كاتب الموضوع :
ام حمدة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
الفصل الخامس والعشرون.......
من أنا ومن أكون؟؟.. تهت وما عدت أعرف نفسي!!.
روحي شريدة، وأحاسيسي غريبة، وعاوطفي جديدة.
أتعبتني يا صغيرة وما عادت بي طاقة .
سحرتني بسهولك الخضراء، وأبحرت بين ثلوجك البيضاء.
أدمنتك.. وصرت دونك بلا حياة، وما عاد لي دواء سواك.
بشر أنا وأخطئ، ومعك أصير مختلف .
جننتني وما عدت أدور بفلكي، أرقتني وصرت هاجسي .
أيا كحيلة العين، يا زينة العود، يا الشهد المعسول.
صرتِ طيفا بخيالي، وأصبحت لا أنشد غير أنفاسك.
تهت بك.. ولم يعد لي طريق للعودة.
فاستعدي يا من سحرتني بشيء صار يتملك صدري.
فأنت لي، وملك يميني، وما عدت أريد التنحي.
( حمدان )
**************************
هل زارك ذلك الاحساس عندما تعلم أن بيديك تقتل روحك وحياتك؟؟..
لا.. أنتم لا تعرفون ذلك العجز الذي يغلغلكم باديا من الأعماق ثم ينتقل للخارج مقيدا إياكم وأنتم ترون أغلى الناس يفلت من بين أصابعك والسبب..."أنت".
قلبه توقفت نبضاته وهو يراها مسجاة دون حراك، واختفت أنفاسه باختفاء أنفاسها، فألا يقال أن الأرواح تتشارك!!.
العمة جزعة، والجدة مرعوبة، والأطفال انزوا بأحد الأركان وقد أخذت بهم الصدمة من رؤية والدهم بهذه الوحشية مع والدتهم، وهو وقف بجمود والجملة قد شلته تماما.
- عنود حامل... حامل بابني أنا.
هل يفرح أم يصرخ؟؟.. أم ماذا يفعل!!.. هو لا يعرف ما الذي يجب عليه أن يكون؟؟..
- عنود حبيبتي، عنود قومي الله يخليج!!.
وهتفت الجدة بلوعة:
- يا بنيتي يا العنود قومي، حسبي الله ونعم الوكيل!!.. الولد انجن وما عاد بعقله.
سكتت قليلا وتطلعت للفتاة الساكنة ومن ثم عادت تولول بصوت عالي باتجاه زوجة ولدها:
- يا خديجة.. سوي شي، البنت بتروح من ادينا!!.
- هدي يا يومه وخليني أجوف شو أسوي.
والتفتت حولها لترى من كان السبب يقف دون أن يبدي أي ردة فعل وعلمت من أنه لن يفيدها بشيء، وشاهدت والدها لتصرخ به:
- سالم.. تعال وجوف العنود وجفيها!!.
تقدم ناحيتهم لكنه توقف فجأة، فلا يستطيع أن يتقدم خطوة أخرى ناحية امرأة ليست بحلاله.
فتحرك ناحيته وأمسك بذراعه هادرا به:
- حمدان تحرك وجوف حرمتك وشفيها، أنا ما أقدر ألمسها.
وبالفعل شعر بالحياة تدب بأوصاله، وعيناه تلتقط هيئتها المصفرة.
تحرك ناحيتها فشعرت العمة بجسدها ينزاح وجسد آخر يحتل مكانها. جس نبضها أولا ليتنهد بارتياح، هي حية، ومن ثم أمر:
- أعطوني غرشة عطر .
والتفت يتطلع لما حوله وشاهدهم يقفون عند الزاوية وعيونهم جاحظة للخارج، فعدم التصديق بأن والدهم الحنون يفعل هذا فهو شيء لا يصدقه عقلهم الصغير!!.
أغمض عينيه بحسرة والندم يعتصر صدره على الحال المتردية التي أصبح عليها، لكن ليس هذا بوقته.
- عبدالله ... سير غرفة النوم بسرعة وجيب لي غرشة عطر.
ولا رد لطلبه فعاد يصرخ به هذه المرة ليوقظه:
- عبدالله بسرعة جيب لي عطر.
