كاتب الموضوع :
ام حمدة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
الفصل السابع والعشرون........
ما هو العشق؟؟.
أهو من يتراقص القلب طربا للقيا الحبيب؟؟.
أهو أحاسيس جياشة تطيح بك لتجعلك بعالم آخر؟؟.
أغبي أنا أم أن الغباء تبرأ من غباوتي؟؟.
ما لي ومال الحب ليحتل خافقي؟؟.. فالحب هو الغدر!!.
أم أنه ابتسامة مشرقة تنير ظلمة حياتي؟؟.
أو هو همسة من حبيب تزعزع كياني؟؟.
ولربما هو نظرات تسلب نبضات قلبك؟؟.
احترت بوصفه ومالي بالشعر والغزل!!.
تهت وما عدت أعرف طريقي.
فنوري قد غاب عن دنياي، وعاد البرد يتلبسني.
أهذا هو الحب؟؟... أن ما أشعره من عذاب لبعدها هو الحب؟؟.
أيا صغيرة.. متى احتللتي قلبي وتربعتي بين جدران أظلاعي ؟؟
وصرتي تجري بمجر الدم بالوريد.
أحبك، بل أنا عاشق متيم بك، وما عدت دونك أبغي الحياة.
فترفقي برجل يخطوا أولى خطواته بدروب الحب .
( حمدان )
****************************
صباح جديد ويوم مفعم بالأمل بأن القادم سيغدوا أفضل، وأن الحياة ستعود لتفتح له أبواب السعادة من جديد، وأن الله سيكون معه.
استيقظ على آذان الفجر وظل على فراشه ينظر لسقف الغرفة وهو يردد خلفه وبعد الانتهاء دعا بنية خالصة أن يصلح حاله وحال أهل بيته، لحظات هي حتى شعر بيد تحط على صدره وجسد يندس ناحية جسده وتطلع إليه بعيون حنونة محبة ليرى صغيرته تنام ملئ جفونها وابتسامة تزين ثغرها الصغير بقربها من والدها، وتذكر كم كانت سعادتها كبيرة عندما علمت بأنه سيجاورهم بالفراش لتتقافز فرحة مبتهجة ثم خمدت فجأة وتساءلت:
- وليش ما راح تنام مع ماما عنود؟؟
لم يعرف ما يقول وماذا يجيب، هل يخبرها بأنها لفظته من حياتها وأنها تأبى مسامحته!!.. فأجابها بابتسامة واهية:
- لا ما راح أنام معاها، احنا يايين هنا بشكل مؤقت وبعدين بنرجع البيت العود، يعني اعتبري نفسج بمخيم صيفي واني كله بنام معاكم وبقعد معاكم، ولما نرجع البيت العود كل واحد يرجع وينام بغرفته، تمام؟؟.
وصغر سنها وسرورها الكبير بأنها ستنام بالقرب من والدها لم يجعلها تفقه للحزن القائم بمقلتيه ما عدى صغيره الذي ظل يتأمله حتى انشغلت شقيقته بشيء ما ليقترب منه ويمسك كفه بتآزر.
- لا تزعل يا بابا!!.. ماما عنود بعدها زعلانه، بس شوي شوي ترضى، وانت خلك قوي واصبر عليها، وحاول قد ما تقدر انك تراضيها وما تزعلها .
تأمل صغيره باندهاش من أفعاله وأقواله، كم هو شاكر لله على هذه النعم التي أنعمها إليه، لينخفض ويوازي طول طفله وابتسم له وربت على خده قائلا:
- ما عرف أنا شو سويت بحياتي علشان الله يعطيني ولد مثلك؟؟.. ما شاء الله عليك طلعت أذكى من أبوك.
ابتسم وهز رأسه رافضا.
- لا يا بابا حتى انت ذكي بس لما شي يخص ماما عنود انت ما تتحمل وتصير غير، ما كنت أعرف إن يلي يحب يصير خبلة جذا!!.
وأكمل حديثه دون أن يشعر بالصدمة التي ألحقها بوالده:
- عمي سالم يقول أبوك من عشق عنود وهو صاير مجنون.
وأكمل وهو يقطب حاجبيه وتساءل باندهاش:
- هو يقول انك غبي لأنك ما تعرف إنك تحبها، في حد ما يعرف إنه يحب؟؟
وعاد لواقعه وحديث ابنه يحفر عميقا بداخله ويبحث عن أجوبه، هل هو عاشق متيم بزوجته؟؟.. كيف ومتى حدث هذا؟؟...
لتسرقه ذكرياته معها منذ بداية لقائهم... غضبها، جمالها الساحر الذي سرق النوم من عينيه، عنادها، عقيقها المخضر والبراق، ابتسامتها الخلابة، دلالها، همسها، مشاكستها، ومواقفهما المضحكة والجدية، و صور حميمية، كلها جالت بفكره صورة تلو الأخرى وأنفاسه تستعر ومشاعره تطفح لتعلن عن نفسها، وقلبه يطرق بكل قوته مخبرا إيها بأنه قد عجز عن افهامه بما يحدث معه، لكنه كان غافلا عن كل تلك الاشارات والتنبيهات التي كان يخبره به قلبه، وللأسف علمها بوقت متأخر.
نهض من الفراش بسرعة كمن لدغته عقرب وقام بتغطية ابنته جيدا والتفت يتطلع لطفله النائم قرير العين بالسرير الآخر واتجه بسرعة ناحية الحمام ليسكب على جسده ماء بارد لعله يستيقظ من أوهامه، هو لا يحبها، هو لا يعشقها، هو فقط... هو فقط... هو ماذا؟؟... هو ماذا؟؟... يجب أن يعرف، يجب أن يتكلم وإلا سينفجر من فرط عدم معرفته بما يجول ويصول بداخله، ومن أفضل من شقيقه وصديقه سالم ابن عمه ليخبره بما غفل هو عنه.
