كاتب الموضوع :
ام حمدة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
أمام ناظريه، فابتعد عنها كما الملسوع، ونبض خافقه بشدة كادت أن تودي به للمشفى، وطالعها باستغراب!!.. لما يشعر معها بهذا الكم من المشاعر؟؟.. هو رجل ناضج وهي طفلة صغيرة!!.. كيف استطاعت أن تسلبه تحكمه وسيطرته على نفسه؟؟.. لقد قابل الكثير من النساء، أشكال وألوان، لكنهن أبدا لم يحركن به أي من مشاعره لكن هي.. هي لما هي؟؟..
تراجع للخلف والتفت تاركا إياها ورحل، دون أن يهتم بحالها، فتلك الفتاة تهدد حياته، وعليه بالفعل أن يتخلص منها وعلى الفور!!..
لكن حاليا عليه أن يبتعد عنها لمسافة بعيدة، قبل أن يقع بشركها.
************************
بعد أداء صلاة العصر بالمسجد جلس جميع أفراد عائلة الكتبي بحديقة المنزل، فالجو جميل ورائع، فالشتاء على الأبواب، والهواء لطيف ومنعش، الكل منخرط بالأحاديث والضحكات، هذا يلقي نكتة ما ليقهقه الجميع، والآخر يتذكر موقف مضحك مر عليه هو وأصدقائه، والآخر يقاطعه كي يتحدث، والأطفال يتراكضون هنا وهناك فرحين بهذا اليوم الجميل وبلمة العائلة، فقلما يجتمعون هكذا، فأمور الحياة ومشاغلها هي من يكون لها النصيب الأكبر من الوقت.
ومن يستطيع أن يعترض لأوامر الجدة، فعندما تأمر فالكل يجيب، وهي طلبت اجتماع عائلتها كي تطمئن على أحوالها، ويبدوا أن أمورهم على ما يرام ما عدى شخص واحد يجلس معهم بجسده، وعقله وفكره بمكان آخر.
تأملت ملامحه.. كان مهموم الملامح، وضايق النفس، ومتعب ومرهق، شيء ما يؤرقه ويقضي مضجعه؟؟.. وشيآن فقط ما يتعب الرجل... هما المال.. والمرأة.
عليها إذا أن تقطع الشك باليقين وبدأت:
- شخبارك يا وليدي حمدان؟؟.. عسى أمورك طيبة؟؟.
ضربة من كوع رفيق صغره وابن عمه جعله يتطلع إليه باستفهام ثم ما لبث أن فهم من اشارته أن هناك من يحادثه، فالتفت للأمام ليرى الأنظار كلها موجه إليه، تنحنح وسعل يجلي حنجرته، فعادت الجدة تسأله وعيونها خلف برقعها تنظر إليه بقوة تحاول أن تستشفي ما وراء شروده.
- وشفيك يا وليدي؟؟.. عسى ما شر!!.. شغلك وتجارتك ما بهم شي؟؟
- لا يا يمه كلش بخير والحمد الله، وأموري طيبة وعال العال.
ضربت بعصاها على الأرض كمن بلغ هدفه وقالت:
- إن شاء الله دوم تكون بخير، بس أجوفك هذيلا اليومين ولا بد، عسى مب تاعبنك شي؟؟
ليجيب أحد أبناء عمومته ضاحكا ومشاكسا ابن عمه:
- لا يكون يا ولد العم تحب لك وحدة وعشقاننها؟؟.. ترى حاضرين والرقبة سدادة.
ضحك الجميع على النكتة بأن حمدان يحب امرأة والكل يعلم بمدى كرهه لهن، ولم ينتبهوا للنظرات التي ارتبكت ولا للنظرة الثاقبة التي التقطت تلك الثانية لتختفي فجأة كأنها لم تحدث، فأجابهم ببرود اعتادوه منه دائما:
- لا يا روميو زمانك، تركنا الحب لك ولغيرك، ما لي بهذي الخرابيط، كله كلام فاضي وكذب، يا روميو هذا الزمان زمن الفلوس مب الحب.
