك الجبان أين هي الآن ومع من وفي أي


وضع هما ، وليسمع مما سيحدث ما يريد وإن استمع لكل شيء


لنهايته .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:38 PM   المشاركة رقم: 882
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




تركها تبكي في حضنه دون قيود ... بلا حدود ودون أن يبعدها

ولا أن يفكر في فعل ذلك تمسح أصابعه على شعرها الحريري

برفق بل وكان يريد فعل المزيد والكثير الكثير أكثر من ذلك وكل

شيء حوله يقيده .. سئم من شتم نفسه وحظه ومن ترديد ذات

تلك العبارات الجوفاء وأن كل ما عليه فعله حينها أن يطمر تلك

المشاعر ولا يسمح سوى لمشاعره كقريب لها أن تتحكم فيه وما

أقسى فعل ذلك .. هو أشبه بأن يكذب أحدهم كذبة ويقنع نفسه

بأنها حقيقة درجة أن يصدقها ... ! إنه جنون وكذب يحاك من

الكذب وأضحوكة لن تعذب غيره .


ارتخت ذراعاه وأنزل نظره للتي غلبها النعاس ودموعها لازالت

تعانق وجنتيها تنام على صدره فمرر أصابعه ببطء على وجنتها

المحتقنة بالدماء قبل أن يقبضهم مبعدا إياهم ووقف وحملها بين

ذراعيه ووضعها على سريرها برفق وسحب اللحاف على

جسدها وأبعد الخصلات التي تمردت على وجهها ووقف على

طوله والتفت للواقفة خلفه تنظر للنائمة على السرير بحزن وقال

" كوني بقربها ولا تتركيها أبدا "

أومأت برأسها بحسنا دون أن تبعد نظرها عنها واجتازها هو

مغادرا الغرفة فتلك المهمة لا يستطيع القيام بها وإلا لما

تركها لحظة حتى تستيقظ فيكفيه حتى هنا فقد تلقى من

العذاب ما يكفي ، غادر الغرفة مغلقا بابها بهدوء وما أن

اجتاز ذاك الممر وأصبح في البهو الواسع وقف مكانه ينظر

للواقف أمام باب مكتبه ومؤكد ينتظره وليس يعلم منذ متى

ومتى أساسا غادر تلك الغرفة فهو لم يكن يعي شيئا مما

يحدث حوله ولا يسمع سوى صوت ذاك الأنين الباكي

المتكسر وسط أضلعه ، وقد حدث ما توقعه تماما وهو

يستدير ويدخل مكتبه قائلا بجمود

" تعالى يا وقاص "

فتنفس بعمق وتوجه نحو ذاك الباب المفتوح فتلك المواجهة

واقع لا مفر له منه إن كان الآن أو في وقت آخر ، دخل مغلقا

الباب خلفه ونظره على الجالس على كرسي مكتبه تمسك يداه

بطرف الطاولة ... طريقة جلوس يعرف جيدا مايتبعها ولم

يتأخر ذلك عنه كثيرا وقد قال صاحبها بجمود

" ستشرح الآن ما حدث هناك ؟ "

قال ببرود

" لست أعلم أكثر مما تعلمه أنت "

قال فورا وبضيق

" وقاص لا تتغابى فأنت تعلم جيدا عما كنت أتحدث فاشرح

لي فورا ما فعلت وقلت وما طبيعة العلاقة بينكما ؟ "

لوح بيده قائلا بضيق

" جدي أنت تتهمني في أخلاقي أو تتهمها وهي أنزه من

أن تفكر في ذلك مجرد تفكير "

ضرب الطاولة براحة يده صارخا

" ما حدث أمامي ينافي ما تقوله يا ابن ضرار وهي تناديك

وتستنجد بك تحديدا وأنت لم تقصر أبدا في تقديم ذاك

العرض العاطفي "

أمسك جبينه بأصابعه قبل أن يبعدها مبعثرا ذاك الشعر المرتب

قائلا بحدة

" جدي بالله عليك هل كان خطأ أن استنجدت بمن فكر فيها

كإنسانة وكشخص من العائلة التي نبذها فيها الجميع ؟

أم أخطأت أنا حين فكرت في منحها الأمان الذي تبحث عنه

ولا تطلبه دوما بل ولا تجده أيضا ؟

بأي قلب كنت تريدني أن أعاملها وكأني جدار لا يشعر بما..... "

صرخ مسكتا له

" يكفي ... أنت لم تجب على السؤال الذي تعرفه جيدا وتدور

حوله بخبث محامٍ نسي بأني من رباه وها أنا للمرة الثانية

والأخيرة أسألك يا وقاص ما هي طبيعة العلاقة بينكما ؟ "

شد قبضتيه بقوة و...... كذب .. ولأول مرة وعلى هذا الرجل

تحديدا وهو يقول بجمود

" ابنة عمي ولست راض عما يحدث لها "

" فقط ؟ "

رماه بها مباشرة وبحدة ودون رحمة فأغمض عينيه متنهدا

بعمق فلو لم تكن زوجة شقيقه ما كان ليكون جوابه كذلك وإن

كان متزوجا .. لكان قالها وبلا تردد : أحبها ولم أشعر نحو أي

امرأة رأيتها حياتي كالذي شعرت به نحوها ، لكن الواقع أقسى

من أن يسمح له بفعلها خاصة مع تحديق الجالس أمامه ينتظر

جوابه فقال بجمود يستل أوردة قلبه مع كل حرف

" فقط "

نظر له بصمت لبرهة ويعلم بأنه لا يستطيع تصديقه لكنه لم

يكذب عليه يوما وهو يعلم ذلك جيدا ولن يكون أمامه خيار

سوى أن يصدقه وإن بالصمت فقال بجمود

" وزوجتك يا وقاص أما كانت تستحق جزءا من هذه الإنسانية

التي توزعها على الجميع ؟ "

تبدلت ملامحه للضيق فورا فقال بحزم قبل أن يتحدث

" لا تكرر لي اسطوانتك المعتادة فجميع النساء يخطئن ويلجأن

لأهلهن ويكون على الرجل أن يسعى لإنقاذ حياته من الدمار "

أشاح بوجهه عنه متمتما ببرود

" ذاك حين يكون ثمة حياة بينهما "

" وقااااص "

صرخ فيه آمرا أكثر من كونه محذرا فنظر له وضرب بكفه

على صدره قائلا بضيق

" ولما لا أحد يشعر بوقاص ؟ لما هو من عليه أن يكون

المثالي دائما ؟ إن لم تسأموا أنتم من مشاهدة هذا الدور

فقد سئمت أنا من أدائه "

وتابع بحدة راميا يده جانبا

" ألا يحق لي كبشر أن أخطئ ؟ أن أتخذ قرارات عاطفية

مجنونة تريح قلبي وليس عقلي ؟ لما أنا من عليه أن يتغاضى

عن أخطاء غيري ولا أكون المخطئ وليراعيني الجميع ؟

لقد عشت معها لثلاث أعوام أعطي وأعطي وأعطي دون أن

آخذ .. أتغاضى وأتجاهل ما يقتل أي رجل ويدمر رجولته

وكان علي أن أراعيها وآخذ دور المذنب في حقها والنتيجة

ماذا كانت ... ؟ تمردت عليا لأن وقاص المثالي لم يستطع يوما

أن يجعل زوجته تخاف من مخالفة أوامره وأن تحسب لرأيه

وغضبه أي حساب لأنه وبكل بساطة سيصمت ويتغاضى

ويسامح كالمعتاد بل ويعتذر ويحمل نفسه الذنب "

وقف الجالس هناك وقال بضيق

" أنت من لم تساعدها يا وقاص .. هي كانت تحتاج للمساندة

لتثق في نفسها لا أن تعاملها كطفلة وكأب يراعي أخطاء

وعيوب ابنته لتكبر أولا "

لوح بيده قائلا بضيق

" هذا كان على عائلتها أن يغرسوه فيها لا أنا فأنا لم أتزوجها

ابنة العامين بل شابة عمرها اثنان وعشرون عاما فما هذا الذي

سأغيره وأغرسه فيها ؟

حين وافقت اختيارك ولم أعارض ظننتك ستبحث لي عن

الأفضل كما كنت دائما .. أردت زوجة تكملني تفهمني ترضي

رغباتي كرجل ولم أكن أعلم بأنك تبحث عن نسب عائلة لم

تهتم ولا بالجلوس مع ابنتهم وتفقد اختيارك وإن لخمس

دقائق لكنت علمت بأنها لا تليق بي البتة لكنك لم تهتم ..

ولما ستهتم فوقاص لن يعارض ولن يمانع وسيعيش معها

ويتأقلم ، وإن لم يجعلها مثله فسيصبح هو مثلها

وانتهى الأمر "

لوح بسبابته جهته قائلا بحدة

" لا تتحجج بي يا وقاص ولا تنسى بأنه لا ذنب لزوجتك في كل

هذا .. هي إنسانة كابنة عمك تماما تحتاج لفرصة للمساندة

وللصبر فهل ستعاملهما بالمثل إن كانتا كلتيهما زوجتاك ؟ "

تنفس بعمق محاولا تهدئة نفسه وإن كان موقنا من أنه لا جدوى

من ذلك وقال بملامح مشدودة

" جدي هل أفهم ما مناسبة الحديث في أمر ناقشناه كثيرا حتى

بات موضوعا متلفا للأعصاب ولعلاقتي بك فأنا ظننتك ستتحدث

عن حالة زيزفون وما قد نفعله من أجلها لا لتتحدث

عن جمانة ؟ "


عاد للجلوس قائلا بضيق

" لا شيء في حالة زيزفون نتحدث عنه سوى بأنها تحتاج لأن
تعود للمصح مجددا "

قال بصدمة

" ماذا ..؟ للمصح النفسي مجددا ! "


قال بذات ضيقه مشيرا برأسه جهة الباب خلفه

" أجل أم لم ترى حالتها أمامك وهي تهذي وتتحدث عن أمور

ليست موجودة ؟ "

شد قبضتيه بقوة وقال بحدة

" ليس صحيحا هي لا تهذي وليست مريضة ولن ترجع للمصح

النفسي أبدا لأني قسما من سيخرجها منه في اليوم التالي "

أدار كفه في وجهه قائلا بضيق

" قل .. قل مجددا بأنها لا تعني لك سوى أنها ابنة عمك "

لوح بقبضته قائلا بذات نبرته الحادة تلك

" هل عليا أن أكون عاشقا لها لأدافع عنها وأشعر بها ؟

أي اضطهاد هذا ؟ "

صرخ فيه من فوره

" ليس ثمة رجل يقول لامرأة ما قلت ولا يكون مت..... "


قاطعه صارخا بالمثل

" توقف يا جدي رجاء ولا تنسى بأنها زوجة شقيقي ..

لا تجعلني أكره نفسي وأنفيها من هذا المكان وللأبد "

ضرب على الطاولة تحته بقوة صارخا

" ومنذ متى كنت تواجه مشاكلك بالهرب منها يا وقاص ؟

بل ومن المنزل بأكمله ! هل سنصبح في نجيب آخر ؟ "

تنفس بعمق مستغفرا الله في داخله وقال بجمود

" جدي هل أفهم ما المطلوب مني الآن ؟ "


قال من فوره وبضيق

" تحدث مع زوجتك ، عاملها كإنسانة واسألها متي سترجع ،

أشعرها بأنه لها مكانة لديك ولو جزء من المئة وأعطي الفرصة

لكليكما لتجدا حلا لمشاكلكما في غرفتكما وليس في منزل عائلتها

أو مكتبي "

قال بذات جموده

" وتعطيني خاتم جدة زيزفون ؟ "

صرخ فيه من فوره

" تساوم بزوجتك يا وقاص "


لوح بيده قائلا بضيق

" أنت من فعلها سابقا فلا تنسى ذلك أو أنك ستعترف بأن تلك

المرأة لم تفقد مكانتها لديك كل هذه الأعوام ؟ "


نظر له نظرة شاركه مثيلتها وكأنه يتحداه ليثبت العكس حتى

قال بجمود

" أخرج هاتفك واتصل بها "


فتنفس بحدة مبعدا نظره عنه .. فجده هو جده لن يتغير أبدا بل

ويحسده أحيانا على براعته في طمر مشاعره والتحكم فيها درجة

أن لا يُظهر في أي لحظة ضعف مشاعره وندمه المدفون على

خسارته للمرأة التي أحب وخسرها بسببه حتى أن كبريائه منعه

من الاعتذار منها بعد أن علم ببراءتها قبل أن تموت وبأبشع

طريقة كانت تلك ، قال بجمود

" لن أفعل ولن أهدر كرامتي أكثر مما فعلت من أجل وهم وقسما

لا يمسكني عن تطليقها سوى تقييدك بشرط أن لا يطلق نجيب

زيزفون "

صرخ فيه من فوره

" وقاص توقف عن الجنون وعن الرضوخ لتلك المرأة لتنهيك

نهاية الأمر وتذكر فقط حديثي هذا يوما ما فزيزفون لن تحبك ولا

كقريب لها .. لا يمكنها أن تحب أيا منا .. هي مريضة بالشر

والانتقام وتستغلك ليس إلا وحين سيحين الوقت المناسب ستوجه

ضربتها لك وتقضي عليك تماما وعلى الجميع حينها تباعا ، هي

لم ترسم تلك المرأة في لوحة جوش الناقصة بل رسمت نفسها

وستقضي عليكما كلاكما وتخرج من كل ذلك وبسهولة "

قال بذات جموده

" لا يهم إن كان هذا ما سيجعلها تشعر بأنها أنصفت نفسها

وسيسدد ديوننا ناحيتها "

وما أن أنهى عبارته تلك فتح الباب وخرج ضاربا له خلفه وترك

الذي رافقته نظراته كما أنفاسه الغاضبة قبل أن يدفن وجهه في

يديه مستغفرا الله بهمس ثم رفعه ونظر للهاتف بجانبه ورفع
سماعته وأجرى اتصالا أجاب صاحبه سريعا قائلا

" مرحبا سيدي "

قال من فوره وبملامح متجهمة

" ماذا حدث معكم ؟ "

قال ذاك من فوره

" نحن نراقبه ولم يغادر مكانه حتى الآن "

قال بضيق

" تحدث معه وأخبره أن يرجع فورا ، قل له جدك يأمرك بالعودة

للمنزل أو سأرسل من يحضره رغما عنه "

وضرب بعدها سماعة الهاتف بقوة ووقف وغادر المكان

الذي بات يخنقه وبشدة .