ارتدى ملابسه ثم خرج بهدوء قاصدا المطبخ وهناك تجمد بمكانه وهو يرى حوريته قد تجسدت أمامه بلباس نوم قصير يكشف ساقيها القشديتين، ضيق يحدد جسدها، وموضحا رشاقة خصرها ومبرزا نهديها اللذان ازدادا حجما إثر حملها بشكل ملفت للنظر، وشعرها قد كومته بجهة واحدة موضحا وجهها الخالي من مستحظرات التجميل، كانت جميلة، فاتنة، مؤلمة لدرجة صدر منه أنين جعل جسده يستعر وينصهر، وخافقه يعلن عن وجوده، فما كان منه سوى أن اقترب منها دون أن يشعر بساقيه وهي تقوده كأنه قد غيب عن عالمه وصارت هي محورها فقط ولا حياة له دونها.
غاب ورغب، هاج وطاق، اقترب وتنشق، ثار ووزأر، ولمس وانتهى.
احتضنها ومرغ وجهه بشعرها ولتجن جنون عواطفه الصائمة من بعدها وهمس باسمها باشتياق ووله طاق له قلبه وبدنه:
- عنود....
واستنشق عبير شعرها وجسدها وتهجدت أنفاسه وثارت براكين حممه وجالت وصالت ذراعيه على جسدها بطوق ونهم، وأدارها ناحيته ليحيطها بشده جاذبا اياها لجسده، فتأوهت بالرغبة فما كان منه سوى أن صرخ بعدم قدرته على التحمل فانخفض وسقطت شفتيه على موطن خطيئتها ليغرقا منتشيان بلذة التحامهما، لمسها وقبلها، وتحركت أصابعه بمهارة على جسدها كمن يعزف على أوتار الكمان، وشفتيهما كانتا تدوران بمعركة الحياة أو الموت، فتشبث كلاهما ببعض كما طوق النجاة.
وهمس بشجن باسمها عدة مرات كأنه يستلذ به ويستطعمه على لسانه بعد أن غاب طويلا عنه:
- عنود... عنود.. عنود..
اعتصرها بشدة يكاد يدخلها لتكون بين ثنايا أظلاعه، لتتمسك به محيطة ذراعيها حول رقبته تدنيه منها لتستسقي من أمطار الخير ولم يشعرا سوى بأرواحهما التي طاقت للقيا طال انتظاره.
قلوب تناجت وغنت طربا، وجسد صرخ ببهجة السعادة والمطالبة بما له حق به، ولكن عندما يستيقظ العقل من غيبوبة السحب الوردية حتى يعود واقعنا الأليم بأتراحه وأحزانه مخرجا إياهم من بين الضباب الذي التحفهم.
- بابا... أبي ماي، عطشانه .
ووقفت تفرك عينيها والنعاس يغالبها ولم ترى وتنتبه للجسدين اللذان توسدا أرضية المطبخ، ولا الجمود الذي طغى عليهما لثوان فقط حتى ارتدت من كانت تحت جسده تناغيه الاستمرار بما كان يفعله بها حتى تحولت طريقتها من جذبه ناحيتها إلى دفعه وبكل قوة بعيدا عنها ونهضت تداري خزيها بالاستسلام له وقبل مغادرتها رمقته بنظرة استحقار أصابته بسهم حاد جعلته يدرك بأنه رجل مخادع ومستغل.
نهض متثاقلا ملتقطا قميصه من الأرض وعاد لارتدائه وبرودة حلت مكان الحرارة التي كانت تخرج منه للتو وتطلع لابنته فوجدها قد اتكأت على الباب ونامت وهي واقفه.
- شكلي بمرض أنا بهذي الأيام من كثر ما أتسبح.
حمل كأس الماء وسقاها ثم حملها وأعادها للفراش وبقلبه ألم شديد حتى أقسم بأنه شعر به وهو يتفتت لأشلاء، وتساءل وهو تحت رذاذ الماء البارد.. هل هذا ما شعرت به عندما قام بطردها من منزله؟؟.. هل شعرت بنفسها تموت قبل أوانها عندما لم يصغي إليها؟؟.
أغلق الماء ليهمس لنفسه...
- عيل إنت تستاهل إنها ما تسامحك، لأن لو كنت مكانها ماراح أقدر أسامح.
ارتدى ملابسه وخرج مغلقا الباب خلفه بهدوء وانطلق مغادرا من الشقة ومن الشعلة المتوهجة التي تركته يلفظ أنفاسه الأخيرة وحقيقة انجلت أمامه أخافته، لكن أين المفر؟؟.. فما وقع قد حكم عليه، وما تربع على كرسي العرش أقسم أن لا يتزحزح.
فآه من حب لم يظهر للنور بعد.
وآه من حب تقاسيه لوحدك دون رفيق يعينك عليه.
وآه من حب تراه قريبا لكنه بعيد كبعد الشمس عن الأرض.
استقل سيارته بسرعة وقادها لمن هو القادر على اعانته ومده بالصبر والعزيمة، فمن غير الواحد الأحد القادر على اعانته بمصابه.
وبالجهة الأخرى .....
جلست على سريرها منكمشة على نفسها وجسدها يرتجف من فرط غضبها وحنقها على نفسها، لقد استسلمت له من أول لمسة وأول همسة، وانساقت خلف مشاعرها المهتاجة والمحتاجة بطوق شديد له، ونسيت كل ما فعله بها، وتذكرت ما حدث معها ........
استيقظت قبل آذان الفجر بقليل اثر حلم جعلها تغرق بعرقها وجسدها يرتعش من أحداث حلمها الذي احتوى صور مثيرة لشخصين بوضع حميمي وجلست تتنفس ببطئ تهدء من عواطفها المشتعلة، إلى أن سمعت زقزقة معدتها التي أنقذتها من براثن أحلامها.
