كاتب الموضوع :
شخابيط فتاة
المنتدى :
القصص المهجورة والغير مكتملة
رد: أنت مرآتي ...فهل أكسرها!!/بقلمي
الفصل الثالث: رحلة طموح..
طفلة صغيرة تصرخ ولسان حالها ينطق..ماهو ذنبي لألقى هنا؟؟
من يمسح دمعتي ؟؟
من يقبل خدي ؟؟
من يطعمني ويلبسني؟؟
ومن الخوف والظلم يحميني؟؟
لم أستطع الابتعاد..بقيت أراقبها لأطمئن عليها...كان هناك شيء يعتصر قلبي...
تصارعت الاحاسيس بداخلي..
صراخها رسم في ذاكرتي ابنتي نهلة..تخيلت أن تلقى وحيدة بعد موتي..
لو علم أبي بأنني ألقيت بها..فهل سيقبل بتركها؟؟
حتى لو لم تكن ابنة لحسن..ماذنبها لتلقى هكذا؟؟
يا الهي الهمني ماذا أفعل..
لمع البرق في السماء ثم تساقطت قطرات المطر فسرت قشعريرة في جسدي من برودتها..
نفثت على كفي لتدفئتها فتكونت هالة ضبابية أمام فمي من شدة البرد..
في هذه اللحظة شعرت بالألم يعتصر قلبي..البرودة قاسية في منطقة الطائف في أيام الشتاء...لابد أن تلك الطفلة قد تجمدت..
لم أستطع تجاهلها أكثر..ذهبت اليها وحملتها ثم ركضت سريعاً لسيارتي...
وضعت الطفلة على صدري.. فردت كفي على ظهرها وحين شعرت ببرودة لفتها بسبب تبللها بمياه المطر نزعتها عنها فوراً...
اتسعت عيناي فقد هالني منظر يديها الزرقاوين..وضعت كفيها أمام فمي وبدأت أنفث عليها لتدفئتها...
سالت الدموع على خدي ثم استقرت على وجنتيها الصغيرتين: أنا آسف يا صغيرتي..سامحيني أرجوك...
.
.
.
ذهبت للاطمئنان على أبي بعد أن صليت العشاء...لقد تعرض لأزمة قلبية منذ أسبوع بسبب زياد..
لو أنني أعلم أن ذلك المختل سيزعجه بكلامه لم أكن لأدخله..لا أعلم ماهو الحديث الذي دار بينهما بالضبط ولكني أعتقد أنه كان
يلومه على وفاة حسن..والآن..بوجود هذان الطفلان أخاف أن تسوء حالة أبي أكثر...
أعطيته الأدوية ثم مشيت باتجاه غرفتي لأنام ولكنني تذكرت ذلك الفتى..أنه وحيد في غرفة الجلوس..
ذهبت الى غرفة الجلوس لرؤيته وحين فتحتها لم أر أحداً..
عقدت حاجبي ثم هتفت: أيها الفتى..أين أنت؟؟
اهتزت الستائر المقابلة لي ثم خرج الفتى من خلفها وهو ينظر الي ببرود..
تلفت حولي وأنا أفكر..أين يمكن أن ينام..الغرفة باردة هنا كما أنني أخشى أن يلحظه أبي..
أعدت النظر اليه:تعال واتبعني..
ابعد نظره عني ثم أجاب: لا أريد..أريد أن أنتظر عودة ديما..
سألته باستغراب: ديما؟؟
نظر الي من جديد: لقد قال عمي أنه سيأخذها للمشفى لأنها مريضة ولم يعد بعد..
نظرت الى الأرض بارتباك..لقد قال حازم أنه سيتخلص من تلك الطفلة..من أين أتى موضوع المشفى الآن..
حاولت ايجاد حجة لتأخر حازم:ربما لن تعود قبل الصباح..سيبقونها لديهم للأطمئنان على صحتها..والآن تعال واتبعني ..هل تريد
أن تنام في هذه الغرفة الباردة؟؟
أومأ برأسه ثم بدأ يتبعني..
صعدت الدرج لأتجه الى الغرفة المحظورة..غرفة حسن!!
في الحقيقة..أبي غريب الأطوار قليلاً..لقد تم تغير غرف أخوتي جميعاً بعد زواجهم ولكن الغرفة الوحيدة التي بقيت على حالها هي غرفة حسن..لم يدخلها أحد منذ سفره ولا أحد يجرأ على الاقتراب منها احتراماً لرغبة أبي لهذا سأضمن أن لا يلحظ أحد هذا الفتى بداخلها..
آآآخ يا حسن بالرغم من غضب أبي عليه لأنه خالف أوامره الا اننا نوقن أن قلبه متعلق به..كان يود أن يعود حسن اليه نادماً ولكن الموت قد سرقه قبل أن يعترف بخطئه..