سكت قليلا وعيونه تجمدت وتحولت للصقيع، وانزوت ابتسامة شامتة على طرف شفته وتابع:
- بالفلوس أقدر أشتري عشر حريم مب وحدة، وكل وحدة راح تقولي أشعار وغزل وما أدري شو، يعني الفلوس هي يلي تفوز مب الحب.
سكت الجميع ولم يستطيعوا النطق بحرف واحد، يعلمون أن ما يقوله هو نابع من حرقة قلبه، نابعة من كرامته المجروحة، يعلمون بأنه لن يعترف بمكنونات قلبه، فهو رجل وعلى الرجل أن يكتم ما بداخله حتى لو كان سيؤدي بأنفاسه.
- صح كلامك يا ولدي حمدان، بالفلوس تقدر تسوي فيها كل شي، وأي شي صعب تشوفه بسرعة يستوي لكن الفلوس ما تشتري الناس الأصيلة، والنفوس الطيبة، انت تقول أن بالفلوس تقدر تيب فيها عشر حريم وأنا أقول تروم تيب مية حرمة مب عشر، لكن ولا وحدة تسواك يا وليدي، كلهم كلام فاضي وما تعمر بيت، دام جيبك مليان هي بتصب الكلام الحلو فوق راسك لكن لو جيبك فضا كل يلي بتحصله وراها هو صفق الباب.
حقيقة والكل هز الرؤوس عليها، واحتقنت الدماء بالأوردة، وصفعة الحقيقة قد عادت تضربه وتخبره بصحة أقوالها، وتابعت الجدة تزيد على الجرح ملح.
- ويوم انك تختار ذيج البنت الغاوية العاقلة، بنت الأصول، جمالها بأخلاقها وبياضها بدينها، هي يلي تفتح بيت، وتعمر معاك لين الله ياخذ أمانته، وتحفظ دارك وشرفك وعيالك، المهم هو انك تختار صح، ويلي الله كاتبنه بصير غصب عن الكل، المهم انك ما تقطع رزق رب العالمين، هو أدرى بالحال، ويوم يقول كن فيكون، لا انت ولا غيرك يقدر يمنعه.
أشاح بوجهه عنها ولم ينطق بحرف واحد، وناظرته الجدة وأكملت حديثها:
- ها يا وليدي شو قلت؟؟
- عن شو يا يمه؟؟
- الزواج!!
أجابها بهمس بارد كما الصقيع:
- عافه الخاطر يا يمه
- هو ستر لك ولعيالك.
- ما لي بعوار الراس والزن والحن.
وهنا تذكرها، لقد تركها دون أن يعرف هل هي بخير أم ما تزال مريضة؟؟.. لقد تركها غائبة الوعي، يا ترى هل استردت وعيها أم لا؟؟.. وعاد يتذكر تلك المشاعر الصاعقة والمخيفة التي اجتاحته كما الطوفان الجارف، لهذا عليه أن ينتهي من هذا الموضوع بسرعة قبل أن يرتد عليه، ويكتشف أمره، فهو لا يريد الاستمرار بهذا الزواج الذي لا طائل منه، وما أراده منه قد ناله وانتهى الأمر، حزم أمره سيذهب الليلة ويعيدها لعائلتها، وينهيها من حياته للأبد.
ولم يشعر بالعيون الثاقبة التي تقرأ ملامحه، وكما خمنت بالضبط، فلم يشب شعرها من لا شيء، فقد عاصرت الحياة واختبرت عالمها، وحاكت الناس إلى أن صارت خبيرة بقراءة العيون، ومهما كان ماهرا بإخفائهما فهي قادرة على فك طلاسمها، وسر ابنها هو امرأة وستعرفها بالتأكيد!!
مرت بعدها الساعات سريعة على بعضهم وعند أحدهم بطيئة جدا، فقد اتخذ قراره وسينفذه اليوم ولن يغير رأيه مهما حصل.