خرجت من غرفتها متجهة للمطبخ ونسيت بأن هناك من يشاركها خلوتها ووقفت أمام الثلاجة وعيناها تدور بمحتوها حتى شعرت بأحاسيس غريبة تتسلل إليها وخلاياها تخزها، وتقافز قلبها كما الألعاب البهلوانية وما هي إلا دقائق حتى اجتاحها طوفان جارف سحبها لأعماقه سارقا إياها للبعيد وآخذا بها بجنون عواطفها التي أرادت الهرب منها، وها هو الحلم يتحقق!!.
تقبلت تلك الذراعين المحيطة وانتشت بها، نبضت عروقها وفارت دماؤها والرغبة تتملكها، فتاهت وضاعت بغياهيب جنون الرغبة.
خنقت تأوها آخر كاد أن يخرج من أعماق قلبها ووجع استبد بخافقها وعاتبته بلوم....
- إلى متى ستظل خاضعا لجلادك؟؟.. إلى متى ستنوخ تحت الأقدام؟؟.. ألا تعتبر؟؟.. ألا تملك كبرياء لتغني بكل مرة تراه؟؟.. لا أريد أن أذل بسببك!!.. لا أريد أن أخفض هامتي أمام أي أحد!!.. لذا عليك أن تجمد وتتحلى بالقوة، فما عاد له مكان بداخلي.
أسمعها؟؟.. لا تعرف!!.. هل سيخضع لها أم له؟؟.. أيضا لا تعرف!!.. لكن كل ما تعلمه بأنها لن تنحني له أبدا مهما حدث.
*******************************
ارتدت ملابسها على مهل ومن ثم ارتدت عباءتها ولفت شيلتها على رأسها وخرجت تتسلح بالعزيمة للقتال للنهاية .
- صباح الخير على الحلوين.
ليجيبوها بابتسامة خلابه:
- صباح الخير يا ماما
- ها... فطرتوا ولا بعدكم؟؟.
- قاعدين نترياج علشان تاكلين معانا، وبعد أخوي الصغير يفطر معانا .
أجابتها حنان وهي تنظر لبطنها وتابعت:
- ألحين هو كيف ياكل؟؟... هو عنده أسنان؟؟.
جلست عنود بقربهم وأجابتها وهي تسحب لها رغيف من الخبز وتدهنه بالزبدة والمربى ولم تسأل عن الغائب عن الطاولة فقد اعتزمت عدم وجوده:
- هو ياكل لما أنا آكل حبيبتي.
وقضوا الفترة بتناول الافطار والاستفسار عن الطفل المنتظر ومتى سيخرج وعندما حان وقت الذهاب الطفليين للمدرسة قبلتهم ولوحت لهم وعندما همت بالمغادرة هي أيضا بعد أن جمعت كتبها وحقيبتها فتحت الباب لتصطدم به من سرعتها بالخروج لتأخرها، فكادت أن تسقط لولا ذراعيه القويتين اللتان احتضنتاها بالقرب من صدره ولم تترك المجال لأحاسيسها لتتشكل فكأنما أفعى سامة قد واجهتها حتى دفعته بكل قوة بعيدا عنها وصرخت به مهدده:
- يا ويلك إن لمستني ولا قسم بالله ألم عليك الجيران.
ابتسم بتهكم وألم وقال باستهزاء:
- والله ما كان هذا رايج قبل شوي لما كنت تذوبين بين ايدي، وتصرخين إنج تبيني.
أخرسها ولم تستطع الرد فما كان منها سوى أن ترحل محتفظة بالبقية الباقية من كرامتها حتى أوقفها قائلا وهو يهم بالدخول لتغيير ملابسه والخروج لعمله:
- اختج آمنة بتزورج بعد شوي.
وتوقفت بمكانها وهمست باسمها كمن تذكرت للتو بأن هناك من يهتم بها:
- أمون....
وتابع الآخر:
- منصور اتصل وقال هي بتي فما له داعي اليوم تروحين الجامعة.
وبزق باقي جملته ونار تستعر بجوفه فتصهره ولا يعرف مصدرها:
- ولا في حد هناك مهم تبين تجوفينه وما تقدرين على افراقه ولو يوم واحد؟؟.
والتفتت تتطلع إليه وأجابته باستفزاز وهي تعود للداخل:
- تبى الصدق؟؟... هيه في حد ما أقدر يطوف يوم وما أجوفه.
وسكبت الماء على الزيت ووقفت تطالعه بعيون قوية دون أن تأبه للشياطين التي تتقافز أمام عينيه ونية الفتك هي ما تهدر به، ولأنه عاهد نفسه على الصبر عليها وعودته لسابق عهده فما كان منه سوى أن حدجها بعسله الملتهب ومن ثم تحرك بقوة غضبه لغرفته مغلقا بابها بقوة حتى ارتجت له أركان المنزل على اثره.
تنفست بعمق مخرجة ما بداخلها من ضيق ومن ثم عادت أدراجها ناحية غرفتها.
********************************
شوق وحنين، وحب ولهفة، وجسد مهجور اشتاق لحضن يعيد له انتماءه لهذا العالم.
وحدة قد قتلتها، وعائلة قد نبذتها، وأحباء قد غادروها لتترك لهواجس الفراغ والألم والاحباط، ووساوس شيطان أحب التلاعب بأفكارها المتضاربة من مشاعر شتت أحاسيسها...
- لما أنا جئت لهذا العالم؟؟... لما تكونت برحم أم لا تعرف معنى الأمومة؟؟.. لما لم أكن مع عائلة أخرى؟؟.. ولما؟؟.. ولما؟؟...
