فرك رأسه بألم بسبب ضربها له بالقلم في يدها ورفعه عن
الأوراق تحته ونظر لها وقال بضيق
" أعيديها مجددا يا ابنة مطر شاهين وسأدخل القلم في حدقتك
الزرقاء هذه "
أغمضت عينها تغطيها بأطراف أناملها ونظرت له بالعين الأخرى
فقط قائلة تمسك ضحكتها
" وما ذنب عيني تفقأها لي إن كان دماغك يرفض فهم ما أشرحه
من عشرة أيام يا كاسر يا ابن الكاسر ابن شراع "
جمع الأوراق من تحته ورماها بعيدا عنه عند منتصف الطاولة
البيضاوية المستديرة قائلا بضيق
" لم أعد أريد دروسك السخيفة تلك ... انجليزيتي ممتازة
فاحتفظي بمهاراتك لنفسك "
ضحكت وقالت تقلد صوته في نطق الكلمات
" أندوور تينك "
نظر لها بضيق وقال يقلد صوتها الرقيق
" أندور تييينك ... لما عليا أن أمط الأحرف مثلك لتكون صحيحة ؟ "
نظرت له بضيق قبل أن تحول نظرها جهة الجالس على مبعدة
منهما منشغل بجهازه المحمول أمامه وقالت
" من منا معه حق خالي رماح ؟ "
نظر لهما من فوق الجهاز أمامه وقال مبتسما
" إن واصلت تعليمه لأشهر وليس لعشرة أيام فقط فلن ينطق
الكلمات مثلك لأنك عشت هناك منذ صغرك فلا تتعبي نفسك معه "
وما أن أنهى عبارته تلك أغلق حاسوبه وحمله معه وغادر بكرسيه
الكهربائي جهة غرفته فعادت بنظرها للجالس قربها حين قرب
وجهه ناحيتها وهو يقول بتملق
" هه ... تيبد بروبلي "
مدت وجهها له أيضا وقالت بسخرية تشير لوجهه بسبابتها
" وإن يكن كتبتها صحيحة فأنت تنطقها بشكل خاطئ ...
وحتى هذه أيضا "
نظر لها باستياء وكان سيتحدث لولا قاطعه صوت هاتفها
الموضوع على الطاولة فرفعته فورا فهذا صوت رسالة وصلت
لبريدها وهي تنتظر أن تتذكرها عمتها غيسانة من نفسها برسالة
ولم تفعلها حتى الآن ، فتحت الرسالة التي وصلتها ونظرت بصدمة
لتلك الصورة وذاك الرجل الأشقر الذي كان يمسكه رجلان من
الشرطة من ذراعيه ويخرجانه من مكان يبدوا بأنه حانة أو ملهى
ليلي فشعرت بكل عصب في جسدها يرتجف بشدة وبالدموع الحارة
تملأ مقلتيها الزرقاء وهي تنظر لذاك الوجه وكأن الزمن عاد بها
تلك اللحظة لتلك الليلة والبلاد بل والملهى والموسيقى والصراخ
الذي باتت تشعر بهما يضربان أذنيها وقلبها تلك اللحظة ، ارتجفتا
يديها الممسكتان بالهاتف ونظرت للمكتوب أسفل تلك الصورة من
بين دموعها ( يبدوا عليك البحث عن حبيب آخر ... بل يبدوا أن
مكالمتك له تلك الليلة أرسلته للسجن )
ثم وفي سطر آخر أسفله بقليل ( قد يهمك أن تعلمي بأنني كنت
في مهمة في ذاك الملهى تلك الليلة وبأوامر من والدك من أجل
هذا الرجل وشريكه تحديدا لأنهم ممن يدمرون بلادك حاليا (
قلبت الهاتف على الطاولة بقوة وخبأت عينيها في كفها ولم تستطع
منع الدموع التي تقاطرت من عينيها تباعا وهي تدخل في نوبة بكاء
حادة فما به معها الآن وهو من لم يحاول الاتصال بها ولا مراسلتها
منذ تلك الليلة ؟ بل ما الذي يريده تحديدا ! وقف الجالس بجانبها
فورا وحضن كتفيها قائلا بقلق
" تيما ما بك ؟ ما هذا الذي يبكيك ؟ "
لم تجبه ولم تستطع قول شيء بسبب العبرات التي كانت تتابع
بين أضلعها وحلقها وهو يحاول التحدث معها لحظة ما انفتح باب
المنزل ودخل منه الذي أغلقه خلفه وتوجه نحوهما فورا حتى وصل
عندهما ووضع يده على كتفها قائلا بتوجس
" تيما ما بك ؟ "
وقفت وغادرت من هناك راكضة وصعدت السلالم تمسح دموعها
التي ترفض التوقف فنظر للكاسر وقال
" ما بها ! ما يبكيها هكذا ؟ "
حرك الكاسر رأسه بعدم فهم قائلا
" لا أعلم ! ثمة رسالة وصلت لهاتفها جعلتها تبكي هكذا ورفضت
أن تجيب "
