لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-01-17, 06:14 PM   المشاركة رقم: 136
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل السادس والعشرون ...........

أرست سفينتي على بر أمانها وسارت تمخر عبابها.
تبسمت الرياح لأشرعتي وغدوت أمرح معها.
وأدركت بعدها أن لا أمان بزرقة وثقت بها لأقود عليها مركبي.
غدرت وغدت بأمواجها كالطود تقذف بي دون أي هوادة.
أيا بحر.. كنت قد ظننت أنك ملاذي لتصير علي جلادي.
أبحرت ببقايا كرامتي مبتعدا عن مظاهرك الخادعة.
فغدوت ناسيا منسيا في عالمك المتلاطم، ولم أدرك مواطن خباياك.
دروبي اختلفت، وعالمي تحول، لتظهر لي من حيث لا أعلم!! .
حورية بحر خرجت تخلب الألباب، بجمالها الفتان، وبخضرة عينيها القاتلة.
سحرتني بروعتها، وصرت بين ليلة وضحاها أسيرها.
أتلومونني لخوفي من مجهول اجتاح كياني؟؟.
أيا بحر.. أسألك أمانا صرت باحثا عنه، وبين يديها مفتاح نجاتي.
ماعدت أطيق الهجر والحرمان، فمن ينبوعها سرت الحياة.
فيا بحر.. أسألك بعدك عن مركبي لأسري به لمرسى الأمان.
وأيا كحيلة الطرف، ترفقي بحالي، فما عدت قادرا على البعد.
(حمدان)
روحي كسيرة، وآلامي كثيرة، وصرت ألملم بقايا أشتاتي.
لما عدت بعد أن مزقت صورتك بخيالي؟؟.
مشيت بطريقي وما عدت أرغب بالعودة.
رأيت بك ملاذي لتغدوا مصدر أحزاني.
أحببتك ومن بعد الهجر ما عدت أطيق الهوى.

فابتعد.... فقد فاض قلبي جراحى.
ودعني أمضي، لعلي أجد مرسى أماني.
( عنود)
****************************
جبهتان متناحرتان وقفتا وجها لوجه... احداهما تقذف شرارا والأخرى تقف بغموض كان رفيقه دائما.
تكتفت وسألت:
- ممكن أعرف شو السالفة؟؟... وليش تسوي جذا؟؟
ناظرته وانتظرت إجابته، ليرد عليها بسهولة:
- أم عيالي وما بيها تكون لحالها .
رفعت حاجبيها للأعلى ووصل لحد منابت شعرها ومن ثم ما لبث أن تحول ليلتصقا ببعضهما وسألته باستفزاز وقهر من سهولة الأمور لديه:
- أها...علشان الولد!!... طيب مو خايف يكون مب ولدك؟؟.
هي تلعب بالنار وتعرف هذا، ولكن من اكتوى بها ما عاد يبالي بلهيبها.
وانتفض هو بوقفته واستعرت أعصابه، ولكنها لم تأبه للتحذيرات التي تطل من عينيه وتابعت تقذفه بجمرات كانت تحرق جوفها وآن أوان خروجها:
- يعني أنا خاينة وكذابة وخدعتك يمكن بعد بهذا.....
ولم تكمل جملتها فقد انقض على شفتيها كاتما تتمتها بأصابعه وهمس بلهيب حارق وعيناه تقدح غضبا جامحا مما تقوله:
- يا ويلج إن قلتيها يا عنود!!... يا ويلج!!.
أبعدت أصابعه التي كانت بالسابق ترسل إليها مشاعر شتى، لكن الآن هي تمقتها وهسهست:
- يوم تبي بتتهم على كيفك، ويوم ما تبي بترفض يلي ما تبيه .
تنفست بصعوبة وألم يرزح على صدرها وتبغي الفكاك منه فتابعت:
- ما عاد كل شي يسير مثل ما يبغي حمدان الكتبي لأن ما عاد يهمني يلي تبيه وما عاد يهمني رايك فيني لأني عارفة قدر نفسي وغير جذا مافي.
وظلا واقفين وكلاهما ينظر بعيني الآخر بتحدي، وبلمح البصر تغيرت النظرات، وتبدلت الأوجاع إلى أشواق وكل منهما يلتهم ملامح الآخر بنهم، وذكريات اجتاحت جسديهما، وخلايا تنتعش بمعرفة من كان صاحبه.
أحاسيس ماجت بهم، وعواطف شبت بداخلهم، وكادت الأرواح أن تتلاقى بعد طول فراق، وعيون غامت بالاشتياق، وأنفاس ثارت باشتعال، وقرب طاقت له الأنفس، لكن هيهات أن يتحدا وقد استيقظت العقول وهاجت الجروح بعتاب النسيان فابتعدت ورفضت أن تخنع بعد أن كسرها، وهذا الذي خفق بداخلها بخيانة عليها نحره إلى الأبد، فلا مكان له بداخلها.
موجة من الصقيع صفعته بالحقيقة المجردة هي لن تغفر وهو يستحق، لكن ليس لفترة طويلا، هي ستعود إلى حضنه.
استجمع شتات نفسه، وأنفاس طويلة تهدء من جسده المستعر، وهمس:
- عنود.. أنا عارف إني غلط بحقج و......
ورفعت كفها دليل طلب سكوته، وأمرته بجمود:
- مابي أسمع منك أي شي، ولو سمحت اطلع من الغرفة
وأدارت ظهرها له ووقف هو مبهوتا للحظات من عنفها الغير معهود حتى مالبث أن قال بوجع:
- تعرفين يا عنود؟؟.. القسوة مب راكبة عليج، انت مب جذا، عنود يلي أعرفها عنيدة بس مب قاسية، عنود رقيقة مب عنيفة.
ودارت بجسدها باتجاهه وشخرت باستهزاء قائلة:
- القسوة مب لايقة علي!!... أممممم البركة فيكم يلي خليتوها تناسبني، وثانيا انت من متى تعرفني؟؟.. خبري ماتعرف غير نفسك وبس، وحمدان يلي يبيه بيصير.
وتحركت ثانية مديرة له ظهرها كما فعل معها بالسابق وياله من ألم يجتاحك مبتلعا إياك تاركا نفسك تتلضى بنار العذاب.
زفر بتأني واقترب منها خطوة واحدة واستطرد:
- عنود... يلي صار صار وانتهى، خلينا بعيال اليوم.
والتفتت إليه بحده وكادت أن تقتلع رأسها من شدة تحركه، وفيروزها يجمح بخضرة ستفتك به لامحال:
- نعم.... خلينا عيال اليوم!!.
ضحكت بخفوت ثم تحولت ضحكتها لقهقهات عالية حتى طفرت دمعاتها وبعدها توقفت فجأة كأنها لم تطربه للتو بنغمات أوتارها التي اشتاق إليها، وجزت أسنانها تكاد تحطمها:
- هو على كيفك متى ما بغيت تطردني ومتى ما بغيت تردني؟؟.. أنا ما ني لعبة بايدك تحركني كيف ما بغيت!!.
أشاحت بيدها وعلامات الدهشة بادية عليها وقالت بهمس:
- أنا بصراحة ما عدت أفهم انت شو تبي؟؟.. اتهمتني وما طعت تسمعني...
فتح فمه يبغي مقاطعتها إلا أنها أوقفته وتابعت:
- طردتني من بيتك من غير ما تعرف شو هي السالفة وقلت ما تبي تجوفني أبدا و.... وطلقتني...
نار تلتهم جوفها، وانصهار يأكل فؤادها، ولكنها استطردت دون أن تأبه للحال التي غدت عليها من جنون قد تلبسها:
- وياي ألحين بكل برود وتقول ننسى يلي فات وخلينا بألحين!!.
هزت رأسها برفض واستطردت بقوة وقسوة غرستها بداخلها دون أي رحمة بمن يضرب صدرها:
- أبدا ما راح أسامحك!!... وأبدا ما راح أرجع لك حتى لو ركعت عند ريولي!!....
وضحكت باستهزاء وقالت:
- وطبعا مستحيل حمدان الكتبي يكون تحت ريول وحدة ما تسوى نعاله.
ارتعش جسدها بوضوح من فرط غضبها واهتزت شفتيها دون أن تقدر على التحكم بها ووقف هو يطالع انفجارها دون أن يعترض وشاهد بوادر ارهاقها ولم يستطع سوى أن يتقدم ناحيتها ليريحها من شقائها فتراجعت للخلف وهي تنهره بشدة:
- يا ويلك إن قربت مني!!.. ما لك حق فيني أبدا.
وأجابها باعتراض واهي:
- أنا زوجج .
وصرخت:
- لا.... انت مب زوجي، انت طلقتني وخلاص، صحيح إن الشرع لغى طلاقنا، لكن أنا ما لغيته وانت محرم علي، باقي بس أولد ويصير كل شي شرعي ويكون طلاقنا جايز.
سكتت تحاول اجتراح أنفاسها العصية، والنجوم بدأت تتراقص أمام عينيها، لكنها وقفت كما الجبل بصموده وتحدثت بعدها بهدوء:
- وألحين ممكن تطلع وتلم أشياءك وترجع من وين ما جيت، مالك حاجة هنا، أنا ماني بحاجتك، ما أبيك، خلاص عفتك.
قالت جملها بكل وضوح وصلابة ووقف هو فقط يتأملها دون أن يرد عليها بأي حرف واحد، وما هي إلا لحظات حتى سمع طرق على الباب ثم فتح دون أن ينتظر الاذن.
- ماما عنود أنا خلاص رتبت شنطتي بالكبت.
تنفست شهيق وزفير ومقلتيها تلتقط هيئة الصغير الفرح، فحاولت الابتسام لتخرج باهتة وأكمل الآخر دون أن يبالي بالجو المشحون وهو يقترب منها ويحتضنها بقوة:
- ما تعرفين شو كثر أنا فرحان إنا راح نرجع نعيش مع بعض.
ورفع لها عينان بريئتان مستجديتان ألا تخذله وبقلبها الحنون ابتسمت هذه المرة بصدق ومسحت على شعره بحب وأجابته بقلة حيلة:
- وأنا بعد فرحانة إنا بنرجع وبنسكن مع بعض.
قبلها على وجنتها وسارع بالابتعاد وهو يقول:
- بروح أجوف حنان وشتسوي.
وقبل أن يخرج تطلع لوالده وغمز ناحيته بمكر وانطلق خارجا مغلقا الباب خلفه.
انفلتت الأمور من بين يديها، والاستقرار الذي بدأت تشعر بها قد خطف منها بلمح البصر، وجاءها صوته هادئا محملا بأوامره:
- روحي ارتاحي يا عنود ونامي شوي، الارهاق مب زين علشان صحتج.
ودار على عقبيه وقبل أن يخرج تحدث دون أن يلتفت ناحيتها:
- أنا ماراح أبعد يا العنود، وعارف إني غلط بحقج، بس شو ما قلت ألحين وحاولت إني أعتذر شكلج ما راح تسامحيني، بس الأيام بينا يا العنود وأنا باقي وما راح أروح.
وأدار أكرة الباب لتوقفه قائلة باستهزاء مشبع بالحزن:
- باجر يمكن يطلع شي علي ونرجع لنفس الموال، فالأحسن تروح من ألحين، وإن كنت تتوقع إني أسامحك على يلي سويته، فانسى ما راح أسامحك طول حياتي، ولو سمحت خذ شنطتك معاك، مالك مكان معاي، ولازم شي تعرفه، إن كنت تظن إنك تبي تلوي ايدي بالأولاد فانت غلطان!!.. الأولاد راح يظلوا بعيوني، لكن بعد ما أولد كل شي راح ينتهي، والشي الوحيد يلي بيربطنا هم الأولاد وبس، ويلي في بالك امحيه تماما.
واتجهت ناحية الحمام مغلقة الباب خلفها واتكأت عليه ليبدأ مشوار سقوط دمعاتها الحبيسة ناعية حب قد وئد منذ المهد وتكسر على شاطئ البحر دون أن يكون له القدرة على اعلان نفسه.
وهناك وقف جامدا وألم ينغرس بداخله لايعرف له سبب!!.. لما يتألم هكذا لرفضها؟؟... لما قلبه يعتصره ويلومه على ما يحدث به؟؟... كم يكره الجهل!!.
خرج ولم يقل اصراره بعودتها إليه، ستعود إليه آجلا أم عاجلا وهو عليه فقط الصبر والتحمل.

******************************
ينام على أحد الأرائك وعيناه تتطلعان لهاتفه يتابع ما ورده من مسجات. وقفت الأم تطالع ابنها بنظرات الأم التي تستشعر بأن هناك شيء ما يشغل باله.
اقتربت منه وجلست بجانبه ليفز من رقدته واعتدل جالسا ومقبلا رأسها، لتبادره:
- شخباره عنقودي؟؟... عساه طيب؟؟.
ابتسم لها وأجاب:
- عنقودج بخير وما فيه إلا العافية، بس راح يشتاق لأمه لما تسافر.
وتحرك واضعا رأسه على حجرها وأخذت أصابعها تمسد رأسه بحنان ونعومة جعلته يغمض عينيه براحة وهناء، فما أجمله من شعور عندما تكون والدتك بجانبك وترعاك وتهتم بك، فمهما كبرت وصرت مستقلا بذاتك فأنت تظل بنظرها طفلها الصغير.
- قولي يا حبيب أمك شو هو يلي شاغل بالك؟؟.
تنهد ولم يعرف ما يخبرها... أيقول بأن طفلة صغيرة لم تتجاوز سنين مراهقتها بعد شغلت باله!!.. أيقول بأن صوتها لا يغادر جدران أذنية!!.. أيقول بأنه ينتظر اتصالها كما المراهق الغر الذي ينتظر محبوبته!!.. ثم ما لبث أن عقد حاجبيه بتكشيرة وتابع... أيقول بأنه اكتشف بأن الحب عذاب وألم وأنه مهما كان الحب عظيما فهو يسقط ويتزعزع!!.. وعاد يبتسم وهو يتذكر خجلها... أيقول بأنها لصة تسللت لداخله بغفلة منه!!.. لا... أبدا!!.. يستحيل!!.. إن كان هو لا يصدق هذا فكيف ستكون نظرتهم إليه!!.
فهمس ولم يدرك بأن همسه مع تنهيدته أباحت ما بداخله:
- ما فيني شي يا الغالية.
ابتسمت وتألقت عيناها بمعرفة صغيرها قد دخل مرحلة أخرى من حياته فقالت وهي تسرح للبعيد وأصابعها ما تزال تتحرك على رأسه:
- تعرف يا منصور إني حبيت أبوك من كان عمري 13 سنة، صح إني ما كنت أعرف شو يعني نحب بس كنت ديما أبي أجوفه، وقلبي كان يدق لما أجوفة من بعيد لبعيد يوم يزور أبوي مع أبوه.
وضحكت وضحك هو أيضا وقال بمشاكسة :
- يا ويلي.. أمي طلعت عشقانه من كانت صغيرة، وين أهلج عنج يلي ماتستحين على ويهج؟؟.. ولا.. طلعتي تغازلين بعد، عيل لا تلوميني لما أنا أروح وأغازل.
قهقهت بصوت عالي وضربته على رأسه وأجابته:
- يلي ما تستحي!!.. اتقول عني هذا الكلام؟؟.
- عيل قاعدة وتترينه وتتمقلين بويهة شو يتسمى هذا؟؟.
عادا للضحك ومن ثم سألها:
- انزين وبعدين شو صار؟؟.. أكيد أبوي جافج واكتشف انج تحبينه وعلى طول تزوجج!!.
عادت تسرح بالماضي الجميل وتابعت:
- لا... جافتني أمي وأنا قاعدة منخشة ورى النخلة وأطالعهم، وزختني وعطتني ذاك الكف خلاني أجوف النجوم بعز الظهر.
نهض من مكانه وهتف متسائلا:
- لا تقولين؟؟
هزت رأسها وابتسامتها تشع من تلك الذكريات الجميلة على قلبها ليسألها هو :
- أي جهة؟؟.
طالعته دون أن تفقه ما يرمي إليه.
- شو تقصد أي جهة؟؟.
- أي جهة أعطتج الكف؟؟
- وش عرفني!!.. هذا صار من زمان .
واقترب منها وطبع قبله بكلا وجنتيها واستطرد:
- جذا خلاص طاح الحطب .
وضحكت وقرصت وجنته وعاد هو لمكانه يلتمس دفئها وعاد لسؤالها:
- وبعدين وش صار؟؟.
- بعدين الله يسلمك منعتني أمي من الطلعة كل ما عرفت إنه جا، لين مرت الأيام والسنين وجا وخطبني واتزوجنا وعرفت إنه هو بعد يحبني وكان بس يترياني أكبر شوي.
أحاطهم الصمت لثوان حتى بادرها بسؤال عجزت عن معرفة اجابته:
- ولما هو يحبج هالكثر ليش تزوج عليج وكسر قلبج؟؟
تجمدت يدها بمكانها كما تصلب باقي جسدها وسؤاله يتردد بداخلها
" ليش تزوج؟؟" وقالت بعد فترة:
- مب عارفة يا منصور بس كل يلي أعرفه إن أبوك بعده يحبني وحبه ماقل أبدا، ولازم تعرف بعد إني صح بعدت عنه إلا إني أحب أبوك وأموت عليه وما أرضى بالشين يصيبه، هو بس.......
وسكتت ولم تعرف ما تقول أو تجيب لأنها لم تعد تعرف أي اجابات لكل أسئلتها، ونهض هو وطالعها ليعينها على آلامها.
- جوفي يا الغالية، أنا صحيح ما حبيت يلي سواه أبوي فيج، وصحيح إن الكل يقول عني متهور وما عرف أوزن الأمور، بس أعرف شي واحد وهذا مستحيل إنا نختلف عليه.
أخذ نفسا عميقا ثم تابع:
- الخيرة فيما اختاره الله، احنا ما نعرف الحكمة من هذا الشي، بس ربج العارف، كل يلي علينا إنا نوكل نفسنا لرب العالمين وهو أدرى بحالنا.
ثم انقلب حاله للمشاكسة وحرك حاجبيه بمكر وتابع:
- وثاني شي هذا هو يطلب رضاج ادلعي واتشرطي واطلبي كل يلي بخاطرج، أقول.. قولي إنج تبين سيارة بورش وانت كريمة وأنا أستاهل ولا تنسين أنا آخر العنقود...
تشدقت شفتيها بابتسامة وهي تسمع كلامه الحكيم سحبت رأسه وطبعت قبلة على جبهته وهمست:
- بارك الله فيك يا وليدي، وخليني أفكر بموضوع السيارة .
ونهضت مغادرة تستعد للسفر للبحث عن النور الذي شعرت به يختفي من حولها وقبل أن تبتعد عادت لمحادثته:
- ما راح أسألك شوفيك، بس راح أنتظر إنك تخبرني بيلي فيك، ولازم تعرف إن كان يلي تفكر فيه ربي راضي عنه فالله معاك، لكن إن كان قصدك شي ثاني فراح أقول ابعد يا وليدي ولا تخلي الشيطان يلعب فيك، وتعوذ منه ترى طريقه دمار وما راح تاخذ منه غير خراب بيوت، ومثل ما قلت الخيرة فيما اختاره الله لنا، ويلي فيه الخير يقدمه رب العالمين.
وغادرت تاركة خلفها قلب يتراقص طربا فهاهي الاجابة لحيرته قد أتته لتريح باله وفكره وما كاد ينطلق خارجا ليشغل باله بشيء آخر غير من احتلت حياته حتى رن الهاتف وتلقفه لتنفجر أساريره من سماعه لمن شغلت عقله وقلبه.
- ألو.....
وتراقصت القلوب، وتناغت الأرواح بحب عذري تشكل بين ظلمة الليل الحالكة، وعاد يجلس على الاريكة وثغره قد توسع بفرح.
- شخبارج آمنة؟؟.. اتأخرتي بالاتصال؟؟.
وأجابته بخجل وهي تسمع لهفته بالسؤال:
- أنا الحمدالله كويسة، ازيك انت عامل إيه؟؟.. كلكم كويسين؟؟
- كلنا بخير والحمدالله.
وحل الصمت بينهما، لكن قلوبهم قد تحدثت بلغة قد حكت عنها العصور الغابرة، وبسببها قد صالت لها الحروب، وهمس لها وصدره يرتفع بغبطة السعادة :
- ليش ما اتصلتي ؟؟.
ارتجفت وارتبكت، ومشاعرها تثور وتنصهر، ويديها قد تعرقت وهمست بخفوت :
- أصل.. أصل ماما لسة خرجة من البيت، فطوالي اتصلت، ليه هو في حاجة جديدة ؟؟.
- أيوه.. عنود حصلوها، أصلا هي ما ضاعت بس ألحين طلعت.
وصرخت ليبعد السماعة من أذنه:
- انتوا لأيتوها؟؟.. فين؟؟... هي كويسة؟؟.. أخبارها ايه؟؟.. حصل لها حاجة؟؟.
ليهتف:
- هدي.. هدي يابنت الحلال صميتي اذني.
لتجيبه بخجل:
- أنا أسفة ما كنتش أقصد!!.. أصلي فرحانة أوي.
- ولا يهمج، وحمدالله على سلامة أختج العنود.
- الله يسلمك، إنزين هي ألحين وينها؟؟.. أقدر أكلمها؟؟.. هي عندك ألحين؟؟.
وقهقه لتغيير اللهجة وأجابها:
- لا للأسف ما هي هنا، هي ألحين ساكنة في مكان ثاني.
لتنطفئ بهجتها وسألته:
- كيف يعني ما هي هنا؟؟.. طيب كيف أكلمها؟؟.. أنا ما أقدر أطلع من البيت إلا إذا....
وتركت باقي جملتها ناقصة وأفكارها تدور بخطة كي ترى شقيقتها فسألها بتوجس:
- إلا إذا شو يا آمنة؟؟.. شو تبين تسوين؟؟
وأجابته بشرود وهي تفكر بخطتها:
- بروح أزورها الصبح لما أروح المدرسة، بطلع من المدرسة وعلى طول بركب تاكسي بس انت عطني عنوان سكنها.
لينتفض من جلسته صارخا ورافضا ما تنوي فعله:
- انت جنيتي ولا شو؟؟... تبين تركبين سيارة لحالج مع ريال غريب!!.
بهتت قليلا من انفجاره الغريب ثم ما لبثت أن نفضته وصرخت:
- ومين حضرتك علشان تؤلي أروح ولا ما أروحش؟؟.. وأمال عاوزني أعمل إيه؟؟... أحط ايدي على خدي واستنى.
وعاد يهدر بها والغضب يعتمله من أنها ستكون مع رجل غريب لوحدهما دون أن تفقه للأخطائر القائمة.
- انت فيج مخ علشان تفكرين؟؟.. انت ما تقرئين جرايم الاغتصاب يلي تصير؟؟.. ما تجوفين الأخبار؟؟.
سكتت ولم تجبه سوى شهقاتها الخفيضة وهمسها بحروف مشتاقة ملتاعة لفراق صار مؤلما عليها، وصمت هو ولم يزد سوى أن استمع لبكائها الصامت، مسح وجهه واستغفر الله ثم قال بعد فترة من الصمت:
- عندي لج حل، أنا برسل سواقنا مع وحدة من الشغالات وهو يلي بياخذج لاختج، على الأقل بطمن عليج معاهم، جذا حلو؟؟.
- تتكلم جد؟؟.. يعني أقدر أروح لاختي العنود وأجوفها؟؟.
ضحك وهز رأسه من هذه الفتاة الغريبة وأجابها:
- هيه.. تقدري تجوفيها، باجر يناسبج؟؟
لتهتف بفرح وسعادة:
- يناسبني!!.. أكيد يناسبني، يا سلام، وأخيرا بجوف ماما عنود.
- تحبينها لدرجة تقوليلها ماما عنود؟؟
تنهدت براحة وأجابته:
- صدقني أحبها أكثر من روحي، هي يلي ربتني وحبتني وتحملت مني فكيف ما تبيني أعطيها التقدير يلي يناسبها .
زفرت وتنفست ثم تابعت:
- مشكور ما قصرت، إن شاء الله في ميزان حسناتك، وربي يكرمك ويرزقك على تعبك.
- أنا ما سويت شي أنا بس أقولج يلي صار.
وعاد الصمت حليفهما، فما بقي يقال الآن وقد زالت أسباب مكالماتهم.
- أنا لازم أسكر ألحين.
- بهذي السرعة؟؟
- أيوه....
- آمنة أنا.....
- نعم...
وسكون، هي بانتظار ما يريد قوله وقلبها يخفق بشدة يكاد يخرج من أضلاعها، وهو حائر خائف لا يعرف ما يفعله وواقعهم يخبره باستحالة وضعهما، فقال بعد مدة:
- باجر بطرش السايق لعندج، شو اسم مدرستج علشان يلاقيج، وبعطيج اسمه بعد ورقم السيارة علشان تعرفيها.
وأملاها كل المعلومات ومن ثم أغلق السماعة ونهض بسرعة من مكانه متجها للخارج هاربا من مشاعر وليدة رجته، ومجتمع غير متسامح، وطبقات مختلفة ستقف حاجزا أمامهما لا محال، وشقيقة كانت دمار عائلته.

