كاتب الموضوع :
نغم الغروب
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: أغداً ألقاك ؟ / بقلمي
الفصل العشرون ( الجزء الرابع )
ترددت حروف رسالة شاهيندا في ذهنها و هي تتأمله جالسا مع المرأة الأخرى من مخبئها وراء الشجرة الهرمة .
" لكي تعرفي كم أنت رخيصة لديه و لا تساوين حتى ثيابك التي فوق جثتك ، تعالي إلى النادي هذه الجمعة و شاهديه مع خطيبته الجديدة "
لم يكن يجلس مواجها لها و لكنها تعرف ظهره و لو من بين مئات.
تعرف الطريقة التي يجلس فيها باسترخاء و تحكم في ذات الوقت .
تعرف الطريقة التي يطوي بها أكمام قميصه إلى الأعلى .
تعرف الطريقة التي يمسك بها فنجان قهوته.
و تعرف كيف يستطيع أن يجعل من أمامه تشعر ،
الحمد لله أنها لا تستطيع رؤية وجهه الآن ، يكفيها أنها ترى بوضوح تام وجه الفتاة المقابلة له و لها .
فتاة جميلة لا تستطيع أن تنكر ، ربما في سنها و ربما تصغرها سنا .
لا تستطيع أن ترى نظراته لها لكنها للأسف ترى جيدا نظرات الفتاة و التورد الذي يعتلي خديها و تكاد تقرأ أفكارها .
إعجابها الواضح الذي وصلها من بعيد أكيد سيقدر هو على قراءته من تلك المسافة .
تلوى قلبها مرتين داخل صدرها و هي تشعر بوخز أشد بمراحل من المرة السابقة .
استندت على الشجرة بجانبها و هي تغالب الدوار الذي يعصف بها دون رحمة ، لا تستطيع حتى أن تبكي فكل دموعها صرفتها في الأيام الماضية و لم تقتصد منها شيئا .
سارت بصعوبة إلى حيث يقف أخوها ، تعلقت بذراعه و مشت معتمدة عليه و هي غائبة عن أسئلته القلقة لها ، عن نظراته الحزينة ، عن كل الدنيا .
تركها واقفة بجانب البوابة حتى يأتي بسيارته ، لدقائق ظلت تدير عينيها حولها ، تحمد الله أنها مؤمنة و إلا كانت اختارت أفخم سيارة و ألقت بنفسها تحت عجلاتها اللامعة.
لعلها عندما تدوسها تدوس معها قلبها و هذه المشاعر التي تقتلها .
عندما عادت كانت تشعر بأن هذا اليوم هو اليوم العالمي للبؤس .
لكن تبين لها أنه اليوم الذي يليه .
كانت مستلقية بجمود على فراشها ، عندما وصلتها أول مكالمة منه بعد شهر و نصف من لقائهما الأخير.
- ما هي طلباتك ؟ بادرها بجفاف
- طلباتي !؟ رددت الكلمة بجهل و هي تجبر خلايا مخها النائمة على تحليلها
- أنت لم تضعي أي شروط في مؤخر الصداق
- ما زلت لا أضع أي شروط ، قالت بصوت ميّت
- كل شيء تغير حضرتك ، لأنه حصلت دخلة لو مازلت تتذكرين ، و الشرع يقول أنه لديك حقوق الآن
- و الشرع يسمح لي أن أتنازل عن حقوقي ، و لكن شكرا لك لأنك أتعبت نفسك و فكرت في الأمر
- دماغك حجر كالعادة ، لا بأس سأتفق مع والدك على هذه الأمور ، على الأقل هو لديه عقل للأسف لم ترثيه منه
النبرة العملية في صوته أثارت جنونها ، طبعا السيد وجد مرشحة ثانية لذلك يريد أن يتخلص من آثارها في حياته ، يريد أن ينفضها عنه بأسرع ما يمكن.
- أتحرق شوقا لما ستقوله لبابا ، قالت بحدة ، هل ستقول له مثلا شكرا يا أستاذ على خدمات ابنتك ، دعني أدفع لك على قدر انبساطي منها .
- اخرسي ، انفجرت في أذنها و تفجرت دموعها معها
اخرسي ، هذا يكفي ، الخطأ خطئي أني حاولت أن أسوي الموضوع بيني و بينك لكنك أثبت فعلا أنك لا تستحقين
و تغضبن حين نقول أنكن ناقصات عقل و دين و في حالتك صدقيني حياء أيضا
أخبريني متى عاملتك بتلك الطريقة ، متى نظرت إليك تلك النظرة ؟
ما الذي تريدين مني أن أفعله الآن ؟ أن أطلقك عبر الهاتف ؟ هل هذا هو المستوى الذي تريدين أن أعاملك به ؟ تكلمي ، لماذا خرست الآن؟ لأنني صدقيني مستعد أن أفعلها الآن و بهذه الطريقة لو كان هذا ما تريدينه .
عضت على شفتيها تمنع شهقاتها أن تخرج و تفضح ضعفها ، قلتها ، حاجتها إليه رغم كل شيء و بكل شروطه .
- هل هذا ما تريدينه ؟ كرر ثانية بصوت أهدأ
لم تجبه لكنها أخذت تهز رأسها نافية مرة تلو المرة تلو المرة .
أرجوك لا تقلها ، أرجوك افعل أي شيء و لكن لا تقلها أبدا في وجهي.
ابعثها في رسالة ، انشرها على كل المواقع لكن لا تقلها أبدا في وجهي.
لا تقلها بنفس الفم الذي قال لي أحلى كلام سمعته في حياتي .
لأنك إن قلتها لي الآن فلن أصدق أي شيء يقال لي بعدها.
- أنا آسفة ، قالت أخيرا و هي تتمنى أن يقدر الهاتف على إخفاء رجفة صوتها و صوت دموعها ،
لم أقصد ما قلته لكني بالفعل متنازلة عن كل حقوقي ، لا أريدك أن تشغل نفسك بأمري
- صدقيني أمرك هو آخر ما يشغلني.
قالها ثم كان الصمت .
صمت عميق ، صمت غريب ، لم يسبق لها الشعور بمثله من قبل.
صارت كل المشاهد أماها خرساء لذلك و لمدة ثلاثة أيام ظلت ساهمة ، لا تجيب على أي سؤال إلا إذا رددوه عليها مرارا.
- البنت محسودة يا مصطفى ، كانت أمها تردد و هي ترقيها كل ليلة قبل أن تذهب و تنام بين ذراعي أختها الصغرى.
في صبيحة اليوم الرابع أفاقت تبحث عن تلك الورقة . تحاول جهدها أن تستحضر مخبأها. تنهدت بارتياح و هي تجدها أخيرا بين صفحات دفتر صورها.
بعد انفصالها عن وليد ، أعطتها كاميليا دفتر مذكراتها لتقرأه ، لتعرف أنه حتى لو اختلفت الهموم يظل الحزن واحدا .
حينها شعرت ليلى بأن حروف صفحة بعينها سكنت قلبها لذلك نسختها بخط يدها و ظلت تعيد قراءتها كلما عاشت وقتا احتاجت فيه إلى ذلك .
مثل هذا الوقت .
|