نظر رعد للهاتف الذي تركته على الطاولة ثم رفعه ونظر لتلك
الصورة وما كتب تحتها قبل أن يرفع نظره بالذي قال بفضول
" ماذا فيها ؟ "
دس الهاتف في جيب سترته قائلا
" لا شيء سيء ... لم يتأذى أحد تعرفه "
وتحرك من هناك جهة السلالم من فوره تتبعه نظراته المستغربة
قائلا
" هيه رعد ما الذي أبكاها إذا ؟ "
لكن سؤاله لم يلقى أي جواب من الذي صعد يقفز العتبات
مختصرا لها وسلك الممر مسرعا حتى وصل باب غرفتها وطرقه
عدة طرقات قبل أن يفتحه ليقع نظره فورا على التي كانت تضم
ركبتيها مخبئة وجهها فيهما تبكي بصمت لا يسمع سوى صوت
نشيجها المنخفض فوقف مكانه مترددا للحظة وهو ينظر لحجابها
المرمي قربها وشعرها الأسود مثناثرا حول كتفيها وظهرها
وخصلات منه قد نزلت على ذراعيها وركبتيها ، يعلم بأن الأمر
تجاوز منه لكنه لا يراها سوى ابنة لشقيقته التي لولا اختيارها
بنفسها من أعوام طويلة أن تتحجب عنهم ما أن علمت بأنها
ليست شقيقتهم ما كانوا ليهتموا بأن تبقى مكشوفة الشعر أمامهم
وهي من تربت معهم وحملوها على أكتافهم طفلة ، أما الآن فلا خيار
أمامه سوى أن يدخل لتلك الصغيرة الباكية المنكمشة على نفسها
فعليه أن يعلم سر تلك الرسالة والرجل في الصورة خاصة بعدما
حكته له سابقا وكان مبهما وناقصا في نواحي عدة ، أغلق باب
الغرفة واقترب منها وجلس أمامها على طرف السرير وقال بهدوء
" تيما ما هذا الذي يبكيك ؟ عليك قول الأمر لي حالا "
انتظر قليلا على أمل أن تجيب لكنها لم تفعل كما لم يتوقف
بكائها ولم ترفع رأسها فأخرج هاتفها من جيبه وقال بحزم
" تيما ارفعي رأسك وتحدثي معي أو أخذت هذا الهاتف لوالدتك
حالا "
قفزت حينها مرتجفة من مكانها وأمسكت بكم سترته جهة ذراعه
وقالت ببكاء
" لا خالي رعد أرجوك كله إلا والدتي ، إن كانت مغادرتي معك
لم تسامحني عليها بسهولة فكيف بمصيبة كهذه ؟ "
رفع يده ومسح الدموع من وجنتيها قائلا
" لن تعلم شيئا إذا أخبرتني بكل ما حدث يا تيما ، من هذا الذي
في الصورة وما علاقة الأمر بالشخص الذي حدثتني عنه سابقا ؟ "
وتابع بجدية ناظرا لعينيها الزرقاء الدامعة حين لم تعلق
" تيما التكتم عن بعض الأمور قد يوصلنا لمشاكل أعظم من
مشكلتنا الأساسية "
مسحت بظهر كفها عيناها الدامعة وأنفها الصغير وهمست
ببحة بكاء تتجنب النظر لعينيه
" والحديث عنه أيضا لن يجلب حلا له بل مشاكل أكبر لي "
تنهد بصبر وقال بالكثير من التفهم
" لكن الأمر لن يصل لأحد ليتحول لمشكلة يا تيما ثقي بي ،
هل لذاك الشاب علاقة بالأمر ؟ "
أنزلت رأسها تخفي ملامحها عنه بغرتها المقصوصة هامسة ببكاء
" بل هو من أرسل هذه الرسالة "
نظر لها باستغراب قبل أن يمد يده لذقنها الصغير ورفع وجهها له
وقال ناظرا لعينيها الباكية " ألم تخبريني بأنك لم تلتقيه مجددا
ولا تعرفين شيئا عنه ! "
زمت شفتيها المرتجفة الباكية قبل أن تحررهما قائلة والدموع
تتقاطر من عينيها
" بلى لكني التقيته هنا ولا يمكنك أن تتصور من كان "
دس يده في جيبه وأخرج لها منديلا ومده لها قائلا
" هيا امسحي دموعك وتوقفي عن البكاء وأخبريني بكل شيء
من البداية وأعدك أن لا أوبخك ولا مجرد توبيخ فالأمر قد
مضى ولا يمكننا العودة للوراء لتغييره "
أخذته منه ومسحت دموعها قبل أن تنزل يديها لحجرها تضمهما
وذاك المنديل فيها وبدأت بسرد ما حدث معها منذ تلك الليلة
متجنبة ذكر هوية عمتها كما تم تحذيرها سابقا وبأن من عرفتهم
هناك لا تتحدث عنهم هنا أبدا كاحتياط حفاظا على حياة أتباع
والدها هناك خاصة أنه كان يعيش في تلك البلاد متنكرا .