*
*
*


غضنت جبينها تحاول فتح عينيها تستغرب كل ذاك الألم الذي

تشعر به في كامل جسدها قبل أن تفتحهما ببطء وحدقت في

السقف والثريا المعلقة والديكور الخشبي والأضواء المخفية فيه

وعلمت فورا أنها في مكان لم تراه سابقا ! حاولت رفع جسدها

بأحد مرفقيها وأدارت يدها مميلة جسدها لتنهض بمساعدتها وما

أن وقع نظرها على الجالس عند نافذة الغرفة المفتوحة انقبض

جسدها لا شعوريا في محاولة أكبر للنهوض فصرخت متألمة

وانحنت برأسها على الوسادة تحته ووصلها ذاك الصوت البارد

مغلفا بجمود قاتل

" إن كنت تفكرين في القفز خارجه فتراجعي عن الفكرة ، أم

انسيت بأنك احتضنت شجرة ما في طريقك لجامعتك ؟ "


خبأت عيناها في كفها ولازالت على انحنائها المائل ذاته وغرتها

الناعمة القصيرة نزلت بانسياب تبعتها خصلات من شعرها

تناثرت على الوسادة تحتها ففوق ألم جسدها وقلبها ها هو يزيدها

ألما بكلماته .. لا وغاضب أيضا السيد تيم بل ويمزح مزاحا

سخيفا متعمدا ... من هذا الذي يحق له الاستياء من الآخر

والغضب منه ! قبضت أناملها على قماش الوسادة الناعم ما أن

وصلها ذاك الصوت البارد مجددا

" استلقي جيدا فجسدك لازال متضررا "


" خذني للمنزل "


كانت تلك الكلمات المختصرة الجوفاء الشبيهة بكلماته فقط ما

صدر عنها وما خرج له من بين ذاك الشعر البني الحريري

المتناثر على وسادته فأطفأ سيجارته يسحقها في المطفأة

الكريستالية قبل أن يعود لجلوسه السابق ناصبا قدمه وحذاءه

الثقيل على حافة النافذة الجالس عليها وأراح ساعده على ركبته

يدير بيده الأخرى مسدسه الشخصي ونظره لم يفارقها ولم يعلق

بشيء فخرج صوتها البارد مجددا

" لماذا أنا هنا ؟ "

أبعد نظره عنها هذه المرة بل ورفع رأسه وأتكأ به على اطار

النافذة وقال ببرود

" لأنك تريدين هذا بالطبع "

عم الصمت من طرفها للحظات فأمال رأسه ونظر لها لحظة أن

قالت ولازالت على وضعها ذاته

" أنا لا أريد هذا ولم أطلبه منك فأعدني لحضن شجرتي تلك "

رفع رأسه مجددا ممررا فوهة مسدسه تحت ذقنه وقال بسخرية

" ومن هذه التي كانت تصر على أن نكون معا وعلى أن يكون

لها مكانا في حياتي وواقعي وأن ذاك ما كان يؤرقها

في علاقتنا "

اشتدت كلتا قبضتاها على تلك الوسادة هذه المرة فها هو حديثه

ارتقى لأسلوب التجريح وهي من يستحق كل هذا لأنها من أراد

ذلك فعلا وطالب به ، تجاوزت ألمها وإهانته وقالت بثبات

" كنت ... وكان ولم يعد ذلك موجودا "

" كاذبة ... توقفي عن قول الاكاذيب ماريا "


وانقلب ذاك المزاج مجددا ولكن للغضب هذه المرة وهو يصرخ

بها ولم يتأخر تعليقها أيضا وهو يخرج من أعماق جرحها وقد

ارتفعت يدها لشعرها وتغلغلت أصابعها فيه

" وإن قلت قسما بأنه أصدق من مشاعرك نحو والدتك "

كانت تعلم بأنه لن يستطيع تكذيبها بعد ما قالت وذاك ما حدث

فعلا وقد وقف على طوله وقال بحدة ناظرا لها

" تعترفين بأنك كنت تكذبين في كل ما قلته عند ذاك النهر

ماريا ؟ "


خرج صوتها باردا بقسوة مجددا

" قلت ذاك كان .. وكان أصدق ما قلته حياتي لكنه بات من

الماضي يا تيم "
اشتدت أصابعه على مقبض حديد مسدسه البارد كالجو الجليدي

الذي بات مسيطرا بينهما وحرك رأسه تلك الحركة الخفيفة

الرافصة وقال بحزم

" ارفعي رأسك وانظري لي وأنا أتحدث معك ماريا "

لم تتحرك ولم يصدر عنها إي تعليق فقال بأمر

" مارياااا "


فهمست بما وصله جيدا تدفن جبينها وملامحها في الوسادة أكثر

" لا أريد فمت من غيظك "

لترتسم تلك الابتسامة الطفيفة على طرف شفتيه القاسية فهذه

الفتاة تتمسك بعبارات طفولتها أكثر من تمسكها بالحياة وما

يبعده عنها الآن جسدها المليء بالرضوض ولأنه يعلم بأن نتائج

اقترابه منها ستكون سلبية إن هي أفقدته أعصابه ببراعتها

المعهودة في فعل ذلك ، رفع يده والمسدس فيها ووجهه نحوها

وقال وتلك الابتسامة لم تغادر شفتيه بعد

" ارفعي رأسك ماريا أو أفرغت ما في هذا المسدس فيه "

قالت مباشرة

" افعلها لترتاح من وجودي نهائيا "


شد على أسنانه هامسا باليونانية " Τρελός " ( غبية )

وغير اتجاه فوهته لصدره هذه المرة قائلا بجدية

" سترفعين رأسك أو أفرغته في صدري ... وها أنا اقسم

بأني صادق صدق مشاعري اتجاهها هنا "

فجلست حينها ورفعت الوسادة ورمتها جهته بقوى واهنة

بالكاد أوصلتها لنصف المسافة بينهما قبل أن تضم يدها لها

متألمة وقالت بضيق محدقة في عينيه

" لا أريد البقاء هنا ولا أن أكون معك "

نظر لعينيها بصمت ولتلك النظرة التي لم يعرفها فيهما سابقا

وهذا ما كان يريد معرفته ما في عيناها لا ما يقول لسانها وها هو

بالفعل خسر تلك الثقة داخلها ويبدوا أنها حقيقة لن تكون أول

خساراته ، تحرك حينها جهة الباب ورفع قدمه للأريكة المسندة

عليه ودفعها دفعة واحدة قوية ثم فتحه بقوة على اتساعه قائلا

بضيق

" تذكري فقط هذا ماريا وبأنك من رفص فلا أحد يلقي عليا

باللوم مستقبلا وأخبري بذلك عم والدك وزوج ابنة شقيقه

ليتوقفا عن التبجح واتهامي "

أخفت الألم في عينيها متجنبة النظر له وغادرت السرير دون أن

تعلق تجاهد نفسها وألمها لتغادر بأكثر سرعة تستطيع الحراك

بها رغم تعثر خطواتها والألم المريع في ساقها اليمنى وغادرت

الغرفة وتوجهت لباب الشقة دون أن تلتفت لأي من تفاصيلها

فلا تريد أن يحفر شيء في ذاكرتها من هذا فقط كي لا تسمح

لعقلها مستقبلا بتخيلهما معا هنا ، نزلت عتبات السلالم الأولى

بصعوبة وبات الأمر أشد ألما ما أن بلغت منتصفه فجلست واتكأت

على الجدار الملاصق له ونزلت دموعها رغما عنها الواحدة

تتبعها الأخرى فضمت ركبتيها ودفنت وجهها ودموعها فيهما

ولم يعد يمكنها السيطرة على أي شيء وألم قلبها أشد من ذاك

الذي يفتك بجسدها لم تعد تهتم بأحد ولا شيء ولا حتى بتلك

الخطوات بكعب حذاء امرأة وهي تجتازها صعودا دون أن تهتم

صاحبتها لما مرت به ، وما هي إلا لحظات وتوقفت تلك

الخطوات ويبدوا عند باب الشقة الذي تركته خلفها مفتوحا

وكأنها التقت بأحدهم عند بابها ووصلها ذاك الصوت الأنثوي

الرقيق

" أوه تيموثي حبيبي أنت هنا ؟ تعجبت من باب الشقة

المفتوح ! "


وقفت حينها ولم تعد تشعر بأي من ذاك الألم في جسدها

المرتجف تحاول فقط نزول باقي العتبات لتتوارى عن المكان

قبل أن ينزل برفقتها أمامها فغادرت تاركة خلفها من نظر

حوله ثم للواقفة أمامه والتي قالت عاقدة حاجبيها الرقيقان

" هل الفتاة الجالسة في السلالم كانت هنا تيموثي ؟ "

عاد للنظر حوله بضياع ومرر أصابعه في شعره متأففا ، يريد

اللحاق بها فحالتها لا تسمح بتركها تغادر وحدها وما كان

عليه أن يفقد أعصابه ويفعلها من البداية ولا يمكنه فعل ذلك

في وجود هذه المرأة وكان على العقل أن ينتصر على القلب

هذه المرة لكن ذلك لم يحدث وهو يجتازها قائلا باستعجال

" انتظريني في الداخل لوسي وسأكون هنا بعد قليل "

ونزل عتبات السلالم مسرعا حتى كان في الأسفل ووقف في

الشارع ينظر حوله ولا أثر لها فيبدوا أن الحظ قد أسعف

أحدهما ووجدت سيارة أجرى بسرعة نادرة ، تصلب جسده

ما أن شعر بتلك الذراعان تلتفان حول خصره والشفاه الناعمة

تداعب عنقه قبل أن تهمس صاحبتها

" تيموثي لا تقل بأنها صاحبة تلك الحقيبة ؟ لا تغضبني منك

أيها اليوناني النزيه "


ابتعد عنها يشغل نفسه بالهاتف الذي أخرجه من جيبه وهمس

بجمود

" تلك قريبتي لوسي وهي تعرضت لحادث بسيارتها

وليست بخير "

قبل أن يتحرك من هناك وتبعته التي تمسكت بذراعه تحدثه

مبتسمة ترفع نظرها له والريح تلاعب خصلات شعرها وغرتها

أمام وجهها يجيبها باختصار مبتسما بخفوت تاركان خلفهما قلب

يتحطم هناك عند جدار البناء الضخم تبكي جدرانه الصماء

الباردة مع تلك العينان وصاحبتها تحضن برودها تخبئ دموعا

بها أكثر مما تخفي نفسها تراقب من بين تلك الدموع الحارقة

الذي فتح باب سيارته للتي ارتفعت على رؤوس أصابعها وقبلت

خده سريعا قبل أن تترك ذراعه وتركب ويغادرا من هناك لم يبقيا

لها سوى تلك الصور التي لم تنزل مع باقي دموعها ولا مع

جسدها المتعب وهو ينزل للأرض ببطء عبراتها ليس لها ولا

الصدى في تلك الأحياء الراقية المترفة وإن سمعوها ، لهذا ما

كان عليها أن تكون هنا ... لأجل كل هذا عليك أن تموتي ماريه

ولا تكوني معه ... هذا ما كنت تخشينه أرأيت ما أقساه .... ؟

أجل موتي هكذا تحطمي وأخرجيه من قلبك نهاية الأمر

وموتي وحيدة .

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:40 PM   المشاركة رقم: 883
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



خرج من حمام الغرفة ولازال يجفف شعره بالمنشفة في يده

ونظر مبتسما للنائمة نصف جسدها في جهته من السرير

ورأسها مدفون في وسادته وذاك الشعر البني الطويل المموج

متناثرا حولها فرمى المنشفة واقترب منها وجلس على طرف

السرير وانحنى جهتها وحرك أصبعيه السبابة والوسطى على

ذراعها العاري في خطوات بطيئة وصولا لظهرها يمسك ضحكته

بسبب تمتمتها قبل أن ترمي يده عنها وخرج صوتها مستاءا

تدفن وجهها في الوسادة أكثر

" رعد ابتعد عني واتركني أنام قليلا "

فضحك وقبل كتفها العاري ووقف وتوجه للخزانة أخرج قميصا

وقال وهو يلبسه

" إنها العاشرة يا كسولة وأستغرب أين غسق عنا حتى الآن

فهي دجاجة بلا ديك تستيقظ باكرا ولا تترك أحدا ينام "

وتابع بضحكة يغلق أزرار قميصه الأبيض

" تذكرني بممرضة ما فاشلة عرفتها في الماضي توقض

مريضها من قبل الفجر ليتناول فطوره "

وراقب مبتسما التي تحرك كتفاها ضاحكة فرمى ربطة العنق

من يده وتوجه نحوها وجلس على طرف السرير وانحنى

جهتها وأحاط جسدها بذراعه ودفن وجهه في شعرها وقبل

خدها من فوقه هامسا

" هيا صباح الخير ثنانيتي عليك توديع زوجك يكفيه

الاستيقاظ متأخرا "

رفعت رأسها وجسها بمرفقيها ورمت شعرها جانبا

ونظرت له قائلة باستغراب

" أين ستذهب ؟ "

وقف وقال يدس قميصه في بنطلونه الكحلي الفاخر

" لحوران عليا أن أكون في القصر الرآسي قبل الواحدة "

عبست ملامحها متمتمة

" ومتى ستكون هنا ؟ "

ضحك ضحكة صغيرة وجلس مجددا ثانيا ركبته وقبلها بعمق

قبل أن يقف قائلا

" في الغد ... لن أستطيع أن أكون هنا قبل ذلك حبيبتي "

فعادت لدفن وجهها في وسادته مجددا متمتمة بضيق

" غادر هيا "

خرجت ضحكته دون شعور منه وقال متوجها للخزانة مجددا

" اتركيني أرتب أموري أولا آستريا وأعدك برحلة لن تنسيها

حياتك ، أنتي تعلمي أن الأمر حدث دون ترتيب "

" غااادر ... "

ضحك مجددا وحمل سترته السوداء وربطة العنق وما أن كان

سيتحرك نحوها أوقفه صوت رنين هاتفه فتوجه نحوه مبتسما

على تلك العبارة الأنثوية الحانقة
" ألا يكفي إزعاجه طوال الصباح ؟ "

نظر لإسم المتصل وأجاب وهو يرفع مفاتيحه

" أجل يا مطر "

وصله صوته الجاد فورا

" هل شقيقتك في المنزل ؟ لقد دخلت العمران منذ قليل فتأكد

من أنها وصلت "

توجه جهة باب الغرفة مسرعا وقائلا باستغراب

" وأين كانت لتصل الآن ؟ "

نظر للهاتف شاتما بهمس حين اكتشف بأنه يتحدث مع نفسه وأن

من في الطرف الآخر قال ما لديه وأغلق الخط ، فتح باب الغرفة

وخرج فورا وما أن خطى خارجها عدة خطوات وقف مكانه ينظر

للتي وقفت أمامه لخروجها من بداية الممر تمسك سترة سوداء

في يدها تلبس قميصا بدون أكمام وبنطلون أسود ! يستغرب أن

فعلتها أمامه فهي حريصة في لباسها أمامهم منذ صغرها بل

وحجابها أيضا لا وجود له في الصورة ولا يراها تعي لذلك وقد

تحرك نظرها فورا جهة الغرفة المجاورة لغرفته والمفتوحة ثم له

فقال باستغراب محدقا بعيناها المجهدة من البكاء وبشكل واضح

ورموشها التي لم تجف الدموع منها بعد

" غسق أين كنت ؟ "

اشتدت أناملها على ذاك القماش الأسود وأبعدت نظرها عنه تنظر

حولها بضياع قبل أن تمرر أصابعها في غرتها هامسة

" أين الكاسر ؟ "

نظر لها مستغربا واقترب منها حتى وقف أمامها وقال

" غسق ما بك ؟ "

فاستدارت هامسة

" لا شيء "

وغادرت وخطواته تتبعها ينظر لها بحيرة وهي تصعد السلالم

مسرعة حتى اختفت عن نظره فرفع هاتفه لأذنه بعد اتصال لم

يتأخر صاحبه في الإجابة كما كلمات رعد المستعجلة

" ما بها ؟ "

" أين هي أعطها الهاتف "

حدق عاليا وقال باستياء

" صعدت لغرفتها ... مطر ماذا حدث ؟ حتى متى سترجعها لنا
نصف حية نصف ميتة ؟ "

ساد الصمت للحظات قبل أن يصله ذاك الصوت الرجولي المبحوح

هادئا

" كونوا بقربها يا رعد ولا تتركوها تسجن نفسها في غرفتها ...

ثمة رحلة مستعجلة أمامي لإحليل "

وانقطع الاتصال معه مجددا وباختياره بالطبع فشد أصابعه على

الهاتف وصعد السلالم مسرعا حتى وصل باب غرفتها وطرقه

مناديا

" غسق هل يمكنني الدخول ؟ "

ولا مجيب وليس بإمكانه فتح الباب والدخول لها رغم أنه سحب

المفتاح منه سابقا وجميع نسخه لكنها تبقى ليست شقيقته ولا

يمكنه الدخول لها واحتواء حزنها واحتضانها كما يريد وكما

يحتاج وتحتاج ، اتكأ بجبينه على الباب ولا شيء بيده غير ذلك

فلا يمكنه فعل أي شيء لمن كانت تقف في الجانب الآخر لذاك

الباب أيضا تمسك بكائها وشهقاتها بيدها تنزل عليه ببطء

للأرض حيث الحضن الوحيد لها بعد رحيل والدها فلم يبقى لها

شيء .. أي شيء ، حضنت ركبتيها ودفنت وجهها فيهما وخرج

كل ذاك البكاء عن سيطرتها تضرب بقبضتها على رأسها المدفون

فيهما تتمنى لو تقتل نفسها .. لو أنها ماتت وما استسلمت له بكل

ذاك الضعف لتكتشف فيما بعد بأنها مجرد لعبة جديدة من ألاعيبه

فقط ليثبت لغيره تملكه وسطوته الرجولية عليها .. ليضعها في

ذاك الموقف المخزي ومع من ..؟ مع من تربت معه كشقيق لها
ومن رأى فيها المرأة التي خسر من أجلها حتى والده ونفسه وكل

شيء ... مكالمة مدتها ثلاثون دقيقة كاملة تمتع فيها بتعذيب

غيره ليثبت فقط نفسه وغروره وتملكه الذكوري المقيت ثم

ماذا ... ؟ كل ما فعله أن اعتذر ! همسات اعتذار لجثة تفنن في

تعذيبها قبل قتلها وهل سيعنيه ذلك ؟ لا بالطبع فما أراده حصل

عليه وها قد أغلق جبران هاتفه نهائيا ولأول مرة بل ويبدوا أنه

تخلص من تلك الشريحة وللأبد وانتهت لعبتهما والطرف المحطم

الوحيد فيها كان هي .