لقد أحرق حسن قلب أبي مرتين..
مرة حين أصر على السفر الى أمريكا رغماً عنا ثم أكملها بزواجه من تلك الفاجرة!!
في الحقيقة أشعر بالحقد على ذلك العاق حسن ولا أعتقد أنني سأتقبل ابناءه...
ادخلت ذلك الفتى الى الغرفة فالتفت الي: أنا قلق على ديما..ان عاد عمي فلن أعلم ..اريد البقاء على النافذه انتظر عودتها..
اجبته بحده:اياك أن تفكر بالخروج من هنا..لاتقلق ان عادت اختك فسأحضرها اليك..أما الآن فلا أريد سماع أي صوت منك..هل
هذا مفهوم..
أومأ برأسه بدون أن يرد..
خرجت وأغلقت الباب خلفي وقبل أن أبتعد شعرت بالارتباك..أخاف أن يخرج هذا الفتى..هل أقفل الباب بالمفتاح ياترى...
نعم..سأضمن عدم خروجه هكذا..عزمت أمري ووضعت المفتاح ثم أغلقت الباب مرتين..أرجو أن لا يصدر صوتاَ...
.
.
.
التهاب رئوي حاد..
هذا ماقاله الطبيب عن حال الطفلة..من الجبد أنني أحضرتها قبل أن تسوء حالها أكثر..
نظرت اليها من خلف الزجاج والأسلاك تغطي جسدها النحيل..
آآآه كم تجردت من انسانيتي حين ألقيت بها..لابد أن برودة الجو قد ساهمت في سوء حالها..
أحس بالذنب الكبير يملأ قلبي..أحترق من عذاب الضمير...
لقد كرهت كل شيئ...
أشعر بأنني ضعيف.
يا الهي ماذا أفعل..أنا بين خيارين في غاية الصعوبة.
أبي مريض وأخاف أن تسوء حاله ان رأى هذه الطفلة..وهذه الطفلة ضعيفة ولا أحد لها سوانا..
تزاحمت الدموع في عيني..انتابني صداع من كثرة التفكير..
قررت العمل على استخراج شهادة ميلاد خاصة بها..ستبفى هذه الطفلة بالمشفى لأيام على الأرجح..انه وقت كافي لأبلغ أبي بالأمر..وان رفض استقبالها فسأقوم بتربيتها بنفسي..سأطلب من زوجتي أن ترضعها مع نهلة وأريبها كابنتي تماماً..
بالرغم من غضبنا على حسن ولكن لاذنب لهؤلاء الابرياء بفعلته..
غفر الله لك حسن..تستطيع الاطمئنان على ابنائك الآن..
.
.
.
جلست على السرير بصمت حين أدخلتني عمتي لتلك الغرفة..سمعت صوت انقفال الباب بالمفتاح ولكني تجاهلت الأمر..بالرغم من أنني شعرت ببعض الخوف...ولكن ذلك الشعور قد تلاشى فوراً حين لمحت تلك الصورة بجانب السرير..
أبي!!
حملت الصورة بيدي وأنا أتأملها بحزن..انني اكابر يا ابي كي لاتنزل دموعي
ولكن هناك الم وحرقه وغصه في قلبي..
طبعت قبلة على تلك الصورة وأنا أتخيل أنها تصل اليه.
جلت ببصري في ارجاء الغرفة..هل هي غرفة أبي ياترى..
من الواضح انها مهملة منذ وقت طويل..أستطيع رؤية الغبار يغطي أثاثها..
اتجهت الى الادراج و الدواليب أتفقدها وأفحص ماتحتويه بداخلها..
كان هناك الكثير من الكتب..بالتأكيد فأبي يعشق القراءة كما أعرفه..
ولكن..لفت نظري دفتر كتب على غلافه بخط أبي (رحلة طموح للعظيم حسن)
انتابني الفضول لقراءة مايحتويه..بالرغم من أنني واجهت القليل من الصعوبة في فهم خطه ولكن معرفتي بأن الكاتب هو ابي جعلتني التهم الأحرف التهاماً..
(مرحباً .اذا كنت تقرأ هذه الصفحات الآن فلابد أنني قد حققت حلمي بأن أصبح مهندساً مشهوراً..حسناً بما أنني قد أصبحت مشهوراً الآن فسيكون هذا الدفتر هو دليلي حين أكتب سيرتي الذاتي كفتىً حقق طموحه رغم الصعوبات..
هههه قد يبدو الأمر جنونياً ولكن زياد قد حفزني على كتابة أحلامي كي أعمل جاهداً على تحقيقها.
حسناً...أولى أحلامي هو أن يعرفني الناس بسبب انجازاتي..لابسبب لقبي..يريدني أبي أن أوقف دراستي الجامعية وأبدأ العمل معه بشركتنا لأنه يريد خليفة له في عمله..
ولكن ماذا عن أحلامي؟؟
أنا أريد أن أصبح مهندساً...زياد سيسافر لأمريكا لأكمال دراسته وقد شجعني على هذا أيضاً ولكن أبي قد رفض الأمر قطعياً..انه يرى أن سفري سيكون بدون فائدة وقد أقسم أنه لن يدفع قرشا واحداً على سفري ولكنني سأتدبر أمري بالتأكيد..)
(معضلة جديدة تواجهني..فبعد أن كان خالي عمار يعمل جاهداً لإقناع أبي بأمر دراستي ها هو قد توفي الآن..لن أنسى معروفه أبداً...لقد تكفل بمصاريف سفري بنفسه فهو لايريد مني أن أستسلم لليأس..
ان انجبت ولداً فسأسميه عمار تخليداً لذكراه..)
(لم يعد لدي رغبة في الكتابة أكثر..موعد سفري بعد أسبوع وأبي غاضب علي جداً...لا أحب رؤيته حزيناً بسببي..ولكن عزائي بأنه سيفخر بي حين أعود اليه حاملاً شهادتي..مذكرتي العزيزة..سأتوقف عن الكتابة فقد بت أشعر بالاحباط بسبب المشكلات التي تواجهني..ان قمت بتحقيق حلمي فسأعود لأكمال سيرتي الذاتية..أرجو أن تسامحني يوماً أبي..سيخلفك حازم في عملك بالشركة..وقتها ستتمكن من مسامحتي بالتأكيد)
توقفت ذكريات أبي عند هذا الحد..ولكنني أعلم تكملة القصة..لقد اضطر أبي للعمل في أمريكا من أجل دفع مصاريف دراسته..عانى الكثير هناك ولم يفكر جدي بمساندته...الشخص الوحيد الذي وقف بجانبه هو أمي وهذا ماجعل أبي يتعلق بها..
لقد كان بحاجة للشعور بحب العائلة ودفئها فوجدها لدى أمي...ولأنه يعلم أن جدي سيرفض هذا الزواج..اخفى أبي هذا الأمر...تزوج والدي بعد سنة من قدومه لأمريكا..تزوجا بالرغم من رفض أهل أمي أيضاً ولكن حبهما جعلهما يتجاهلان كل الضغوطات...
حملت أمي بي في أول سنة من زواجها فزادت المصاريف على أبي..كان يحاول جاهداً أن يصرف على بيته وزوجته بالاضافة لدراسته...
بالرغم من أن أمي قد أبدت تذمرها من هذه الحال..الا أن أبي كان يخبرها أن حالهم سيكون أفضل حين يعود للسعودية فعائلة أبي شديدة الثراء..
بعد أن أنهى والدي دراسته وحصل على شهادته..بدأ يجمع النقود كي نعود لأرض الوطن..كنت في السادسة من عمري حينها وقد كنت متلهفاً للعودة للوطن فقد أخبرني أبي بأن بلادي جنة...كما أنه كان يخبرني دائماً أن جدي رجل رحوم وعطوف..
كنت في قمة سعادتي حين حلقنا عائدين لأرض الوطن ..قام أبي بحجز فندق من أجلنا ريثما يخبر جدي بأمر زواجه..
بت في تلك الليلة وأنا أتخيل جدي ووجدتي وأعمامي..كيف سيرحبون بي وكم سيسعدون لرؤيتي..
عاد أبي في ذلك اليوم بغير الوجه الذي ذهب به..كانت تلك المرة الأولى التي أرى أبي يبكي بها...
اخبر أمي أن جدي قد تبرأ منه وطلب منه عدم العودة مجدداً...لقد كرهت جدي من كل قلبي..
لماذا يتسبب ببكاء أبي؟؟
من يومها ونحن نعيش حياة عصيبة..حاول أبي أن يجد وظيفة ولكن دون فائدة..اصبح يعمل في سيارة أجرة بعد أن كان يحلم أن يكون مهندساً..
أغلقت الدفتر بحزن..احتضنته وأنا أمشي باتجاه السرير...لقد قررت أن أكمل انا هذه الصفحات..سأصبح يوماً مهندساً وسأجعل الجميع يعرف من يكون ابن حسن..
بت في ليلي وأنا أفكر ..
لم الدنيا تحوي أناساً يختفون وراء أقنعة مزيفة؟؟
أعياني التفكير...فبكيت حتى ارتوت وجنتاي بدموعٍ تواسيني...ولكني لملمت دموعي وأسلمت جفني المحمرين المرهقين لنوم قلق..
كي أعيش في عالم الأحلام ...
.
.
.
استيقظت من نومي فزعاً حين سمعت صوت الرعد...نظرت الى الساعة..انها الثالثة ولم تأت ديما بعد..
تلفت حولي بخوف..يبدو أن التيار الكهربائي قد قطع بسبب المطر..
بدأت انتفض من شدة خوفي..
خيل لي أعين حمراء تطاردني..انها الشياطين بالتأكيد..
ركضت باتجاه الباب وبدأت أطرقه بهستيريا حين وجدته مغلقاً...
بدأت أصرخ وانا أردد وسط شهقاتي: أخرجوني..أخرجوني من هنا ..
أمسكت مقبض الباب وبدأت أحاول جاهداً أن أفتحه..
جلست على الأرض بيأس وأنا أصرخ بأعلى صوتي:
أبـــــــــــــــــي
أبــــــــــــــــــي
أبــــــــــــــــــي
.
.
.
تلفت حولي فزعاً حين سمعت صوت صراخ طفل صغير..كنت مستيقظا لأصلي الوتر وقد كنت أنوي النوم ولكن ذلك الصوت أفزعني..
أمسكت الشمعة ثم خرجت من غرفتي لتفقد الوضع..ازدادت دقات قلبي حين أدركت أن ذلك الصوت يخرج من غرفة ابني حسن..ما الذي يحدث هنا؟؟
وقفت أمام الباب بتوتر ثم انزلت المفتاح المعلق بجانب الباب..
ادخلت المفتاح فتوقف الطفل عن الطرق..ابتلعت ريقي وفتحت الباب بتوتر شديد..وفي تلك اللحظة..عاد التيار الكهربائي للعمل فتمكنت من رؤية الطفل بوضوح..
اتسعت عيناي مما رأيت..
هذا الطفل!!..
هذا الطفل هو ابن حسن!!
.
.
.
استيقظت من نومي فزعة حين سمعت صوت ذلك الطفل وهو يصرخ...ركضت باتجاه غرفة حسن لاسكاته قبل أن يستيقظ أبي ولكن كان الأوان قد فات..كان أبي يقف أمام الغرفة وذلك الطفل جاث على ركبتيه وهو يبكي وينتفض من شدة الخوف..
تصلبت بمكاني وأنا أرقب ذلك الموقف..التفت أبي الي ببطء فسألته بارتباك: أبي..هل أنت بخير؟؟
أشار والدي الى الطفل بيد مرتعشة:هل يقف ابن حسن أمامي أم أنني فقدت عقلي؟؟
اجبته بصوت مرتجف:ان لم تكن تريده فسيقوم حازم بتدبر أمره..ولكن أرجوك أبي لاتجهد نفسك بالتفكير..لقد أحضره زياد..انه يقول ان تلك الفاجرة قد هربت وتركتهم في المنزل وحدهم..
نظر عمار الي وصرخ بوقاحة: لا تتحدثي عن أمي..ما الذي تريدونه منا..أنني أكرهكم جميعاً..
صرخ بصوت أعلى: احضروا ديما الي وسأختفي من حياتكم..أنني أكرهكم أكرهكم جميعاً..
أردت أن أرد عليه ولكنني ركضت باتجاه والدي فزعة حين رأيت جسده يرتعش:أبي..هل أنت بخير..
لم يصلني أي جواب..جثى أبي على ركبتيه أمام ذلك الطفل ثم جذبه الى صدره واحتضنه بكل قوته!!
.
.
.
هل رأيت يا حسن ماهي نتائج عصيانك لأوامري..هاهو ولدك يكرهنا ويكره انتماءه لعائلتنا..
سالت الدموع على خدي حين تذكرت كلام زياد منذ أسبوع...لقد كان بجانب حسن قبل موته ونقل الي وصيته..
اخبرني ان اهتم بزوجته وولده..كما انه اخبرني ان زوجته تحمل طفلة في احشائها...ولكن ما المني بشدة هو ان حسن يلقي باللوم علي لأنه توفي بهذه الطريقة!!
لقد قال لزياد: أخبر أبي أن الله استجاب لدعائه..هاهو حسن الولد العاق يلفظ آخر أنفاسه..
حسن لم ينس دعائي عليه بذلك اليوم..حين أخبرني أنه قد تزوج بامرأة أجنبية دعوت عليه بالموت كي أتخلص من عاره..
ولكنني لم أقصد الدعاء عليه بالتأكيد...
قلتها من شدة حنقي عليه فقط..لم أكن أرغب بأخذ أبنائه ولكن رؤيتي لنظرة هذا الفتى وهو يحدث هيا رسمت في ذاكرتي صورة حسن..
انها نفس الحدة في نظراته...نفس الثقة والعناد..
ابعدت الفتى عن حضني حين شعرت أن رجفته قد هدأت أخيراً..نظرت الى هيا التي تنظر الي بصدمة:هل حضر هذا الطفل فقط..الم يكن هناك طفلة رضيعة؟..
كانت هيا تريد أن ترد ولكن عمار اجاب نيابة عنها: لقد كانت أختي ديما هنا..ولكن عمي أخذها للمشفى ولم يعد بعد..
اجابت هيا مبررة: لقد كانت الطفلة مريضة لذلك أراد أن يطمئن عليها..
أومأت برأسي:ان قدم حازم فأخبريه أن يأتي ويحدثني...
نظرت اليها بحدة حين تذكرت الأمر : لماذا قمتم بإقفال الباب على الفتى..لقد أرتعب المسكين وحده..
ارتبكت هيا ولم تعرف بماذا ترد..
نظرت الى عمار: اخبري حازم أن يقوم بقص شعره...انه يبدو كالفتيات هكذا..
قلتها ثم مددت يدي باتجاه عمار: تعال ياولدي..ابق بغرفتي هذه الليلة ..سأطلب من الخدم أن ينظفوا هذه الغرفة من أجلك في الغد..
نظر عمار الى يدي بتردد ثم أمسك بها بكفه الصغير..ابتسمت له بحزن..ربما يعوضني ابنك عن ما سببته لي من ألم يا حسن...
.
.
.
في الجمعة التالية..قام عمي بقص شعري بعد أن كان يصل الى كتفاي..لم أكن أرغب بقصه ولكنهم قالوا انني أبدو كالفتيات هكذا....كما أن ديما قد خرجت من المشفى وحصلت على شهادة ميلادها..
قال عمي أن حياة ديما قد بدأت للتو لأنها حصلت على لقب العالي..
لقد تعلمت الكثير من الأشياء عن مجتمعنا في منزل جدي..ولكن أغرب ماتعلمته..أن الناس في مجتمعي يولون أهمية للقبك أكثر من اهتمامهم بأخلاقك وانسانيتك!!
أليس أمراً عجيباً؟!
.
.
.
انقضت الايام والشهور...والسنين تلو السنين واصبحت صغيرتي ديما في السابعة من عمرها...كنت اشرف بنفسي على تربيتها فبالرغم من اعتراف جدي بنا الا انني اشعر وكأننا عبء ثقيل عليه...لم يشعرني يوما باهتمامه بي او بديما..لقد وافق على بقائنا في منزله كتأدية للواجب فقط..
تزوجت عمتي هيا في تلك الفترة واصبحت انا المسؤول عن كل امور ديما...
في ذلك اليوم كانت ديما في قمة سعادتها فقد قامت عمتي فادية بشراء حقيبة جديدة لها...
كنت اراقبها بابتسامة وهي تركض في جنبات المنزل سعيدة بحقيبتها الجديدة...اما عمتي فادية فقد كانت ممسكة بكاميراتها لتصور ديما بوضعيات مختلفة وهي تضحك من تصرفاتها. .
وقفت ديما امامي وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة..امسكت بقرني شعرها الذهبي الذي اصبح يصل لاخر ظهرها وهي تهتف بحماس:عمار عمار...ابدو جميلة صحيح؟؟
اومأت برأسي:جميلة جدا..
استدارت بجسدها لأتمكن من رؤية حقيبتها:انظر عمار...لدي حقيبة للأميرات..انها جميلة جدا جدا...
شعرت بسعادة غامرة وأنا ارى ديما سعيدة هكذا..
التفت الى عمتي ثم ابتسمت لها بامتنان:اشكرك كثيرا عمتي...
ضحكت عمتي فادية:ههه لاداعي لشكري لم افعل شيئا كنت اشتري لابنتي على اي حال وبما انها اول سنة لديما احببت ان اشتري لها الحقيبة لاثارة حماسها...
قامت برفع الكاميرا ثم تابعت حديثها:هيا عمار سألتقط لك صورة مع ديما...
حملت ديما بيدي فالتقطت عمتي عدة صور وحين عدت للجلوس..طبعت قبلة على جبينها فقامت عمتي بالتقاط صورة لنا...لقد كانت تلك الصورة هي الاغلى على قلبي وقد احتفظت بها لوقت طويل جدا..
بدأت ديما بالذهاب الى المدرسة..ولكن حماسها للدراسة قد قل كثيرا واحد اهم اسباب انطفاء حماستها هي نهلة ابنة عمي حازم...انهما تدرسان بنفس الصف فتحدث بينهما العديد من الشجارات...
لم اكن اهتم بشجارهما فهما صغيرتان على اي حال ولكن اكثر ما اثر بي هو شجارهما في ذلك اليوم...
كنت قد استيقظت فزعا في تلك الليلة حين وصل الى مسامعي صوت بكاء.. .
لم اكن احتاج لأتساءل فأنا ادرك انها ديما..
اشعلت الضوء بجانبي فلمحت جسدها الصغير وهي تجلس القرفصاء بجانب سريري..هتفت بارتباك:ديما؟؟
رفعت ديما رأسها فلمحت ومضات من الدمع تسيل على وجنتيها الناعمتين..
مددت يدي لامسح دموعها بحزن:ما الأمر يا حبيبتي ديما؟؟
قفزت ديما الى حضني وانفجرت ببكاء مرير..
بدأت امسح على شعرها والافكار السيئة تهاجمني..
دمعت عيناي:ديما يا صغيرتي لا تبكي هكذا اخبريني ما الذي حدث؟؟
تحدثت بين شهقاتها:نهلة..نهلة.. .
ابعدتها عن حضني ونظرت الى عينها:تحدثي بهدوء كي افهم..ما الذي فعلته نهلة؟؟
بدأت الحديث بعد أن هدأ بكاءها:صديقاتي يقمن افطارا جماعيا..اخبرتهم انني اود المشاركة معهم ولكن نهلة هزأت بي امامهم وقالت انني لن احضر شيئا...
تزاحمت الدموع في عينيها:طلبت من الخادمة ان تحضر لي الكعك ولكنها نامت بدون ان تحضرها..اعتقد انها نست الأمر..
زفرت بارتياح:هذا هو الامر فقط..لقد افزعتني..
عادت ديما للبكاء:ستسخر نهلة مني لأنني لم احضر شيئا. .انا...انا ..اريد مشاركتهم بالافطار ايضا..
ربت على كتفها بحنان:لاتقلقي..سأقوم بتحضير كعكة من اجلك..
اتسعت عيني ديما وهي تنظر الي:هل تستطيع صنعها عمار؟؟
ابتسمت:بالتأكيد...
في الحقيقة..لم اصنع كعكة في حياتي ولكن مامدى صعوبة الامر؟؟
سأطبق خطوات التحضير من اي كتاب للطبخ وسأصنع الكعكة لها..
ذهبت مع ديما الى مكتبة المنزل لرؤية كتاب الطبخ وبدأت اقلب صفحات الكتاب معها لاختيار الكعكة المناسبة. .
اشارت ديما الى صورة كعكة الشوكولا بحماس:اريد هذه الكعكة..
نظرت الى الكعكة لأرى ما الذي جذب ديما اليها فاستنتجت ان طريقة التزيين هي سبب اختيارها فقد رسم بداخلها وجه مبتسم لتناسب حفلات الاطفال.. .
قرأت المقادير فوجدت انها ليست بتلك الصعوبة..نظرت الى ديما وهتفت:هيا بنا نبدأ..
بدأت بصنع الكعكة مع ديما ...رغم الفوضى التي احدثناها في المطبخ الا اننا نجحنا بصنعها أخيرا.
وضعنا الكعكة بالفرن ثم بقينا ننتظر نضوجها ولكنني لاحظت انا ديما تحاول جاهدة مقاومة النوم..انها الساعة الثانية..يجب ان تنام والا لن تستطيع النهوض من اجل المدرسة..
نظرت اليها:حبيبتي ديما اذهبي للنوم سأكمل صنع الكعكة وسترينها بالغد..
رفعت بصرها الي:ولكن..
قاطعتها:بدون لكن..هيا حتى تكوني نشيطة في الغد..
اومأت برأسها:تصبح على خير...
قالتها ثم ذهبت لغرفتها..
بقيت انتظر نضوج الكعكة ولكني غفوت بدون أن أشعر...
استيقظت فزعا لرؤية الكعكة...اوه يا الهي انها على وشك الاحتراق..
من شدة خوفي من احتراقها اخرجتها سريعا فاحترقت يدي من حرارة الصينية..
صرخت متألما وذهبت لوضع يدي بماء بارد.. كنت أفكر بتجاهل أمر تزيين الكعكة بسبب الم يدي..ولكن لونها داكن قليلا..اضافة لأن ديما كانت متحمسة من اجل الزينة ..لن أخذلها..
انتظرت حتى تبرد الكعكة ..بدأت التزيين بصعوبة فقد كان علي الاعتماد على يد واحدة فقط...
علت وجهي ملامح الاحباط!!
ليتني لم ازينها ...لقد بدت سيئة للغاية..افف يا الهي ماذا أفعل..
دعوت الله ان تنسى ديما امر الكعكة...في الصباح التالي..ركضت ديما الي بعد ان ارتدت ثيابها ثم
هتفت بحماس:عمار ..أين هي الكعكة..
ابعدت نظري عنها بارتباك..يا الهي كيف اخبرها بالأمر..زفرت بعمق ثم اجبتها:ديما..لقد اصبح شكلها سيئا..انا اسف..
عقدت ديما حاجبيها:اريد ان ارها..ذهبت الى المطبخ لأخرج الكعكة لها..اغلقت عيني بأسى حين لم اسمع تعليقها..لابد انها تشعر بالاحباط ..
فتحت عيني باستغراب حين هتفت ديما بحماس:انها جميلة جدا..احببتها احببتها ...شكرا شكرا شكرا...
حسنا..لقد كنت مصدوما لأنها احبتها ولكن هذا الامر اسعدني بالحقيقة...المهم انها سعدت بها...
لم استطع التركيز في المدرسة في ذلك اليوم...كنت متحمسا لسماع ديما تحكي عن الفطور الذي اقامته مع صديقاتها...
عدت الى المنزل بعد انتهاء اليوم الدراسي ولكنني تصلبت بمكاني امام الباب حين سمعت صوت صراخ عمي حازم..
ضربت الجرس بارتباك..وحين فتح الباب..وصلني صوت عمي وهو يصرخ:واخيرا وصلت..
نظرت اليه بتساؤل:ما الذي حدث؟؟
صرخ عمي:هذا ماحدث..
قالها وهو يشير لابنته نهلة...لقد كان شعرها اشعثا..زيها المدرسي ممزق الاكمام..والخدوش الدامية تملأ وجهها...
بقيت انظر اليها بصدمة..ولكن صوت عمي ايقظني من صدمتي:لقد بالغت بتدليل اختك وهذه هي النتيجة..انظر ما الذي فعلته بنهلة..اقسم يا عمار ان لم تقم بتربيتها فسأعيد تأديبها بنفسي..هل هذا مفهوم؟؟
نظرت الى الارض بدون أن أرد..ولكنني لمحت ظلا صغيرا بجانب الدرج...
ظل صغيرتي ديما..
رفعت بصري اليها ولكنها ركضت سريعا واختبأت تحت الدرج..لماذا فعلتي هذا ديما لماذا؟؟
خرج عمي من المنزل بعد ان اعطاني محاضرة في التربية واضرار الدلال..
ولكن..
الا تستحق اختي اليتيمة ان تدلل كغيرها من الاطفال؟؟...
انا متأكد من ان لها اسبابها التي اجبرتها على فعل هذا..
مشيت باتجاه الدرج حين خرج عمي فوجدت ديما تدفن رأسها بين ركبتيها وتبكي بحرقة..
كنت افكر بتوبيخها ولكن رؤيتها تبكي هكذا جعلتني اشعر بالحزن..ناديتها بهدوء:تعالي واخرجي ديما..
رفعت ديما بصرها الي فهالني منظر وجهها..لم تكن احسن حالا من نهلة...
خرجت ديما من تحت الدرج وهي تنظر الى الأرض بحزن..
امسكت بوجهها اتأمل تلك الخدوش...اخرجت المناديل من جيبي وبدأت امسح الدم عن وجهها..
تحدثت ديما وسط شهقاتها:انا اسفة عمار..لقد كنت فتاة سيئة..صرخ عمي عليك بسببي..
همست:لم اطلب منك مبررا..انسي الأمر..
تصلب جسدي حين رأيت تلك الكدمة على خدها الابيض..لقد ضربتها نهلة بشدة أيضا..شعرت ديما انني اتساءل عن الكدمة فوصلني الجواب فورا:لقد قام عمي بصفعي..
غضب عارم اعتراني حتى النخاع..
كيف يفعل عمي هذا!!
لماذا يتدخل بشجار بين الاطفال؟؟
بدأت ارتجف من شدة غيضي ولكني حاولت ان لا اظهر ذلك لديما...
تابعت ديما حديثها:نهلة هي من بدأ الشجار...
شهقت ثم تابعت حديثها:لقد كنت سعيدة جدا بالكعكة التي صنعتها من اجلي..لقد كانت لذيذة حقا.. .
نظرت الي بعينين دامعتين ثم تابعت الحديث:انا اعلم انك عملت جاهدا لصنعها..كما ان يدك احترقت من اجلي ولكن نهلة قد سخرت مني امام صديقاتي.. .
عقدت حاجبي وانا انظر اليها..
شقت الدموع طريقها على وجهها وهي تتابع بحرقة:لقد قالت..كان على ذلك البخيل عمار ان يشتري كعكة من اجلك بدلا من ان يحرج نفسه بصنع كعكة كهذه..
شعرت وكأن شخصا صفعني على وجهي..بقيت انظر الى ديما بصدمة..كيف يمكن ان تكون طفلة مثل نهلة خبيثة هكذا؟؟
تابعت ديما حديثها:لقد احببت الكعكة عمار..ولكنني ضربتها لأنها قالت انك بخيل..
قامت بتغطية وجهها بيديها:أنا..آسفة..
احتضنتها بشدة فانفجرت بالبكاء والنحيب..وهي تطلب مني مسامحتها..ولكنني شعرت ان علي انا ان اعتذر لأنني احرجتها هكذا..
في ذلك اليوم..سألت ديما للمرة الاولى عن ابي:عمار..لماذا ليس لدي اب مثل نهلة؟؟
لم اعرف بماذا اجيبها..تابعت ديما الحديث:تمنيت ان يكون لدي اب كي يقوم بضرب نهلة مثل ما فعل عمي..كما ان عمي يحضر لنهلة كل ماتريده....ويصطحبها من المدرسة يوميا...لماذا لا املك ابا مثلها يا عمار؟؟
مسحت على شعرها بحنان:انا ابوك حبيبتي..نادني بابا ان اردت.. ابعدت ديما بصرها عني:كلا..انت لست ابي..ستهزأ نهلة بي ان ناديتك هكذا..
حسنا لقد احزنني كلامها ولكن ليس المهم ان تناديني بأبي..المهم ان تشعر بها..
حين ذهبت ديما للنوم ذهبت انا لعد نقودي..انني ادخر من مصروفي المدرسي من اجل ان اشتري دراجة اعود بها من المدرسة فأنا لا احب طلب النقود من عمي او حتى جدي..
كنت املك خمسا وعشرون ريالا..اخذتها ثم ذهبت الى البقالة لأشتري الحلوى لديما..قمت بشراء صندوق من الحلوى لها ولصديقاتها فكلفني ذلك عشرون ريالا..ترددت كثيرا ولكنني قررت شراءها في النهاية..
سعدت ديما كثيرا حين وجدت الصندوق بجانب سريرها فقامت بأخذه معها للمدرسة...
في ذلك اليوم خرجت من المدرسة باكرا ثم ركضت لمدرسة ديما...
لا اريد التأخر عليها..لقد تحدثت مع عمي واخبرته انني سأصطحب ديما بعد الان بحجة منع شجارها مع نهلة ولم يعترض عمي على هذا..
خرجت ديما من البوابة وحين رأتني ركضت باتجاهي وهي تهتف:اخي...
فتحت ذراعي لاستقبالها فقفزت بحضني فورا..طبعت قبلة ناعمة على خدي:شكرا..دادي..
نظرت اليها وانا اعقد حاجباي:دادي؟؟
ضحكت ديما ببراءة:لقد طلبت مني مناداتك بأبي..لقد اخبرتني انها تقال دادي بالانجليزية..
اخفضت صوتها واكملت بهمس:نهلة غبية ولن تعرف ان دادي تعني ابي..لن تهزأ بي هكذا اليس كذلك؟؟
انفجرت ضاحكا وانا احملها بيدي:هههه نعم لن تعرف..
تابعت ديما حديثها:لقد غارت نهلة حين رأتني اوزع الحلوى على صديقاتي...شعرت انها ستبكي من شدة غضبها..هههههه..
ضحكت وانا اجيبها:ارأيت..ان اردت اغاضتها مجددا فلا تضربيها..كوني مهذبة ولن تجد حجة لتهزأ بك..
اومأت برأسها:نعم..دادي..اغلق عينك وافتح فمك رجاء..
نفذت طلبها وانا ارقص بداخلي..سماعي لكلمة دادي منها ولدت بداخلي شعورا مختلفا..
فتحت عيني حين شعرت بالحلوى بفمي...
هتفت ديما بحماس:هل هي لذيذة؟؟
ابتسمت :لذيذة جدا..
ضحكت ببراءة:لقد رفعتها من اجلك..انها لذيذة وكنت سأحزن ان لم تتذوقها...
رفعتها عاليا بالهواء لاضعها على كتفي..امسكت بيديها ورفعتها الى الاعلى:هل انت مستعدة للطيران...
اختلط صراخ ديما بضحكاتها:نعم نعم...اريد ان اطير...
حسنا..صحيح انني اضطررت لتأجيل موضوع شراء الدراجة من اجل ان اشتري الحلوى لديما..
ولكن..
الا يستحق الامر التضحية في سبيل سماعي لضحكتها الجميلة؟؟
اسرعت بخطواتي اكثر فهتفت ديما بحماس :هههه اسرع..اركض اسرع..
اجبتها بابتسامة:تمسكي جيدا فالطيارة ستقلع الآن..
صرخت ديما بحماس بين ضحكاتها:
ههههههه ..أسرع...هيا اركض اسرع أسرع دادي... .
داديــــــى..
داديــــــــــــى..
داديـــــــــــــــــــى..
.
.
.
💖...نهاية الفصل...💖
|