ما أن انتهت من سرد حكايتها مسحت عيناها ودموعها مجددا
لحظة أن وصلها صوت الجالس أمامها قائلا بحيرة
" ابن عمة والديك !! ما أغربها من مصادفة يا تيما ! لكنه
حقا فعل شيئا يعجز اللسان عن وصفه درجة أن يضحي بحياته
لينقدك ! ماذا كان سيحدث إن لم يكن هناك ؟ "
أمسكت فمها ولازالت تنزل رأسها للأسفل وقالت ببكاء
" لست أعلم ماذا كان ليحدث حينها ؟ ليتني مت وما فعلت ما فعلته
فها أنا أجني العقاب مضاعفا "
أمسك كتفيها بيديه وقال بجدية ناظرا لملامحها التي لا يظهر منها
إلا القليل بسبب ذاك الشعر الحريري والغرة المتدرجة
" أنا أحترم عدم ذكرك لسبب فعلك كل ذلك رغم أني أخشى
عليك من التستر على تلك المرأة يا تيما ، وتوقفي عن البكاء
هيا فمخاوفك جميعها لن تتحقق أبدا "
رفعت رأسها ونظرت له وقالت باكية
" كيف وأنا أخبرتك بكل ما قال وفعل ؟ لست أعلم ما به
حظي هكذا ! "
أبعد يديه عنها وقال مبتسما بسخرية
" من تلك الناحية عليك أن تكوني مطمئنة فذاك الشاب لن يخرج
سرك من صدره أبدا "
نظرت له باستغراب ودمعتها تتدلى من رموشها الكثيفة فمسحها
بطرف إبهامه وقا مبتسما
" لو أراد إخبار والدك لفعلها سابقا بل وما كان ليمنعك من فعلها
وهو لن يتضرر بكشف الحقيقة أبدا لكنه يرى أن انكشافها هو الأمر
الذي لن يكون في صالحه "
همست بحيره
" وما الذي سيستفيد منه ؟ "
خرجت منه ضحكة صغيرة وقال
" لن يجد حينها ما يعاقبك به على آلامه بسببك ... لا يفهم الرجال
أحد مثل الرجال أنفسهم يا تيما "
حركت رأسها بعدم استيعاب فأخرج هاتفه من جيبه قائلا بابتسامة
" حسب علمي فوالدك في فزقين اليوم من أجل اجتماع منظمة النفط
وسيكون هدفنا معه فهو ظهر برفقته في جميع رحلاته السابقة داخل
البلاد وفي جميع نشرات الأخبار فسأريك دليل ما قلت الآن "
نظرت له بحيرة وترقب وهو يتصل بوالدها ثم يضع الهاتف
على أذنه وقال بعد وقت
" مرحبا يا زعيم ... يبدوا أنك في السيارة هل أنت عائد لحوران ؟ "
أشار لها بإبهامه مبتسما ومؤكدا لها بأن خطته تسير في الطريق
السليم فمسحت عيناها وأنفها ونظرت له بانتباه ترعي سمعها حتى
لصوت والدها الخارج من الهاتف منخفضا وهو يقول
" أين أنت كلما وصلت لمكان هربت أنت منه قبل وصولي ؟ ثمة
ما عليا محاسبتك عليه وعسيرا أيضا "
ضحك رعد وقال
" أخفتني يا رجل ... أشم رائحة ابنة عمك في الموضوع فلا مشاكل
ستأتيني منك إلا من رأسها ؟ ثم أنا من له حساب عسير معك فتحرك
أو دخلت مدن ثنان بنفسي وأخرجت ما يخصني من عندهم وخرجت
وتصرف أنت معهم لاحقا "
خط بعدها بطرف ظفر سبابته جهة لاقط الصوت في هاتفه
وغمز للجالسة أمامه ثم أبعد الهاتف وقال
" مطر افتح مكبر الصوت لديك هاتفي اليوم يعاني من مشكلة
ولم يعد يمكنني سماعك جيدا "
نظرت له بصدمة ولابتسامته الماكرة حين فهمت فيما يفكر ويخطط
وهو اسماع شخص ما معه في السيارة ما سيقوله ! ولها أن تتوقع
جيدا من يكون ذاك الشخص فأشارت له بسبابتها رافضة فضحك
بصمت وأمسكها لها وهمس مبعدا الهاتف
" ثقي بي يا تيما سرك لن يكتشفه أحد "
نظرت له بعبوس وهو يترك يدها قائلا لمن في الطرف الآخر وقد
أعاد الهاتف لأذنه
" أجل هكذا أفضل ... أخبرني متى سأدخل لمنزل شقيقتي ولا أجد
ابنتك فيه ؟ هل قررت تركها عندها هنا أم ماذا ؟ لن أضمن لك
أن لا يفسدا الكاسر ورماح طباعها "
" أنت من سيحاسب حينها "
ضحك فورا وقال
" وما ذنبي في ذلك أيضا ؟ ولعلمك لست مسئولا عن فكرة
حضورها حفل الجمعية مع والدتها فإن كانت تلك نفخ لي رأسي
خاطبيها فكيف بابنتها زرقاء العينين "
ضحك بصمت على شكلها المصدوم ووصلها صوت مطر قائلا
" لا تزد من رصيد مساوئك لديا يا ابن شراع "
قال مبتسما وغامزا للجالسة أمامه
" زوجني إياها إذا ... صحيح أني أكبر من والدتها لكني أصغر منك "
ولم يستطع امساك ضحكته بسبب شكل الجالسة أمامه حتى أنها
بسبب ضحكه لم تسمع ما قال والدها حتى قال رعد مبتسما
" ها هي جالسة أمامي تبتسم لي ولم تمانع أما كلمة خالي سأنسى
