كاتب الموضوع :
نغم الغروب
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: آنسة الشاي الأبيض
حينها كان واثقا تماما أنهما حتى لو استمرا معا فيما بعد فسيستمران كشبحين لما كانا عليه من قبل و ستكون الحياة بينهما في المستقبل مجرد ظل بارد للدفء اللذيذ الذي عاشاه معا في الماضي.
حينها كان واثقا من ذلك لذلك عندما بدأت كاميليا في التحدث إليه تعمد عدم النظر إليها ، تعمد أن يتشاغل بتفحص بريده الوارد بينما يستمع إليها في صمت.
- ماهر أنا أريد أن أعتذر منك عن تقصيري في حقك ، عن كل أخطائي ، عن تصرفاتي ال..الغير مناسبة معك.
لم يجبها بحرف واحد ، فقط واصل الاستماع في صمت بدا ثقيلا عليه و عليها فما أتعس أن تصبح كالغريب مع شخص كان أقرب إليك من نفسك.
- هل تعتقد أني ضعيفة الإيمان يا ماهر؟ هكذا كان سؤالها ، غير متوقع على الإطلاق مثل كثير من تصرفاتها.
وجد نفسه يجيبها ببرود :
- لست قادرا على معرفة ذلك يا كاميليا فلا أستطيع معرفة ما يخفيه قلبك.
- و لكنك الأدرى بي ، أنت تعرفني ، أنت تعيش معي!
أعيش مع ظلك ، مع واجهتك مع القناع الذي ترتدينه كل يوم لكن لا أعيش معك كلا لا أفعل.
كان ليصرخ بكل ذلك في وجهها لكن شحوبها و تعبها البادي على جسدها منعه ، لذلك وجد نفسه يجيبها في هدوء :
- أنا شخصيا أرى أن إيمانك ليس ضعيفا ، لم أرك تشتكين أو تعترضين ، يبدو لي أنك تتقبلين ما تعرضت له برضا كامل و تام.
- لكني لا أتقبل يا ماهر ليس حقا ، أتظاهر بذلك لكني لا أستطيع ، لا أستطيع
- لا تستطيعين ليس لأن إيمانك ضعيف بل لأنك أنت نفسك ضعيفة يا كاميليا.
لا يدري كيف استطاع أن يقول لها ذلك و بكل تلك القسوة ، بكل ذلك البرود لكنه قاله و لم يندم عليه في تلك اللحظة ، لم يندم حتى و هو يرى الألم في عينيها و حتى حين قالت بصوت مرتجف هامس :
- أريد ، أتمنى أن أكون أقوى لكني لا أعرف كيف.
و بنفس القسوة واصل يقول :
- الذي يريد أن يصبح أقوى يتمسك بالآخرين ، يشاركهم ما يشعر به ، لا ينعزل عنهم و يخفي كل شيء بداخله ، من يفعل هذا يحترق ، يذوب و هذا ما تفعلينه يا كاميليا بنفسك مع أنك لديك الكثير ممن يهتمون بك و يتوقون لمساعدتك : عمتك ، صديقاتك ، قريباتك و غيرهم و غيرهم.
- و أنت أيضا يا ماهر ؟
يذكر تماما كيف قالتها له بكثير من الحزن و قليل جدا من الأمل
يذكر كيف رفع عينيه إليها في تلك اللحظة ، كانت مازالت قريبة من الباب كأنها على وشك الخروج للأبد ، يذكر كيف لاحظ تلك الدموع العالقة برموشها الطويلة و كيف أثر فيه منظر انحناء رأسها و كل ذلك الانكسار ، كل ذلك الانكسار ،
أثر فيه لدرجة أنه لم يشعر كيف قام من مجلسه ، كيف وصل في لحظات إليها ، كيف استطاع أن يضمها بتلك الطريقة إلى صدره و هو يقول بصوت مختنق :
- حتى أنا يا كاميليا ، خاصة أنا يا حبيبتي.
و حين نزلت دموعها نسي فجأة كل شيء ، نسي الجفاء ، نسي البعد و شعر حينها أن عقله عاد إليه و إلا كيف استطاع أن يتخيل أنه بإمكانه أن ينساها ، أنه بإمكانه أن يكون مع امرأة أخرى غيرها.
و الآن و هو يتذكر ذلك الموقف لا يستطيع إلا أن يتساءل ترى ما الذي دفع كاميليا أن تختار ذلك الوقت بالذات لتدخل عليه و تحاول و تنجح في أن تسترجعه كزوج و كعاشق.
هل يعقل أن تكون عرفت عن رحاب؟!
لم يعلم بذلك أبدا
أكثر من مرة أراد بشدة أن يصارحها بالأمر ، أن لا يدع أي بذرة شك تنمو و تترعرع داخل قلبها و أحاسيسها ، أكثر من مرة أراد أن يتكلم و لكن في كل مرة كان يستجد شيء ما ثم تأخذه الحياة و تأخذها.
و النتيجة أنه لا هو و لاهي تكلما أبدا في هذا الموضوع.
فهل يعقل أن يكون عقلها صور لها أشياء لم تحصل ،
هل يعقل أن تكون تصورت أنه خانها و العياذ بالله مع رحاب و أنها أرادت بعد هذا العمر أن تكون لها مغامرتها الصغيرة ربما انتقاما منه.
لكن كاميليا كانت تخاف الله ، لا يعقل أن تفعل ذلك به ، لا يعقل أن تفعل ذلك بنفسها.
لكن ألا تقول الدراسات أن الرجال و النساء على حد سواء يجنون في هذا العمر تقريبا؟ أنهم يصبحون تواقين ليعيشوا مراهقة ثانية و أخيرة قبل أن يأفل نجم شبابهم إلى الأبد ؟
خاصة أن كاميليا لم تتح لها الفرصة في عيش مراهقة عادية؟
هل يعقل ، هل يعقل ، هل يعقل؟
في يوم كهذا اليوم يبدو له أن كل شيء يعقل و لا يعقل في الوقت ذاته.
في يوم كهذا اليوم يبدو له أن الجنون و التعقل وجهان لعملة واحدة.
|