كاتب الموضوع :
ام حمدة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
الفصل الثالث
الدنيا قاتمة، وأبوابها تغلق أمام ناظريها، إلى أين الفرار؟؟.. وإلى أين السبيل للنجاة من الغرق في بحر عاصف وثائر يحاول ابتلاعها بدوامته الضخمة، يحاول سحبها لأعماقه فتتشبث وتتمسك بخشبة للنجاة من غضبه الكاسح الذي سقط عليها كالصاعقة بليلة ظلماء حالكة السواد؟؟
تسبح وتسبح وعندما توشك على الوصول لليابسة تكتشف بأنها ما تزال تدور بدوامة الاعصار، وأن ما كانت تتشبث به ما كان سوى سراب وأوهام!!... لفضها في اللحظة الأخيرة لتجذبها تلك البؤرة المظلمة جارة إياها لأعماق المحيط.
نهضت بانكسار.. لا سند يحميها، ولا جدار تتكئ عليه.
ووقفت مهزوزة كما الورقة اليابسة في فصل خريفي، جفت أغصانه وفروعه فارتأت التخلص من أحمالها الثقيلة، فبزقتها من تحت ظلالها وتركتها تهتز وترتجف من برودة الجو، ومن الوحدة والهجران، وتركتها تعاصر العالم لوحدها، تهترئ وتداس تحت الأقدام مذلوله ومهانة!!
سارت بخطى وئيدة مترنحة، غير قادرة على صلب جسدها الواهن من طعون الزمن، الذي ما انفك يطعنها.. الطعنة تلوى الأخرى...
كم أنت غدار يا زمن!!...
أوهمتني بالسعادة!!...
لأراها أشباه ظلال في رمضاء الصحراء القاحلة.
أبدعت بخداعك، فهنيئا لك روحي عطية.
فقد ملت الجراح، واكتفت من معاندة العالم لها .
فخذها... فلم تعد تحتمل المزيد.
خطت خطوات العجوز، واتكأت بضعف الكهل، تطلعت لما حولها بعيون غشيتها أهوال لا تعرف كيف السبيل للخلاص منها؟؟
اختارت أحد البيبان وفتحته وكان ما أرادته، أغلقته خلفها كما أغلق العالم أبوابه أمام عينيها، ووقفت تتطلع لنفسها بالمرآة وهمست...
يا ترى من تلك التي تطالعني؟؟.. هل هذه أنت يا عنود؟؟.. لا.. لست أنت!!.. فمن أراها عجوز رزحت فوق أكتافها الجبال، وهدت قوتها واجتثتها من أعماقها لتتركها هكذا عارية من صلابتها ومن جبروتها!!
دمعة... تحدثت عن ظلم وقع عليها، دمعة أخرى... تتحدث عن ضعف شعرت به ينخر عظامها، ودموع أخرى.. تشكي مرارة الأيام.
بكت بكاء حارا يفطر نياط القلوب الحية، وخرت متعبة منهكة تفترش أرضية الحمام الباردة، تذرف دموعها الغالية والتي قلما تخرجها، فقط عندما تعرف بأنها غير قادرة على النجاة من هذا الأمر!!.
كلمات وحروف اجتاحت عقلها المتعب، تقتلها، تقتات من بقايا روحها،
تذكرت كلماته الجارحة، التي قالها قبل رحيله، فسافرت للخلف قبل عدة سويعات.......
انخفض لمستواها وسحب ذراعها بقوة، وحادثها ببرود مغلف بوعيد:
- ألحين حنا تعادلنا، ورديت لج الكف كفين مثل ما وعدتج!!
ناظرها باشمئزاز ثم استطرد مكملا تحقيره:
- على بالج إنج تزوجتي علشان تدخلين دنيا؟؟.. وتاخذين راحتج وتسوين كل شي على كيفج؟؟.. لا يا ماما!!.. انت غلطانه!!.. اعرفي قدر نفسج!!.. أنا ما يشرفني آخذ وحدة مثلج، انت وحدة واطية، وبنت فقر، وأنا مستحيل أنزل مستواي لوحدة مثلج حقيرة وما تسوين نعالي!!.
دفع ذراعها من كفه وسحب منديلا من العلبة التي بجانبه ومسحها لتشهق غير قادرة على التصديق ما فعله، ابتسم بتشفي لرؤيتها مذهولة من مدى تحقيره لها، فأكملها برمي المنديل بصندوق القمامة وقال:
- جفتي كيف رميت الكلينكس؟؟.. أنت مثله.. ما تسوين عندي أي شي!!.. تزوجتج بس علشان أراويج مين تتحدين يا بنت.....