أنها قالتها سابقا لا مشكلة "
أمسك يدها التي مدتها لتأخذ الهاتف منه ضاحكا ثم قال
" أجل سأراه بعد ساعتين وسأكون هناك المكان ليس بعيدا
عن هنا ... وداعا "
أنهى الاتصال معه ونظر مبتسما للتي ضربت فخذها بقبضتها
قائلة باستياء
" أهذا هو ما ستجعلني أفهم به كلامك السابق ؟ أنت تورطني
أكثر وتضع حولي دائرة حمراء جديدة "
أشار بأصابعه بطريقة العد التصاعدي قائلا
" هي خمس ثوان فقط ... واحد ... اثنان ... ثلاثة ... أر.... "
وقطع عده صوت رنين الرسالة التي وصلت هاتفها مما جعل جسدها
ينتفض بشدة ورمته جهته لا شعوريا قائلة
" خذه لم أعد أريده "
ضحك كثير ورفعه وفتح الرسالة التي وصلت منه
( قد يعنيك أن تعلمي بأن صورة آخر امرأة ظهرت معه ستنزل في
جميع الصحف فتمني من الله أن لا تكوني الأخيرة )
عاد للضحك مجددا ما أن قرأها ثم مد لها الهاتف قائلا
" انظري ها هو الدليل "
أخذت الهاتف منه وقرأتها ثم رفعت عيناها التي امتلأت بالدموع
مجددا له وقد عبست ملامحها الجميلة منذرة بنوبة بكاء جديدة
فشد أنفها وقال مبتسما
" هل علمت الآن معنى أن يعاقب الرجل سبب آلام قلبه تحديدا ؟ "
تدحرجت دمعة من عينها اليمنى وهمست ببحة بكاء
" وما هذا الألم والعقاب ! لا أرى إلا أني أنا من نال كل ذلك ؟ "
مسح تلك الدمعة بسبابته عن خدها وقال مبتسما
" اتركينا من هذا الآن وما عليك فعله من الآن وصاعدا أن لا تجيبي
على رسائله مهما كتب فيها ، وكوني أكيدة من أنه هو من سيحمي
سرك وبقوة كي لا ينكشف فتجاهليه تماما ولا تظهري له خوفك من
انكشافه وابقي على موقفك السابق وستري بنفسك ما ستتجه
له الأمور "
وقف بعدها وعيناها الدامعة معلقتان به ترفع رأسها ووجها له وقد
تابع بجدية داسا يديه في جيبي بنطلونه
" لكن عليك أن تعلمي يا تيما بأنه قد يكون ثمة وقت ستحتاجين
فيه لقول الحقيقة له لأن التستر على تلك المرأة وكانت من
تكون قد يكون ثمنه قاس جدا وأنتي من سيدفعه لباقي عمرك
فتلك المرأة لم تفكر فيك بل بنفسها فقط فإن احتاج الأمر يوما
لأن تكوني أنانية مثلها فافعليها وأنقذي نفسك وإن كنت ستزجينها
في السجن وليس توريطها في غضب والدك منها فقط "
وغادر ما أن أنهى حديثه مغلقا الباب خلفه تراقبه نظراتها الحزينة
العابسة تشعر بأنه رماها في متاهة ألغاز كبيرة وغادر ، وما هي إلا
لحظات وانفتح باب الغرفة بقوة ودخل منه الكاسر وسحبها من يدها
قائلا
" تعالي يا بكاءة لتختاري معي ما سألبسه في حفل الغد "
*
*
*
مررت قلم الحبر على شفتها تنظر بضيق لصفحات الكتاب التي
باتت جميعها متشابهة فهذه هي المشكلة التي تواجهها دائما إن
تعقدت أمامها مسألة لا تفهم شيئا بعدها أبدا ورغم أنها تدرس في
هذه الجامعة مند حوالي الأسبوعين وقد التحقت بدورة تقوية
مسائية من عشرة أيام وتحسنت أمور دراستها كثيرا خاصة
بمساعدة صديقات كين إلا أنها لازالت تقع في مثل هذه المعوقات ،
بقي أمامها أسبوع واحد وتنتهي دورة التقوية ولن تجد بعدها
من قد يفيدها في كل هذه المسائل ويساعدها فيها ، أغلقت الكتاب
ووضعته على الحقيبة في حجرها وأمسكت بالآخر تجلس في ساحة
الجامعة وهو مكانها المفضل والذي تختاره حتى عن المكتبة الضخمة
العالمية الموجودة فيها فهي تفضل استعارة الكتب والجلوس هنا
فوق بساط الأرض الأخضر وسط الهواء النقي وحيث ثمة تجمعات
كثيرة ومتفرقة للطلاب لكن الهدوء كان السمة الغالبة على المكان
لاتساعه وتباعد الموجودين فيه ، لم تبني صداقات عميقة مع الطلبة
هناك رغم أنها كانت تندمج بسهولة مع المجموعات في كتابة التقارير
والبحوث الأسبوعية لكنها لم تشكل صداقة مع أي منهم ... كانت
ترفض مرافقة الشبان وبكل أدب بينما الفتيات لاحظت أنهن لا يبدين
أي استعداد لفعل ذلك ما لم يقدم الطرف الآخر عليه أي إن رغبت
أنت بذلك فعليك طلبه وليس نحن من يعرضه عليك وهي استساغت
ذلك فأي طالب يدخل تلك الكلية لن يفكر في شيء أكثر من دراسته
وتفوقه وأن يجتاز العام بنجاح فلا مكان للفاشلين المستهترين هناك .