وترك شقيقته وانطلق سريعا كما الصاروخ للغرفة وبحثت عيناه بكل أرجائها باحثة عن الدواء الذي سيعيد له والدته الحبيبة، وهناك وجده، وجرى ناحيته متلقفا الزجاجة وساحبا معه باقي الأشياء وموقعا إياها دون قصد منه ولم يتوقف لينظرما فعله فحياتها بين يديه!!.
أسرع للخارج كما قلبه النابض بسرعة ألف واط، أهدى والده الزجاجة ليأخذها من يده ورش بعض منها على كفه ومن ثم حركه ناحية أنفها ودعاء بأن تستيقظ، لكن كل ما طالعهم هو سكونها الذي أرسل الرعب لقلوبهم المتعلقة بها، فما كان منه سوى أن طالب بعباءة وهذه المرة تحركت العمة وأحضرتها ليلفها حول جسدها ويغطي شعرها أين كان، وسارع بحملها واضعا إياها بالقرب من صدره ومحتويا بجسدها بين ذراعيه القويتين وانطلق بها للخارج، وبلحظة ضربه ادراك من أنه وللمرة الثالثة يحملها ويهرع بها للمشفى، وبكل الحالات كان هو سببها.
وضعها برفق بالمقعد الخلفي لسيارته وعيناه تعانق ملامحها الذابلة والشاحبة وهمس بالقرب من وجهها وظاهر كفه يلامس وجنتها المصفرة برقة:
- آسف يا العنود والله ما كان قصدي!!.. والله مب عارف شو صاير فيني!!.
وابتعد عنها ومقلتيه ما تزالان تشيعانها ثم أغلق الباب قاطعا التواصل ودار حول سيارته واتخذ مقعده وما كاد أن يدوس على عصى البنزين حتى فتح الباب المجاور له وصعدت عمته وأمرت بنبرة جادة:
- يلا بسرعة يا حمدان للمستشفى، وحسابك عسير بعد ما نطمن عليها وعلى الولد يلي في بطنها.
وقذفته بنظرات نارية ليشيح بوجهه للأمام وانطلق دون أن يضيع ثانية واحدة.
أما سالم فقد أشرف على الجدة والطفلين وسار معهم بخطى بطيئة بالرغم من أن الجدة حاولت قدر استطاعتها الاسراع إلا أن للسن أحكامه ولا تستطيع اختراق قوانينه، والطفلين كانا متشبثين ببعضهما وقد شحبت ملامحهما، لينطق سالم مزيحا الرعب من عليهما:
- لا تخافون!!.. العنود راح تكون بخير.
ولم يجيباه بل رفعا عيون قد تحجرت دمعاتها فعاد يقول بسرعة وهو يناظرهما من فوق رأس جدته:
- تذكرون لما طاحت من الخيل وخفنا عليها وايد؟؟
هزت حنان رأسها موافقة وهمست بخفوت:
- هيه... أنا أذكر.. لما حسبناها ماتت.
- نعم حبيبتي بس طلعت بخير، كسر بسيط بايدها وألحين هي بعد بخير بس أغمي عليها.
اقتناع بسيط لاح بالأفق، لكن الاقتناع الأصعب سيكون مع والدهم.
وصلا لسيارته وساعد جدته التي لم تتوقف عن الدعاء بحفظ ابنتها وحفيدها المنتظر باحتلال مقعدها، ومن ثم ساعد الطفلين بالصعود والتفت هو أيضا متخذا مكانه وانطلق ناحية المشفى وكان الصمت رفيق الجميع إلى أن همست حنان ببكاء مكتوم يوشك على اعلان نفسه:
- ليش بابا ضرب ماما عنود؟؟
وتطلعت الجدة وسالم لبعضهم وقبل أن تنطق الجدة لتدرئ الصدع الذي أنشأه والدهم بغفلة منه، هتف عبدالله ببرود أخاف الجدة وعمه:
- لأنه ما يحب حد يكون فرحان، يبي الكل يكون مثله زعلانين.
جزعت الجدة من رده وهتف سالم بصدمة وهو يناظره من المرآة الأمامية للسيارة:
- عبدالله .. انت شوتقول؟؟
سكت ولم يعقب على سؤال عمه وحرك عيناه يناظر المناظر الخارجية، لكن عيناه تتطلع لسيناريوا واحد حتى لو اختلف الزمان.....
اعتقاد رسخ بصغر سنه ولا يفقه من أمور الحياة شيء، ولكنهم غفلوا بأن الصغار قادرون على تخزين صور ومواقف حتى لو مرت عليهم السنون.
هو يتذكر والده ووالدته يتشاجران، ومن ثم قام والدها بطردها من المنزل واختفت من عالمهم منذ ذاك الوقت، والمشهد الآخر ولم يختلف الموقف سوى باختلاف المرأتين.... هو يطرد العنود من المنزل واختفت أيضا، وهذا وقد رسخ بداخله بأن والده قاسي القلب.
********************************
ينسون ويتناسون بأن الله يمهل ولا يهمل وأنه رحيم بعباده، فبالرغم من أخطائهم إلا أنه يعطيهم الفرص لتصحيح مسار حياتهم الخاطئ، فمن هو أرحم بعباده سواه، وهو الأحن من الأم بطفلها، فلما يا بشر لا تعتبرون؟؟.. لما لاتقتنصون الفرص بالتوبة إلا الله؟؟.. فكل شيء زائل، ونحن زائلون ويبقى هو الواحد القهار.
ألا يعلمون بأن هناك حساب وعقاب؟؟... فهيهات لو يعلمون ما ينتظرهم لكانوا قد ظلوا لله ساجدين غير راغبين باضاعة الوقت بشيء تافه، لكن ماذا نقول لمن طمست عيونهم وقلوبهم عن ذكره وتركوا للشيطان سبيلى؟؟..
تسلل سريعا راغبا بانقاذ روحه من الهلاك، وتلك الأخرى تحثه أيضا خوفا من وقوع مالا يحمد عقباه، وغفلوا بأن عيونه ساهرة لا تنام،
وبين غفلة ورمشة وسؤال وسقوط هاتفه على الأرض وهو يسأل:
- ابتسام.. شوصاير هنا بالغرفة؟؟... ووين الشغالة علشان ترتبها؟؟
وكانت ثانية بين الموت أو الحرية، رمى صديقها بجسده خلف الأريكة وبتلك اللحظة رفع حسن رأسه.
- ابتسام......
وتوقف بمكانه وعيونه تتابع ما حل بها من شحوب وعيون زائغة تخبره بأنها على وشك الانغلاق فانطلق ناحيتها قبل أن يسقط جسدها، ولكنه تأخر، فقد توسد جسدها الرخام فجثى بجانبها محاولا ايقاظها والهلع قد تلبسه تماما:
- ابتسام.. ابتسام انت بخير؟؟.. أتصل بالاسعاف؟؟.. ابتسام..
لتئن بألم وحركت رأسها يمنه ويسرة وهمست:
- أنا.. أنا كويسة بس عاوزة أريح بالأوضة.
فساعدها بالجلوس وهو يتابع:
- لا.. أنا لازم أوديج المستشفى علشان أطمن عليج وعلى يلي في بطنج.
- ملوش لزمة، هي شوية دوخة وحتعدي على خير زي كل مرة.
اتكأت عليه وأمسكها من خصرها باحكام وسار بها ناحية غرفتهما وساعدها على اضجاع جسدها على السرير وعندما هم بالخروج من الغرفة صرخت به:
- رايح فين؟؟
- بروح أجيب لج عصير.
فهتفت بسرعة :
- لا.. ملوش لزمة، أنا بس حنام شوية وحرتاح، وانت تعال جنبي ومتسبنيش.
وفعل كما طلبت وارتاح بجانبها وسألها بعدم اقتناع:
- انت متأكدة انج بخير وما يحتاي أوديج للطبيب؟؟
نامت على جنبها معطية اياه ظهرها وأجابتها بأسنان مصكوكة:
- لا يا حبيبي أنا كويسة، بس عوزة أنام.
وأغمضت عيناها وادعت النوم أما هو فقد اتكأ على وسادته، لكن هيهات أن يريح عيناه وعقله يدور بدوامة الخسران، وقلبه يعاتبه ويلومه على خسارة فادحة يمني بها لرفيقة دربه، ولكن هل يفيد الندم؟؟
والتفت يتأمل ظهرها وعاد السؤال، وهل تفيد كلمة لو؟؟.
وتحرك للجهة الأخرى معطيا اياها أيضا ظهره فقد خسر الغالي وما بقي إلا الفتات.
دقائق حتى صدر هاتفها نغمة وصول رسالة، فتحتها لتقرأها ومن ثم مسحتها ونامت قريرة العين فقد فلتت من الموت المحقق ولم تعلم بأن الله يمهلها التوبة والاستغفار.
**********************************
الانتظار قاتل، والوقت لا يمضي وكأنه يعانده ويجبره على الشعور بما اقترفته يداه.
الذنب يتآكله، وعواطفه تسحقه من الأعماق، لقد أخطأ، وأخطأ كثيرا، ولم يعد ذلك الرجل الرزين الواعي لما يحدث معه، هل شخت بسرعة ياحمدان وصرت لا تستوعب المنطق؟؟...
هذا ما كان يخبره به هاجسه وهو يجلس على كرسي الانتظار وعيناه تناظر الباب، والعمة تجلس بجنبه دون أي حرف واحد تهديه الطمأنينة التي ينشدها قلبه، ومن بعيد رفلت عباءة الجدة السوداء وعكازها يضرب الأرض ضربا مصدرا صوتا عاليا غاضبا، وبجانبها سالم يمسكها كي لا تقع من شدة سرعتها، والطفلين يسيران بجانبه بهدوء.
وصلت وهي تلهث ولم تنتظر إلتقاط أنفاسها وسألت:
- ها بشري؟؟.. إن شاالله بنتي العنود بخير هي وولدها؟؟
نهضت العمة وأمسكت بها من ذراعها وسحبتها للجلوس على الكرسي وهي تحادثها:
- هدي يا الغالية وخذي نفس، مب زين لج العصبية، خايفة الضغط يرتفع.
ورفضت الجدة الراحة وهتفت:
- خليج مني وقوليلي شو أخبارها؟؟.. قلبي محروق على بنتي، هاي البنت مو مترقعة بحياتها، قاعدة تلطمها يمين ويسار وما هي مرتاحة.
تنهدت العمة وهزت رأسها بشفقة توافقها الرأي وثم أجابتها:
- الدكتورة داخل وياها وبعدها ما طلعت.
واستدارت الجدة ناحية ذلك الرجل الجالس بظهر مستقيم وملامحه جامدة لا تنطق بدواخله فاقتربت منه ولكزته بعصاها على ذراعه وسألته بغضب جامح:
- مين انت؟؟... وشسويت بوليدي الراكز الواعي؟؟.. يلي جدامي واحد مب عارف راسه من اريوله!!... وين حمدان وليدي الفهيم يلي الكل يدور شورة؟؟... وشصار؟؟.. ليش ما تتكلم وتنطق؟؟.. بنات الناس ماهم بلعبة علشان تاخذهم متى ما بغيت وتعقهم متى ما دقت براسك.
زفر أنفاسا حارة متعبة وهمس بداخله بصوت مشحون بالارهاق:
- ما عدت أعرف مين أنا يا الغالية!!... ما عدت أعرف!!.
وعندما لم تحصل على أي ردة فعل منه ليدافع عن نفسه، عادت تحثه:
- تكلم... قول... انطق... والله ما عاد فيني حيل أتحمل يلي تسويه في نفسك، اتقي الله ياوليدي بروحك وبهذي المخلوقة المسكينة، يلي تسويه بحالك ما هو بزين، والله حرام!!.
نهض من مكانه واتجه إليها واحتضنها وطبع قبلة على رأسها وهمس لها:
- كل شي راح يتصلح يا الغالية .
وهدأت الجدة وسكنت بين ذراعية .
- ما راح تقدر يا وليدي، وما هقيتك تصير مثل اليهال وماتوزن الأمور.
ابتعدت عنه وهزت رأسها وهي تتحرك متجهة ناحية الكرسي وجلست بتعب وقالت له وهي تناظره:
- ما ظنتي تقدر تصلح يلي صار يا وليدي!!.. يلي سويته كبير وما هو بشوي.
جلس بجانبها وأحاطها من أكتافها:
- كل شي يتصلح، وكل مشكلة ولها حل.
ابتسمت باستهزاء وقالت وهي تلتقط عيناه بتحدي:
- بنجوف يا حمدان تقدر ولا لاء.