توقف عند هذه الكلمة ثم تابع يناظرها من عليائه على كامل جسدها المنبطح على الأرض واستطرد يبثها تجريحه:
- هذا إذا كنت بنت أصلا؟؟... يلي مثلج يبيع كل شي علشان الفلوس، حتى....
وترك كلمته معلقة كما تعلقت روحها بين السماء والأرض، وتحرك من أمامها متجها ناحية كرسي وسحبه مديرا إياه ليكون بمواجهتها، وجلس عليه ووضع ساق على الأخرى لتقابلها نعاله التي تنطق بماركتها الغالية الثمن، وقال:
- أبوج باعج لي وقال لي خذها وسوي فيها ما بدالك.
شهقت ورفضت ما يقوله وهمست بها دون أن تشعر:
- مستحيل!!
انزوت ابتسامة على جانب شفتيه وأكمل:
- بلى.. هو قاللي أنه عجز عن مشاكلج، ورماج علي وقالي أربيج من أول ويديد.
ناظرها بافتتان... بشعرها الأسود الطويل المسترسل بنعومة على كتفها ووجهها وانفرد على الرخام بنعومة، ثم حطت عيناه لخدها المتورم من أثر صفعاته، فقد طبعت أصابعه على وجنتها مخلفه علامات زرقاء ظهرت بسرعة بسبب بياض بشرتها، ثم هبطت مقلتيه على باقي جسدها وتوقفت عند صدرها، فقد انفكت أزراره مظهرة صدرها الناهد...
كانت تتابع ملامح وجهه وعيناه التي كانت ترميها بإشعاعات قاتلة، ثم توقفت عند شيء ما جذب انتباهها، فتابعت إلى أين ينظر؟؟.. لتراه يتأمل صدرها الظاهر من خلف قميصها الذي انكشف اثر شده لها، فسارعت تخفيه عن عينيه المتلصصة، تحمي عفتها وطهارتها، عن رجل غريب اقتحم عالمها دون استئذان... فضحك باستهزاء لحركتها تلك وقال:
- الله يخليج!!.. هذي الحركات مفهومة!!... شو ما حاولتي تغريني بجسمج هذا ما راح أناظرج، لأن بكل بساطة.....
سكت قليلا ثم رمى بقنبلته التي تركتها جاحظة العينين، متخشبة الجسد.
- لأني ما أحب المستهلك، والمنتهي تاريخه!!
وفز من جلسته وقد تحولت عيناه للجمود والبرودة، وعاد يرميها بسيل كلماته اللاذعة:
- انت هنا بس بمزاجي، علشان قلتلج من قبل لا تتحديني وأنت ما سمعتين الكلام، وهذي هي النتيجة!!.. انت راح تظلين هنا لين أنتقم منج وأكسر هذا الخشم يلي رافعتنه، على شو ما أدري؟؟.. وبعدين أرمي ورقتج وترجعين للزبالة يلي كنت تعيشين فيها.
والتفت مغادرا بعد أن رماها بنظراته المستحقرة ولم يهتم للرصاصات القاتلة التي أرداهم فيها، بل تركها هناك وحدها تلفظ أنفاسها الأخيرة.
**************
عادت لواقعها، بل عادت لحياة تتلاطم بها بكل اتجاه، ولا تعلم إلى أي جهة ستركنها بالآخر؟؟.
برودة أثلجت أوردتها، وآلام استعرت بجسدها المنهك، ودموع ما تزال تهطل دون توقف كأنها لم تصدق فتح مجرى خروجها، وبياض تشرب حمرة الوجع والحرمان!!
رفعت جسدها الواهن ليعود ساقطا لمكانه من شدة ثقل رأسها الذي يطن من شدة ألم الصداع الذي يفتك به.
حاولت مرة أخرى النهوض، وهذه المرة استطاعت أن تجبر جسمها أن لا يخذلها.
استندت على حافة المغسلة ثم فتحت الماء وسكبته على وجهها عدة مرات، لم تلتفت لشكلها بالمرآة، فهي لا تريد رؤية قرينتها الضعيفة!!.. لهذا آثرت عدم رؤيتها.
تحركت بثقل خارجة من الحمام تتكئ على الجدار الصلب، ودخلت الغرفة القريبة منها فساقيها غير قادرة على حملها، فالوهن تملك منها، وعندما شاهدت السرير اتجهت ناحيته رامية بجسدها عليه وتكومت على نفسها كما الجنين، ساحبة غطاء السرير متلحفة به لكن كيف السبيل لستر قد سرق منها؟؟.. واتهامات انسكبت عليها تحرقها وتعصرها؟؟... هي الطاهرة العفيفة يقال عنها بأنها مستهلكة؟؟!.. لما؟؟.. ماذا قيل له ليقول هو هذا؟؟
أسدلت رموشها بإرهاق، وتعب استبد بأطرافها، فتعود وتفتحها من جديد عندما يعود زائرها بعيونه التي تتقاطر حقدا وكرها وراغبا بالانتقام!!