***********************************
تمضي بنا الساعات بطيئة رتيبة وتكاد أحيانا أن تخنقنا وأحيانا أخرى تطير بنا ساعات يومنا وكل هذا بسبب الحال التي نكون فيها إما سعداء فتجري بنا عقارب الساعة، وإما بؤساء فنرى عقاربها تكاد لا تتحرك لليمضي هذا اليوم التعس.
غاضبة حانقة ومتوترة وقد تدمر عالمها الذي بنته خلال أشهر مضت، تدور بغرفتها وقد بلغ بها اليأس بكيف ستتصرف الآن مع وجوده هنا بالقرب منها؟؟.. توقفت بغتة وتحرك رأسها يمنه ويسرى وهناك وجدته أسرعت ناحيته وتلقفته واتصلت ليصلها صوتها صارخا كما اعتادت منها، وتساءلت ألا تهدأ هذه الفتاة أبدا؟؟.
- عنودي شخبار القمر؟؟.. لا تقولي اشتقت لي وقلتي لازم أكلمها قبل لا أنام؟؟.
ضحكت دون ارادة وأجابتها:
- هلا شهد أنا بخير، انت شخبارج؟؟.. وثاني شي بعدنا عن النوم توه العصر.
- أفا شو هذا التحطيم، انزين جاملي شوي ما تعرفين؟؟.. وثاني شو تبين ليش متصلة بهذا الوقت؟؟... دخيلج لا تقولين إن في واجبات وبحوث!!.
- الحقيني يا شهد!!.. قال بيسكن عندي.
وتساءلت الأخرى باستفهام واستغراب:
- مين هذا يلي بيسكن معاج؟؟.. خبري ما عندج اخوان غير المرحوم.
وهتفت باسمه والألم يعتصرها:
- حمدان يا شهد حمدان جا عندي الشقة وقال إذا ما تبين تسكنين في البيت العود احنا نسكن معاج.
وهتفت باعجاب:
- واااااااااااااو ريلج يهبل، الله يرزقني بواحد مثله جذا يجي ويعطيني كفين وبعدين يشلني على كتفه وياخذني معاه غصب ويموت فيني وأموت فيه.
وصرخت بها العنود فهذا ليس بوقت الأحلام فمشكلتها عويصة:
- شهد... صدق انج فاضية!!.. أنا أقول شي وهي راحت تشطح لبعيد.
تبرمت صديقتها وسألتها:
- عيل وشتبيني أقولج؟؟.
وجلست عنود على السرير وملامحها تشي بنوبة بكاء قادمة:
- أعطيني حل على هذي المصيبة يلي أنا فيها.
اعتدلت شهد بجلستها واعتلت ملامحها الجدية وأجابتها:
- جوفي يا العنود، ريلج من النوع يلي يبيه لازم يحصله، وشكله وهو جا لحد عندج يعني يعترف بغلطته وهو جاي يصلح يلي صار بينكم علشان ترجعون لبعض.
قاطعتها بقوة وهي تفز من جلستها:
- بس أنا ما بي أرجع له يا شهد، يلي سواه فيني ما هو بشوي، والله ما هو بشوي، كسرني يا شهد والله كسرني ولا سمعني!!.
وعادت للجلوس ودموعها تقطر أمطارا على وجنتين قد حاكت الكثير من الأوجاع، فألا يأتي ذلك اليوم الذي ستكف به دموعها عن الهطول؟؟
- هدي حبيبتي ولا تبجين، البجي مب زين لخلودي تراه بيطلع نكدي بعدين.
وسألتها من بين بكائها:
- مين هذا خلودي بعد؟؟.
- ولدج خالد تراني سميته خالد عجبج الاسم ولا؟؟.
وقهقهت وكما يقال شر البلية ما يضحك :
- نعم جذا اضحكي وماعليج من حد، إن كان كل ما حد يزعلنا نبجي كان ملينا الدنيا كلها دموع، يا عنود خليج ريلاكس وما عليج من حد وعيشي حياتج ولا كأن حد موجود، بس انت وغير لاء، ألحين ريلج عندج وموجود على باله إنه أول ما يتأسف على طول بيطيح الحطب بينكم.
- طيب شو أسوي ألحين؟؟.. باقي ستة أشهر للولادة باقي فترة طويلة لين يصير الطلاق عادي.
سكتت شهد ثم سألتها:
- ما تتوقعين إن حمدان يرفض إنه يطلقج بعد ما تولدين؟؟
وهدرت الأخرى بغضب جامح:
- مستحيل... ومب على كيفه، يعني متى ما يبي هو يطلق ومتى ما يبي ما يطلق، أنا مب لعبة بين ايده!!.
- تمام عيل عامليه ولا كأنه موجود معاج بنفس المكان، وخليه لين يمل وبعدين بروحه بيطلع من البيت .
فسألتها عنود دون اقتناع:
- اتهقين بيصير جذا؟؟.. ترى هذا الشايب ما هوبهين!!.
وسكتت وهي تتذكر ما هو عقابها كلما نطقت بهذا الاسم لتغيم مشاعرها بحزن وضاق صدرها بألم، وقاطع أفكارها هتاف صديقتها:
- الشايب.... حرام عليج يا عنود!!.. إذا هذا شايب عيل مين الشباب؟؟.. أقول يا العنود شو رايج تعطيني إياه وأتزوجه؟؟.
فزجرتها بأعلى صوت والفكرة أنه مع احداهن تشلها:
- شهد انت جنيتي؟؟.. شو هذا الكلام يلي تقولينه؟؟.
وقهقهت الأخرى بسخرية وقالت لها بتهكم:
- تبين تطلقين منه بس بتموتين غيره إن كان مع وحدة غيرج.
ونفت بسرعة:
- أنا ما أغار بس يلي تقولينه ما ينهضم .
- وانت على بالج بعد ما تخليه يمل منج ويطلقج يقعد جذا عزابي؟؟.. لا يماما يلي مثل ريلج يكون لقطة، كنز، وكل وحدة راح ترمي نفسها تحت ريوله وتقول له شبيك لبيك وأنا خدامة تحت رجليك.
هدوء عم المكان بينهما، وجنون أفكارها تقذفها من جهة لأخرى، وصورة واحدة فقط من احتلت الشاشة الكبيرة لتقول بعدها بحزم:
- ما يهمني يا شهد، يسوي شو ما يبي ما عاد يفرق معي، ما راح أسامحه أبدا.
تنهد صديقتها من قلة الحيلة واستطردت:
- على راحتج يا عنود سوي يلي تبيه.
وودعتا بعضهما واستدعت كل قواها لمقاومته، فهدفها لن تحيد عنه ولم تعرف بأن هناك قوى أيضا تشحذ نفسها لشن هجومها الحربي، والهدف هو تطهير ذنوبه.
خرجت وشاهدت الصغيرين جالسين يتابعون احدى قنوات الرسوم وجلست بينهم وقبلتهم ثم سألت:
- حليتوا الواجب؟؟.
لتجيبها حنان:
- حليناها كلها ماما عنود.
- شطار.
وجلست بعدها تصغي لحديث قد طال قوله من بعد ما صار دون ارادة، وما هي إلا لحظات حتى اقتحم عالمها المسالم.
- مساء الخير، ماشاء الله كلكم يالسين .
وجلس بالقرب منها ويفصل بينهما جسد الصغيرة التي غاصت بأحضان كليهما متنعمة بدفئهما دون أن تهتم بما يجول بينهما.
- ماري ... ماري..
وأقبلت الخادمة وأمر:
- جيبي أكل للمدام.
ورفض لفظته بسرعة ليطير أدراج الرياح.
- ما بي أكل يا ماري.
وأشار برأسه لتختفي الخادمة كما أمر سيدها، فقد شدد عليها باطاعته دائما، وصرت بأسنانها وقالت له بخفوت فوق رأس الصغيرة كي لا يسمعها الطفلين:
- ما هو بغصب إني آكل!!.
وكل شيء جائز بالحرب والحب.
- يا أولاد ماما عنود ما تبي تاكل، وأخوكم الصغير يوعان بس هي تقول إنها مب يوعانه.
والتفت إليها الصغار وجزعت حنان قائلة:
- حرام ماما البيبي يوعان وأخاف يمرض!!.
- نعم ماما ما يصير لازم تاكلين علشان أخونا ما يصير فيه شي ولا انت ما تحبيه؟؟
حوصرت بالزاوية ولم يترك لها مجال للتهرب وأجابتهم:
- لا حبايبي أنا أحب أخوكم بس أنا مالي نفس آكل.
وقالت كلمتها الأخيرة بجز أسنانها
- لا يا ماما لازم تاكلين.
وبالفعل جاءت الخادمة محملة بأطباق مالذ منها وطاب، وحمل حمدان طبق وملأة بالفطائر والمعجنات وقدمه إليها بابتسامة خلابة ستسرق أنفاس كل أنثى تحلم بفارس يكون مثله، لكن ليس هي.
أخذت الطبق من يده والعيون جميعها مسددة ناحيتها وتلقفت فطيرة واحدها وأكلت قضمة واحدة لتتبعها أخرى وصوت معدتها قد نبأها من أنها لم تأكل شيء منذ افطارها السريع هذا الصباح.
اعتدلت بجلستها وبدأت بتناول ما على طبقها ووضع أمامها كأس من العصير وكأس آخر من الماء وعيناه لم تحد عنها أبدا، كانت جميلة جدا ومؤلمة للغاية لبعدها عنه، يشتاق إليها ويحن لحضنها ويرغب بشم رائحتها العطرة وتذوق طعمها، لكن عليه الصبر والتحمل.
أشاح برأسه بعيدا فقربها يقتله ويكويه والتقط فطيرة وأخذ يأكلها دون شهية فما يريد أكله صار منيعا عنه.
اتكأت للخلف بشبع وتنهدت بارتياح وابتسامة هانئة تنير ثغرها، وسلطان النوم قد داعب أجفانها بعد هذه الوجبة الفخمة التي تناولتها، فهي قلما تتناول طعاما مغذيا، فوجباتها دائما ما تكون من الخارج وعندما تجلس لتأكلها ينتابها شعور بالوحدة والفراغ، فأن تتناول طعامك لوحدك لايشبع أبدا فتتركها وتبتعد عنها، لكن الآن مع الأصوات المحببة لقلبها تتناهى لمسمعها جعلتها تتخم.
سمعت صوته يناديها بغياهيب حلمها:
- عنود....
لتجيبه وهي تلتفت ناحيته والابتسامة مازالت تشع:
- عيونها...
وانحنى ناحيتها لتشعر بأنفاسه الساخنة تداعب بشرة وجهها، فتوسع جفنيها ليظهر فيروزها الموشحة بمشاعر مضطربة من قربه الشديد.
ظلا يحدقان بعضهما لفترة من الزمن حتى شعرت بنفسها تهزم وتضعف وترغب بأشياء كان لها الحق بها من قبل، لكنه حرمها منها.
- بعد عني.
وأجابها بصوت مشحونة ومتفجرة وراغبة بالمزيد من هذا القرب.
- في على شفاتج.
وأغمضت عيناها تنتشي بقربه، بحرارة جسده، وبعبق أنفاسه، وقد شعرت بنفسها تسير نحو الفخ دون ارادة ودون قدرة على تغيير وجهتها، كأنه قد ألقى عليها تعويذة جعلتها تنقاد نحو مصيدته بارادتها الحرة.
فتحت عيناها من جديد لتراه ينحني وشفتيه تحط برحالها على طرف شفتها لتنده منها آه من أعماق قلبها، لكنها كتمتها قبل أن تخرج وانتفضت مبتعدة وتلفتت حولها لترى الأطفال منشغلون بعالم الكرتون، فالتفتت إليه بشراسة وسألته بأسنان مصكوكة:
- انت جنيت!!... اليهال موجودين و....
قاطعها وعيناه تعانق شفتيها متمنيا العودة ليرتشف من رحيق عسلها.
- يعني اليهال هم يلي خربوا؟؟.. عادي ممكن نروح الغر....
فقاطعته وهي تنهض ومقلتيها تقطر شررا :
- شكلك نسيت يلي طلبته منك يا الشايب!!.
وسكتت كأنها أخطأت بالكلمة وانتظرت كما هي العادة العقاب الذي يسقط عليها كما نسمات الربيع، لكن هذه المرة لم يكن يوجد عقاب بل ابتسامة و....
- شكلج اشتقتي لـ.....
ولم تتركه يكمل بل تحركت راغبة بالهرب مما يفعله بها من تلاعب بأحاسيسها، فأوقفها بصوت عالي لينتبه الصغيرين إليهما:
- عنود... تعالي خذي أدويتج.
فتحت فمها تنوي زجره، لكن رؤية أنظار الأطفال نحوهما جعلها تتراجع وتقترب منه مجبرة وجلست بمكانها، فقدم إليها أدويتها لتأخذها وقد شعرت بالضيق من تدخله بما لايعنيه، وتساءلت.. كيف يستطيع أن يساير الأمور بسهولة كأنه لم يحدث شيء؟؟.. لما يظل يستمر بملاحقتها إن كان لا يصدقها؟؟.. أيظن أن الأمور هينة وتسير على هواه؟؟.
وهنا انتفضت من مكانها فسألها حمدان بسرعة:
- بسم الله عليج وشفيج وقفتي جذا؟؟.
لم ترد أن تجبه، لم ترد أن تراه، ولم ترد الكثير، فقط أرادت القليل فقط من مباهج الحياة وأجابته وهي تتحرك باتجاه غرفتها:
- تعبانه وبروح أرتاح، ولا لازم أستأذنك بعد بهذا الشي؟؟.
وأغلقت بابها كما مشاعرها المضطربة بوجوده هنا بقربها، لما الحب هكذا؟؟.. لما يؤلم ويوجع بالروح؟؟.. أليس الحب هو نعمة من الله؟؟.. لما إذا أشعر بأنه نقمة بالنسبة لي؟؟.
وأضجعت جسدها على السرير تناشد الراحة، ولكن من أين تأتي وسجانها قد عاد يقضي مضجعها.

***********************************
تأففت للمرة المليون ووجوده معها صار يطبق عليها فهو يمنعها من التجول بحرية:
- هو انت مش حتخرج الليلة ؟؟.
قلب صفحة الجريدة وأجابها:
- لا ماني بطالع.
- طيب ماتجي نطلع سوى نروح حتة علشان نتنفس شوية.
صفحة أخرى واجابة باردة:
- افتحي الدريشة واتنفسي براحتج قد ماتبين.
شدت ملابسها وكرمشتها بغضب، وأعصابها قد ثارت من الحياة المقرفة التي تعيشها بظل رجل كبير بالعمر.
اعتقدت بأنها ستتحكم به وسيتركها تعيش على هواها، لكن كانت مخطئة!!.
رن هاتفه فأجاب عليه وتحدث مع محدثه عن الأعمال وبعد مرور بعض الوقت ووضع بعض الخطط أغلق الهاتف وسألته بسعادة اشتعلت بداخلها:
- هو انت حتسافر؟؟
- لا ماني مسافر، ما أقدر أخليج وأروح.
احباط وبرودة طغت بداخلها من هذا الخناق القاتل لها وعادت لسؤاله بأسنان مصكوكة:
- أمال مين حيسافر؟؟... حمدان!!.
واجابة أخرى جامدة كما حياته التي غدت لاطعم لها ولا حياة من غير رفيقة عمره.
- لا واحد من الموظفين بيسافر، حمدان مشغول مع حرمته وما يقدر يتركها بعد وهي حامل.
صاعقة ضربتها، وصدمة قد تلبستها، وصرخت باستفسارها:
- عنود رجعت؟؟.
وهنا ترك الجريدة والتفت إليها يناظرها بتفحص من هتافها العالي:
- وشفيج؟؟... ليش تصارخين؟؟.
ارتبكت وتوترت لكن عليها أن تعرف، وقالت بمكر قد ولدت عليه:
- لا... ما.. ماهو أنا بسأل، مش عنود من العيلة وهي زي أختي.
هز رأسه موافقا وتابعت هي:
- ليه مألتليش إنها رجعت للعيلة؟؟
وضع الجريدة على الطاولة وأجابها بلا مبالاة:
- ما كانت في فرصة أقولج، وأصلا ما عرفنا غير من قريب إنها ساكنة بعمارة حمدان من أول ما طلعت من البيت.
وهمست لنفسها ببغض وحقد قد صار جزء لا يتجزء منها:
- يعني هي ماتبهدلتش ومبكتش من الجوع؟؟.. ومتوسلتش حد علشان تاكل؟؟.. ومانمتش بالشارع وكمان حامل؟؟.. يعني كل يلي عملته ولاجاب نتيجة!!... يا بنت الأبلسة!!.. يعني عيشة ومتهنية مع راجل وسيد الرجالة وأنا أعدة مع العكوز ده!!.
وقالت جملتها الأخيرة بصوت عالي ليسألها حسن مستفهما:
- شو تقولين؟؟
ونهضت من كرسيها وتحركت متجهة لغرفتها وهي تجيبه:
- ؤولت إني تعبانة وعيزة أريح.
ودلفت لعقر شرها وهي تفكر وتحرك تروسها بطريقة تحطم بها غريمتها وعدوتها، وما هي إلا ثواني حتى ضحكت بشر وحملت هاتفها واتصلت لأحد الأرقام:
- ازيك يحمادة وحشتني؟؟.
انصتت وضحكت بخلاعة ثم أجابته:
- يا مجنون... وأنا كمان بشتألك أكتر، بس اديني فرصة بشوف يوم فاضية وحدئلك رنة وانت عارف الطريق كويس.
واستمعت إليه ثم همست له بمياعة:
- بؤول إيه يحمادة، عوزة منك خدمة صغنونة أد كده هو.