ليس اليتيم فقط من يعاني من الحرمان من مشاركة عائلته بأفراحها وأتراحها فحتى من يعيش بكنف عائلة يتذوق من كأس اليتم، فمن اختار الشيطان طريقا له واتخذه رفيقا له فلا تنتظر منه أن يلتفت إليك ليعيد قراره، فالأنانية وحب الذات هما من يطغيان أمامهم، ولا يدركون ما خلفوا خلفهم من دمار للأرواح والقلوب النقية.
وسادة قد أغرقت بدموع الضياع فالتقفتها تشاركها همومها وأحلامها بعائلة تكون لها أمان وسند وحب واهتمام، لكنها تعود وتستيقظ بعالم الواقع القاسي ألا وأنها قد جاءت فقط لتكمل عدد ما أو ربما هي غلطة!!.
استيقظت هذا الصباح على غير عادتها... كانت مليئة بالنشاط والحيوية، وعينانها تبرقان بالسعادة، ودارت حول نفسها وهي تحدث نفسها:
- يا سلام اليوم بروح عند عنود، اليوم بجوفها
ورفعت يدها وعيناها للسماء وناجته بتضرع:
- يا رب العباد ارحم حالي وخلني أجوف أمي واختي وكل هلي عنود اليوم، ولا تحرمني من شوفتها.
ارتدت ملابسها المدرسية وحملت حقيبتها وهي تدندن بأغنية ما واتجهت ناحية المطبخ وأخذت رغيف من الخبز ودهنته بالجبن وبدأت بتناوله ولم تلتفت حولها كما العادة لتتطلع للكراسي الفارغة من أصحابها، ولم تفكر وتتخيل كيف تكون العائلة بالصباح الباكر، فاليوم لا وجود للحزن والدموع، فبعد قليل ستلتقي بمن أحاطتها بعنايتها، واحتوتها من براثن الجفاء والجفاف، لقد استكثروا عليها سعادتها بها فنفوها للبعيد.
انتهت وخرجت ولم تنظر للأركان الخالية من ضجيج أصحابها، فدائما ما تخيلت بأن هذا المنزل مسكون بالأشباح فقط .
وبلحظة إلتفاتة صغيرة هربت مقلتيها ناحية المنزل قبل أن تستقل الحافلة وهمست أيضا بأمنية:
- يارب ييجي يوم أطلع من البيت ده وأرتاح.
ركبت الحافلة وانطلقت لوجهتها... المدرسة وهناك ترجلت منها ولم تدخل بل انزوت بركن قصي كي لا يلحظها أحد ما ويجبرها للدخول للمدرسة ويحدث بعدها مالا يحمد عقباه.
انتظرت فَرَسِها لينقلها بسرعة الرياح لمن هفى قلبها إليها، وشاهدت السيارة من بعيد وهي كما وصفها لها.
طرق قلبها بلهفة، وارتفع صدرها بوتيرة سريعة، وارتجف جسدها باشتياق، ستلقاها وستتمسك بأحضانها ولن تتركها أبدا، فبدونها الحياة لا طعم لها.
توقفت السيارة بالقرب منها وما هي إلا لحظات حتى فتحت النافذة ليطل من خلفها شاب بمقتبل العمر وسيم الطلة ونظارة شمسية تغطي عينيه وكانت أحاسيسه مشابه لما تشعر به بفرق أنها كانت متلهفة لشخص آخر، أما هو فمتلهف لرؤيتها كي يحتفظ بصورتها بذاكرته.
ناظرها من خلف نظارته التي حجبت تأمله لها، كان يراقبها من بعيد وهي تتلفت باحثة عمن ستقلها لمن احتوتها دون أي مقابل، ابتسامة كبيرة زينت ثغرها وهي تراها تقترب منها وعندما توقفت سيارته اتسعت شفتيها ثم ما لبثت أن تكسرت وهي تشاهد من بالداخل.
- السلام عليكم.
ولم تجبه بل قطبت حاجبيها وتحركت مغادرة بعيدا عنه عائدة لركنها، فاستغرب الأمر وناداهها:
- شو السالفة؟؟.. تعالي واركبي.
والتفتت إليه والحنق يظهر على ملامحها الفتية وصرخت بأسنان مضغوطة بقوة بفعل غضبها من استهتار شباب هذه الأيام:
- صدق إنك قليل أدب وأهلك ما ربوك صح.
بهت من هجومها وهمس لها:
- شو السالفة؟؟... ترانا متواعدين!!.
نبضت نواذجها، واشتعل فتيل غضبها، وهدرت به دون أن تأبه بمن يسمعها:
- أنا مواعدتنك يا قليل الأدب؟؟.. وتعرف تكذب بعد!!.. روح ودور على البنت يلي واعدتها مب توقف عند بنات الناس المحترمين، وتتبلى عليها.
وما هي إلا ثوان حتى انفجر ضاحكا ومقهقها بصوت عالي وجاء دورها لتستنكر وتندهش من ضحكه الغير مبرر، وظل يضحك دون أن يقدر على التوقف لمعرفته بما دار بخلدها البريئ حتى سألته بصوت غاضب:
- ما أظن إني قلت شي يضحك؟؟
وأجابها من خلال نوبة ضحكه الهستيرية:
- والله إنج ضحكتيني، أي.... بطني يعورني.
رمته بنظرة مشمئزة ومن ثم ولت مغادرة فعاد يناديها وهذه المرة تمالك نفسه:
- آمنة... تعالي يا بنت الحلال، أنا منصور .
وتوقفت بمكانها وناظرته من فوق كتفها وهمست باسمه بتساؤل:
- منصور....
حرك رأسه موافقا وسألته وهي تعود لتقف بالقرب منه:
- انت منصور ولد خالتي خديجة؟؟
وأظهر صف أسنانه الؤلؤية وأجابها:
- هيه أنا منصور ولد خالتج خديجة، وألحين بتركبين ولا؟؟.
