غارقة و مستغرقة في أفكارها لم تشعر ليلى بوطأة نظرات ذاك الذي كان في بالها
وقف ماهر مستندا على حافة نافذة المكتب المطلة على الحديقة يراقب تلك الفتاة ، السكرتيرة ، المساعدة أيا كانت ، تتجه إلى باب الخروج بخطى سريعة كأنها تتجه إلى الخلاص
كان قد عاد إلى المكتب ليجس نبضها ، ليعرف دون أن يسألها مباشرة إن كانت مطلعة على شيئ ما
فمنذ قليل تلقى مكالمة أخرى غريبة.
المكالمة الأولى كانت بعد يومين فقط من موت زوجته ، لم يكن اسم المتصل مدونا عندها ، كان الذي رد عليه من الناحية الأخرى رجلا
- أهلا
سيدتي هذا أنا أكرم
- أكرم من ؟ انبعث صوته جافا و هو يتساءل من الغبي الأبله الذي يتصل بامرأة ميتة
- mi dispiace, اعتذر الرجل الآخر بالإيطالية ثم كرر الاعتذار بالعربية قبل أن يغلق الخط ثم هاتفه حين حاول معاودة الاتصال به
ظل ماهر يتأمل الهاتف بعدم اقتناع ، استطاع بأذنه المرهفة تبين التلعثم في صوت الرجل و لسبب ما شعر أن الأمر أكبر من مكالمة خاطئة لكن انشغاله بترتيب أمور عمله و دنياه و ثقل الحزن الذي كان يشعر به جعله لا يدقق في الأمر.
أما هذه المكاملة الثانية فقد كانت من إيطاليا و هذه المرة كان المتصل موظف أحد الفنادق هناك ليسأل عن الحجز باسم زوجته الراحلة
إيطاليا مسقط رأس كاميليا
و بالتحديد نابولي
ولدت في مستشفى صغير دافئ كسنوات عمرها الأولى هناك
هذا كل ما يعرفه عن طفولتها
أما لماذا لم تشأ الذهاب في رحلة إلى إيطاليا فهذا ما لم تخبره به أبدا
قالت له أنها لا تود أن تشوه الصورة المثالية التي تحملها في روحها عن ذكرياتها السعيدة هناك
لكن أية ذكريات قد تكون حملتها في روحها أو عقلها و هي قد غادرت إلى أرض الوطن في الرابعة من عمرها
لم يقتنع أبدا بذلك العذر و لكنه كان يعرف أن لا أحد في هذا العالم ينزع معلومة متشبثة بداخل كاميليا
و الآن ها هو ذا يعرف عن طريق الصدفة أنها كانت تنوي زيارة إيطاليا أخيرا لكن ليس برفقته
ما الذي كنت تخفينه عني هذه المرة يا كاميليا؟
انه يعلم أن المرأة لا تكون امرأة إلا إذا كانت لديها أسرار تخفيها
كل واحدة من بنات حواء تعيش لتخبأ
لتخفي شيئا ما
شيئا قد يكون بسيطا جدا مثل حلية ذهبية تدخرها لأيام أقل تألقا
أو قد يكون الشيئ حياة ثانية كاملة لا يعرف عنها أقرب المقربون منها لمحة ما
فأيهن كنت يا كاميليا
أولا هناك هذه الرحلة الغامضة إلى إيطاليا
و ثانيا ذلك الرجل المجهول الذي اتصل به
ترى أية علاقة من الممكن أن تجمع كاميليا برجل مغترب، ما الذي كانت تنوي فعله في هذه الرحلة و الأهم مع من كانت ستقضيها؟
ازدادت حرقة اللهيب الذي يشعر به
أعوذ بالله ، رددها عدة مرات كي يهرب من مختلف الوساوس التي بدأت تمر بذهنه
سامحك الله يا كاميليا ، سامحك الله قالها و هو يرن جرسا في مكتبه
كثيرا ما كانت تكتب مذكراتها الخاصة
هل كانت تحتفظ بكراس مذكراتها قبل الزواج ؟ لا يكاد يذكر
و لكنه يتذكر بوضوح أن معظم شجاراتهما القليلة كانت بسبب تلك المذكرات
فكلما كان يدخل عليها و هي تكتب كانت تغلق الدفتر من فورها أو تغطي الصفحة بيدها و هي تقول :
- كلا ، أرجوك ، لا تنظر
- ألن تدعيني أقرأها أبدا؟
- ربما بعد أن أموت
كان يتنهد في كل مرة و يقبلها من جبينها و هو يقول لها بلطف :
- أليس من الأفضل أن تحدثيني بما يختلج داخلك يا حبيبتي ؟
- أنت رجل مشغول يا ماهر ثم إني لست بارعة في الكلام عن الخصوصيات كما تعلم
- و هل يجب أن تكون لديك خصوصيات يا كاميليا ؟
كانت تهز كتفها بنعومة و تجيب :
- لكل منا خصوصياته يا حبيبي
هكذا أجابته عدة مرات و هي تنظر إليه نظراتها الغريبة إلى أن قرر عدم مناقشتها بشأن تلك المذكرات ثانية