لكن ظمأ الراحة يطالبها بإغلاقها، يجبرها على مواجهته حتى بأحلامها، فقد واجهته من قبل فما الذي اختلف الآن؟؟
فتعود وتخبر نفسها بأنه قد اختلف الوضع، فهو أصبح زوجها، وهو حر بما يفعله بها، بعكس الماضي الذي لم يستطع به أن يأخذ بحقه كما قال لأنه لا يملك أي سلطة عليها لكن الآن.. هو قادر على كل شيء!!
عادت للحظة لقائها به .......
كانت بأحد الأيام التي تذهب بها لشراء مستلزمات المنزل من مواد غذائية، فزوجة أبيها ليس لديها الوقت الضائع لتذهب وتؤدي هذه المهمة،
فذهبت تجر عربتها المملوءة إلى أن شعرت بجسد رجل يلتصق بها من الخلف، ويمسكها بإحكام، تجمدت لثوان ثم عاد احساسها إليها لتعلم بأن من يمسكها رجل غريب، وينتهك حرمة جسدها بإمساكه بمفاتنها، شهقت بصوت عالي، وزاغ بصرها من هذا الوضع المشين، وبردة فعل سريعة أفلتت نفسها من قبضته بسرعة قياسيه والتفتت إليه تواجهه ودون أي تمهل رفعت كفها لتطبع أصابعها على وجنته.
حل السكون بالمكان، واختفى رواد السوبرماركت من حولهم، كأنهم هم الوحيدين على هذه الأرض، هو يناظرها بصدمة من فعلتها الرعناء وهي متجمدة من قيامها بصفع رجل لكنها عادت تحث نفسها بأنه يستحق ، فهدرت به زاعقة:
- يا حيوان!!... يا قليل الأدب!!... يا عديم الرجولة!!.. كيف تتجرأ وتلمسني يا قليل النخوة؟؟.
شاهدت تبدله وتحوله من التيبس لنار مشتعلة تعلم بأنها ستحرقها لا محال!!...لكن كبريائها وعنادها وقفوا لها بالمرصاد، وأنه غير قادر على فعل أي شيء يضرها فهو المخطئ بفعلته تلك.
- كيف تتجرئين وتمدين ايدج علي؟؟
انفجرت بوجهه كبركان ثائر رادة على هديره:
- انت كيف تتجرأ وتمد ايدك علي؟؟.. هذي هي التربية يلي ربوك عليه أهلك؟؟.. ما أقول غير يا حسافة الشوارب يلي على ويهك!!
حمم تلظت بداخله تشويه وتلتهمه بسبب تقريحها لعدم تربيته الجيدة، فاستشاط نارا ونفثها عليها:
- جب... أقولج جب ولا كلمة!!.. أنا ريال وغصب عنج وعن يلي خلفوج!!.. وأنا ما كنت .....
قاطعه قدوم رجال الأمن في السوبرماركت مستفسرين عما يحدث؟؟..
ليتحدث هو بعد أن وشوش له رجل ما كان بجانبه عن شيء ما ليهدئ قليلا.
- ما صار أي شي، بس هو سوء تفاهم بيني وبين الاخت.
صرخت ترفض تهربه من مسؤولية فعلته:
- لا... هذا الريال تعرض علي!!.
جز على أسنانه يحاول كبت أعصابه المفلوتة مسبقا، وقال:
- يا بنت الحلال، ما صار شي، انت فاهمة الموضوع غلط!!
لم تهتم لحديثه بل تابعت هجومها الضاري عليه:
- أبدا ما راح أتنازل عن حقي!!... وهذا الريال تعدى علي والكل شاهد على كذا.
هز الحضور رؤوسهم بالموافقة ليمسك الحارس بيد الرجل يقتاده لمركز الشرطة للتحقيق، فتحدث بصلابة ونفوذ شع من ملامحه ناهرا الشرطي بما سيفعله.
- اترك ايدي يا الغبي!!.. انت تعرف مين أنا؟؟.. راح أوديك ورى الشمس!!.
ثم التفت إليها وقد قدت عيناه من صنوان الحجر القاسي قائلا:
- وانت مين تعتقدين نفسج علشان تعلين صوتج وتطلبين منه انه ياخذني للشرطة؟؟
أشارت بيدها ناحيته وحادثته بتهكم:
- و انت مين تعتقد نفسك؟؟.. الشيخ مثلا!!.. حقي وباخذه منك في مركز الشرطة، وما راح أتنازل أبدا.
|