- بس انت قلت بطرش السايق، ما قلت انك انت يلي بتحضر ولا ما كنت سبيتك وسبيت أهلك.
وهنا تكسرت جملتها الأخيرة وهي تتذكر ما قالته له والخجل قد لون وجنتيها، لكنها عادت لتهتف مدافعة عن نفسها:
- أصلا تستاهل!!.. انت ما قلت إنك انت يلي بتي.
ظل يراقبها وابتسامة مشعة تتوسد شفتيه حتى قال:
- السايق مرض وما هنتِ علي انج ما تجوفين اختج اليوم، فقلت أنا بجيبج، وما عرف رقمج علشان أتصل فيج وأخبرج بيلي صار.
عضت شفتيها باستحياء من تسرعها بقذفه باتهاماتها واحمر وجهها باحمرار سلب لبه وهمست بتأتأة وعيناها تتأمل التربة:
- أنا... أنا... آسفة!!.. والله مكنتش أعرف!!.
ومازالت شفتيه تتشدق بابتسامته المشرقة ليرحم حالها ويجيبها:
- ولا يهمج
وأكمل الباقي بداخله:
- أنا كذا ارتحت من انج مب مثل اختج.
وتابع بعدها بصوت عالي:
- ألحين بتركبين ولا بطلتي الروحة عند اختج؟؟.
تردد طغى عليها من الصعود معه ليكمل هو وقد علم سبب توترها وترددها:
- أنا جبت الشغالة معاي علشان تونسنا شوي.
ابتسمت له وهزت رأسها موافقة واتجهت ناحية الباب فتحته لتتطلع للخادمة التي بادرتها أيضا بتحية وابتسامة، فجلست بجانبها لتنطلق بها السيارة لمن اشتاقت لحنانها.
يا ربيع الحب قد هللت سهلا وحللت مرحبا.
فاحت عطور الورد تعلن أفراحها.
فسهام الحب تطايرت تصيب أحبابها.
فغردت الطيور بأعذب الألحان .
وتراقصت القلوب على أجمل النغمات .
فما أجمله من حب يولد من بين الركام .
مرآة عينيه لم ترى سوى انعكاس صورتها، وأنفه لم يلتقط سوى رائحتها، وجسده استشعر ذبذباتها المتململة من تلصصه عليها، فأراد أن يخبرها بأن لا يد له بما يحصل معه فقد استحكمت وانتهى أمره.
وصل لوجهته وكم تمنى أن يطول الطريق إلى مال نهاية، فبالرغم من الصمت الذي احتل السيارة إلى أن مشاعرهم قد تناغت وتحدثت بلغة واحدة عرفت منذ الأزل.
توقفت السيارة وهمس لها وهو يناظرها من مرآة السيارة الأمامية:
- وصلنا.
وأجابته بخفوت وهي تخفض رأسها بخجل من تحديقه المستمر بها:
- شكرا
وترجلت بسرعة هاربة من أحاسيس تخيفها، وبنفس الوقت عشقتها وانتعشت روحها بها، وسارت بخطى سريعة ناحية البناء الضخم واستقلت المصعد كما قال لها للدور الثاني وقلبها يدق بداخلها كما السنديان العملاق حتى اعتقدت بأنه سيخرج من مكانه .
فتح الباب وخطت ناحية من اشتاقت لأمومة لم تستشعرها سوى معها هي، وتوقفت عند عتبة بابها وقد اختفت الأصوات من حولها ولم تسمع سوى هدير نغمات قلبها.
رفعت يدها وطرقة خفيفة تبعتها أخرى وبات تنفسها سريعا وواضحا.
وهمست بشوق:
- افتحي الباب يا ماما عنود، أفتحي بسرعة وضميني، خيفة لأموت وأنا لسة مشفتكيش، افتحي يا ماما أنا آمنة، افتحي ونوري حياتي يلي معدتش زي الأول.
وفتح الباب وأطلت من خلفه كما نور الشمس التي أضاءت حياتها الكئيبة والمظلمة، وتأملت ملامحها المشوشة بحنين إثر دموعها المترقرقة التي ماجت بداخل جفنيها وبعدها انفجرت باكية شاكية فراقها، ناعية أم لفظتها وتركتها تقتات الحب من أم بديلة، ليأتي ذلك اليوم الذي اجتثوها من صدرها دون أن تأخذهم رحمه بها.
وهمست لها بصوت شحيح متوسل:
- ماما متسبينيش لوحدي، خيفة لموت ومحدش يسأل علي.
تلقفتها على صدرها الحنون كما تمنت وطاقت له، وتشبثت بها وهي تنعي حياتها البائسة دونها، لتحتويها بذراعيها وتطبطب على ظهرها بكل الحب الذي يحتويه صدرها لهذه الصغيرة، واعتصرتها بتوكيد بأنها لن تتخلى عنها أبدا.
- أمون حبيبتي اشتقتلج يا أغلى الناس، ويا ريحة هلي.
وقف يراقبها من بعيد بعد أن اجتاحته رغبة قوية بمشاهدة هذا اللقاء، ورؤيتها منهارة هكذا اعتصر خافقه بشدة، ورغبة كبيرة بأن يحتل مكان من تعانقها بكل طاقتها ليهديها الطمأنينة التي تنشدها، والسند الذي تبحث عنه، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
وبعدها اختفت عن أنظاره بعد أن سحبتها العنود للداخل وأغلق الباب وعاد هو يسير بخطى وئيدة ويتفكر بالحال الذي وصل إليها، ويتفكر إلى أين سيأخذه هذا الطريق؟؟.. وإلى أين ستصل به مشاعره ناحية الطفلة الصغيرة؟؟.
******************************
يا بحر أنا بسألك عن مبعد الدار
يلي من الأشواق مبرد وخالي
انته طويت بلجتك علم وأسرار
وأنا طرالي من الهوا ما طرالي
عودتلي من ماضي الوقت تذكار
تذكار خلٍ أبعدته الليالي
وأسباب ظرف حط في خافقي نار
سوا لهبها داخل الصدر صالي.
يا ليت يدري ناعس الطرف وش صار
إن جان ما خلانيه بجو خالي.
لأنه يعرف إني من الناس ما أختار
غيره ولا أبدل سواهم بدالي.
ليته ينشد عن حالتي وتيه الأخبار
ويجوف مضنون الحشا كيف حالي
هو نور عيني والغلى وزهوت الدار
في بعدهم ضاق الفضا والمجالي.
كلمات الشاعر... علي بن سالم الكعبي.
وقف يطالع البحر وكلمات الأغنية التي تصدح من مسجل السيارة تتغلغل لأعماقه بحقيقة يحاول تغافلها، فحياته دونها لا تسمى حياة هو يحبها بل يعشقها لحد عدم قدرته للتفكير ببعدها عنه.
تنشق عبير البحر بهواءه المنعش ساحبا هواء نظيفا ثم زفره مخرجا ما يعتمله من ضيق وناظر البحر بزرقته وبأمواجه المتهادية كما راقصة الباليه لتنتهي رقصتها على الشاطئ خاتمة بها جولتها .
- اليوم البحر حلو صح؟؟.
تحدث ابن عمه ليهز الآخر رأسه موافقا ولاذ لصمته فاحترم سالم رغبته ووقف بجانبه يطالع البحر ويتذكر اتصال شقيقه برغبته بحضوره فلبى النداء بسرعة فقلما حمدان يطلبه ويكون هذا فقط للضرورة القسوى، وهذا ما شعر به عندما حضر وشاهده يقف ويراقب زرقة المياه بعيون شاردة، فرفيقه يحتاجه وبشده ليدله لطريق النجاة من براثن وحدته التي اختارها قصرا.
وبعد فترة من السكون تهاد إليه صوته خفيضا لكنه واضح:
- أنا أحبها.
هو يقول حقيقة، ولكنه يحتاج لتأكيد ووصله الجواب:
- هيه.. تحبها، بس ما كنت تنتبه .
شخر من نفسه وقال:
- وأنا يلي كنت أقول مستحيل أحب مرة ثانية وهذا أنا رجعت وحبيت.
فتحدث سالم نافيا ما قاله:
- لا يا ولد العم إنت ألحين حبيت، انت حبيت العنود مب الجوري، حرمتك الأولانية أبدا ما حبيتها إنت تزوجتها بس لأنك جفتها مناسبة لك، أما العنود فهذي شي ثاني.
أخذ أنفاسا عميقة ثم زفرها وعاد يراقب المياه المتلألأة إثر انعكاس أشعة الشمس عليها، وتابع بصوت هادئ:
- أنا ضيعتها من ايدي.
وسارع الآخر رافضا استسلامه:
- كل مشكلة ولها حل يا خوي، عنود محتاجة شوية وقت وصبر علشان تنسى وتسامحك.
- قالت ما راح ترجع شو ما سويت أو تأسفت.
تنهد بحرقة قلب واستطرد بضعف يراه سالم عليه منذ أن دخلت عنود حياته واستطرد متابعا:
- يلي سويته فيها شي كبير يا سالم وصعب ينغفر.
وضع سالم كفه على كتفه بتآزر وهتف:
- لا تقول جذا!!.. وإن شاء الله بتسامح، بس مثل ما قلتلك هي تحتاج للوقت والصبر.
- تتوقع راح يجي اليوم وتسامحني؟؟
وأجابه بواقع يعلمه فحبها لحمدان كبير جدا، هي فقط تحتاج للنسيان ليلتأم جرحها.
- قول إن شاء الله، وتوكل لربك.
ليهمس خلفه:
- إن شاء الله.
******************************
يا سنين حب انتشى بين الأضلاع .
يا فرحة عمر اخترته لينير طريقي .
يا بهجة النفس ويا مهجة الفؤاد.
رفيق دربي كنت ومازلت
واسم تربع على عرش قلبي .
بنيت لك في خافقي قصرا
لأستيقظ على سراب واقعي.
بحثت عنك بين خيالات البشر ولم أجدك!!.
لتصدمني خيبة أمالي .
تهت وما عدت أعرف طريقي .
وضياع أشعر به ينخر عظامي .
ومالي إلا الاختيار !!.
حب سيبقى ويتخلد بين أضلاعي .
لكن.. ما عدت أطيق الصمت هربا .
اخترت دربك وسأختار دربي .
وللـ لله أتوكل، فهو أدرى بشؤوني.
( خديجة )
تناظر حقيبة ملابسها إن نقصها شيء ما وتحركت متجه ناحية طاولة الزينة لتأخذ معها بعض الأشياء وهناك توقفت تتأمل الصورة التي قابلتها، كانت امرأة بآخر الاربعينيات، شعرها ناعم يشابه بلونه غروب الشمس فقد اختارت لونه بدقة وعناية مثل اختياراتها، وقصته بشكل تدريجي ليغدوا كثيفا ومتمردا، عينيها مكحلة بسواد يشابه لون مقلتيها، بيضاء البشرة، جميلة بحكمتها وفطنتها، مبتسمة الوجه لكن بالآونة الأخيرة قد خطفت منها.
تراجعت للخلف قليلا لترى جسدا مكتمل الأنوثة بالرغم من انجابها لثلاث فتيان إلا أنها ماتزال رشيقة القوام، هي دائما ما كانت تهتم بمظهرها من أجله لكن الآن.......
ظلت تتأمل شكلها وتتلمس وجهها وجسدها وتتساءل.. هل كبرت بالسن ولم تعد جميلة؟؟... أهذا هو السبب؟؟... لتعود وتنفي وهي تشمخ برأسها للأعلى
- لا يا خديجة لاتلومي نفسج على غلطة غيرج يلي ارتكبها، انت ماقصرتي معاه ولا مع نفسج فعلشان جذا لاتسألين إذا الغلط بشكلج ولا بسنج.
ولم تشعر بالرجل الواقف خلفها يتأمل رفيقة دربه وحبه الأوحد والأخير.
اشتاق لمرآها، والشعور بحنانها وبحبها، ورغبت نفسه الطائقة للابحار بين قسمات ملامحها المشرقة، لكن يبدوا أن التيار كان عنيفا عليه ليسحبه بعيدا عنها ولم تعد قدرته للمتابعة تعينه على البقاء بجانبها.
فهمس باسمها بعذاب رجل عشق امرأة لحد النخاع، وبيده تركها تنسل من بين أصابعه:
- صدقيني انج جوهرة نادرة ومافي حد مثلج.
وتخشبت بمكانها عندما تهادى إليها صوته، وصاعقة قصفت مصدر حياتها، لم تتوقع أن تراه مرة أخرى منذ ذلك اليوم الذي أصدرت فيه فرمان بحقه بعدم رغبتها برؤيته أمام ناظريها، ومنذ ذلك الوقت قد اختفى بالفعل، كم آلمها بعده، وكم شعرت بالفراغ ينهش أحشائها برحيله بهذه السهوله دون أن يقاومها ويحاربها من أجل البقاء بجانبها، لقد انهزمت وصارت بقايا أنثى لم يرحمها الزمن وهي بهذا العمر.
اقترب منها والأمل يحثه بأن يحاول أن يعيد المياة لمجاريها، وهي ستسامحه لأنها تعشقه:
- سامحيني يا الغالية...
سكت يزدري لعابه بصعوبة والتوتر يشله عن التفكير بماذا يقول ليجعلها تغفر، وعاد يهمس ويرجوا فما فائدة الكبرياء إن كان سيجعله يفقد أغلى ما يملك:
- سامحيني يا الغالية ..
وأغمضت عيناها ترجوه البعد، تتسوله تركها، فجرحه كبير فما عاد ينفعه لا طبيب ولا دواء، وهمست بعذاب:
- أسامح على شو يا ......
ماذا تسميه الآن؟؟.. ما هي الصفة التي تناديه به؟؟.. تحبه ولن تنكر هذا، وتعلم بأنه يستحيل زعزعته من مكانه بهذه السهوله، فحب عشعش بين الأضلاع منذ غابر الأزمان يستحيل أن يتزحزح من مكانه، لكن ما فعله بها لا يغتفر!!.
- أنا آسف!!.. كانت... كانت.....
أشاح بيده يبحث عن تعريف لما قام به لتجيبه هي وقد أدارت جسدها باتجاهه:
- كانت غلطة... كانت تجربة وما كانت راح تطول، بس كل شي تغير، والقوانين يلي حطيتها انقلبت ضدك، صح يلي قلته؟؟
ووقفا يتطلعان لبعضهما بمواجهة قد طال انتظارها، فالهرب من المحتوم لم يكن حلا لمواجهة مشاكلك، عليك أن تقف أمامها وتتصدى لها مهما كانت قوية وغير قادر على تحملها.
تأملته بتفحص لقد تغير ولم يعد كما كان، لقد شاب الأبيض شعره بكثره، والتجاعيد قد ملأت وجهه، والهرم قد ظهر جليا على ملامحه، وظهره قد تقوس بانحناء واضح، لقد غدى كهلا ولم تترفق به الأيام. فهمست بوجع وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه فآلمه صدها:
- شو المطلوب مني ألحين يا بو سالم؟؟.
تقدم خطوة ناحيتها وأجابها بانكسار:
- ارجعيلي يا الغالية، تعرفين شو كثر أنا أحبج وما في بحياتي غيرج انت وبس.
ضحكت بسخرية وسألته بتهكم والعذاب يتقمص صفحة وجهها:
- وهاذيج يلي هناك منو تكون بالنسبة لك؟؟.. والبيبي يلي جاي بالطريق منوا يكون لك؟؟.
هزت رأسها وتابعت:
- ما عدت أنا الوحيدة بحياتك، لأنك اخترت مين يشاركني فيك.
واستعد للخطوة التالية ليكون بالقرب منها، لكن ما قالته بعدها جعلته يتراجع خطوة للخلف، بل خطوات لتطول المسافة بينهما:
- لو سمحت!!.. انت اخترت فخليني أنا بعد أختار الدرب يلي أبيها.
وهتف بحرقة قلب:
- خديجة..... .
وكاد قلبها أن يهفوا إليه فمهما حدث هو حبيب القلب، حبيب الطفولة ورفيق دربها ونصفها الآخر، فبدون سالم لا وجود لخديجة، ولكن صورته مع أخرى جعلت خافقها ينزوي بركن مظلم وأخذ يشاهد من بعيد كأن ما يحصل لا يبت له بأي صلة، وقالت بثبات:
- لو سمحت يا بو سالم!!... اتركني لحالي وخلني أروح بطريجي.
ولم يستطع سوى الهدير بصوت معذب وهو يتقدم ويمسكها من أكتافها:
- وتقدرين تعيشين بدون سالم حبيبج؟؟... تقدرين تنامين بدون صدر سالم؟؟.. تقدرين......
وقاطعته بدفعه بعيدا عنها لتسقط ذراعيه بجانبيه وهي تصرخ بجرح امرأة قد طعنها حبيبها بظهرها:
- وانت قدرت تعيش بدون حبيبتك، قدرت تنام بحضن وحدة غير خديجة، وقدرت... وقدرت....