دفنت وجهها ودموعها وبكائها في ركبتيها أكثر وصوت الطرق

على الباب خلفها يزداد ارتفاعا مختلطا بتلك الكلمات من خلفه

" غسق توقفي عن البكاء ... غسق يكفيك تعذيبا لنفسك شقيقتي
أرجوك "

لكن تلك العبارات الراجية والصوت الرجولي الحزين لم يزدها إلا

ألما فوق ألمها فماذا ستخبره وبما ستجيبه إن هي فتحت له

الباب ؟ بأنها كانت نائمة في حضن الرجل الذي فعل كل ما فعله

بها سابقا مستسلمة له يقدمان عرضا سخيا للمتابعة ؟

ما الذي ستخبره به وبأي عبارات ستصوغه له ؟

وقفت وتوجهت لحمام الغرفة راكضة وأغلقته على نفسها

وحملتها قدماها فورا لحوض الاستحمام ، فتحت المياه على

أقواها ووقفت تحتها بملابسها ترفع بأصابعها المرتجفة شعرها

الذي انزلق على وجهها مع تدفق المياه وقد ارتفع صوت ضجيج

اندفاعه على صوت تلك العبرات تغسل به دموعها قبل جسدها .


*
*
*


ما أن أغلق باب شقته بعد دخوله أخرج هاتفه واتصل بمن

احتاج وقتا قبل أن يسمع صوته قائلا

" مرحبا يا شاهر "

قال من فوره وبضيق

" تيم ارتبط بفتاة انجليزية يا مطر "


" أعلم "

بقدر ما كان جوابه مختصرا كان سريعا بل ومتلفا لأعصاب الذي

قال بضيق أشد

" تعلم !! ولا تقل بأنك موافق على هذا أيضا ؟ "


وصله صوته مباشرة

" أجل "

انفجر حينها ما تبقى من ذاك البركان المشتعل قائلا بغضب

" ما هذا الجنون يا مطر ؟ الفتى متزوج وزوجته علمت بالأمر

الذي انتشر بسرعة البرق وتعرضت لحادث وهو أخذها من

المستشفى دون أن يهتم لأحد ولا لرأيها "


وصله صوته الجاد الحازم فورا

" أنت بنفسك قلت زوجته ولا أحد له الحق في مناقشته في أي
أمر يخصها غيرها هي "

رمى يده قائلا بعنف

" يطلقها هذا ما عليه فعله أو بنفسي سأرفع قضية ضده

هناك وأطلقها منه "

" شاهر لا تتدخل بينهما فلا أحد سيقرر طلاقها غير تيم نفسه

فلا تتعب نفسك وتقحمها في مشاكل أكثر معه "

ضرب ساق الطاولة أمامه بقدمه صارخا بغضب

" وما الذي أبقته شقيقتك لغيرها لقد دمرت ما تبقى دون

عناء مني "
وفصل الخط ما أن أنهى عبارته تلك ولم يجب ولا على اتصاله

بعدها ورمى الهاتف على طاولة المرآة بجانب الباب وفتح باب

الشقة وخرج منها ووجهته الباب المجاور لها .. فتحه على

اتساعه واقفا مكانه ونظر بجمود للجالسة على السرير تحضن

ركبتيها تنظر له بتوجس لا بل بخوف لم يراه في عينيها سابقا ..

تلك العنيدة الشرسة المتوحشة التي لم تخف يوما ولا شقيقها

الذي يهابه الرجال ! راقب حدقتاها الخضراء المستديرة وجفناها

يسدلان فوقهما مبعدة نظرها عنه قبل أن تهمس بشفاه مرتجة

" أأأنا ... آسفة "

وحين طال صمته ولم يعلق ولا يتحرك من مكانه رفعت نظراتها

المغرورقة بالدموع ونظرت لعينيه هامسة

" أنا دائما هكذا سيئة لكني أندم على أفعالي ... الذنب ليس

ذنبي أقسم لك "

لم يعلق أيضا ولم يزح نظره عنها وتلك الاحداق تعانق الفراغ

بشرود والدموع الدافئة بدأت بالانزلاق من رموشها ببطء

وقالت ببحة بكاء

" حين كنت طفلة كانت والدتي تخيفني منكم بل بكم وبأنها

سترسلني لبلادي وبأنكم متوحشين تضربون الأطفال وأخبرتني

قصصا كثيرة عن أن والدي كان يضربها بوحشية وكانت علامات

الضرب على جسدها ، كانت تريني إياها دائما ... كنت أرى في

منامي أن شقيقي جاء لأخذي ويضربني حتى علمني خوفي منه

ومن قبل أن أراه أو أعرفه أن أتمرد على واقعي فهربت لمرتين

لكني عدت لأني لم أستطع أن أكفل نفسي وكعقاب لي تم إرسالي

لخالة والدتي .. كانت امرأة بشعة عاملتني بقسوة وبدونية وكلما

أخطأت في أمر قالت : دمائك النجسة السبب فستكوني كذلك ما

حييتِ ، كانت تسجنني في منزلها وتخرج للسهر مع صدقاتها في

الحي وتتركني وحدي فكنت أهرب كل ليلة .. أهرب من هناك

وليس يعنيني أين وإن لأهيم في الشوارع لا رفيق لي سوى

أصوات نباح الكلاب "


مسحت دموعها بطرف كم بيجامتها ونظرت ليديها في حجرها

وتابعت بعبرة مكتومة

" وحين علم شقيقي بوجودي بدأ بالفعل يطبق حصاره علي حد

الاختناق ، لم يكن يضربني ولا يشتمني حتى لكنه كان جافا

عاملني كرجل لم يستمع يوما ولا لما أريده ، لم نتناقش مرة

واحدة كان يأمر ويأمر فقط وعلي أن انفذ ودون نقاش ، كان

سخيا معي لم يحرمني أي شيء تمنيته لكنه أيضا كان متسلطا

وأفكاره بالنسبة لي متحجرة ولم يفكر يوما بأن يقنعني بها كان

يجبرني فقط وذلك لم يقتل الفتاة المتمردة تلك داخلي فهربت منه

أيضا ذات مرة لأن المال لم يعد ينقصني حينها وكانت النتيجة أن

أمسك بي رجاله هنا خلال ساعات فقط وانتهى الأمر بي مسجونة

في منزل ريفي لوحدي حتى أني كدت أفقد عقلي من الوحدة

والفراغ لأعلم فقط بأن هذا سيكون مصيري كلما فكرت في فعلها

مجددا ، كان عليا أن أكون عربية مسلمة أتزوج مسلما لا أخرج

لا أسافر لا سهر .. كل شيء بالإجبار وكله بالإكراه لم يحبني أحدا

منهم من أجلي أنا غيسانة كما يريدون أو غيسي كما أرادت

والدتي فجميعهم كانوا يرون عيوبي فقط حتى والدتي بل وحتى

صديقتاي اللتان سمح لي بمصادقتهما كانتا مثاليتان درجة أن

انتقادهم لي كان شبه دائم "

دخل وأغلق الباب في صمت وجلس في الكرسي المقابل لها

يراقبها تمسح وجنتيها بقوة بباطن كفها وقال بهدوء

" هل كنت تستخدمين هذا الأسلوب للإفلات من العقاب

غيسانة ؟ "

نظرت له بإستهجان فسبقها قائلا ببرود

" أنا آسف "

وتابع بسخرية من قبل أن تعلق

" أرأيت شعورك الآن بعد اعتذاري هذا ؟ هو يشبه شعوري
تماما "

زمت شفتيها تقاوم دموعا تكره أن تنزل مجددا وراقبته وهو

ينظر للأرض يشبك أصابع يديه متكئا بمرفقيه على ركبتيه وقال

بعد برهة

" لا أحد منا لا يملك عيوبا لكن من زادت عيوبه تلك عن مميزاته

وإن بواحدة فقط فعليه أن يعلم بأنه بؤرة شر في هذه الحياة ، هل

حاولت تقدير ذلك في شخصيتك غيسانة ؟ "

ارتجفت شفتاها قبل أن تقول بخفوت

" أنا كغيري لي عيو.... "

رفع رأسه ونظره لعينيها وقال مقاطعا لها

" قولي أنتي مميزاتك وسأقول أنا عيوبك ونرى "

تغيرت نبرتها للضيق وقالت

" أنت تراني بأكملي عيوب "

قال بابتسامة جانبية باردة

" لا أحد يمكنه ذكر عيوبه ولا الاعتراف بها جميعها أما

المميزات فبلى "

نظرت له بعبوس فاستقام في جلوسه ونصب ساق على الأخرى

وقال

" حسنا الدور عليا بعدك وسأذكر أنا عيوبك والاحتجاج ممنوع

حتى أنهي حديثي "


حدقت في عينيه ولم تتحدث فتابع وقد كتف ذراعيه

" كاذبة ... مراوغة ... ممثلة إن تطلب الأمر وبارعة أيضا ، لا
تفين بالوعود وتحركك مصالحك فقط ... أنانية لا تفكرين سوى

في نفسك ، ساذجة غبية توقعين نفسك في المشاكل دون تفكير

أ.... "


" يكفيييي "

صرخت فيه باحتجاج قبل أن تقول بضيق

" أنت تقول أمورا ليست بي "


أمال شفتيه مجددا بابتسامة باردة أخرى وقال

" قولي أيها ليست بك وأنا سأعطيك الدليل القاطع ومن الفترة

التي قضيتها هنا فقط وما تخفيه السنين الماضية أكثر بكثير

بالتأكيد "

أشارت له برأسها قائلة بحدة

" وأنت أيضا .. أنت أناني تحب نفسك فقط "

فك ذراعيه وأتكأ بمرفقيه على ركبتيه ونظر لها قائلا

" حسنا وماذا أيضا ؟ "

تلكأت كثيرا وحاولت التحدث ولم تجد أي كلمات تخرج بها فهو لم

يكذب منذ عرفته .. لم يعد ويخلف وعده ولم تراه يخادع ويراوغ

في عمله وعقود شركته أبدا لا يسرق لا يغش ولم تراه ولا يخدع

امرأة بمشاعر زائفة بل ولم ترى احداهن تزور مكتبه يوما غير

عملائه وفي وجودها هي أو سكرتيرته حتى أنه لا يشرب ولا

يدخن فماذا ستقول عنه أيضا ؟ لا يمكن أن يكون بلا عيوب هكذا

فثمة الكثير بالتأكيد .

وقف على طوله وغادر مغلقا الباب خلفه ولم يعلق بأي كلمة

تراقب نظراتها مكان خروجه بعبوس ... كيف تركته ينتصر

عليها ؟ أهي حقا بتلك البشاعة في نظر من هم حولها ! بل وكان

ثمة المزيد يريد قوله لولا أوقفته فما هي تلك المميزات التي

كانت ستقولها عن نفسها إن سألها ؟

اندست تحت اللحاف وغطت جسدها بالكامل وحتى رأسها متمتمة

بأسى

" توقفي عن التفكير هكذا جيسي فأنتي لست سيئة ... لست سيئة

بذاك الشكل هم من يرونك كذلك لأنه لا أحد منهم يحبك "


*
*
*




غادر المصعد مسرعا ما أن انفتحت أبوابه أمامه وتحرك فورا

جهة الممر المليئ برجال الأمن والقوات الخاصة والحرس

الخاص بالواقف بين اثنين من رجاله فاجتاز كل ذاك التجمع دون

أن يوقفه أحد منهم حتى وصل عنده ووقف مقابلا له وسحب

أنفاسه قائلا

" ماذا يحدث يا مطر ؟ من الموجود هنا ؟ "

وراقبت نظراته بتوجس الذي نظر جهة باب غرفة العمليات

المغلق وهمس بتجهم

" إسحاق حفيد ضرار السلطان "

فزفر الهواء من رأتيه بقوة ممررا أصابعه في شعر قفا عنقه

وقال

" ماذا حدث ؟ وكيف هي حالته ؟ "

قال تميم بصوت منخفض

" سقط بالسيارة من منحدر طريق جيلوان ولا تبدوا حالته جيدة

مطلقا وقد نضطر لنقله للخارج إن خرج من هذه الغرفة حيا "

نقل نظره بينهم بضياع قبل أن ينظر لعيني الواقف أمامه

وقال بروية " هل اكتشفوا أمره ؟ "

أومأ برأسه بنعم قبل أن يشيح بوجهه جانبا ومرر أصابع يمناه

في شعره وتركهم فيه وتحرك تميم وبشر من هناك بعد جملة

مختصرة له

" أريد تحقيقا كاملا ومع كل من ستدور حوله الشبهة وإن كان

من عائلة غيلوان ذاتهم "

وما أن ابتعدت خطواتهم الواسعة عنهما نظر له عمير وقال

" كيف علمتم بالأمر ؟ هل اتصل بكم وحددتم موقعه ؟ "

أخرج يده من شعره ممررا لها ببطء على عنقه ونظر للأسفل

قائلا بجمود

" شقيقته ولولاها لما علمنا عنه حتى مات هناك في قعر الجرف

فكل ما استطعنا فعله تحديد مكانه بمكالمة لهاتفه الذي وجدناه

محطما في الطريق قرب المكان "

قال بهدوء حذر

" هل علم عمك ؟ لست اجزم بأن رد فعله سيكون إيجابيا أبدا "

نظر جانبا وقال باستياء

" ما افكر فيه هو رد فعل شقيقته إن مات لا عمي ولا غيره ..

تلك الفتاة فقدت ما يكفي وتعاني ما لا ينقصه فقدها له "

قال الواقف أمامه مباشرة وبجدية

" الموت لا يمسكه أحد ولا شيء يا مطر ثم كل ذاك كان باختياره

لا اختيارك أنت وهو من أصر على دخول عالمهم ومعرفة الصلة

بينهم وبين ماضيه ، وكل ما فعلته أنت أنك عملت بنصائح طبيبه

وطبيبها "

حرك رأسه بالنفي متمتما

" ليس في حالتها يا عمير ليس ونفسيتها لم تشفى بعد "

حرك رأسه بحيرة ونظره على الذي أولاه ظهره وقد وقف مقابلا

للنافذة ومد ذراعه وأراح كفه على زجاجها البارد يمسك خصره

بيده الأخرى من تحت سترته السوداء ينظر للأرض فلامست تلك

اليد كتفه ووصله صوت صاحبها هادئا عميقا من خلفه

" مطر ما يزعجك ليس ما حدث مع ذاك الفتى إسحاق فقط

فماذا حدث أيضا ؟ "

" لا شيء "

تلك التمتمة الخافتة كل ما صدر عنه محركا رأسه بالنفي فأبعد

يده عن كتفه وقال بهدوء ناظرا لقفاه

" المكلفون بمراقبتها أبلغوني مثلك بما حدث وحتى بخروجها

من هناك عائدة لمنزلها أم نسيت ذلك ؟ "

تمتم ذاك الصوت المبحوح مجددا وبضيق هذه المرة

" عمير اتركني وشأني "

قال من فوره وبإصرار

" لن أفعل وها قد حدث ما أخشاه لا ما تمنيته ، كانت فرصتك

يا رجل لما تتعمد افساد ذلك دائما ؟ "

ضرب براحة يده على إطار النافذة قائلا بضيق

" كان عليه أن يبتعد عنها وكان على ذلك أن يحدث فهو لم

يكن سيتوقف وسيحاول الوصول لها بجميع الطرق "

نظر له الواقف خلفه باستغراب وسرعان ما اكتشف بأنه كان

يحدث نفسه وليس هو فقال بهدوء حذر

" مطر على كل ذلك أن يتوقف فلا تستمر في تدمير ما بينكما
أكثر من أجل حمايتها فأنت تحميها من الجميع عداك ؟ "

حرك رأسه بالنفي دون أن يرفعه ولا أن يعلق بشيء فقال

الواقف خلفه وببعض الضيق

" قم بإلغاء فكرة ذاك اللقاء الصحفي على الأقل "

وصله ذاك الصوت الأجوف فورا

" المقال أصبح لدى الجريدة ولن ألغي منه شيئا "

شد قبضتيه بقوة وقال بضيق ونظره لازال على قفاه

" لم أعرف حياتي رجلا يتحكم فيه عقله العنيد مثلك ! "

وما أن أنهى عبارته الحانقة تلك انفتح الباب خلفه فالتفتا

كليهما للذي تقدم منهما وقد نزع قبعته الطبية متنهدا بتعب

وعمق وقال

" فعلنا ما في وسعنا سيدي والباقي سيكون لعمره وقوة إرادته

بمشيئة الله "

قال بتوجس ناظرا لعينيه

" هل حالته سيئة ؟ "

سؤال كان يعلم جوابه من قبل أن يسأله ومن الثماني ساعات التي

قضوها معه في الداخل لكن ثمة أمل دائما وعليه يعيش البشر ،

قال الواقف أمامهما وبحركة خفيفة من رأسه

" الحادث كان مروعا على ما يبدوا وجسده محطم بالكامل

تقريبا ولازال أمامه عمليات كثيرة لترميم عظامه المحطمة

فالضرر وصل حتى لأضلع قفصه الصدري ولتشفى أيضا جروحه

البليغة وهذا إن اجتاز مرحلة الخطر طبعا وسيتم نقله لغرفة

العناية وسيحتاج لثمان وأربعين ساعة يمكننا أن نحدد بعدها

إن كان يمكنه الحياة أساسا أم لا "