 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
قديم 01-01-17, 06:19 PM   المشاركة رقم: 137
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل السابع والعشرون........

ما هو العشق؟؟.
أهو من يتراقص القلب طربا للقيا الحبيب؟؟.
أهو أحاسيس جياشة تطيح بك لتجعلك بعالم آخر؟؟.
أغبي أنا أم أن الغباء تبرأ من غباوتي؟؟.
ما لي ومال الحب ليحتل خافقي؟؟.. فالحب هو الغدر!!.
أم أنه ابتسامة مشرقة تنير ظلمة حياتي؟؟.
أو هو همسة من حبيب تزعزع كياني؟؟.
ولربما هو نظرات تسلب نبضات قلبك؟؟.
احترت بوصفه ومالي بالشعر والغزل!!.
تهت وما عدت أعرف طريقي.
فنوري قد غاب عن دنياي، وعاد البرد يتلبسني.
أهذا هو الحب؟؟... أن ما أشعره من عذاب لبعدها هو الحب؟؟.
أيا صغيرة.. متى احتللتي قلبي وتربعتي بين جدران أظلاعي ؟؟
وصرتي تجري بمجر الدم بالوريد.
أحبك، بل أنا عاشق متيم بك، وما عدت دونك أبغي الحياة.
فترفقي برجل يخطوا أولى خطواته بدروب الحب .
( حمدان )
****************************
صباح جديد ويوم مفعم بالأمل بأن القادم سيغدوا أفضل، وأن الحياة ستعود لتفتح له أبواب السعادة من جديد، وأن الله سيكون معه.
استيقظ على آذان الفجر وظل على فراشه ينظر لسقف الغرفة وهو يردد خلفه وبعد الانتهاء دعا بنية خالصة أن يصلح حاله وحال أهل بيته، لحظات هي حتى شعر بيد تحط على صدره وجسد يندس ناحية جسده وتطلع إليه بعيون حنونة محبة ليرى صغيرته تنام ملئ جفونها وابتسامة تزين ثغرها الصغير بقربها من والدها، وتذكر كم كانت سعادتها كبيرة عندما علمت بأنه سيجاورهم بالفراش لتتقافز فرحة مبتهجة ثم خمدت فجأة وتساءلت:
- وليش ما راح تنام مع ماما عنود؟؟
لم يعرف ما يقول وماذا يجيب، هل يخبرها بأنها لفظته من حياتها وأنها تأبى مسامحته!!.. فأجابها بابتسامة واهية:
- لا ما راح أنام معاها، احنا يايين هنا بشكل مؤقت وبعدين بنرجع البيت العود، يعني اعتبري نفسج بمخيم صيفي واني كله بنام معاكم وبقعد معاكم، ولما نرجع البيت العود كل واحد يرجع وينام بغرفته، تمام؟؟.
وصغر سنها وسرورها الكبير بأنها ستنام بالقرب من والدها لم يجعلها تفقه للحزن القائم بمقلتيه ما عدى صغيره الذي ظل يتأمله حتى انشغلت شقيقته بشيء ما ليقترب منه ويمسك كفه بتآزر.
- لا تزعل يا بابا!!.. ماما عنود بعدها زعلانه، بس شوي شوي ترضى، وانت خلك قوي واصبر عليها، وحاول قد ما تقدر انك تراضيها وما تزعلها .
تأمل صغيره باندهاش من أفعاله وأقواله، كم هو شاكر لله على هذه النعم التي أنعمها إليه، لينخفض ويوازي طول طفله وابتسم له وربت على خده قائلا:
- ما عرف أنا شو سويت بحياتي علشان الله يعطيني ولد مثلك؟؟.. ما شاء الله عليك طلعت أذكى من أبوك.
ابتسم وهز رأسه رافضا.
- لا يا بابا حتى انت ذكي بس لما شي يخص ماما عنود انت ما تتحمل وتصير غير، ما كنت أعرف إن يلي يحب يصير خبلة جذا!!.
وأكمل حديثه دون أن يشعر بالصدمة التي ألحقها بوالده:
- عمي سالم يقول أبوك من عشق عنود وهو صاير مجنون.
وأكمل وهو يقطب حاجبيه وتساءل باندهاش:
- هو يقول انك غبي لأنك ما تعرف إنك تحبها، في حد ما يعرف إنه يحب؟؟
وعاد لواقعه وحديث ابنه يحفر عميقا بداخله ويبحث عن أجوبه، هل هو عاشق متيم بزوجته؟؟.. كيف ومتى حدث هذا؟؟...
لتسرقه ذكرياته معها منذ بداية لقائهم... غضبها، جمالها الساحر الذي سرق النوم من عينيه، عنادها، عقيقها المخضر والبراق، ابتسامتها الخلابة، دلالها، همسها، مشاكستها، ومواقفهما المضحكة والجدية، و صور حميمية، كلها جالت بفكره صورة تلو الأخرى وأنفاسه تستعر ومشاعره تطفح لتعلن عن نفسها، وقلبه يطرق بكل قوته مخبرا إيها بأنه قد عجز عن افهامه بما يحدث معه، لكنه كان غافلا عن كل تلك الاشارات والتنبيهات التي كان يخبره به قلبه، وللأسف علمها بوقت متأخر.
نهض من الفراش بسرعة كمن لدغته عقرب وقام بتغطية ابنته جيدا والتفت يتطلع لطفله النائم قرير العين بالسرير الآخر واتجه بسرعة ناحية الحمام ليسكب على جسده ماء بارد لعله يستيقظ من أوهامه، هو لا يحبها، هو لا يعشقها، هو فقط... هو فقط... هو ماذا؟؟... هو ماذا؟؟... يجب أن يعرف، يجب أن يتكلم وإلا سينفجر من فرط عدم معرفته بما يجول ويصول بداخله، ومن أفضل من شقيقه وصديقه سالم ابن عمه ليخبره بما غفل هو عنه.
ارتدى ملابسه ثم خرج بهدوء قاصدا المطبخ وهناك تجمد بمكانه وهو يرى حوريته قد تجسدت أمامه بلباس نوم قصير يكشف ساقيها القشديتين، ضيق يحدد جسدها، وموضحا رشاقة خصرها ومبرزا نهديها اللذان ازدادا حجما إثر حملها بشكل ملفت للنظر، وشعرها قد كومته بجهة واحدة موضحا وجهها الخالي من مستحظرات التجميل، كانت جميلة، فاتنة، مؤلمة لدرجة صدر منه أنين جعل جسده يستعر وينصهر، وخافقه يعلن عن وجوده، فما كان منه سوى أن اقترب منها دون أن يشعر بساقيه وهي تقوده كأنه قد غيب عن عالمه وصارت هي محورها فقط ولا حياة له دونها.
غاب ورغب، هاج وطاق، اقترب وتنشق، ثار ووزأر، ولمس وانتهى.
احتضنها ومرغ وجهه بشعرها ولتجن جنون عواطفه الصائمة من بعدها وهمس باسمها باشتياق ووله طاق له قلبه وبدنه:
- عنود....
واستنشق عبير شعرها وجسدها وتهجدت أنفاسه وثارت براكين حممه وجالت وصالت ذراعيه على جسدها بطوق ونهم، وأدارها ناحيته ليحيطها بشده جاذبا اياها لجسده، فتأوهت بالرغبة فما كان منه سوى أن صرخ بعدم قدرته على التحمل فانخفض وسقطت شفتيه على موطن خطيئتها ليغرقا منتشيان بلذة التحامهما، لمسها وقبلها، وتحركت أصابعه بمهارة على جسدها كمن يعزف على أوتار الكمان، وشفتيهما كانتا تدوران بمعركة الحياة أو الموت، فتشبث كلاهما ببعض كما طوق النجاة.
وهمس بشجن باسمها عدة مرات كأنه يستلذ به ويستطعمه على لسانه بعد أن غاب طويلا عنه:
- عنود... عنود.. عنود..
اعتصرها بشدة يكاد يدخلها لتكون بين ثنايا أظلاعه، لتتمسك به محيطة ذراعيها حول رقبته تدنيه منها لتستسقي من أمطار الخير ولم يشعرا سوى بأرواحهما التي طاقت للقيا طال انتظاره.
قلوب تناجت وغنت طربا، وجسد صرخ ببهجة السعادة والمطالبة بما له حق به، ولكن عندما يستيقظ العقل من غيبوبة السحب الوردية حتى يعود واقعنا الأليم بأتراحه وأحزانه مخرجا إياهم من بين الضباب الذي التحفهم.
- بابا... أبي ماي، عطشانه .
ووقفت تفرك عينيها والنعاس يغالبها ولم ترى وتنتبه للجسدين اللذان توسدا أرضية المطبخ، ولا الجمود الذي طغى عليهما لثوان فقط حتى ارتدت من كانت تحت جسده تناغيه الاستمرار بما كان يفعله بها حتى تحولت طريقتها من جذبه ناحيتها إلى دفعه وبكل قوة بعيدا عنها ونهضت تداري خزيها بالاستسلام له وقبل مغادرتها رمقته بنظرة استحقار أصابته بسهم حاد جعلته يدرك بأنه رجل مخادع ومستغل.
نهض متثاقلا ملتقطا قميصه من الأرض وعاد لارتدائه وبرودة حلت مكان الحرارة التي كانت تخرج منه للتو وتطلع لابنته فوجدها قد اتكأت على الباب ونامت وهي واقفه.
- شكلي بمرض أنا بهذي الأيام من كثر ما أتسبح.
حمل كأس الماء وسقاها ثم حملها وأعادها للفراش وبقلبه ألم شديد حتى أقسم بأنه شعر به وهو يتفتت لأشلاء، وتساءل وهو تحت رذاذ الماء البارد.. هل هذا ما شعرت به عندما قام بطردها من منزله؟؟.. هل شعرت بنفسها تموت قبل أوانها عندما لم يصغي إليها؟؟.
أغلق الماء ليهمس لنفسه...
- عيل إنت تستاهل إنها ما تسامحك، لأن لو كنت مكانها ماراح أقدر أسامح.
ارتدى ملابسه وخرج مغلقا الباب خلفه بهدوء وانطلق مغادرا من الشقة ومن الشعلة المتوهجة التي تركته يلفظ أنفاسه الأخيرة وحقيقة انجلت أمامه أخافته، لكن أين المفر؟؟.. فما وقع قد حكم عليه، وما تربع على كرسي العرش أقسم أن لا يتزحزح.
فآه من حب لم يظهر للنور بعد.
وآه من حب تقاسيه لوحدك دون رفيق يعينك عليه.
وآه من حب تراه قريبا لكنه بعيد كبعد الشمس عن الأرض.
استقل سيارته بسرعة وقادها لمن هو القادر على اعانته ومده بالصبر والعزيمة، فمن غير الواحد الأحد القادر على اعانته بمصابه.
وبالجهة الأخرى .....
جلست على سريرها منكمشة على نفسها وجسدها يرتجف من فرط غضبها وحنقها على نفسها، لقد استسلمت له من أول لمسة وأول همسة، وانساقت خلف مشاعرها المهتاجة والمحتاجة بطوق شديد له، ونسيت كل ما فعله بها، وتذكرت ما حدث معها ........
استيقظت قبل آذان الفجر بقليل اثر حلم جعلها تغرق بعرقها وجسدها يرتعش من أحداث حلمها الذي احتوى صور مثيرة لشخصين بوضع حميمي وجلست تتنفس ببطئ تهدء من عواطفها المشتعلة، إلى أن سمعت زقزقة معدتها التي أنقذتها من براثن أحلامها.
خرجت من غرفتها متجهة للمطبخ ونسيت بأن هناك من يشاركها خلوتها ووقفت أمام الثلاجة وعيناها تدور بمحتوها حتى شعرت بأحاسيس غريبة تتسلل إليها وخلاياها تخزها، وتقافز قلبها كما الألعاب البهلوانية وما هي إلا دقائق حتى اجتاحها طوفان جارف سحبها لأعماقه سارقا إياها للبعيد وآخذا بها بجنون عواطفها التي أرادت الهرب منها، وها هو الحلم يتحقق!!.
تقبلت تلك الذراعين المحيطة وانتشت بها، نبضت عروقها وفارت دماؤها والرغبة تتملكها، فتاهت وضاعت بغياهيب جنون الرغبة.
خنقت تأوها آخر كاد أن يخرج من أعماق قلبها ووجع استبد بخافقها وعاتبته بلوم....
- إلى متى ستظل خاضعا لجلادك؟؟.. إلى متى ستنوخ تحت الأقدام؟؟.. ألا تعتبر؟؟.. ألا تملك كبرياء لتغني بكل مرة تراه؟؟.. لا أريد أن أذل بسببك!!.. لا أريد أن أخفض هامتي أمام أي أحد!!.. لذا عليك أن تجمد وتتحلى بالقوة، فما عاد له مكان بداخلي.
أسمعها؟؟.. لا تعرف!!.. هل سيخضع لها أم له؟؟.. أيضا لا تعرف!!.. لكن كل ما تعلمه بأنها لن تنحني له أبدا مهما حدث.
*******************************
ارتدت ملابسها على مهل ومن ثم ارتدت عباءتها ولفت شيلتها على رأسها وخرجت تتسلح بالعزيمة للقتال للنهاية .
- صباح الخير على الحلوين.
ليجيبوها بابتسامة خلابه:
- صباح الخير يا ماما
- ها... فطرتوا ولا بعدكم؟؟.
- قاعدين نترياج علشان تاكلين معانا، وبعد أخوي الصغير يفطر معانا .
أجابتها حنان وهي تنظر لبطنها وتابعت:
- ألحين هو كيف ياكل؟؟... هو عنده أسنان؟؟.
جلست عنود بقربهم وأجابتها وهي تسحب لها رغيف من الخبز وتدهنه بالزبدة والمربى ولم تسأل عن الغائب عن الطاولة فقد اعتزمت عدم وجوده:
- هو ياكل لما أنا آكل حبيبتي.
وقضوا الفترة بتناول الافطار والاستفسار عن الطفل المنتظر ومتى سيخرج وعندما حان وقت الذهاب الطفليين للمدرسة قبلتهم ولوحت لهم وعندما همت بالمغادرة هي أيضا بعد أن جمعت كتبها وحقيبتها فتحت الباب لتصطدم به من سرعتها بالخروج لتأخرها، فكادت أن تسقط لولا ذراعيه القويتين اللتان احتضنتاها بالقرب من صدره ولم تترك المجال لأحاسيسها لتتشكل فكأنما أفعى سامة قد واجهتها حتى دفعته بكل قوة بعيدا عنها وصرخت به مهدده:
- يا ويلك إن لمستني ولا قسم بالله ألم عليك الجيران.
ابتسم بتهكم وألم وقال باستهزاء:
- والله ما كان هذا رايج قبل شوي لما كنت تذوبين بين ايدي، وتصرخين إنج تبيني.
أخرسها ولم تستطع الرد فما كان منها سوى أن ترحل محتفظة بالبقية الباقية من كرامتها حتى أوقفها قائلا وهو يهم بالدخول لتغيير ملابسه والخروج لعمله:
- اختج آمنة بتزورج بعد شوي.
وتوقفت بمكانها وهمست باسمها كمن تذكرت للتو بأن هناك من يهتم بها:
- أمون....
وتابع الآخر:
- منصور اتصل وقال هي بتي فما له داعي اليوم تروحين الجامعة.
وبزق باقي جملته ونار تستعر بجوفه فتصهره ولا يعرف مصدرها:
- ولا في حد هناك مهم تبين تجوفينه وما تقدرين على افراقه ولو يوم واحد؟؟.
والتفتت تتطلع إليه وأجابته باستفزاز وهي تعود للداخل:
- تبى الصدق؟؟... هيه في حد ما أقدر يطوف يوم وما أجوفه.
وسكبت الماء على الزيت ووقفت تطالعه بعيون قوية دون أن تأبه للشياطين التي تتقافز أمام عينيه ونية الفتك هي ما تهدر به، ولأنه عاهد نفسه على الصبر عليها وعودته لسابق عهده فما كان منه سوى أن حدجها بعسله الملتهب ومن ثم تحرك بقوة غضبه لغرفته مغلقا بابها بقوة حتى ارتجت له أركان المنزل على اثره.
تنفست بعمق مخرجة ما بداخلها من ضيق ومن ثم عادت أدراجها ناحية غرفتها.