وصمتت تلتقط هدير أنفاسها واستطردت تشير إليه ثم إليها:
- ليش رضيت لنفسك ولي أنا مرضيت؟؟.. ولا هو حلال عليكم وحرام علينا؟؟.
وضربت على صدرها وزعقت بأعالي صوتها تخرج أنين تقيحها:
- قول لهذا يسامحك على انك خنت عهودك ووعودك له، خنت حبي لك، خنت ثقتي فيك وتركتني بعيون مغشاية وحضرتك كنت تلعب من وراي وما اهتميت فيني وما همك زواجنا، ما فكرت غير بنفسك وبس وبيلي تبيه والباقي ما يهمون.
وأخفض رأسه بانهزام ولسانه ويداه قد قيدتا بأغلال تهوره وعبثه، فشخرت وقالت بجمود:
- ما عاد يهم!!.. يلي صار صار ومحد يقدر يغيره.
ورفع رأسه وبصيص نور يلوح له بالأفق وتابعت هذه المره بهدوء:
- قراري راح أقوله بعد ما أرجع من العمرة إن شاالله، ولو سمحت شو مكان قراري لازم تلتزم فيه وتوافق عليه شو ما كان.
وسمع دوي تحطم قلبه لأجزاء صغيرة سيعجز عن لملمته لا محال وتحركت مغادرة وفؤادها يعتصر كمدا على حال حبيبها، لكن ما باليد حيلة، وقبل خروجها همست:
- الله يسامحك على يلي سويته فينا.
وخرجت مغلقة الباب خلفها لتتركه يتجرع من كأس الحرمان الذي أذاقه إياها.
*************************************
وفي مكان آخر ........
أغلقت الهاتف لتسارع صديقتها متسائلة:
- ها يا شهد شو قالت عنود؟؟.. ليش ما يت لين ألحين؟؟.. هي بخير؟؟
لتجيبها وهي تضع هاتفها بالحقيبة:
- ما عليها إلا العافية، بس تقول إن اختها أمون بتي تزورها وهي مشتاق لها وايد.
فتنفست ميثة الصعداء وهمست:
- الحمدالله حسبت صار فيها شي وهي وحدها في الشقة وما ندري عنها شي.
لتهتف شهد قائلة باندهاش:
- ليش.. انت ما تعرفين شو صار معاها؟؟
قطبت ميثة حاجبيها وسألت:
- أعرف شو؟؟
فسحبتها شهد ناحيتها واحتضنتها من كتفها وأسرت لها بصوت خفيض:
- أنا ما قلتلج إن ريلها رجع لها وهو ألحين ساكن معاها بشقتها لما هي حلفت ما تسكن معاه بالبيت العود.
دفعتها ميثة عنها وهدرت فيها على غير عادتها:
- وشو؟؟... أنا آخر من يعلم!!.. ليش ما حد خبرني؟؟.
تأففت شهد وأجابتها:
- طيب تعالي عندي ولا عاجبنج إن الناس تطالعنا؟؟.
أصابها الخجل وهي ترى الطالبات يناظرنها بفضول وأخفضت رأسها باستحياء لتسحبها شهد قائلة:
- بصراحة الله يعين الريال يلي بياخذج!!.. ترى قالوا "يلي اختشوا ماتوا" وانت حضرتج كله مستحية، عيل شوبتسوين مع ريلج لما تكونون مع بعض؟؟.
وصاحت فيها ميثة واللون الأحمر يغزوا وجهها:
- شهد خلاص، تراني بزعل منج!!.
- انزين خلاص كل شي ولا زعلج يا الخجول، وألحين تعالي أقولج يلي صار للعنود.
وأخبرتها بكل شي لتقول ميثة بعد فترة من الصمت:
- تبين الصدق هو ريلها صح غلط بس الشي الزين انه جا معترف بغلطته ومب مثل باقي الريياييل جنهم ما سو شي.
- كلامج صح بس تعالي قولي يلي راسها اليابس شو يلي يقنعها؟؟.. أنا لو منها وريلي هو حمدان الحلو والله لأرجع له وأنا مغمضة عيوني.
ضربتها ميثة على ذراعها لتنتبه لما تقوله واستطرد قائلة برزانتها المعهودة:
- هو بيقنعها... مثل ما جرحها هو يداويها
لتصفر شهد بمرح قائلة:
- وااااااااااااو والله طلعتي تقولي كلام كبير يا ميثاني.
فعادت ميثة لضربها على كتفها.
- وش قالولج غبية أنا وما عرف أتكلم يعني؟؟.
وما كادت شهد أن تجيبها حتى قاطعها صوت ليس بغريب:
- أهلا شهد ميثة.. شخباركم؟؟.
- هلا استاذ خليفة إحنا بخير والحمدالله.
وسأل دون مواربة بعد أن بحثت عيناه عنها ولم تجدها:
- عنود ما أجوفها يت هي متأخرة؟؟.
لتجيبه شهد وهي تدقق بصدق ملامحه المتلهفة للمعرفة عن حالها:
- عنود ما بتي اليوم، عندها ظرف خاص.
- هي بخير؟؟.. ريلها ما سوى فيها شي؟؟.
لترد عليه:
- انت قلتها يا استاذ ريلها مب حد غريب، ومستحيل في ريال يئذي حرمته!!.
- بس انت قلتي انها بتطلق فأكيد مأذيها!!.
تكتفت وسألته دون لف أو دوران:
- استاذ خليفة بسألك سؤال وأبيك تجاوبني عليه بكل صراحة وعليه يتحدد كل شي.
- اتفضلي.
- انت شو تبي من العنود بالضبط؟؟.
وقالها بقوة واصرار وبقامة مفرودة :
- أبي أتزوجها .
|