عادت إلى الحاضر و هي تفكر كيف ستكون ردة فعله على كذبتها الأخيرة ، خفق قلبها و هي تسمع صوته خارجا يتكلم مع والده ، مررت أصابع مرتجفة سعيدة بين خصلاتها تحاول ترتيبها ثم رفعت وجهها تضع قلبها و روحها داخل نظراتها و هي تسمع صوت فتح الباب .
سار نحوها بلهفة قبل أن يقاطع وجهته صوت أمه و هي تقول ضاغطة على حروفها :
- الحمد لله على سلامتك يا حبيبي
توقف في منتصف الطريق و تقدم نحوها يحضنها و يقبل خديها و جبينها :
- آسف يا أمي لم أرك
- واضح بني ، واضح ، و الآن تعال أريك ابنك
- سآتي يا أمي دعيني أطمئن على ليلى أولا
- ماهر ...
لكنها اضطرت أن تصمت و هي تراه يصل إلى سرير زوجته و ينحني عليها يقبل رأسها و يدها :
- كيف حالك ؟ سألها بحنان
- بخير حبيبي لا تقلق ، بادلته النظرات بحب قبل أن تواصل بحرج :
آسفة لأني قلت لك أني سألد بعد عودتك من السفر
داعب خدها بلطف و هو يقول بدفء :
- تعودت عليك يا ليلى ، ثم إني أصبحت أفهم أنك غالبا ما تكذبين من أجل الآخرين
و الآن طمئنيني هل أنت متأكدة أنك بخير ؟ ألا تشعرين بأي شيء غير طبيعي ؟
همست بصوت خافت جدا :
- بلى ، أشعر بأن أمك ستنقض علي إن لم تبتعد فورا
ضحك و هو يلتفت لأمه ليراها تنحني على المهد و يسمعها تقول بصوت آمر
- ماهر تعال حالا ، تعال لترى مهدي قبل أن يعود للنوم ثانية
…………………
بعد ساعة راقب بعين راضية زوجته و ابنته التي جلست بجانبها تحمل أخاها الصغير بين ذراعيها ، تأملهم طويلا و هو لا يعرف كيف يشعر ، لا يعرف ما الذي فعله حتى استحق كل هذه السعادة ، كل هذه النعم.
- الحمد لله يا حبيبي ، هذا تعويض على صبرك بني ، على رضاك بقدر الله
- لن توجد أبدا من تفهمني مثلك يا ثريا ، قال و هو يرفع يدها إلى شفتيه و يطبع عليها قبلة دافئة طويلة
- ولد ، لا تحاول أن تأكل عقلي بكلامك ، قالت و هي بالكاد تخفي ابتسامتها
رفع رأسه قليلا و هو يسمع صوت أخته مهى تلقي سلامها الأوروبي عليهم ، وقفت أمامه و هي تقول بابتسامة صغيرة :
- هل تسمح لي بحمل ولي العهد يا ماهر ؟
نظر إليها قليلا بصمت ثم قال و هو يشير بذقنه إلى ليلى :
- استأذني ممن حملته داخلها لمدة تسعة أشهر
تأملها وهي تهز كتفيها هزة خفيفة ثم تتجه باستسلام إلى ليلى .
- ماهر ، بني ، لا أحب أن أراك تعامل أختك الصغرى بهذا البرود ، بهذه القسوة
لا تدع زوجتك تنسيك أختك بني
- لا أحد بإمكانه أن ينسيني أحدا آخر يا أمي
لكن عندما تنسى مهى أن تتصرف بذوق فيجب علي أن أذكرها به
أمضيا الأيام التالية يتلقيان الهدايا و المباركات و التهاني و المكالمات.
- أستغفر الله ، تمتم في يوم و هو يشعر بشيء في صدره
- خيرا يا ماهر ، سألته ليلى بقلق
هز رأسه بحزن غلف كلماته و هو يجيبها :
- في غمرة سعادتنا جميعنا نسينا كاميليا
الله عوضنا في هذه الدنيا و هي رحلت و جراحها مفتوحة
لا تستحق منا أن نكافئها بالنسيان ، لا تستحق أن تختفي من وجودنا بهذه الطريقة
شبكت أصابعه بأصابعها و رفعت يده إلى فمها ترسم عليها قبلة رقيقة ثم قالت و هي تضع يدها على قلبه :
- بإذن الله ، لن أسمح لك و لن أسمح لنفسي بأن ننساها
أبدا يا ماهر ، أبدا
.
..
...
....
بعد أشهر
وُلدت كاميليا ولن تعود الدنيا بعدها أبدا كما كانت .
تمت بحمد الله