كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
*
*
*
فتحت باب الخزانة الحديدية الوحيدة الموجودة في الغرفة
ودست جسدها داخلها وفتحت الهاتف الذي تخبئه فيها فيمان منذ
يوم خطبتها يترك هاتفه معها كلما غادر المنزل خوفا من زوجة
والدهما فهو لم يطمئن لما تضمره لها من شر بعد أن علمت بأنها
ستغادر المنزل ولن تتوانى عن فعل أي شيء لتفسد عليها ذاك
الزواج فهي من كانت ترفع عنها أعمال المنزل والأرض والحضيرة
والدجاج بل وابنيها التوأمان أيضا ولن ترضى بالتأكيد أن يصبح
كل هذا على عاتقها هي خاصة الآن وبعد أن طلب والدها إعفائها
من جميع أعمالها السابقة بعد زيارة تلك المرأة وزوجها لهم ولأن
يمان يغادر كثيرا هذه الأيام وقد أخبرها سرا بأنه يبحث عن عمل
ومنزل للإيجار يترك هاتفه معها لتتصل بأبان إن حدث أمر طارئ
وليست تفهم لما يخاف هكذا من زوجة والدهما ويتوقع أن تضمر
لها الشر درجة أن تحتاج لأن تتصل بذاك الشاب لينقدها ؟!
بدأت بممارسة هوايتها المحببة وهي التقليب في ذاك الجهاز
الذي لم تملك حياتها مثله ولم يكن يسمح لها يمان بالعبث به
كيف تشاء خشية أن تفسده ، فتحت استديو الصور وبابتسامة
واسعة قلبت صور شقيقاها الصغيران التي يحتفظ لهما بها في
جهازه فعلاقتهما بأخويهما قوية فقد تربيا على يديها وحملا الكثير
من طباعها رغم صغر سنهما ، ماتت ابتسامتها فجأة وشعرت
بيديها تيبستا تماما ما أن ظهرت صورة أخرى مختلفة ليست
لأي منهم بل لشاب تعرفه تماما فقد سبق ورأته في مرتين
وفي موقفين لا شيء أسوء منهما في حياتها أبدا ، ذات ذاك الشعر
الأسود الناعم المصفف بعناية والابتسامة المشاكسة الجذابة يلبس
قميصا أبيضا قد ثنى كميه حتى مرفقيه منحن في وقفته يمسك مرفق
يده اليمنى باليد اليسرى ، أغلقت الهاتف فورا وأرجعته لمكانه
ليس بسبب رهبتها من رؤية صورته فقط بل وبسبب باب المنزل
الذي طرقه أحدهم فجأة فأغلقت باب الخزانة وتوجهت لباب الغرفة
وفتحته قليلا تنظر من شق الباب وابتسمت بحنان فورا ما أن رأت
التي دخلت من الباب وسلمت على زوجة والدها قبل أن تنظر
خلفها قائلة " ثمة أغراض وهدايا ليمامة ولأخوتها سينزلها
السائق قرب الباب وتدخلها الخادمة "
*
*
*
طرق الباب أكثر من مرة ولم تجب فزاد الطرق بشدة أكبر
وبلا فائدة فأدار المقبض وفتح الباب ودخل ووقع نظره فورا
على النائمة على السرير تغطي كامل جسدها باللحاف حتى رأسها ،
وضع أكياس الطعام الساخن على الطاولة الوحيدة في الغرفة
وقال ناظرا للتي تعتصم تحت أغطية سريرها هناك والتي يعلم
بأنها ليست نائمة وأنها تعلم بدخوله
" غيسانة اجلسي لتتناولي الطعام ... أعلم بأنك مستيقظة "
ولا جواب ولا أي حركة صدرت عنها فتنهد بقوة داسا يديه في
جيبيه وقال بهدوء
" آسف بشأن ما حدث ولن يتكرر فهيا اجلسي لتأكلي "
تحرك حينها جسدها قليلا تحت اللحاف جهة يدها التي يبدوا أنها
رفعتها لوجهها وسرعان ما أدرك بأنها كانت تمسح دموعها
وقد خرج صوتها الباكي
" وأنا آسفة ما كان عليا التحدث عنها هكذا ، ليست تنقصني
لعنة أموات فحياتي سيئة من دونها "
لم يستطع امساك ابتسامته التي سرعان ما تحولت لضحكة صغيرة
وقال وقد بدأ بفتح الأكياس وإخراج الطعام منها
" تعالي لتأكلي فليس ثمة لعنة تصيبنا من الأموات أكبر من أنهم
ماتوا وتركونا "
*
*
*
أبعدت طرف الوشاح الذي طار على وجهها بسبب الهواء
القوي الداخل من النافذة وقالت ضاحكة وهي تعدله مجددا
" هذه مزحة بالتأكيد "
قال صقر مبتسما
" بل حقيقة ويمكنك التأكد من ذلك بنفسك "
نظرت له بطرف عينها بشك فقال ضاحكا
" حسنا ليس الأمر كله حقيقي لكن الحكاية موجودة فعلا "
قالت مبتسمة
" حسنا وما قصة تسمية بلدة حجور ؟ "
قال بابتسامة مماثلة ونظره على الطريق أمامه
" هذه حكايتها طويلة وجميلة أيضا لكن عليك أن تستمعي لها
للنهاية ولا داعي لذكائك الخبيث ذاك في كشف نقاط ضعف القصة "
دارت بجسدها ناحيته وقالت مبتسمة
" أعدك أن أستمع فقط "
فضحك وبدأ بسرد القصة التي تناقلتها الأجيال عن سبب تسمية
تلك المدينة وهي تستمع له مبتسمة بانسجام فالطريق برفقته
كانت كرحلتها ورعد تماما مسلية ورائعة ولم تشعر بالوقت
أبدا فهو يذكرها كثيرا بجدها الذي كم اشتاقت له وكم تتمنى
أن يصبح بينهم قريبا فهو من كان يسليها في غربتها هناك
ورغم قلة زياراته لها إلا أنها كانت تقضي برفقته وقتا يعوضها
عن كل وحدتها بعد زيارته السابقة ، عمها صقر وجدها دجى
لا تراهما يشبهان شخصية والدها أبدا وكأنهم ليسوا من ذات
العائلة فهل جدها شاهين كان مختلفا عنهما ؟ انتبهت للجالس
بقربها والذي قال مبتسما
" ومنذ ذاك الوقت سميت بحجور ، أعجبتك هذه القصة ؟
أم لم يستوعبها عقلك أيضا ؟ "
حركت طرف أنفها بسبابتها وقالت مبتسمة
" يبدوا أني لم أنتبه للحكاية جيدا "
ضحك وقال
" وفيما كنت تفكرين وتتركيني أتحدث طوال هذا الوقت ؟ "
قالت من فورها وبفضول
" جدي شاهين كيف كان ؟ مثلك وجدي دجى أم كوالدي فأنتما
تختلفان عنه كثيرا "
ضحك وقال
" جدك شاهين كان زعيم قبيلة رجل صارم وقيادي كوالدك لكنه
لا يشبهه أبدا ... مطر غرس فيه والده مبادئ سامية حتى
شاهين رحمه الله لم يهتم لأن يتمسك بها مثلما جعل منه رجلا
كما تريه أمامك الآن لكنهما حقا مختلفان يا تيما "
اتكأت بمرفقها على إطار النافذة وأراحت خدها على كفها ناظرة
له وقالت بصوت منخفض متردد
" حتى قاسم مختلف عنكم ؟ أراه كوالدي تماما "
ضحك صقر وقال
" هذان الأحمقان لا يكسر أنفيهما إلا النساء فوالدك سبق وأن
جعلته والدتك يدور حول نفسه ومصير ابن عمته سيكون مثله ،
ثم قاسم مر بظروف مختلفة بعد اختطافه خلف حدود الهازان "
أبعدت خدها عن يدها وقالت باستغراب خالطه الكثير من الفضول
" اختطف خلف الحدود ! "
قال صقر ونظره على الطريق أمامه
" أجل حين كان في الخامسة عشرة ومكث هناك ثمان سنين
كاملة لا أحد يعلم تفاصيل ما حدث هناك معه غيره فكل ما قاله
بأنه سجن في أحد سجون ابن راكان لستة أعوام كاملة وأن
التعذيب كان أحد أساليبهم معه وتمكن من الهرب منهم بعدها
ولكنه لم يستطع الخروج من هناك فبقي مختبئا في الهازان لعامين
وقد أمسك به ابن راكان وقت تحرير الهازان وخرج به من هنا
ولم يتمكن والدك من تحريره منه إلا بعد عامين آخرين وكانت
والدته توفيت حينها وقبل أن يتمكن من رؤيتها مجددا فعاش باقي
السنوات الماضية في لندن أيضا وكان يعمل مع من كرسوا أنفسهم
لخدمة البلاد هناك ودرس إدارة الأعمال وتخرج منها بمساعدة والدك
ووقت عودة مطر عاد أيضا فلن تتوقعي أبدا أن يكون مختلفا عنه
يا تيما بعدما مر به ما علمنا منه وما جهلنا والذي يبدوا أنه من
قسوته يرفض الحديث عنه "
شعرت بارتجاف غريب في جسدها واضطربت ضربات قلبها بشكل
مؤلم وهمست بخفوت
" كله في كفة وموت والدته بعده في كفة لوحدها "
حرك رأسه إيجابا وقال بحزن
" ماتت شوقا للقائه رحمها الله وأرى أن هذا ما كسره فعلا وأكثر
حتى من التعذيب الذي تلقاه منهم وإن لم يصرح بذلك فهي كانت
أحن أهله عليه تخشى من النسيم أن يصيبه بسوء لكن هكذا كانت
مشيئة الله "
رطبت شفتيها بطرف لسانها وطرحت السؤال الذي ترددت كثيرا
لقوله وقالت بشبه همس
" وهل سيقيم معنا ؟ سمعت والدي يقول له أ .... "
قاطعها رافعا كتفيه
" لا قطعا فهو سيبقى لأيام فقط كما قال حين كنا في باريس
فشخصية قاسم استقلالية بشدة لن يوافق أبدا على البقاء ثم
عائلة والده يسكنون جنوب الحالك وجده تزوج مرتين وله
جدتين وأعمام وعمات كثر لن يعجبهم بالتأكيد أن يستقر في
حوران ويسكن معنا متجاهلا لهم رغم يقيني من أنه لن يعيش
بينهم أيضا ، عائلة والده كبيرة ومعروفة من قبل توحيد البلاد
واتسعت شهرتها الآن فهم من أكبر تجار القمح والشعير ويملكون
أغلب أراضي الجنوب الزراعية ورغم ذلك أنا موقن من أنه لن
يعتمد سوى على نفسه فهو لا تنقصه الشهادة ولا الخبرة ولا
المال أيضا "
عدلت طرف حجابها مجددا وكان في جعبتها عدد لا يحصى من
الأسئلة لتبحث لها عن أجوبة عنده لكنها لم تستطع طرح المزيد
منها فالمهم الآن أنها لن تضطر لمواجهته مجددا بما أنه سيغادر
قريبا وهذا ما هي عازمة عليه فلن ترجع للمنزل قبل رحيله فقد
اشبعت مواقف سيئة كان هو الشاهد عليها .
دخلا مدينة العمران حينها فنظرت لنافذتها وانشغلت بمشاهدتها
وكأنها لم تراها سابقا فلازالت تبهرها تلك الألوان المتناسقة بين
الأبيض والأخضر العشبي وكم يذهلها تقيد الجميع بذاك اللون سواء
في الأبنية أو النوافذ والأبواب ، قالت مبتسمة تراقب ما حولها
" لو أنهم يخصصون يوما يلبس فيه الجميع اللونين الأخضر
والأبيض ولا تخرج للشارع سوى السيارات بذات ذاك اللون
لكان مهرجانا عالميا تقصده الناس من كل مكان "
ضحك الجالس بجوارها وقال
" اقترحي الفكرة على والدتك فإما أن تنفذها أو أن ترميك خارج
سور مملكتها "
ضحكت وقالت
" أتوقع الخيار الثاني طبعا "
ضحك كثيرا وتوقفت السيارة حينها أمام بوابة المنزل فنظرت له وقالت
" ألن تنزل لتراها أيضا ؟ "
حرك رأسه بالرفض وقال
" هي ستكون في جمعيتها الآن وليست في المنزل وأنا عليا
العودة لحوران سريعا "
تنهدت بحزن وفضلت أن لا تناقشه في الأمر أكثر ثم حضنته
تلف ذراعيها حول عنقه وقبلت خده قائلة
" شكرا لك عمي أعلم أنها رحلة متعبة وبدون جدوى ولم تفعلها
إلا من أجلي "
مسح على طرف وجهها ما أن ابتعدت عنه وقال مبتسما
" بل فعلتها عن طيب خاطر فأي شيء إلا رؤية دموع حفيدتنا
المحببة "
قبلت خده مجددا شاكرة له ونزلت من السيارة ولوحت له مودعة
وتوجهت جهة المنزل لأنها تعلم بأنه لن يغادر قبل دخولها ،
وما أن احتازت الحديقة حتى سمعت أصوات رجولية وضحكة
الكاسر فابتسمت من فورها بسعادة وتوجهت حيث تلك الأصوات
وما أن وصلت هناك ظهر لها قفا الجالس على الكرسي المتحرك
ذا الشعر البني والأكتاف العريضة فنزلت دموعها دون شعور منها
ما أن علمت من سيكون فمسحتها سريعا وبقوة وسمعت صوت
الكاسر والذي كان يجلس مقابلا له يخفيها عنه عند الطاولة
الحجرية في وسط الحديقة قائلا بضحكة
" أقسم أني لم أغش لما لا تصدق بأنه يمكنني هزيمتك "
ثم ارتفعت يده وفيها إحدى قطع لعبة الشطرنج وقال وهوينزلها
مجددا
" هع مات وزيرك "
ابتسمت بحزن ما أن بعثر الجالس أمامه القطع جميعها قائلا بضيق
" لن تنتصر عليا وأنت من خسرت أمامي خمس جولات متتالية
إلا بالغش ولا مفر لك من التهمة فهي لبستك لا محالة "
اقتربت حينها منهما أكثر فكان الكاسر أول من انتبه لوجودها
وابتسم لها من فوره وقبل أن يدير الجالس أمامه رأسه لرؤية
من يكون القادم من خلفه كانت قد وصلت عنده وحضنته من
ظهره بقوة مطوقة لعنقه بذراعيها وقالت مبتسمة
" خالي رماح ... كم تشوقت لرؤيتك ومعرفتك "
أمسك بيده ساعدها وقال مبتسما يبعدها عنه
" تعالي تعالي هنا .... لا تقولي أنك ابنة غسق ؟ "
دارت حول كرسيه ضاحكة مع حركة يده التي لم تترك رسغها
حتى كانت بجانبه وقبلت حينها جبينه تكابد دموعها بشق الأنفس
وقالت مبتسمة ببحة
" حمدا لله على سلامتك "
امسك يدها مبتسما وقال وهو يحاول أن يديرها حول نفسها
" نعم نعم دعيني أرى "
دارت في مكانها ضاحكة وقالت
" أعلم ما ستقوله .... لست تصدق بأني ابنة غسق ومن المفترض
أن أكون شقيقتها "
ضحك وقال وهو يدير كرسيه ناحيتها بواسطة ذراع التحكم
" حقا أنتي أجمل من أي حد لتوقعاتي وليجهز ابن شاهين
نفسه لخاطبيك منذ الآن "
قالت ضاحكة بحياء
" للأسف لم أرى منهم أحدا حتى الآن لكنك الوحيد الذي قال
بأني جميلة دون أن يغني في والدتي قصيدة أولا "
ضحك كثيرا وقال
" والدتك تلك إن كانت امرأة تغتر بنفسها سريعا ما كانت لتكلم
أحدا مطلقاً من كثرة المديح الذي سمعته في حياتها "
جلست معهم حول الطاولة وقالت
" رائع تلعبون لعبتي المفضلة ، من منافسي في هذه الجولة ؟ "
رفع الكاسر يديه عاليا وقال
" ليس أنا ولن أكون أبدا فإن لم أتغلب عليك في الأمور التي
لا تعرفينها فكيف بلعبتك المفضلة كما تقولين "
نظر بعدها لرماح الذي كان ينظر له مبتسما وقال
" لا أنصحك أبدا بتجربة مواهبها فهي داهية في جسد فتاة "
ضحكت وقالت بمكر ناظرة للجالس بجانبها
" خالي رماح ما رأيك في ذكائه لتعلم إن كان الأمر متعلقا
بمواهبي أو به ؟ "
ضحك رماح من فوره وقال ينظر له بطرف عينه
" ما أنا متأكد منه أنه لولا شدة والدتك وحزمها معه ما اجتاز
عاما دراسيا "
شهق الكاسر في وجهه بصدمة وضحكا كليهما عليه ثم نظرت
خلفها قائلة
" والدتي مؤكد في الجمعية ؟ أين عمتي جويرية إذا ؟ "
قال الكاسر وهو يعيد ترتيب قطع الشطرنج
" تجديها تتشاجر وذاك المهندس فهي في عقبه منذ دخل "
نظرت له وقالت باستغراب
" مهندس !! "
قال ولازال منشغلا بما يفعل
" أجل مهندس برمجيات فهذا الصباح أفاقت لنا والدتك بمزاج
كالبارود واتصلت بشركة حواسيب واتصالات وأرسلوا هذا الرجل
لفك جهاز المراقبة الذي تم تركيبه موخرا في المنزل كما أنها
طردت جميع الحراس "
نظرت خلفها مستغربة وكأنها ستراهم وتذكرت أنها بالفعل لم
تجدهم وقت دخولها !! نظرت له وقالت
" وكيف ستتركون المكان دون حراسة ؟ ثم ما سبب كل هذا ؟ "
قال رماح هذه المرة وهو يضع القطع التي كانت في جانبه
" قالت بأنه ثمة من اخترق نظام المراقبة وطبعا الحرس هم
المتهم الأساسي "
مط الكاسر يداه عاليا وقال متثائبا
" يبدوا أن القوات الوطنية الخاصة من ستتولى حمايتنا أي أن
الأمر سيصبح أكثر تعقيد "
نقلت نظرها بينهما باستغراب قبل أن تنظر ليديها في حجرها
متنهدة بحزن فها هي والدتها غاضبة فوق غضبها منها والأمور
لا تزداد إلا سوء ، وقفت وقالت ناظرة للكاسر
" رعد أخبرني سابقا بأنها تدخل للجمعية من هنا فهل يمكنني
استخدام ذاك الباب لأصل لها ؟ "
نظر لها باستغراب لبرهة قبل أن يرفع يديه بجانبي وجهه قائلا
" ولست المسئول إن هي غضبت من ذلك فلم يستخدمه أحد
غيرها سابقا "
توجهت نحوه وسحبته من يده قائلة
" لن أذكر اسمك أبدا اطمئن "
وتابعت مبتسمة وبصوت مرتفع وهما يبتعدان
" سأعود للعب معك يا رماح فلا تضن بأني هربت من المواجهة "
وصلها صوت ضحكته وقد قال صارخا لابتعادهما
" وأنا في انتظارك يا ابنة مطر شاهين "
*
*
*
نظرت للساعة في معصمها والتي كانت تشير للواحدة ظهرا
وتنفست بعمق متشهدة على نفسها ثم توجهت جهة قاعة
المحاضرات فلا يمكنها الهرب منه اليوم أيضا وحتى متى
ستهرب فكل محاضرة ستضيع منها هي من ستدفع ثمنها
فعليها مواجهة مصيرها مثلما رمت نفسها فيه ، سحقا لها
هل كان عليها أن تقحم نفسها في هذه المشكلة ؟ كان غرضها
شريفا ولا تريد سوى أن تجد لحياة صديقتها حلا بدلا من أن
تستمر في مشاهدتها تعاني لباقي عمرها ، حسنا وما جنيت من
ذلك يا زهور يا حمقاء سوى أن طارت ماريه مع زوجها وبقيت
أنتي هنا لمواجهة محاميه الذي صمد في وجه عمها كل هذه
الأعوام فما سيفعله بك أنتي المسكينة ؟ الذنب ليس ذنبها فما كان
يدريها بأنه سيدرس في جامعتها التعيسة هذه ؟ تنفست بعمق
ودخلت القاعة فلن يجلب لها الوقوف أمام الباب الحظ ولا مفر
لها من مواجهة ذاك الرجل الذي ليست تعلم حتى كيف يكون ،
صعدت المدرج وجلست خلف شابين طويلان يكفيان لإخفائها
وإن جزئيا فلعل ذاك الرجل نسي أمرها تماما أو لن يهتم بوجودها
حتى إن تعرف على اسمها ، ثم كم من فتاة إسمها زهور لما
ستكون هي مثلا ؟ حمقاء هو علم حتى أين تدرس أي يعلم عنها
ما لا تعلم هي عن نفسها ، أنزلت رأسها واختبأت خلف الرأسين
الأسودين اللذين بالكاد أخفياها بسبب علو مقعدها عنهما ما أن دخل
الذي لم ترى سوى ساقيه وبنطلونه الكحلي بقماشه الأنيق وصوته
الرجولي ملقيا التحية ثم صوت سحبه للكرسي الذي سيجلس عليه ،
لو كان الأمر بيدها لاختبأت تحت الطاولة لكنه سينادي بإسمها
ليتأكد من عدد الحضور وهي الحمقاء نسيت هذه النقطة المحاضرة
الماضية التي هربت منه ومنها ، كانت تريد الإختباء لأطول وقت
ممكن لكن فضولها الغبي الملتصق بها منذ ولدت لم يتركها خاصة
مع صمته الطويل المبهم والهمس والتمتمات حولها فرفعت رأسها
قليلا وكادت أن تغص بريقها وتموت للأبد ما أن وقع نظرها على
الواقف أمام أول مقعد في المدرج مقابلا لها تماما بل ويراها وينظر
لها تحديدا يديه وسط جسده وابتسامة مائلة تزين تلك الشفتين ،
لم تتخيل أن يكون في منتصف الثلاثين أو يزيد قليلا !! توقعته
على الأقل ناصف الأربعين ومحام ذو خبرة طويلة ليقف في وجه
جميع أولئك المحامين الذين دفع لهم عم ماريه أموالا لا تعد
ولا تحصى ليبطل عقد زواجها ، هذا أصغر من شهرته بكثير
وكما هم قبائل جنوب الحالك سواد الشعر الفاحم والعينان واللحية
الخفيفة مع بياض البشرة سمات يفوقون فيه قبائل الحالك أجمعها .
اتسعت ابتسامته وقال بسخرية
" الآنسة زهور هنا اليوم ؟ ما هذه المفاجأة "
دست وجهها في حقيبتها على الطاولة أمامها لينساب ذاك
الشعر الحريري القصير الذي لم يتجاوز طوله نهاية عنقها تلعن
نفسها بهمس قبل أن ترفعه مجددا ودست يدها في حقيبتها
وأخرجت منها ما أعدته سلفا وكان عبارة عن قلم رصاص
ربطت فيه منديلا أبيضا صغيرا رفعته أمام وجهها وحركته
لتنطلق ضحكته فور وقال وهو يستدير متوجها لطاولته
" أخرجي لي هنا لأرى "
مدت شفتيها بعبوس شبه باكي ونظرت لكل تلك الأعين الفضولية
التي تحدق بها وبذاك العلم الأحمق في يدها
( ماريه لو تعلمي أي كارثة تركتها لي بعدك ورحلتي )
كانت تلك أول عبارة تبادرت لذهنها ما أن علمت ما ستكون عليه
حجم مصيبتها ، مؤكد ذاك الداهية عرفها من تغيبها السابق
وحضورها الآن هذا إن لم يكن يعرف شكلها من قبل أن يأتي
للتدريس هنا ، وقفت مستسلمة لقدرها وغادرت مقعدها ووقفت
على مبعدة من طاولته فرفع نظره من على الأوراق التي أخرجها
من حقيبته ونصب ساق على الأخرى وقال مشيرا بالقلم في يده
" قفي هنا مقابلة لزملائك "
تنهدت باستسلام وفعلت ما طلب منها تنتظر كيف سيكون عقابها
هذا الذي يستلزم أن يرى الجميع وجهها ولم يتأخر ذاك كثير
حتى قال
" اشرحي ما الذي يتحدث عنه القانون التجاري ؟ "
فتحت عيناها على أتساعها ، يا إلهي ما هذه الورطة فهي لم تحظر
معهم المحاضرة الماضية ولم تنقلها أيضا ، كان الصمت الطويل
جوابها الوحيد لا تعرف أي مأزق هذا الذي هي فيه ثم لما هذا
الأسلوب وكأنها طالبة ابتدائية ! منذ متى يسألون في الجامعات عن
المحاضرات الماضية وما شأنه بها تعرف أم لا وكيف ستعرف عن
مادة لم تدرسها سابقا أبدا ولا تعرفها فهي سنتها الأولى في
الجامعة وهذه المادة تأخروا في تدريسها لأنه يتم إلغائها أغلب
الأحيان أو تصنف كمادة اختيارية وليست إلزامية نظرا لأن
القوانين الوضعية ذاتها التي تسري على التجارة والاقتصاد
أما هذا العام فقد لعب ابن شاهين بجميع قوانينهم بالتعاقب
وعليهم دراسة كل ذلك بقوانين الشريعة الإسلامية حتى أنه أعاد
كبار المحامين كطلبة لتلقي ما تم تغييره وأدى كل ذلك للتركيز
على من يدرسون مثل هذه المواد التي اضيفت مؤخرا ، لم يكن
ثمة حل أمامها سوى أن تداوي المصيبة بمصيبة وهذا ما اعتادت
عليه كل حياتها لا تفكر في العواقب كي لا تتراجع ، توجهت جهته
وبخفة سرقت الورقة من أمامه قبل أن يفيق من صدمته بحركتها
تلك فهي اكتسبت مهارة خاصة في هذا ، قالت مبتسمة بانتصار
ما أن حصلت على غنيمتها
" بما أنه ثمة استثناء في الجامعات ليوقف الأستاذ الطالبة ويسألها
كالطفلة فثمة استثناء أيضا سيسمح لي باستعارة هذه منك "
علت الضحكات الرجولية في القاعة مختلطة بضحكته الخشنة بينما
كان التحفظ مريبا من الجنس الآخر ، اتكأ للخلف لظهر كرسيه
وقال مبتسما وهو يلعب بالقلم بين أصابعه
" جيد ولعلمك فقط إن لم تجيبي عن السؤال ستقفين وجهك
للجدار حتى نهاية المحاضرة يا طفلة المدرسة "
نظرت له بصدمة وما أن نقلت نظراتها تلك من ابتسامته
الساخرة للورقة بين يديها علمت أي مازق جديد ذاك الذي
اوقعت نفسها فيه
وهي تنظر بأسى للائحة أسمائهم المدونة فيها فغطت بها وجهها
قائلة باستياء
" قالتها والدتي مرارا
( تشترين المصائب بالمال إن لم تجدي ما تقحمين نفسك فيه ) "
*
*
*
تنهدت تسحب نفسا طويلا قبل أن تحرره من صدرها وقد ابتعدت
بأفكارها تماما عن الجالسة أمامها والتي قالت مبتسمة تضع يدها
على الأوراق تحتها
" مهلك سيدة غسق لا أريد أن أجمع أوراقي المتطايرة من الشارع "
لم تستطع منع ضحكة صغيرة تمردت على سجن أضلعها التي
تطبق على ذاك القلب بقوة فالجالسة أمامها الآن استطاعت
أن تقلب ذاك المزاح للحظة بابتسامتها التي افتقدتها حقا لأعوام
طويلة والتي لم تتوقع أن يكون طلاقها وكل ما حدث هو ما سيعيد
تلك الابتسامك لثغرها الجميل وكأنها تحررت من كل ذاك
السواد المحيط بها ما أن فعلت ما فعلته البارحة وكم باتت تعشق
الآن جليلة هذه التي لم تعرفها يوما بل التي كانت تختبئ خلف
تلك الفتاك الهادئة المسالمة الرقيقة التي تعجز أحيانا حتى عن
الدفاع عن نفسها ، هي الشيء الوحيد الذي لون صباحها اليوم
بالسعادة والتفاؤل وهي تراها لساعات تتنقل بين الأقسام وتقابل
الجميع بابتسامة كم اشتاقت أن تهديها لكل من حولها ... ابتسامة
مشرقة صادقة تلامس شغاف القلب ، وليست تلومها أبدا بل
وتتفهم موقفها فمن كانت لتستحمل كل ما مرت به ولو لم تكن
امرأة قوية بالفعل ما كانت لتكون هذه ردت فعلها حتى وإن كانت
هي من اختار مصيرها بنفسها ، امرأة أخرى بشخصيه
مهزوزه وضعيفة كانت لتتقهقر للوراء تبكي خيباتها ولكانت
سجنت نفسها خلف سواد نظرة الناس للخطيئة لكنها فعلا
استحقت وبجدارة أن كانت إحدى عضوات إدارة جمعيتها
بل ومن ستصبح قدوة حقيقية لكل من ستحاول مستقبلا تخطي
عقد ماضيها وصعوبة ظروفها لتواجه واقعها بكل شجاعة .
نظرت للأوراق تحتها ومررت طرف سبابتها على أنفها الصغير
المستقيم صعودا حتى استقر بين حاجبيها الرقيقان واللذان
عقدتهما بشكل طفيف تنظر لإصبع الجالسة أمامها تحركه على
إحدى أسطر الورقة تحتها قائلة
" هل رأيت هذا يا غسق ؟ إنه البند الوحيد الذي لا يمكننا
الموافقة عليه ، هم يحاولون التلاعب بنا بهذا الشرط ومتأكدة
من أنك إن عرضت العقد على أي محام سيفسر لك ذلك قانونيا
وستجدين أن ما أقوله صحيح "
رفعت القلم بجانبها وأشارت عليه بدائرة حمراء ثم وضعته
جانبا ورفعت نظرها لعينيها وقالت بهدوء
" جليلة ثمة ما يشغل تفكيري وعلينا الحديث عنه الآن لأستطيع
أن أركز ولو قليلا "
نظرت لها بصمت تنتظر ما ستقول بينما تنهدت هي بأسى
وغابت بنظرها لتلك الدائرة الحمراء وسط كل ذاك البياض
المزدحم بتلك الأحرف والكلمات تشعر وكأنها مسجونة
وسط تلك الدائرة المغلقة وترفض قيودها تلك بقدر ما تريد
الاحتماء داخلها وللأبد ، قلبت الورقة في حركة لا شعورية
ونظرت لها مجددا وقالت
" جليلة هل كنت تجهلين كشقيقي حكم الشرع في الزواج بنية
الطلاق ؟ "
نظرت لها لوقت وكأنها تترجم ما قالت قبل أن تهمس باستغراب
" حكمه شرعا ؟ "
حركت رأسها إيجابا وقالت بضيق
" لست أفهم هل صبغت القوانين الوضعية عقولنا جميعا أم
بتنا نبتعد عن ديننا درجة أن لا نتأكد من الأمر قبل فعله ؟
لم أستطع تصديق جهل رماح بذلك حتى أقسم اليوم أمامي بأنه
إن علم قبل أن يطلقك لكان أتم زواجه منك فانظري أي تعقيد
ذاك الذي كنتما ستصلان له "
قبضت الجالسة أمامها أصابعها لا شعورياً وهمست
" لا يا ألهي ما الذي كان ينوي فعله بي وبتلك المرأة التي
أضاعت سنوات حياتها السابقة تنتظره على الأمل الميت "
قالت الجالسة أمامها بأسى
" لست أفهم لما تتعقد حكايتهما يا جليلة ؟ رحيل تلك الفتاة
من هنا معناه أنها قد لا ترجع وللأبد "
طرقات منخفضة على الباب جعلتها تصمت عما كانت تريد قوله
وقد التفتت خلفها ما أن انفتح وظهرت ابتي ووقفت أمامه قائلة
" سيدة جليلة ثمة من يطلبك في الأسفل وجاء بحثا عنك "
وقفت من فورها وقالت تجمع الاوراق المبعثرة بينهما
" لم يعد بيدنا شيء نفعله يا غسق فاتركي الأمر لهما وحدهما
فليس ثمة رجل يرضى بأن يخفض راية التحدي مع قلبه
والعشق لأنثاه إلا وأحدهما من يعلن الهزيمة ليثبت للآخر بأنه
الطرف الأقوى وتلك هي الحقيقة التي لا تقبل جدالا فالخاسر
في الحب الصادق بين الطرفين هو المنتصر دائما "
وضمت الأوراق لحظنها وتابعت مبتسمة تنظر لتلك الأحداق
السوداء الفاتنة المحدقة بها باستغراب
" وأنتي أكبر مثال على ذلك يا غسق فلا تتركي ذاك الرجل
ينتصر آخر الأمر بينما أنت الطرف الأقوى فالمعادله معكوسه
دائما يا ابنة خالتي "
وغادرت ما أن أنهت جملتها تلك تراقبها تلك النظرات التائهة
حتى تورات خلف الباب الذي أغلقته بهدوء وتركتها تواجه
حقيقة قاسية ترفض الاقتناع بها ولا تصديقها ، وقفت وتوجهت
جهة الواجهة الزجاجية الواسعة لمكتبها والمطلة على الجزء
الأمامي من المبنى ووقع نظرها فورا على ذاك البناء الذي بدأت
ترتفع أسسه المتينة شيئا فشيئا .... المبنى الذي لازالت تجهل
ما سيكون ولا يحق لها مناقشة أمره مع أحد لأن مشاركتها
كل ما تملك من أراض هنا بات حق مشروع لذاك الرجل وحده
وقانونيا أيضا ، شدت قبضتيها بقوة وقد تذكرت كلمات جليلة
الأخيرة ، أي جنون هذا الذي أصاب عقل تلك المرأة ؟ لا يمكنها
أبدا استيعاب ما تقول ....!! هل تعني حقا بأنها طيلة الأربعة
عشرة سنة الماضية كانت هي المنتصرة عليه بينما انقلب
الوضع الآن للعكس تماما ؟ هل تريدها أن تقتنع بأنها إن استسلمت
له وتنازلت بالاعتراف به والعيش معه ستصبح هي المنتصرة !
حركت رأسها برفض هامسة " لا ذاك جنون قطعا ، إنه
للجنون بعينه "
التفتت مسرعة تنظر بصدمة للوحة التي تحركت من مكانها
هناك وللباب الذي انفتح كاشفا عن الواقفة أمامه ليست تفهم ولا
تعلم كيف وصلت هنا ومتى ! والتي نظرت لها بحزن قائلة
" أمي يمكنك طردي من هنا ومن منزلك بأكمله لكن استمعي لي
أولاً أرجوك "
رفعت نظرها للأعلى وتنفست بعمق فكلمة أمي من بين شفتيها
كفيلة وحدها بجعل قلبها يرتجف حنانا يخصها به دون الجميع ،
قالت الواقفة هناك برجاء
" قسما أمي أني ظننت بأن جدي دجى هو القادم من فرنسا
مع عمي صقر لذلك ذهبت "
شعرت بقلبها نزف حنينا هذه المرة بذكر ذاك الغائب الغريب عنها
ومن هي قطعة منه ومن دمه وكانت ستتحدث لولا قاطعها رنين
الهاتف في حيب السترة القصيرة للواقفة هناك والتي مدت يدها
له فورا فهذه النغمة تخص والدها ولا يمكنها تجاهل اتصاله ،
أخرجت الهاتف من جيبها وأجابت من فورها قائلة
" أجل أبي "
شعرت بقلبها يعتصر ألما وهي تنظر للتي اشاحت بوجهها
حانبا وبعيدا عنها فور أن علمت بهوية المتصل والذي قال
من فوره وبلهجة أخافتها وجعلتها ترتاب بشدة
" تيما هل وصلت للعمران ؟ "
أجابت من فورها ونظراتها الحزينة تراقب التي عادت للنظر
للخارج مولية ظهرها لها
" أجل أبي "
وصلها صوته الحازم فورا
" ووالدتك قربك ؟ "
عضت طرف شفتها وعلمت حينها أنه بالفعل ثمة أمر سىيء جدا
بينهما حدث أو سيحدث ، حررت شفتها ببطىء هامسة
" أجل أبي "
قال مباشرة
" أعطها هاتفك بسرعة "
غضنت جبينها وقالت بصوت منخفض
" لكن أبي أ ..... "
قاطعها من فوره وبحزم
" أعطها الهاتف يا تيما وغادري "
*
*
*
دخلتا لندن بعد مغيب الشمس بقليل وبعدما قضتا اليوم بطوله
في تلك المدينة الرائعة ، كانت متحمسة لتلك النزهة فعلا لكنها
لم تستمتع بها كما أرادت حتى أنها تمنت بأنها لم تسمع صوته
ولم يتصل بها ، من كان ليتوقع أن تتحول لهفتها لأعوام لأن تراه
من بعيد أو تسمع صوته وإن لم تكن المعنية بحديثه لكل هذا الألم
والخواء الروحي درجة أن تتألم لاهتمامه ولجفائه بذات الطريقة !!
لقد علمها ذاك الرجل درسا قاسيا جدا في محدودية التفكير وفي أن
الأنثى عليها أن لا تنتظر من رجل حروب وموت وقتل ودماء أن
يعزز غرورها كأنثى ولا كذبا ولا حتى مجاملة وبأنه مجرد آلة
حرب وآلة عمل وآلة مسؤليات لا تتوقف عن العمل أبدا ليهتم
بمن حوله ، باتت تشفق حقا على جميع النساء المتزوجات
بأمثاله كإشفاقها على نفسها الآن تماما .
اتكأت بمرفقها على إطار النافذة وخبأت وجهها فيه تقبض بيدها
الأخرى على القميص جهة قلبها هامسة بأسى وخفوت
" ماذا أفعل مع هذا الذي تعلق به منذ كان صغيرا ... ماذا ؟ "
ودست عيناها في كمها تغمضهما بقوة كي لا تبكي فيكفيها ضعفا
وركضا خلف مشاعرها البائسة
" ماريه هل أنتي بخير ؟ "
رفعت رأسها ما أن وصلها صوت الجالسة بجانبها قلقا متوجسا
ورفعت شعرها بأصابعها للأعلى وهمست ببحة تخفي الحقيقة التي
تخجل حتى من البوح بها
" بخير ... أشعر فقط بالنعاس والإعياء "
أدارت ساندرين مقود السيارة لتدخل حيهم قائلة
" هذا أمر طبيعي بما أنك لم تنامي البارحة ثم محاضرات وتنزه
لساعات طويلة من الجيد أنه لم يغمى عليك ، أنا آسفة حقا فلم أفكر
في كل ذالك بسبب حماسي لأريك المدينة "
اتكأت برأسه للخلف وتمتمت مغمضة العينين
" لا بأس ساندي فأنا أيضا كنت متحمسة لرؤيتها لكنت طلبت
منك أن نعود "
لم تستطع فتح عينيها المرهقتان رغم تباطء حركة السيارة
لوصولهما لكن ما جعلها تقفز جالسة هي الشهقة القوية
للجالسة بجوارها والتي صرخت بصدمة
" يا إلهي ماريه أنظري لهذه السيارة "
نظرت من فورها وباستغراب للسيارة الجديدة المتوقفة أمام المنزل ...
سيارة أنيقة فاخرة باللون العسلي كلون شعرها وعينيها تماما ،
أوقفت ساندرين سيارتها وقالت وهي تفتح الباب ونظرها لازال على
تلك السيارة
" لم أتخيل أن والدي سيفعلها بهذه السرعة وبأنه يمتلك ذوقا
رائعا هكذا ؟ "
وتابعت وهي تنزل
" هذه السيارة هي التي تستحق أن توضع في المرآب بدلا من
سيارتي التي باتت باهتة مسكينة أمامها "
وأغلقت الباب عند آخر كلمة قالتها ثم دارت حول السيارة
وقالت ضاحكة للتي لازالت جالسة مكانها تنظر لتلك
الامبورغيني بلون الذهب
" يبدوا أننا سنتبادل سيارتينا كثيرا مستقبلا "
وتابعت ضحكتها وهي تلف حول تلك السيارة ملامسة لها
بأصبعها من الخارج فنزلت ونظرها يتبعها وتبعتها للداخل
تسمع حديثها المسترسل عن تلك القطعة الذهبية التي تركتاها
في الخارج ولم تعلق بشيء وجل تفكيرها في أن عمها ما كان
ليستطيع سحب شيء من حسابها في المصرف دون إذنها
وتوقيعها ؟
وصلتا للداخل وكان وزوجته يجلسان في صالون الاستقبال
وقالت ساندرين التي وقفت أمامهما تمسك وسطها بيديها وبضيق
" هذا ظلم وانحياز سأرضى به طبعا من أجل ماريه "
ضحكا كليهما وقالت التي وقفت بجانبها
" عمي ما كان عليك أن تكلف نفسك ثمن هذه السيارة فهو
مؤكد مرتفع جدا ؟ "
قال ضاحكا
" إن بعت منزلي وزوجتي والواقفة بجانبك الآن ما تحصلت
على ثمنها ، زوجك من أرسلها قبل أقل من ساعة ومفتاحها في
غرفتك الآن "
نظرت لهما بصدمة بينما تأوهت الواقفة بجانبها قائلة بتذمر
" آه أبي بالله عليك من أين سأحصل الآن على زوج ثري يهديني
مثلها ؟ "
ضحكا على تعليقها وقال والدها
" حسبما علمت فثمة ثري خطبك من نفسك وأنتي رفضته فعلى
من سيقع اللوم الآن ؟ "
أخرجت لسانها بتقزز وبدأت بشن حرب عدائها وسبابها المعتاد
على قبائل الهازان بأكملهم بينما غادرت الواقفة بجانبها جهة
غرفتها في صمت وإن لم يكن متناسبا مع خطواتها الواسعة
الغاضبة ، دخلت الغرفة وضربت بابها خلفها بقوة وفتحت حقيبتها
وأخرجت هاتفها منها ورمتها على السرير بغضب فمن قال له بأنها
تريد سيارة من ماله فحتى الثياب والأغراض التي أرسلها لم تعجبها
فكرة أن يشتريها هو وقد رماها هنا دون اهتمام ولا توضيح ،
ثم ما يدريه إن كانت تريد هذه السيارة أم لا وإن كان أساسا
يمكنها قيادة هذا النوع ؟ كتبت أحرف الرسالة بغضب تشعر به
يزداد تدريجيا وأرسلتها له فورا وكان فيها
( لما اشتريت السيارة من مالك ؟ )
وانتظرت قليلا تضرب الأرض بطرف حذائها بضيق وغضب
مكبوت وحين لم يصل منه أي جواب أرسلت له مجددا
( تيم أجب )
ولا فائدة من كل ذلك فتنفست بقوة وغضب واتصلت به فورا
ووضعت الهاتف على أذنها تسمع رنينه في الطرف الآخر حتى
أبعدته فجأة تنظر له بصدمة حين أغلق الخط في وجهها فرمته
بطول يدها على السرير صارخة
" وتغضب أيضا وتعرف معنى الغضب والإهانة يا تيم ؟ "
وقفت لوقت تنظر لذاك الهاتف الأسود المرمي وسط الأغطية
البيضاء تتنفس بقوة وغضب وتشعر بأن جرحها منه هذه المرة
تخطى أي حدود له فهل يغضب هو لمجرد أن تأخرت في الرد
عليه سابقا بينما يفعل هو أسوء من ذلك ؟ هل يغضب وليوم كامل
فقط من قولها للحقيقة ومواجهته بتهميشه لها ومعاملتها كنكرة
بينما هي ليس من حقها ذلك ؟ شعرت بمشاعرها تهاوت للصفر
درجة أن نسيت من يكون تيم ومن كانت ماريه وما سيكونان
فرفعت هاتفها مجددا وأرسلت له ودون تراجع
( طلقني يا ابن كنعان )
ثم رمت الهاتف حيث كان كما رمت معه أحلامها وأمانيها
البعيدة وكما ارتمت معه تلك الدمعة على وجنتها المحتقنة بشدة
وهي تتوجه جهة باب الحمام الذي ضربته خلفها بقوة واتكأت
عليه تبكي بألم ونحيب ليست تبكيه هو بل تبكي ماريه وطفولة
ماريه وكل عذاب تحملته في انتظاره وهو مجرد وهم وسراب
كما كانت هي مجرد غبية ساذجة بلهاء لكانت عملت بنصيحة
زهور وتطلقت منه من أعوام وتزوجت بغيره وإن كان ابن عمها
برآء ، نزعت ملابسها عنها بقوة وغضب وواصلت مسيرة بكائها
الصامت تحت الرذاذ القوي لتلك المياه الدافئة وكأنها تغسل روحها
المشوهة بالألم وقلبها العالق في سواد الماضي الذي طالما رأته
جميلا رغم كل تلك الكآبة فيه .
مرت الدقائق أبطء من السير على نصل سكين حاد وهي تحاول
إيقاف تلك الدموع والشهقات المغمورة بالماء تستجدي تلك
الطفلة فيها أن تحررها منها وللأبد لكن اليأس كان حليفها
فمن منا استطاع انتشال نفسه من ماضيه وكأنه لم يوجد أبدا
وقد غرس داخلنا وللأبد ؟
هو أشبه بمحاولة نسيان شخص مات ودفن تحت التراب إنه
المستحيل الذي لم ولن يستطيع فعله أحد .
خرجت من تحت الماء بعدما نزفت كل تلك الدموع التي لم
يعد يمكنها جلب المزيد منها لأنها تنتهي دائما ولا تبقي إلا
الألم الذي لن تستطيع إخراجه معها أبدا ، لبست منشفة
الحمام الزهرية الخاصة وربطت حزامها وشعرت بذراعيها
تؤلمانها حد أن عجزت عن تجفيف شعرها الذي تقاطرت
منه المياه على الأرض تحتها وقد توجهت للمرآة ونظرت
لوجهها ولعيناها وجفناها المحتقنان بشدة فأغمضتهما
برفق تشعر بثقل لا يوصف فيهما وتتمنى أن تغمضهما
حتى مساء غد .. لا بل أن تغمضهما وللأبد وتلحق بجميع من
ماتوا وتركوها منذ أعوام بعيدة ، مررت أصابعها في غرتها
المبللة للأعلى وتنفست بعمق متعوذة من الشيطان في قلبها
وفتحت باب الحمام وخرجت ليفتح حينها باب غرفتها وأدخلت
ساندرين رأسها منه ونظرت لها نظرة لم تستطع فهمها أبدا
وقد قالت
" ماريه أكنت في الحمام وأنا أطرق الباب منذ وقت ؟ "
أبعدت شفتيها ببطء وكانت ستتحدث فسبقتها تلك قائلة
بهمس مبهم
" زوجك هنا "
فشعرت بالأرض تدور من تحتها وبالدماء تتجمد في عروقها
انتقالا من ساقيها ووصولا لشفتيها الحمراء الصغيرة الممتلئة
كثمرة فراولة صغيرة ناضجة وفقدت القدرة على النطق نهائيا
ليس فقط بسبب ما سمعته منها بل وبسبب الصوت الرجولي
البارد الحازم الذي قال من خلف ذاك الباب
" معذرة هلا ابتعدت لأدخل "
*
*
*
وقف بسيارته أمام باب المنزل وما أن نزل منها رن هاتفه
فأخرجه وما أن نظر للإسم وقف مسندا يده بسقفها وفتح
الخط ووضعه على أذنه وقال ناظرا للأرض تحته
" مرحبا إيلينا "
قالت من في الطرف الآخر من فورها
" مرحبا وقاص "
وتابعت بخيبة أمل
" ظننت أنه بإمكاني رؤيتك اليوم لنتحدث "
تنفس بعمق وقال
" لم أجد وقتا وأشعر بأني سأنا.... "
قاطعته مباشرة
" أحتاج لأن نتحدث سريعا وعليك أن تتفهم موقفنا وقاص أنت لم "...
قاطعها أيضا وبحزم
" زيزفون لا علاقة لها بالأمر إيلينا عليك أن تصدقي ما أقول
وتقتنعي بأنه حقيقة فليست تعرف زوجة شقيقك تلك ولم تراها
يوما كما أنها لا تعرف المتهم بقتله ولم تراه أبدا ويمكن إثبات
ذلك قانونيا وبسهولة فجنبينا كل هذا لأني لا أريد أن تدخل
أقسام الشرطة وجلسات المحاكم أبدا "
وصلته تلك النبرة الشبه باكية
" وقاص لما ترفض التعاون في القضية وتصر على أن ايديا
السبب في موت ريكاردوا ؟ ابنة عمك تلك هي من قد تملك جوابا
مفيدا فلن أصدق أنه يمكن لشخص أن يرسم شخصا لم يراه يوما
بكل تلك الدقة !! "
تنفس بضيق ورفع رأسه وأبعد يده ودسها في جيب بنطلونه قائلا
" إيلينا زيزفون لن تقحم في قضية لا علاقة لها بها وعليك أن
تقتنعي بأن تلك المرأة لم تستحق ثقتكم يوما وكما سبق
وأخبرتك فبإمكاني إثبات برآءتها وبرآءة ذاك الرجل بسهولة
إن أنا تدخلت فلا تضطريني لفعل ذلك من أجلها ، ثم لو رأيت
ملامح جميع النساء في لوحات شقيقك لوجدت أن كل خمس
لوحات تشترك في إحداها وكل ما فعلته زيزفون أن جمعت تلك
الملامح في لوحة واحدة وأنا من أخبرها عن هوية تلك المرأة
بعد ما رسمتها وأعتقد أنه ليس ثمة غبية توقع نفسها في ذاك
المأزق إن كانت تعلم عن قضية القتل"
وصله صوتها قائلة بأسى حزين
" وداعا يا وقاص "
وأنهت المكالمة فدس هاتفه في جيبه وتوجه جهة باب المنزل
تاركا كل ما قيل خلف ظهره فلن يسمح بإقحامها في قضيتهم
تلك وعليهم أن يعترفوا بأن تلك المرأة السبب وإن سكتوا عنها
أكثر فستأخذ ابنهم الآخر للموت أيضا ، دخل المنزل الساكن
الهادئ ووقف مكانه ينظر باستغراب لباب مكتب جده الشبه
مفتوح والضوء المنبعث منه قد رسم خطا طويلا في ذاك البهو
المظلم فما يعلمه أن جده وزوجات والده وأبنائهم مدعوون
لحفل عشاء عائلي لدى أحد أصدقاء العائلة وأنهم جميعا قد
لبوا الدعوة إلا أن كان أحدعم قد عاد مبكرا !! توقع أن جده
سيكون هناك فتحرك نحوه ووقف على مقربة منه ونظر
بصدمة للتي خرجت بعدما فتحته على اتساعه تنظر له
بجمود وكأنها تمثال حجري فهمس بغير تصديق
" زيزفون !! "
المخرج ~
بقلم/ بريق اروح
تيم &ماريه
لماذا نسيتني
لماذا تركتني
ليس لي في الحب بعدك الا قلبا منكسر
ليس لي في الجرح بعدك الا دما منحسر
ليس في قلبي حياه
الا في عروقي الوفا
اينتهي الامل البعيد اينتهي الحب الفريد ايموت الوريد
جفت في عرقي الدما
لذاء لم يدمي قلبي
ماريه&تيم
ما لكي بي مني وفي
انتي لي
لا تيأسي من رحمت الخالق
سوف تنسي الالم
انا لكي
كوني كعدي بالوفاء لكي
كوني كقلبي يتسنا لكي كوني عشقي كما كنت لكي
سوف انسيكي الاساءه سوف انسيك الالم
نهاية الفصل
|