وبدأ ستار الليل يحل على الجميع، وبدأ النوم يداعب عيون الصغار، فقد أنهكهم اللعب والركض بكل مكان، وحان وقت راحتهم ونومهم، فقرر الجميع العودة للداخل، وانهاء الأمسية الرائعة، على أمل تكرارها مرة أخرى.
أخذ ولديه لغرفهم ثم ذهب لغرفته استحما وارتدى ملابسه وتعطر، وناظر لنفسه بالمرآة لقد خط الشيب رأسه، ولو يعلمون عمر من تزوجها لناظروه بتعجب!!.. المفترض أن تكون تقارب عمر أحد أولاده لو كان قد تزوجا مبكرا.
عاد يناظر ملامحه ثم غادر متجها إليها، لإنهاء أعماله الغير منتهية، فهو أبدا لا يترك عمل غير منتهي، وتلك الصغيرة كان من الخطأ أن ينجرف خلف تحديها له، لا يعلم لما بالأصل أراد معاقبتها؟؟.. كان من الممكن أن يعاقبها بطرق أخرى، فليما الزواج ؟؟
******************************
استيقظت بعد نوم مريح، وهانئ خال من الكوابيس، وظلت على فراشها متنعمه بدفئة ونعومته، لم تتح لها الفرصة من قبل للتمتع بفراش جديد ونظيف، فمنذ أن دخلت زوجة أبيها منزلهم انقلب رأسا على عقب، فقراء بمنزلهم يشحتون الحياة بكنف والدهم.
تمغطت ومددت أطرافها المتراخية، ورفرفت برموشها ثم اعتدلت بجلستها وتحركت باتجاه الحمام، خلعت ملابسها، ثم دخلت تحت رشاش الماء وأدارت المياه، وكم كانت منعشة ومريحة للأعصاب، وسهلة الاستخدام، فلطالما كان استحمامها متعبا وشاقا، فلم تكن لها الرفاهية بوجود كل تلك التقنيات الحديثة، فكل ما كان لها هو حمام عادي وقديم، يوجد فيه مغسلة قديمة قد طار لونها، وصنبور من الماء وضعت تحته دلوا وبداخل الدلو مغرفة تغرفها لتسكب الماء على جسدها.
أما هنا فكانت الجنة كما تقول، وغرفتها كأنها بفندق خمس نجوم.
ظلت تحت رذاذ الماء الدافئ لفترة طويلة ثم خرجت وتلحفت بمنشفة، ولمعت بشرتها بقطرات الماء، وجسدها فاحت منه رائحة الصابون بنكهة اللفندر.
ابتسامة منعشة توسدت ثغرها، وملامحها مسترخية كأن لا هموم ترزح على أكتافها، وقفت بوسط غرفتها بحيرة، وفركت خصلات رأسها بغباء ليس لديها ملابس، ومن المستحيل أن تظل هكذا عارية، كما أنها لا تقدر على ارتداء ملابسها الأخرى فهي وسخة ورائحتها سيئة.
احتارت ما ستفعله وخرجت تقودها قدماها إلى أن دخلت غرفته، ترددت للحظات ثم استجمعت قوتها وهمست لنفسها بأنه لن يعود اليوم، فقد كفاه طعامها المحروق، وملابسه المحروقة، ضحكت وهنأت نفسها بهذا الانتصار، وتوقفت لثوان تسأل نفسها.. متى خرج من البيت؟؟.. فهي لا تتذكر متى غادر ؟؟.
هزت كتفيها بلا مبالاة لا يهمها أمره، المهم هو متى ستتخلص منه وتعود لمنزلها ولشقيقها، لقد اشتاقت إليه كثيرا!!.. كم تمنت أن تراه الآن!!.. وتمنت لو يعود الزمن للوراء لكانت رفضت هذه الزيجة التي لا طائل منها سوى أن زادت من أتراحها، عادت تتذكر شقيقها لا تعرف ما هي أخباره؟؟... وهل تهتم شقيقتها به أم لا؟؟
فتحت دولاب ملابسه والتقطت قميص أسود اللون وارتدته ليصل لتحت ركبتيها، وتدلت أكمامه لتلوح بها كما المجنونة، ضحكت وسخرت من نفسها فما كان منها سوى أن رفعتها بطريقة مرتبة لتصل لكوعها مظهرة ذراعها القشديه ثم خرجت تمشي حافية إلى المطبخ، دارت حولها تفكر بما تريد أكله.
