سأبدأ من حيث تبدأ أي امرأة تحاول أن تفهم نفسها
سأبدأ بمخاوفي
نعم أنا أخاف
أخاف كثيرا في الواقع
لن يصدق أحدهم هذا عني
فهم يعتقدون أني قوية
يظنون أني كاملة
لكن لا شيء كامل
لأن الزمن يمر و تجد آثاره طريقها إلى كل شيء
و كم هي ثقيلة خطوة الزمن
يدوس بقسوة على شبابنا و يزرع تجاعيده و أمراضه على أجسادنا
و معنا نحن النساء يستطيع دائما أن يكون أكثر قسوة
يرحب بالبعض منا في عالم العنوسة
و تمتص يده الجافة الحياة من أرحامنا تحت مسمى بديع من مسميات كثيرة مثل سن اليأس
فقط الزمن بدقاته المتوحشة يستطيع أن يغيرنا أن يستنزفنا….
متى بدأت أخاف من الزمن؟
ربما حين رأيت ما فعله بأمي
أمي التي أصبح عقلها مقفرا ، موحشا مثل حياتها.
أمي التي صارت تتجول بلا هدف و على وجهها تعبير فارغ
بعد أن كانت كل خطوة من أجل هدف..
من كان ليتصور أنك يا أمي و أنت الباحثة الدائمة عن الكمال تصيرين غير قادرة حتى على إقفال زر من أزرار قميصك
من كان ليتخيل أنك يا أمي بعد أن كنت تحفظين النثر و الشعر ، تخونك حروفك و كلماتك و تصبحين تتلعثمين كطفل في الثالثة
أي أم كنت يا أمي
و ما الذي فعله بك الزمن أمام قلبي و عيني
ربما لذلك أخاف منه
ربما لأني أخاف أن يكون ميراثي منه كميراثك منه يا أمي "
…………………………………………………………………
…………………………………..
…………………..
جلس على مكتبه العريض و بدأ يخاطب صورتها الصامتة
- أهذا هو ميراثك لي يا كاميليا : حيرة ، شكوك و غضب
ارتاحت أصابعه على الإطار للحظات ثم استمر يعاتبها بحزن :
- ألم تستطيعي أن تكوني امرأة عادية لمرة واحدة ، لمرة أخيرة
أبعد الصورة عنه بحركة عنيفة ثم عاد يتأمل هاتفها
الهاتف الذكي كما يطلقون عليه و الذي بدا له في هذه اللحظة في قمة الغباء بملمسه البارد و شاشته المظلمة و محتواه الفارغ ، الخالي من أي إجابات لأسئلته الكثيرة
ضغط زر الاتصال بآخر رقم
بعد رنة واحدة مقتضبة سمع صوت امرأة تتكلم بلهجة رسمية
- برونتو ، و بعدها الجملة الرتيبة المعتادة التي تعرف بالفندق ، كيف أستطيع أن أخدمك يا سيدي ؟
- أريد أن ألغي حجزا باسم زوجتي المتوفاة
أعطاها الاسم ثم انتظر لدقائق قليلة قبل أن تقول له بصوت أقل رسمية و أكثر لطفا :
- أرجو أن تتقبل تعازينا الحارة يا سيدي
ترددت قليلا ثم واصلت تقول :
- بالنسبة لإعادة الأموال فإدارة الفندق تحتاج إلى بعض المعلومات
- سأتكفل بالأمر صمت قليلا ثم سألها :
- أرجو أن تتأكدي إن كان هناك حجز آخر تم بواسطة بطاقة ائتمانها
- كلا يا سيدي لم يكن هناك حجز آخر
أغمض عينيه براحة ممزوجة بالمرارة ثم قال بصوت بعيد قبل أن يغلق الخط :
- وداعا و شكرا