خرجت من الحمام وتوجهت جهة التي كانت تمسك بالهاتف
وأخذت السماعة منها وأعادتها مكانها قائلة
" أمي ما الذي تريدين فعله ؟ "
وقفت تلك من فورها ونظرت لها قائلة بضيق
" ما كان علينا فعله منذ الفجر طبعا وهو مغادرة هذا المكان والبلاد "
أمسكت بيدها وقالت برجاء
" أمي لم يكن هذا اتفاقنا قبل أن نصل هنا ، اتركينا نبقى ليومين
فقط أمي أرجوك لا يمكنني المغا.... "
سحبت يدها منها بقوة قائلة بغضب
" بل لن نبقى هنا ليوم آخر ولن تغادري هذا الفندق أبدا ولن
تقابلي ابن شراع ذاك مجددا ، أقسم لولا رجال ابن شاهين الذين
أرسلهم لنا واحتراما له ما أتيت ، يعجبك جدا العرض الذي قدمته
أمامهم وأنتي ترتمي في حضن ذاك الرجل ؟ قسما لولا الحياء من
الناس الذين استقبلونا في منزلهم لكنت سحبتك من شعرك وخرجت
بك من هناك ، لم أكن أعلم أن ما يحدث في المسلسلات المكسيكية
سأراه واقعا أمامي يوما ما ! ومن بطلة المشهد ... ؟ ابنتي !!
لو كان شقيقك معنا لكان قطع عنقك وعنقي ، ألا يكفي أنه لم
يكن مقتنعا وما أجبره إلا طلب ابن شاهين حظورك دون نقاش "
ملأت الدموع سريعا عيني الواقفة أمامها وحركت يديها بعشوائية
قائلة بأسى
" لما تلقي باللوم عليا فيما تغلبت عليا مشاعري فيه ؟
أنتي وشقيقي والجميع يعلم من رماح وما كان يعني له ولي قبله
وأكثر منه فما كان سهلا عليا أن أراه أمامي في تلك الحالة وبعد
كل هذه الأعوام وأنا من علمت ذاك اليوم فقط بأنه فعل ما فعل من
أجل صديقه ولم يتزوجها فعلا "
وسرعان ما تدحرجت دموعها تباعا وضمت قبضتها لصدرها
قائلة ببكاء
" اشعري بموقفي أمي ، أعلم بأني أخطأت وتجاوزت حدود ديني
وتربيتي لكن حاولي أن تكوني مكاني أقسم أني ما أن رأيته أمامي
على ذاك الكرسي لم أعد أعلم ما فعلت وفيما كنت سأفكر أساسا ،
اتركينا نبقى ليوم واحد فقط أمي أرجوك وأراه وأتحدث معه
مجددا وفي وجودك "
نظرت لها نظرة فهمت فورا ما سيكون الجواب معها وقد
صدقت ظنونها سريعا حين قالت بغضب
" لو كان يعنيه أمرك ما تركك تغادرين منزل شقيقته ولكان
هو من سعى خلفك اليوم ليتحدث معك يا ناقصة العقل والدين "
وتابعت مغادرة من هناك ولم يؤثر بها تلك الدموع
ولا البكاء المؤلم
" وسنغادر من هنا فورا ... كلمة قلتها ولن تناقشيني فيها "
تبعتها بنظراتها الدامعة حتى دخلت الغرفة وضربت الباب خلفها
فجلست ورفعت سماعة الهاتف وطلبت الرقم الذي حفظته
عن ظهر قلب ما أن نظرت له البارحة ونظرها على باب تلك
الغرفة المغلقة فحتى هاتفها حجرت عليه والدتها عندها ، حمدت
الله أن أجابت من في الطرف الآخر سريعا فهمست ما أن
سمعت صوتها
" جليلة أريد أن أتحدث مع غسق سريعا أرجوك "
*
*
*
فتحت العلبة المخملية ذات اللون الأحمر القاتم وأخرجت منها
الخاتم المرصع بالألماس أولا وألبسته لها في أصبعها الرقيق
وقالت مبتسمة
" جيد على قياسك تماما يا يمامة "
وتابعت وهي تلف ذاك السلسال المماثل له في بريقه وجماله
حول عنقها لتتدلى ماساته الثلاث على صدرها
" نعلم أن عاداتكم لا تسمح بأن يلبس الرجل خطيبته هذا
ولا نحن مقتنعون بذلك لذلك أخذت مكان ابني وأتمنى أن
تعجبك يا يمامة "
وراقبت عيناها بحنان التي قالت مبتسمة تتلمس ذاك السلسال
بأصابعها ونظرها عليه
" إنه جميل حقا شكرا لك عمتي "
ابتسمت وأخرجت السوار وألبستها إياه أيضا قائلة
" هذا أقل بكثير من قدرك بنيتي وسنقوم بواجبك يوم زفافكما
فاعذروا أنتم تقصيرنا فما تسمى هذه بخطبة أبدا "
وتابعت وقد أشارت لكل العلب والأكياس المرتبة في الزاوية
" تلك الأشياء من أجلك أيضا وبعض الهدايا لعائلتك "
كانت تود شكرها تود أن تحضنها بقوة وتبكي في ذاك الحضن
ليس من أجل كل هذا فقط بل ومن أجل تحرير شقيقها يمان من
سجنه هنا ودمار مستقبله من أجلها لكن الجالسة معهما
ومن لم يكن يعجبها شيئا مما يحدث أمامها قطعت عليها
أمنياتها تلك وبترت أحلامها البريئة كالعادة حين قالت ببرود
" ألست تري معي يا سيدة جوزاء أن يمامة صغيرة جدا على
الزواج وأن والدها لا ينصفها بإجبارها ؟ "
نظرت لها تلك الأحداق الرمادية الواسعة بصدمة وسرعان
ما أسدلت جفنيها عليهما ما أن بادلتها تلك بنظرة غاضبة
وقالت جوزاء وقد مسحت على يدها بين كفيها
" يمامة هلا تركتنا وحدنا قليلا "
وقفت من فورها وغادرت من عندهما حزنها الصامت يرافق
خطواتها الكسيرة وجل ما تخشاه وفكرت فيه وقتها بأن تلك
المرأة ستقتنع بحديث زوجة والدها ولن يتحقق حلم شقيقها أبدا
وسيموت ذاك الأمل الذي بات يشع من عينيه والذي لم تراه
فيهما سابقا ، ولم تكن لتعلم أو لتتخيل أن ما حدث وراء الباب
الذي أغلقته خلفها مختلف تماما وقد نظرت جوزاء للجالسة
أمامها وقالت
" بحسب حديث زوجي فوالدها وشقيقها قالا بأنها موافقة تماما
فما المشكلة في زواجهما ؟ "
قالت تلك من فورها وبامتعاض
" يمامه صغيرة ولن تستطيع تحمل مسئولية منزل وزوج ،
هذه أمور لا يعرفها الرجال "
قالت جوزاء ومباشرة أيضا
" الخدم في منزلنا ضعف عدد ساكنيه أي أنها لن تتحمل
مسئولية شيء أكثر من أن تستحم وتغير ملابسها "
زمت تلك شفتيها بحنق وقالت
" هذا شق فقط من حديثي "
قالت جوزاء من فورها
" الشق الآخر اتفق فيه أبان مع شقيقها وكوني مطمئنة
فلن يدخل ابننا بها قبل أن تكون مستعدة لذلك وبموافقتها
ورضا تام منها أيضا وهذا ما أتحمل أنا مسئوليته "
قالت التي شعرت بأنها حاصرتها فعلا
" إذا لا حاجة لأن يتزوجا قبل ذلك الوقت الذي تقولين عنه
ولتبقى مجرد خطبة "
تنفست جوزاء بعمق متمتمة بالتعوذ من الشيطان فهي لم تحب
هذه المرأة أبدا ما أن رأتها ولا تستبعد أن جميع ما قالته ابنتها
بثينة عن الفتاة هي السبب فيه وجل ما تخشاه أن تجعل زوجها
يغير رأيه في زواجها ، لكنها لن تخسر حربها أبدا وستخرجها
من هنا وإن دفعت من مالها لوالد الفتاة ليوافق ، رفعت ذقنها
وقالت بثقة
" وأنا اصر على زواجهما كي لا تفوتنا لغيره ولا مانع من الأمر
بما أن رجلا العائلة موافقان "
غزى الضيق بوضوح ملامح الجالسة أمامها والتي قالت فورا
" لا أصدق أن شقيقة الزعيم مطر شاهين تفعلها وتخترق
القوانين لتزوج ابنها من طفلة ! "
وقفت جوزاء ورفعت حقيبتها وقالت
" لتكوني مطمئنة فقط فقد تحدثت مع شقيقي في هذا ومطر بلسانه
قال بأن القوانين الوضيعة بالكامل ستتغير ومن ضمنها تحديد
سن زواج الفتيات وها نحن نراه ينفذ ذلك منذ أيام وقد بدأ
بقوانين الميراث والطلاق والمعاملات التجارية والقادم
سيكون أكثر حتى تلغى جميع تلك القوانين ، ويمامة بما أنها
موافقة ولم تصرح لي برفضها فلن تكون إلا لإبني فلن نجد
أفضل من فتاة هي شقيقة يمان ... رحم الله من أنجبته وربته "
نظرت بعدها جهة باب المنزل متجاهلة تلك النظرات الغاضبة
وقالت
" الخادمة التي جاءت برفقتي في الخارج وستبقى هنا حتى
تغادر مع يمامة لمنزلها لتقوم بكل ما تحتاجه وتحتاجونه
فخطيبها من طلب إرسالها لها "
وكان ذاك الأمر الوحيد الذي نطق به وبعبوسه الذي قابلها به
وقت مجيئها إلى هنا بسبب شجارهما صباحا ولم تعارض الأمر
وأحضرت الخادمة معها لأنها موقنة من أن أبان يعلم عن حياة
تلك الفتاة ما تجهله هي ولا تستبعد أبدا أن تكون خادمة لدى
هذه المرأة ، ما أن أنهت عبارتها تلك غادرت جهة باب المنزل
ودون حتى أن تكلف نفسها بتوديعها ولا أن تتبعها تلك للباب ،
فقط نظراتها الكارهة من رافقتها حتى خرجت وقد همست بحقد
" لن تستمر هذه الخطبة ولا على جثماني "
انفتح باب الغرفة على اليسار وخرج منها اللذان ركضا فورا
جهة كل تلك الأشياء المغلفة وقد تحررا من سجنهما أخيرا
وانفتح باب غرفة يمامة وخرجت منه ما أن سمعت صراخهما
الحماسي وضحكاتهما فصرخت فيهم الواقفة هناك بغضب
" لغرفتكما فورا ... وأنتي يا يمامة خلفهما ولا تخرجي حتى يناما "
تحركت التي لا حيلة لها في كل هذا ناحية التوأمان الواقفان
منتصف الصالة وأمسكت بأيديهما وتحركت بهما جهة الغرفة
التي خرجا منها على أصواتهما الطفولية المتذمرة رفضا لأن
لا يريا كل تلك الأشياء ، وما أن اغلق الباب خلفهم نظرت
لتلك الخادمة قصيرة القامة نحيلة الجسد التي أصبحت تقف
عند الباب بعد أن غادرت سيارة من جلبتها معها وأشارت لها
على الأشياء المكومة هناك قائلة بأمر
" أجلبي هذه واتبعيني "
امتثلت تلك لأوامرها فورا وحملت ما استطاعت حمله منهم
وتبعتها تسير خلفها بصعوبة حتى خرجتا من الباب الخلفي
للمنزل وتوجهت جهة باب حديدي فتحته وقالت تشير لها على
الغرفة المليئة بالتبن وعلف الدجاج
" ارميها هنا واذهبي لجلب الباقي ، أريدها جميعها هنا مفهوم "
دخلت بهم فورا ووضعتهم هناك وخرجت تنظر لها بخوف
وقد قالت
" أين أغراضك أنتي ؟ "
ارتجفت الخادمة بخوف وقالت
" حقيبة ثيابي لازالت أمام باب المنزل
سيدتي "
" وهاتفك ؟ "
دست يدها في صدرها فورا وأخرجته ومدته لها قائلة
" ها هو سيدتي "
أخذته منها فورا لتضمن أنها لن تكون جاسوسة لسيدتها تلك
وتحركت جهة باب المنزل مجددا وتلك تتبعها قائلة
" ما أن تنهي عملك ستتوجهين للمطبخ فورا لتنظيفه وستقيمين
في غرفة يمامة لا مكان لك غيره ثم كلاكما من ذات المستوى "
تبعتها تلك بقلة حيلة تترحم على سيدتها التي لم تعمل عند
واحدة تشبهها سابقا وجل ما تتمناه أن يتزوجا سريعا ولا يطول
بقائها في ذاك المنزل ومع هذه المرأة .
*
*
*
وضع رماح جهاز التحكم الخاص بالتلفاز عند جانبه الآخر من
السرير فتنهد الجالسان قربه بيأس من أن يرضخ لطلب أي منهما
والكاسر يريد متابعة مباراة فريقه الانجليزي المفضل أما الجالسة
تتكئ على صدره ويريح هو ذراعه على كتفيها فقد يئست أيضا
من أن تقنعه لتشاهد مسلسلها وكان عليهما تحمل الاستماع
للمزيد من القنوات الإخبارية نزولا عند رغبة صاحب الغرفة
والذي قالها لهما وبكل برود
( كل واحد منكما يملك غرفة وتلفازا كحجم هذا فليذهب ويتابع
ما يريد )
لكن رفضهما لتركه وحيدا جعلهما يتنازلا عن رغبتهما
وإن مكرهين . ضمها الكاسر بذراعه وقبل رأسها المتكئ
على صدره حين لعبت أناملها بأصابعه وقد ضغطت عليها
لا شعوريا وملأت دموعها مقلتيها الزرقاء الواسعة وعضت
طرف شفتها ما أن ظهرت صورة والدها في الشاشة المسطحة
الواسعة المعلقة على الجدار يحيطونه رجاله وحرسه من كل
جانب ويسير بجانبه عمه صقر وفي الجانب الآخر كان
من نغص نومها البارحة وجعلها تفر لمنزل والدتها صباحا
ولأجل غير مسمى ليست تعلم هربا منه أم من نفسها وها هي
تكتشف الآن بأنها اشتاقت له أسرع مما كانت تتصور رغم ألم
اقترابها منه ، حاولت تشتيت نظراتها عنه لجميع من في تلك
الشاشة عداه لكنها كانت تعود وتنظر لتلك الملامح الرجولية
الوسيمة لا شعوريا وذاك المشهد يتكرر دون توقف ودون أن
يرحمها الجالس هناك بأن يغير القناة فحاولت التركيز مثلهما
فقط على صوت المحلل السياسي وصاحب المداخلة الهاتفية
وصورة والدها وذاك يقول بصوت جهوري مرتفع
( من الذي من مصلحته أن يختفي هذا الرجل سوى من
لا يريدون للبلاد أن تنهض بنفسها مجددا وأن تقام دولة
القانون والعدالة ، منذ اغتيال الزعيم شراع ونحن نعيش
كابوس عودة البلاد لما كانت عليه في الماضي حتى رأت
الأعين هذا الرجل البطل وقدماه تدوسان أرض الوطن مجددا ...
هل ستلد لنا البلاد مطر شاهين في كل مرة ؟ لا قطعا فلن
تنجبه أي امرأة وجميع النساء اثبتن عجزهن عن ذلك
ونحن نرى نماذج تخجل منها الحرائر وهم يرسلون البلاد
للهاوية بأيديهم ، متى عرفت البلاد جهازا لمكافحة الفساد
قد طال حتى كبار رجال الدولة ورجال الأعمال إلا الآن !
متى رأينا الكبار من رجال الجيش يحاكمون عسكريا
ويحاسبون إلا هنا ! الزعيم شراع كبلته سابقا الأحزاب
والبرلمانات واتخاذ أسلوب الاستفتاء على القوانين ورضخ
خوفا من الفتنة وحروب القبائل أما اليوم فمن سيرعب
هذا الرجل أو يقيده ؟ لا أحد ولا شيء إنه يضرب بيد من
حديد كل من يقف في وجه ، بالأمس كنا سنفقد حدود البلاد
وسندخل لمتاهة لن نخرج منها أبدا واليوم نراها مؤمنة أكثر
من الداخل بفضل عقل هذا الرجل الذي لم يغفل شيئا ، بالأمس
كاد المتمردون أن يقتحموا معسكر فزقين ومخازن الدخائر
والأسلحة الثقيلة والمطار العسكري التابع لها وتدخل البلاد
في حرب ودماء لن تتوقف قبل أعوام طويلة وما أن أشار فقط
بسبابته في وجوه قبائل تلك المنطقة مهددا سلموها له طوعا
وطردوا تلك الشراذم ، هل ترون صمت ابن شاهين عما يحدث
في بعض مدن صنوان خوفا منهم ؟ لا ورب الكعبة فهي القوة
في أوجها وهو من يفكر في السلم وحقن الدماء قبل كل شيء
ويوم سيقرر ضربهم بالحديد والنار لن يمسكه أحد ولا شيء ،
فمن من مصلحته أن يموت هذا الرجل غير المارقين عن
القانون أمثالهم ، أم سنلبس التهمة وبكل جهل للمتطرفين
الذين لم يعد لهم وجود منذ أعوام !
هل بتنا نفكر فقط وبكل جهل من سيحكم البلاد ومن الأحق
من غيره وعدنا لصنوان والهازان والحالك والأقاليم المتناحرة
من أجل شيء لن يحصل عليه ثلاثتنا إن بقينا على هذا الحال
وهذه الأفكار ؟ نرى اليوم البعض يحرضون غيرهم متحججين
بأن مطر شاهين يسعى لحكم البلاد وأن الحالك ستنهب كل شيء
أي كلام جاهلين هذا ! ... "
قطع الكاسر انسجامهم ذاك بأن مرر أصابع يده في شعره قائلا
بضحكة
" لما لا تغير هذه القناة ؟ نخشى أن تغتر علينا إحداهن بوالدها
إن استمعت لأكثر من ذلك "
ضحك رماح وقالت التي نظرت لصورته بفخر وحزن
" لن أحتاج لسماع ما يقال لأعلم من يكون مطر شاهين فأنا أكثر
من علم ما قدمه لأعوام لهذه البلاد يربط ليله بنهاره ويقدمها
على نفسه دون أن يطلب مقابلا أو ينتظره من أحد "
ساد الصمت التام من طرفهما فنظرت لهما قبل أن تنتبه أيضا
للواقفة عند باب الغرفة والتي دخلت وحملت جهاز التحكم
وأغلقت التلفاز قائلة
" للخارج كليكما فعليه أن ينام الآن ويرتاح "
وقف الكاسر من فوره وسحب الجالسة بجانبه معه من يدها قائلا
" بسرعة قبل أن تأمرنا بالنوم أيضا "
تبعته ضاحكة وقالت وهما يخرجان
" شرط أن نلعب شوط شطرنج آخر "
ابتسم رماح يراقبهما حتى اختفيا ونظر للتي كانت تبعد هاتفه
والأدوية عن السرير وقال مبتسما
" سبحان من جملها قلبا وقالبا ! ابنتك سيحار والدها لمن
سيعطيها من كثرة ما سيتهافت عليه خاطبيها "
غطت جسده باللحاف قائلة ببرود
" ابنتي صغيرة على كل هذا فلتنهي دراستها وتكبر أولا فهي
ستدخل الثانوية العام القادم فأي زواج هذا الذي تتحدث عنه ؟ "
قال بذات ابتسامته يراقب ملامحها الجميلة العابسة
" إن كنت مستاءة من أحدهم أو من أجله فلا تنفسي عن ذلك
بي فأنا لست صغيرا لتجبريني على النوم وأعيدي لي جهاز
التحكم فورا "
استوت واقفة ونظرت له وقالت بضيق
" الطبيب أوصى كثيرا على أن تنام جيدا لأنه الوقت الوحيد
الذي لن يكون مجهدا لعضلاتك يا رماح وأنت نمت متأخرا البارحة
واستيقظت باكرا فأين العشرة ساعات التي أوصى بها الطبيب
راحة لك ؟ أي ثمان ساعات في الليل وساعتين في النهار
أحببت ذلك أم لا "
تنهد مستسلما واستلقى يدفع جسده مستندا بمرفقيه فقبلت
جبينه وقالت مغادرة
" اطلبني فورا إن احتجت شيئا اتفقنا ؟ "
" غسق "
أوقفتها نبرته صوته الهادئة المترددة قبل ندائه باسمها
والتفتت له فورا فقال يتجنب النظر لعينيها
" هل سافرت جهينة ووالدتها ؟ "
شعرت بقلبها تمزق ألما على حاله وحال تلك الفتاة فأغمضت
عينيها لبرهة متنهدة بعمق ثم فتحتهما وقالت ناظرة له
" لا أعلم يا رماح ونزولا عند رغبتك لم أراها أو أستفسر عنهما "
أومأ برأسه موافقا دون أن يعلق بشيء وكانت ستتحدث رغم
أنها تعلم بأنها عبثا تحاول لولا أوقفها رنين هاتفها فأخرجته من
حقيبتها ونظرت للرقم باستغراب قبل أن تجيب قائلة
" نعم من معي ؟ "
أتاها الصوت الأنثوي الباكي فورا
" غسق أنا جهينة والدتي تريد أن نسافر رغم رفضي وإصراري
عليها وأنا لا أريد الابتعاد عن رماح ، غسق ساعديني
في هذا أرجوك "
نظرت للذي كان يحدق بالسقف ولا يعلم عما يدور بينهما
ولا مع من تتحدث ثم غادرت فورا جهة الباب وخرجت
منه هامسة
" حسنا يا جهينة كل شيء سيكون على ما يرام توقفي أنتي
عن البكاء ولا تسمحي لها بأن تأخذك وتغادر حتى أصل أنا
أولا وإن ربطتها بعارضة السرير اتفقنا ؟ "
سمعت تلك الضحكة الأنثوية المكتومة وسط ذاك البكاء المنخفض
وهمست من فورها
" حسنا ... أنتظرك فلا تتأخري أرجوك "
أنهت المكالمة معها وواصلت سيرها جهة باب المنزل بخطوات
سريعة فبما أنها فعلتها واتصلت بها بنفسها كما اشترط فلن
تتركها تغادر بها أبدا خصوصا بعدما رأت تلك النظرة الحزينة
في عيني شقيقها منذ قليل .
" أمي "
وقفت مكانها ممسكة بمقبض الباب ونظرت للتي أصبحت
واقفة خلفها مباشرة تنظر لها بحزن والدموع قد وجدت سريعا
مكانا لها في تلك الأحداق الواسعة حين همست ببحة بكاء
" استمعي لي أمي أرجوك "
كان قلب الأم داخلها أضعف من أن تقاوم ذاك الصوت الرقيق
الباكي مناديا لها بتلك الكلمة وتلك الدموع في عينيها لكنها
أخطأت ولا تريدها أن تستهين بالأخطاء أبدا بما أن المدعو
والدها أرسلها اليوم مجددا وكأن شيئا لم يكن ، أدارت المقبض
وفتحت الباب وقالت مغادرة
" عليا الخروج سريعا وسنتحدث لاحقا "
لكن تلك اليد لم تسمح لها بالخروج وقد أمسكت يدها
وقالت برجاء
" أمي عليك أن تستمعي لي أولا ولن تغادري من هنا حتى
أعلم بأنك لست غاضبة مني "
تنهدت بضيق قائلة " تيما أنتي متى ستتصرفين .... "
قاطعتها برجاء باكي لازالت تمسك يدها بقوة
" أقسم لم أكن أقصد أن أفزعك أو أزعجك قسما أني
ظننت أنه جدي هو القادم من فرنسا ومن سيسمح له والدي
بأن يقيم معنا في المنزل لذلك ذهبت دون أن أخبر أحدا "
شعرت بانقباض غريب في قلبها .. لا ليس غريبا فها هو الشعور
بتلك المرأة يزداد قربا ولا تفهم لما هي حمقاء هكذا لماذا ؟
كانت ترفض أن تسألها عن أي أمر يخص أي امرأة دخلت حياته
وهو هناك وليست تعرف كيف خرج صوتها حين قالت
" ومن تكون هذه التي أ.... من يكون هذا الشخص يا تيما ؟ "
رطبت شفتيها بلسانها وهمست وقد أسدلت جفنيها على تلك
الأحداق الزرقاء المغمورة بالدموع
" ابن عمة والدي واسمه ... قاسم "
" من !! "
تلك الصرخة المستنكرة من الواقفة أمامها جعلتها ترفع نظرها
لها فورا وقد فتحت فمها مصدومة ما أن صرخت بغضب
" هل تذكر ذاك الرجل الآن أن يأتي ؟ أين كان كل تلك الأعوام ؟ "
نظرت لها باستغراب من غضبها ذاك منه وهمست
" كان مع من كانوا في لندن و..... "
سحبت يدها منها وصرخت فورا
" سحقا لوالدك ولرجاله بأكملهم .. متى سيتعلمون أن ما يفعلونه
يدمر غيرهم نهائيا ؟ متى سيشعر أولئك المتحجرين ؟ هل تذكر
ذاك الشاب الآن أن له وطن وعائلة ؟ ماذا عن والدته التي
ماتت تناجي شوقها إليه ليست تعلم حتى إن كان ضمن الأحياء
أم الأموات "
فتحت فمها عدة مرات وأغلقته والدموع تملأ عينيها مجددا
ولم تعرف ما الذي آلمها تحديدا في كل ما قالت ؟ دعائها على
والدها وجدها وذاك الشاب معهما أم أن فردا آخر من عائلتها
بل وليس أي شخص ها هو ينال وسام كره والدتها الشديد له ،
مسحت عينيها سريعا قبل أن تفضحها دموعها وهمست تنظر
لها بحزن
" هو كان محتجزا في الهازان لقد كان مسجونا هناك ولم يخر.... "
قاطعتها وقد تحركت من هناك قائلة بضيق
" حجة أسخف من أن يقنع بها شخصا توارى تحت التراب "
راقبتها بحزن والدموع تملأ حدقتيها مجددا ولازال صوتها الحانق
يصلها بوضوح رغم خروجها
" لعل والدك أشبع غروره الآن وهو يصنع نسخا عنه في كل مكان "
*
*
*