كان هذا أسبوع الوداع.
دعوات إلى العشاء في الخارج كل يوم تقريبا.
تعديل موعد تناوله للإفطار كي يتوافق مع معادها.
القليل من الحديث الساهر بعد خلود ميْ إلي النوم
الشيء الوحيد الذي لم يتغير في سلوكه نحوها هو تمسكه الغريب بعجرفته.
أكثر من مرة كان يتركها مُجامَلة تكمل الجملة العالقة بين شفتيها ثم يُحَيِّيها بسرعة تحية المساء
حتى لو كانت الفكرة التي تناقشها معه لم تنته بعد.
حينها كانت تنصرف من أمامه و هي تشعر أنها استبدلت خفيها بخفي حنين.
كان يبدو كأنه يلعب معها لعبة شد الخيط و جذبه في الوقت المناسب قبل أن يسمح لها بانتظار شيء لا وجود له إلا في خيالها.
تأنيب الضمير ، هذا هو التفسير الوحيد و المعقول الذي قادها إليه عقلها القاصر
لأنها ما عدا ذلك احترقت جزيئات مخها و لم تصل إلى فهمه .
لذلك حتما الباشا شعر بتأنيب الضمير و أراد أن يعوض عليها ما رأته في بيته .
ربما أحس أخيرا أنها لا تستحق ما تعرضت له ، و هي فعلا لا تستحق ، فأراد أن يترك لها ذكرى جميلة و أخيرة.
حسنا بما أنه كلف خاطره ليجعلها أسعد فأبسط واجباتها هو أن تكلف خاطرها و تتظاهر بأن محاولاته ناجحة.
في الواقع لم تكن مهمة التظاهر صعبة .
كان يكفيها أن تكون بقربه ، تستمع لحديثه الثري الموزون ، تراه يضحك على كلماتها العشواء ، تشاهد من حين لآخر نظرة الدهشة داخل عينيه كأنه يراها لأول مرة .
بل يكفيها أحيانا أن تشاركه صمته حتى تشعر بشيء لم تشعر بمثله من قبل ، شعور ربما ينتمي إلى فصيلة السعادة .
للأسف كان هذا الأسبوع الوداعي لينتهي أفضل لو لم يصر بشكل غريب على أخذها معه إلى منزل أسرته.
حاولت التنصل بمختلف الأعذار لكن رفضها تحطم أخيرا على صخرة عناده.
تنفست بعمق و أمرت أفكارها بالصمت قليلا لتقدر على التركيز على مظهرها.
هذه ثالث مرة تغير فيها ثيابها و الثالثة يجب أن تكون ثابتة .
نظرة تفصيلية طويلة تراوحت بين الرضى و عدم الاقتناع طافت بجسدها من الأعلى إلى الأسفل .
من ضفيرتها التي اختارت أن تدليها على كتفها الأيسر إلى طقمها الهندي الكلاسيكي .
فستان بنفسجي داكن يتجاوز ركبتيها بقليل مُوَشّى في الأسفل و عند الصدر بنقوش ذهبية خافتة ،
يصاحبه بنطلون حريري كناري اللون و حذاء ذهبي أنيق رقيق .
لم تكن تتكلف من أجله في الواقع ، فهناك صوت ما في داخلها ، صوت صغير لكن مسموع ، أخبرها أنها ستعجبه مهما كان الشيء الذي ترتديه .
كانت قلقة أن لا تعجب لجنة التحكيم التي تنتظرها هناك.
على فكرة يا حضرات ، هذا ذوق ابنكم لا ذوقي ، تمنت لو تستطيع أن تقولها لهم بنفس وقاحة نظرات أخته مهى إليها.
كتمت أفكارها مرة أخرى و هي تحدث صورتها في المرآة بصوت عال :
- و الآن
سيدتي لتكملي هذا اللوك الناعم لا ينقصك سوى بعض الزينة الهادئة و هكذا تتحصلين على مظهر كلاسيكي و راق في ذات الوقت.
موافقة ، ردت على نفسها ، و لكن لماذا يجب أن تكون الزينة خفيفة ؟ زوج أخته لن يكون موجودا ، فقط هو و أبوه .
هذه فرصتك الأخيرة يا بنت ، واصلت مخاطبة نفسها بمرح ، فرصتك الأخيرة لتنالي هزيمتك النهائية بامتياز.