هل كانت لديه "خصوصيات" ؟ كلا بالطبع ، كان هذا ادعاءًا غير صحيح بالمرة
لم تكن لديه أية أسرار يخبئها عنها،
قطب جبينه قليلا و هو يتذكر ذلك الأمر
مط شفتيه و هو يفكر :
" لكن ما حدث لا يعتبر سرا ، إنه فقط شيء لا يرغب في أن يعلم به أحد آخر ، شيء حدث في لحظة ضعف و ما إن عاد إليه رشده حتى عاد كل شيء إلى وضعه الطبيعي و لم يضار أحد ،
السر يجب أن يكون مخزيا مخجلا ، شيء يخشى المرء من افتضاحه "
و هو ليس لديه ما يخشى من افتضاحه
بل كان واضحا معها منذ بداية حياتهما
كان واضحا مع الجميع ، إذا ارتاح لأحد أبدى له ذلك و إذا لم يطق أحدا يبدي له ذلك أيضا الأمر بهذه البساطة
ربما لهذا السبب لم يحتج أبدا إلى كومة من الأوراق الجافة يبثها مشاعره
على عكس كاميليا التي كانت في حاجة شبه دائمة إلى مفكرتها
أين كانت تقوم بإخفائها ، ليست لديه أدنى فكرة؟
بعد قليل كانت مدبرة منزله تقف أمامه بكامل هيبتها و وقارها
سألها مباشرة و هو يتظاهر بتقليب بعض الأوراق
- سيدة سناء ، هل لديك فكرة عن مكان مفكرة كاميليا
تقطيبة خفيفة جعدت ما بين حاجبيها و هي تسأله بحيرة :
- مفكرة ؟
يا للنساء فكر و غيظه يتصاعد
- مفكرتها يا سيدة سناء ، تلك التي تكتب فيها مذكراتها طوال الوقت، لا أظنك لم تريها أبدا
- آه تقصد دفتر يومياتها ، نعم بالطبع أعرفه سيد ماهر ، كان دفترا جميلا جدا : مرآة صغيرة دائرية في غلافه الخارجي و رسومات ما تزينه أعتقد أنها ورود حمراء و ....
- نعم ، نعم ، نعم ذلك هو يا سيدة سناء ، قاطعها بنفاذ صبر، هل رأيته مؤخرا ؟
قطبت جبينها مرة أخرى ثم قالت و هي تضيق عينيها :
- آخر مرة رأيتها تكتب فيه كانت منذ أسبوعين تقريبا قبل مو..،
لكن إن كنت تقصد أن تسألني عن المكان الذي كانت تخفيه فيه فليست لدي أدنى فكرة و لا أعتقد أن أحدا غير
سيدتي كان يعلم
كان ذهن ماهر قد رحل بينما واصلت هي بصوتها الهادئ
- لا شك أن ذلك الدفتر كان يعني لها الكثير فالمرة الوحيدة التي رأيتها تغضب فيها كان من أجله
دخلت يوما فوجدته في يد فاتن
- فاتن ؟ سألها بذهن نصف شارد
- الخادمة الجديدة ، كانت الغبية قد أخذته لتتفحص وجهها في مرآته ، و عندها دخلت السيدة كاميليا
سأل بفضول :
- و ماذا فعلت بالظبط؟
- انتزعته من يدها بعنف
قال بشك :
- كاميليا فعلت ذلك؟!!
- بلى بلى يا سيدي ، أنا نفسي لم أصدق ، كان وجهها أحمر من شدة الغضب و عيناها بارزتان و كانت تؤنب فاتن و هي تصر على أسنانها تبقي صوتها منخفضا
مط شفتيه و هو يقول ببرود :
- لا يعقل أنك تتذكرين الأمر بكل هذا الوضوح
نظرت إليه بهدوء و قالت بتسامح :
- أنت تعتقد أني أبالغ و معك كل الحق فأنا نفسي لم أصدق عيني و لكني أذكر أني فكرت حينها "يا إلاهي السيدة كاميليا تستطيع أن تكون مخيفة لو أرادت"
" وتستطيع أن تكون أشياء أخرى كذلك: غامضة ، مريبة "
أخيرا نظر إلى المرأة التي بدأت تململ و قال لها بابتسامته المجاملة :
- لا تدعيني أؤخرك أكثر مما فعلت
ردت ابتسامته بابتسامة وقورة لا تجيدها سوى امرأة ستينية ثم انصرفت بخطوات شابة في العشرين
هذا المزيج مع ذاكرة حديدية كذاكرتها يجعلها تبدو مؤهلة لإدارة دولة أكثر من إدارة بيت حتى لو كان ضخما كهذا.
تنهد بعمق و هو يعود رغما عنه إلى واقعه
كاميليا ، بحق الله أين كنت تخفين ذلك الدفتر؟