قال عمير بملامح متجهمة

" يعني أنه سيحتاج لأعوام ليسترد عافيته ؟ هذا إن كُتب له

أن يعيش "


قال الذي حرك رأسه بأسى

" بل لطاقة وقدرة كبيرة على تحمل ما ينتظره ، والخطر الأكبر

هو الإصابة في رأسه والتي لن نستطيع تحديد ضررها حتى

يفيق "

شد الواقف أمامه قبضتيه بقوة وقال بشبه همس

" متى يمكننا نقله لخارج البلاد ؟ "

نقل نظره له وقال

" ليس قبل الثماني وأربعون ساعة بل أرى أن تنتظروا حتى

يجتاز مرحلة الخطر بوقت سيدي "

وغادر من عندهما ما أن تمتم الواقف أمامه شاكرا له وانتقل

نظرهما للسرير الذي أخرجوه يجرونه وللجسد المغطى فوقه

بالكاد يظهر وجهه من بين ذاك الشاش الملفوف حول رأسه

بالكامل ، وما أن تحركت خطواته ليلحقه أمسك الواقف بجانبه

بذراعه قائلا

" لن يفيد هذا في شيء يا مطر فسيدخلوه غرفة أخرى ويغلقوها

عليه ... عليك أن تعود لمنزلك وترتاح قليلا وإن لساعات

معدودة "


نظر له وقال بجمود

" عليا أن ألحق باجتماع بينبان يا عمير فقد تم تأجيله لساعات

من أجلي هل سنلغيه الآن ؟ ثم ومقر توز واجتماع وزارة الدفاع

فيه ؟ "

قال بجدية

" يلغى يا مطر لا شيء سيحدث إن تأجل للغد وبالنسبة لمقر توز

سأتكفل أنا بالأمر "


وتابع بابتسامة مائلة

" فأنت لا تترك لي وقتا أزور فيه منزل الفتاة التي يبدوا بأني

لن أخطبها أبدا "

نظر له باستغراب وقال مبتسما بما يشبه ابتسامته

" تخطب !! "

قال بابتسامة واسعة " أجل وحمدا لله أني لم أعطيهم موعدا

لكنت سأتعرض للإحراج معم كل يوم بسببك أنت وبلادك "

ربت على ذراعه قائلا بابتسامة خفيفة

" هذا خبر رائع يا عمير ويستحق أن تعفى اليوم من كل شيء

من أجله ورغما عنك ولا تقلق بشأني سأتوجه لحوران الآن

اتفقنا ؟ "


أومأ موافقا وقال مبتسما

" لما لا تكن معي لأضمن موافقتهم الفورية "

خرجت ضحكة خفيفة تغلبت على أضلعه قبل تجهم ملامحه وقال

" ومن سيرفضك وأنت رئيس جهاز مخابرات البلاد يا متواضع ؟

أنت فقط تقدم لها وإن بالهاتف وسيوافقون عليك فورا "

مرر أصابعه في شعره وأمال شفتيه قائلا

" إن علمت من تكون العروس سيتغير رأيك هذا بالتأكد "

نظر له باستغراب قبل أن يقول ببرود

" إن كانت ابنتي فانسى الفكرة لأنها مخطوبة تقريبا "

ضحك وقال

" لا بالله عليك يا رجل سأتزوجها أم سأربيها ؟ "

قال بابتسامة مائلة

" والذي خطبها يصغرك بعام أو عامان فقط "

رفع حاجبيه بدهشة قائلا

" مطر من عقلك تقول هذا ؟ وهذا سينتظرها كم عام مثلا

حتى تكبر قليلا ليشيخ هو ! "

أومأ له برأسه وقال

" اتركنا من هذا وأخبرني من تكون عروسك تلك "

لوى شفتيه بابتسامة هامسا

" ابنة خالة زوجتك "

نظر له بدهشة متمتما

" جليلة !! "

وتابع وقد امتزجت دهشته بضحكة خفيفة

" ويحك يا رجل ألا تعلم بأنها باتت تكره جنسنا وما مرت به

ليس باليسير أبدا "

رفع كتفيه العريضان قائلا بابتسامة

" هذا كان اختيار قلبي منذ رأيتها أول مرة فما سأفعل له ؟ ثم أنا

مررت بما يشبه تجربتها ومتفهم للأمر وأفهم مشاعرها جيدا ،

المهم الآن أن توافق تلك العنيدة وقد نستعين بزوجتك فلا تنسى

ذلك "

ابتسم بسخرية قائلا

" زوجتي !! لو تعلم رأيها فيكم أنتم رجالي لعذلت عن الفكرة

لذلك عليك أن تخوض حربك وحدك "

تحرك مغادرا من هناك متمتما بضيق

" يالك من رجل تريدنا فاشلين عاطفيا جميعا مثلك "

حرك رأسه مبتسما بسخرية وتبعه ليتحرك كل من كان هناك

خلفهما تاركين ذاك الممر الواسع فارغا بعد أن عج بهم لساعات .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:42 PM   المشاركة رقم: 884
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


طرق باب غرفتها طرقتين خفيفتين قبل أن يفتحه ليقع نظره فورا

على الواقفة أمام النافذة وقد التفتت له فور فتحه للباب والتي ما

أن علمت من يكون ركضت نحوه وارتمت في حضنه فضمها له

ومسح على شعرها قائلا

" تيما ألم أقل أنها بخير ؟ لما كل هذا البكاء ؟ "

دفنت وجهها في صدره العريض وتداخلت كلماتها مع عبراتها

" كيف ستكون بخير وأنت بنفسك قلت البارحة أن أتحدث معها

كي لا أفقدها ؟ لم يغب عن خيالي أبدا أنها ستموت ولن أراها

مجددا "

أبعدها عنه وأمسك وجهها وقال بحزم ناظرا لعينيها الدامعة

" تيما ألم أتصل بك صباحا وقلت أنها بخير ؟

هل كذبت عليك يوما ؟ "

حركت رأسها بالنفي فورا قائلة

" أبدا أبي حاشا لله ومن علمني أن أكون صادقة

دائما غيرك ؟ "

مسح بإبهاميه دموعها قائلا بجدية

" إذا هي بخير وفي منزلها الآن فيكفي بكاء يا تيما لا تصبحي

طفلة هكذا والرجال يخطبونك مني يوميا تقريبا "

أنزلت رأسها حياء منه وقالت بصوت منخفض تمسح عيناها

بظهر كفها

" هل أستطيع التحدث معها الآن ؟ "

وارتفعت نظراتها له حين طال صمته وحدقت في عينيه ونظرته

التي لم تفهم سر ذاك الألم فيهما قبل أن يهرب بنظره منها وقال

" ليس اليوم يا تيما .. الأفضل أن لا تتصلي بها إلا إن فعلت

هي ذلك "

امتلأت عيناها بالدموع وقالت بحزن

" حسنا أذهب لها في الغد إذا ، أريد أن أراها بنفسي

أبي أرجوك "

رفع نظره لها مجددا وقال

" سينتقلون هنا قريبا وسينشغلون بذلك خلال الأيام القادمة

وستكوني معها فيما بعد كيف ومتى تشائين "

وأحاط كتفيها بذراعه وسار بها جهة سريرها قائلا

" تعالي اجلسي فثمة ما علينا التحدث فيه "

جلست على طرفه تنظر مستغربة للذي سحب كرسي طاولة

التزيين وجلس عليه أمامها تشعر بالحيرة والتوجس أكثر من

أن يكون شعورها حينها الفضول ولا الترقب فهو من النادر أن

يجلس ويطلب منها سماعه وأن يتحدثا ولم يكن هذا شعورها في

الماضي ويبدوا أنه لأنها بات ثمة ذنب في عنقها ستبقى تخافه

دائما كلما تحدثا فما أروع عالمها الصغير ذاك حين كانت نقية لم

تكن تخشى شيئا وجل توقعاتها كان أن يكونوا سينتقلون لمنزل

جديد كالعادة أو أي أمر يخص دراستها ولم يكن ثمة ما تخاف

منه وكل ذلك تغير بعد تلك الليلة المرعبة وبعد أن حمل أحدهم

سرها معها وبات يذكرها ببشاعته كل حين فهل فعلها الآن

وأخبره ؟ هل قرر الانتقام منها بعد كل ما حدث وقالت ؟

نظرت لأصابعها المتشابكة ببعضها وتنفست بعمق مغمضة

عينيها فعليها أن لا تفكر في الأمر بتلك الطريقة وتتلف

أعصابها فكل ما عليها فعله حينها أن تعترف له بكل شيء

وتتحمل عقابه وكيفما كان لأنها ستكون تستحقه .

رفعت نظرها له بما يشبه الصدمة حتى خشيت أن يقرأ ما في

داخلها في عينيها حين قال

" تيما ما سيكون رأيك لو أخبرتك بأنه ثمة رجل أرغب

بأن تكوني زوجة له "

حاولت تجاوز صدمتها سريعا فيفترض بأنها كانت تتوقع هذا

وتعلم عنه ، وفكرت لوهلة وبطريقة مضحكة بأن يكون والدها

يمزح معها لكن لا كلماته الجادة ولا نظرته تقولان ذلك بل ولا

طباعه أيضا ، أبعدت شفتيها ببطء فسبقها قائلا وبذات جديته

" تيما عليك أن تعلمي أولا بأني لا أفكر في التخلص من

مسؤليتك أو أخشى أن تضيع الفرص منك فلن أجلس أعدد لك

كم من شخص تحدث معي بشأن زواجك وأغلبهم لم يروك يوما
وكان كل واحد منهم يقول ومن قبل أن أعلق على الأمر بأنه

على استعداد لانتظارك لعلمه بسنك لكن هذا الشاب مختلف

عنهم جميعا وإن كان ليا ابنتان لتمنيته لكل واحدة منهما "

نظرت ليديها في حجرها قبل ترفع نظرها له وقالت بصوت

منخفض

" تعني بأنك من طلب منه هذا أبي ؟ "

عقد حاجبيه قائلا

" لا يا تيما هل تري نفسك رخيصة لدى والدك هكذا ؟ "

عادت للنظر لأصابعها التي احمرت مفصلها من شدها لها

وتنفست بارتياح فهو على الأقل لم يفعل ما كانت تخشاه

وما كان يتبجح به ذاك المدعو قاسم سابقا بأن والدها يبحث

لها عن زوج ، لم تستطع رفع نظرها له ولا أن تجد أي كلمات

لتقولها فما أشده من موقف ما هي فيه الآن وتشعر بأنها تكاد

تنفجر باكية من الإحراج وكم تمنت وجود والدتها بينهم الآن

وأكثر من أي وقت مضى لكانت هي من استلم هذه المهمة

عنه وما كان كلاهما مضطرا لقول ما لديه للآخر ، وصلها

صوته مجددا حين طال صمتها

" تيما أنا لست مقتنعا بأنه ثمة سن محدد على المرأة أن تجتازه

لتتزوج فكم من راشدات بعقول أطفال دمرن منازلهن وعائلاتهن

وكم من فتيات صغيرات استطعن تكوين عائلة وحياة ناجحة

سعيدة وأنا لن اجبرك على شخص لا تريدينه أما إن كان الخيار

لي فلا أريدك لغيره "

استطاعت أخيرا وبشق الأنفس أن ترفع نظرها به وهمست

بصوت بالكاد هي سمعته

" هل هو من هنا ؟ "

نظر لها بصمت فظنت بأنه يحاول ترجمة سؤالها فقالت موضحة

" أعني من الحالك ؟ "

تنفس بعمق وقال

" تلك المسميات لا تعنيني يا تيما وعلى كل حال هو من الجنوب

وباقي التفاصيل ليست مهمة الآن فما أريده هو رأيك ثم ستعرفين

كل شيء عنه وعن عائلته وتتعرفي بهم أيضا "

أرخت نظرها للأرض ولا تعلم لما شعرت حينها برغبة في

البكاء ... البكاء ودون توقف فما أسخفها من فتاة حين فكرت

بأنه قد يكون هو من عناه بحديثه وأن يكون فكر في خطبتها ...

ساذجة كيف فكرت في أن يفعلها وهو يراها بكل تلك السلبية

بل ومشوهة من الداخل ، ما كان عليها أن تفكر في تلك الأفكار

السخيفة فهو لن يفكر في الارتباط بها وسيرفضها وإن عرضها

عليه والده عرضا ، شدت قبضتيها أكثر وقالت ولازالت تنظر

للأرض

" ما تريده أنا موافقة عليه

"" حتى إن مانع الجميع ذلك يا تيما ؟ "

رفعت نظرها له ولم تستطع مقاومة تلك الدموع التي سبحت في

مقلتيها الواسعة وقالت برجاء حزين

" أتمنى حقا أن لا يسبب ذلك مشاكل بينك وبين جدي ووالدتي

ولا أريد مخالفتك أبي فأنا متأكدة من أنك لن تختار لي إلا ما فيه

مصلحتي "

مد يده بطول ذراعه ومسح بأطراف أصابعه الدمعة التي فكرت

في التمرد على رموشها السوداء الكثيفة وقال

" جدك سيغير رأيه بالأمر فلا تقلقي بشأنه فأنا من سيقنعه "

وتابع وهو يبعد يده عن وجهها

" أما والدتك فهي من سترفض وبشدة ولست اجزم بأنه ثمة

ما قد يجعلها تغير رأيها لكن لومها لن يقع عليك يا تيما "

همست تجاهد العبرة المسجونة وسط أضلعها

" ستلومك أنت أبي وذاك لديا أسوأ من لومها لي "

اتكأ بمرفقيه على ركبتيه وأشاح بوجهه جانبا وقال

" لن يغير ذلك في وضعنا شيئا يا تيما فهي غاضبة مني

في جميع الأحوال ونظرتها لي سوداوية دون عناء فلا مشكلة

إن أضفنا سطرا أسود جديد في ملفي لديها "

تقدمت في جلستها حتى نزلت من السرير للأرض أمامه على

ركبتيها وأمسكت يديه وقالت برجاء حزين تنظر له بعينان

دامعة

" أبي أنت وعدتني بأن كل شيء سيتغير وستكون هنا معنا وأنا

أثق في وعودك ؟ "

سحب يديه منها وأمسك وجهها وقال بجدية ناظرا لعينيها

" وأنا عند وعدي يا تيما ولن يمنعني عن ذلك إلا موتي "

تنهدت بعمق وما أن كانت ستتحدث سبقها قائلا ومبعدا يديه

عن وجهها

" لن أعتبر جوابك الموافقة يا تيما ففكري في الأمر بروية

وقرري ما تريدين أنتي لا أنا ولا جدك ولا والدتك ولا أي أحد

ورفضك لن يغير في علاقتنا شيئا صغيرتي تأكدي من ذلك ،

لكن أمر واحد عليك معرفته بأن حجة أنك لست مستعدة

للزواج وبأنه ليس بعد لن أقبلها ، يمكنك رفض ذاك الشاب

وأن لا يكون الاختيار لي لا مشكلة لكن غير ذلك فلا "

بلعت ريقها وكلماتها معه وهربت بنظرها من عينيه فها

هو يحاصرها لتفهم بأن رأي جدها أو والدتها لن يؤثر في

قراره أبدا ، أم أنه ثمة ما يجعله مصرا على تزويجها وتجهله ؟

رفعت نظرها له وقالت

" وماذا إن لم تنجح حياتي معه أو مع غيره ؟ ماذا إن لم أستطع

المضي في الأمر فيما بعد أبي ؟ "

ابتسم وكما توقع فعقلها الناضج سيفكر في الأمور المهمة فقط

لا في التوافه كمن في مثل سنها ، قال بهدوء ناظرا لحدقتيها

الزرقاء الجميلة

" سيكون ما تريدين حينها ولن تضامي مع رجل وأنا على قيد

الحياة يا تيما "

وقف بعدها وقال ناظرا لعينيها التي ارتفعت معه

" فكري في الأمر وبلغيني قرارك ولن أحدد وقتا لذلك لكن

لا تدعي الرجل ينتظر كثيرا "

أخفضت رأسها مومئة بالإيجاب فتحرك من هناك وما أن فتح

الباب أدر نصف وجهه ناحيتها وقال

" ولا أريد لأحد ... أي أحد أن يعلم عن هذا حتى تبلغيني رأيك

يا تيما فعديني بذلك "

غرست أسنانها في طرف شفتها ولم تستطع منع الدمعة التي

انزلقت من عينها فهي إن وعدته لن تستطيع أن تخلف لكن ثمة

من عليه أن يعلم لا يمكنها أن لا تخبره بالأمر ، همست ببحة

ورجاء

" ثمة شخص واحد أبي أقسم لن أخبر غيره ولن يخبر أحدا "

لم يخفى عنها انعقاد حاجبيه المستقيمان باستغراب وإن كان

ما يقابلها نصف وجهه فقط وقال من فوره

" ومن يكون هذا الشخص ؟ "

همست بخفوت

" ليس جدي ولا أمي وليس من عائلتنا مطلقا أقسم لك وأنا

أثق به كثيرا أبي "

اشتدت أصابعه على مقبض الباب وقال

" هل الكاسر تعنين ؟ "

رطبت شفتيها بطرف لسانها وهمست

" بل خالي رعد "

قال مغادرا

" لا بأس على أن لا يخبر زوجته فالنساء لا سر لديهن أبدا "

وغادر مغلقا الباب خلفه تاركا إياها في تلك الدوامة العميقة التي

رماها فيها ورحل ، نظرت ليديها اللتان تقبض أصابعهما بقوة

على قماش بنطلون بيجامتها الربيعية الخفيفة وتساقطت الدموع

من عينيها تباعا وليست تفهم لما تحديدا ؟ بلى من ألم قلبها

وشعور الخذلان فيه فهو يعلم بذلك بالتأكيد ووالدها أخبره فقد

كان معه البارحة بعدما غادر من هنا ولهذا قال عمها صقر

اليوم بأنه سينتقل لمنزله الجديد قبل المساء بل وخرج منذ

الصباح الباكر ولم يرجع ... أجل عليها أن تخبر رعد بذلك لا

سواه ليعلم بأن مخططه فشل في النهاية وللأسف وستدفع

وحدها ثمن ذلك إن وافقت على الزواج من ذاك الرجل أم لا .


ولم تكن تعلم بأن الحقائق الخفية غير ذلك وأن غرض من غادر

من عندها قبل لحظات أن يتأكد من أن مشاعرها نحو ذاك الرجل

تساوي ما يشعر به هو ناحيتها وبأنها ستختاره على كل شيء

.. على جرحها منه على تلك العقبة في ماضيهما القريب والأهم

على طاعتها لوالدها في اختياره وإن كان وضع ذاك الاختيار في

يدها ، فسيصبح الآن رفضها موافقة كما ستكون موافقتها

رفضا لذاك الرجل .


*
*
*


فتح باب الغرفة ودخل مغلقا إياه خلفه وأخرج هاتفه ومفاتيحه

ورماهم على طاولة التزيين وتوجه للسرير الواسع قربه وانهار

جالسا على طرفه قبل أن يرمي بظهره عليه للخلف ونظر للسقف

متنهدا بتعب يشعر به خرج من كل عصب في جسده ، رفع يده

وأمسك عينيه بأصابعه يغمضهما بقوة يشعر بتعب وإرهاف لن

يخرجه من جسده شيء وهمومه تتكالب عليه من كل جانب ...

البلاد .. تسلل بعض المتطرفين جهة حدود صنوان .. اليرموك

وما قد يقرره بشأنها وردع كل من قد يستغلها لتدمير الوطن

بأكمله ... إسحاق ومصيره .. زيزفون .. عائلة غيلوان والثأر

والحقد الذي لم يجد له تفسيرا حتى الآن ... حماية عمه وابنته

...... غسق .... غسق وغسق وغسق ألمه الذي فاق كل شيء

وجميع همومه مجتمعة .

ضغط على عينيه أكثر يتذكر تلك الدموع التي ختمت بها كل ما

حدث بينهما جالسة وسط ذاك السرير الواسع البارد .. دموع

صامتة ميتة قاتلة .. لا بكاء لا عبرات ولا عبارات غاضبة ولا

حتى حطمت له هذه الأضلع وأفرغت ما في داخلها فيهم

بقبضتيها ... كانت فقط دموعها ما اختارتها لقتله بها ومعاقبته

قبل نفسها جالسة على ذاك السرير وكأنها منفصلة عنه وعن كل

شيء حولها نظرها هائم في الفراغ لم تستجب لجميع محاولاته

للتحدث معها .. للمساته لوجهها وشعرها لقبلاته وهمساته
معتذرا ... حتى ثيابها هو من ألبسها إياها يغلق أزرار ذاك

القميص على جسدها ترجفت أصابعه رغما عنه وتلك الدموع

تتساقط فوقهم ليقرر لحظتها دفنها في حضنه لعلها تفعل أي

شيء وإن الصراخ وكيل الشتائم والسباب له كالعادة إلا أنها لم

تفعل ذلك ولم ترحمه ولا بها .. فقط انسحبت من بين ذراعيه

ببطء آخذة كل شيء معها .. عيناه قلبه مشاعر وكل ما ربطه

بذاك المكان ، وما أن وقف وحاول إيقافها رمت يده عن ذراعها

العاري صارخة في أول خروج من صمتها والأخير ناظرة لعينيه

بعينان دامعة حاقدة

" ابتعد يا مطر ... انتهى ... يكفي لقد علمتني أن أكرهك وبجميع

الطرق الممكنة "

وغادرت .. فقط غادرت منتصرة في أوج ما يُعرف بالهزيمة

لتعلمه أن الابتعاد أصعب والاقترب أصعب وأن اجتماعهما بات

الأصعب والأصعب .

قفز جالسا حين علا هاتفه بنغمة رنين يعلم جيدا لمن تكون ومد

يده وسحب الهاتف بسرعة وفتح الخط ووضعه على أذنه فورا

قائلا

" غسق "

ليصله ذاك الصوت الهامس الذي دمر لهفته

" كن عادلا معي يا ابن شاهين لمرة واحدة في حياتك وطلقني "

مرر أصابعه في شعره وقال بضيق

" غسق توقفي عن قول الحماقات "

وصله صوتها سريعا وبضيق مماثل

" حررني منك يا مطر أنا لا أريدك "

حرك رأسه برفض قائلا بحدة

" كاذبة وما حدث صباحا أكبر دليل "

صرخت فيه من فورها

" توقف عن تذكيري بذاك الخزي والمهانة يا مطر فها قد أشبعت

رغاباتك وأرضيت غرورك الذكوري المقيت وانتقمت لنفسك مني

ومنه وانتهت اللعبة فحررني منك "

أشار لأضلعه بأصابعه قائلا بحزم

" غسق أنتي لي ولن أفرط فيك ولا من أجل أي شيء أتفهين
هذا ؟ "

ولم يتأخر صوتها الصارخ بوجع يصيب قلبه مباشرة

" لا أفهم هذا ولا أي شيء سوى بأنك بلا قلب وبلا مشاعر ...

انعدمت منك الانسانية فلم يعد يكفيك أن تقتل غيرك من الداخل

بل تحرق وتدمر كل شيء "

واختلط صوتها بعبرتها وهي تتابع جلده ودون رحمة

" مجرم ولست سوى قشور للرجل العادل الشريف النزيه ...

أنت أكثر رجل مخادع عرفته في حياتي ولن أعرف مثلك أ ... "

دفن عينيبه في كفه متكئ بمرفقيه على ركبتيه والأخرى لازال

يتبث بها الهاتف على أذنه يستمع في صمت لشتائمها المتتالية

تقول وتكرر وتعيد وكل عبارة تنطقها بوجع وبكاء مرير وكأنها

لم تقلها سابقا وليست تعلم بأنها لا تفعل شيئا أكثر من تدميره

من الداخل ... من مضاعفة عذابه ليس بسبب ما كانت تقوله

من بين عبراتها الباكية تلك بل بسبب ما فعله هو بها ومنذ

أعوام وها هو يرى نتائجه الآن ويخسرها تدريجيا وهي من

حذرته البارحة من فعلها ومن قتل ما بقي له في داخلها تحت

كل ذاك الركام فهو وكما قال عمير تماما يحميها من الجميع

عداه .. يمنعهم جميعهم من أذيتها بأن يؤذيها هو وبقسوة ..

يبكيها وبوجع ومرارة لكي لا تبكي أمامه بسبب غيره ..

يقتلها كي لا تموت أمام عينيه بسببهم ويفقدها للأبد ، بل

ويخسرها كي لا يخسرها رغم أنه الخاسر الوحيد في النهاية .

شعر بأضلعه انقبضت على قلبه وبقوة حين همست باكية

" أتعلم ما الذي لم تفعله بغسق بعد ؟ أن تجعلها ترى إحداهن

في حضنك ووسط سريرك وهذا ما لن تتأخر في فعله بالتأكيد

وسأخبرك من الآن بأني لن أهتم "

مرر أصابع يده خلال لحيته وصولا لقفا عنقه وهمس بخفوت

حزين

" أحبك يا غسق "

لتزيد تلك العبرات في ذاك الصوت الصارخ فيه فورا

" كاذب .... توقف عن الكذب وعن قول تلك الكلمة فأنت لا

تعرفها ولا تفهمها ... لا تعرف معنى أن تتمسك بها وتعيش مقيدا

بها رغم جراحك ... توقف عن قولها ولا تدنسها بأكاذيبك واتركها

لمن يقدرون نطقها والشعور بها "

ولم يكن ذاك آخر ما قتلته به بل واصلت ذبحه ودون رحمة

" أكرهك يا مطر ... أكرهك ولن أغفر لك ما فعلت بي ما حييت

وآخرهم تدنيسك للمكان الذي يحضن ذكرى عائلتي بأفعالك

القاتلة "

نظر للهاتف في يده بعدما فصلت الخط قبل أن يرميه على الجدار

المقابل له بقوة محولا إياه لأشلاء ووقف ضاربا كل ما كان على

تلك الطاولة واستند بيديه عليها يتنفس بقوة قبل أن يرفع رأسه

ونظره للمرآة ولصورته فيها .. لذاك الاحمرار الذي شاب جفنيه

قبل أن يسدلهما على عينيه ببطء وصورة واحدة مرت أمامهما

لعيناها الدامعة وهي في حضنه وفي أوج ما كانا فيه من عاطفة

وحميمية وقد همست ببحة وحزن ناظرة لعينيه

" لن تقتلني مجددا يا مطر ... أقسم لي بأن عذابي انتهى "

بل كانت هي من تقتله ... تذبحه .. تنهيه وليست تعلم ما فعلت به

وقتها فبما سيخبرها ؟ كيف يقسم لها بما هو متأكد من أنه يخبئ

لها منه المزيد ، فلم يستطع حينها سوى إخفاء ذاك الألم في

عينيه بدفن وجهه في شعرها وفي نعومة بشرة عنقها مكتف

فقط بتلك اللحظات التي هو موقن من أنه سيدمرها فيما بعد .

فتح عينيه ونظر لصورة تلك الأحداق السوداء السابحة في الألم

وبريق دمعة لم يعرفها فيها سابقا وهمس من بين أسنانه

" لن تفعليها وتكرهيني يا غسق لن يحدث ذلك .. لن يحدث

أبدا "


*
*
*



فتح باب الغرفة بعد طرقتين متتاليتين ووقع نظره فورا على

الجالسة فوق سريرها تحضن ركبتيها ونظرها على النافذة

المظلمة ، ما طمأنه أن مربيتها أخبرته حين اتصل بالمنزل

وطلبها خصيصا بأنها نامت لأكثر من ساعتين ثم استفاقت بسبب

كابوس كالمرتين الماضيتين لكنها سرعان ما هدأت وقد رفضت

أدويتها مجددا وكأن عقلها وجسدها قررا أخيرا التمرد على كل

تلك الأقراص والأدوية التي تأكل صحتها أكثر مما تفيدها ، لكنها

لازالت تهمل نفسها وجسدها وطعامها وتقتل نفسها بالبطيء

ودون رحمة ، أغمض عينيه وتنهد بعمق فهو كان أضعف وأسوأ

ثلاثتهم فبينما اجتازت هي حالتها تلك ومارس جده يومه المعتاد

في أعماله وشركته هام هو في الشوارع بسيارته كالتائه ومن لا

مكان له يلجئ إليه وانتهى به الأمر واقفا بها عند ذاك الشاطئ

الذي زاراه البارحة بل ولم يشعر بنفسه إلا نائما على ساعديه

الملتفان حول المقود ليس يعلم كيف ولا متى نام .. نام نوما لم

يفصله عن الواقع أبدا ولم يتوقف عن الهذيان بها فيه يراها

تبكي وتركض وتقع وتصرخ مستنجدة به فلم يزده ذلك سوى

عذاب وضياع وألم ، حتى ذاك الرقم الذي اتصلت به وحصل

عليه لم يستفد منه في شيء لأنه وجد بأنه تم إلغائه نهائيا وكل

ما علمه بأنه لشخص في بلادهم هناك والمكالمة كانت خارجية

ومدتها خمس دقائق فقط ولن يستطيع سؤالها ولا المحاولة أبدا

.. عليه فقط أن يموت ويحترق في صمت حتى بات يتعايش مع

ذاك الشعور الكريه المفروض عليه لوحده .


اقترب منها بخطوات بطيئة حتى جلس على طرف نهاية السرير

واتكأ على ركبتيه بمرفقيه ينظر للأرض في صمت طال بينهما

وطال وطال ولم يستطع ولا فهم ما يجري وما يفعل ! هل ثمة ما

يريد قوله وعاجز عن فعل ذلك ؟ هل يريد أن يكون بقربها فقط

ويكفي ؟ أم ينتظر أن تحدث معجزة وتتحدث من نفسها دون أن

يسألها ؟ وذاك ما عليه أن ييأس من أن يكون حقيقيا .

" أنا لست مجنونة يا وقاص ؟ "

رفع رأسه ونظر لها ما أن وصلته كلماتها الهادئة تلك لازالت

تنظر للظلام الساكن في الخارج وأوراق شجرة الكاسيا تداعب

نافذتها وكأنها تسترق السمع خلسة بل هو من لو لم يكن متأكدا

من أنها كانت هنا في غرفتها لشك بأنها استمعت لحديثه وجده

في المكتب نهارا فهل يمكنها قرائة أفكارهم وردود أفعالهم بكل

ذكاء هكذا ! أجل كان عليه أن يتوقع ذلك فهي تنتظر منهم الأسوء

دائما وتترجم جميع أفكارهم وتصرفاتهم بسلبية ، هي تعلم مثله

أن ذاك حقيقي وما لايعلمه جده هو اتصالها بأحدهم أي ثمة واقع

في الحكاية رغم تعقدها ، قال بهدوء ولازال محدقا بوجهها الشبه

المقابل له

" أعلم يا زيزفون وسأشك بقدراتي العقلية قبل أن أشك بك "

نقلت حدقاتها لعينيه تنحره بتلك النظرة المحطمة فيهما قبل أن

تهمس بحزن

" هو فعلا يموت وقاص ... إنه يتألم "

وأشارت لنفسها متابعة بأسى حزين

" يمكنني أن أشعر به وأتألم وأتألم وكل ما سيقولونه بأنه بخير ..

هم يكذبون ، هكذا سيكذبون عليا دائما لكني أعلم بأنه يتألم وبأني

سأخسره "

شد قبضتيه بقوة حتى شعر بالألم في أصابعه وهمس بضياع

حدقتاه تنتقل بين تلك الاحداق الزرقاء الدامعة

" من هو يا زيزفون ؟ قسما أن أساعدك وأساعده فقط أخبريني "

نظرت للنافذة مجددا وقالت بسخرية ومرارة

" لن تستطيع فهم لم يستطيعوا فعل ذلك ، جميعهم وبكل سلطتهم

تلك لم يستطيعوا ، عليا أن أشيع شخصا آخر أتعذب معه حتى

يلفض أنفاسه الأخيرة وببطء أنا أعلم أن ذاك هو قدري حتى

أموت ... أموت بعد أن أراهم جميعا يموتون "

حاول أن يرخي قبضتيه ويكتفي بألم قلبه الذي لن يخففه أي شيء

وهمس بصعوبة

" تحبينه يا زيزفون ؟ "

رفعت نظراتها للسماء المظلمة وقالت ودموعها تملأ عينيها ببطء

" أحبه ...!! فقط أحبه ؟ أرواحنا مشتركة يا وقاص "

ونقلت نظرها له وحركت رأسها نفيا متابعة

" أحبه فقط ... ؟ كيف وأنا لم أراه من ثمانية أعوام وتركته

يتعذب أكثر مني ... تعذبت من اشتياقي له حتى أني حرمت من

رؤيته في النوم الذي حولته تلك الأدوية لصفحة سوداء قاتلة "


نظر لعينيها بانكسار وتمنى فقط أن يعلم من يكون هذا فلعل قلبه

يتوقف عن الاحتراق هكذا وهي تتحدث عنه أمامه بتلك الطريقة

بل وحررت حزنها المدفون ودموعها من أجله ! كانت في

العاشرة فلن يكون رجلا تحبه يا وقاص لن يكون لكن ....

