- اسمعني جيدا يا حبيبي ، نطقت أمه أخيرا بعد أن بدأ يتململ من نظراتها الجامدة
اليوم لن أكلمك عن مصلحتك فقط بل عن مصلحتها هي كذلك
- أصبحت تحبينها إذن يا أمي ؟ سبحان الله
- كلا لا أدعي أني أحبها و لكني أم و لدي بنتين و لا أريدك أن تفعل شيئا تندم هي عليه قبلك أنت
نظر إلى الأعلى و هو يستغفر الله في سره . و أرغم نفسه علي الاستماع في صمت.
- أنت لا تنظر إلى الموضوع بعقلك الآن يا ماهر
أنت رجل و غريزتك هي التي تقودك
أنا أمك و أعرفك
و أعرف أن رجلا اختار كاميليا يستحيل أن يقبل بفتاة مثلها
أنت يا بني لديك مواصفات خاصة في شريكة حياتك و أنت تعرف و أنا أعرف
أنك ستتركها في جميع الحالات
لذلك اتركها الآن بني
من أجلها لا من أجلك فقط اتركها الآن أفضل لها و أشرف لها
…………………………………
أجلس ابنته على حجره و هو يستمع لحديثها له بابتسامة و عقل شارد
ليس شاردا بالضبط
عقله مع نظره يتابعان الفتاة التي تحاول جاهدة أن تتماهى مع أثاث الغرفة
بدت له شابة جدا في ثوب نومها القطني و ضفيرتها التي تتراقص بخفة على طول ظهرها ، أقرب إلى طفلة منها إلى امرأة ، المشكلة الوحيدة أنه يعرف جيدا أنها ليست طفلة
كانت تتحرك بعيدا عنهما ، تفرز أكوام الهدايا و تحاول ترتيبها
- أبي انظر إلي حين أكلمك ، أنت لا تستمع إلي
بصعوبة غادرت عيناه الفتاة لتعودا إلى وجه ابنته الغاضب
- أنا أسمعك حبيبتي
- أخبرني إذن ماذا كنت أخبرك لتوي
ضرب يدا بيد و هو يقول بأسف :
- نسيت يا مي لكن لا بأس أخبريني مرة أخرى و أعدك أن لا أنسى
ابتسم و هو يشاهدها تنفخ بشفتيها كثور صغير جميل.
لسوء حظه ابنته ليست من النوع المستسلم ، لم ترث هذه النقطة من أمها
تريد اهتماما كاملا غير منقوص
ابتسمت ليلي بحزن و ظهرها إليهما
المسكين إنه يريدها لكنه لا يريد أن يتورط معها
يريدها و لكن ماذا يستطيع أن يفعل و عجرفته تمنعه
عبست وهي تفكر أنه ربما لم يكن يريدها هي بالذات
هو رجل لديه رغبات و حاليا هي المرأة الوحيدة التي تحل له.
من هذه الناحية على الأقل ضميرها مستريح تماما
لم تحاول و لو لمرة أن تستثير رغبته بتلك الطرق الرخيصة
لم تنحني أبدا أمامه ، لم تتلوى ، لم تتثنى
لم تقم بأي من تلك الحركات التي تجيدها بعض البنات ، تلك الحركات التي لا تدري في أي مدرسة مسائية يتعلمنها.
سمعته يتنهد بعمق و راقبته بطرفي عينيها و هو يقوم ليغادر بعد أن طبع قبلة دافئة على خد ابنته.
وقف عند الباب تردد قليلا ثم ناداها بصوت خافت :
- ليلى ، تعالي ، أريدك قليلا
سارت إليه كلها تساؤل ، هل تسمح لنفسها أن تأمل ، أن تحلم ؟
حملت عيناها تساؤلاتها و هي ترفع نظرها إليه
- سأسافر لمدة أسبوعين تقريبا ، توقف قليلا ثم واصل ، عندما أعود يجب أن نتحدث.
نتحدث : خمسة حروف و الطريقة التي قالها بها أجابت كل الأسئلة.
خفضت عينيها و هي تشعر بكل أوهامها تتبخر دفعة واحدة
بالطبع هكذا هو و هذا ما يجب عليه فعله.
لن يكون ابن أمه إذا لم يفسد عليها اليوم الوحيد الذي شعرت فيه بفرحة حقيقية منذ دخلت بيته.
أومأت برأسها في صمت و هي تشعر بغصة في قلبها .
دعت في سرها أن يختفي من أمامها حالا ، و هي تشعر بدموعها تحرق مآقيها
تمنت لو تستطيع أن تغلق الباب في وجهه كما أغلق قلبه في وجهها لكن تربيتها منعتها.
كرهته في تلك اللحظة ، كرهت نفسها ، كرهت دموعها التي فضحت ضعفها ، كرهت وقوفه بلا حراك أمامها ، يُشْعِرُها أن الحياة معها مغامرة لا تستحق أن يخوضها من أجلها
من أجل امرأة أخرى نعم ، لكن ليس هي ،
ليس هي من كل شيء فيها عادي ، جمالها عادي ، اسمها عادي ، حياتها عادية ، عائلتها عادية
لكن صدقني أنت الخاسر ، فكرت تواسي نفسها ، أنت الخاسر لأن حبي غير عادي ، قلبي غير عادي ، روحي غير عادية
و الآن
انقلع من أمامي ،
انقلع و لا تنس أن تأخذ معك عجرفتك ، ترددك ، قلبك البارد و معاييرك المستحيلة ، خذ كل هذا معك و
انقلع و لا تعد
- ليلى ، جاء صوت مي كنجدة عاجلة
لم تنظر إليه ربع نظرة ، رآها تستدير بسرعة لتختفي من أمامه و تترك مكانها باردا خلفها
- ليلى لماذا تبكين
- من السعادة يا حبيبتي ، بصوت واضح و مسموع واصلت ، سعيدة لأن كل شيء انتهى على خير كما خططنا له ، انتهى دون أن تحصل مفاجآت غير سارة