********************************
شوق وحنين، وحب ولهفة، وجسد مهجور اشتاق لحضن يعيد له انتماءه لهذا العالم.
وحدة قد قتلتها، وعائلة قد نبذتها، وأحباء قد غادروها لتترك لهواجس الفراغ والألم والاحباط، ووساوس شيطان أحب التلاعب بأفكارها المتضاربة من مشاعر شتت أحاسيسها...
- لما أنا جئت لهذا العالم؟؟... لما تكونت برحم أم لا تعرف معنى الأمومة؟؟.. لما لم أكن مع عائلة أخرى؟؟.. ولما؟؟.. ولما؟؟...
ليس اليتيم فقط من يعاني من الحرمان من مشاركة عائلته بأفراحها وأتراحها فحتى من يعيش بكنف عائلة يتذوق من كأس اليتم، فمن اختار الشيطان طريقا له واتخذه رفيقا له فلا تنتظر منه أن يلتفت إليك ليعيد قراره، فالأنانية وحب الذات هما من يطغيان أمامهم، ولا يدركون ما خلفوا خلفهم من دمار للأرواح والقلوب النقية.
وسادة قد أغرقت بدموع الضياع فالتقفتها تشاركها همومها وأحلامها بعائلة تكون لها أمان وسند وحب واهتمام، لكنها تعود وتستيقظ بعالم الواقع القاسي ألا وأنها قد جاءت فقط لتكمل عدد ما أو ربما هي غلطة!!.
استيقظت هذا الصباح على غير عادتها... كانت مليئة بالنشاط والحيوية، وعينانها تبرقان بالسعادة، ودارت حول نفسها وهي تحدث نفسها:
- يا سلام اليوم بروح عند عنود، اليوم بجوفها
ورفعت يدها وعيناها للسماء وناجته بتضرع:
- يا رب العباد ارحم حالي وخلني أجوف أمي واختي وكل هلي عنود اليوم، ولا تحرمني من شوفتها.
ارتدت ملابسها المدرسية وحملت حقيبتها وهي تدندن بأغنية ما واتجهت ناحية المطبخ وأخذت رغيف من الخبز ودهنته بالجبن وبدأت بتناوله ولم تلتفت حولها كما العادة لتتطلع للكراسي الفارغة من أصحابها، ولم تفكر وتتخيل كيف تكون العائلة بالصباح الباكر، فاليوم لا وجود للحزن والدموع، فبعد قليل ستلتقي بمن أحاطتها بعنايتها، واحتوتها من براثن الجفاء والجفاف، لقد استكثروا عليها سعادتها بها فنفوها للبعيد.
انتهت وخرجت ولم تنظر للأركان الخالية من ضجيج أصحابها، فدائما ما تخيلت بأن هذا المنزل مسكون بالأشباح فقط .
وبلحظة إلتفاتة صغيرة هربت مقلتيها ناحية المنزل قبل أن تستقل الحافلة وهمست أيضا بأمنية:
- يارب ييجي يوم أطلع من البيت ده وأرتاح.
ركبت الحافلة وانطلقت لوجهتها... المدرسة وهناك ترجلت منها ولم تدخل بل انزوت بركن قصي كي لا يلحظها أحد ما ويجبرها للدخول للمدرسة ويحدث بعدها مالا يحمد عقباه.
انتظرت فَرَسِها لينقلها بسرعة الرياح لمن هفى قلبها إليها، وشاهدت السيارة من بعيد وهي كما وصفها لها.
طرق قلبها بلهفة، وارتفع صدرها بوتيرة سريعة، وارتجف جسدها باشتياق، ستلقاها وستتمسك بأحضانها ولن تتركها أبدا، فبدونها الحياة لا طعم لها.
توقفت السيارة بالقرب منها وما هي إلا لحظات حتى فتحت النافذة ليطل من خلفها شاب بمقتبل العمر وسيم الطلة ونظارة شمسية تغطي عينيه وكانت أحاسيسه مشابه لما تشعر به بفرق أنها كانت متلهفة لشخص آخر، أما هو فمتلهف لرؤيتها كي يحتفظ بصورتها بذاكرته.
ناظرها من خلف نظارته التي حجبت تأمله لها، كان يراقبها من بعيد وهي تتلفت باحثة عمن ستقلها لمن احتوتها دون أي مقابل، ابتسامة كبيرة زينت ثغرها وهي تراها تقترب منها وعندما توقفت سيارته اتسعت شفتيها ثم ما لبثت أن تكسرت وهي تشاهد من بالداخل.
- السلام عليكم.
ولم تجبه بل قطبت حاجبيها وتحركت مغادرة بعيدا عنه عائدة لركنها، فاستغرب الأمر وناداهها:
- شو السالفة؟؟.. تعالي واركبي.
والتفتت إليه والحنق يظهر على ملامحها الفتية وصرخت بأسنان مضغوطة بقوة بفعل غضبها من استهتار شباب هذه الأيام:
- صدق إنك قليل أدب وأهلك ما ربوك صح.
بهت من هجومها وهمس لها:
- شو السالفة؟؟... ترانا متواعدين!!.
نبضت نواذجها، واشتعل فتيل غضبها، وهدرت به دون أن تأبه بمن يسمعها:
- أنا مواعدتنك يا قليل الأدب؟؟.. وتعرف تكذب بعد!!.. روح ودور على البنت يلي واعدتها مب توقف عند بنات الناس المحترمين، وتتبلى عليها.
وما هي إلا ثوان حتى انفجر ضاحكا ومقهقها بصوت عالي وجاء دورها لتستنكر وتندهش من ضحكه الغير مبرر، وظل يضحك دون أن يقدر على التوقف لمعرفته بما دار بخلدها البريئ حتى سألته بصوت غاضب:
- ما أظن إني قلت شي يضحك؟؟
وأجابها من خلال نوبة ضحكه الهستيرية:
- والله إنج ضحكتيني، أي.... بطني يعورني.
رمته بنظرة مشمئزة ومن ثم ولت مغادرة فعاد يناديها وهذه المرة تمالك نفسه:
- آمنة... تعالي يا بنت الحلال، أنا منصور .
وتوقفت بمكانها وناظرته من فوق كتفها وهمست باسمه بتساؤل:
- منصور....
حرك رأسه موافقا وسألته وهي تعود لتقف بالقرب منه:
- انت منصور ولد خالتي خديجة؟؟
وأظهر صف أسنانه الؤلؤية وأجابها:
- هيه أنا منصور ولد خالتج خديجة، وألحين بتركبين ولا؟؟.
- بس انت قلت بطرش السايق، ما قلت انك انت يلي بتحضر ولا ما كنت سبيتك وسبيت أهلك.
وهنا تكسرت جملتها الأخيرة وهي تتذكر ما قالته له والخجل قد لون وجنتيها، لكنها عادت لتهتف مدافعة عن نفسها:
- أصلا تستاهل!!.. انت ما قلت إنك انت يلي بتي.
ظل يراقبها وابتسامة مشعة تتوسد شفتيه حتى قال:
- السايق مرض وما هنتِ علي انج ما تجوفين اختج اليوم، فقلت أنا بجيبج، وما عرف رقمج علشان أتصل فيج وأخبرج بيلي صار.
عضت شفتيها باستحياء من تسرعها بقذفه باتهاماتها واحمر وجهها باحمرار سلب لبه وهمست بتأتأة وعيناها تتأمل التربة:
- أنا... أنا... آسفة!!.. والله مكنتش أعرف!!.
ومازالت شفتيه تتشدق بابتسامته المشرقة ليرحم حالها ويجيبها:
- ولا يهمج
وأكمل الباقي بداخله:
- أنا كذا ارتحت من انج مب مثل اختج.
وتابع بعدها بصوت عالي:
- ألحين بتركبين ولا بطلتي الروحة عند اختج؟؟.
تردد طغى عليها من الصعود معه ليكمل هو وقد علم سبب توترها وترددها:
- أنا جبت الشغالة معاي علشان تونسنا شوي.
ابتسمت له وهزت رأسها موافقة واتجهت ناحية الباب فتحته لتتطلع للخادمة التي بادرتها أيضا بتحية وابتسامة، فجلست بجانبها لتنطلق بها السيارة لمن اشتاقت لحنانها.
يا ربيع الحب قد هللت سهلا وحللت مرحبا.
فاحت عطور الورد تعلن أفراحها.
فسهام الحب تطايرت تصيب أحبابها.
فغردت الطيور بأعذب الألحان .
وتراقصت القلوب على أجمل النغمات .
فما أجمله من حب يولد من بين الركام .
مرآة عينيه لم ترى سوى انعكاس صورتها، وأنفه لم يلتقط سوى رائحتها، وجسده استشعر ذبذباتها المتململة من تلصصه عليها، فأراد أن يخبرها بأن لا يد له بما يحصل معه فقد استحكمت وانتهى أمره.
وصل لوجهته وكم تمنى أن يطول الطريق إلى مال نهاية، فبالرغم من الصمت الذي احتل السيارة إلى أن مشاعرهم قد تناغت وتحدثت بلغة واحدة عرفت منذ الأزل.
توقفت السيارة وهمس لها وهو يناظرها من مرآة السيارة الأمامية:
- وصلنا.
وأجابته بخفوت وهي تخفض رأسها بخجل من تحديقه المستمر بها:
- شكرا
وترجلت بسرعة هاربة من أحاسيس تخيفها، وبنفس الوقت عشقتها وانتعشت روحها بها، وسارت بخطى سريعة ناحية البناء الضخم واستقلت المصعد كما قال لها للدور الثاني وقلبها يدق بداخلها كما السنديان العملاق حتى اعتقدت بأنه سيخرج من مكانه .
فتح الباب وخطت ناحية من اشتاقت لأمومة لم تستشعرها سوى معها هي، وتوقفت عند عتبة بابها وقد اختفت الأصوات من حولها ولم تسمع سوى هدير نغمات قلبها.
رفعت يدها وطرقة خفيفة تبعتها أخرى وبات تنفسها سريعا وواضحا.
وهمست بشوق:
- افتحي الباب يا ماما عنود، أفتحي بسرعة وضميني، خيفة لأموت وأنا لسة مشفتكيش، افتحي يا ماما أنا آمنة، افتحي ونوري حياتي يلي معدتش زي الأول.
وفتح الباب وأطلت من خلفه كما نور الشمس التي أضاءت حياتها الكئيبة والمظلمة، وتأملت ملامحها المشوشة بحنين إثر دموعها المترقرقة التي ماجت بداخل جفنيها وبعدها انفجرت باكية شاكية فراقها، ناعية أم لفظتها وتركتها تقتات الحب من أم بديلة، ليأتي ذلك اليوم الذي اجتثوها من صدرها دون أن تأخذهم رحمه بها.
وهمست لها بصوت شحيح متوسل:
- ماما متسبينيش لوحدي، خيفة لموت ومحدش يسأل علي.
تلقفتها على صدرها الحنون كما تمنت وطاقت له، وتشبثت بها وهي تنعي حياتها البائسة دونها، لتحتويها بذراعيها وتطبطب على ظهرها بكل الحب الذي يحتويه صدرها لهذه الصغيرة، واعتصرتها بتوكيد بأنها لن تتخلى عنها أبدا.
- أمون حبيبتي اشتقتلج يا أغلى الناس، ويا ريحة هلي.
وقف يراقبها من بعيد بعد أن اجتاحته رغبة قوية بمشاهدة هذا اللقاء، ورؤيتها منهارة هكذا اعتصر خافقه بشدة، ورغبة كبيرة بأن يحتل مكان من تعانقها بكل طاقتها ليهديها الطمأنينة التي تنشدها، والسند الذي تبحث عنه، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
وبعدها اختفت عن أنظاره بعد أن سحبتها العنود للداخل وأغلق الباب وعاد هو يسير بخطى وئيدة ويتفكر بالحال الذي وصل إليها، ويتفكر إلى أين سيأخذه هذا الطريق؟؟.. وإلى أين ستصل به مشاعره ناحية الطفلة الصغيرة؟؟.

******************************
يا بحر أنا بسألك عن مبعد الدار
يلي من الأشواق مبرد وخالي
انته طويت بلجتك علم وأسرار
وأنا طرالي من الهوا ما طرالي
عودتلي من ماضي الوقت تذكار
تذكار خلٍ أبعدته الليالي
وأسباب ظرف حط في خافقي نار
سوا لهبها داخل الصدر صالي.
يا ليت يدري ناعس الطرف وش صار
إن جان ما خلانيه بجو خالي.
لأنه يعرف إني من الناس ما أختار
غيره ولا أبدل سواهم بدالي.
ليته ينشد عن حالتي وتيه الأخبار
ويجوف مضنون الحشا كيف حالي
هو نور عيني والغلى وزهوت الدار
في بعدهم ضاق الفضا والمجالي.

كلمات الشاعر... علي بن سالم الكعبي.

وقف يطالع البحر وكلمات الأغنية التي تصدح من مسجل السيارة تتغلغل لأعماقه بحقيقة يحاول تغافلها، فحياته دونها لا تسمى حياة هو يحبها بل يعشقها لحد عدم قدرته للتفكير ببعدها عنه.
تنشق عبير البحر بهواءه المنعش ساحبا هواء نظيفا ثم زفره مخرجا ما يعتمله من ضيق وناظر البحر بزرقته وبأمواجه المتهادية كما راقصة الباليه لتنتهي رقصتها على الشاطئ خاتمة بها جولتها .
- اليوم البحر حلو صح؟؟.
تحدث ابن عمه ليهز الآخر رأسه موافقا ولاذ لصمته فاحترم سالم رغبته ووقف بجانبه يطالع البحر ويتذكر اتصال شقيقه برغبته بحضوره فلبى النداء بسرعة فقلما حمدان يطلبه ويكون هذا فقط للضرورة القسوى، وهذا ما شعر به عندما حضر وشاهده يقف ويراقب زرقة المياه بعيون شاردة، فرفيقه يحتاجه وبشده ليدله لطريق النجاة من براثن وحدته التي اختارها قصرا.
وبعد فترة من السكون تهاد إليه صوته خفيضا لكنه واضح:
- أنا أحبها.
هو يقول حقيقة، ولكنه يحتاج لتأكيد ووصله الجواب:
- هيه.. تحبها، بس ما كنت تنتبه .
شخر من نفسه وقال:
- وأنا يلي كنت أقول مستحيل أحب مرة ثانية وهذا أنا رجعت وحبيت.
فتحدث سالم نافيا ما قاله:
- لا يا ولد العم إنت ألحين حبيت، انت حبيت العنود مب الجوري، حرمتك الأولانية أبدا ما حبيتها إنت تزوجتها بس لأنك جفتها مناسبة لك، أما العنود فهذي شي ثاني.
أخذ أنفاسا عميقة ثم زفرها وعاد يراقب المياه المتلألأة إثر انعكاس أشعة الشمس عليها، وتابع بصوت هادئ:
- أنا ضيعتها من ايدي.
وسارع الآخر رافضا استسلامه:
- كل مشكلة ولها حل يا خوي، عنود محتاجة شوية وقت وصبر علشان تنسى وتسامحك.
- قالت ما راح ترجع شو ما سويت أو تأسفت.
تنهد بحرقة قلب واستطرد بضعف يراه سالم عليه منذ أن دخلت عنود حياته واستطرد متابعا:
- يلي سويته فيها شي كبير يا سالم وصعب ينغفر.
وضع سالم كفه على كتفه بتآزر وهتف:
- لا تقول جذا!!.. وإن شاء الله بتسامح، بس مثل ما قلتلك هي تحتاج للوقت والصبر.
- تتوقع راح يجي اليوم وتسامحني؟؟
وأجابه بواقع يعلمه فحبها لحمدان كبير جدا، هي فقط تحتاج للنسيان ليلتأم جرحها.
- قول إن شاء الله، وتوكل لربك.
ليهمس خلفه:
- إن شاء الله.
******************************
يا سنين حب انتشى بين الأضلاع .
يا فرحة عمر اخترته لينير طريقي .
يا بهجة النفس ويا مهجة الفؤاد.
رفيق دربي كنت ومازلت
واسم تربع على عرش قلبي .
بنيت لك في خافقي قصرا
لأستيقظ على سراب واقعي.
بحثت عنك بين خيالات البشر ولم أجدك!!.
لتصدمني خيبة أمالي .
تهت وما عدت أعرف طريقي .
وضياع أشعر به ينخر عظامي .
ومالي إلا الاختيار !!.
حب سيبقى ويتخلد بين أضلاعي .
لكن.. ما عدت أطيق الصمت هربا .
اخترت دربك وسأختار دربي .
وللـ لله أتوكل، فهو أدرى بشؤوني.

( خديجة )

تناظر حقيبة ملابسها إن نقصها شيء ما وتحركت متجه ناحية طاولة الزينة لتأخذ معها بعض الأشياء وهناك توقفت تتأمل الصورة التي قابلتها، كانت امرأة بآخر الاربعينيات، شعرها ناعم يشابه بلونه غروب الشمس فقد اختارت لونه بدقة وعناية مثل اختياراتها، وقصته بشكل تدريجي ليغدوا كثيفا ومتمردا، عينيها مكحلة بسواد يشابه لون مقلتيها، بيضاء البشرة، جميلة بحكمتها وفطنتها، مبتسمة الوجه لكن بالآونة الأخيرة قد خطفت منها.
تراجعت للخلف قليلا لترى جسدا مكتمل الأنوثة بالرغم من انجابها لثلاث فتيان إلا أنها ماتزال رشيقة القوام، هي دائما ما كانت تهتم بمظهرها من أجله لكن الآن.......
ظلت تتأمل شكلها وتتلمس وجهها وجسدها وتتساءل.. هل كبرت بالسن ولم تعد جميلة؟؟... أهذا هو السبب؟؟... لتعود وتنفي وهي تشمخ برأسها للأعلى
- لا يا خديجة لاتلومي نفسج على غلطة غيرج يلي ارتكبها، انت ماقصرتي معاه ولا مع نفسج فعلشان جذا لاتسألين إذا الغلط بشكلج ولا بسنج.
ولم تشعر بالرجل الواقف خلفها يتأمل رفيقة دربه وحبه الأوحد والأخير.
اشتاق لمرآها، والشعور بحنانها وبحبها، ورغبت نفسه الطائقة للابحار بين قسمات ملامحها المشرقة، لكن يبدوا أن التيار كان عنيفا عليه ليسحبه بعيدا عنها ولم تعد قدرته للمتابعة تعينه على البقاء بجانبها.
فهمس باسمها بعذاب رجل عشق امرأة لحد النخاع، وبيده تركها تنسل من بين أصابعه:
- صدقيني انج جوهرة نادرة ومافي حد مثلج.
وتخشبت بمكانها عندما تهادى إليها صوته، وصاعقة قصفت مصدر حياتها، لم تتوقع أن تراه مرة أخرى منذ ذلك اليوم الذي أصدرت فيه فرمان بحقه بعدم رغبتها برؤيته أمام ناظريها، ومنذ ذلك الوقت قد اختفى بالفعل، كم آلمها بعده، وكم شعرت بالفراغ ينهش أحشائها برحيله بهذه السهوله دون أن يقاومها ويحاربها من أجل البقاء بجانبها، لقد انهزمت وصارت بقايا أنثى لم يرحمها الزمن وهي بهذا العمر.
اقترب منها والأمل يحثه بأن يحاول أن يعيد المياة لمجاريها، وهي ستسامحه لأنها تعشقه:
- سامحيني يا الغالية...
سكت يزدري لعابه بصعوبة والتوتر يشله عن التفكير بماذا يقول ليجعلها تغفر، وعاد يهمس ويرجوا فما فائدة الكبرياء إن كان سيجعله يفقد أغلى ما يملك:
- سامحيني يا الغالية ..
وأغمضت عيناها ترجوه البعد، تتسوله تركها، فجرحه كبير فما عاد ينفعه لا طبيب ولا دواء، وهمست بعذاب:
- أسامح على شو يا ......
ماذا تسميه الآن؟؟.. ما هي الصفة التي تناديه به؟؟.. تحبه ولن تنكر هذا، وتعلم بأنه يستحيل زعزعته من مكانه بهذه السهوله، فحب عشعش بين الأضلاع منذ غابر الأزمان يستحيل أن يتزحزح من مكانه، لكن ما فعله بها لا يغتفر!!.
- أنا آسف!!.. كانت... كانت.....
أشاح بيده يبحث عن تعريف لما قام به لتجيبه هي وقد أدارت جسدها باتجاهه:
- كانت غلطة... كانت تجربة وما كانت راح تطول، بس كل شي تغير، والقوانين يلي حطيتها انقلبت ضدك، صح يلي قلته؟؟
ووقفا يتطلعان لبعضهما بمواجهة قد طال انتظارها، فالهرب من المحتوم لم يكن حلا لمواجهة مشاكلك، عليك أن تقف أمامها وتتصدى لها مهما كانت قوية وغير قادر على تحملها.
تأملته بتفحص لقد تغير ولم يعد كما كان، لقد شاب الأبيض شعره بكثره، والتجاعيد قد ملأت وجهه، والهرم قد ظهر جليا على ملامحه، وظهره قد تقوس بانحناء واضح، لقد غدى كهلا ولم تترفق به الأيام. فهمست بوجع وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه فآلمه صدها:
- شو المطلوب مني ألحين يا بو سالم؟؟.
تقدم خطوة ناحيتها وأجابها بانكسار:
- ارجعيلي يا الغالية، تعرفين شو كثر أنا أحبج وما في بحياتي غيرج انت وبس.
ضحكت بسخرية وسألته بتهكم والعذاب يتقمص صفحة وجهها:
- وهاذيج يلي هناك منو تكون بالنسبة لك؟؟.. والبيبي يلي جاي بالطريق منوا يكون لك؟؟.
هزت رأسها وتابعت:
- ما عدت أنا الوحيدة بحياتك، لأنك اخترت مين يشاركني فيك.
واستعد للخطوة التالية ليكون بالقرب منها، لكن ما قالته بعدها جعلته يتراجع خطوة للخلف، بل خطوات لتطول المسافة بينهما:
- لو سمحت!!.. انت اخترت فخليني أنا بعد أختار الدرب يلي أبيها.
وهتف بحرقة قلب:
- خديجة..... .
وكاد قلبها أن يهفوا إليه فمهما حدث هو حبيب القلب، حبيب الطفولة ورفيق دربها ونصفها الآخر، فبدون سالم لا وجود لخديجة، ولكن صورته مع أخرى جعلت خافقها ينزوي بركن مظلم وأخذ يشاهد من بعيد كأن ما يحصل لا يبت له بأي صلة، وقالت بثبات:
- لو سمحت يا بو سالم!!... اتركني لحالي وخلني أروح بطريجي.
ولم يستطع سوى الهدير بصوت معذب وهو يتقدم ويمسكها من أكتافها:
- وتقدرين تعيشين بدون سالم حبيبج؟؟... تقدرين تنامين بدون صدر سالم؟؟.. تقدرين......
وقاطعته بدفعه بعيدا عنها لتسقط ذراعيه بجانبيه وهي تصرخ بجرح امرأة قد طعنها حبيبها بظهرها:
- وانت قدرت تعيش بدون حبيبتك، قدرت تنام بحضن وحدة غير خديجة، وقدرت... وقدرت....
وصمتت تلتقط هدير أنفاسها واستطردت تشير إليه ثم إليها:
- ليش رضيت لنفسك ولي أنا مرضيت؟؟.. ولا هو حلال عليكم وحرام علينا؟؟.
وضربت على صدرها وزعقت بأعالي صوتها تخرج أنين تقيحها:
- قول لهذا يسامحك على انك خنت عهودك ووعودك له، خنت حبي لك، خنت ثقتي فيك وتركتني بعيون مغشاية وحضرتك كنت تلعب من وراي وما اهتميت فيني وما همك زواجنا، ما فكرت غير بنفسك وبس وبيلي تبيه والباقي ما يهمون.
وأخفض رأسه بانهزام ولسانه ويداه قد قيدتا بأغلال تهوره وعبثه، فشخرت وقالت بجمود:
- ما عاد يهم!!.. يلي صار صار ومحد يقدر يغيره.
ورفع رأسه وبصيص نور يلوح له بالأفق وتابعت هذه المره بهدوء:
- قراري راح أقوله بعد ما أرجع من العمرة إن شاالله، ولو سمحت شو مكان قراري لازم تلتزم فيه وتوافق عليه شو ما كان.
وسمع دوي تحطم قلبه لأجزاء صغيرة سيعجز عن لملمته لا محال وتحركت مغادرة وفؤادها يعتصر كمدا على حال حبيبها، لكن ما باليد حيلة، وقبل خروجها همست:
- الله يسامحك على يلي سويته فينا.
وخرجت مغلقة الباب خلفها لتتركه يتجرع من كأس الحرمان الذي أذاقه إياها.

