كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
مررت أطراف أصابعها تحت جفنها الواسع تمسح الدمعة
اليتيمة قبل أن تفكر في مفارقة رموشها الكثيفة وتقدمت من تلك
الصخرة ببطء تتلاعب النسائم بخصلات شعرها المفتوح تحضن
ذراعيها بقوة ، لم تستطع يوما دخول هذا المكان ولا زيارته
وكان شرخا عميقا في روحها صعب عليها اجتيازه بسهولة ...
فكرتها تم تطبيقها كما تمنتها وحلمت بها بسحب مياه بحيرة
الرقراق بمضخات ضخمة قوية وإعادة ضخها بقوة من فوق
المنحدر الصخري المرتفع .. أي تغيير مسار الجداول الثلاث في
المدينة والتي كانت تقسمها لثلاث أقسام وتوجيهها في مسارات
جديدة متقاربة جهة ذاك المنحدر لتنزل بقوة كشلال طبيعي
وقد صممت المنطقة حوله لتكون ظاهرة طبيعية مميزة
واختارت هذا الجدول الذي زاراه سابقا تحديدا ليكون مسارا
لتلك المياه فتعود لمكانها الطبيعي وهو البحيرة ، وكان هذا
المشروع يفتح سنويا وقت موسمي الربيع والصيف
ويبدأ في كل عام كما هذا الوقت بعد حفل الجمعية السنوي
ويتم تشغيله بشكل تدريجي والافتتاح بعد ثلاثة أيام أي في
الغد ليصبح هذا المكان بمطاعمه ومنتزهاته وجسره المعلق
مزارا للكثيرين من داخل البلاد وخارجها لتشكل القلب النابض
لعائدات تلك المدينة ، وقد حولت قمة جبل ما يسمى الغضنفر
في الماضي أيضا لثلاث مطاعم متجاوره بشكل دائري بواجهات
زجاجية كاملة تطل على جميع تفاصيل تلك المدينة البيضاء كما
كان ذاك الجبل سابقا .. وهو الشيء الوحيد الذي كانت تريد
الاحتفاظ به من تلك المدينة وكانت تريد شرائها بمالها ليكون
بداية غسق من جديد لكنه حطم حلمها هذا أيضا كما دمر أحلامها
سابقا وكما حول كل مكان عرفهما في الماضي هنا لجراح تؤلم
قلبها كل حين وإن لم تزرها أوتراها بعد ذاك اليوم لتمثل فشلها
الأكبر في نسيانه وليكون الدليل القاسي والفاضح لمشاعرها
المكبوتة داخلها ، واليوم ... فقط اليوم اعترفت لنفسها بأنها
كانت أجبن من أن تواجه جراحها وأنها مجرد صورة للمرأة
القوية التي أثبتت للجميع بأنها دفنت الماضي خلفها وسافرت
للمستقبل قوتها في وحدتها لكانت استطاعت دخول هذا الجزء
من مدينتها دون أن تخشى سيطرة عواطفها عليها .
نزعت حذائها الأرضي المسطح واقتربت من تلك الصخرة التي
اختارتها من ضمن التفاصيل التي لم يتم تغييرها في المكان
والمدينة التي كانت ولازالت الأجمل بين مدن البلاد جميعها ،
وقفت فوقها حافية القدمين لازالت تحضن نفسها بقوة وتقدمت
لحافتها تنظر للبعيد بحزن وكأن الزمن عاد بها أربعة عشر عاما
للوراء حين جلسا على هذه الصخرة وفوق ذاك الجبل وتبادلا
الأحاديث كما الشغف والقبلات .. كيف كانت حمقاء بذاك الشكل
المخزي ولم تفهم ما عناه بكلماته تلك ؟ ألم يخبرها بأنها ستكون
في المؤخرة دائما وبأنه تربى على أن يسلب من غيره كل شيء
وأن لا يعطي إلا لنفسه وأن يصعد على جراح الغير ؟
ابتسمت بألم وحسرة دموعها الحارة تملأ تلك الأحداق الواسعة
وهي تتذكر كل تلك الأدلة التي داست عليها بعاطفتها الحمقاء
وغبائها ألا محدود
( مطر هل خرجت من الحمام ؟ اتصال لك وصاحبه لا يجيب)
) آه يا رجل أنت لا تعرف طرق الأبواب أبدا(
اشتدت أصابعها على ذراعيها بقوة وذكرى ذاك الصوت
الرجولي العميق الغاضب تطرق رأسها أكثر
) امرأة داس على كرامته وتنازل من أجلها ... عشقها سمعتي ؟
عشقها هي وحدها ليكتشف أنها لغيره .. أنها باعته بأرخص منه .. )
( لي أنا ليست له حتى دمائها التي تجري في عروقها ملكي )
انسابت دمعتها على وجنتها ببطء وذكرى ذاك الصوت الرجولي
الهادئ المبحوح تصيب قلبها هذه المرة ودون رحمة
( بسبب عبث رجولي و... نزوة سخيفة ... عبث رجولي
ونزوة سخيفة )
مسحت دموعها بباطن كفها بقوة ... هي لم تسمح لهذه
المياه المالحة الحمقاء بالنزول سابقا ولأعوام طويلة ، لم
تبكه أبدا ... لم تبكي جراحها النازفة منه .. لم تبكي الفقد
والحرمان وجميع ما خسرته بخسارتها له .. تكرهه ...
تكره جميع ذكرياتها تلك لأنها لم تستطع أن تنساها يوما ..
لأنها كانت أضعف من أن تدفنها مع من دفنتهم وللأبد .
أغمضت عينيها وابتسمت بسخرية بل وبمرارة وهي تتذكر
كلمات رسالة رعد التي وصلتها قبل أن تنزل من سيارتها
وبعد أن رفضت الاجابة على جميع اتصالاته
( غسق فكري في أمر واحد فقط .. رجل كمطر شاهين لما
سيقول ما قاله وأمام وسائل الإعلام ليهز صورته بذاك الشكل
أمام الرأي العام وهو يحتاج لتلك الصورة أكثر من أي وقت مضى ؟
غسق شقيقتي ليس ابن شاهين من يكشف عن عيوبه وأخطائه
وللعلن وأنتي من يعرفه أكثر من الجميع بالتأكيد )
تدحرجت دمعتها من بين رموشها الكثيفة المطبقة وتلك
العبرة والمرارة تخرج في قهقهة مكتومة حارقة تشعر بها
تفتت قلبها قبل أضلعها ... تعرفه !! أجل تعرفه جيدا درجة
أنها كانت تملك كل تلك الأدلة عما قال الآن وكانت على استعداد
لمسامحته .. رغم أنها سمعت صوت تلك المرأة بأذنها ورغم أنه
اعترف أمامها بلسانه وكانت ... ستسامحه !! ستحكم عقلها على
عواطفها وتستمع لتبريراته ! لو كانت غسق الماضي لاستطاعوا
خداعها بكل ذلك كما فعلت عمته قبل أربعة عشر عاما لكن
غسق الماضي بقيت هناك في حوران وفي منزل عائلة الشاهين ..
دفنت في تلك الغرفة التي انتظرته فيها ليلة كاملة تسقي غراس
أملها فيه بكرامتها المهدورة وكبريائها المجروح والنتيجة .....
أرسل عمه ليخرجها منها لخارج حدوده بأكملها .
رفعت يدها ومسحت عيناها بقوة وبسرعة ونظرت تحتها
أنفاسها تخرج مندفعة بحدة وضربات قلبها تشعر بأنها طعنات
سكين في صدرها ما أن شعرت بأنها لم تعد وحدها في ذاك المكان .
أغمضت عيناها بقوة تشتم نفسها وغبائها ورعد معها ما أن
شعرت بتلك اليدين على كتفيها قبل أن تلتف حولها تلك
الذراعان القويتان مرفوعتا الأكمام حتى المرفقين تشدانها
لذاك الجسد القوي الصلب وأصبحت تلك الأنفاس المتلاحقة
أنينا خافتا وقبلاته تعبث بخصلات شعرها وبشرة عنقها الناعمة
تحاول فك ذراعيه عنها ودون جدوى وهمساته الدافئة تكاد
توصلها للجنون
" لازلت تذكرين يا غسق ؟ "
شدت أصابع يدها على ذراعه بقوة حتى كانت تشعر بأظافرها
القصيرة ستخترق جلده تكاد تفقد توازنها وتنزلق من بين
ذراعيه فهمست ببحة منحنية الرأس قليلا
" اتركني لا أريد أن تلمسني ... ابتعد "
فك ذراعيه عنها لكن ذلك لم يكن خلاصها الأخير وهذا ما توقعته
وهو يمسك ذراعها ويديرها ناحيته بقوة كادت توقعها من فوق
تلك الصخرة الكبيرة وكانت ذراعه مجددا ما ثبتها عن السقوط
لتصبح في حضنه هذه المرة أنفاسها القوية المتلاحقة تداعب
بشرة صدره المكشوفة من زري قميصه الأبيض المفتوحان
يشدها لجسده وقد عاد للهمس المتعب للحواس مجددا يده
الأخرى تتسلل لخدها من بين خصلات شعرها الكثيف
" طردتني من منزلك لكن هنا لا حق ولا سلطة لك "
ودفن وجهها في صدره يشد رأسها بيده يضمها أكثر محبطا
أي مقاومة لها فمنذ أن اتصل به رعد لم يترك له أرضا من
سماء ليكون فيها مرسلا إياه للجنون ، هو على علم مسبق
بأنها لم تزر هذه الأمكنة سابقا وقدومها اليوم لها وبعد كل
ما حدث بالأمس معناه أمر واحد فقط أنها ستدفنه فيه وللأبد
ما أن تخرج منه وهذا ما لن يسمح بحدوثه أبدا .
شدها لحضنه أكثر وكأنه سيدخلها وسط أضلعه متجاهلا
جميع محاولاتها الواهنة للإبتعاد يستنشق بخدر خصلات
ذاك الشعر الحريري الذي أضناه الشوق لرائحته ليال طويلة
ينام يبحث عن ذكراه في صدره .. عن المرأة الوحيدة التي
داست أرض تلك الأضلع وعبثت أصابع يدها وحدها بقسمات
وجهه وخصلات ذاك الشعر الكثيف وعرفت شفتاها فقط طريق
الوصول لشفتيه ... حاربت حتى شكوكها من أجله وعلمته
معنى أن يحارب الرجل بشراسة من أجل أنثاه وإن بحرمان
نفسه منها كي لا يخسرها وللأبد .
شد أصابعه وسط تلك الخصلات الناعمة يدفنها في صدره
أكثر وهمس عند أذنها
" هذا مكانك يا غسق .. خلق لك تفهمين هذا ؟ "
قبضت أصابعها على قميصه بقوة تحاول تحريكها في حصاره
لها وهمست بصعوبة
" كاذب ... ابتعد عني "
كانت تريد فقط أن يفلتها أن تستعيد قوتها بعيدا عن حضنه
وعن سلاحه الذي يستخدمه بدهاء في كل مرة فلن تستمع
لأكاذيبه مجددا ولن تصدقها فليس ما قتلها جرحه لأنوثتها
و كرامتها أمام الجميع بل اعترافه وأمامها بما كسرها به
قبل أعوام وأعوام عمرها بعمر معاناتها وألمها وفقدها .
تمسكت بقميصه أكثر تشعر به سيتمزق بين أصابعها
ما أن شعرت بجسدها يرتفع وقدماها تبتعدان عن الأرض
وشهقت بقوة وبلا شعور حين قفز بها في مياه الجدول
تحت تلك الصخرة وأفلتها حينها من حضنه فكادت تسقط
في المياه تحتها لولا يده التي أمسكت ذراعها بقوة فاستوت
واقفة تبعد شعرها الذي غطى وجهها ونفضت يده عنها
مبتعدة عنه ونظرت له بعينان فوق بريق الدموع الحبيسة
وسطهما كان الغضب أعلى من أي شيء .. من الألم ..
من الخدلان.. ومن الانكسار ..، رفعت رأسها في مواجهة
عينيه وأشارت لصدره بسبابتها وقالت بقوة وثبات تنظر لعينيه
" هذا خلق للنساء .. للعبث وللنزوات وليس لي "
شد قبضتيه ونظراته لم تفارق عينيها ولم يعلق بشيء فرمت
يدها في الهواء وصرخت فيه بعنف حين لم يبدي أي ردة فعل
" لماذا أتيت ؟ لما لم تبقى معها هناك ؟ "
كان جوابه الصمت مجددا والذي لم يزدها إلا اشتعالا أخمدته
سريعا بنبرتها الساخرة
" خانتك مجددا ومع رجل آخر ؟ "
ارتسمت ابتسامة طفيفة على شفتيه وقال ونظره لم يفارق
تلك الأحداق السوداء الغاضبة
" هي لم تخني يوما "
قالها بهدوء وكأنها لا تشتعل أمامه بل وأضاف يفقدها آخر
حصون ثباتها الذي لم يخذلها يوما ولم يرفض تمسكها به
" بل هي لا تعرف الخيانة ووحدي من كنت أجرحها بذلك "
انسابت دمعة وحيدة يتيمة من رموشها للمياه تحتها فورا
ولم تستطع لا منعها ولا التحكم بها وهمست ونظرها معلق
في عينيه
" أجل فأنت خنتها معي مرة "
مد يده نحوها وشدها من يدها وتحرك من مكانه وسار بها
في المياه وعكس التيار ساحبا إياها خلفه وقال يشيع جثمانها
في كل مرة
" بل لم أخنها مع أي امرأة ... ولن تستحق امرأة في الوجود
أن تأخذ مكانها "
سار بها متجاهلا شدها ليدها منه ومحاولة إيقافه تضرب
بيدها الأخرى رسغ يده الممسكة ليدها ودون جدوى فلم
يترك لها خيارا سوى أن تتبعه مكرهة وخطواتهما السريعة
في المياه تجعلها تتناثر حولهما في كل اتجاه ، وبينما حسب
هو حساب كل ما سيفعله وقد رفع بنطلونه مسبقا لنصف ساقيه
هي لم تخطط لهذا ولم تفكر فيه فتشبع بنطلونها الكحلي بالمياه
درجة أن أشعرها بالتجمد في ساقيها حتى كانت ستفقد توازنها
عدة مرات بسبب فقدها الشعور بهما وليست تفهم فيما يفكر
هذا الرجل وما ينوي فعله تحديدا ولما لحقها إلى هنا أساسا
إن كان أمرها لا يعنيه ؟
ولم يتأخر عنها الجواب كثيرا وقد ظهر لها أسفل المنحدر
الذي تصب منه تلك المياه كرذاذ مطر تساقطت قطراته متباعدة
متتالية تصطدم بالصخور والمياه تحتها فضخ تلك المياه يكون
تدريجيا قبل أن يتم دفعه بالقوة القصوى ليكون كشلال حقيقي
ينزل على ثلاث أقسام منفصلة وكأن كل واحد منهم شلال لوحده .
شهقت بقوة ما أن سحبها وأدارها أمامه لتصبح واقفة تحت
تلك المياه تحديدا تتساقط فوقها كالأمطار متجاهلا شهقتها
وارتجاف جسدها تحتها بل أمسكها من كتفيها ولم يهتم ولا
لما يبلله أيضا منه ونظر لها من بين خصلات شعرها وغرتها
المبلله تنزل رأسها للأسفل وشد على ذراعيها قائلا بحزم
" كم مرة نبهتك على أن ما بيننا تيما خارجه ؟
هل تنتقمين مني فيها يا غسق ؟ "
لم تتحدث ولم ترفع رأسها له بل ولم تقاومه يداها مرميتان
جانبا وكأن كل ما قاله سابقا حولها لجثة ميتة ، هزها بقوة
وقال بحدة
" أيعنيك أن تعلمي بأنها ألقت اللوم على نفسها فيما حدث
ودافعت عنك ؟ هل سألت نفسك يوما أكانت هي السبب أم
اختارت ابتعادها عنك ؟ تيما لم تكن يوما سعيدة معي ولن تكون
كذلك معك لأن حلمها ومنذ كانت طفلة أن تعيش مع كلينا ،
ابنتك لم تكن يوما ضعيفة ولا كثيرة بكاء واجهت وحدتها
وغربتها لوحدها بل وفعلت أمرا أنا لم أكن أتخيل أن تفعليه
أنتي والدتها وليس مراهقة صغيرة ومن أجل ماذا ... ؟
من أجلك أنتي ، تبكي الآن من أجلك ليس من أجل نفسها
ولا عليها لكنك ترفضين رؤية أي شيء غير حقدك وغضبك
من واقعك ورميتها هي بهم وقبل الجميع وخلقت فجوة
بينكما لن تجتازاها أبدا "
هزها مجددا وصرخ فيها بعنف
" هي ابنتك قبل حتى أن تكون ابنتي لا تحاسبيها على أفكارها
وإن كرهتها نفسك ، لا تدمري شخصيتها بسبب ما حدث بيننا
فهذا ما حرصت أنا لأعوام أن لا يحدث "
خرج له حينها صوتها فقط من خلف ذاك الشعر المبلل لازالت
المياه تنساب من بين خصلاته قائلة بهمس مرتجف
" بل أنت سبب كل ما حدث ويحدث "
أمسك رأسها بيديه ورفع وجهها له للأعلى فأغمضت عينيها
برفق بسبب قطرات المياه التي تنزل عليها بقوة رغم تباعدها
وقال بحزم
" إذا أنا من يحاسب وليس هي .. حسابك معي فقط يا غسق "
فتحت تلك الأحداق السوداء الواسعة تسدل رموشها عليها
جزئيا لتحميها بل ولتهدم بها حصونه الحامية وقطرات الماء
تنساب بنعومة فوق تلك البشرة الثلجية والشعر الأسود الكثيف
ازداد فتنة عندما ابتل بها وتلك الشفاه الناعمة المغرية رغم
ارتجافها لونها الدمي لايزداد إلا قتامة ، لبست الأسود حدادا
على فقداها ولم تزدد به إلا فتنة بات يرفض أن يراها أي رجل
في الوجود غيره .
أسدلت جفناها الواسعان مطبقة شفتيها تنساب المياه فوقهما
تتنفس كالغريق قبل أن تهمس بصوت مرتجف
" أكرهك ...... أكرهك مطر شاهين "
شد أصابعه على وجهها أكثر وانحنى بجبينه على جبينها
أنفه يلامس أنفها الصغير ينظر لجفناها الواسعان المطبقان
ورموشها الكثيفة المبللة بالمياه ولم يقاوم أبدا إنحدار أنفه
عن مساره فوق تلك البشرة الناعمة المبللة متمردا على طاعته
وأسدل جفنيه ببطء وقد همس بخفوت يشعر بملمس شفتيها
على شفتيه
" ومطر شاهين يحبك ... يحبك يا ابنة دجى الحالك "
رمت يديها عنه فورا مبتعدة تحت رذاذ تلك المياه وقد نظرت
له صارخة
" كاااااذب "
*
*
*
خرجت من باب المنزل الخلفي راكضة ووقفت في الخارج
تمسك رأسها بيديها تنظر بذهول للنيران المشتعلة في غرفة
الأعلاف قبل أن تلحق بها التي شهقت من فورها قائلة
" يا إلهي ما هذا الذي يحدث هنا ؟ "
همست الواقفة بجانبها بعينان دامعة مصدومة
" احترق كل شيء ... الثياب والحلي والحقائب وكل شيء جميل
في هذا العالم "
اقتربت منهما الواقفة قرب تلك الغرفة المحترقة تنفض فستانها
بغضب تنظر للتي قالت تمسك كتفي الباكية والواقفة بجانبها
" لا تقلقي يمامة السيد أبان سيشتري لك أكثر من هذا بأضعاف "
قالت التي وقفت أمامهما تمسك خصرها بيديها
" تحركا بسرعة وحاولا إخماد النار "
كان جواب التي لا حيلة لها في شيء الصمت بينما قالت الأخرى
" نحن لم نشعلها فليطفئها الذي فعل ذلك "
وصلت يدها لشعرها المجموع للخلف سريعا وأمسكتها منه
بقوة متجاهلة صرختها المتألمة وصرخت فيها تهزها منه بقوة
" خادمة سليطة لسان كسيدتك تماما ، قسما إن لم تبلعي لسانك
رميتك في تلك الغرفة لتحترقي مع الخرق التي أحضروها معك "
أمسكت يمامة برسغها فورا قائلة برجاء باكي
" اتركيها خالتي أرجوك ولن تعيدها مجددا وسنخمد النار حالا "
تركت شعرها بعنف وقالت
" أي كلمة غير التي سأقولها ستتهم صاحبتها بحرق الغرفة
والأعلاف وستتلقى الضرب عقابا لها حينها بالطبع "
وتابعت مغادرة من هناك
" هذا كي لا تتلهيا عن أعمالكما مجددا بسبب تلك التفاهات ،
وعلى عنقي تخرج إحداكما من هذا المنزل "
راقبتاها حتى اختفت خلف الباب وقالت يمامة بحزن متوجة
للصنبور القريب
" هيا نحاول إخمادها فقد ننقذ أي شيء "
تبعتها فورا التي فكت شعرها تعيد شده مجددا قائلة بضيق
" لما تستحملين كل هذا ؟ صمتك يقتلني يا فتاة ! لست أعلم
متى ستتذكر السيدة جوزاء أنها نسيتني هنا وغادرت "
رفعت دلو الماء دون أن تعلق وتوجهت به نحو الغرفة المشتعلة
وحاولت الاقتراب منها لكن الدخان وحرارة النيران بداخلها منعتها
من ذلك رغم أن كمية الأعلاف فيها كانت قليلة والنيران بداخلها فقط ،
حاولت سكبه فيها من بعيد والنتيجة كانت أن انسكبت المياه قرب
الباب دون أن تدخلها فقالت التي أخذت منها الدلو
" لا تتعبي نفسك بهذا وستخمد من نفسها بعدما تلتهم كل شيء "
نظرت للمكان بحزن فبعدما أصبح يشكل عالم النجوم بالنسبة لها
ها قد تحول لهباء كباقي أحلامها التي فقدتها بالتتابع منذ كانت طفلة ،
تحركت من هناك تنظر للأرض بحزن ودخلت المنزل وتوجهت
لغرفتها فورا تشعر بأنها فقدت كل ما هو جميل في حياتها اليوم ،
أغلقت باب الغرفة وتوجهت للخزانة وأخرجت الهاتف الذي كان
صوت اهتزازه بسبب اتصال أحدهم يمكنها تمييزه ما أن تدخل
فيمان من اقترح عليها ذلك فقد يضطر للاتصال بها عليه إن
واجهته مشكلة ما وهو خارج المنزل ، ولأن زوجة والدها لا
تدخل غرفتها مطلقا وجد أن هذا أنسب حل كي لا يجتاز صوت
رنينه الباب المغلق .
نظرت لشاشته المضاءة وعضت شفتها لا شعوريا وهي ترى
الاسم فيه فهو يتصل به منذ وقت ولم تستطع أن تجيب عليه
لكنه لن يتوقف عن الاتصال إن لم تجب وتخشى أن يتصل
بوالدها نهاية الأمر ويمان غادر من قبل وقت الفجر ومؤكد
للجنوب ولن يرجع قبل آخر الليل ، فتحت الخط بعد صراع
طويل مع نفسها ووضعت الهاتف على أذنها وقالت فورا
وبصوت منخفض
" يمان ليس هنا "
وصلها ذاك الصوت الرجولي المستغرب فورا
" وأين هو ! ولما يترك هاتفه في المنزل دائما ؟ "
ليست تفهم لما تشعر بجسدها يرتجف بمجرد سماع صوته
فهي لم تعتد التحدث مع أحد فكيف إن كان رجلا ! قالت بذات
الصوت الشبه هامس
" لا أعلم "
وصلها صوته الحانق فورا
" وسكرتيرته لما إن لم تكوني تعلمين أين هو ؟ "
زمت شفتيها فورا وملأت الدموع مقلتيها الرمادية الواسعة
قبل أن تهمس بصوت مرتجف من اختناقها بعبرتها
" لم يخبرني .. "
قال من فوره
" آوه بربك يمامة ما الذي قلته يبكيك يا طفلة ؟ ما أن يرجع
أخبريه يتصل بي .. وآسف فهيا توقفي عن البكاء "
مسحت عيناها بقوة هامسة
" حسنا سأخبره "
وصلها صوته قائلا
" شكرا لك ... وداعا "
أعادت الهاتف مكانه تحت ملابسها ومسحت عيناها بقوة
وغادرت الغرفة مجددا فعليها تنظيف غرفة الأعلاف ما أن
تخمد النار كي تخفف من غضب والدها وإن قليلا حين يعلم
*
*
*
|