كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
دخلت راكضة ما أن نزلت من السيارة التي توقفت أمام باب
المنزل فهي انتظرت هذا اليوم منذ وصولها لهذه البلاد ولم
تصدق أنه أصبح هنا بالفعل حتى سمعت اتصال عمها صقر به
منذ قليل وبأنه وصل المنزل من دقائق فقط حتى أن والدها لم
يصل بعد فهو لم ينم البارحة في المنزل ومن مدن ثنان انتقل
للمسجد في حوران ثم القصر الرأسي وقال بأنه سيكون هنا
بعد قليل .
دفعت باب المنزل بيدها ودخلت هامسة بعينان دامعة
" جدي ... "
ما أن وقع نظرها على الذي فتح لها ذراعيه فورا مبتسما
فركضت ناحيته وارتمت في حضنه فورا تطوق خصره بذراعيها
تدفن وجهها في صدره العريض هامسة بسعادة شابها الكثير من
الشوق والحنين والحزن
" اشتقت لك جدي ... اشتقت لك بجنون "
فطوقها بذراعيه بقوة يقبل رأسها كل حين .. حفيدته المحببة لقلبه
وأجمل ما أهداه الله وكانت عزائه الوحيد في غربته الطويلة تلك وإن
لم يكن يراها كثيرا فهي قطعة منه من ابنته التي لم يراها يوما
وبقيت حسرة في قلبه بعدد أعوام عمرها ولن يكفيه عمرا آخر
يتحسر فيه عليها .
أبعدها عن حضنه وأمسك وجهها بيديه وقال مبتسما
" كيف حال دميتي الجميلة ؟ "
ابتسمت مومأة له برأسها وقد عجزت الكلمات عن التعبير عما
تشعر به فنامت في حضنه مجددا وطوقها هو بذراعيه قائلا بضحكة
" أراك أجمل من السابق بكثير ! هل هذا من تأثير رؤيتك لوالدتك
أم أنك أحببت شابا ما هنا ؟ "
خبأت وجهها في حضنه هامسة بحياء
" جدييي .... ! "
فضحك مجددا وقبل رأسها لحظة دخول صقر والذي قال
مبتسما وفاردا ذراعيه له
" مرحبا بك في بلادك أخيرا يا شقيقي "
ابتعدت حينها عن حضنه وتعانقا كليهما عناقا أخويا طويلا
تنظر لهما مبتسمة بسعادة فها قد اجتمع بعض أحبائها أخيرا ،
لكن تلك الابتسامة ماتت فجأة ما أن وقع نظرها على الواقف
بعيدا لم تنتبه لوجوده وقت دخولها فلم تكن ترى في المكان
غير الذي ركضت لحضنه وارتمت فيه .. الذي كان الغذاء
لروحها التائهة سنين غربتها في تلك البلاد .
تقطعت أنفاسها في صدرها تنظر له بأسى وهو يشيح بوجهه
عنهم بل عنها تحديدا وهذا ما هي أكيدة منه وليست تفهم
لما هو غاضب منها بينما هي من تلقت إهاناته الموجعة دون
أن يهتم ولا لمشاعرها !
أبعدت نظرها عنه ما أن شعرت بيد عمها صقر على ظهرها
وقد قال ضاحكا
" وهي من سيتنافس الجميع الآن على من يدللها أكثر من الآخر ..
حفيدة العائلة الوحيدة "
اغتصبت ابتسامة صغيرة ولم تعلق فلم تكتشف إلا وقتها بأنه
ثمة حديث بينهما كان يدور عنها واتكأت على كتف عمها
صقر هذه المرة فأحاط كتفيها بذراعه وقال ناظرا للواقف
هناك ومبتسما
" لن تصدق ما تنوي ابنة خالك جوزاء فعله وتخطط له وأخبرتني
به اليوم يا قاسم "
نظر له الواقف بعيدا ملامحه لازالت تحتفظ بجمودها وحدق
بعينيه تحديدا وكأنه يتجنب متعمدا النظر للتي أخفضت نظرها
للأرض فورا تجنبا له أيضا وتابع صقر ضاحكا
" يبدوا أنها ستنتقل من ابنيها لك فقد قررت أنه عليك أن
تتزوج بل وسريعا أيضا "
شدت النائمة في حضنه قبضتاها بقوة ترسم أيضا ملامح لامبالية
على وجهها الجميل ولازالت تتجنب النظر جهته وشعرت بذاك
السكين الذي ضرب قلبها مباشرة حين قال وببرود
" لا مانع لدي فلتبحث هناك عن واحدة تعجبها "
بلعت غصتها مع ريقها وشعرت بإهانة موجة لها تحديدا
وليست تفهم لما لكنها واثقة من أن مقصده هو جرحها وهذا
ما أثبته لها فعلا حين تابع بذات بروده القاتل
" شرط أن تكون بماض نظيف بالطبع "
فرفعت حينها نظرها له ودون شعور منها وكأنها تريد توثيق
إهانته لها بأفعاله وكان بالفعل ينظر لها نظرة تشبه كلماته
باردة قاتلة خالية من أي تعبير أو رحمة فزمت شفتيها وهي
تبعد نظرها عنه للأسفل مجددا تشعر بجسدها يرتجف حنقا
بأكمله وتمنت أن والدها موجودا حينها لكانت أقرت بكل شيء
أمامه وأمام الجميع لتتخلص من تجريحه لها وللأبد .
( تيما عليك بكتمان الأمر فالمتضررون منه كثر ولست وحدي
وأولهم والدك إن كان أمري أنا لا يعنيك )
أغمضت عينيها وتنفست بعمق فكلمات عمتها غيسانة تلك لازالت
تكبلها عن فعل أو قول أي شيء لكنها لن تستسلم وقررت
محاربته بذات أسلحته فهي مشوهة في نظره في جميع الأحوال
ولن يتخطيا ذلك مهما قال ووعد ، رفعت نظرها للفراغ تتعمد
تجاهله أيضا وقالت ببرود يشبهه
" جيد فوالدي وجد لي زوجا مناسبا أيضا فليكن ذلك في يوم واحد "
لم تكن تعلم أن حربتها أصابت الهدف وأن انتصارها كان قويا
فهي حرمت نفسها من لذة مشاهدة ذلك ورؤية ملامحه التي لم
يستطع اخفاء الصدمة فيها وكان التعليق لدجى الذي قال بضيق
" من هذا الذي قال بأنك ستتزوجين وأنك في سن مناسب
للزواج أساسا ؟ "
رفعت نظرها له وقالت بتأني وكأنها تقتلع نصل حربتها تلك من
مكانه ودون رحمة
" والدي قال وأنا موافقة "
وما أن أنهت عبارتها تلك كان مطر قد دخل من الباب فتحركت
من هناك جهة غرفتها تاركة خلفها استقباله لعمه ولم يكن أمامها
طريق آخر تسلكه سوى بالمرور بقرب الواقف مكانه هناك فلن
تسلك طريق ممر غرفته أبدا ، وما أن اجتازته تتجنب النظر له
حتى أوقفتها يده التي أمسكت برسغها بقوة فنظرت له وعلقت
نظراتهما .. النظرة التي حاول كل واحد منهما جاهدا أن يخفي
ما يكمن خلفها .. من ألم وخذلان يدمر قلبها الصغير لغيرة قاتلة
تفتك بحنايا قلب ذاك الرجل الصامت الصامد العنيد ، سحبت
يدها منه بقوة وغادرت راكضة لم تتوقف خطواتها حتى كانت
في حضن أغطية سريرها تدفن وجهها فيها وتشد قبضتاها
على قماشها بقوة تحاول فقط أن لا تبكي فهو لا يستحق أن تذرف
لأجله دمعة واحدة من عينيها ، يكفي بأنه لا يشعر بها ولا يحترم
مشاعرها ولا يتوقف عن جرحها ودون سبب .
شدت أناملها على ذاك القماش الناعم أكثر وأكثر حتى آلمتها
ونزلت نهاية الأمر تلك الدمعة التي لم يعد يمكنها التغلب عليها
أكثر من ذلك فما أقسى هذا النوع من الجراح .. إنه أعظم وأشد
مما كانت تتخيل ! لقد فاق تحملها وتوقعها درجة أن أشعرها
بتفاهة كل ما عانته وآلمها سابقا .
جلست تمسح دموعها ما أن رن هاتفها فأخرجته لحظة أن
رمت حجابها من على رأسها وانسدل شعرها على ظهرها وكتفيها ،
وما أن نظرت لاسم رعد على شاشته فتحت الخط ووضعته على
أذنها فوصلها صوته سريعا قائلا
" مرحبا تيما ... هل والدك في المنزل أم أنه نائم ؟
أتصل به ولا يجيب ؟ "
مسحت عيناها بقوة مجددا وقالت
" بلى هو هنا في المنزل ومعه ضيف يبدوا مهما لذلك لم
يجب بالتأكيد"
وصلها صوته مستغربا
" تيما ما بك ؟ ما به صوتك هكذا ! "
مررت أصابعها في شعرها وهمست
" لا شيء "
" تيما !! "
نبرته التحذيرية تلك جعلتها تستسلم طوعا قائلة
" لا شيء مهم "
وتابعت وقد نظرت ليدها في حجرها تلعب أصابعها بطرف اللحاف
" أ.... اممم ماذا حدث بشأن الفتاة الثنانية "
قال من فوره وبضيق
" الأخبار لدى والدك فأنا محتجز هنا كالسجين وإن لم يتصرف
سريعا فسأجد لنفسي مخرجا من حرسه الأغبياء أولئك ولن
يمنعني شيء عن الدخول لشمال صنوان وإخراجها أو الموت
دون ذلك "
ابتسمت بحزن فها هو الرجل الذي يعرف كيف تعشق النساء
وكيف تعامل المرأة فلم تنسى أبدا كل ما حكاه لها عنها وقضيا
ليلة كاملة يتحدثان ويتسامران وقد أخبرها برحلته تلك لمدن
ثنان وكيف تعرف على تلك الفتاة التي لازال يذكر جميع تفاصيلها
وتفاصيل ما حدث بينهما وكل كلمة قالتها ، حتى الكتب التي
قرأتها له حفظها عن ظهر قلب من كثرة ما قرأها وهي بعيدة
عنه ، إنهما أكبر مثال حي للحب الصادق وللوفاء الأبدي حتى
أنها اختارت أن تلقي بنفسها للمجهول وبقبائلها للحرب على أن
تكون لرجل غيره وإن مكرهة رغم مرور كل تلك السنوات فلم
تفقد الأمل فيه أبدا ولا الثقة في مشاعره نحوها ، قالت بحزن
" كم أتمنى أن يجد والدي لكل ذلك حلا وأن تجتمعا سويا "
شعرت بقلبها يتحطم وهي تسمع تنهيدته الواضحة قبل أن يقول "
وأملي في الله ثم فيه يا تيما وأتمنى أن يحفظها الله وليرجعوها
لي حية فقط لا أريد شيئا غير ذلك "
مسحت دمعة تغلبت عليها وهمست ببحة
" متأكدة من أن والدي لن يتوانى عن فعلها "
قال من فوره
" اتركينا من كل هذا الآن وأخبريني ما بك وما يضايقك هكذا !
هل والداك السبب ؟ هل تشاجرا مجددا ؟ "
عضت طرف شفتها ولم تعلق .. كان وقتا سيئا جدا لاتصاله
فكيف ستهرب منه الآن وليس بإمكانها الكذب عليه ؟ .
" تيما .... تسمعينني ؟!! "
تنهدت باستسلام قائلة
" بلى أسمعك "
قال من فوره
" أجيبي عن سؤالي إذا "
تنهدت مجددا قائلة
" لا لم يتشاجرا وقد اتصلت بي والدتي البارحة أيضا "
قال مباشرة
" إذا ما الذي حدث ؟ ذاك الشاب السبب أليس كذلك ؟ هل التقيته
هناك اليوم ؟ "
رطبت شفتيها بطرف لسانها وهمست بحزن
" أجل "
قال من فوره
" وماذا حدث أزعجك ؟ هل تحدث عن موضوع زواجك مجددا ؟ "
ابتسمت بألم هامسة
" بل عن موضوع زواجه هو "
قال بتذمر
" هيا تيما قولي ما لديك واختصري عنا المقدمات "
نفضت قبضتها مع اللحاف في حجرها وقالت بامتعاض
" ماذا سأقول وأختصر ؟ بأنه لازال يفعلها وينتقم مني كلما
استاء بسببي ولست أفهم أساسا ما الذي أفعله يجعله يستاء هكذا ؟
هو يغضب من نفسه ثم يلقي باللوم علي بل ويشركني استيائه مني
ولم أعد أفهمه أبدا "
قال ما أن أنهت حديثها
" احكي لي هيا ما الذي حدث ؟ "
تنهدت بعمق قبل أن تحكي له ما حدث منذ قليل فلعلها ترتاح إن
أخرجت ما بداخلها فهو على علم واطلاع بكل ما حدث بينهما
سابقا ويهتم دائما بسؤالها عن أي جديد بينهما دون أن يحرجها
ولا بسؤاله عن مشاعرها اتجاهه وتشعر بأنها في منطقة الأمان
بتحدثها الدائم معه لأنه ثمة من يعلم بسرها ومستعد لحمايته
معها أيضا بل والدفاع عنها إن هي أصبحت في مأزق بسببه .
قال ما أن أنهت حديثها
" كاذب .. هل صدقته فعلا يا تيما ؟ "
قالت باستياء
" ولما سيكذب وهو يعلم بأن عمي صقر سيخبر عمتي جوزاء
بالتأكيد لتبحث له عن زوجة "
قال فورا وبسخرية
" ومن دون ماضي سيء ؟ "
وتابع مباشرة
" أخبرتك سابقا أنك لا تفهمين الرجال كما أفهمهم أنا يا تيما ،
هو أراد فقط إزعاجك لأنه منزعج منك وكنت رائعة حين صفعته
بالمثل ، ابقي على موقفك هذا ولن أكون رعد ابن شراع إن لم يفتح
هو الموضوع معك بل وسيعتذر عما قال ، وإن لم يفعلها فوافقي
فورا على عريس والدك المجهول ذاك"
تمتمت ببرود
" أنا موافقة عليه سلفا كائنا من يكون "
قال من فوره
" كاذبة "
قالت بضيق
" لست كاذبة ولن أعارض رأي والدي وأكسر كلمته أبدا "
قال بصوت باسم
" سنرى إذا كيف ستقبلين بزوج غيره "
قالت باستياء
" رععععد "
ضحك قائلا
" تلك هي الحقيقة يا ابنة مطر فلا تراوغي "
نفضت قبضتها مجددا قائلة بعبوس
" وإن يكن فرأي والدي فوق كل شيء "
قال بجدية هذه المرة
" لا أنصحك بتضييع مستقبلك وقتل عواطفك من أجل أي كان يا تيما "
شعرت بأنه أصابها في مقتل فتمتمت ببرود
" لما تقول هذا ؟ أنا لا أحبه كما تتخيل "
اختلط صوته بضحكته قائلا
" كااااذبة "
قالت بضيق
" وداعا "
وقطعت الاتصال على صوت ضحكته من جديد ثم رمت الهاتف
وغادرت السرير والغرفة وسارت في الممر ببطء حتى وصلت
طرفه فسمعت أحاديثهم وضحكات جدها وشقيقه فعادت أدراجها
فورا وأغلقت الباب خلفها بضيق وتوجهت لهاتفها مجددا فلتتصل
بذاك المزعج كاسر وتزعجه أفضل لها من أن تقضي الوقت بين
الجدران تحدث نفسها تنتظر أن يغادر ذاك المغرور .
*
*
*
فتح له باب المكتب فدخل فورا وتبعه هو منصاعا وإن مكرها
وأغلقه خلفهما فلم يتركه ولا ليصعد لغرفته ويستحم فورائه
ما الله وحده يعلم ما يكون وكل ما سيفعله عمه وهو متأكد منه
بأنه سيتلف باقي أعصابه المدمرة أساسا ، وما توقعه حدث
فعلا حين التفت دجى ناحيته وقال بحزم
" أريد أن أفهم الآن يا مطر ما سبب ما حدث وما قلت
أمام الاعلام ؟ "
أمسك خصره بيديه من تحت سترته المفتوحة وأشاح بوجهه
جانبا قائلا ببرود
" فعلت ما فيه مصلحة الجميع وأولهم ابنتك "
لوح بسبابته قائلا بحدة
" كم مرة حذرتك سابقا من جرحها ومن إهانتها أو العبث
بمشاعرها لكني لو كنت أتحدث مع جدار لاستوعب ما قلت "
نظر له نظرة تشبة نظرته السوداء فسبقه قائلا بذات حدته
" هي ابنتي ولن أرضى فيها جرح النسيم يا مطر وقلت مرارا
وتكرارا توقف عن تدميرها والتعامل معها كآلة حرب "
كان سيتحدث وبما يعلمه دجى جيدا وهو نسب الملكيات لنفسه
كتبرير واضح لأفعاله الدائمة فسبقه قائلا بحدة
" قلت ابنتي ... هي ابنتي قبل أن تكون زوجتك "
أشار بيده جانبا قبل أن يشير بها لنفسه وهو يقول بحدة مماثلة
" ابنتك أجل ... لكنها حبيبتي "
نظر له دجى بصمت فتأفف ممررا أصابعه في شعره قبل أن
يتابع بغضب
" هي زوجتي وأم ابنتي يكفي ما ضاع من عمري بعيدا عنها
فلن اسلمها الآن لشعيب غيلوان ولا لغيره كائنا من يكون ولا للموت "
همس عمه بجمود
" استغفر الله يا رجل "
لكنه كان كبركان تغلبت عليه حممه الراكدة وتفجرت في أقوى
لحظات الضعف رغم صراخه الغاضب
" لست أفهم متى سيتركها الرجال وشأنها ومتى سيقتنعون
بأنها لي .. لمطر شاهين فقط ، حتى متى سأدفع حبها لي ثمنا
لإبقائها في حضني ؟ حتى أخسرها نهائيا والجميع معي ؟ "
واجهه بغضب مماثل قائلا يشير له بسبابته
" أنت من يدفع مشاعرها نحوك للهاوية يا مطر فلا تحاول
إلقاء اللوم على الآخرين "
رفع يديه جانبا قائلا بنزق
" أجل معك حق تريد أن اخبرها وبكل بساطة بأن قضية الثأر
لازالت تلاحقك وأن تلك العائلة يبحثون عنها هي تحديدا وابنتها
من بعدها لتقدم نفسها لهم مقابلا لإنقاذك ؟ "
لوح بعدها بسبابته جهته قائلا
" قسما أن تفعلها دون تردد وأنا من يعرفها أكثر منك بل
وتيما ستحذوا حذوها ودون تفكير ونحن لم نعلم حتى الآن
ما ورائهم ولما يبحثون عن نسلك تحديدا ؟ "
وتابع وقد أشار لصدغه الأيمن
" لا يخبرك عقلك أنهما لن تدفعا ثمن قتلاهم الثلاثة وبأبشع
مما تتخيل فآخر ما وصلني عن ذاك البربري أنه يقسم بأن يذيق
سلالتك العذاب إن فقط أثبت وجودها "
صرخ دجى برفض
" ليس بهذه الطريقة يا مطر ليس بأن تقتلها حية "
قال بضيق
" كيف إذا ؟ اشرح لي حلا غيره ، ما الذي كنت سأفعله مثلا
وهم يبحثون عنها عن طريقي في كل مرة ؟ "
قال دجى بضيق مماثل
اتركها لغيرك إذا وسيقتنعون حينها بأنها ليست ابنتي "
صرخ فورا
" مستحيل ... قسما لن يهنأ لي بال حتى ترجع لحضني مجددا "
قال دجى ملوحا بيده بضيق
" سأسلمهم نفسي إذا وليفعلوا بي ما شاءوا "
قال المقابل له برفض قاطع ونبرة حازمة
" ذلك لن يجدي في شيء سوى أن نخسرك معهما وأنت تعلم
جيدا قوانينهم في الثأر ... الرجل بديه لأهله والرجلان بعنق
قاتلهما والثلاثة بعنقه وبسلالته وأنت لم تقصر فيهم أبدا "
قال بذات ضيقه
" وما كنت تتوقع مني وأنا أراهم يحاولون قتل شيخ مسن
وهتك عرض ابنته ؟ أن أقف أتفرج فقط لأن لهم أفكارا مجنونة
في الثأر قد وقع والدك معهم عهودا بها فهو لم يفكر لأبعد من
أنفه يوما "
صرخ فيه فورا
" لا تلقي باللوم على والدي فهو لم يجبرك على قتلهم "
لم يعلق وابتعد عنه يتحرك في الغرفة بعشوائية ممسكا خصره
بيديه وكأنه يصارع أفكاره بالدوران حولها فقال مطر بجمود
ونظره يتبعه
" ذاك الرجل يفكر حتى في سبب عودتها زوجة لي الآن بل
وإن عادت للعيش هنا فلن يتوانى عن التفتيش عن حقيقتها
مجددا وأنت تعلم جيدا بأنك أيضا لن تراها ما لم تكن هنا "
وقف مقابلا له مجددا وقال مشيرا بيده له
" والحل إذا ؟ ها أنت لم تبقي خنجرا لم توجهه لقلبها ولازلت
تردد بأنها مهددة بالخطر "
قال فورا وببرود
" الحل لدي "
لكن ذاك الجواب لم يكن كافيا لمن اشتعل مجددا قائلا
" مطر لو أفهم ما تنوي فعله بنفسك وبها تحديدا يا رجل ؟
تحبها تعشقها وتدمرها ! ثم وتيما ما قصة تزويجها هذه ؟
أنت تعلم بأن زواجها لن يمسكهم عنها حال علموا بأنها حفيدتي "
أشاح بوجهه عنه مجددا ولم يعلق فقال بحزم
" تكلم يا مطر هل بالفعل ستزوجها وهي في هذه السن ؟ "
" أجل "
قالها ببرود ودون أن يواجه عينيه فصرخ فيه دجى من فوره
" جننت يا رجل ؟ ألا تعلم أن عمرها أربعة عشر عاما فقط ؟ "
نظر له وقال بذات بروده
" أنا أعلم الناس بعمر ابنتي "
صرخ فيه مجددا
" لا أنت فقدت عقلك لا محالة ولم يكفيك قتل والدتها فانتقلت
لها هي "
قال بحدة
" وتيما ابنتي قبل أن تكون حفيدتك "
ارتفع صوت دجى أكثر وكأنه يبارزه في الصراخ فقط
" لا تكرر كلامي يا مطر وأخبرني الآن من هذا الذي جعلك
تسلمها له دون أن تفكر في شيء لا سنها ولا عواقب هذا
ولا شيء أبدا ؟ "
قال بجمود
" شخص هو من سيقرر متى يجب أن تكون زوجة له "
قال دجى بصدمة
" هو يقرر ! "
قال من فوره
" أجل وإن قال الآن كانت الليلة زوجته "
قال المقابل له وبضيق
" ما هذا الجنون بحق الله ! هل ابنتك رخيصة درجة أن تعرضها
على الرجال يا مطر ؟ "
قال من فوره وبحزم
" أنا لم أعرضها على أحد ولن أفعلها أبدا وأخبرتك بأنه
من سيقرر متى يريدها وأنا لا أثق في شخص أكثر من ثقتي
به ليحميها من كل شيء حتى من نفسه "
مرر أصابع في شعره متأففا وقال بضيق
" ومن يكون هذا فأنت تعرف نصف رجال البلاد ويعرفوك جميعهم "
كتف ذراعيه لصدره وقال
" حتى يحين الأوان أولا "
دجى من ضرب بأصابعه على صدغه هذه المرة قائلا بضيق
" لو أفهم فقط كيف تفكر ؟ ثم ماذا إن لم يطلبها منك ؟
ماذا إن تزوج بغيرها ؟ "
تنفس بعمق مغمضا عينيه قبل أن ينظر له قائلا
" حينها ستتزوج بغيره وجميعهم سيكونون سواء "
حرك ذاك رأسه بعجز متأففا وإن كان الضيق لازال مرتسما
على ملامحه ويعلم جيدا أي أنواع الرجال يكون ابن شقيقه وأنه
لا أحد يمكنه كسر قراراته أو تغييرها لكنه لن يسمح له
وسيحاربه أيضا فإحداهما ابنته والأخرى حفيدته ، رفع سبابته
في وجهه مهددا وقال بحزم
" احذرك يا مطر من اجبارها إن هي رفضت ذلك أو أنا من
سيكون لي رأي لن يعجبك أبدا "
قال من فوره وبجمود
" لن ترفض "
صرخ فيه بحدة
" أجل واثق طبعا وتعلم بأنها لن تعصي أمرك وإن كان على
حساب نفسها "
تنهد بضيق وقال بذات جموده وكأنه لا يشتعل أمامه
" أخبرتك بأني لن اجبرها ثم هذا الحديث سابق لأوانه "
حرك رأسه بضيق ويئس منه وتحرك جهة باب المكتب قائلا
" قسما لولا أني مكبل بالعيش هنا ودون هوية لكنت أخذتهما
كلتيهما منك وافعل ما شئت حينها "
وخرج ضاربا الباب خلفه بقوة تاركا ورائه الذي لم يخرج
حممه جميعها مثله وبقيت عالقة داخله تدمره ببطء وليس يفهم
حتى متى سينظر له الجميع بسلبية وحتى من يعلمون أسبابه ؟
كان يتوقع هذه المواجهة العنيفة معه ولن تكون الأخيرة
بالتأكيد حتى يدمروا مطر شاهين هذه المرة وليس غسق ،
ضرب بيده علبة الأقلام المذهبة بقوة ناثرا كل ما فيها
على الأرض وتوجه جهة النوافذ الطويلة للمكتب ووقف
أمام إحداها ومرر أصابع كلتا يديه في شعره للخلف وأمسك
رأسه بهما بقوة وظهر أمامه فورا ذاك الوجه الدائري والنظرة
الغاضبة رغم الدموع في تلك الأحداق السوداء الواسعة وهي
تقول بحدة ( أقتلعه من مكانه إن فكر في إيجاد أعذار لك يا مطر ،
لن يغفر لك أي شيء وأي تبرير ما فعلته بي ولا إنقاذي من
الموت فلا تفكر يوما في أن تشرح لي أي أسباب )
تأفف وأخرج هاتفه من جيب سترته وبحركة عنيفة ما أن ارتفع
صوت رنينه مالئا صمت المكان وما أن نظر للرقم على شاشته
شعر بنيرانه تشتعل أكثر من اشتعالها السابق ، فتح الخط
ووضعه على اذنه فوصله ذاك الصوت المستفز فورا
" ماذا قررت ؟ "
تنفس بقوة نفسا كان كفيلا بإحراق كل شيء وقال بجمود
" كيف ستسلمني إياها عند حدود اليرموك ؟ "
وشد على فكيه بقوة حتى كان سيحطمهما حين ضحك من
في الطرف الآخر قائلا
" لا أصدق هذا ... ! مطر شاهين يتنازل عن منطقة عسكرية
كاملة بدلا من تقديم امرأة لم تعد تحمل له في قلبها سوى
الكره والحقد ! "
كتم غضبه واشتعاله هذه المرة أيضا وقال بذات جموده
" تلك لن أسلمها لك وإن أخذتم البلاد بأكملها وليس اليرموك
فقط ولن تحصل عليها ولا بعد موتي "
وفصل عليه الاتصال هامسا بوعيد
" أنا من سيجعلكم تندمون على هذا وسأريك مكانك وحجمك يا طفل "
توجه بعدها جهة مكتبه ورفع سماعة الهاتف وضغط أحد الأزرار
فيه باستمرار حتى انفتح له الخط في الطرف الآخر ووصله
ذاك الصوت قائلا
" أجل سيدي "
قال من فوره
" أبلغ جهاز المخابرات يتولوا الاتصال مع صاحب الرقم الأخير
في هاتفي ، لا أريد سماع صوته مجددا وسأعلمهم بكل ما
عليهم فعله "
" حاضر سيدي "
ضرب بعدها سماعة الهاتف وغادر ذاك المكان أيضا فعليه
الآن إعطاء الأوامر بإخلاء اليرموك تدريجيا
*
*
*
سارت حتى نهاية الممر ثم عادت لباب غرفتها ودخلتها دون
أن تغلق الباب ثم سرعان ما خرجت منها مجددا وسارت حتى
طرف الممر ووقفت تنظر من هناك فلم يعد يمكنها البقاء أكثر
بعدما سمعت صراخهما الذي وصل لجميع أنحاء المنزل تقريبا
تشعر بقلبها يحترق وإن لم تطفئ تلك النيران فيه فستحرق
كل شيء فيها ، مررت أصابعها في شعرها للأعلى حتى نهايته
لتتناثر تلك الغرة الحريرية على أطراف وجهها وتحركت من
هناك مسرعة ومجتازة بهو المنزل الفارغ جهة الممر الشمالي
والذي لا يحوي سوى غرفة جدها ساكن المنزل الجديد فتلك
الجهة لم تكن مستخدمة من قبل وتلك الغرفة فيها تعتبر كملحق
للمنزل تفتح على الخارج أيضا حيث فناء المنزل الخلفي وتم
اختيارها خصيصا من أجله ومن أجل أي حالة طارئة لوجوده
السري هناك .
وصلت باب الغرفة وفتحته دون طرق ودخلت ووقفت متسمرة
مكانها تنظر ليس للذي كان جالسا على السرير ينظر للأرض
متكئا بمرفقيه على ركبتيه والذي جاءت لهذا المكان من أجله
بل للذي ظهر أمامها وكان يقف خلف ذاك الباب قبل أن تفتحه
ويبدوا أنه كان هنا لذات السبب وهي من ظنت أنه في غرفته
البعيدة عن كل ذاك الضجيج خاصة أنهما وصلا من وقت
قريب وخمنت بأنه سيكون نائما أو يستحم فخرجت هكذا دون
حجاب وببنطلون جينز وقميص أحمر ضيق بالكاد يصل طوله
لوركيها ، كان عليها أن تتعلم من أخطائها السابقة ولا تخرج
هكذا فلا ينقصها أن يتهمها بأنها تتعمد فعل ذلك في وجوده .
أبعدت نظرها عنه لحظة أن أشاح هو أيضا بوجهه جهة الجالس
هناك فكتمت وجعها ككل مرة وتخطته ووجهتها الذي لازال
على حالته تلك ويبدوا مستاء بل وغاضبا بشدة من ملامحه
التي لا يمكن وصفها وصمته المخيف ، جلست أمامه على
الأرض ورفعت رأسها ناظرة له لتبتعد تلك الغرة الحريرية
عن ملامحها وقالت هامسة وبحزن
" جدي ما بكما تتشاجران ؟ ماذا حدث ؟ "
أشاح بوجهه جانبا وتمتم ببرود وتجهمه لم يخف أبدا
" لا شيء "
أمسكت يده بأصابع يديها البيضاء ونصف ذاك الكف يخفيه
كمي قميصها الطويلان وقالت ونظرها لازال معلقا بوجهه الذي
يشيحه عنها
" اصواتكما لم ترتفع هكذا من قبل ! ماذا حدث جدي ؟ "
وقف على طوله قائلا بضيق
" قلت لا شيء يا تيما فتوقفوا عن إزعاجي بهذا السؤال "
نظرت له بحزن ولازالت تجلس بركبتيها على الأرض أمامه
فيبدوا أن الموجود هنا سأله أيضا عن السبب ولم يحصل
على أي جواب لكن لا أحد مثلها يعلم عن علاقتهما سابقا فلم
يتشاجرا يوما أو تسمع أصواتهما مرتفعة بذاك الشكل ولم
ترى جدها بهذا المزاج السيء أبدا فما الذي حدث الآن ويخفونه ؟
وقفت على طولها وقالت ناظرة لعينيه
" بل ثمة ما تخفيانه ومتخالفان في أمره ومتأكدة من أنه
يخص والدتي "
لوح بيده قائلا بضيق
" لا شيء سوى أن والدك فقد تعقله وعقله وبات يرى الأذى
حماية والخطأ صوابا ، بل وجنونه تخطى الحدود "
وتابع متوجها لحمام الغرفة
" ولا أستبعد أن يهيم في الطرقات قريبا يهذي كالمجنون "
وما أن وصل باب الحمام التفت لها وقال بضيق
" وأنتي أصحيح توافقين تزويجه لك وأنتي بهذا السن ؟ "
نظرت له بصدمة وقد انفرجت شفتاها وتاهت الحروف منها
بين أنفاسها المتلاحقة وانتقل نظرها لا شعوريا ناحية الواقف
قرب الباب يديه في جيبي بنطلونه والذي كان ينظر لها وقد
أشاح بوجهه عنها فورا فشعرت بتلك الغصة المؤلمة في قلبها
وتنفست بعمق عائدة بنظرها للذي لازال واقفا مكانه ينتظر
جوابها وهمست بصعوبة تشد أناملها حتى كانت ستمزقها
" لا أستطيع مخالفته في شيء جدي "
قال بأحرف مشدودة
" ولا إن قلت أنا بأني لست موافقا يا تيما ؟ "
غصت بريقها وبالكاد وجدت صوتها وقد قالت برجاء
" جدي أرجوك لا تضعني في خيار بينكما فلست أتخيل أن تفكر
في أن والدي قد يفعل أمرا يؤذيني "
دخل حينها الحمام ضاربا بابه خلفه بقوة أرجفت جسدها تنظر
لمكان وقوفه بأسى وتوجهت مسرعة جهة الباب لتخرج قبل
أن تغلبها دموعها في وجود ذاك الرجل لكن يده كانت أسرع
منها وقد أمسك برسغها وأدارها ناحيته بقوة تحرك معها
شعرها الأسود الناعم حولها وأخفت غرتها أغلب ملامحها ،
شد على رسغها من فوق كمها الطويل وقال ناظرا لعينيها
وحدقتيها الزرقاء الواسعة
" من يكون ؟ "
تنقلت نظراتها في عينيه الجامدتين كحجرين أسودين وقالت
بثبات وإن كان قلبها يرتجف وبشدة
" وفيما يعنيك الأمر ؟ "
حركها من رسغها بقوة كادت توقعها أرضا وخرج تأوهها
المتألم خافتا حين اصطدم ظهرها بجدار الغرفة قرب الباب
ووقف أمامها مباشرة بل واقترب منها بطريقة بعثرت
حواسها ومشاعرها وأنفاسها وكل ما يربط جسدها بالحياة
وهي تنظر لعينيه القريبتان منها بصدمة وليست تعلم بأنه
يقاوم وقتها وبشدة رغبته في دفن وجهه في عنقها ليشعر
بدفء بشرتها .. أنوثتها .. رقتها .. نعومتها .. فينسى بها
جميع هموم حياته السابقة لكن كيف وأميالا طويلة تفصله عن
كل ذلك ! رفع يده ورسغ يدها لازال فيها وضغط بها على الجدار
فوق رأسها وقال ناظرا لعينيها بعدائية قاتلة
" أرأيت ما يوصلك له غبائك ؟ حتى علاقة جدك بوالدك باتت
ضحية من ضحايا شخصيتك المهزوزة "
اتسعت عيناها ولم تستطع التحرك وشعرت بأنها عالقة في
مكانها وكانت أنفاسها ستتوقف تماما مع توقف قلبها عن
الخفقان ما أن قرب وجهه منها أكثر حتى كانا أنفيهما سيتلامسان
وهمس من بين أسنانه ناظرا لعينيها
" من يكون ذاك الرجل يا تيما ؟ تكلمي لأجد من أرتكب فيه جرما "
سحبت أنفاسها بصعوبة مختلطة بأنفاسه الدافئة وهمست برجفة
تتجنب النظر لعينيه
" ابتعد عني "
وانتفضت كضبي صغير شعر بالخطر ما أن شعرت بملمس
أنفه فعلا هذه المرة على أنفها وقد همس بتأني
" ليس قبل أن تنطقي بإسمه "
كانت تعلم بأنه يحاول إضعافها وإرباكها وكانت بالفعل ستستسلم
وتقر بالحقيقة فلم يعد بإمكانها السيطرة على مشاعرها أكثر
من ذلك ولا على توترها بسبب قربه هكذا .
أغمضت عينيها وتنفست بعمق حامدة الله في سرها ما أن طرق
أحدهم باب الغرفة مبعدا له عنها وسامحا للهواء بالعبور
لرئتيها مجددا ، وما أن دار مقبض الباب حتى أفلتها مبتعدا
عنها بحركة واحدة سريعة قبل أن يدخل صقر الذي قال
مبتسما ينقل نظره بينهما باستغراب
" شقيقي واسمه دجى هنا أم أني أخطأت في رقم الغرفة ؟ "
تحركت حينها التي كاد يغمي عليها من الاحراج وركضت خارجة
من هناك ونظره يتبعها قبل أن ينتقل للذي بقي واقفا مكانه ينظر
للأرض ممررا أصابعه في شعره وقال
" هل لي أن أفهم ما الذي يحدث هنا ؟ "
نظر جهة الحمام متجنبا النظر له وقال
" خالي دجي في الداخل ويبدوا مستاء للغاية وثمة حوار
عنيف دار بينه وبين مطر "
كان صقر سيتحدث لولا أوقفه باب الحمام وقد انفتح وخرج
منه الذي كان يمسح رسغيه بالمنشفة متمتما بالتشهد ورماها
على الكرسي قائلا ببرود
" ألا غرف لدى أصحاب هذا المنزل ؟ "
قال صقر مبتسما
" بالطبع ثمة غرف لا حصر لها لكن ثمة ما تكون الإثارة فيها أكبر "
حرك دجى رأسه بيأس منه ولم يعلق وقد بدأ بإنزال كمي قميصه
فنظر صقر للواقف أمامه والذي كان قد عاد للنظر للأسفل
تفرك أصابعه شعر قفا عنقه وقال
" هل قررت فعلا مغادرة المنزل ؟ "
وغضن جبينه مستغربا حين لم يجب وقال
" قاسم أنا أتحدث معك ! "
رفع ذاك حينها رأسه ونظر له في صمت فقال بابتسامة جانبية
" كنت أسألك عن قرارك الأخير بالمغادرة من هنا ؟ "
تحرك حينها من مكانه وقال ببرود مغادرا
" لا أعلم "
وخرج فورا فنظر صقر للذي رفع سجادة الصلاة وقال
" ما به هذا الجنوبي في كل يوم بقرار ؟ "
فرد دجى السجادة قائلا ببرود لحظة ارتفاع صوت الأذان عاليا
" لا أعلم سوى أمرا واحدا بأني رميت نفسي هنا في منفى
حتى المسجد لا يمكنني الصلاة فيه "
ربت صقر على كتفه قائلا
" استعن بالله يا شقيقي فوحده بيده الحل لكل هذا ، ثم أليس
مرحبا بمنفى فيه ابنتك وحفيدتك "
وقف على طرف السجادة قائلا بسخرية
" أخشى أن لا يكون فيه ولا واحدة منهما "
*
*
*
|