*************************************
وفي مكان آخر ........
أغلقت الهاتف لتسارع صديقتها متسائلة:
- ها يا شهد شو قالت عنود؟؟.. ليش ما يت لين ألحين؟؟.. هي بخير؟؟
لتجيبها وهي تضع هاتفها بالحقيبة:
- ما عليها إلا العافية، بس تقول إن اختها أمون بتي تزورها وهي مشتاق لها وايد.
فتنفست ميثة الصعداء وهمست:
- الحمدالله حسبت صار فيها شي وهي وحدها في الشقة وما ندري عنها شي.
لتهتف شهد قائلة باندهاش:
- ليش.. انت ما تعرفين شو صار معاها؟؟
قطبت ميثة حاجبيها وسألت:
- أعرف شو؟؟
فسحبتها شهد ناحيتها واحتضنتها من كتفها وأسرت لها بصوت خفيض:
- أنا ما قلتلج إن ريلها رجع لها وهو ألحين ساكن معاها بشقتها لما هي حلفت ما تسكن معاه بالبيت العود.
دفعتها ميثة عنها وهدرت فيها على غير عادتها:
- وشو؟؟... أنا آخر من يعلم!!.. ليش ما حد خبرني؟؟.
تأففت شهد وأجابتها:
- طيب تعالي عندي ولا عاجبنج إن الناس تطالعنا؟؟.
أصابها الخجل وهي ترى الطالبات يناظرنها بفضول وأخفضت رأسها باستحياء لتسحبها شهد قائلة:
- بصراحة الله يعين الريال يلي بياخذج!!.. ترى قالوا "يلي اختشوا ماتوا" وانت حضرتج كله مستحية، عيل شوبتسوين مع ريلج لما تكونون مع بعض؟؟.
وصاحت فيها ميثة واللون الأحمر يغزوا وجهها:
- شهد خلاص، تراني بزعل منج!!.
- انزين خلاص كل شي ولا زعلج يا الخجول، وألحين تعالي أقولج يلي صار للعنود.
وأخبرتها بكل شي لتقول ميثة بعد فترة من الصمت:
- تبين الصدق هو ريلها صح غلط بس الشي الزين انه جا معترف بغلطته ومب مثل باقي الريياييل جنهم ما سو شي.
- كلامج صح بس تعالي قولي يلي راسها اليابس شو يلي يقنعها؟؟.. أنا لو منها وريلي هو حمدان الحلو والله لأرجع له وأنا مغمضة عيوني.
ضربتها ميثة على ذراعها لتنتبه لما تقوله واستطرد قائلة برزانتها المعهودة:
- هو بيقنعها... مثل ما جرحها هو يداويها
لتصفر شهد بمرح قائلة:
- وااااااااااااو والله طلعتي تقولي كلام كبير يا ميثاني.
فعادت ميثة لضربها على كتفها.
- وش قالولج غبية أنا وما عرف أتكلم يعني؟؟.
وما كادت شهد أن تجيبها حتى قاطعها صوت ليس بغريب:
- أهلا شهد ميثة.. شخباركم؟؟.
- هلا استاذ خليفة إحنا بخير والحمدالله.
وسأل دون مواربة بعد أن بحثت عيناه عنها ولم تجدها:
- عنود ما أجوفها يت هي متأخرة؟؟.
لتجيبه شهد وهي تدقق بصدق ملامحه المتلهفة للمعرفة عن حالها:
- عنود ما بتي اليوم، عندها ظرف خاص.
- هي بخير؟؟.. ريلها ما سوى فيها شي؟؟.
لترد عليه:
- انت قلتها يا استاذ ريلها مب حد غريب، ومستحيل في ريال يئذي حرمته!!.
- بس انت قلتي انها بتطلق فأكيد مأذيها!!.
تكتفت وسألته دون لف أو دوران:
- استاذ خليفة بسألك سؤال وأبيك تجاوبني عليه بكل صراحة وعليه يتحدد كل شي.
- اتفضلي.
- انت شو تبي من العنود بالضبط؟؟.
وقالها بقوة واصرار وبقامة مفرودة :
- أبي أتزوجها .


 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
قديم 01-01-17, 06:26 PM   المشاركة رقم: 138
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل الثامن والعشرون.......

الحب من أسمى المشاعر السامية، فمن امتلكها كأنه ملك العالم ومن لم يجده بعد قد خسر دنياه.
الحب ربما يرفعك للأعالي وربما يأخذك لسابع أرض ومن لم يتقن لعبته فقد حكم لنفسه بالموت .
والعاشق الماهر هو من يتقن لعبة الكر والفر، ولكن من لم يختبره من قبل ولم يذق طعمه أبدا عليه أن يحذر من مغبة أفعاله الغير مدروسة، فعليه التأني وعدم التسرع.
عليه أن يخطو خطوة واحدة وخلفها خطوة أخرى بطيئة لا ألف خطوة سريعة للأمام.
عليه أن يجعلها دائمة الابتسام، فألا يقال إن أردت السعادة عليك أن تسعد زوجتك!!.
تهادوا تحابوا وليس من الضروري أن تكون الهدية ذات قيمة بل تكون أي شيء المهم أن تكون نابعة من القلب.
داوم على قول كلمة "أحبك"، " انت جميلة"، "انت رائعة"، " دونك لاحياة لي" ، أنت نصفي الآخر" أو كلمات أخرى تمدحها بها، فمفعولها كبير ويسري كما الترياق الشافي للعروق الميتة .
اهتم بالتفاصيل، فما أحب لامرأة أن يهتم زوجها بتلك التفاصيل الصغيرة التي لا تلاحظ، فعندما ترى تلك الأشياء الدقيقة فاعلم بأنك قد ملكت قلبها .
والأهم اليأس عدو النجاح، فمهما بلغ بك الهم والخوف من الخسارة، لا تستسلم، فمن يعلم!!.. فما بين رمشة عين يغير الله من حال إلى حال.
*******************************
عزيمة سرت بداخله، وفوز أراده بشدة، وحب تملكه لحد النخاع، ولن يتركه أبدا، فمهما غضبت وطالبت برحيله فهو سيكون هناك معها بجانبها مهما حصل.
هو يحبها ويعشقها، كيف كان غبيا لهذه الدرجة دون أن يلاحظ هذا؟؟.
يقود سيارته منطلقا بها ناحيتها وأفكاره تتلاطم به يمنه ويسرى وتساؤلات تؤرقه... هل ستسامحه في يوم من الأيام؟؟... هل ستغفر له أخطاءه الفادحة؟؟.. يدعو ويتمنى من الله أن يرأف بحاله وأن يلين قلبها عليه وإلا ستكون نهايته الموت دونها.
وقلبه من ناحية أخرى يطرب طربا ويدق مثل الطبول، فالفرحة لا تسعه من معرفته بأنه كان يحبها، وما فعله بها كان نتيجة جرح قلب عاشق لم يتوقع من حبيبته أن تجرحه.
سيذهب إليها ويعتذر، لقد أخطأ بحقها دائما، ومنذ لقائه بها وهي تعاني
تحت يديه كثيرا، وآن أوان أن يتوقف عن ايذائها وأن يمطرها بوابل من السعادة ولا شيء سواها.
*************************
التفتت لصديقتها وهي تهز عضدها.
- شهوده والله فضيحة!!.. جايين للعنود بدون لا نخبرها .
لتسحب يدها بقوة وهي تقول:
- روحي لاه، عادي ما فيها شي، احنا أخواتها ونقدر نزورها بأي وقت.
- بس يا شهد اختها معاها، أكيد في كلام خاص بينهم .
تأففت شهد بملل وأجابتها وهي تهم بطرق الباب:
- أقول ما في اسمه كلام خاص بين الأخوات، سمعتي... احنا أخوات عنود حالنا حال اختها آمنة.
وطرقت الباب بسرعة دون أن تترك لميثة فرصة للمماطلة وما هي إلا ثواني حتى فتح الباب لتطل الخادمة من خلفه متسائلة :
- يس كان أي هيلب يو؟؟
لتبادر شهد قائلة:
- مدام عنود موجودة؟؟.
- يس...
وجاءهم صوتها من بعيد يسأل الخادمة:
- مين عند الباب يا ماري؟؟
فهتفت شهد بصوتها العالي وهي تدفع الخادمة للداخل وتدلف:
- أنا شهد يا عنود .
نهضت لاستقبال صديقتيها واحتضنتهما بحب .
- شو هذي المفاجأة الحلوة .
لتهتف شهد مؤشرة لنفسها بعلياء:
- أكيد حلوة، لأن شهد موجودة فيها.
لتضربها ميثة بغيض فضحكت عنود وأجابتها:
- أكيد... إذا مر يوم بدون لا أجوف شهودة حبيبتي بيكون يوم مب حلو.
والتفتت شهد لميثة قائلة باستهزاء وهي تحرك حاجبيها للأعلى والأسفل:
- جفتي كيف، هذي الناس يلي تعرف تمدح، مب انت ما غير تضربين وبس .
وكردة فعل سريعة لطشتها ميثة على ذراعها لتؤكد الحقيقة وهتفت:
- أقول.. خلج راكزة شوي جدام اختها لا تقول عنج ملقوفة.
وهنا تذكرت شهد وعنود آمنه فالتفتت عنود ناحية شقيقتها معرفة بصديقتيها:
- أمون تعالي بعرفج لرفيجاتي يلي قلتلج عليهم .
وأشارت معرفة :
- هذي شهد وهذي ميثة، أخواتي يلي ما جابتهم أمي.
فمدت آمنة يدها بالتحية على استحياء وهي تقول:
- متشكرين أوي على اهتمامكم بماما عنود، بصراحة كنت خيفة عليها أوي.
فاقتربت منها شهد وأحاطتها من كتفها وسألتها:
- أنا أعرف انج تتكلمين اماراتي فليش تتكلمين مصري معانا؟؟.
عضت على شفتيها بخجل ورفعت كتفيها قائلة :
- إن كنتي بتدايئي ممكن أتكلم معاكم اماراتي.
- لا حبيبتي بالعكس أنا أحب اللهجة المصرية حتى إني فنانة فيها.
التفتت عنود لصديقتيها وسألتهما بتعجب:
- بس ماقلتولي هو مافي محضارات عندنا اليوم؟؟.
لتجيبها شهد بمرحها:
- والله في محاضرات مثل الجبل، بس لما جفناج فلتي منها قلنا ليش احنا بعد ما نزوغ ونرحم عقلنا شوي من زحمة الدراسة
لتشير ميثة ناحية شهد سائلة:
- بذمتكم هذي تصلح تكون دكتورة؟؟.... الله يعين يلي بيطيح تحت ايدها
لتهتف معترضة ويديها على خصرها:
- نعم... نعم... يختي؟؟.. بؤلك ايه، هو يحمد ربنا إني أنا حعلجه.
رفعت كفيها للأعلى وتابعت:
- بصي عليها، دي فيها البركة والشفا باذن الله، وحتشوفي الكل حيجري وراي علشان أعلجه.
لتجيب ميثة :
- صحيح... صحيح، هم أكيد راح يلاحقونج بس الهدف مختلف.
تكتفت شهد وسألتها بعيون ضيقة:
- قولي يا قيلسوفة زمانج علشان شو يلاحقوني؟؟
تراجعت للخلف وهي تجيب:
- علشان يذبحونج.
قهقهة الجميع وبسعادة إلا شهد التي توعدت صديقتها بالعقاب، وانخرطوا بعدها بأحاديث شيقة وممتعة ولم تخلى جلستهم من مواقف شهد المضحكة ولا من حديث ميثة الرزين، كان يوم ولا بالخيال، أنساها همومها وأحزانها، فما أجمله من يوم عندما يلتف حولك أناس يحبونك لشخصك ويهتمون بك دون أي مقابل .
وبعد مرور بعض الوقت صرخت شهد فجأة وكأنها تذكرت شيء ما كان غائبا عنها:
- هي... نسيت أقولج على خبر بمليون ريال.
فز الجميع وأطلقوا صرخة فزع على صرختها وتطلعت شهد إليهم لترى وجوههم المصدومة والجزعة حتى انطلقت ضحكاتها مالئة المكان.
- والله... أشكالكم.... تحفة .
وعادت مقهقة حتى نهرتها عنود بعد أن استدركت أنفاسها:
- شهودة... انت ما تيوزين عن سوالفج هذي؟؟
وصفقتها ميثة على ذراعها وأنبتها:
- انت جنيتي يا شهد!!.. ما تعرفين إن الروعة ما زينه على الحرمة الحامل؟؟
تأففت شهد :
- انزين خلاص، حاشا.. ما تبون حد يستانس؟؟.. أنا آسفة ما كان قصدي بس لما تذكرت السالفة ما قدرت أمسك نفسي .
تحركت من مكانها وسحبت جسدها لتلاصق عنود وأحاطتها بذراعها وكل هذه المواقف تحدث أمام آمنة المستمتعة جدا بهذا اليوم وبصحبة رائعة جعلتها أحاديثهم الممتعة تشعر بأن لها وجود، كما أن سعادتها صارت كبيرة فكما قالت شهد:
- بما إنج مهمة عند العنود وهي اختنا فانت صرت اختنا الصغيرة .
كم شعر قلبها بغبطة وانتعاش، وشعرت بعروقها الجافة تعود للارتواء بضمأ وجود عائلة حولها وأنها لم تعد وحيدة بعد اليوم.
طالعت العنود صديقتها من طرف جفنيها وسألتها :
- عاد إن شاء الله يكون كلام زين مب بالآخر يطلع ولا شي .
- تراني أقولج كلام بمليون ريال.
تحرك بؤبؤي العنود ناحية صديقتها ميثة لتؤكد كلام شهد بهز رأسها لتجيب:
- طيب قولي تراني أسمعج .
أخذت نفسا عميقا ثم...
- الاستاذ خليفة يبي يتزوجج .
وحل الصمت بين الجميع وكل العيون مصوبة ناحية صاحبة الشأن بانتظار رأيها بالموضوع وقاطع هذا السكون آمنة متسائلة بذهول:
- أنا مب فاهمة الموضوع!!.. مين هذا الاستاذ خليفة؟؟.. وكيف يبي يتزوجها وماما عنود أصلا متزوجة من عمي حمدان؟؟
عاد الهدوء يتلحفهم والأنظار توجهت إليها ليروا وجها شابه التجهم وشيء ما لمع لثوان حتى اختفى بين طيات برودتها التي خرجت معلنة عن نفسها.
- أنا وحمدان بنطلق بعد ما أولد، وثاني شي زواج مرة ثانية أنا ما أفكر فيه أبدا، واستاذ خليفة مثل ما قلتلكم من قبل الله يرزقه ببنت الحلال يلي تناسبه، وأصلا هو غلطان إنه جه يقول لكم إنه يبي يتزوج وحدة متزوجة، أصلا حتى لو كنت راح أطلق الغلط غلط وأنا اكتفيت من غرور الرياييل وأظن الموضوع انتهى .
وأكملت وهي تتحدث موجه حديثها لشهد:
- يا انج انت توصلين له كلامي وإنه يبعد أو أنا أكلمه .
لتسارع شهد قائلة :
- هذا آخر كلام عندج؟؟.. ما راح تغيري رايج؟؟.. استاذ خليفة انسان خلوق وراح يحطج بعينه وراح يكون أحسن من ريلج حمدان.
ناظرت للأمام وهذه المرة الألم طغى على ملامحها وذكرياتها معه تعود لتعتلي صفحاتها وعشقها له يصرخ بها، هي تحبه ولن تحب غيره، لكن يستحيل أن تسامحه على ما فعله بها وهمست بعدها بخفوت:
- ما عدت أقدر أتحمل يا شهد، ما عاد فيني حيل إني أحارب مرة ثانية، خلاص اكتفيت بحياتي هذي دراستي وولدي إن شاء الله وعبدالله وحنان وبس، ما عدت أبي صنف الرياييل بحياتي، كل يلي دخلوا فيها حصلت منهم صفعات كسرتني.
أخذت نفسا عميقا وزفرته مخرجة معه شعور الحزن وتابعت:
- أنا ألحين مستانسة من حياتي وما بي أكثر من جذا .
وهنا انتهى الحديث فما عاد له بقية، فما أن أغلقت الكتاب بالمفتاح حتى ألقته بعيدا، ولكن هل نعلم ما يخبئه لنا المستقبل؟؟.
فتحركت آمنة من مكانها وجلست بالقرب من عنود وسألتها بلهفة:
- انت حامل؟؟
حركت رأسها ناحية شقيقتها وقد أخرجها سؤالها من أفكارها، وابتسمت:
- هيه أنا حامل
صفقت آمنة بحبور وفرح وهتفت:
- يا سلام يعني انت بتيبي نونو صغير؟؟
لتجيبها شهد هذه المرة برفعة حاجب:
- يعني مثلا بتييب حيوان!!.. أكيد بيبي صغير .
خجلت آمنة من ردها فنهرت عنود صديقتها بعينيها وتحدثت:
- لا تزعلين من شهد حبيبتي هي جذا دفشة بالكلام باجر تتعودين على دفاشتها.
خبطت شهد على صدرها وصرخت:
- في حد يزعل من شهودة العسولة؟؟.. أبدا لايمكن هذي لاصارت ولا استوت.
نهضت من مقعدها وجلست بجانب آمنة واحتضنتها بقوة حتى كادت عضامها أن تتفرقع، لتصرخ بها ميثة:
- ذبحتي البنت يا الخبلة، اتركيها!!.
تركتها وسألتها:
- ها طاح الحطب ولا بعده؟؟.. ترى الأحضان جاهزة عندي.
لتسارع آمنة قائلة:
- لا متشكرين طاح الحطب يختي.
سكتت قليلا ثم أكملت وهي تتحسس جسدها المكدوم:
- يابنتي عليك حضن ولا أفعى الكوبرا .
وأجابتها شهد بثقة وخيلاء:
- علشان ريلي المستقبلي لا يشتكي من قلة الأحضان، راح أعطيه حضن عن سنة بحالها.
وقهقه الجميع لكلام شهد وعادوا للانخراط بأحاديث أخرى مشوقة ومسلية.

***********************
يطير بسيارته نحوها وقلبه يسابقه للقياها، فنظرته الآن قد تغيرت، ومشاعره قد أسدل عنها ستار أسارارها الدفينه، هو يعشق زوجته، متى حصل هذا؟؟.. لا يعلم!!... لا.. هو يعلم متى، كان هذا بأول لقاء بينهم، أو ربما فيما بعد، هو لا يعرف، لكن المهم أنه يحبها.
ابتسم بتشدق وهو يتذكر لقاءهم الأول، كم أراد سحق عنقها الأبيض الصغير لما فعلته به .
تطلع للأمام وهو يرى الناس تسير بطريقها وبحياة يجهلونها، وهو الواحد الأحد العالم بكل ما يدور بكل نفس، وهو لم يعلم بأن لقاء مع مجهوله سيكون الفارق بحياته، وأن سبيلهما سيلتقيان ليكونا تحت سقف واحد .
ارتخت أساريره وهمس خافقه بخفوت.. ترى... هل ستسامحه؟؟.
تنهد وتطلعت عيناه للبعيد بنظرة غامضة ومصممة... هو لا يعلم، لكنه لن ييأس أبدا.
رفع هاتفه واتصل ليصله صوت الخادمة:
- ماري.. المدام وين؟؟
- ميستر المدام مع فريند.
أصيب بالاحباط قليلا فهو لن يستطيع التحدث معها الآن، فقال بعد فترة من الوقت:
- طيب أنا بطرش غدا من المطعم، أوكي!!.
- أوكي مستر.
وأغلق الهاتف وما أن هم بالاتصال بالمطعم للطلب حتى ورده اتصال من العمل يطالبه بضرورة القدوم إليهم، وافق على الفور ثم غير وجهته ناحية العمل واحتار بما سيفعله بما كان يريد القيام به حتى رن هاتفه من جديد ليرد عليه بسرعة وطلب منه خدمة ايصال الطعام لزوجته ووافق الآخر وأغلق الهاتف وانطلق بها والمواجهة قد تأجلت، لكن الأمل بداخله كبير بعودتها حتى لو طالت الفترة، فالأهم أن تكون له وليس لسواه.

*******************************
مر الوقت سريعا بين ضحكاتهم وقهقهاتهم وأحاديث النساء التي لا تنتهي حتى آمنة عاشت أحلى أيامها بعد طول حرمان ووحدة بين الجدران منزلها الأربع، فهنا الحياة، هنا الانتعاش، وكم تمنت أن يطول الزمن لتقبع بين أحضان من قامت برعايتها طول فترة نموها، لكن ليس كل ما يتمناه المرؤ يدركه.
راقبت الساعة على جدار المنزل وهي تتحرك مشيرة إلى نفاذ وقتها المرح، فأخفضت عيناها هاربة منها وأزاحت الأفكار بعودتها لسجنها وانغمست بأحاديثهم المشوقة وخصوصا مع شهد المرحة حتى حانت فترة الظهيرة ورن جرس الباب لتنادي عنود العاملة:
- ماري... ماري..
لكن لا مجيب فنهضت آمنة قائلة:
- أنا بروح أجوف مين على الباب .
لتقاطعها شهد قافزة ومتحركة من مكانها بسرعة قائلة:
- لا أنا بروح بجوف مين على الباب بطريقي للمطبخ، مت من اليوع وبدور على شي آكله.
واختفى صوتها عنهم ليقهقهوا على صديقتهم المجنونة.
فتحت الباب وهي تتحلطم من الذي يرن الجرس باستمرار كأنه مستعجل أو أنه فقط يحاول العبث مع أصحاب المنزل وصرخت به ما أن أفرجت عن الباب ووقفت ويديها على خاصرتها وقدميها تضرب الأرض بسرعة:
- لا يكون ما عندكم جرس في البيت وياي تلعب هنا؟؟ .
وناظرت الواقف أمامها.. شاب وسيم يرتدي قبعة ( كاب ) على رأسه وتيشيرت أبيض وبنطال من الجينز وحذاء رياضي ويديه مشغوله بحمل أكياس فاحت منها أطيب الروائح، وصرخت ببهجة الأطفال وهي تنظر للأكياس:
- وأخيرا وصل الأكل، أنا مت من اليوع .
ثم أولت اهتمامها للشاب وتحدثت معه:
- هي انت ليش واجد تأخير؟؟.. انت ما يعرف اني أنا جوعان واجد؟؟.
وظل الشاب صامتا ينظر للفتاة المجنونة التي أمامه وأكملت الأخرى دون أن تبالي:
- أها.. شكلك ما تعرف تتكلم عربي، بس تعرف؟؟.. شكلك يهبل مثل أبطال الأفلام الهندية .
وتأملته من رأسه إلى أخمس قدمية واستطردت:
- يخرب بيتك!!.. يا الله كيف الهنود حلوين، عيل ما لهم شبابنا مب حلوين ما غير كرشهم واصلة لحلقهم.
وهزت رأسها وتابعت:
- الله يعينا عليهم بس، والله يرزقنا بريل حلو مثلك .
شاهدت تململه وتأففت :
- أقول... ادخل وحط الأكل داخل .
وتراجعت للداخل موسعة له الطريق ليتبعها هو بصمت وهتفت ما أن شاهدت صديقاتها:
- وصل الأكل يا بنات، ولا.. طالعوا مين يلي جايب الأكل، واحد حلو مثل أبطال الأفلام الهندية.
تطلعت الفتيات للشاب وشهقت العنود بصدمة وسارعت بالحديث وكما عادة شهد لا تترك مجال للحديث:
- يا أختاه... أنا أبي أتزوج واحد مثله، مب مشكلة جنسيته يتزوجني وأنا أعطيه جنسية، المهم ريلي يكون حلو موووووووت.
حاولت عنود مقاطعتها إلا أنها تابعت بهيام وهي تنظر إليه :
- لا تحاتين هو ما يفهم عربي فخليني أقول يلي بخاطري، يا أخي ليش الله ما يرزقني بريال مثله؟؟.. كل يلي يخطبوني أعوذ بالله!!... أما هو .....
وتنهدت بحرارة لتصرخ عنود:
- شهد... اسكتي!!.
والتفتت للشاب وهي تنهض باتجاهه بارتباك:
- أهلا.. أهلا سعود شخبارك؟؟
وتخشبت شهد بمكانها ما أن تحدثت عنود ونطق الآخر بلهجة عربية واضحة وسليمة:
- أنا الحمدالله بخير انت شخبارج؟؟.. حمدان وصاني أجيب لكم الغدى لأنه انشغل شوي.
عضت عنود على شفتيها بخجل وهي تناظر صديقتها المتجمدة بمكانها وهمست:
- مشكور يا خوي تعبناك معانا، ما كان له داعي، كانت ماري تقدر تطبخ .
- لا عادي ما في أي مشكلة، ولازم اكرام الضيف .
وهنا خرجت ماري واتجهت ناحيتهم ليعطيها الأكياس وعاد لمحدثته وعيناه ثابتة على زوجة ابن عمه :
- تامرين على شي ثاني؟؟.. تراني حاضر.
- مشكور ما قصرت .
- يالله مع السلامة .
- مع السلامة، الله يحفظك .
والتف مغادرا وقبلها مال بسرعة ناحية شهد وهمس عند أذنيها:
- المرة الياية اتأكدي مع مين تتكلمي قبل لا تاخذين راحتج بالكلام جدامه.
ورحل بابتسامة وخلف خلفه فتاة قد اعتراها الجنون والخجل بآن واحد مما حدث، ورغبة بالفتك به لأنه كما وسوس لها شيطانها بأنه قد استمتع بالتلاعب فيها وخداعها، وتوعدته بالرد عليه الصاع صاعين.
انتهى الوقت المحدد وآمنة قد تشبثت بعنود باكية فراقها وعنود تحتضنها بكل قوتها وتهدهدها بحنان بعد أن حضر منصور ليعيدها للمدرسة لتستقل الباص وتعود لمنزلها.
- هدي حبيبتي ولا تبجين .
- ما بي أروح البيت .
- لازم تروحين حبيبتي علشان أمج ما تسوي فيج شي .
وعلا صوتها لتكتمه على صدر من كان حضنا دافئا لها ووقف منصور بعيدا يناظرها بشفقة وحزن لحالها، وكم تمنى أن يواجه والدتها ليخبرها بأنها أبدا لا تستحق بأن تكون أما لابنه حساسة مثل ابنتها.
أبعدتها عنود عنها قليلا ومسحت دموعها الجارية على خديها المحمرين اثر بكائها وربتت على رأسها ووجنتيها وابتسمت لها.
- حبيبتي أنا لا يمكن أتخلى عنج أو أنساج، أنا موجودة هنا ومتى ما احتيتي تجوفيني قوليلي وأنا أتصرف وأجيبج .
وهمست الأخرى بألم :
- أنا عرفت كل حاجة... إن بابا مش هو باباك، وإنه... وإنه....
لم تستطع قول باقي جملتها بأن والدها كان قد حكم عليهم بالموت لأنهم فقط أبناء شقيقه، وتابعت:
- ومعرفش إذا انت عاوزة تشوفيني تاني مرة.
لتهتف بها عنود بحنق:
- آمنة ما بي أسمع منج هذا الكلام مرة ثانية فاهمة علي؟؟... وثاني شي عمره ما كان الدم هو يلي يربط بين الأشخاص، وهذا أنا مع شهد وميثة... .
وأشارت ناحية صديقتيها وتابعت:
- والله انهم أخواتي يلي ما جابتهم أمي، وانت مثلهم يا أمون، انت بنتي يلي ربيتها وشلتها من كانت صغيرة وجاية ألحين تقولين إني مابي أجوفج بس لأن ما صار بينا شي يربطنا!!.
عادت دموع آمنة تنسكب لما سمعته وهمست بداخلها:
- كم أنت عظيمة يا أغلى الناس.
ورمت بجسدها بأحضانها وهي تهمس:
- متشكرة.. كنت خايفة تبعديني ومتعوديش تحبيني.
ربتت على ظهرها.
- هششششش خلاص انتهينا من هذا الكلام وما بي أسمعه .
أبعدتها عنها وقالت:
- اصبري شوي .
وتركتها عنود قليلا واختفت بغرفتها لتشعر آمنة بذراع تلتف حول كتفها
لتحرك رأسها وتشاهد شهد وميثة يقفن بجانبها بمواساه .
- لا تخافين حبيبتي دام أنا موجودة أبدا لا تحاتين .
قهقهت آمنة من بين نشيجها وهمست ببحة صوت متهالكة:
- متشكرة، وبصراحة أنا فرحت كتير إن ماما عنود عندها أخوات زيكم .
لتقترب ميثة منها وتحتضنها هي الأخرى.
- وانت بعد ما عدتي لوحدج واحنا معاج .
ابتسمت لهم بمحبة وقلبها يبتهج لشعوره بالانتماء.
مسحت دمعاتها حتى حضرت من كانت كالبلسم الشافي لها وبيدها شيء تمنته كثيرا .
- خذي هذا الموبايل خزنت فيه رقمي، واتصلي فيني بأي وقت .
طالعت الهاتف للحظات وهزت رأسها رافضة.
- لا ما أدرشـ....
قاطعتها عنود بتجهم وهي تسحب كفها وتضع الهاتف:
- ما بي أسمع أي اعتراض!!.
لتقاطعهم شهد وهي تسحب الهاتف من كفها:
- اصبري خليني أخزن رقمي بعد واتصلي بأي وقت وراح أونسج وايد.
وفعلت ميثة بالمثل وخزنت رقمها هي أيضا طالبة منها الاتصال متى ما احتاجت لشقيقة لتحادثها .
ابتسمت بغبطة وودعتهم على أمل اللقاء مرة أخرى وانطلقت بها السيارة وهذه المرة كان جسدها وشفتيها ينطقون بالسعادة وشاب ارتعشت أوصاله وهو يرى كمية السرور بداخل مقلتيها، ليتراقص قلبه فرحا لفرحها.
أوصلها للمدرسة وكانت الحافلات مستعدة لنقل الطالبات لمنازلهم.
- متشكرة جدا على يلي عملته معاي، ده جميل مش حنساه أبدا .
- أنا ما سويت غير الواجب .
ناظرها من المرآة الأمامية وهو يحادثها لتهز رأسها بتحية ثم همت بالخروج من السيارة ليوقفها:
- ما تبين تخزنين رقمي بعد؟؟
توقفت وناظرته بعدم فهم وسألته:
- ليه؟؟
ارتبك ولم يعلم ما يقوله ليبرر رغبته بأخذ رقمها.
- أممممم علشان... علشان إن احتجت حد يوصلج لاختج العنود أو أفكار جهنمية تراني حاضر.
ضحكت لتنتقل عدواها إليه وهمست بخجل وهي تهديه هاتفها.
- شكرا.
واستقبل الهاتف بترحاب حار ثم أعاده إليها وخرجت بسرعة من السيارة ما أن أمسكت هاتفها كأن الحياة متعلقة به.
ظل بمكانه يشيعها بنظراته إلى أن اختفت بالمدرسة وابتعد وتوارى بعيدا عن المدرسة وانتظر حتى رن جرس الرحيل معلنا عن خروج الفتيات وشاهدها وهي تستقل الحافلة واطمأن عندما انطلقت بها ليسير هو بالطرقات من غير هدى وأفكاره تتلاطم به يمنه ويسرى، فأين السبيل لهدوئها والهوى قد اجتاح كل خلية من جسده.

**************************
خرج من عمله متعبا مرهقا بعد عدة اجتماعات في الساعة الرابعة عصرا واستقل سيارته واتجه ناحية المنزل وعندما وصل لوجهته ترجل من السيارة ورفع رأسه للأعلى يتطلع للطابق الذي تتواجد فيه محبوبته، هو يحب... من كان يصدق هذا!!...
سارع الخطى واستقل المصعد وأشواقه تسابقه للوصول إليها ليخبرها بما علمه اليوم فتح الباب وهناك صدم لوجود رجل غريب يجلس مع زوجته وجدته ومنصور، دلف للداخل بتوجس وألقى التحية:
- السلام عليكم .
- وعليكم السلام .
اقترب منهم وعيناه تعانق من هفى لها قلبه، ولكن للأسف أشاحت بعينيها عنه وضاقت ملامحها لرؤيته بعكسه تماما.
تنهد بضيق وأقبل على الرجل مسلما عليه ومن ثم جدته وجلس يتساءل بفضول:
- شو السالفة؟؟
لتخبره الجدة :
- هذا المحامي عمر جاي علشان موضوع عنود.
قطب حاجبيه وعلامة الاستفهام تتضح عليه، والتوجس من رغبتها بمحامي قد أرعبته، هل..... ليشبع المحامي فضوله ويريح باله من الأفكار التي جاشت به، ولكنه لم يعتقد بأنه سيتلقى هذه الصدمة :
- أنا موكل من المدام عنود علشان أرجع لها حقوقها من عمها .
- أي عم؟؟... عنود ما عندها أي عم.
لتجيبه الجدة هذه المرة:
- ما أبوها طلع ما هو بأبوها طلع عمها وسرق كل حلالها .
صدمة... عدم تصديق ومقلتيه تجري على ملامحها المنغصة من الحقيقة المؤلمة وهمس:
- كيف صار جذا؟؟.. عيل أبوها وين؟؟
وحكت له الجدة كل شيء وما تزال عيناه تتابع تلك الصامتة، لكن خلجاتها تعبر عن مدى حزنها مع كل كلمة تقولها جدته، حتى قال حمدان موجها حديثه للمحامي :
- وانت تقدر ترجع لها حقوقها؟؟
- إن شاء الله، أنا ألحين جاي علشان المدام توقع على التوكيل علشان أبدأ الاجراءت للمطالبة بحقوقها .
هز رأسه موافقا والتصميم يشع من مقلتيه.
وقعت عنود على الأوراق المطلوبة وغادر المحامي على أمل اللقاء مرة أخرى لمتابعة مجريات القضية، ولكن قبلها تحدث حمدان معه ومن ثم تركه بعد أن أخذ رقم هاتفه ليتواصل معه وعاد وقد عاهد نفسه ليسعى لاسترجاع ما هو لها، فيكفيها الألم الذي قاسته على يديهم.
طرق باب غرفتها ليصلها صوتها ضعيفا ودخل ليجدها تجلس على طرف سريرها ووجهها حزين ومتألم وبادرته قائلة وهي تشيح برأسها كي لا يرى دموع الغدر والخيانة.
- شو تبي؟؟.
- ما بي أي شي، بس ياي أطمن.
- أنا بخير ومافيني إلا العافية.
اقترب وجلس بجانبها وهتفت بنار مشتعلة:
- انت ليش ياي؟؟.. اطلع من الغرفة، ولو سمحت ما أبي أجوف حد.
وأدارت رأسها بعيدا وغصة تخنقها وتجعلها تموت كمدا، ورغبة قوية تشدها لذرف دموعها لعهلها تريحها.
رفع ذراعه وأمسك كتفها لتلتفت إليه بقوة وصرخت به:
- انت جنيت!!.. قلتلك اطلع برع وما بيك تلمسني.
سحبها إليه فعاندته وبدأت بدفعه.
- اتركني ولا تلمسني، مابيك تلمسني، اطلع من غرفتي.
وأمسكها باحكام وروض حركاتها الواهنة وهمس بحنية:
- هشششششش، هدي يا عنود هدي، هششششششش
واستسلمت له وكأنها كانت تنتظر هذا الحضن لتنفجر باكية عثرات حياتها، وخداع من اعتقدته والدها، لم تبكيه من قبل، لكن الآن وقد فاضت روحها جراحا تركت العنان لنفسها لترتاح ولو قليلا.
تشبثت به بقوة ليعتصرها إليه بشدة مخبرا إياها بأنه هنا ليتلقف دمعاتها، وهذرت هي تخرج ما بجوفها:
- طلع مب أبوي.. طلع مب أبوي، ليش ما قال من قبل؟؟
وعادت أنهارها تنسكب على صدره وتابعت بقلب متفطر وشفاه راجفة:
- ذبحنا وتركنا نموت بالحيا، ذبحنا وتركنا ننزف وما اهتم بحالنا، ليش احنا؟؟.. وش سوينا فيه؟؟.
هدهدها وطبطب على ظهرها برقة وحنان.
- هو مريض يا عنود، انسان مريض نفسي.
ابتعدت عنه وطالعته بعيون منكسرة دامعة محمرة وأشارت لنفسها:
- وأنا شو ذنبي إذا هو كان يحقد على أبوي؟؟.. أخوي مايد شو ذنبه علشان يتركه مريض بالفراش ويموت؟؟.
أعادها لصدره لتنصاع إليه وهمس لها:
- مالكم ذنب، مالكم ذنب، والله بياخذ حقكم منه .
وتركها تفضي ما بداخلها حتى هدأت وبدأت تستوعب مكانها وابتعدت تداري ضعفها وخزيها لاستسلامها للبكاء على صدره ولم يرد أن يشاهد ندمها فسارع بالنهوض قائلا:
- روحي اتسبحي وريحي نفسج، وبخلي ماري تييب لج عصير علشان تهدين وبعدين تعالي .
أرادت أن ترفض وتعانده، لكن روحها المشتتة أبت إلا الانصياع. فنهضت موافقة ودخلت للحمام لتفعل ما أمره وخرج هو وقلبه يقصف بشدة وقبس من النور يتوهج بين الظلمة الحالكة.

****************************
جلست الجدة قليلا معهم ثم نهضت مغادرة مع منصور، فطائرة زوجة ابنها ستنطلق الليلة حتى هتفت عنود قائلة:
- إذا ما عليج أمر يا يومة تمري وتاخذيني معاج علشان أسلم على عموه، تراني ما أدل طريق المطار ولا كنت بروحي بسير.
فقال حمدان بعشق يقطر من عسليتيه:
- أنا أقدر آخذج للمطار.
وكأنه لم يتحدث وكأنه غير موجود معها بالمرة وتابعت:
- إذا ما تقدرون عادي باخذ تاكسي .
جمود قد أصابه، وطعنه تصيبه بخافقه من ردها، وكل هذا كان تحت أنظار الجدة، وتساءل.. ماذا حدث لها؟؟.. فللتو كانت مختلفة والآن..... ليجيب نفسه لأنها كانت تحتاجك، كانت ضعيفة والآن وقد استردت طاقتها وعقلها، فماذا تريدها أن تقول؟؟.
أشفقت لحال حفيدها لكن هو يستحق، فما فعله بها شيء لا يستهان به بالمرة، وكما قالت له من قبل الطريق للوصول إليها طويل جدا وعليه أن يلعب جيدا ليستطيع استرجاعها وبالفعل حدث، فالقوة أحيانا مطلوبة في بعض الأحيان مع عنيدي الرأس مثل زوجته، وقال بصلابة وأمر لا يثنى:
- الساعة خمس كوني جاهزة باخذج للمطار .
ونهض مع نهوض جدته وودعها وتلك الأخرى ربتت عليه بمآزرة وعيناها تناشده الصبر والعقلانية مع زوجته ووافقها الرأي بابتسامة وغادرت وأغلق الباب واتجه لغرفته وعندما همت بالاعتراض لم يعطها المجال للحديث.
- أنا تعبان وبرتاح شوي، خبرج ما قدرت أنام الفجر .
وغمز بعينيه بايحاء لما حدث بينهما وشهقت متراجعة وهي تتذكر أحداث ساعات الفجر الأولى ودخل غرفته وضحكته تتغلغل بداخلها محية قلبها الميت.
فضربت الأرض بحنق وتحركت متجهة هي الأخرى لغرفتها وهي تلعنه وتسبه .
بعد صلاة المغرب خرج حمدان من غرفته بكامل هيبته وخرجت هي أيضا تلتحف عباءتها وشيلتها والأطفال أيضا قرروا الذهاب معهم لتوديع عمتهم الحنون .
صامتة لم تنبس بأي شفه وسارت بجانبه، لكن المسافة بينهما واسعة كوسع المحيط، وعندما وصلوا للسيارة فتح الباب للأطفال وعندما هم بفتح لها الباب الذي بجانبه شاهدها وهي تركب وتجلس بجانب أطفاله.
تأملها لثوان ثم تنهد وأغلق الباب وصعد لمقعده وهو يهمهم:
- اصبر يا حمدان مشوارك طويل معاها.
وانطلق بالسيارة وهي تحاشت النظر إليه فالأفظل برأيها تجنبه قدر استطاعتها والثبات على برودتها وهي بجانبه، لكن كيف السبيل وعطره المركز بالدهن العود يدغدغ حواسها وينعش روحها الشريدة، وحب الانتماء يطغى على كيانها الوحيد.
حاولت أن لا تتنفس فعجزت عن حبس ذرات الأكسجين لفترة طويلة، حاولت أن تثبت من يخفق بداخلها كما الطبول الهادرة وأيضا لم تفلح، فكأنما الجميع انقلبوا ضدها ليقفوا متحدين معه، ودعت بقلب متألم أن تنتهي هذه الفترة دون أن تحصل أي تعقيدات أخرى.
وصلوا للمطار وشاهدوا جميع العائلة مجتمعة لتوديع غاليتهم وهي تنوي البحث عن طريقها الذي انحرف عن مساره، وهناك بالبعيد وقف يناظرها بعيون غشيها الفراق والدمع.
- أي ذنب اقترفته بحق نفسك يا حسن لترى محبوبتك وهي تغادرك دون أن تقدر على وداعها أو نيل عفوها؟؟.

************************************
مرت الأيام بطيئة لبعضهم وسريعة لآخرين....
العنود تذهب للجامعة بعد مشاحنة مع حمدان لتتناول وجبة افطار محترمة، والأطفال سعداء ومسرورين لهذا التجمع الأسري، وعبدالله يحاول قدر استطاعته أن يلم شمل عائلته، فأحيانا يساعد والده بكسب ودها وأحيانا أخرى يجبرها على تقبل عطايا والده، وحمدان يحاول ويثابر لنيل رضاها بسكب كلمات الغزل واهدائها باقات من الورود مع كتابة كلمة على البطاقة " سامحيني ".
في كل يوم وردة وبكل يوم يعتذر، وفي كل مرة يقتنص ضمة أو عناق أوقبلة سريعة تعينه على مشاق بعدها، ولن تخمد همته سوى برجوعها إليه وهي تشتاط غضبا منه، لكن مع اختفائه تجلس لوحدها وتفكر بأحوالها وبما عليها أن تفعله، وهل آن أوان الغفران؟؟.
بعد مرور اسبوع اتصل المحامي يطلب منها القدوم إلى مكتبه وذهبت برفقة الجدة التي طالبت أيضا بالقدوم لمعرفة التطورات بالقضية.
- بشر يا ولدي شو صار؟؟.
- ما صار إلا كل الخير يا الوالدة .
والتفت للعنود وأكمل :
- بصراحة الموضوع كان معقد وايد .
وسألته باهتمام:
- ليش؟؟... شو صار؟؟.. ما طاع يتنازل عن البيت؟؟.
- لا.. الموضوع مب جذا، طلع هو بايع البيت وموهم زوجته انه مسجل البيت باسمها .
لتهمس الجدة :
- حسبي الله ونعم الوكيل!!.. هذا الريال آدمي ولا شيطان؟؟.
ليجيبها:
- للأسف كان عامل كل احتياطاته.
وسألته عنود:
- عيل زوجته وشسوت لما عرفت بيلي سواه؟؟
- بصراحة الحرمة انجنت ويلي زاد باجنانها هو لما عرفت انه طلع متزوج عليها، ما عرفنا نهديها وبالآخر طاحت غشيان عليها وطلبنا الاسعاف وأخذتها للمستشفى .
هزت عنود رأسها بأسف وعادت تسأل:
- وانتوا كيف عرفتوا إنه مب مسجلنه باسمها وانه طلع البيت مبيوع لواحد ثاني؟؟.
شبك أصابعه فوق الطاولة وأجابها:
- بصراحة زوجج الاستاذ حمدان ما قصر، وكان متابع القضية أول بأول وكان هو يراكض ويسأل عن كل شي وهو كان يجيب لي الأوراق وأنا أكمل الباقي.
قصف قلبها برعود شديدة كأنها بليلة عاصفة هوجاء وهي تكتشف بأنه معها ولم يغادر جانبها وأعاد حقها المسلوب.
ارتجفت شفتيها وكتمت آه ألم وهي تتذكر الأسباب التي أودت لانفصالهما وتساءلت... هل يدفع بعمله هذا ثمن أخطائه؟؟... هل يحاول استرجاعة بهذه الطريقة؟؟..
فهل يا ترى سيشفع هذا لحمدان أم أن الطريق ما زال غير معبد أمامه؟؟.

*********************
عاد من الخارج محملا كما جرت أيامه السابقة بباقة من الورود وعلبة من الشكولاه الفاخرة كما تحبه هي.
فتح المصعد وابتسامة سعادة تتدفق على محياه فلربما الصلح قريب، فمن يعلم الغيب سوى الله سبحانه وتعالى.
فتح الباب بفتاحه ودلف للداخل وتوسط غرفة الجلوس ووضع كل ما بيده وجلس يترقب قدومها، ولكن من كان يتسلل بمشيته كما اللص خلف الأبواب الموصدة لم تكن هي بل شخص آخر وهدفه كان الشر وليس سواه.
اقترب وتلفت من حوله، ووقف عند المكان المنشود وتريث قليلا وعيناه تتحركان دون هواده، ثم ما لبث أن أخرج ظرفا من جيبه وانخفض للأسفل و.......






 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
قديم 01-01-17, 06:30 PM   المشاركة رقم: 139
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

مساء الخير..


هذي 6 فصول بين يدينكم.. قراءة ممتعة لكم و ردود ممتعة
لكاتبتنا أم حمده..


بإذن الله بكرا نختم الرواية على خير اذا ما صار لي ظرف و منعني
من التنزيل..


دعواتكم💜

 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
قديم 02-01-17, 06:49 PM   المشاركة رقم: 140
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ام حمدة المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل التاسع والعشرون.....
كل بني آدم خطاؤون، فمهما بلغ بهم الذكاء والحنكة لادارة أمورهم لطريق الصواب فالخطأ قائم إن كان بقصد أو دون قصد، لكن الأهم هو القدرة على التسامح والصفح ومحاولة اعادة الأمور لنصابها.
ربما نكون قاسيين بأحكامنا، فكلن يرى الأمور بعين طبعه، وكل شخص يرى الموضوع من زاويته، وهنا اما أن يتروى بحكمه وينتظر تتمة الأمر أو أنه يتسرع بردة فعله وهنا تكون العواقب وخيمة.
عليك بالتروي بأحكامك، وأن تنظر للموضوع بعقلك وليس أن تتسرع بابداء رأيك دون أن تعلم نهاية الأمر، فبعدها لن يفيد الندم بشيء.
القسوة نوع من أنواع التواصل يبديها الشخص ليظهر ما يشعر به بداخله من غضب، هنا ليس علينا أن ندير ظهرنا ونبتعد عنه ونتركه يتلضى بها بل علينا فقط أن ننتظر ونصبر لتمر تلك الغيمة العاصفة مرور الكرام وبعدها نسأل ونحاول أن نحتوي الغضب الذي بجوفه، وعلينا عدم تركه ليتراكم دون علاج فقد تتفاقم الأمور وعندها لن يفيده أي علاج.
نعلم كلنا أن الجروح النفسية أشد ايلاما من الجروح الجسدية فتلك الأولى تحتاج لوقت طويل كي تشفى أما الثانية فلا تحتاج لوقت لتختفي وتمحى بعكس ما بداخلك من آلام تقاسيها من جروحها الشديدة، فيا ترى كيف يكون علاجها؟؟...
دواءها بسيط جدا ولا يحتاج لأمهر الأطباء ليعالجه فقط عليك أن تتحمل ما ينتج منه من أفعال.... والصبر والتوكل على الله هو الحل الوحيد لمحو ما تقاسيه.
*******************
هذا ما كانت تفكر به العنود وهي تسرح من نافذة السيارة بالمناظر الخارجية، هل عليها أن تسامح على ما فعله بها؟؟... أم عليها أن تثبت على رأيها بالبعد والجفاء!!.. فهو لم يرحم حالها بالسابق ولم يعطها المجال لتدافع عن نفسها، ولكنه اعتذر ومازال يطالب بالصفح كل يوم على مافعله بها، وعادت تتساءل.. متى صارت قاسية القلب هكذا؟؟... أليس هو حب حياتها؟؟.. إذا لما لا تغفر له؟؟... أم أنها لا تحبه؟؟.... قاطعت الجدة استرسالها بأسئلتها التي لاحصر لها:
- الحمدالله إن حقوقج رجعت لج يا بنتي.
اعتدلت بجلستها وأجابتها بعيون شاردة :
- ما يهمني البيت والفلوس يا يدوه، كان الشي الوحيد يلي يهم هو أخوي وعلاجه، لكن للأسف......
وتركت جملتها دون تتمة وهزت رأسها بحسرة لتتلقف الجدة كفها بمآزرة.
- لا يابنتي كله بيد رب العالمين، وأخوج الله يرحمه، لو الله كان كاتب له الشفا كان اتعالج بأي طريقة كانت، بس كل واحد ياخذ نصيبه يا بنتي، والموت لايقدم ولا يأخر.
حركت رأسها موافقة وهمست:
- صح كلامج، بس أنا ما أقدر أسامحهم على يلي سوه فينا.
- وكلي أمرج لربج يا بنتي وقولي حسبي الله ونعم الوكيل، وكلت أمري لربي وهو يلي بياخذ حقوقج منهم، وأخوج ذنبه برقبتهم ليوم الدين.
وعادت لشرودها وتساءلت.. هل هو أيضا سيعاقب على ما فعله بها؟؟.. ليصرخ خافقها معترضا:
- إياك والدعاء عليه!!.. هو من ملكني واستحكم علي فلن أسمح لك بقول مالا أرضاه!!.
لتسأله بلوم:
- أو نسيت ما فعله بنا؟؟.. أنسيت أقواله وأفعاله؟؟... أتسامحه بهذه السرعة؟؟.
ليجيبها بانكسار:
- أعرف وأعلم، وليس باليد حيلة، فقد وصمني بختمه وصرت ملكه حتى لو فرقت بيننا الحواجز، لكن ألا يكفي مثابرته بطلب الصفح؟؟.. ألا تشفع أفعاله لتتخطي ما حدث؟؟... أعلم بأنه قد أخطأ بحقنا لكنه أتى طالبا المغفرة وعهد بأن يعوضنا عما فعل.
سكتت ولم تجبه ولم تستفسر فالمعركة بداخلها قد أنهكتها، وقد أتعبت مشاعرها المتضاربه، فهل ستسامح بهذه السهولة؟؟.
وصلت السيارة للمنزل الكبير ليسارع الأطفال بالخروج والجلوس بجانبها فقد تركتهم بالمنزل كي تأمن عليهم من تركهم وحدهم بالشقة.
ودعت الجدة على أمل اللقاء بيوم آخر وانساقت السيارة بانسيابية بالشوارع دون أن تشعر بها وغفلت عن أحاديث الصغار عما فعلوه حتى وصلت لمكان سكنها وسارت بخطى بطيئة وأفكارها مازالت تتلاطم بداخلها.
استخدمت المصعد بعقل شارد والأطفال استغربوا هدوءها الغريب وعندما فتح تفاجأت بوجود رجل غريب يقف عند باب شقتها فتساءلت:
- بغيت شي يا خوي؟؟.
ارتبك الرجل وتفاجأ ليسحب ما بيده ويخبئه خلف قميصه دون أن تنتبه هي لحركة يده لأن التوجس منه أشغلها عن الملاحظة وسحبت الطفلين لجانبها وهي ترى ملامحه المتوترة.
- لاء... أصلـ... أصل... معلش أصلي بدور على بيت صحبي .
فأشار ناحية منزلها واستطرد:
- مش ده بيت حنفي السيد؟؟
هزت رأسها نافية.
- لا مب هو .
- آسف يا مدام للازعاج ومتشكر لحضرتك .
وابتعد موليا ظهره لها وبدل أن يستخدم المصعد اختار السلالم، تطلعت للصغيرين ليبادلوها الدهشة نفسها ورفعت كتفيها باستغراب ثم عادت تكمل مسيرها وهي تحثهم للدخول .
دخلت لمنزلها دون أن تنتبه للرجل الجالس بانتظارها حتى استرع صراخ حنان انتباهها لتشاهده يقف ويتلقف صغيرته بين أحضانه، لكن عيناه كانتا مسلطتان عليها.
فبادرها بالتحية عندما لم يجد أي مبادرة منها:
- السلام عليكم
فهمست:
- وعليكم السلام
وغرقت بعسله طائقة للابحار فيهما، كما اعتادت سابقا، ومن كان متواريا خلف قضبانه عاد يعلن عن وجوده بضربات قوية كما حوافر الحصان، وأنفاسها قد ثارت بموجات من المشاعر المضطربه لرائحة قد تغلغلت لأعماقها .
كانت تفكر به ولم تتوقع بأن يتجسد أمام ناظريها بهذه اللحظة وهي بهذا الحالة من عدم الاستقرار النفسي، تريده بقربها من جديد، تريده أن يكون جدارها وأمانها، لكن شيء ما يقف حاجزا بينهما يمنعها من الاتلقاء به عند المنتصف.
- عبدالله حنان سيروا على غرفكم .
شاهد خلجات ملامحها التائهة فاقترب منها بعد أن أمر طفليه بالذهاب لغرفتهما والرغبة بمسح ما يعتملها من شعور بالضياع طغت عليه. فانساقت قدماه إليها وعندما هم بامساكها عاد الادراك إليها فتطلعت لقربه الشديد منها لدرجة لا يفصل بينهما سوى خطوة صغيره فقط وتكون بالقرب من قلبه القاصف بمدافعه المدوية ودون أي تردد تراجعت خطوة للخلف مبتعدة عن حرارة جسده الملتهبة بنار لو لمستها تعلم بأنها لن تخرج منها على قيد الحياة.
سقطت ذراعيه بجانبه واعتصره الألم لبعدها فهمس يطمئن:
- انت بخير؟؟
وأجابته وهي تتحين فرصة للهرب:
- أنا بخير ما فيني شي.
وخطوة أخرى بعيدا عنه وعواطفها تتذبذب ما بين رفض ورغبة برمي جسدها بآتون الحمم الحارقة وكان الحل الهروب، وتركته خلفها مديرة ظهرها ليغمض عينيه لضوء قد خبى بعد أن كان يضيئ بشمعة الأمل بالمغفرة .
توقفت قبل دلوفها لغرفتها تلتجئ إليها من براثن مشاعر طواقه للغوص بمن كان لها صدرا حنونا قبل أن يحول كل شيء لرماد تحت يديه.
- مشكور وماقصرت على يلي سويته، بس ماكان له داعي تتعب نفسك، أنا حطيت محامي وأدفع له فلوس علشان يقوم بشغله .
احساس فضيع سرى بدخله وطعمه كالقيح الصدئ عندما تذوقه، ومراجيله تنتفض زاعقة تبغي الانفجار لقسوتها ورفضها له، حتى سرت برودة نخرت عضامه بعد أن كانت تنصهر بكل جنون الانتظار من أنها ستعود إليه ويعيشا بعدها بسعادة للأبد.
يعلم بأنه أخطأ بحقها وقد حاول بكل قوته أن يجعلها تسامحه، لكن الأحلام يبدوا أنها صعبة التحقيق، ورُؤيته للأمور بأنها سهلة المنال قد فشلت تخميناته بها تماما.
تحركت يجتاحها الألم بهمسها لتلك الكلمات، لم ترد أن توجعه هي فقط أرادت الحد مما تشعر به برغبتها بالعودة إليه، هي لم تسامحه ولا تريد، ألم تعاهد نفسها؟؟.
أوقفها صوته الجهوري بغضب مكتوم نفرت لشدته شرايينه:
- باجر الصبح عندج موعد عند الدكتورة فاتجهزي أنا باخذج.
لتسارع بالرفض بعد أن التفتت إليه:
- ماله داعي....
فقاطعها بعيون حمراء كأن الدم قد تكوم بداخلهما:
- أظن إن من حقي إني أطمن على ولدي وانت بعظمة السانج قلتي مالي غير ولدي، صح؟؟
فتحت فمها تنوي الحديث لكنه لم يعطها المجال لتحركه وخروجه من الشقة مغلقا الباب خلفه بهدوء.
أسدلت رموشها مغلقة عقيقها المشبوب بأحاسيس مختلطة، لم ترد هذا كله.. كل ما أرادته عائلة تحبها وزوج يحتضنها وأطفال يجرون حولها، حلمها بسيط جدا فكيف يعاكسها واقعها؟؟.
- انتوا الكبار ليش تعقدون الأمور؟؟
فتحت عينيها ودارت حول نفسها تطالع الصغير بعيون قد غشيتها دموع القيود، وهزت رأسها وكتفيها بعدم المعرفة وارتجفت شفتيها ببكاء يكاد يخرج من مكمنه ليعلن عن السعير الذي بداخلها.
شعر بالحزن على حالها واقترب منها ممسكا بكفها وسحبها ناحية غرفتها لتنقاد خلفه بطاعة، وجلست على السرير وتطلع إليها وسألها:
- لما انت تحبينه ليش ما تسامحينه؟؟.. هو تأسف لما غلط، ليش مب راضية لين ألحين تسامحينه؟؟.
وعندها انسكبت دمعاتها غير قادرة على كبتها وهزت رأسها رافضة الحديث معه عن والده وتابع حديثه عندما لم يجد منها رد:
- انتوا ليش تقولولنا كلام وانتوا بالأصل ما تسون فيه؟؟.. يعني لما نسوي مشكلة مع حد تقولون اتأسفوا ويطيح الحطب ونرجع عادي مع بعض، إنزين انتوا ليش ما تسون جذا؟؟.
وهنا أجابته بعد أن تمالكت نفسها ومسحت دمعاتها:
- لأن مثل ما قلت احنا الكبار معقدين وراسنا يابس وما نقدر نسامح بسهولة .
تنهد بتعب وسألها :
- يعني ما بتسامحيه؟؟.. هو عارف إنه غلطان!! .
ابتسمت من بين ألمها وسحبته ليجلس بجانبها واحتضنته وقبلت رأسه وهمست له:
- لازم تعرف يا عبدالله إني أبدا ما راح أتخلى عنكم، انتم أولادي يلي ما يبتهم وراح تظلون معاي بس راح يكون في أوقات محددة، بس الأهم إن أنا وبابا نحبكم وايد.
فأجابها بخفوت وبمحاولة أخيرة لاصلاح الوضع المتأزم بين أحب الناس لقلبه:
- بس أنا أبيكم مع بعض، مب كل واحد بعيد عن الثاني.
تنهدت بحيرة وتعب اجتث كامل قوتها، واستطردت تحاول بث هذا الصغير الأمان الذي تزعزع تحت قدميه بغفلة من الجميع:
- حبيبي يا عبادي الله رايد جذا، دام الأم والأب مب متوافقين مع بعض ومب مستانسين فالأفضل لهم انهم يبتعدون عن بعض ويدورون بمكان ثاني عن ونساستهم، تخيل لو الأم والأب يكرهون بعض وقاعدين في بيت واحد شو تتوقع يصير بينهم؟؟.
وأكملت هي الاجابة:
- ماراح يعيشوا مرتاحين وكل يوم راح تصير مشاكل وكل واحد يتهم الثاني إنه السبب بيلي يصير والأولاد ما راح يعيشوا مرتاحين، فالحل هو إنهم يبتعدون .
لم يعقب على حديثها وانتهى الأمر عند هذا الحد .
******************************
فرصة تلو الفرصة الأخرى يعطيها الله لمن انحرف عن طريقه، ويمهله الوقت ليرتد عما يفعله بالرغم من انغماسه بالخطايا لحد عنقه لدرجة ادراكه بأنه لن يخرج منها أبدا، لكن عندما يمر الزمن دون أن يرى أي تغير هنا تبدأ عواقب ما جنته يداه فلربما أيضا يعود لطريق الصواب فأليس الله أرحم بعبادة؟؟..
على سرير صغير وبغرفة يطغى عليها اللون الأبيض وتفوح منها رائحة المعقمات ومحلول ملحي معلق وأنبوبه موصل لذراع تتحرك وشحومها تهتز معها مع كل حركة وتشوح بها بكل مكان.
تولول وتندب شقى عمرها وسنينها كما تقول وابنتيها واقفتان بجانبها تتطلعان لوالدتهما التي تغير حالها وشكلها منذ أن وقع عليهم الخبر أو الفاجعة على منزلهم، فقد هزلت بعد أن كانت مفعمة بالحيوية.
- ياخراب بيتك يا أزهار!!.. يا خراب بيتك يا أزهار!!... ضحك علي وسرأني.
وعادت تحرك يدها وتلطم خديها وتارة أخرى فخذيها لتنهرها ابنتها الكبرى:
- بطلي يا ماما يلي بتعمليه بنفسك كده، حرام عليك نفسك .
وتطلعت لابنتها ودموعها تنسكب بحرارة على وجنتي قد غارتا إثر المرض الذي برح جسدها .
- نفسي!!... بتسألي عن نفسي؟؟.. بصي علي كويس وانت حتشوفي إلي جرالي.
وعادت تلطم وهي تهمهم بصوت عالي:
- غشني وكدب علي وألي إنه كتب كل حاجة باسمي علشان يضمن مستأبلنا .
سكتت تنشج ببكائها وعادت تطربهم بعويلها:
- الخاين عايش الدور معاي وسبني بعماي وهو كان عايش مع غيري، ازاي ييعمل معاي كده؟؟... ازاي وأنا وئفت معاه لما مكنش معاه فلوس، ولما جرت الفلوس بايده أعد يلعب بديله من وراي .
وعادت تنظر لابنتها وحادثتها بصوت مبحوح:
- أنا ؤولتك إن في حاجة بتجري من وراي ومسدأتنيش، وأولتيلي حطي اديكي ورجليك بمية برده، أهو بصي على يلي جرالي.
اقتربت منها ابتسام وسألتها:
- طيب بالراحة كده يا ماما وأوليلي إلي حصل.
سحبت أزهار عدة مناديل ورقية ومسحت عينيها وأنفها وغامت مقلتيها بذلك اليوم المشؤوم الذي كان سبب اكتشاف خيانة زوجها لها.....
كان أن طرق بابهم وظهر من خلفه رجل أنيق الملبس والهندام وبيده حقيبة سوداء وملامحه تنطق بالجدية .
- السلام عليكم، هذا بيت محمد أحمد المنيعي؟؟.
وأجابته وهي تتأمل هيأته والخوف قد سرى بداخلها:
- أيوه يافندم هو دا بيته، وحضرتك مين؟؟
أجابته بالايجاب فانقبض قلبها عندما شاهدته يبتسم باستهزاء، وازدردت لعابها وأعادت سؤالها بشيء من التوتر:
- حضرتك مين؟؟.. وعاوز إيه؟؟
- طيب ممكن أدخل؟؟.. لأن مايصير نتكلم على الشارع.
- مأدرش أدخلك لجوه، أصل صاحب البيت مش موجود .
- طيب ممكن تناديه علشان يحضر؟؟.
- طيب ما تؤولي وأنا أأولوا يلي عوزه .
تنفس بعمق ثم قال بعملية:
- يا مدام لو سمحتي ممكن تطلبين من زوجج يحضر وإذا ما حضر راح أجوفه بمركز الشرطة .
ضربت صدرها وصرخت:
- البوليس!!.. ليه؟؟... هو حصل إيه يا فندم علشان تخده على المركز ؟؟.
- اطلبيه وانت تعرفي كل شي.
فسارعت بأخذ هاتفها والاتصال به على وجه السرعة فجاء بعد فترة طويلة متململا وزجرها ما أن شاهدها دون أن يسأل عن حاجتها:
- وشفيج متصلة ومأذتني؟؟.. أنا ما قلتلج لا تتصلين علي لأني مشغول وايد .
فغرت فاهها وجحضت عيناها للخارج وهي ترى هيأته الغريبة، كان يرتدي ملابس أنيقة وحمدانية انسدلت على ظهره وفوقها توسد عقاله بشكل مرتب.
لم يكن هكذا معها من قبل، لطالما كان غير مرتب وغير مهتم بأناقته، لكن الآن....
ضرب خافقها وانحبست أنفاسها والشيطان أحب وساوسه الذي سكبها بكل بهجة بداخل عقلها وهمست:
- مش أنا يلي طلبتك ده.....
وقاطعها صوت رجولي حينها أدرك زوجها أنها لم تكن وحدها:
- المحامي عمر عبدالله الدهماني .
صافحوا بعضهم ثم سأله العم وعيناه تتأمل هيأة الرجل بفضول:
- عسى ما شر!!.. محامي.. خير إن شاء الله؟؟.
- ممكن تيلس علشان نتفاهم.
وجلس الجميع وبدأ المحامي:
- أنا موكل من المدام عنود محمد أحمد المنيعي .
فشخر عمها باستهزاء وقال:
- أها... قول من الأول إنك جاي من طرفها، يعني بنت أخوي جاية تطالب بحقها؟؟.
- نعم....
هز كتفيه بلامبالاه وأجابه ببرود وبابتسامة شيطانية :
- حقها ولازم تاخذه بس للأسف.....
فرك لحيته وعيناه تتراقصان بخبث وتابع:
- للأسف أنا ما أخذت منها شي.
ناظره المحامي من رأسها لأخمس قدميه ورد عليه:
- يعني تقول انك ما أخذت فلوسها يلي في البنك والبيت هذا وأراضي تجارية وأشياء ثانية؟؟.
- أممممممممم بصراحة لأ، أنا ما أخذت منه فلس واحد.
- عيل مين يلي أخذه ؟؟.
- ما عرف، روح ودور يلي أخذه، وألحين اسمحلي أنا ريال مشغول وعندي شغل وايد.
وعندما هم بالمغادرة أوقفه المحامي قائلا :
- يعني يا أخ حمد.. العز يلي عايش فيه ألحين مب من ورث أخوك محمد؟؟.. وأصلا تعرف إنك ارتكبت جرم بانتحال شخصية أخوك المتوفي؟؟.
- مين قال إني انتحلت شخصية أخوي؟؟.. أوراقي سليمة وتقدر تقرأها والكل عارف إني مب أبو عنود ومايد.
وجلست أزهار صامتة على غير عادتها بانتظار شيء ما تجهله، لكنها تعلم بأنه سيخرج للنور قريبا .
- نعم الكل يعرف ما عدى اثنين.....
رفع حمد كتفيه وأجابه:
- مشكلتهم انهم أغبياء وما اكتشفوا الموضوع، وأنا أصلا ما أوهمتهم إني أبوهم، وألحين اسمحلي.
وخطى خطوتين حتى توقف ما أن بدأ المحامي يسرد لائحة:
- فيلا ملك بطابقين في أبوظبي، عمارة في دبي، وشقة بتركيا، وسيارات وأراضي و......
هنا تعلقت القلوب وانقبضت الصدور ونطق بها المحامي وهو يعرف بأنه سيطلق الرصاصة التي ستفضح كل شي.
- وزوجة وثلاث أولاد ساكنين بفيلا على أرض يركض فيها الخيل .
وبدأ الصراخ والعويل ونهضت من مقعدها بقوة لا تعرف من أين جاءتها:
- اتجوزت علي يا حمد؟؟.. أنا تتجوز علي!!.. من امتى؟؟.. وكمان عندك عيال؟؟.. ليه؟؟.. هو أنا عملتلك إيه علشان تجازيني كده؟؟.
واقتربت منه ممسكة بياقة دشداشته وأخذت بهزه وهي تعود لسؤاله حتى فك قبضتيها ودفعها عنه بقوة ووقعت على الأرض ولم يتحرك قيد أنمله حتى يساعدها، وهتف وهو يعدل من هندامه:
- أيوه تزوجت، على بالج بظل معاج طول العمر الله!!.. يلعن شكلج انت شايفة نفسج بالمراية؟؟.
وأشار إليها بتقزز، ونظراته تشي بالاحتقرار والاشمئزاز، فاعتدلت بجلسها وزعقت بكل ما تملكه من أوتار:
- بس انت مانطأتش بأي حاجة؟؟.. جاي دلوأتي تأول إني معقبتك!!.
- أنا أصلا تزوجتج غصب عني لأن ماحد طاع يزوجني بنته، ما كان ودي فيج بس كنت أتصبر وأقول راح يجي اليوم يلي أتزوج البنت يلي أبيها والحمدالله تزوجت وعايش مرتاح معاها ومع أولادي.
وتطلع للمحامي وقال له :
- مشكور يا خوي ما قصرت، زين إنك جيت وفتحت المجال علشان تعرف وأخلص من السالفة، بصراحة كنت محتار متى أقول لها، كانت كاتمة على نفسي الله يلعنها!!.
وقاطعته وهي تنهض وتسبه وتلعنه وهدرت قائلة:
- أنا حوديك بدهية!!.. وأسيبك تتعفن بالسجن .
وضحك باستهزاء وكتف ذراعيه وسألها:
- كيف يعني بتوديني السجن؟؟.
- أنا معاي أوراق البيت يلي كتبتهولي باسمي، وحؤولهم إنك أخدت فلوس أخوك وصرفتها على نفسك وسبت عياله من غير مصروف، وابنه مات علشان مجبتلهوش الدوى بتاعه لما خلص.
وازدادت قهقهاته عاليا حتى أخرست هي وتلفتت حولها غير قادرة على قول حرف واحد والدهشة ألجمتها ليوفر لها المحامي سؤالها قائلا:
- زوجج يا مدام كذب عليج، هو ما كتب البيت باسمج لأن أصلا البيت ما هو بملكه.
وسألته بهمس:
- أومال باسم مين؟؟
- البيت مبيوع لريال ثاني والأوراق يلي عندج مالها قيمة لأنها مب مختومة عند مكتب العقارات، يعني الأوراق مزيفة.
وتمتمت:
- يعني إيه؟؟.. يعني أنا معدش معاي بيت؟؟.. يعني أنا حنام بالشارع ؟؟.
وناظرته بعيون مزغللة ببوادر الجنون ولم تتأخر كثيرا فقد انقضت عليه بالضرب والركل والسب وهو لم يقف ساكننا اشفاقا لحالها بل بادرها باللطم والضرب والصفع، وبالرغم من حجمها الضخم وهو بنحولته إلا أنه استطاع أن يدفعها ويرميها أرضا وساق عليها بالركل والسباب، فاندفع المحامي يمنعه عما يفعله من جرم، فابتعد عنها مكتفيا برؤيتها مضجعة على الرخام البارد وهو يلهث من المجهود، وقال قبل أن يخرج من المنزل نهائيا:
- انت طالق وورقتج روحي خذيها من المحكمة، وارجعي من وين ما جيتي واياني واياج تتصلين فيني.
وولا ظهره ناحيتها وغادر ليتركها تصول وتجول لما حل بها حتى انهارت مغشيا عليها ولم تستيقظ سوى وهي بالمشفى.
- حتعملي ايه دلوأتي يا ماما؟؟
هزت رأسها وأجابتها وأنهارها تهطل بغزارة:
- مش عرفه أروح فين!!.. البيت خلاص معدش بيتنا، بس ممكن نسكن معاك بالشقة لحد ما أتصرف.
نهضت ابتسام من مكانها وهتفت وهي تعلم بأن وجود والدتها معها يعني التوقف عن نشاطاتها، فألا يكفي وجود زوجها في المنزل لساعات طويلة لتأتي والدتها وتمنعها عما تفعله.
- لأ ماقدرش .
- ليه يابنتي؟؟.. أنا وأختك مالناش غيرك، وماشاء الله الشقة تسعنا كلنا .
- ما ينفعش ياماما، كده جوزي حيدايئ.
ناظرتها الأم بعيون قد تفتحت الآن لترى ماكان مخفيا عنها وهمست:
- حيجي عليك يوم انت كمان، لازم تصلحي أحوالك أبل ما يفوت الفوت.
ودارت ابتسام على عقبيها ونفثت شرها:
- تؤصدي إيه ياماما؟؟.
أشاحت الأم بوجهها بعيد وأجابتها:
- انت عرفه كويس أنا بتكلم عن إيه، فأحسنلك تشوفي نفسك أبل ما تحصلي نفسك بالشارع زي.
اقتربت ابتسام من أمها ونسيت أنها أمها وعليها واجب الطاعة وسحبت ذراعها بقوة غير عابئة بالابرة التي خرجت من مكانها لتسيل دمائها، وهدرت بها كما الصواعق الظلماء كما قلبها الموشح بسواد كحلكة الليل:
- انت بتأصدي ايه من كلامك ده؟؟.. انت بتهدديني؟؟.. قسما عظما إن شميت خبر إنك اتصلتي أو حاولتي تشوفي كوزي حسن والله ماتلوميش إلا نفسك!!.
التفتت أزهار لابنتها بصدمة من ردها، وسألتها بدهشة:
- انت بتعلي صوتك علي يا ابتسام؟؟.. أنا ولدتك تعملي فيني كده؟؟.. اخص عليك!!.. يا خسارة الترباية فيك!!.
قهقهت ابتسام بجنون وقالت وهي تترك يدها وتتراجع للخلف:
- ترباية إهيه يا أم ترباية؟؟.
لتنخرس ضحكاتها وتتحول ملامحها لشيطان وتنفست بشر مطلق وهسهست:
- انت أصلا متستحئيش تكوني أم!!.. لأن مفيش أم تبيع ضناها علشان الفلوس!!.. انت بعتيني وبعتي شرفي علشان الفلوس وجاية دلوأتي تؤولي ترباية؟؟.
صفقت الأم بخلاعة وردحت قائلة:
- بيعة إيه ياأم الشرف؟؟.. ليه هو أنا يلي ؤولتلك نامي مع عيال الحارة من عمر 14 سنة علشان شوية فتافيت فلوس؟؟.. فوؤي لنفسك يا ضنايا... انت يلي بعتي شرفك علشان الفلوس، أنا بس ؤولتلك تعلي من مآم الزباين يلي بتروحيلهم بدل عيال الشوارع.
وأخذتا تلومان بعضهما البعض تحت أنظار الابنة المتوارية بالخلف والمنبوذة والمصدومة من رؤيتها لكمية الحقد والكره من والدتها وشقيقتها، وازداد صراخهما وازدادت حركة أيادهما حتى تحولت للدفع والسحب وبعدها تحولت لللطم والشد وكلاهما تهدد الأخرى وتلومها على الحال التي وصلت إليها حتى دخلت الممرضة إثر أصواتهما العالية وزعقت بهما:
- لو سمحتوا احنا في مستشفى مب كزينو!!.. ممكن تراعوا المرضى الثانيين؟؟.
ناظراتا بعضهما بكره ودارت ابتسام حول نفسها وخرجت بخطوات سريعة وهي وتتمنى عدم رؤيتهم مرة أخرى، ووالدتها أعطيت مهدء بعد أن جن جنونها من أفعال ابنتها التي فضلتها دائما ولم تبخل عليها لا بالغالي ولا بالنفيس وهكذا تجازيها.
وبين سكون المكان وخلاء الغرفة من أفرادها حتى استلت هاتفها من حقيبتها بيد مرتعشة وضغطت على زر أحد الأرقام وانتظرت حتى فتح الخط وهمست بأوتار مشحونه ببؤس الحياة وشقائها:
- مخنوقة يا منصور وحاسة إني بموت، تعال الله يخليك ماعدت أقدر، والله ماعاد فيني حيل أتحمل أكثر من جذا.
وانتحت باكية بركنها المنزوي تبكي عائلة مفككة، عائلة لم تعترف بوجودها، وأمان لم تذق طعمه بينهم.
فألا تنتبهون يا بشر على اختياراتكم؟؟.. ألا تتحملون ما تجنيه أياديكم؟؟.. وألا.. تتلفتون خلفكم لتروا ماتخلفونه وراءكم من دمار؟؟.

*********************************

في أحد المقاهي الفخمة جلس يرتشف قهوته بشرود وعيناه تعانق نقطة وهمية بخلاء اجتاحه بالفترة الأخيرة، لكن عقله سافر ببحور عاصفة ذات أمواج عاتية أغرقت قاربه ليتضح بأنه ربان فاشل لم يستطع أن يمسك بدفته ليوصلها لبر الأمان.
ثوان هي حتى ران على سمعه رنين هاتفه فانحنى باتجاه الطاولة ليستطلع المستصل حتى كشر على ملامحه وتراجع للخلف ينظر إليه من بعيد، هي سبب ما يعانيه الآن!!.. هي السبب بحرمانه من زوجته وأطفاله وعائلته!!.. هي السبب بانسحاب السعادة من حياته!!.
زفر بحرقة وتنهد بأنفاس ساخنة ليستغفر الله وهمس:
- يا الله يا حسن شوسويت بنفسك؟؟.. ألحين هي السبب وانت ما سويت شي؟؟.
هز رأسه برفض وتابع يعاتب نفسه:
- انت يلي عطيتها المجال، لو سكرت جدامها الباب كان ماصار يلي صار.
وسكت يزدري ريقه الجاف كما جفاف الصحراء القاحلة وتلقف كأس الماء يروي ضمأه، لكن هيهات أن يشبع ونبعه يبعد عنه أميال طويلة .
عاد الرنين يؤرقه ويزعجه فما كان منه سوى أن فتح الخط وأجاب ببرود كما حياته الخالية من نبضها.
- نعم....
وأنصت لسؤالها حتى أجابها بملل:
- وشتبين يا ابتسام؟؟
وتتطلع لما حوله بضياع وهم وهو يستمع لشكواها بما فعله زوج والدتها بهم، حتى قال بسخرية مريرة:
- يعني مب عاجبنج إن ريل أمج غشها وقص عليها وطلقها وراح واتزوج وحده ثانية، لكن لما كنتوا عايشين من خير اليتامة ما قلتي أي شي، بالعكس.. شجعتوه إنه ياخذ فلوسهم وحلالهم علشان تعيشون انتوا.
وشخر بصوت عالي واستطرد:
- وألحين ياية تتشكين؟؟.
اعتدل بجلسته وهدر بها بغضب جامح قد سكن بداخله لفترة طويلة ويبدوا أنه سينسكب على رأسها لامحال:
- بسبب طمع أمج وعمج مات ولد كان من الممكن إنهم يعالجونه ويخف، بس شو نقول غير إنه نصيبه بالدنيا جذا، بس الله ما ينسى وكل ظالم راح ياخذ جزاته.
ولم يمهلها الوقت لترد عليه فقد ألجمها حديثه القاسي ولم تستطع الدفاع عن نفسها وتابع بعدها بهدوء وجمود:
- أنا ألحين مشغول، وبعد ما أظن أرجع الشقة اليوم، مع السلامة .
ظلت تتطلع لهاتفها بعيون زائغة وهمست لنفسها بخوف قد تسلل إليها:
- يا ترى هل حان وقتها هي أيضا؟؟
فانتفضت من جلستها رافضة الاستسلام والعودة إلى الفقر بعد أن تنعمت بين مباهج الحياة، وتحركت تروسها وتوسعت ابتسامتها وصفق لها الشيطان بحبور لأفكارها الجهنمية، ولقاء قد آن أوانه لابد منه وسيكون غدا، فمن المستحيل أن تعود وتغوص بالوحل من جديد، ولم تعلم بأنها تغرس نفسها بالوحل أكثر وأكثر وهو من نوع آخر يبدوا أنها لن تستطيع الفكاك منه.
****************************
حل اليوم التالي والجو مشحون بشحنات سالبة، عنود صامتة وحمدان يرمي بأوامره فقط دون أن يبدي أي كلمة أخرى زيادة على غير العادة، والطفلين قد انتقلت لهم عدوى السكون.
تغيبت عن جامعتها وهو أيضا أخذ اجازة من عمله من أجل موعدهم بالمشفى.
استقلوا السيارة هو يقود وهي تجلس بالخلف والهدوء حليفهما، وصلا دون حرف واحد وانطلقا للداخل وجلسا بجانب بعضهما دون أن تقدر على الاعتراض أمام الناس.
حان دورهما وعندما نهضت نهض معها فالتفتت معترضة:
- على وين؟؟.
وهمس عند أذنيها ليبدوا كهمس حبيبين:
- بدخل معاج.
- لا....
واعترض:
- مب على كيفج!!.
وأمسكها من ذراعها وقادها ناحية الغرفة بعد أن عاد لهمسه:
- امشي وعن الفضايح.
وجلسا عند الطبيبة وبين سؤال واجابة واستفسار حان وقت السونار الذي طال انتظاره، فقد أجلت موعدها السابق بسبب امتحان مفاجئ لم تقدر على غض النظر عنه فما كان منها سوى أن تخلت عن موعدها، فتذكرت عصبية حمدان عندما لم تذهب وبكل بساطة قالت له:
- يعني طول الوقت ماكنت تعرف إني حامل وألحين هذا الاهتمام المفاجئ؟؟... بصراحة أبدا مب راكب الموضوع .
وغادرت تاركة إياه يشتعل غضبا.
نامت على السرير وجلست الطبيبة على كرسيها ووضعت الجل على بطنها المكشوف لتشعر ببرودة ووضعت المنظار على معدتها وحركته لتسري دغدغة على بشرتها لحظات حتى نادت الطبيبة:
- أخ حمدان تعال اتفضل هنا وجوف ولدك.
كان أن فضل الجلوس بمقعده لرغبة العنود الغير معلنة برؤيتها عارية الجسد، لكن بداخله كانت رغبة كبيرة برؤية طفله يتكون بداخل جسد صغيرته، ونداء الطبيبة كان كمن كسر الدرع الواقي فنهض واتجه ناحيتهم ليراها تشيح بمقلتيها بعيدا عنه، اعتصره الألم لكن كيف السبيل لارضائها؟؟
خرجا من المستشفى والهدوء يغلفهما وعادا للسيارة وانطلق بها والشرود كان من نصيبهما، وكل واحد يتمنى لو كانت الأمور مختلفة بينهما لكان اليوم أسعد أيامهم، لكن الأمنيات هي الأمنيات، وليس بمقدورهم تغيير القدر، رنين هاتفها كسر الجمود الطاغي عليهما، وردت بعد حين:
- ألو.... هلا شهد شخبارج؟؟.
أنصتت ثم أجابت:
- هيه الساعة خمس العصر لازم تكونون موجودين، أنا بترياكم هناك.
عادت للسكوت تستمع لصديقتها وأجابتها:
- لا يا شهد ما يحتاي تروحين الصالون، هذي حفلة صغيرة علشان عموه رجعت من العمرة وحبت يدوه تسوي لها مفاجأة.
ضحكت العنود لمشاغبة صديقتها وهتفت وقد نسيت من معها:
- ولي يرحم والديج خفي علي مب قادرة أضحك أكثر، ودي أروح الحمام، من دخلت الشهر الرابع وأنا شكثر أدخل الحمام .
استمعت ثم سألت:
- مين اسماعيل هذا؟؟.... نعم..... شهودة انت في كل مرة غيرتي اسم ولدي أصلا اشدراج انه ولد يمكن بنت؟؟.
كان يستمع لمناوشتها مع صديقتها وكم اشتاق لسماع ضحكها وأحاديثها المرحة فقد مل من رؤيتها دائمة التجهم والغضب عند رؤيته.
تنهد بضيق وتساءل إلى متى سيستمر بهما هذا الحال؟؟.. هل سيكون مصيرهما الانفصال؟؟.. فعلا لم يتوقعها أبدا أنها بهذا العند!!.. إنه الآن يختبر شخصيتها الأخرى التي لم يرها من قبل، وعاد يتساءل بتهكم.. كم شخصية تمتلك زوجته؟؟
- يلا يا شهد بجوفكم اليوم إن شاء الله انت وميثة.
وأغلقت الهاتف وعادت لنسكها كأنها لوحدها ولايشركها أحدهم المكان إلى أن وصلت لمكان سكنها وترجلت من السيارة وانطلقت لأمانها بعيدا عن رائحته التي أزكمت أنفها، ولا حرارة جسده التي أشعلت حواسها. كادت أن تصرخ به أن يتوقف بالسيارة كي تصعد لسيارة أخرى هربا منه، لكن صديقتها أنقذتها باللحظة الأخيرة.

**************************
سارت بخطوات متأنية بفستان واسع نوعا ما لكن أنيق، وحجاب صغير غطى نصف شعرها الخلفي بعكس الأمامي الذي تركته يرفل فوق جبهتها بكل حرية، وعباءتها.. حسنا إن كانت تسمى عباءة فهي شفافة ومفتوحة لتظهر ما ترتديه تحتها.
دخلت ووقفت تتطلع للثراء الفاحش الذي يعيشه سكان هذا المنزل، وشعت عيناها بالطمع بالعيش هنا ونيل كل ماتبغيه دون أي عناء.
تقدمت ناحيتها الخادمة لتخرجها من دوامة جشعها وسألتها بتكبر:
- ماما كبير موجود؟؟.
- يس مدام .
- طيب روحي واندهيلها.
وماكادت الخادمة تتحرك لتناديها حتى جاءها صوتها ملعلعا:
- شو يلي جابج هنا ؟؟.
- أهلا يا حماتي، مش المفروض انت تبئي حماتي أم كوزي؟؟.
استغفرت الله وتعوذت من الشيطان وأجابتها بعد أن تأملت شكلها المستفز الذي لا تطيقه لفتيات هذا الزمان، فقد اختفت الحشمة وانتهى زمانها، وتأسفت بحسرة لاختيار ولدها وتساءلت... كيف استطاع أن يبدل الأصل بالتقليد؟؟... وأجابتها بعد برهة:
- آمري بغيتي شي؟؟.
لتجيبها بانتصار :
- مش أنا يلي عوزة، دا حفيدك يلي عاوز.
وأشارت لمعدتها المسطحة تخبرها بوجود حفيدها قطعة منها بداخلها.
فتحت الجدة فمها حتى جاء صوت من بعيد يصيح بغضب:
- انت ليش جاية لهنا مرة ثانية؟؟.. تبين أمي وأبوي يطلقون نفس المرة يلي طافت؟؟
والتفتت له الجدة جاحضة العينين ومتسائلة بصدمة:
- عبدالله انت شو تقول؟؟





 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
)...., اللقا, اماراتية, تاهت, بقلمي, جلدة, عناويني
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 11:18 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية