كاتب الموضوع :
شخابيط فتاة
المنتدى :
القصص المهجورة والغير مكتملة
رد: أنت مرآتي ...فهل أكسرها!!/بقلمي
الفصل الأول:وهل يجدي الندم؟؟
تسرق منا الأحزان أجمل ما نملك..
تسرق دقات قلوبنا المحبة.. تسرق همسات نفوسنا الطيبة.. تسرق نور عيوننا الحالمة.. تسرق حياتنا.. تضيع أفراحنا…
توقفت امام باب المشفى وثبت بصري على البوابة ودقات قلبي تأبى الوقوف..لازالت كلمات سالم تتردد في أذني..
(ديما تصارع الموت)..
سرت بهدوء دون ان أتكلم وفي مخيلتي تتراءى أيام جميلة من الماضي عشتها معها .. سرت وأنا أرى اطياف المستقبل المجهول تحمل الموت والعذاب بين طياتها..
هززت رأسي في محاولة مني لطرد تلك الأفكار..كلا..صغيرتي لن تموت...سنعيش معاً مجدداً..ولن أسمح لأي أحد بأيذئها مادمت حيا...
وصلت الى قسم الطوارئ فوقف سالم بارتباك حين رآني..اقترب مني وهو يهمس: تماسك يا عمّار أرجوك..
وجهت بصري اليه ثم أغلقت عيني وأنا أحاول جاهداً الحديث,,لم أعد أقوى على تحريك لساني من عظم مصابي..تحركت شفتاي أخيراً وأنا أهمس بضعف:أين هي؟؟
أشار سالم برأسه لغرفتها:أنها هناك..
دفعته عن طريقي فوراً ثم اتجهت لتلك الغرفة وفتحتها باندفاع وأنا أهتف: ديما!!
ذاب الكلام بلساني وأنا أراها مستلقية على الفراش كجثة هامدة...اتسعت عيناي من هول مارأيت… .
تسارعت ضربات قلبي.. تردد نفسي...يبس ريقي…
وضعت يدي على صدري حين شعرت بذلك الألم يخترق قلبي كسهم قاتل يبقى أثره على مرور الزمن..
التفتت احدى الممرضات نحوي وهي تصرخ بحدة: سيدي اخرج من فضلك..
كنت أود تجاهلها..أردت أن أقترب من ديما أكثر..وددت أن أخبرها بأنني هنا..لقد عدت اليك صغيرتي..
امسك سالم بكتفي وأخذ يقتادني معه لخارج الغرفة..
مشيت معه بدون أن أعترض ولكن دمعة نزلت من عيني وأنا أردد بشكل هستيري: لقد ضاعت بسببي سالم..ستموت بسببي..ستموت..ستموت...
احتضنني سالم بكل قوته :لاتفعل هذا بنفسك عمّار..اهدأ أرجوك...
مشيت مع سالم بخطاً متثاقلة بعد أن شحب لوني وابيضت شفتاي واحمرت عيناي من الدمع..
جلست في غرفة الانتظار..انتظر خروج الطبيب ليطمأنني عليها…
هل ستكون ديما في عداد الأحياء أم الأموات؟؟
اغلقت عيني وعدت بذاكرتي لليوم الذي بدأت فيه قصتي..
بت أتذكر والدموع تجري على خدي مدراراً بعدما غرق قلبي من الحزن والبكاء والندم..
ولكن..
هل يجدي الندم نفعاً؟
وهل تخضر الأوراق بعد اصفرارها وذبولها؟؟
وهل تعود الأيام واللحظات بعد رحيلها؟؟
لقد بدأت قصتي قبل تسعة عشر سنة..في داخل حي شعبي قديم يحوي الكثير من البيوت.. .
يسكن بين تلك البيوت قلوب طيبة.. تضم في ثناياها أسرارا وحكايا.. .
جميلة كارتسام الشمس البعيدة في الافق..حزينة كليل عابر بلا حلم..
يقف طفل في التاسعة من العمر وهو يرمش بعينين كزرقة البحر..وشعر ذهبي ينساب على كتفيه بنعومة..يختلس النظر الى غرفة والديه وهو يسمع شجارهما..
نعم..ذلك الطفل..هو أنا..
بدأ كل شيء حين علم أبي بحمل أمي..
-لماذا لم تخبريني بأمر حملك قبل الآن..لقد تعمدتي اخفاء الأمر اليس كذلك؟؟
هل تريدين مني أن أصدق أنك لم تعلمي بأمر الحمل لخمسة أشهر؟؟
ردت أمي بغضب: وهل تسنى لي رؤيتك حتى أخبرك بالأمر.. لقد تغيبت عن المنزل لأشهر بدون أن تسأل عن حالنا..لم تسنح لي الفرصة لأخبرك..
ارتفع صوت والدي: لقد أخبرتك أنني لا أريد أي طفل غير عمَار...انها فتاة يا هيلين.
الا تدركين مقدار المصيبة التي ستحدث بسببك...؟؟
انني أجاهد منذ فترة لأقنع والدي بالاعتراف بعمّار..عزائي بأن عمار قد كبر وسيتمكن من الاعتماد على نفسه ان حصل شيء لي...اما الآن ومع هذه المصيبة داخل أحشائك..كيف سأخبر والدي؟؟
زفرت أمي ثم صرخت معترضة:ان كنت لا تريد طفلاً فأنا أريد..ماذنبي لأحرم من الأطفال بسببك ..لازلت في بداية عمري..لا يهمني أن قبل والداك الاعتراف بأبنائي أم لا ..ان لم تكن تريدنا..فسأعود مع ابنائي لأمريكا وسأختفي من حياتك الى الأبد..
احتقن وجه والدي من شدة الغضب..اقترب من أمي ثم أمسك بعضدها وهو ينطق بحدة: أياك والتفكير بهذا..ان اردت العودة لبلدك فلن اعترض...ولكن..لا تتدخلي بأبنائي..هل هذا مفهوم؟؟؟
ضحكت أمي باستهزاء:ماهذا التناقض الذي تعيش به..الم تخبرني انك تريد اجهاض الطفلة؟؟
هل أصبح أمرها يهمك الآن؟؟
دفعها والدي بكل قوته ثم صرخ :لا فائدة من الحديث مع امرأة مثلك..
قالها وهو يهم بالخروج من الغرفة..ولكن صوت أمي قد استوقفه وهي تصرخ: ليتني استمعت لكلام والدتي..كان علي أن لا أتزوج برجل مسلم..
تجاهل أبي تذمرها وهو يقوم بفتح الباب..تصلب بمكانه وهو يراني أقف أمامه..
شعرت بالخوف وأنا أنظر اليه..لم أرى والدي غاضباً هكذا من قبل..لقد اعتدت على نظراته الحنونة..
مرت ثلاثة أشهر تقريباً منذ آخر مرة رأيته بها..
ولكن شكله قد تغير كثيراً.لا أستطيع نسيان وجه أبى في ذلك الوقت.. لقد كان وجهه شاحباً جداً وفى حالة يرثى لها..عيناه محاطتان بالسواد..
كما انه من الواضح جدا انه قد فقد الكثير من وزنه..فقد أصبح جسده نحيلاً..كما أن عظام فكه قد برزت..
جثى أبي على ركبتيه أمامي ثم احتضنني حين رأى خوفي..مسح على شعري وهو يهمس بصوته الأجش: كيف حالك أيها البطل؟؟
أبعدني عن حضنه حين رأى صمتي..نظر الى عيني باهتمام:مالأمر يابني..
اجبته بتردد:أبي..لماذا تريد أن تموت أختي؟؟
اتسعت عينا أبي بصدمة..اجابني بارتباك:كلا ياولدي..انا لا اريدها أن تموت..كل مافي الأمر أنني أخاف عليها..
بدأ يتحسس وجهي بيده الحانية وهو يتابع الحديث:اخاف عليها من هذه الدنيا..قد لا اتمكن من البقاء معكم دائماً يابني..كيف ستتمكن طفلة صغيرة من العيش بدون أب؟؟
هززت رأسي وأنا أجيبه: كلا أبي..ستعيش معنا..وستكبر أختي وتصبح فتاة قوية..
ابتسم والدي بحزن:هل ستقوم بحماية أختك يا عمّار؟؟
عقدت حاجبي باستغراب..
طبع والدي قبلة على جبيني:عدني يابني بأنك ستحميها مهما اشتدت الظروف..عدني بأنك لن تتخلى عنها أبداً..
اجبته بثقة:أعدك..
اعادني أبي الى حضنه من جديد ولكني في هذه المره ..قد شعرت بجسده وهو يرتعش..لا أعلم..هل كان أبي يبكي حينها ياترى؟؟
لقد كانت تلك المرة الأخيرة التي أرى والدي بها..
مرت الأيام..وأتى اليوم الموعود..يوم ولادة أمي..
لقد كانت ليلة ماطرة..استيقظت من نومي وقتها على صوت والدتي وهي تصرخ باسمي..
ركضت الى غرفتها فزعاً لأراها..
فتحت باب الغرفة فوجدتها تجلس على الأرض بجانب سريرها وهي تتمسك بفراشها بكل قوتها..فتحت عينها ببطء ثم نظرت الي وهي تلهث وقطرات العرق تتساقط من جبينها من شدة ماتعانيه من آلام المخاض..
تحدثت بصوت متقطع: عمار..سأموت..ساعدني أرجوك..
ركضت اليها ولكن صراخها قد استوقفني:اذهب لاستدعاء أي أحد...يجب أن أذهب الى المشفى حالاً..
أومأت برأسي ..ثم خرجت من المنزل وبدأت الركض في تلك اللحظة...ركضت كما لم أركض من قبل..أرجوك يا الهي احفظ أمي..
وصلت الى منزل جارنا السيد عبد الرحمن وبدأت أطرقه بطريقة جنونية..
وصلني صوته بعد ثوان: حسناً حسناً..
فتح السيد عبد الرحمن الباب وهو يسألني بخوف: ما الذي حصل يابني...لماذا ترتجف هكذاً؟؟
اجبته بصوت متقطع من شدة البكاء: أمي.أمي ..تموت..
تلفت السيد عبد الرحمن حوله ثم صرخ منادياً زوجته: سميرة..تعالي بسرعة..
خرجت الخالة سميرة من غرفتها ثم لحقوا بي باتجاه المنزل… .
اتجهت الخالة سميرة لغرفة أمي ..أما السيد عبد الرحمن فقد كان ينتظر بسيارته لينقل أمي الى المشفى..
خرجت الخالة سميرة من غرفتها وركضت باتجاه المطبخ..ولكنها وقبل ان تدخل التفتت الي: عمار..اخبر عمك أننا لن نتمكن من نقلها الى المشفى..لا تقلق ...ستلد والدتك الآن وسيكون كل شيء على مايرام..
قالتها ثم دخلت الى الغرفة..
لم أكن أعي كلامها جيداً..لماذا لا تريد أخذها الى المشفى...امي تشعر بالألم..أسمع صراخها..أمي ستموت..
أيقظني من صدمتي صوت أبواق سيارة السيد عبد الرحمن..
ذهبت اليه لأخبره بالأمر..ولكنني انفجرت بالبكاء..
خرج السيد عبد الرحمن من السيارة وهو يسألني بخوف :ما الذي حصل؟؟
اجبته بصوت متهدج:أمي ستموت ..انها تصرخ ..قالت الخالة سميرة انها ستلد الآن..
ابتسم السيد عبد الرحمن وسرعان ماتحولت ابتسامته لضحكات...اخذ يتحدث وهو يضحك: لماذا تبكي الآن..كل شيء على مايرام..ستنجب أمك طفلة جميلة تلعب معك..تعال معي الى الداخل..هيا..
مشينا معا وجلسنا بداخل غرفتي..كنت التفت باتجاه غرفتها فزعاً كلما سمعت صراخها ولكن السيد عبد الرحمن كان يمسك بيدي ويخبرني بأنه أمر طبيعي..
مرت الوقت ببطء شديد..
مع كل صرخة من أمي كان قلبي يخفق بقوة أكبر..
توقف صوت صراخ أمي فجأة..
ولكن ..وبعد وهله..
عاد صوت الصراخ من جديد!!
كلا...
لم يكن صراخ أمي..
كان صراخ طفلة..
التفت الى السيد عبد الرحمن بعينين شاخصتين لا تعلم ماذا ينتظرها..
ابتسم لي: لقد وصلت أختك..
فتح باب غرفة أمي فأخرجت الخالة سميرة رأسها: عمار..احضر منشفة صغيرة ثم تعال لرؤية أختك…
ركضت باتجاه خزانتي لاحضار المنشفة..
اتجهت الى غرفة أمي بعدها وفتحت الباب بارتباك...وجدت أمي مستلقية على سريرها مغمضة العينين والسيدة سميرة بجانبها تحمل أختي وتقوم بغسلها بذلك الطشت أمامها..
التفتت الخالة سميرة الي: تعال يا عمار..تعال لرؤية أختك.. اقتربت منها فقامت بأخذ المنشفة من يدي وقامت بلف أختي بها..
وقفت الخالة سميرة بجانب أمي..وحين همت بوضع أختي في حضنها قامت أمي بدفعها..
رمشت الخالة سميرة بعينها مصدومة من موقف أمي.. شعرت ببعض الحرج فذهبت للخالة سميرة:خالة سميرة ..أعطني أياها.. وضعت الخالة سميرة أختي بيدي..تأملت ملامحها البريئة فشعرت بالحزن..هل هذه هي الطفلة التي تمنى والدي موتها..
ماهو الذنب الذي ارتكبته لتنظر امي اليها بهذا الحقد...
رفعت بصري الى أمي وبدأت احاول استعطافها وأنا أحدثها بالانجليزية كي تفهمني:انظري يا أمي كم هي جميلة..مارأيك..ماذا نسميها؟؟
نظرت أمي الي باشمئزاز ثم نطقت بحدة:سأسميها حظي السيء..ليتها لم تولد..انها غلطة..ارأيت..لم يفكر والدك بزيارتنا منذ اربعة أشهر بسببها..لا أملك المال لأطعامكم ووالدك لم يفكر بالسؤال عنا حتى..
بهتت ملامحي من كلامها..نظرت الى اختي بحزن.ماذنب هذه الطفلة بخلاف والدي..
لماذا لم تأت لزيارتنا يا أبي؟؟
ألم تخبرني أنك خائف على أختي؟؟
لقد وصلت أختي لهذه الدنيا..اننا نحتاج اليك أبي..
حاولت أن أطمئن أمي: سيأتي أبي يا أمي..أنا متأكد من هذا..
زفرت أمي بغضب ثم اغلقت عينها بدون أن ترد..
التفت الى الخالة سميرة..فلمحت التساؤل في نظرتها..ابتسمت لها بارتباك: ان امي تفكر باسم لأختي..تريد اسماً عربياً ولكنها لا تعرف لهذا تشعر بالغضب.
شعرت بأن كلامي لم يكن مقنعاً..ولكن الخالة سميرة أرادت مجاراتي: لماذا لا تسمونها ديما..
عقدت حاجبي باستغراب: ديما!
أومأت برأسها: ديما يعني المطر الشديد..بما أنها قد ولدت في ليلة ماطرة فأسموها ديما..
نظرت الى اختي بابتسامة...
ديما..
ياله من اسم جميل..انا اعشق المطر ..وسأعشق اي اسم يتعلق به بالتأكيد...
ما اجملك وما اجمل اسمك ديما..
لم تتمكن والدتي من تقبل ديما..فقد شعرت بأنها سبب تخلي والدي عنا..
تبقى ديما معظم الوقت معي..لقد قام أهل الحي بجمع التبرعات من أجلنا وقاموا بشراء الحليب والحفاظات وغيرها من مستلزمات الأطفال من أجل ديما..
كان أمراً محرجاً لوالدتي..
في الحقيقة..لقد أحزنني هذا الأمر أيضاً..
مر أسبوعين على ولادة أمي ولم يأتي أبي بعد..ولكني لم أفقد الأمل..انني انتظر قدومه يومياً أمام نافذة المنزل..
أنا متأكد من أنه لن يتخلى عنا..
أين أنت يا أبي؟؟
نحن نحتاج اليك..عد الينا ..
أرجوك..
.
.
.
في مكان آخر مختلف..بداخل فيلا واسعة...
هناك.تقف الذكريات..
هناك يحتار الحنين..
اجتمعت مع أخوتي في منزل أبي...ولكن في هذه المرة لم يكن اجتماعنا احتفالاً..
كلا..
لقد اجتمعنا للتخفيف عن أبي..
رغم مرور شهر على وفاة أخي حسن الا أن حزن أبي لم ينتهي بعد..
اعتقد انه نادم لأنه كان قد تبرأ منه منذ عاد من بعثته في أمريكا فقد سافر حسن رغما عنه ..
أخبرتني هيا أن أبي يريد التحدث معي بأمر مهم لذلك توجهت وحدي نحو غرفته..
دخلت اليه لأراه يجلس على مكتبه متكئً على مرفقيه..
التفت الي حين سمع صوتي وأنا أسلم عليه..
قبلت رأسه وبعد سؤاله عن حاله صمت منتظراً اياه ليتحدث..
نظر أبي الي وهو يرفع صورة بيده..
عقدت حاجبي وأنا أحمل تلك الصورة..لقد كانت صورة لأخي حسن وهو يحتضن فتى في السابعة من عمره تقريباً..
ولكن يبدو بأنه ولد أجنبي..عينيه الزرقاوين وشعره الأشقر يدل على ذلك..
هل التقطت هذه الصورة في أمريكا ياترى؟؟
رفعت بصري الى أبي وأنا أسأله باستغراب:ماخطب هذه الصورة..من يكون هذا الفتى؟؟
اجابني والدي بارتباك:اسمه عمار..انه ابن اخيك حسن..
انخفض صوته وهو يكمل حديثه: فرد من عائلة العالي..
ضحكت بصدمة: ههههه فرد من عائلة العالي؟؟
انك تمزح بالتأكيد..
تلاشت ابتسامتي حين رأيت نظرات أبي الجادة..تابع أبي حديثه:لقد تزوج بها أخوك بدون اذننا..تبرأت منه لهذا السبب ولكنه عاد منذ ستة أشهر وأوصاني أن أعتني بولده ان حصل شيء له..
نزاحمت الدموع في عينيه: أرجوك حازم..اذهب للاطمئنان عليه..ولكني أريد أن يبقى هذا الأمر سراً..تأكد من أنهم يعيشون بحال جيدة فقط..ارح قلبي يا بني..
نظرت اليه بتساؤل: ولكن..كيف سأعثر عليه؟؟
اخذ أبي تلك الصورة من يدي وقام بقلبها فظهر ذلك العنوان خلفها..
حدقت بالعنوان لفترة ولكن صوت أبي اعادني للواقع:أرجوك بني..اذهب لرؤيته لا استطيع التوقف عن التفكير به منذ وفاة حسن...
أومأت برأسي وأنا لا أكاد أصدق ما سمعته..
أخي حسن..متزوج!!
.
.
.
استيقظت من نومي قبل غروب الشمس بقليل.. ولا زالت صور مبعثرة من الحلم الذي رأيته ترتسم أمامي..لقد رأيت أبي يلاعب أختي بين يديه..
خطوت بهدوء نحو النافذة لأراقب الطريق من جديد..أين أنت أبي..ألن تأتي اليوم أيضاً؟؟
لم أكد استرسل في التفكير قبل أن تتوقف تلك السيارة بالقرب من منزلنا..
عقدت حاجبي باستغراب وأنا أراها..من الواضح أن صاحبها رجل ثري..
فتح باب السيارة ثم ترجل صاحبها منها وبدأ يتلفت حوله وملامح الاشمئزاز ظااهرة على وجهه..
خفق قلبي بشدة حين رأيته..هل هو أبي!!
نعم أنه أبي..شعره الكث الأجعد..عينيه الصغيرتين..وأنفه الحاد...لقد عاد أبي.
تأكد شكي حين قام ذلك الرجل بطرق باب منزلنا..ركضت نحو الباب بحماس لأقوم بفتحه ..
فتحته وقد كنت أنوي ان ارتمي بين ذراعيه..
ولكن..
ما ان قمت بفتح الباب حتى أدركت انه ليس أبي..
انه يشبهه نعم..ولكن جسد هذا الرجل أكثر ضخامة ...
كما أن نظراته أكثر حدة..
قام الرجل بدفع باب المنزل وهو يدخل اليه ثم بدأ يتلفت حوله باستغراب.. .
همس بضجر: كيف يمكن لأي شخص أن يعيش بمنزل كهذا...وكأنكم تعيشون بداخل جحر..هل يعقل أن أخي كان يعيش هنا!!
تنحنحت فالتفت الرجل الي..
ارتسمت على شفتيه ابتسامة حنون:أنت عمار اذا؟؟
أومأت برأسي باستغراب..
وضع يده على كتفي:آخ يا أخي انظر لحال أبنك..
خرجت أمي من غرفتها وهي تحمل ديما بيدها: عمار..عمار..
التفت الرجل باتجاه الباب..وحين رأى أمي أبعد بصره فوراً..
صرخت أمي : من تكون..من الذي سمح لك بالدخول الى هنا!!
أجابها ذلك الرجل بالانجليزيه مما أثار استغرابي:لا تصرخي..جئت لأطمئن على حالكم فقط..لقد أوصاني حسن بذلك قبل موته..
تصلبت أمي بمكانها حين قال هذا..أما أنا ..فقد ركضت الى ذلك الرجل وأنا أصرخ باستنكار: أين هو أبي..هل تعرف أبي..أرجوك ..أخبره أنني انتظر عودته..
نظر الرجل الي بحزن ثم جلس بجانبي: لقد ذهب والدك لمكان أفضل يا بني..لقد ذهب لملك الملوك..
بدأت أمي تصرخ بهستيريا: كلا..كلا..كلا..لا يمكن أن يموت حسن..كيف يموت بدون أن يرى طفلته..لماذا تركنا…آآآآآه..حسن لم يمت..حــسن.
التفت الرجل الى أمي بصدمة وكأنه قد أدرك وجود ديما للتو..
وقف أمام والدتي وهو يصرخ بحدة: ومن أين أتت هذه الطفلة أيضاً..لقد أخبرنا حسن أن لديه ولد فقط..
اجابته أمي : لقد ولدت منذ أسبوعين..
ضحك الرجل باستهزاء: هي ..هل تعتقدين أنني مغفل يا هذه؟؟
رجاءاً..لا تلقي بقذارتك علينا..ان كانت ابنة أخي لكان أخبرني عنها..
زفر بضجر وهو يتابع حديثه:لا يهمني أمرك أساساً..افعلي مايحلو لك..سأعطيك مايكفي من المال لتعودي لبلدك.. هل هذا مفهوم؟؟ سأعود بعد أسبوعين لأخذ عمار معي..أما أنت..فتدبري أمرك..عودي لبلدك مع ابنتك..واياك ان تفكري بالعودة ..يكفينا فضيحة هذا الفتى...
قالها وهو يشير الي..
قام بأخراج حزمة من المال من جيبيه بعدها وألقى بها في وجه أمي بطريقة مهينة..
نظرت اليه بصدمة..ولكنه لوح لي وكأنه لم يفعل شيئاً :أراك لا حقاً أيها البطل..
قالها..ثم خرج من المنزل..
انهارت أمي باكية...أما أنا فقد أدركت حديثه للتو..قال أنه يريد أن يأخذني من أمي..
انحنيت للأرض لرفع النقود ثم خرجت راكضاً لألحق به..
من يعتقد نفسه ليهين أمي هكذا..لن أسمح له بهذا..سأعيد النقود اليه وسأخبره أنني لا أريد الذهاب معه…
ركب عمي بسيارته ثم قام بتحريكها...حاولت اللحاق به ولكنني لم أتمكن من ذلك…
توقفت بمكاني أرقب السيارة وهي تبتعد وأنا ألهث من شدة التعب..نظرت الى المال بيدي ثم رفعت بصري الى الفراغ أمامي وأنا أصرخ بأعلى صوتي:لا أريد الذهاب معكم..لا أريد..
لقد كان يوماً عصيباً علينا..انقلب حالنا منذ علمنا بوفاة أبي...لم تعد أمي كما كانت..
أصبحت ألحظ انها تجري مكالمات بالسر عنا..أما أنا..فقد بت مرتعباً بسبب ذلك الرجل..
أحلم به في كل ليلة وهو يأتي ليأخذني من والدتي..
مر أسبوع منذ علمنا بوفاة أبي..
كنت أجلس بداخل غرفة مظلمة وحدي حين طرق الباب بطريقة جنونية..اتجهت الى زواية الغرفة ثم أغلقت عيني بكل قوتي وأنا أضع يداي على أذني في محاولة مني لصمها عن سماع تلك الطرقات..ولكن صوتها كان يرتفع أكثر.
لماذا أبقى وحدي في هذه الغرفة..أين ذهبت أمي ..لا أريد الذهاب مع ذلك الرجل..أريد أن أبقى معك أنت وأختي فقط..أريد أن أعيش معكم..لا تدعوه يأخذني..
فتح باب الغرفة بقوة فصرخت بأعلى صوتي وأنا أرى ذلك الرجل يمشي باتجاهي والشرر يقدح من عينيه..
حاولت الهرب ولكنه قام بمحاصرتي بجسده الضخم ثم أمسك بيدي وأخذ يجرني غير مبالياً بسماع صوت صراخي..
حاولت مقاومته وأنا أنظر للناس حولي باحثاً عن النجدة..لمحت أمي تقف بين الجموع وهي تحمل ديما بيدها وعيناها مترقرقتان بالدموع..
صرخت مستنجداً ولكنها تجاهلت صراخي..
تمكنت من أفلات يدي من ذلك الرجل ولكن.
حين بدأت أركض باتجاه أمي كانت أمي تبتعد عني كسراب في صحراء واسعة…
أرتفع صراخي أكثر: كلا ماما..لا تتركيني وحدي..مــــــــــامــــــــــــــــــــــــأ..
صوت ارتطام قوي..استيقظت بعدها فزعاً من ذلك الكابوس..تلفت حولي بخوف..لقد كان صوت الرعد فقط…
نظرت الى النافذة وأنا ألهث من شدة خوفي..لقد كانت النافذة تهتز بعنف بسبب الرياح مصدرة صوتا مثل صوت الطرقات..
نظرت الى السقف حين شعرت بقطرات المطر تتساقط على وجهي.....
يا الهي..لقد بدأ الماء بالتسرب...
مسحتها بسرعة ثم وقفت من سريري لأذهب لأمي..
أشعر بخوف شديد..منذ أتى ذلك الرجل وأنا أحلم به يومياً وهو يبعدني عن أمي..
فتحت باب غرفة أمي بهدوء فالتفتت امي الي بارتباك..
تعجبت من ارتباكها كثيرا..
لقد كانت امي تتحدث بالهاتف..مع من تتحدث ياترى؟؟
اغلقت السماعة ثم مشت باتجاهي : عمّار..مابك يا صغيري؟؟
نظرت الى الأرض: أمي..أنا خائف جداً..كما أنني أشعر بالبرد..لقد تسلل الماء الى غرفتي..هل ..
نظرت اليها نظرة متوسلة: هل أستطيع النوم بجانبك اليوم؟؟
ابتسمت امي بحنان..ثم فتحت ذراعيها لاستقبالي: تعال يا بني..
ركضت اليها وارتميت بين ذراعيها..لا أريد الابتعاد عنها..
تساقطت الدموع على خدي وأنا أرجوها: أرجوك أمي..لا تدعي ذلك الرجل يأخذني..أنا أريد البقاء معك أنت وديما..
طوقتني أمي بذراعيها وهي تهمس:لا تفكر بالأمر يا ولدي..لا تصدر أي صوت كي لا تستيقظ أختك..هيا اصعد على السرير بهدوء كي ننام..
صعدت على السرير مع أمي..وبدأت أشعر بالأطمئنان وأنا بجانبها..نمت نوماً هانئاً في حضن أمي..شعرت بالدفء والأمان وأنا أسمع نبضها وانفاسها...ليس في الدنيا وسادة أنعم من حضن الأم...أستغرقت في نوم عميق..ولكن سكون تلك الليلة لم يدم..
لقد راودني في تلك الليلة كابوس آخر..
كان أقرب مايكون الى الهذيان من الكابوس..فقد كان صوت أمي تطبطب على كتفي وتهمس بكلمات وداعية بنبرة حزينة:
عمّار..انت تعلم انني احبك واهتم لأمرك يا بني..ولكن وجودي معكم سيدمر حياتكم..انا لا أملك المال الكافي لأطعمك مع أختك..
كما أن أعمامك يرفضون وجود ديما معهم بسببي..
الناس في الحي هنا طيبوا القلب..لن تبقوا وحدكم..
إن علموا بذهابي فسيبلغون أعمامكم وحينها سيضطرون لأخذكم معهم..
سيعترفون بديما كفرد من عائلة العالي..كما أنك ستعيش معهم في قصرهم..
لن تشعر بعد اليوم ببرد أو صقيع ..ستنام بفراش دافئ..
لن تكابد الجوع مجدداً..ستنعم دائماً بوجبة ساخنة تسد رمقك..
ارجوك بني..اعتن بأختك دائماً ولا تحقد علي..انني أفعل ذلك لمصلحتكم..
ابعدت أمي يدها عن كتفي بعد أن أنهت حديثها..اردت أن أصرخ وأخبرها ان لا تذهب ولكنني لم أتمكن من الأستيقاظ ..نعم ..لابد أنني أحلم..من المستحيل أن تتخلى والدتي عنا..كما أنني أشعر بأنفاس شخص بجانبي..
نعم..أمي نائمة بجانبي..مددت يدي أتحسس ذاك الجسد أمامي ولكنني سرعان ما فتحت عيني فزعاً..انه جسد صغير..
جسد أختي ديما!!
انزلت قدماي عن السرير وبدأت أمشي الى أن وصلت الى الصالة..ضاقت عيناي انزعاجاً من الضوء..فوضعت يدي أمام عيني لحمايتها...
الاضواء مشتعلة ..وهناك صوت خرير للماء..الحمد لله لقد كان كابوساً ….لابد أن أمي في الحمام فقط..
اقتربت من الحمام ببطء وأنا أهتف: أمي!!
ازدادت دقات قلبي حين اقتربت..باب الحمام مفتوح..وأمي غير موجودة..وصوت الماء هو بسبب المطر فقط!!
بدأت أتلفت يمنة ويسرة وأركض في أرجاء المنزل كالمجنون وأنا أهتف بخوف: أمي..أمي..أين أنتِ..
لم أستطع السيطرة على نبضات قلبي الجنونية..ارتعبت من فكرة ترك أمي لنا..هل يعقل أنني لم أكن أحلم!!
لم أستغرق في التفكير كثيراً..فقد خرجت من المنزل فوراً لأبحث عنها..إن كانت قد خرجت فلا بد أنها لم تبتعد كثيراً..سألحق بها وأوقفها..
لقد كان الطريق مظلماً.. .. مظلماً جداً..
السواد يحيط بي من كل مكان..وقطرت المطر قد كونت بركاً صغيرة من حولي.
ركضت غير مبالٍ بتبلل ثيابي..أشعر برعب كبير..
رعب من فقدان أمي..كنت أركض دون توقف في ذلك الطريق ودموع عيني تنزل على خدي بغزارة لتختلط مع قطرات المطر...
تسارعت خطواتي أكثر ..وتلاحقت انفاسي بسرعة أكبر حتى غدوت أسمعها... .
انطلقت صرخة ألم من شفتي حين تعثرت خطوتي وسقطت أرضاً..
تساقطت الدموع حارقة على خدي ألماً وحسرة:آآآآآآآآآآآه ..مـــــــامــــــــا...
بقيت أبكي على الأرض لفترة ..
في اللحظه التي كنت اصنع ابتسامتي واقتل فيها حزني الذي يعبر عن واقعي ...احترق قلبي .
احترق قلبي.وصرخاته ما تزال صداها في أذني ....
احترق قلبي واحترق املي واحترقت مشاعري واحترق كل شي واصبح رماداً تذروه الرياح ....
احترق قلبي ولن يستطيع شتى من في العالم ان يقنعني بأن هناك قلباً يستطيع ان يحتوي قلباً محروقاً وان يعيد إليه الحياه ..
رفعت رأسي عن الأرض لأرى الطريق مجدداً...ولكنني أغلقت عيني بقوة بسبب الضوء الذي وجه لعيني..فتحت عيني ببطء لأرى تلك السيارة متوقفة أمامي..ترجل صاحبها منها ثم ركض باتجاهي فزعاً:بني ..هل أنت بخير.. .
جلس القرفصاء بجانبي ثم أمسك بكتفي ليساعدني على الوقوف..
رفعت يدي باتجاه وجهي لأمسح دموعي قبل أن يلحظها فتلوث وجهي بالطين..
همس الرجل بحزن: ما الذي تفعله هنا يا صغير...عد الى المنزل..الجو بارد جدا..ستمرض ان بقيت تلعب هنا..انظر كيف اتسخت ثيابك..هيا عد يا بني الوقت متأخر..هل تعرف طريق المنزل؟؟
كنت أريد الرد عليه ولكن ماخرج من شفتي هو شهقة تخنقها العبرات...اعلنت تلك الشهقة عن بكائي بعد خروجها...بكيت كما لم أبك من قبل..
ماما..
علميني الحديث مجدداً..ارفعيني وضميني بين ذراعيك أماه..
ماما..
أنا أرتجف من البرد..تعالي ودفئيني بصدرك أماه.
ماما…
وجهي قد اتسخ بالطين..تعالي وامسحيه بيدك الحانية أماه..
ماما.. ماذا يعني المنزل بدونك ؟؟
اريد أن أشكو اليك أحزاني...
امنحيني المأوى...وابقي معي دائماً ولا تتركيني أماه..
آآآآآآه آآآآآآآه آآآآآآآآه
هل تدركين عمق جراحي أماه؟؟
أتدركين مدي معاناتي ومأساتي في هذه الدنيا بدونك؟؟
آآه من ذلك الألم وذلك العذاب..وآآآآه من دنيا أعيشها بدونك..
كم أتمني أن أكون بين يديك كي تشفى كل جروحي..
أماه..لقد تعب التعب مني...وملت الآهات من صدري..
فأرجوك أماه.. لا تطعنيني بسكين بعدك..
ارتبك ذلك الرجل كثيراً من بكائي فأخذ يحاول تهدئتي:صغيري..لا تقلق..ان كنت ضائعاً سأخذك للشرطة حسناً..
مسحت دموعي بكم قميصي ثم أجبته بصوت متهدج:كلا..سأعود وحدي..انا لست ضائعاً..ولكنني سقطت فقط لهذا أبكي..
زفر الرجل بارتياح:ظننت أنك لا تتحدث العربية حين رأيتك.ههه..هذا جيد لقد أخفتني..حسنا سأرافقك حتى تصل للمنزل..
مشيت معه وكأنني آلة تقاد بلا أي مشاعر..لقد اكتفيت من هذا الكابوس..أريد الاستيقاظ الآن..
وصلت الى باب المنزل فشهق ذلك الرجل: لماذا لم تغلق الباب خلفك بني..هيا..اذهب وقم بتغيير ثيابك واغلق الباب حتى لا يتسلل اللصوص..
أومأت برأسي وأنا أدخل المنزل..
أغلقت الباب خلفي ثم بقيت متصلباً بمكاني..لابد أن أمي ستأتي الآن..ربما ذهبت لشراء بعض الحاجيات… .
انتظرت..وانتظرت..ولكنها لم تعد...
مشيت ببطء الى المغسلة وحين رأيت وجهي بالمرآة ورأيت ذلك الطين يغطيه ادركت ماسيكون حالي عليه بدون امي...
فتحت الماء وبدأت اغسل وجهي من الطين والدمع..
هل هان عليك التخلي عنا بهذه السهولة امي؟؟
ذهبت لتغير ثيابي بعدها فأعادني صوت ديما وهي تبكي الى واقعي...
ديما...لم تكمل الشهر من عمرها بعد...اي قلب جعلك تخرجين غير مبالية بحالها؟؟
ذهبت الى غرفة امي لرؤية ديما ثم حملتها بين ذراعي وبدأت أهزها علها تسكت ولكن هيهات...
همست بصوت ضعيف: ما الأمر صغيرتي..هل تشعرين بالبرد؟؟
جلست على السرير ثم ضممتها الى صدري في محاولة مني لتدفئتها ولكن صراخها لم يتوقف..هل شعرت ببعد أمي يا ترى؟؟
نزلت دمعة من عيني لتستقر على وجهها وأنا أهمس في اذنها بصوت مختنق:لا تخافي صغيرتي...ستأتي ماما الآن..لقد ذهبت لتشتري أشياء جميلة من أجلنا...
ارتفع صراخها أكثر فبدأت أتحسس وجهها بأصابعي لأمسح دموعها..وحين شعرت ديما بإبهامي على شفتيها..توقفت عن البكاء وهي تفتح فمها متلهفة لالتقامه..وضعت اصبعي بفمها دون تردد..يا الهي...لابد أنها جائعة..
بدأت ديما تمص أصبعي بلهفة وأنا أتأملها بهدوء..بالرغم من أنني شعرت بالألم بسبب تجمع الدم في أصبعي ولكني لم أبعده..المسكينة..لقد بكت كثيراً..لابد أنها تعبت من كثرة البكاء..أريدها أن ترتاح قليلاً..
تذكرت أمي وأنا أتأمل ديما هكذا..همست في محاولة مني لابعاد الخوف: لاتخافي يا اختي..ستعود ماما بالتأكيد..
بدأت أنفاس ديما تنتظم تدريجياً وأنا أتأمل ذلك بصمت..
ضممتها إلى صدري أكثر ثم طبعت قبلة عميقة على أجفانها الصغيرة وبدأت أغني لها تهويدة بصوت طفولي هاديء:
طفلتي...صغيرتي.. نامي.. بأمان..
وانعمي....صغيرتي ..بأحلى الأحلام..
توقفت ديما عن امتصاص اصبعي..وهدأت أنفاسها لتعلن عن نومها.. زفرت بارتياح ثم وضعتها على السرير وذهبت الى المطبخ لأحضر لها الحليب..ان استيقظت مجدداً فيجب أن أطعمها..
وجدت علبة الحليب على الطاولة وحين فتحتها اكتشفت بأنها فارغة!!
بقيت انظر الى العلبة بصدمة..ولكن بعدها ..
ارتسم شبح ابتسامة على شفتي..لابد أن ماما قد ذهبت لشراء الحليب من أجل ديما..
جلست على أرض المطبخ أنتظر عودة أمي.رغم أنني أوقن بداخلي انها لن تعود ولكنني كنت كالغريق الذي يتعلق بقشة...
لايد أن تأتي من أجل ديما..لاتزال صغيرة..وانا اعجز عن العناية بها..كيف أقوم بتربيتها وحدي؟؟
انتظرت..وانتظرت..ولكن ..طال انتظاري كثيراً..
نزلت على خدي دموع حارقة معبرة عن استسلامي…
ما الذنب الذي ارتكبته مع أختي لتتركنا وحدنا؟؟
وضعت رأسي بين ركبتاي واستسلمت لبكاء مرير..
منذ ذلك اليوم..أصبحت لديما..الأم والأب و الأخ..وكل شيء..
لقد أرادت أمي بتركنا أن ننعم بفراش دافيء وطعام شهي...
ولكنها لم تكن تعلم..أن فعلتها قد قتلت بداخلي شيئًا..
شيئاً بريئاً فى دمي كالطفولة قد قتل!!.
شيئاً جميلاً كالسعادة دافق.. قد مات مطعون الأمل..
.
,
.
💖نهاية الفصل💖
|