ليست تعلم إن كان الجميع مثلها لكنها ترى وضعها المزدحم فوضوي
جدا فهي بالكاد تجد وقتا لتهتم بأي أمر من أمورها السابقة فما أن
تغادر من الكلية تلتحق بدورتها المسائية ولا ترجع للمنزل إلا مساء
وسيكون لديها الكثير من العمل بخصوص دراستها لتنجزه ثم تنام
ويبدأ بعد ذلك يومها من جديد ، ساندرين تدرس في كلية الطب
و تعمل في حقول منظمة الإغاثة وعضو في نادي رياضي لكنها
تراها تجد وقتا كثيرا لتتسلى وتسلي نفسها ولتخرج وتتنزه أما
هي فكانت وكأنها تهرب فعلا من وحدتها .. من أن تختلي بنفسها
ومن أن تجد وقتا لتفكر في أي شيء لم يعد .. أو لم يكن يوما لها ..
أجل لا يمكنها أن تنكر أنها تهرب دائما من التفكير فيه وفي زيارته
الأخيرة وفي حضنه وقبلاته المثيرة تلك بل وتهرب حتى من
استعادة ملامحه ورائحة جسده والشعور به ، فهو منذ زيارته
تلك لم تراه مجددا لم يتصل بها ولم يراسلها وما عادت تتوقع
ذلك منه فدراستها استقرت تقريبا ووفر لها كل ما تحتاجه كما
يرى ويعتقد ولولا رسالتها له ذاك اليوم وشجارهما وقت اتصاله
ما كان ليزورها ولا لتراه أبدا وتستبعد أن يكون لديه وقت أساسا
ليفكر فيها فهل سيجد وقتا ليقرر رؤيتها فيه ؟ وحتى إن وجد ذاك
الوقت فلن تتوقع أبدا أن يخصصه لها أو أن يرغب في ذلك من أساسه .
تأففت وأغلقت الكتاب الآخر ووضعته على السابق في حجرها فها
هي النتيجة سافرت بأفكارها له فورا وبكل سهولة بل وفي ثوان
معدودة استطاع سرقتها من كل شيء حولها .
رفعت نظراتها المتوجسة بالساقين الطويلتين أمامها والملتفتان
ببنطلون أسود أنيق حتى وصلت لذاك الرأس ذو الشعر الأسود
الذي حجب الشمس عنها فابتسمت ما أن عرفت هويته قائلة
وقد عادت بنظرها للأسفل " مرحبا كين "
انحنت تلك الساقين وجلس صاحبها أمامها وقد نزع الحقيبة
الشبابية السوداء التي التف حزامها حول صدره ووضعها بجانبه
وقال مبتسما
" رأيتك أكثر من مرة تجلسين هنا لكني كنت دائما منشغلا
بفعل شيء ما يشغلني عن الاقتراب منك ، كيف تسير أمور
دراستك هنا ؟ "
نظرت ليديها ولحركة أصابعها على الكتاب في حجرها وقالت
" جيدة ... إنها تسير بشكل جيد حتى الآن ... شكرا لما قدمته
من أجلي فصديقاتك قمن بالواجب معي حقا "
وصلها صوته المبتسم فورا
" ولما الشكر ؟ ليس سوى شيئا بسيطا جدا ، انتظرت أن
تزوري مكتبنا لطلب ما هو أكثر وأهم من ذلك لكن يبدوا بأنك
استقلالية كثيرا أو أنك لازلت تخجلين مني ماري "
رفعت رأسها له وقالت مندفعة
" ماريه "
ضحك من فوره وقال ممررا أصابعه في شعره الأسود
المصفف بعناية
" حسنا ماريه أنا فقط أناديك كما يفعل الطلبة في دفعتك
ولم أكن أعلم أنك لا تتقبلين اسم ابنة خالتي أبدا "
هربت بنظراتها منه محرجة وقالت
" آسفة لم أقصد إهانتك أو إهانتها لكني حقا افضل أن يناديني
الجميع ماريه "
شبك يديه مستندا بمرفقيه على ركبتيه يجلس متربعا أمامها
وقال مبتسما
" بإمكانك جعل الجميع يناديك به فكثر هم من يختصرون
أسمائهم في هذه البلاد أو يغيرونها لما يشابهها ، هم لا يتسمون
بالعناد في مثل هذه الأمور فما أن تبدي رغبتك في مناداتك
بطريقة ما سيبدي الجميع استعداده لفعل ذلك "
رفعت خصلات شعرها خلف أذنيها وقالت بهدوء " أنا حقا آسفة
قد أعتاد ذلك يوما ما ويصبح شيئا آخر عليا التعايش معه "
ابتسم الجالس أمامها مدققا على ملامحها الجميلة وقال
" يبدوا لي أن وضعك لا يعجبك ماريه ؟ هل ثمة مشاكل تواجهك
مع زوجك ؟ "
رفعت نظرها له وقالت فورا
" لا ... أعني الأمور تسير على ما يرام ونحن متفقان مسبقا
على وضعنا وظروف كلينا "
نظر لأصابعه حاني الرأس قليلا قبل أن يعود بنظره لها قائلا
" أجل لكني ظننت أ.... "
هربت بنظرها منه وقالت مقاطعة له وليبتعد عن الموضوع بأكمله
" كنت أرغب حقا في زيارة مكتبكم ذاك ورؤية نشاطاتكم الطلابية ،
أتمنى أن أجد وقتا لفعلها قريبا "
ابتسم الجالس أمامها وقال
" سيكون لديك الوقت الكافي إن استقطعت من وقت مغادرتك
القليل فيبدوا أنك تغادرين فور انتهاء محاظراتك هنا "
نظرت حينها للساعة في معصمها ووقفت ترفع كتبها
وحقيبتها قائلة
" أجل كاد الوقت يسرقني هنا عليا العودة للمنزل الآن "
وقف أيضا وأدار حزام حقيبته حول صدره يلبسها مجددا قائلا
بابتسامة
" كنت أرغب في وقت أطول نقضيه معا بما أنك خرجت مبكرة
لكنها لن تكون الأخيرة بالتأكيد ، يعجبني أسلوب كتابتك في
التقارير وأتمنى فعلا أن تجربي كتابة المقالات سيكون لك سيط
كبير ومميز في المجلة الطلابية وبين الجميع ، ذاك سيساعدك
حتى مع أساتذتك حين يصبح اسمك متداولا لدى الجميع "
نظرت للكتب ومذكراتها في حضنها قبل أن ترفع نظرها به مجددا
قائلة بابتسامة
" لست أعلم إن كنت سأجد الوقت الكافي أو القدرة على فعل ذلك
لكني سأحاول بالتأكيد "
ابتسم لها ابتسامة جميلة تشبه وسامة ملامحه واسترخائها
وأمسكها من مرفقها وقال سائرا بجانبها وقد أبعد يده عنها
" أنا أيضا سأغادر الآن يمكننا السير معا حتى الخارج "
وتابع مبتسما وهما يقطعان ساحة الكلية الواسعة
" أخبريني ما أخبارك وشقيقتي المجنونة تلك ؟
لابد وأن تكوني تعلمت منها الكثير عن طرق الاستمتاع بحياتك "
ابتسمت من فورها قائلة
" ليس كثيرا لكن ما رأيته يكفي لأن أكون متهورة أحيانا "
ضحك من فوره وقال وهما يجتازان مجموعة طلبة قرب
مدخل الكلية
" إذا أنتي لم تعرفيها جيدا بعد "
وبدأ يسرد عليها بعض
قصص طفولتهما ونجح في إضحاكها
مسافة سيرهما خارجان قبل أن تموت تلك الابتسامة وقبل أن
تشعر بأنه أصبح يبتعد عنها وبصوته يتلاشى تدريجيا بل
ولم تعد تشعر بوجوده قربها ولا أي شيء أو شخص آخر
وهي تنظر للواقف أمامهما قرب مواقف السيارات الخاص
بالجامعة .. صاحب ذاك الطول المتناسق مع جسده المليء
بالعضلات والشعر الأسود الفاحم الكثيف تحركه النسائم الخفيفة
للخلف بسهولة رغم قصره .. النظرة الحادة القوية والوقفة
الواثقة يدس يديه في جيبي بنطلونه الجينز مبعدا بحركته تلك
طرفي سترته البنية الأنيقة للخلف ليبرز ذاك الخصر النحيل
والصدر العريض الملتف بقميص ضيق يظهر أكثر مما يخفي
من معالم ذاك الجسد المتفجر رجولة .
كانت نظراتها معلقة به وخطواتهما تقترب ناحيته ببطء بينما
كانت نظراته الحادة مركزة على شخص واحد وشيء واحد
حتى وصلا عنده ولم يكن ذاك الشخص سوى الذي لم ينتبه
لوجوده ولم يتوقف عن الحديث إلى ذاك الوقت وقد وقفا أمامه
تماما وتلك الأحداق الذهبية والنظرات الحزينة معلقة بملامحه
وبنظراته للواقف بجانبها وكأنها ليست في ذاك المكان
وليس يرى أحدا سواه هناك وقد قال كين مبتسما
" اوه تيم كيف حالك يا رجل ؟ أنرت الجامعة بل وكامبريدج بأكملها "
كان رد فعله الوحيد أن همس ببرود ونظره لم يفارقه
" شكرا "
بينما تابع كين حديثه قائلا
" كنت أبحث عن طريقة لمعرفة رقم هاتف قاسم وجيد أني
التقيتك فلابد وأ.... "
قاطعه قائلا بجمود
" لا يمكن التواصل مع أحد ممن كانوا هنا "
مرر أصابعه في شعره وقال مبتسما
" حسنا لا بأس "
نظر بعدها للواقفة بجانبه ليسرق نظراتها المعلقة بتلك
الملامح الحادة المشدودة رغم وسامتها حين قال مبتسما
" أنتظر مقالك الأول ماريه ومتأكد من أنه سيتم قبوله فورا
فقط فكري في المحاولة "
نظرت للأسفل قبل أن ترفع نظرها بالذي تحولت نظراته
لوجهها وهربت بنظرها منه أيضا وهمست ترفع خصلات من
غرتها خلف أذنها
" لا أعلم .. سأفكر في الأمر "
غادر حينها من عندهما قائلا بابتسامته ذاتها
" جيد الوقت أمامك طويل ... وداعا الآن "
وغادر من فوره مبتعدا فرفعت نظراتها بالواقف أمامها والذي كان
يلتفت برأسه تتبع نظراته من اجتازه للتو مغادرا فرطبت شفتيها
بطرف لسانها سريعا وكانت ستتحدث لكن ما أن عاد بنظره
لها طارت كل تلك الأحرف وتبخرت الكلمات ليستلم هو المهمة
وقد قال بجمود
" ماريا هل أفهم ما يعني طلبه ذاك منك ؟ "
اتسعت عيناها بصدمة وبالكاد وجدت صوتها حين همست
" هو كان ير.... "
قاطعها من فوره وبحزم
" لا تنشغلي عن دراستك بتلك النشاطات السخيفة ماريا ، طلبة
الماجستير يجدون وقتا ليضيعوه في تلك الأمور لكن أنتي لا "
زمت شفتيها قبل أن تخفض رأسها ناظرة لمذكراتها في حضنها
وهمست ببرود
" لم أكن أريد حقا إحراجه بر.... "
قاطعها فورا
" أعلم ما كنت تريدين "
رفعت نظرها له وقالت حانقة
" تيم متى ستتركني انهي مرة عبارة أقولها ؟ "
أخرج يديه من جيبي بنطلونه وشدها من يدها قائلا بضيق
" ها قد أنهيتها الآن ، تحركي لأوصلك للمنزل "
سارت خلفه بخطوات شبه راكضة حتى وصلا لسيارة جاكوار
بيضاء فاخرة وأنيقة وفتح لها الباب بجانب السائق فنظرت
حولها في المكان قبل أن تهمس
" لكن سيارتي !! "
وصلها صوته البارد وقد تحرك حولها
" أرسلتها للمنزل .. هيا اركبي لأوصلك "
نظرت له بصدمة وهو يجتازها .. أرسلها للمنزل ... !!
لما يوصلها له إذا ! بل لماذا يرسل سيارتها ثم يلحقها بها ؟
لحقته بخطتوتين سريعتين وأمسكت بذراعه ولفته جهتها قائلة
" تيم ما بك ؟ "
حدق بعينيها للحظة وبصمت قبل أن يتحرك مجددا ولف حول
السيارة وفتح الباب وركبها مغلقا إياه خلفه ونظراتها الحانقة
تتبعه ، ما يقصده بما فعله الآن ! أرسل سيارتها أي أنه لم يكن
يخطط لأخذها للمنزل لكان تركها تذهب بها بل لم يكن ليأتي
أساسا حينها ؟ أيفعل معجزة كتلك ثم يتراجع عنها الآن
ودون سبب ! حضنت كتبها ومذكراتها بذراعيها ولم تتحرك
من مكانها احتجاجا على تصرفه ذاك فوصلها صوته من داخل
السيارة وبنبرة حازمة
" ماريا تحركي أو غادرت وتركتك "
تجاهلته ولم تتحرك من مكانها فصرخ هذه المرة بحدة
" ماريا لا تجعليني أريك وجهي الآخر "
شدت أسنانها بقوة وغضب متأففة وتحركت جهة الباب المفتوح ..
حمقاء لما تهتم أساسا بما كان يريد فعله ؟ ما كان عليها أن تظهر
اهتماما بأن فكر بأخذها معه لأي مكان كان ... كان عليها أن تتجاهل
كل ذلك ولا تسأله عنه ولا مجرد سؤال لكنها مغفلة متسرعة دائما
ومن الجيد أنها لم تسأله بكل حمق أين كان سيأخذها ولن تستبعد
حينها أن يسخر منها أو أن يصدمها بجواب قاتل فليست تستبعد أبدا
أن يكون كان ينوي أخذها لطبيب لفحص نظرها أو اختبار ذكائها
لتدرس بشكل أفضل فهو لا يبدي اهتماما سوى بذلك ، ركبت
السيارة مغلقة الباب خلفها وتحرك من هناك فورا فاكتفت بالنظر
جهة النافذة مكتفة ذراعيها لصدرها ، الغبي فقط من لا يمكنه فهم
أنه قادم لأخذها لمكان ما وحدهما ولن يرجعا في وقت تكون فيه
الجامعة مفتوحة لأخذ سيارتها وهو يعلم جيدا أنها تفهم كل هذا
لذلك لن تسأله أكثر .. لن تهتم وإن ظاهريا .
انتظرت أن يتحدث وأن يقول شيئا وإن ليوضح سبب تبدل مخططه
فجأة لكنها اكتشفت سريعا أنها أكثر حمقا مما كانت تتخيل فقد وضع
السماعة في أذنه وأمضى الطريق من كامبريدج للندن وهو يخرج من
مكالمة يدخل في أخرى وهي على وضعها ذاته لم تغيره ولم تزح
نظرها عن النافذة لا تريد رؤية شيء منه ولا يديه وأصابعه
الملتفتان حول المقود يكفيها سماع صوته ورائحة عطره ...
حمقاء بالفعل تعشق جميع تفاصيله بينما يعاملها هو بتجاهل
ولا مبالاة وليست تفهم حتى الآن لما لا تكون مثله ؟ لماذا تفقد
صوابها ما أن تراه أمامها ؟
ما أن توقفت السيارة أمام باب المنزل فتحت بابها ونزلت فورا
وضربته مغلقة إياه وتوجهت للباب ودخلت دون أن تلتفت للخلف
ولا بطرف عينها ، وقفت منتصف الطريق وسمحت حينها لنفسها
بفعلها والنظر للخلف حين سمعت صوت سيارته تغادر مسرعة
وعبست ملامحها متمتمة بأسى
" لو أفهم لما أتيت ؟ كنت واصلت مسيرة اهمالك وتجاهلك لي "
تحركت مجددا وتابعت سيرها جهة باب المنزل تمسح عيناها
بظهر كفها بقوة فلن تسمح لدموعها بالنزول أبدا ، ما أن فتحت
باب المنزل حتى سحبتها تلك اليد جهة ممر غرفتها وقد قالت
صاحبتها ضاحكة
" أجمل شيء فيك أنك تصلين على الوقت تماما "
تبعتها شبه راكضة بسبب سحبها لها وقالت
" ساندي ظننتك في الجامعة ؟ "
قالت وهي تفتح باب غرفتها
" لديا محاظرة واحدة اليوم ماريه أم نسيتي ؟ "
أجل كيف نسيت أنها تدرس ثلاث مواد فقط وفي ثلاثة أيام في
الأسبوع ، دخلت خلفها ووقفت مكانها تنظر باستغراب للصندوق
المخملي مستطيل الشكل الموضوع فوق سريرها على صوت
ساندرين قائلة بحماس
" وصل منذ قليل .. إن كنت تأخرت أكثر لكنت فتحته فلم أستطع
الانتظار لمعرفة ما الموجود في داخله "
نقلت نظرها منه لها وقالت باستغراب
" من أحظره ؟ "
ضحكت من فورها وقالت
" ساعي البريد ... موظف التوصيل طبعا "
قالت بحنق
" كنت أعني من أرسله لي ؟ "
جلست على السرير وقالت تمسك غطاء العلبة
" لم أتركه يرحل دون تحقيق طبعا وقال أن شابا يدعى
تيموثي فالكون طلب إيصاله لشقته ثم طلب جلبه إلى هنا "
نظرت له بصدمة وسرعان ما امتلأت عيناها بالدموع
وقد تذكرت أول مكالمة أجراها في السيارة وقد طلب فيها
من أحدهم نقل الغرض الذي تم إيصاله لشقته لعنوان آخر
وأخبره بأنه سيرسل له العنوان حالا ! كان هذا هو ذاك
الغرض الذي تحدث عنه إذا ؟ تسارعت أنفاسها في صدرها
وازدادت سحابة الدموع في عينيها درجة أنها لم تعد ترى شيئا
وهي تستوعب كل ذلك .. كان سيأخذها لشقته ثم ... ماذا أيضا ؟
ولم يتأخر عنها الجواب كثيرا والجالسة هناك تفتح العلبة وتخرج
منها ذاك الفستان الطويل الذي دمج فيه قماش الدانتيل الفاخر
والحرير الأزرق الناعم ترفعه مندهشة أمام التي باتت تسمع
صوتها وكأنه ذرات غبار تتلاشى من حولها
" آه يا إلهي ماريه ما أجمله !! "
أخفضت رأسها للأسفل تحجب تلك الدمعة التي تدحرجت من
رموشها للأرض ... لماذا ؟ ما هذا الذي فعلته يعاملها هكذا ؟
لماذا أرسله هنا بما أنه غير مخططه بأكمله ! هل يفعل
هذا فقط ليؤذيها ؟ ليؤلمها أكثر ؟ ليعاقبها على ذنب هي لا تعلم
ما يكون ! كان أعاده للمكان الذي اشتراه منه أو أهداه لإحداهن ،
أمسكت قلبها بيدها بقوة تشعر به انقبض بشدة ما أن فكرت
فقط في ذلك وفي أن يكون ثمة من قد يهديها شيئا وإن كانت
ابتسامة من شفتيه.
" آه ماريه لو لم أغير لون شعري وأعيده كما كان لكنت استعرته
منك .. إنه قنبلة بل تحفة فنية لا أعلم من أين له كل هذا الذوق
الرفيع ؟ "
رفعت نظرها لها وهي تضعه على جسدها تقف أمام المرآة
وقالت بحزن تقاوم تساقط دموعها
" يناسبك بشعرك الأشقر أيضا ثم هو يشبه لون عيناك "
عدلته على جسدها أكثر قائلة
" لا هو ينسجم تماما مع لون شعرك وعيناك ، لن أغير لون
شعري للأسود لكني لن أبقيه أشقرا أبدا "
وتابعت بضيق تضع ذاك الفستان على السرير
" سيكون أي لون إلا ذاك اللون "
أخرجت من العلبة حذاء ذهبيا بكعب مرتفع وقالت ضاحكة
ترفعه أمامها
" كنت أفكر كيف فاته هذه المرة أن يرسل شيئا بلون عينيك ؟ "
شعرت بأن خنجرا جديدا غرس في قلبها ولم تستطع المقاومة
أكثر فتوجهت جهة حمام الغرفة على صوت من تركتها خلفها
تفتش باقي أغراض الصندوق قائلة بانبهار
" آآآه ماريه تعالي وانظري هذا خاتم زواج ! "
دخلت وأغلقت الباب خلفها واتكأت عليه بظهرها وتركت
العنان لدموعها وقبضتها تضرب الباب خلفها فلم يعد يمكنها
احتجاز ما بداخلها أكثر من ذلك .
*
*
*