- اسبقيتي
صرخت بالكلمة، وبادرت بطهوها، أعدت الصلصة الحمراء، وطهت عيدان الإسبقيتي ثم خلطت الخليط مع بعضهم ثم وضعت معه شرائح من الدجاج المقلي ونسقتها بشكل جميل، وصنعت لنفسها كأسا من عصير المانجو المخلوط بعصير الموز والشمام، وجلست على مائدة الطعام المعدة والمرتبة بشكل مبهر يسلب الألباب كأنك بأحد المطاعم الرقية.
فركت يدها بشهية، ولعقت شفتيها بتلذذ، واستنشقت رائحتها الطيبة، وسمت بالرحمن وأمسكت بشوكتها وغرستها بالصحن ملتقطة كمية لفتها حول الشوكة ثم رفعتها ناحية فمها ولم تشعر بالعيون الحارقة والمحدقة بها من شعرها الأسود الطويل والمسترسل خلف ظهرها، ولوجهها المنير والمبتسم... أبدا لم يرها سعيدة هكذا، دائما ما تكون أمامه مبتئسة أو فاقدة الوعي، وغاضبة منه على الدوام، وجسدها الأبيض مختفي خلف أحد قمصانه المفضلة، وأمامها صحن من الطعام الذي يفتح الشهية ويؤكل.
اقترب منها كما الصياد الماهر إلى أن وقف بجانبها تماما لتقف الشوكة أيضا بمنتصف طريقها ناحية فمها المفتوح، لينحني ويمسك برسغها ويحرك الشوكة المليئة بالاسبقيتي ناحية فمه، مضغ الطعام بفمه متلذذا بطعمه الرائع، ومستمتعا بمذاقه الشهي.
لم تستطع الحركة، لم تقدر على التنفس، هو هنا، وهي هكذا وتأكل طعام هي أعدته بنفسها، وهي أخبرته بأنها لا تجيد صنع شيء، ولم تدخل المطبخ قط، كما قال هو مدللة وفاسدة.
رفعت رأسها للأعلى وشاهدت عملاقا يجثم عليها وحدقت بعينيه الشبيه بعيون الصقر دون أن تقدر على فك أسرها، وسرحت بوسامته الطاغية وهو قابل نظراتها بالمثل وبعد صمت دار لفترة قصيرة تحدث:
- يعني كنت تجذبين!!
هزت رأسها نافية لتتحرك خصلاتها الفاحمة ومازالت الصدمة تشلها من رؤيته أمامها وقد اكتشف خدعتها.
- أنت وحدة جذابة وأنا خلاص وصل حدي منج!!
طحن أسنانه بغضب وحنق وهو يحاول كبت نفسه من عدم ضربها أو معاقبتها فقاطعته صائحة وقد طفح بها الكيل منه:
- أنت يلي قلت إني ما عرف أي شي، وأخلي الكل يخدمني، أنا سويت مثل ما قلت أنت علشان ما أكسر كلمتك
تبادلوا النظرات بتحدي، والشرر يتقاطر من عيونهم، ومعركة توشك على الاندلاع، "ويا قاتل يا مقتول"
فتح فمه ينوي صب جام غضبه عليها ورنين جرس الباب المزعج قاطعه، ليلتفت ناويا أن يذيق هذا المزعج الأمرين، فقد كان ينوي تأديبها قبل أن يعيدها لعائلتها لتعرف مكانتها ومنزلتها، وأنها يجب أن لا تتحداه أبدا.
فتح الباب وفتح فمه صارخا....
- يا حيو....... يومه!!
|