من سيكون إذا من هو ولا أحد لها غيرهم هم عائلة والدها !

ومن هؤلاء الذين يملكون السلطة ولا يساعدونه ؟ إن لم يكن

مطر شاهين فمن سيكون ولما سينكر إن كان هو !

عاند الأحرف والكلمات لتجتاز حنجرته وخرج صوته من بين

شفتيه بخفوت

" أخبريني من يكون وسأساعده من أجلك زيزفون أقسم لك "

حركت رأسها نفيا ونظرت جهة النافذة المغلقة مجددا وهمست

بجمود سرعان ما عادت ملامحها للتمسك به

" لا فائدة من هذا يا وقاص ... لم يستطع أحد حمايته ولا أنا رغم

كل ما فعلته من أجله .. هو قدره ... قدره وقدري وانتهى "

وقف وجلس قريبا منها وأمسك يدها بقوة يحضن أصابعها

الرقيقة الباردة بين أصابعه وكفيه وقال ناظرا لعينيها التي لازالت

تهيم في الفراغ بشرود

" أليس يتألم ولم يمت بعد ؟ حاولي التحدث معه إذا وسأساعدك
في ذلك فعلى تعذيبك لنفسك أن يتوقف يا زيزفون ... ساعديني

لأساعدك "
أرخت جفنيها الواسعان للأسفل قبل أن تقول بذات جمودها

" لن يسمح بذلك .. هو يتحكم بك ومهما فعلت ... هو يتحكم بك

ويمكنه تسييرك كيف يشاء "

علم فورا عمن تتحدث ومن قصدت لذلك قال مباشرة وبإصرار

" مخطئة يا زيزفون فوقاص لا يمنعه جده ولا أيا كان عن فعل

ما يريد ومتقنع به "

رفعت نظرها له وقالت بذات جمودها

" ليس فيما يخصني .. ليس فيما يجعل ابنة إسحاق ترتاح ، هو

لا يحبني لا أنا ولا والدي ولا جدتي وسيبعدني عن طريقك

وسترى ذلك بعينيك "

شد على يدها أكثر وقال بإصرار محدقا في عينيها

" زيزفون حاولي أن تنظري له بشكل مختلف وإن لمرة واحدة

فهو كان متأكدا من أنه لن يولد له غير ضرار والدي ، كان رد

فعله متوقعا حينها "

سحبت يدها منه قائلة بحدة

" وفيما بعد يا وقاص ؟ ماذا عن السنين التي مضت بعدها ألم

يستطع أن يهدأ ويفكر بروية ؟ وماذا عن معرفته بأن ذاك جائز

بعد ولادة شقيقك من والدك مع اختلاف الأم ؟ لما لم يحاول

إصلاح أخطائه ؟ "


قال بهدوء يعاكس انفعالها " فعل يا زيزفون حاول أخذ..... "

صرخت مقاطعة له وراميه بيدها جانبا وقد تحركت معها خصلات

ذاك الشعر الطويل

" اصمت يا وقاص ... توقف عن الدفاع عنه بهذه الطريقة

المضحكة يا نائب المدعي العام والمحامي الناجح فما حاول جدك

فعله لم يتعدى أن يقتل به جدتي أكثر وهو يحاول أخذ حفيدتها

منها ... فقط هذا ما استطاع فعله للمرأة التي أحبته وتزوجته

رغم كل الظروف ورغم الصعاب وكل ما فعله أنه تركها وتخلى

عنها وترك ابنها للمجهول بلا نسب وبلا هوية وترك لها قلبا

ينزف ألما حتى ماتت ، ماذا فعل لها غير أنه قتلها من جديد وهو

من لم يكلف نفسه ولا عناء أن يعتذر منها .. أن يظهر لها ندمه

على كل ما قاسته بسببه ، من يعلم عما عانته بسبب جرحه لها

وبسبب طعنته لقلبها قبل كل ما فعله عداه ، بل وكل ما قاسته

ذريتها منه كان بسببه .. غادر البلاد وترك كل شيء لا يعنيه

وراء ظهره .. تركنا نموت تباعا وبأبشع الطرق وسيفعل ذلك

معي حتى أنتهي أيضا مثلما فعل بهم جميعهم ... ثلاثتهم تركهم

للموت ولن يسمح لك بمساعدتي فسيبعدك وسترى "


قال بجدبة ناظرا لعينيها الغاضبة المليئة بالألم

" وإن أقسمت لك لن يحدث يا زيزفون ؟ "

قالت بسخرية

" عليه هو من يقسم وليس أنت "

وتابعت وتلك اللهجة الساخرة تنزف حقدا

" أتعلم ما عليك أن تخبره ؟ بل لا ... لا تخبره أنا من

سيفعلها وقريبا جدا وسأدمره كما فعل بنا "


تركت أصابعه يدها ببطء نظراته لم تفارق عيناها ونظرة الكره

المخيفة فيهما وهمس

" إن اخترت تدميره بي فافعليها يا زيزفون أنا لن أمانع

ولن أمنعك فهدفك قارب على أن يكون بين يديك "

حدقت في عينيه بصمت نظرة صعب عليه تفسيرها ... لا بل

استطاع قراءة كل شيء لم يفهمه فيها إلا أن تكون تفكر في فعل

ذلك به وليس يفهم حقيقة هي أم قلبه فقط من تمنى ذلك ؟ بادلها

نظرة صامته كان يعلم بأنها تقرأ ما فيها وتفهمه جيدا مثلما

فهمت كلماته الأخيرة فهي أذكى من أن لا تفهم ما بين الأسطر

فكيف بالكلمات الواضحة المباشرة ، راقب بسكون تبدل تلك

النظرة في عينيها قبل أن تبعدها عنه ونظرت للفراغ وتعالت

أنفاسها تدريجيا وكأنها بدأت تفقدها ببطء وقالت بخفوت

" أنا ميتة يا وقاص ... مت منذ رأيت جدتي تموت أمامي ..

بل وبعدها بزمن بعيد فابتعد عن طريقي "


شعر بقلبه يسحق داخله ودون رأفة ولا رحمة وتمنى لحظتها أنه

لم يعرفها .. لم تخرج لهم من الماضي ومن كل ذاك السواد لتلون

به عالمه وقبل الجميع ، بلع غصته مع ريقه بصعوبة ورفع

أصابعه لا شعوريا لوجهها وما أن لامست طرف وجنتها

وخصلات شعرها الناعم قبضهم بقوة ووقف وغادر في صمت ...

ليس الغرفة بل وذاك القصر بأكمله ووقف خارجه مستندا على

أحد جدرانه بظهره بقوة محدقا في الفراغ بضياع ... ماذا يحدث

له ...! ما هذا الذي تفعله يا وقاص ؟ أنت تخطئ باستمرار ودون

روادع ... أنت تفقد عقلك ما أن تكون بقربها بل وتفقد السيطرة

على كل شيء وليس مشاعرك فقط حتى أنك اعترفت لها بكل ما

في داخلك نحوها .

ضرب بيده بقوة أوراق الغصن المتراقصة أمامه وهمس بوجع

" أريدك وإن كنت ميتة يا زيزفون .. فقط ليتوقفوا عن الوقوف

بيننا وضدنا " .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 14-02-18, 09:45 PM   المشاركة رقم: 885
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




" أجل ... أجل قاااااادمة "

ركضت الصارخة بتلك العبارة جهة الباب الذي لم يتوقف رنينه

ولا لأخذ فترة راحة مالئا المنزل بضجيجه المرتفع وما أن فتحت

الباب تلقت يداها شاهقة الجسد الذي تهاوى ناحية الأرض

لتَمسك صاحبته بالباب الذي فتحته باندفاع ، حاولت أن تسندها

لجسدها قائلة بفزع

" ماريه ما ...... ؟ ماذا أ .... ؟ "

وصرخت منادية حين خانتها الكلمات لتصوغ أي جملة

" أميييي تعالي بسرعة أرجوووك "

وحضنت التي كانت ستنزلق من بين ذراعيها لحظة أن اقتربت

منهما راكضة من لم تجد وقتا ولا لمسح يديها من الماء تمسحهما

في مريلة المطبخ التي تضعها فوق ثيابهت ووصلت عندهما

وساعدتها في إسنادها وساعداها لتسير جهة ممر غرفتها

متمتمة بحزن

" يا إلهي ماذا حدث أيضا لهذه الفتاة ؟ "

أوصلتاها الغرفة فارتمت فورا على السرير وتناثر ذاك الشعر

البني حول وجهها بسبب ارتدادها القوي وأغمضت عينيها برفق

وسرعان ما عادت وفتحتهما جزئيا والدمعة الحارة تنزلق منهما

ببطء وانحنت على نفسها جانبا فتحركت التي عادت لمسح يديها

قائلة وهي تغادر من هناك

" سأجلب لها شيئا تشربه فساعديها لتستلقي جيدا ساندي "

وخرجت مسرعة فجلست ساندرين على الأرض أمام النائمة على

السرير بجانبها ووجهها مقابل لها ومسحت على شعرها تنظر

لملامحها المتعبة فوق الكدمتان فيه والخدش في جبينها قائلة

بحزن

" ماريه ماذا حدث ؟ هل أحضرك هنا بعد كل ما فعله ليأخذك

من هناك ؟ "

تحركت تلك الشفاه الجافة ببطء وخرج منهما ذاك الهمس الخافت

الكسير والدمعة الجديدة تنساب على ذاك الاحمرار الطفيف ببطء

" بل جئت وحدي وعلى قدماي "

شهقت ممسكة فمها قبل أن تمسح على وجهها وشعرها قائلة

بصدمة

" من هناك إلى هنا وعلى قدميك وأنتي في هذه الحالة ماريه !

هل جننتِ ؟ "

غطت وجهها بساعديها تضم يديها فوق رأسها وهمست ببكاء

موجع

" أردت أن أشعر بألم أقسى من ذاك ... أن يفوق أي ألم آخر

على ما كنت أشعر به في صدري "

ملأت دمعة الجالسة أمامها عينيها رغما عنها ومسحت على

ذراعها هامسة بأسى

" ليته يحترق فقط ... كم أتمنى من الله أن يحرق قلبه "


وقفت بعدها ومسحت عيناها بظهر كفها وتوجهت لقدماها اللتان

ما تزالان على الأرض نزعت حذائها ورفعتهما على السرير

ليخرج ذاك الأنين المتألم من النائمة فوقه فأبعدت يديها قائلة

" آسفة ماريه هل آلمتك ؟ "

ليخرج لها ذاك الصوت الخافت المؤلم الباكي

" يؤلمني .. يؤلمني كثيرا "

توجهت نحوها ومسحت على شعرها هامسة بحزن

" هل نتصل بالطبيب ؟ ما الذي يؤلمك ماريه ؟ "

تكسر صوتها بسبب بكائها الخافت تشد أصابعها على شعرها

هامسة

" قلبي يؤلمني .... إنه يموت ساندي يموت "


عادت دموعها للتمرد على مقلتيها الزرقاء الغامقة وشدت اللحاف

بقبضتيها بقوة حتى كادت تمزقه بينها تخفي انفعالها فيه

وسحبته على جسدها برفق ولم تستطع قول شيء كي لا يظهر

ذلك في صوتها لأنها تريدها قوية رغم كل شيء وأن تشعر بأن

من حولها أقوياء فتستمد ذلك منهم لا أن يشفقوا عليها ، ولم

تكن تعلم بأن ما مرت به فاق حدود الشفقة حتى على الذات

فلم تتخيل يوما أن تتمنى أنها لم تراه مجددا وهي من انتظرته

بالساعات والدقائق لسنين طوال ... أن تحن لحياتها البائسة مع

عمها قيس ونظرات الاتهام ممن حولها والعيش وحيدة ومنبوذة

ومشوهة هناك على العيش بقربه هنا فعلى الأقل كانت تعيش على

أمل رؤيته وعودته وأن ينتشلها من كل ذلك وينسيها كل ما

قاسته وعانته وحيدة ولم تكن لتقاسي منه أيضا لتكتشف بأنه

الدرب الأخير الذي سيغلق أمامها ، شدت يداها على رأسها أكثر

تدفن وجهه في ساعديها وذراعيها تكتم وجعها من ماذا تحديدا

لا تعلم ؟ من أين تبدأ مع نفسها وكيف تنتهي ؟ حتى قسوة

الشوارع والطرقات التي سلكتها متعثرة بالكاد تري طريقها

بسبب كل تلك الدموع لم ترحم جسدها الضعيف وترميه لدوامة

الموت ... لا شيء رأف بقلبها لا شيء رحمها أبدا .. بل وحتي

جفناها اللذان أرختهما حينها ببطء مغمضة عينيها المرهقتان

أظهرتا صورتهما أمامها فورا وذاك المشهد الحي يتحرك أمام

عينيها وكأنها تراه الآن ... لا صور لا صحافة ولا جرائد بل

واقع ينبض بالحياة يقتلها أكثر وينهيها أكثر وأكثر ويحذرها من

الكذب على نفسها موهمة إياها بأنها مجرد تمثيلية قصيرة الأمد

وخدعة وفصل قد يطوى من حياتها يوما ما وللأبد لأنها ستكون

هي تلك الصفحة البالية التي ستمزق وتحرق وتتحول لهباء .


فتحت جفنيها ببطء تهرب من كل ذلك .. تهرب من الألم للألم

ومن الخيالات والذكرى المؤلمة للواقع للوحدة وللمرارة فلا شيء

في واقعها يشعر بها أكثر من تلك اليد التي مسحت على شعرها

ببطء ووصلها صوت صاحبتها الحزين هامسا قرب أذنها

لتقبيلها لصدغها برفق

" حاولي أن تنامي ماريه وستكونين أفضل "

لتنزلق الدمعة الجديدة من عينيها ودون رحمة ولا رأفة بعذابها

المضاعف بسببها وهمست بوجع عبرتها السجينة تكاد تحطم

أضلعها

" كيف ولا أرهما أمامي ؟ هل لي أن أنام وعيناي مفتوحتان

ساندي فقد تعبت حقا "

زمت الواقفة فوقها شفتيها تمسك نفسها عن كل شيء وأولهم

الصراخ والدعاء على ذاك الكنعاني بأن يلحق بوالدته حبيبته

ويرتاح ويريح غيره منه فأبعد ما كانت تتوقعه بأن يكون أخذها

معه هناك لتراهما معا وليقتلها بأكثر ما كانت تخشاه وما

اعترفت أمامها سابقا بأنه الأمر الوحيد الذي سيدمرها نهائيا

ولن تستطيع ولا ادعاء الصمود إن حدث أمامها ، سحبت

هاتفها من فوق طاولة السرير بحركة عنيفة غاضبة لأنه تم

تسليمه لهم بعد الحادث وخرجت من الغرفة تخرج هاتفها هي

من جيب قميص بيجامتها وفتحت الرسائل فورا وأرسلت لرقمه

ودون تردد ولا تراجع ولا خوف

( إن كنت بلا قلب وجعلتها ترى عرضكما المسرحي السخيف

أمامها فكنت تمسكت بإنسانيتك قليلا وأوصلت جثتها هنا بدلا من

أن تتركها ترجع للمنزل سيرا على قدميها لساعات يا متعجرف يا

عديم الرحمة وأنت تعلم بأنه لا نقود لديها ولا هاتف ... لكن لا

بأس شكرا لك لأنك تشفيها منك )

وما أن تيقنت من أن الرسالة وصلته أغلقت هاتفها وهي تدخل

المطبخ وتوجهت للخزانة المعلقة في الجدار ووقفت على رؤوس

أصابعها ورمت الهاتف الآخر هناك فوقها وكما توقعت علا رنينه

فورا صداه يتردد في ذاك المكان الواسع فتجاهلته ملتفتة للتي

كانت تنظر لها باستغرب تمسك كوب حليب دافئ في يدها وقالت

بجمود

" لا داعي لهذا أمي فهي لا تحتاجه سأحقنها بمهدئ لتنام "

نظرت لها باستغراب قائلة

" تحقنيها بالمهدئ ؟ ألن يضرها "

زمت شفتيها وقالت بحنق

" لا ولن يكون أقسى عليها من تحمل وجع جسدها وقلبها "

نظرت للأعلى خلفها حين عاد الهاتف الموضوع فوق الخزانة

للرنين فور توقفه فتجاهلته مجددا ونظرت للتي قالت ونظرها

معلق به في الأعلى

" أليس هذا هاتف ماريه الجديد ؟ لما تضعينه في الأعلى ومن

هذا الذي يتصل ؟ "

توجهت جهة الصيدلية المنزلية المعلقة هناك وقالت وهي تفتحها

" لأنه عليه أن يبقى هكذا يرن ويرن وذاك يتصل ويتصل حتى

يحترق من غيظه ولن يهتم له أحد ولن يستطيع المجيء هنا طبعا

لينزل من قيمة نفسه المتعجرفة ويدخل منزل أعدائه مجددا "

أخرجت ما تحتاجه منها وضربت بابها الصغير بقوة متابعة بضيق

تنظر للواقفة مكانها هناك والكوب لازال في يدها

" وما ستفعله بسماع صوته مثلا ؟ ليسمعها سيلا من توبيخه

القاسي كقلبه لأنها لم تعتمد عليه حتى في دفنه مع جراحها "


وتابعت بغضب مغادرة من هناك

" أفضل ما فعلته ماريه ... قسما أنها تعجبني تلك الفتاة فلتتخلص

منه بوجع وببطء حتى يخرج من دمائها "

وخرجت من هناك بخطوات غاضبة وما أن اجتازت باب

المطبخ وقفت مكانها تنظر جهة الباب الذي دار قفله قبل أن

يفتح ودخل منه الذي نظر لها قائلا وهو يدس مفاتيحه في جيب

بنطلونه الخلفي

" مرحبا ساندي كيف هي ماريه الآن ؟ لم أستطع المجيء قبل

هذا الوقت فمحاضراتي انتهت قبل قليل وجئت من هناك إلى هنا

فورا "


تنهدت بضيق وقالت ببرود مغادرة من هناك

" والدتك في المطبخ سلم عليها ورافقتك السلامة فماريا نائمة

وليست بخير أبدا "

نظر لها باستغراب وهي تتوجه جهة ممر غرفته سابقا حتى

اختفت عن نظره وتوجه بعدها جهة المطبخ ودخل مبتسما للتي

ابتسمت ما أن رأته ، اقترب منها وقبل خدها ممسكا ذراعيها

وقال

" مرحبا أمي كيف أنتي ؟ "

تبدلت ابتسامتها للعبوس متمتمة

" لست بخير فثمة ابن لا يزوروني إلا نادرا وكأني لست

والدته "


قبل جبينها ورأسها وقال مبتسما

" مشغول مع دراستي فقط أمي أقسم لك وسأتخلص من همومها

قريبا وتشبعي من وجودي ، ثم نحن تقابلنا البارحة "

وتابع وقد سرق نظره لباب المطبخ قبل أن ينظر لها مجددا "

قابلت ساندرين وتبدوا نفسيتها سيئة جدا ؟ كما أنها لم تجبني

بشيء عن حا... "

وقطع كلامه ناظرا يمينا ولأعلى الخزانة ولصوت رنين الهاتف
الذي علا في صمت المكان وقال مستغربا

" من هذا الذي تشاجر مع هاتفه ! "


رفعت نظرها حيث ينظر وقالت بعبوس

" هذه شقيقتك قررت رمي هاتف ماريه في الأعلى ولمسه ممنوع

طبعا "


نقل نظره لها وقال مستغربا

" ولما ؟ ماذا حدث ويبدوا أني أجهله ؟ "

تنهدت بأسى تحرك رأسها متمتمة

" ماذا سأقول لك وماذا يا كين ؟ "

سحب لها كرسيا من الطاولة قربهما وأجلسها عليه وأدار كرسيا

آخر وجلس مقابلا لها وقال

" أخبريني بكل شيء فابنتك أدخلت لي دماغي في علبة كبريت "


*
*
*


فتحت باب المنزل ودخلت مغلقك إياه خلفها بهدوء وتوجهت فورا

جهة غرفة الطعام رامية بحقيبتها ومذكراتها على أقرب كرسي

ودخلت على حديث والدتها وزوجها وهو يقول

" ومن قال بأننا لن نأخذ رأيها ؟ أنا فقط قلت بأنه شاب لا

يعوض ولا يقارن بغيره وعلينا أن نجتهد في إقناعها "

قالت الجالسة بجانبه فورا

" وأنا كنت سأقول بأنها أعند من الصخر وستتحجج بدراستها

التي لن تنتهي بالتأكيد حسب طموحاتها "


اقتربت منهما وقبلت خد كل واحد منهما ودارت حول الطاولة

وجلست قائلة تنظر لأطباق الطعام

" يبدوا أنه ثمة رجل تذكر أخيرا بأنه يوجد واحدة أسمها

زهور ؟ "

تبادلا الجالسان أمامها نظرة صامتة قبل أن ينظرا لها وأن تقول

والدتها ببرود

" من يسمعك يصدق بأنك تفكرين في الأمر فعلا ولست لا تعلمين

أين يكون الرجال فى هذا الكوكب ! "

رفعت أكمام سترتها قائلة

" حسنا قد أكون غيرت رأيي فمن يكون هذا العريس الذي

ستكثفان الجهود لأوافق عليه ؟ "


قال المقابل لها مبتسما وكأنه ينتظر فقط أن تسأل

" شاب جيد بجميع المقاييس عمل كمحام لمجموعة شركات

النهضة الاستثمارية مؤخرا وأذهل الجميع "

رفعت المعكرونة بالشوكة وقالت قبل أن تأكلها

" لا تقل بأنه الجنوبي الذي لا تخلوا مكالماتك مع شركائك

من التحدث عنه ؟ "

قال بابتسامه واسعة

" بلى هو ... إنه أذكى وأفطن وأفضل محام مر علينا ولم أصدق

أذناي حين قال بأنه يريد خطبتك "

نظرت له الجالسة بجانبه وقالت

" أجل لم تخبرني من أين يعرفها ويعرف أنه لك ابنة ؟ "

حرك كتفيه قائلا

" لست أعلم ولم أستطع سؤاله عن أمر سخيف كهذا فقد يكون

رآها معى مرة مصادفة أو أنه سمع عنها فقط فسيكون جوابه

أحد الخيارين بالتأكيد خاصة وأنه يزور العاصمة لأيام محددة

فى الأسبوع فقط "

" حسنا أنا موافقة "

نظرا كليهما بدهشة وعدم تصديق للتي ضحكت على شكليهما

قائلة

" لما تنظران لي هكذا ؟ أليس هذا ما تريدانه ؟ "


قالت والدتها بعدم استيعاب

" موافقة هكذا دون حتى أن تريه ! "

حركت كتفها قائلة بلا مبالاة وهي تغرس شوكتها في صحن

السلطة قربها

" ولما سأراه ؟ أليس والدي يمدح خلقه وذكائه وووو ...

إذا لا مانع لدي "

قال بحماس الذي وضع الملعقة من يده وكأنها ستشوش عليه

ما سيقوله

" أجل وليس ثمة رجل لن يتمناه لابنته فلو أنك تري حديث

وأراء رؤساء المجموعة التجارية فيه لما استغربت هذا فلقد

أبهر الجميع بذكائه حين خلصهم من ورطة محتمة مع لجنة

مكافحة الفساد الجديدة التي زارتنا مؤخرا وكدنا ندخل السجن

دفعة واحدة بسبب خطأ قانوني صغير في معاملات شركة التأمين

العام الماضي "


نظرت له وقالت مبتسمة

" حسنا هذا يكفي إذا لأوافق بما أن رأيك فيه هكذا أما بالنسبة

لشكله فلن أحتاج أن أفكر فيه بما أنه من الجنوب فجميع من في

الكلية من هناك وسماء وكل واحد منهم ينافس الآخر تعرفهم ما

أن تراهم من بعيد ... أولئك الحوالك يسببون للبقية أزمة "

وختمت جملتها بضحكة صغيرة قبل أن تدير حدقتاها السوداء

للأعلى قائلة بحالمية

" وعلى رأسهم ذاك الأسطورة مطر شاهين .. يا قلبي لو فقط

يشبهه في كل شيء حتى في شخصيته "

ضحك المقابل لها بينما قالت الجالسة بجواره بضيق

" جُنت هذه الفتاة بالتأكيد ! لاحياء من والدك يا وقحة "

ضحك المعني بالنصف الأخر من العبارة وقال

" أنا لا بأس المهم أن لا تقول هذا أمامه مستقبلا فيدفنها

زوجها وسط مزارع الجنوب "

أبعدت خصلات شعرها القصير الناعم خلف أذنها قائلة بابتسامة

مائلة

" وهل سينكر هو أو غيره ما أقول؟ ثم ذاك الرجل لا يعرف في

أي أرض أكون وإن دعستني عجلات سيارته فلن يكلف نفسه

عناء الوقوف والنظر لي خلفه "

وتابعت بابتسامة لعوب

" ولا تخف على رجال الجنوب فألسنتهم أحد من السيوف على ما

يبدوا ويصيبونك في مقتل بكلمة واحدة ، وأقل ما سيقوله ذاك

الرجل ضعي نفسك بجانب زوجته وقارني لتخرسي وللأبد "

ضحك زوج والدتها مجددا ووقفت هي فقالت التي تبعتها بنظرها

" أنتي لم تأكلي شيئا "

قالت مغادرة

" أشعر بنعاس لم أعرفه حياتي وسأستحم وأنام قليلا لأستيقظ

وأصلي المغرب "

وتابعت مغادرة وعائدة لذات موضوعها السابق

" أخ لو أرى فقط تلك المرأة التي ترك حسناء صنوان من أجلها

وجل ما أخشاه ومتأكدة منه أنها بشعة لا تساوي نصفها "

واجتازت بهو المنزل وصعدت السلالم تغني تاركة كل ما تحدثوا

عنه ويعد مستقبلها خلف ظهرها فلما تهتم فالرجال سواء وهي

ستتزوج أحدهم يوما ما إن كان هو أو غيره لا يهم بما أنه يعجب

والدها الذي رباها فالأمر لا يحتاج للتفكير ولا داعي للتردد

فوالدتها لن ترحمها أبدا إن هي رفضت ولا سبب ترفض به أيضا .

رمت مذكراتها على سريرها ودخلت الحمام لازالت تغني بانبساط

فلن تترك أي شيء يعكر اليوم مزاجها وسعادتها بتنفيذ مخططها

أخيرا وقصة ذاك الغيلواني المتعجرف على كل لسان في الجامعة

بل ووضعت ملصقات لها على الأعمدة والجدران ليقرأها الجميع

وليجرب ما فعله بها فسيلتهي الجميع عنها به بعد الآن وليريها

كيف سيدخل ذاك المكان بعد المرة القادمة وكيف سيرفع عينيه

في عيني أصغر طالب فيها بل وكيف سيعرف من السبب وراء

ذلك ذاك المغرور الذكي شديد الغباء .

وضعت قدمها ببطء في الحوض المليء بالمياه وشعرت بذاك

الشعور الرائع بالاسترجاء ما أن غمر الماء جسدها بأكمله

وأغمضت عينيها مبتسمة فستتخلص أخيرا من رؤية كابوسها

الأسود الوحيد في الجامعة بعد الأسبوع القادم .


*
*
*





غرست أصابعها في غرتها ويدها الأخرى تمسك قلم حبر أسود

اللون تملأ دون توقف تلك الجداول المصفوفة حتى أنها إن

أغمضت عينيها لا ترى سوى تلك المربعات ... مربعات وخطوط

وأرقام ورأسها يكاد ينفجر فلم تتخيل يوما أن تعود للتدريس في

الجامعة بعدما غيرت جمعية الغسق حياتها بالكامل ووجدت فيها

المتنفس لهمومها وروحها التائهة وشغلت وقتها بها وبات

طموحها ككل من يعملن فيها مساعدة من يحتجن لعونهم بل ورأت

من هن أسوأ منها وتعلمت أن تنظر لنفسها بأنها أفضل حالا من

الكثيرات وأن نعم الله عليها لا تحصي ولا تعد وأن عليها أن تصبر

وتتعايش وتتعلم ممن كن أمامها نماذج حيه علمتها الكثير

والكثير ... وها هي فقدت أيضا ذاك المكان الذي عرفت فيه أفضل

صديقات لها وكان على ذلك أن يحدث ليس ضعفا منها ولا هروبا

بل من أجل غسق ... أجل من أجلها فقط فلن تستلم رآستها بعدها

مهما ألحت عليها في ذلك ، ثم تضامنا معها وكما اعتادت كل

حياتها في السراء والضراء معا وبعد خروجها من الجمعية لم يعد

يمكنها الاستمرار فيها رغم إصرارها عليها في أن تستلم رآستها

لكنهم لن يحتاجوها أيضا وسيتابعون من دونها ، لم تخبرها

السبب الحقيقي وراء خروجها منها بل أخبرتها فقط عن إصرار

والدتها وإلحاحها على أن تقبل ذاك المنصب وغضبها كلما فتح

الموضوع أمامها فجنبتها ونفسها كل تلك المشاكل وغادرت ذاك

المكان وللأبد ، فكان كل ما قالته لها حينها

( آخ جليلة لو أعلم فقط ما بنا تعيستان معا في كل شيء ولم

يختلفا قدرينا يوما )


فكان تعليقها الضاحك والفوري

( لا لسنا متشابهتان تماما فأنت زوجك رئيس البلاد الحالي وأنا

لم أحضى ولا بأقل منه ولو بقليل ولن نحسب رماح زوجا طبعا ) .
حركت رأسها مبتسمة تتذكر حديثهما الأخير ذاك وعادت لما كانت

تفعله فلم تجد وقتا له إلا الآن ومنزلهم اليوم انقلب رأسا على

عقب بسبب خبر الزائر الذي تناول العشاء مع والدها وكل ما قيل

أمامها بأنه مسؤول ورجل مهم في البلاد لم تهتم للسؤال عن

التفاصيل عنه وكانت متأكدة من أنها مجرد مزحة سخيفة أو

مقلب تلفزيوني سيوقعون والدها فيه ليضحك الناس عليه

رمضان القادم في التلفاز فمن هذا المسؤول الذي قد يزورهم

ولما ؟ إلا إن كان من المباحث أو الجنايات ولتتمنى وقتها فقط أن

يخطئها ولا تكون هي ضحيته ككل مصيبة تقع على هذا المنزل

وكما بات يراها الجميع بل وباتت هي تلك المصيبة التي يجزم

الجميع بأنهم لن يتخلصوا منها ، استغفرت الله بهمس وأبعدت

تلك الأفكار عن رأسها مجددا كي لا يتلاعب بها الشيطان أكثر

فعليها أن تنظر له كإهتمام من عائلة يفكرون فيها ويحبونها

ويتمنون لها الخير فهذه الأفكار والعقليات متجذرة لا أحد يمكنه

تغييرها ولا جعلهم يفكرون مثله ، ووالداها قبل الجميع يتأثران

بما يقال أمامهما فلن تلقي باللوم عليهما ، أما وثاب فذاك طبعه

منذ كان شابا سليط لسان حاد طباع ولن يتغير أما شقيقاها التوأم

من والدتها فمنذ أن كبرا واستقلا بحياتهما وابتعدا بسبب

أعمالهما أصبحا الحاضر الغائب عنهم وحتى عن مشاكلهم فعقدة

أن الشقيق من الأم أو الأب لا قرارات له يبدوا لن تغادر عقول

البشر أيضا ، أما شقيقاتها فلكل واحدة عائلة وأبناء وحياة بل

وحتى أحفاد لاثنين منهما ، وإن اجتمعوا لديهم كرهت الجلوس

معهن ليس لسبب سوي تلك المراعاة التي تحولت لشفقة مقيتة

في نظرها حتى أنهن يتجنبن الحديث أمامها عمن خُطبت أو

ستتزوج من معارفهم أو الأقارب ويُسكتن كل من تتطرق

للموضوع بالخطأ وكأن عمرها تجاوز الأربعين أو أنها تهتم

أساسا بتلك الأمور والمواضيع فلو أن الله كتب لها أن تتزوج

صغيرة لتزوجت منذ أن خطبها أكثر من شخص وهي ابنة

العشرين عاما لكن حكمته فوق كل شيء فهل سيكتب لنا السوء

مثلا ؟ هل يختار الحزن والقهر لعباده وهو أحن عليهم من

أمهاتهم اللاتي ولدنهم ؟ كانت مقتنعة كل حياتها بذلك وبأن ما

كتبه الله لها فيه الخير ومهما كرهت نفسها فلما لا يتركونها

وشأنها ..؟ ثم هي راضية ومقنعة بل قانعة بوضعها فلما يشغلون

أنفسم بها !


أغلقت المذكرة بعدما فقدت الأمل في أن تنجز باقي عملها فهي

متعبة فعلا بسبب كل الأعمال التي قامت بها هي ووالدتها

والخادمة الوحيدة تطهوان كل تلك الأطعمة وحمدت الله أن تعبها

لم يضع هباءً وضيفهم المنتظر وصل فعلا بل وليس وحده

فوالدها طلب من أشقائه وأزواج شقيقاته الحضور جميعهم

وليست تفهم لما وما يريده ذاك الرجل قادم لزيارتهم وتشعر بأنه

ثمة أمر مريب في الموضوع وأن والدتها تعمدت أن لا تقول كل

شيء أمامها أو أن والدها لم يخبرها هي أيضا أو هكذا هيء لها

فها قد غادر ضيفهم دون كوارث أو هكذا هيء لها فعلا فما أن

وقفت لتجمع أوراقها انفتخ باب غرفتها على اتساعه فنظرت

مصدومة لوالدتها التي توجهت نحوها مسرعة ابتسامتها تصل

لجانبي وجهها وعلى ملامحها فرحة لم تراها فيه منذ متى

لا تذكر وللأسف ! احتضنتها بقوة فور أن وصلت عندها وهي

لازالت على حالتها تلك جامدة مكانها من الصدمة وكل هذه

العاطفة المفاجئة التي نسيتها من وقت طويل ! وليتحول ذاك

التمثال الجامد لكتلة من الغضب حين قالت التي زادت من

احتضانها لها " مبارك لك يا جليلة لم أصدق أذناي حين أخبرني

والدك بأنه جاء لخطبتك .. تقبل الله دعائي أخيرا "

فما كان منها إلا أن أبعدتها عنها صارخة بصدمة

" يخطبني !! "

ضمت الواقفة أمامها يديها أمام شفتيها قائلة بسعادة

" أجل فطوال حياتك سعيدة حظ بل حظك أفضل من شقيقاتك فقد

تزوجك ابن شراع وهو ابن رئيس البلاد وحين تدنى حظك

وتطلقت منه ها قد ارتفع مجددا وأتاك من هو أفضل منه وما

توقعت أن يطرق بابك أحد ليطرقه هذا تحديدا "

زمت شفيها تمنع نفسها من كل شيء وأولهم التفوه بما قد يجرح

الواقفة أمامها ومن لم تعد تجد لها مبررات جديدة لتجريحها

المستمر لها وقالت بضيق

" أمي لست أفهم أي مسؤول في الدولة هذا الذي يعرفني وجاء

لخطبتي ! وأي عجوز أو متزوج من ثلاث نساء الذي كنتِ يئست

من أن يتقدم لي وخالف توقعاتك ؟ "

أمسكت بذراعيها وقالت بضحكة خفيفة

" عجوز !! بل هو لم يسبق له الزواج أبدا "

ظهر الانزعاج سريعا على ملامحها وما أن كانت ستتحدث

سبقتها قائلة بحماس

" ولن تصدقي من يكون إنه ر... "

تراجعت للخلف خطوة لتبتعد يديها عنها بأدب وقاطعتها بذات

ضيقها

" لا أريد أن أعلم ولا أن أصدق وأنا لست موافقة "

فصرخت فيها من فورها وبصدمة

" ماذا... ! ما هذا الجنون الذي أسمعه ؟ أثمة عاقلة ترفض

رجلا مثله ! فكيف إن كانت مط.... "

قاطعتها بأسى تغلق أذنيها بكفيها

" رجاءً يا أمي لا تذكريني بما أعلمه وحفظته جيدا ويجرحني

منك أكثر من غيرك .. مطلقة وكبيرة في السن والناس لا تتوقف

عن إلقاء اللوم عليا فيما حدث وأني بلا رحمة ولا ضمير وتخليت

عن زوجي لأنه أصبح مقعدا وعانس مع مرتبة الشرف ...

سعيدة بهذه الألقاب ولا أريد زوجا ولا أي رجل يدخل حياتي

وأيا كان "

صرخت فيها بحدة ملوحة بيدها في وجهها

" ولما لا تريدين أن يدخل رجل لحياتك ؟ لا تكوني رجلا

ولا نعلم ! "

أبعدت يديها بحركة عنيفة وقالت بذات ضيقها

" أكون ما سأكونه يا أمي فأنا لست موافقة إن كان الرأي لي

حقا وليس الأمر بالإكراه "

صرخت فيها بحدة

" أين عقلك لتقولين هذا يا جليلة ؟ قسما أني لن أستطيع

قولها لوالدك فمن هذه التي ترفض رئيس مخابرات البلاد

بل وأحد رجال مطر شاهين المقربين ! "

فغرت فاها المتناسق الجميل قبل أن تقول بصدمة

" من ...! رئيس ماذا ! "

عادت الابتسامة سريعا لشفتي التي قالت بحماس

" أجل رئيس جهاز مخابرات الدولة عمير مصطفى الخالدي ،

لا أحد في البلاد لا يعرفه ولا يعرف مركزه ومكانته ..

جاء بنفسه ولخطبتك تحديدا بل ومصر عليك وقال بأنه

على استعداد ل.... "


قاطعتها التي أفاقت من صدمتها أخيرا وقالت بضيق

" ويخطبني أنا ما يريده مني ؟ "

ضربت كفيها عند وسطها قائلة بسخرية

" يضعك تحفة ويتفرج عليك ، لأنه يريدك زوجته وأم أبنائه

طبعا يا ابنة والدتك "

مررت أصابعها في غرتها متأففة وقالت بحنق

" أمي أنا لست أفهم ما يريده بي ذاك الرجل مع كل تلك الألقاب

التي لم تتركيني أنساها يوما ؟ هل تنقصه شهرة وأضواء

ليبحث عن واحدة يتحدث عنه الناس في كل مكان ما أن يرتبط

بها ؟ قولي أمرا يصدقه العقل ! "

قالت الواقفة أمامها بضيق

" أنا التي لست أعرف واحدة يقولون لها بأنه رجل مثله خطبها

تقول هذا ! فهل والدك كان يتوهم أمورا ليست موجودة مثلا وهو

كان جالس بجانبه ويسمعه جيدا أم أن من كانوا معهم يتوهمون

أيضا ! "

أشاحت بوجهها عنها وأغمضت عينيها تخفي ماذا ليست تعلم

هل الألم أم الدمعة التي ترفض ولا أن تفكر في ذرفها أم الذكريات

المريرة لكل ما حدث معها لأعوام أم تلك الصور التي تتابعت

أمامها وكأن الماضي قرر هزيمتها نهاية الأمر وبكل بشاعة ؟

( جليلة أنا لست اطالبك بما ترفضينه .. أنا أحبك وكل ما

أراه في عينيك يشجعني على قول هذا )

( أتري هذا يا جليلة إنه ينبض لك ويعيش من أجلك ... أنت

مستقبلي )


( جليلة ... نصار سافر ... أنت وصيته لي حتى غادر مع

المسافرين يلتفت لي وعلى شفتيه اسمك فقط فانتظريه هذا

فقط ما يريده وأنا سأساعدكما من أجلك ومن أجل صديقي

قبلك فلن أسمح بأن تكوني لغيره )

غطت عيناها بكفها وانهارت باكية .. الأمر الذي أقسمت أن

لا تفعله من أجل ذاك ولا بسببه أبدا ما عاشت ... لكنها لا

تبكيه قسما ليست تبكي عليه بل على نفسها .. على سنوات

عمرها التي ضاعت في أوهام بل وحياة غيرها قبلها فما

ذنب رماح وحبيبته يدفعا ثمن فشلها هي وكذب ذاك الرجل ؟

انهارت جالسه على الكرسي ودفنت وجهها في كفيها ولم

تعد تسمع شيئا سوى عبراتها المتقطعة لا حديث والدتها

ولا ما تقوله وتعلمه جيدا وإن كانت لا تسمعه فأبعدت يديها

وقالت بانفعال باكي

" لا أريده ... لا أريد أمي لا هو ولا أي رجل .. لا أريد

أن أتزوج أساسا "

فصرخت فيها التي استوت واقفة من فورها

" أقنعي والدك وشقيقك بهذا بل والناس جميعهم وأنت

ترفضين رجلا مثله "


وتابعت مغادرة من هناك

" لم أعرف حياتي من ترفس النعيم مثلك ، سأتركك لوالدك

يتفاهم معك فأنت لا تنفع معك الطرق المتحضرة في إخبار

الفتيات وأخذ رأيهن "

وغادرت تاركة خلفها التي سقت دموعها وجنتيها صارخة

في الباب الذي صفقته بعدها

" أنتم لا تأخذون رأيي أمي بل تأمرونني ... لا بل تقتلوني

وكأني لست ابنتكم "

وتتالت شهقاتها وعبراتها هامسة لذاك الباب الأصم وكأنه لم

يعد غيره يشعر بها أو يفهمها

" لا أريد رجلا آخر .. لا أريد وعودا وتعلق وخيانة وخذلان ...

أقسم أني متعبة وأحتاج لقرون ليشفى قلبي وجراحي فلما لا

ترحموني لماذا ؟ "


وعادت للبكاء بحرقة ووجع تفرغ كل ذاك الكبت ولتنهار نهاية

الأمر وينهار صمودها وكل تلك القوة التي تمسكت بها لأعوام فما

يريده ذاك الرجل بحطام امرأة وبجسد من دون روح ... لماذا ؟

لما هي تحديدا ويمكنه أن يتزوج من أفضل منها بل ولن ترفضه

أي واحدة في البلاد ! أيتحدا بها نفسه وقدراته ؟

مسحت عيناها بقوة ونظرت حولها حتى وجدت هاتفها ورفعته

واتصلت فورا بمن سيفهمها وإن لن يجد لها حلا وهذا طبعها

إن تضايقت تتحدث ولأي شيء وإن كان للجماد أو الفراغ

المهم أن تفرغ كل ما في داخلها وتكبته وبعدها ترتاح وإن لم

تجد لمشاكلها حلا بذلك ، ولأن غسق لا ينقصها هموم فكان

خيارها الثاني والفوري هو شقيقها من والدتها والمقرب لها

من بين الجميع في عائلتها بل وبئر أسرارها الوحيد فعلاقتهما

كانت رائعة ومنذ طفولتهما ومختلفة عن الجميع حتى شقيقاتها

وحتى توأمه ، اتصلت به فورا ولم يتأخر في الرد عليها كعادته

ووصلها ذاك الصوت الباسم المتزن

" مرحبا بالجميلة التي تذكرتنا لمرتين اليوم "

همست ببحة حزن

" مرحبا وسام "

وصلها صوته مستغربا

" الله أكبر ما بها الجليلة تبكي على غير العادة ! من هذا

هذا الذي أحزنها ؟ "

مسحت دمعة جديدة تمردت على مقلتيها البنيتان وقالت مباشرة

" يريدون إجباري على الزواج يا وسام .. أنت تعلم بأن

هذه الفكرة تجلب ليا المرض "

قال من فوره

" أرفضي يا جليلة وانتهى الأمر "

ضربت بقبضتها على فخذها قائلة بأسى

" كيف سأرفض وقد لعبوها بحرفية فسيقتلني والدي ووثاب

قبله بعد أن حضر أعمامي وأزواج خالاتي "

قال من في الطرف الآخر باستغراب

" ولما يحضرون معهم ؟ جليلة ماذا حدث تحديداً "

تنهدت بعمق تبلع غصتها وعبرتها وسردت عليه ما حدث فهذا

ما تريده أن يستمع لها أحدهم دون أن ينتقدها ولا أن يصرخ

بها ويأمرها فهي متأكدة من أنه لن يمنحها غير ذلك لأنهما

يعزلان نفسيهما عن أي قرار يخص شقيقاتهم والسبب كان

وثاب طبعا ولن يستطيع أحد لوم غيره فبعد شجاره في الماضي

مع شقيقه قائد وأمامه بل وأمامهم جميعا وقد صرخ به يومها

قائلا

( أنت لست سوى شقيقها من والدتها ولا شأن لكما بما يحدث

هنا .. والدتكم أمامكم من أرادها يأخذها معه )

ولن تنسى يومها النظرة التي رأتها في عيني قائد بل ووسام

قبله وهو أكثر رجل حساس عرفته حياتها ومنذ ذاك اليوم تحولا

لغريبان عنهم لا يبديان ولا رأيهما فيما يقال أمامهما رغم كل

ما فعلوه ليغيروا نظرتهما تلك بل وإجبار والدتهم لوثاب

للاعتذار عما قال وتهديد والده له إن لم يفعلها لكن الشرخ

كان أوسع من أن يجدي معه إصلاح فكل ما بقي لهم منهما

محبتهما الأخوية وزياراتهما القصيرة المتباعدة .

مسحت دموعها ما أن أنهت حديثها ووصلها ذاك الصوت الهادئ

مرافقا تنهيدة رجولية عميقة

" جليلة أتفكرين فعلا في رفض ذاك الرجل ! "

قالت من فورها وبضيق

" وسام حلفتك بالله لا تكرر لي اسطوانة والدتك "

تنهد بعمق مجددا وقال

" أكره أن أقول ما يزعجك يا جليلة لكنها الحقيقة "

قالت بأسى

" لا تزد من همومي يا وسام وأنت أكثر من يعرف

ما مررت به "

وصلها صوته الجاد فورا

" جليلة لا تنسي ما سيقال حال رفضك خصوصا أن جميع أقاربك

باتوا يعلمون حاليا عن تلك الخطبة فما سيفكرون فيه وأنت كنت

زوجة صوريا لرجل آخر ؟ أقل ما سيقال عنك أنك أخطأت معه

وإن كان زوجك فلا سبب آخر سترجحه الناس لرفضك لرجل

كهذا .. لا سبب ولا ليجدوه عذرا لك "

اتكأت بجبينها على راحة يدها تغرس أصابعها في غرتها

القصيرة متمتمة بحنق

" لو أفهم فيما يفكر ذاك الرجل ! في كسري أكثر أم تدمير حياته

معي لأصبح مطلقة مرتين ؟ لو أنه فكر بعقل وأبلغني بأي

طريقة كانت لرفضته ووفرت على نفسي كارثة هو

السبب فيها "

قال من في الطرف الآخر مباشرة

" جئنا للنقطة الأهم في الموضوع وما كنت فعلا أريد السؤال

عنه .. من أين يعرفك ذاك الرجل يا ابنة والدتي وكيف رآك ؟ "

تبدلت ملامحها للضيق قائلة

" لا تبدأ أنت قبل الجميع يا وسام فأنا لم ألتقيه سوى لثلاث

مرات .. اثنتان كانتا بالمصادفة حيث كان برفقة مطر شاهين

فلا تنسى بأنه زوج ابنة خالتك وكنا نعمل سويا في الجمعية ،

ومرة حين سلمني ورقة الطلاق لأنه من كلفه رماح بفعل ذلك

في المحكمة فقط لا غير ولم نتحدث فيما سيجعله يفكر في

خطبتي بل ولم أنتبه لهذا .. لا بل لم أنتبه له تقريبا ولست أفهم

أي أفكار هذه الفاشلة التي جعلته يتقدم لي وجل ما اخشاه أن

يكون ابن شاهين من اقترح عليه ذلك ، لو كان على وفاق هو

وغسق لاتهمتها هي دون تردد "

وصلها صوته الجاد فورا

" لست أعتقد أنه ممن يقترح عليه الغير قراراته أو حتى يؤثر

فيه يا جليلة فرجال ابن شاهين أراهم يشبهونه في الكثير "

قالت بحنق

" وهذا ما لا أريده وأخشاه نسخة أخرى عن غسق تضاف

لمعاناة جليلة السابقة أم لم تسمعه بنفسك وهو يهدد ويتوعد

بضرب اليرموك وأنهم ينتطرون الإشارة فقط من زعيمهم ؟

أخشى أن أكون أنا يرموك أخرى في حياته "

تلقت أذنها ضحكته الخفيفة فورا قبل أن يقول مبتسما

" أراك بت تتحدثين عن مستقبلك معه كأمر واقع ! هل

وافقت سريعا هكذا ؟ "

لوحت بيدها قائلة بضيق

" وسام أنا لا أمزح ولا مزاج لي للمزاح أيضا "
تنهد قائلا بهدوء

" حسنا فقط لا تغضبي مني ، وللأمانة يا جليلة هو رجل سمعته

نطيفة كالثوب الأبيض الجديد وكثير يمدحونه بل وثمة توقعات

بأن يستلم وزارة الداخلية والعامة متقبلين لذلك وبرحابة فرفضك

له معناه عاصفة هوجاء لن تستطيعي الصمود أمامها هذه المرة

شقيقتي "

همست بأسى

" وداعا يا وسام وآسفة لإزعاجي لك يا شقيقي "

رمت بعدها الهاتف بعيدا عنها ومررت أصابعها في شعرها

وأغمضت عينيها بقوة فعليها أن تفكر في حل وعلى ذاك الرجل

أن يبتعد عن طريقها فهي لا تصلح له ولا لغيره فليتركوها تعيش

وحيدة في سلام بعدما تأقلمت مع همومها الماضية وتعايشت

معها ... لما يصرون على مضاعفتها ! .


*
*
*


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 09:23 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية