- هناك رسائل لي في غرفتي , ربما لا تمانعين في إيصالها لي؟
- حسن جداً.
- أنا لا آمرك بيترا!
- لم اقل هذا.ريحانة
لهجتها جعلته ينظر اليها متفحصاً:
- انظري الى هنا , هناك شيء يزعجك , أله علاقة بهيلين؟
- لا, انه شيء في نفسي, يجعل من الصعب علي البقاء هنا حسب شروطك , اعرف ان الامر لن يكون سهلاً لك لتجد إمرأة اخرى تحل مكاني , لكنني اتمنى عليك ان تفعل.
- يا إلهي! اتتخلين عن عملك بهذه السرعة؟ ظننتك أكثر تماسكاً وقدرة ! لكنك لم تتحملي اربعا وعشرين ساعة .
ارتفع رأسها :
- اتحمل , لو رغبت في هذا. وقلت لك انني سأبقى الى ان تجد غيري.
- لكن لماذا لا تبقين أنت؟
- اشعر انني سأكون اكثر سعادة في الكوخ مع اخي.ريحانة
- هناك اسباب غير هذه .. ايتها الصغيرة , الا تعجبك هيلين؟
ترددت قليلاً:
- ليس من واجبي ان تعجبني او لا تعجبني , انها ضيفتك فهل لك ان ان تفعل ما طلبت منك , ارجوك ؟ جد لها غيري.
- اذا كنت مصرة , سأنشر إعلاناً وسنتحدث بهذا فيما بعد هذا الاسبوع , لا تنسي رسائلي , ارجوك!
راقبته يبتعد بيأس وارهاق. بعد لحظات سمعت وقع حوافر جواده , لقد اغضبته , لكنها لن تهتم , واخذت رسائل هيلين معها الى غرفتها , ثم تذكرت ان هيلين كتبت ثلاث رسائل , احدهما لرجل, في نيويورك , دايفيد باون , فالاسم انطبع في ذاكرتها لأنها تظنه مألوف , فهل قررت ان لا ترسله ؟ وسألتها بعد ان دقت باب غرفتها:
- سيدة يورنغتون , أهذه هي الرسائل التي تركتها على الشرفة التي تريدين ارسالها؟
صاحت بغضب:منتديات ليلاس
- طبعاً , كنت على وشك الاغفاء!
- آسفة .
واتجهت الى غرفة نيل, واخذت منها كومة الرسائل , وعدتها , ثمانية مغلفات عادية وواحدة بغلاف كبير اسمر, واخذت حقيبة يدها , والكتب المستعارة من المكتبة , وسرعان ما انطلقت بالسيارة , ليزول عنها مزاج الصباح الاسود بالتدرج.
كانت تبتسم لنفسها حين اوقفت السيارة امام مركز البريد , ومالت نحو المقعد الآخر تتناول الرسائل التي انتشرت فوقه , حينها فقط لاحظت رسالة معنونة بإسم دايفيد باون, هذه المرة بخط نيل سينكلير , المصادفة غريبة, حتى انها بقيت تنظر الى المغلف لدقائق, لتقرر في النهاية ان الرجل لابد ان يكون صديقاً لهيلين ونيل معا. والصدفة الوحيدة هي ان يكتب كلاهما له في نفس الوقت مع ان هيلين لم ترسل رسالتها.

غريب , ذلك الاسم معروف لها , لكن , لا هيلين ولا نيل ذكراه امامها او سمعتهما يذكرانه صدفة, أيمكن ان يكون تشارلز ؟ انها متأكدة من سماع الاسم منذ زمن بعيد , لكن لا علاقة له بالمزرعة , حسنا , الأمر ليس مهما لها.ريحانة
انهت ارسال الرسائل , واستلام البريد الوارد , ثم اتجهت الى المكتبة العامة , بعدها ذهبت الى متجر كبير, حيث حصلت على وعد من المدير بإرسال الاثاث بإتجاه المنزل, بل نحو كوخ تشارلز. وعلقت الستائر الخوخية اللون التي صنعتها له مسبقاً.
وتفقدت مايوجد في الخزانة من ادوات مطبخ وصيني , وبإندفاع ما, ملأت مزهرية ببعض الزهور, وحين إنتهى الولدان من عملهما في الدهان الخارجي , اقفلت الابواب والنوافذ , في وقت كان الظلام قد بدا يخيم , نور واحد كان ينبعث عن المنزل حين وصلته , قادم من غرفة الجلوس , حيث لابد ان هيلين تجلس هناك وتقرأ.
ولم تلاحظ ان هيلين ليست لوحدها إلا بعد ان اصبحت داخل غرفة الجلوس, حيث شاهدت تشارلز هنا, يصب لنفسه فنجان قهوة والجو مشحون بتيار مكهرب . وسمعت هيلين تقول وعلى وجهها إبتسامة باهتة:
- او , لكنني لم أعني ذلك مطلقاً , لم أكن المح انك اصغر سناً من ان تدير مرزعة , لكنني كنت اقول ان من الغريب ان يوظفك نيل اصلاً. فيوم وظفك كنت اصغر بعامين , ولمعرفتي به , يبدو لي هذا غريباً.منتديات ليلاس
رد تشارلز بإرتباك اعتبرته بيترا غير ضروري.
- لقد حكم عليّ من سجلي وخبرتي, والسيد سينكلير لا يخاطر والمايجور موجوداً.
- اجل , طبعاً.
وشكرته على فنجان القهوة الذي قدمه لها, والتفتت الى بيترا .
- على فكرة , هل قابلت نيل قبل مجيئك الى هنا؟
اجابت بيترا:
- لا .
وسألها تشارلز:
- اتودين قليلاً من القهوة؟
- لا , شكراً .ريحانة
ولاحظت بعض التصلب فيه, لون قاتم انتشر على وجهه الاسمر, لكنها تذكرت انه يقابل هيلين للمرة الاولى, وقالت له:
- كوخك على وشك الجهوز , بإمكانك السكن فيه منذ الغد اذا شئت.
رد دون حماس:
- اجل, اظنني سأفعل هذا , قبل ان تدخلي الى هنا مباشرة , كانت السيدة يورنغتون تقول لي انها تسكن مع زمرة فنانين في كويبك .

تدخلت هيلين:
- في الشتاء فقط , طبعاً, اما في الربيع فأذهب الى اوروبا, ثم اقضي الصيف مع العائلة في ميامي. وكم كنت اضجر من الصيف الهادئ, اتمنى انتهائه للعودة الى ضجيج كويبك.
قال تشارلز , وكأنه يعتذر :
- اخشى ان لا يكون هنا تسلية تلائمك.منتديات ليلاس
ردت بيترا بحزم:
- لقد بذلنا جهداً رائعاً في النادي, إبنة شقيقة المايجور رسامة جيدة, والفت حولها حلقة من الهواة تقدم عرضاً رائعاً كل سنة , ثم ان لدينا نشاطاً موسيقياً.
قاطعتها ضحكة هيلين :
- وفري عليّ سماع هذا! لا اطيق الهواة في أي مكان , اعتقد ان هذا سببه إختلاطي مع النخبة!
ردت بيترا بحدة :
- نحن الاصغر حجماً سعيدون بما لدينا , ففي هذه البلاد الثقافة تسير على قدم المساواة مع التسلية والنزهات ولاعب التنس الافضل لدينا , صوته جميل جداً في الغناء , ومنتج حفلاتنا المسرحية والموسيقية يدرب فريق السياحة الذي نرسله عادة للألعاب الاولمبية.
قاطعها تشارلز بسرعة :
- لا تأبهي لبيت , لا تستطيع سماع شيء ضد هذه البلاد واهلها.
رفعت هيلين حاجبيها:
- اهلها؟ هل نيل هو مثلك الاعلى بيترا؟
- لم افكر بهذا مطلقاً, فأنا لا افكر بالرجال بهذه الطريقة, وعلى اية حال , اعرف الكثير من الرجال هنا قبل ان التقي بالسيد سنكلير.ريحانة
- الم يرق لك احد منهم؟
- كاصدقاء , انهم رائعون.
تراجعت هيلين في كرسيها مستوية:
- انت غير ناضجة بعد, ولقد لمح لي نيل بهذا, لكنني لا اظن ان فتاة في العشرين يمكن ان تصل الى هذا السن في هذه الايام دون ان تتعلم اشياء كثيرة.
ردت باختصار:منتديات ليلاس
- اتدبر امر نفسي, وفي بعض الامور , من المفيد ان يتعلم المرء من تجارب الآخرين, ارجو عذركما!
وخرجت بسرعة, لتدخل الحمام تغسل يديها , قلبها يخفق بشكل غير مريح , ولا تستطيع التفكير السوي , لكن ماكان يدور في رأسها كان واضحاً, تشارلز وهيلين متماثلين في السن, لكنها اكثر منه خبرة , وهو مجرد طفل, وفقير , ولا يمكن ان يثير إهتمامها , كما ان بيترا كرهت ان يلمح نيل امام هيلين امر عدم نضوجها, وكرهته لهذا.
بشكل غريب, كان وقت العشاء تلك الليلة مرحاً, وكان نيل لطيفاً مرضياً , وهيلين كانت فاتنة في تصرفاتها , بينما التزم تشارلز بأقصى درجات التأدب والحنكة , اما بيترا , فلم تكن تشعر افضل حالا, لكنها كانت تبتسم بين حين و آخر , ملاحظة ان نيل ينظر إليها متفرساً, لكن ليس اكثر من نظراته الى هيلين.

بعد القهوة , جرت بيترا شقيقها الى الحديقة, ثم الى الكوخ. وتاقت ان تتوسل اليه ان يكون حذراً , وان تظهر له الخطر في ان يسمح لنفسه بالاهتمام بشخص هو بشكل او آخر, ملك لنيل سينكلير. لكنها لم تتحدث من قبل بهذه الامور الجدية, ولابد انه قادر على احكام خاصة به.
وهكذا وصلا الى الكوخ حيث جلسا ليقررا إقامة حفلة في المنزل الجديد يوم الخميس, وسيدعون ابناء راي الاربعة وستة آخرين, وهذا عدد كاف لمثل هذه الحفلة. وسأل تشارلز:
- اتظنني ان نيل سيعارض ؟ اظن علينا انهاء الاحتفال باكراً بسبب السيدة يورنغتون.
- الاشجار والاسوار ستكتم الصوت, وحفلات منتصف الاسبوع تتوقف عادة عند منتصف الليل, واظن ان السيدة ستنام ولو كان حولها اعصار.منتديات ليلاس
- هذا قول غير جيد تقولينه عنها.
- ذكرت لي بالامس اموراً بشعة حصلت معها في السنوات الاخيرة, وهي تعني إنها لم تكن سعيدة مع زوجها كثيراً. الا تظن انها الآن يجب ان تشعر بالقليل من الارتياح؟
- هذا امر فظ منك, ماذا لديك ضدها؟
- انها امرأة تهوي الرجال, ولهذا لا اثق بها, كما انها مختلفة عن النساء هنا. وكلانا لا يعرفها مايكفي لنحكم عليها!
جميع من حضر الحفلة كان يرتدي ثياباً غير رسمية , وجلب آل راي معهم مسجلة , وبعض الاسطوانات لغرامافون تشارلز القديم, وارسل والداهم زجاجات المرطبات.
ورفعت بيت كأسها لتقول جولي:
- لنشرب نخب إقامة سعيدة لتشارلز هنا , لكنني احذرك , ستحس بالوحدة!
فقالت بيترا:
- يجب ان تزورينا اكثر.
- فكرت بهذا, لكن ايام كان هو الريس هنا, ولو اقمت معه في هذا الكوخ, فاين ساحتفظ بجيادي وكلابي؟
غمز لها تشارلز:
- الدويبلوماسية ليست من رواياتك, وستحتاجين الى الكثير منها وانت تعيشين ضمن املاك نيل سيكلير.
احدى المدعوات قالت فجأة :
- وانت بيت؟ اتجدين الامر مزعجاً؟
- هذا الترتيب ليس دائماً, وبأمكاننا التقرير على أي شيء حين تبدو لنا النهاية.
وجاء سؤال آخر:
- وهل سيتزوج سينكلير من سيدته ؟
- انه قطعاً مهتم بها , أيمكن ان نخرج قليلاً لنترك المجال للخادم ان ينظف المكان؟ ثم نعود الى الرقص.منتديات ليلاس
وهكذا استمرت الحفلة حتى ماقبل منتصف الليل بقليل حيث خرج الجميع بين هرج ومرج, وقفت بيترا الى جانب تشارلز يلوحان للمدعوين مودعين , وسألته:
- اعجبتك الحفلة؟
- عظيمة , لكنهما عصبة احداث طائشة , اليسوا هكذا.

- من الطبيعي ان يصادق المرء النوع الذي يناسب شخصيته , فنحن لسنا مسنين بعد.
ابتسم لها مودعا, واستدرات متجهة نحو المنزل , الجزء الخلفي كان يعمه الظلام. لكن باب المطبخ يترك دائماً مفتوح. وبإمكانها ان تتسلل بسهولة الى غرفتها دون استخدام النور او احداث صوت.
فتحت باب المطبخ ودخلت , ووقفت هناك لحظات , تحس بلحظات ضياع , ثم صوت وقع اقدام ثابتة , صوت مقبض الباب تستدير, وصوت زر الكهرباء , واضاء المطبخ, مجفلة , شاهدت بيترا امامها نيل , وغاص قلبها.ريحانة
- لست مضطرة لتسلل كالشبح, فعلى اية حال, رحيل اصدقاءك كان مسموعاً تماماً.
- ظننت انك لن تمانع في بعض الضجيج من وقت الى آخر.
- لم امانع, لكنني مندهش كيف ان حفنة قليلة تحدث مثل هذا الضجيج. هل امضيتم وقتاً ممتعاً؟.
- اجل , كانت حفلة رائعة.ريحانة
- عظيم, لا اظن انكما فكرتما انه من اللطف ان تدعواني للمشاركة.
- حسناً , لقد فكرت بهذا.
- صحيح؟ ومن منعك من دعوتي .. تشارلز؟
- يا للسماء لا! فلا اظنه فكر بأنك قد تهتم بمستوانا.
ما ان قالت هذا حتى ادركت ان كلامها تعيس , فاصلحت :
- كان الامر صعباً , انت رب عمل تشارلز, وكنت غائباً عن البلد, ولا تعرف احداً من اصدقائنا , اعرف انني لا اشرح الامر جيداً.
- حسناً , دعي الامر , من الافضل ان تذهبي للنوم.
تقدم نحو الباب الخارجي واقفله بالمفتاح ثم عاد ينظر اليها :
- حسناً؟
فتنهدت :منتديات ليلاس
- الاحظ تماماً انني تصرفت بفظاظة لعدم دعوتك , لكن صدقاً سيد سينكلير, ظننتك تفضل ان لا ادعوك. فسيكون من الصعب عليك الرفض.
- ولماذا ارفض؟
- وكيف لي ان اعرف؟ ثم هناك السيدة يورنغتون , انها لا تحب الشبان المحليين . ولم ارغب في ان تكون الحفلة مملة لاحد.
- لا دخل لها في هذا !
- لكنني كنت سأحضر لدعوتكما معاً.
- لا حاجة لدعوة رسمية, مجرد تلميح لبق لحضوري لبعض الوقت, وبامكأن هيلين ان تسلي نفسها.منتديات ليلاس
- لابد انك كنت تعرف بأمر الحفلة, ولم تظهر الاهتمام .
- لا , لم أكن اعرف.
- تعني انك تفضل تصديق الاسوأ عني؟
- بل اعني انني افضل معرفة الحقيقة عنك.
- لا اظن ان شخصيتي قد تهم شخصاً مثلك.
- لا تهمني كثيراً, لكنني اصبت بخيبة امل, او ربما كنت اتوقع الكثير .