وما هي إلا لحظات حتى خرجت الطبيبة ليفز الجميع ناحيتها يستعلمون أحوال غاليتهم.
- دكتورة.. بشريني، شخبار العنود؟؟
- انت زوجها؟؟
فتح فمه ليجيبها بالايجاب ليضربه الادراك من أنها ما تزال زوجته ولم ينفصلا، هي زوجته، وما تزال على ذمته، وعندها شع الأمل بداخله والعزم نطقت به عيناه وأجابها بكل قوة:
- نعم أنا زوجها طمنيني؟؟.
- الحمدالله هي بخير والجنين بخير بس هو هبوط بالدم ويلزمها راحة، وثاني شي، ليش تاركها جذا مهملة بصحتها؟؟.
قطب حاجبيه وسألها باهتمام:
- كيف يعني مهملة؟؟.
- يعني تغذيتها سيئة، وشكلها ما ترتاح وتاخذ عدد الساعات المناسبة للراحة.
لتسارع العمة قائلة:
- هي تدرس بالجامعة يا دكتورة.
- أها...علشان جذا، بس لازم ترتاح، ما يصير ترهق نفسها، الجنين ما راح يتضرر، لكن هي يلي بتتعب .
لتقترب منها الجدة وأمسكت بيد الطبيبة وسألتها برجاء:
- يعني بنيتي بخير وماعليها شر هي ووليدها؟؟
ربتت الطبيبة على يد الجدة وابتسمت لها لتطمئنها:
- بنتج ما عليها شر يا الوالدة، بس شوية راحة وأكل صحي وتكون بخير.
ليسألها حمدان:
- يعني تقدر تطلع ألحين؟؟.
- نعم تقدر تطلع، وكتبتلها على فيتامينات علشان تاخذها، ولازم تراقبوا تغذيتها وراحتها وهذا كل شي .
- مشكورة يا دكتورة.
ورحلت الطبيبة ودخلت العمة والجدة لغرفة العنود وشاهدوها تقف وترتدي عباءتها وملامحها لا تشي بشيء.
- سلامتج يا بنتي يا العنود، ما تجوفين شر!!.
قالتها الجدة وهي تحتضنها وتمسح دمعة فرت من مقلتيها لتحتويها العنود وتهمس لها:
- الشر ما ييج يا الغالية.
- سلامتج يا بنتي يا عنود، أجر وعافية .
- الله يسلمج يا عموه، خلونا نروح تعبانه وودي أرتاح .
وخرجوا من الغرفة ولم تتطلع ناحيته بل سارت بعيدا كأنه ليس بموجود.
كان يترقب خروجها بلهفة، وقلبه يطرق طربا لرؤيتها بخير، ولكن كل ما طالعه هو اللاشيء وآه من ألم يعتصرك عندما تعلم بأنك لست بموجود.
ازدرد ريقه بصعوبة بالغة، وأصابه رمح بصدره أرداه قتيلا لعدم مبالاتها لوجوده أو حتى بكلمة تخبره بأنها تحمل طفله بأحشائها، وتساءل.. لما لم تخبره؟؟.. لما لم تقل له من البداية بأنها تنتظر طفل منه؟؟.. لما الصمت؟؟.. وجدته وعمته لما لم تخبراه منذ أن علمتا بحملها؟؟.
لتصفعه الحقيقة المجردة.. وانت كيف جازيتها؟؟.. أوتريدها أن ترد لك الاحسان بالاحسان وهي لم تحصل منك سوى الذل والهجر!!.
توقفت وقد شاهدت الصغيرين ينظران إليها ودموعهما ترقرقت بمقلتيهما، لتقترب منهما وتحتضنهما وفعلا بالمثل إذ التف حول جذعها أذرع صارت كما الطوق الذي لا يريد افلات خشبة انقاذهم.
- هشششش... أنا بخير وما فيني شي.
ربتت على رؤوسهما وطبعت قبلة عليها ثم أبعدت قائلة لهما بحنان بالغ وتأكد:
- أنا بخير وما فيني شي.
لتهمس حنان من بين دموعها المنسكبة:
- عيل ليش طحتي لما انت بخير؟؟.
ابتسمت لها بارهاق وألم استبد بخافقها بسبب من كان موجعها، ولكن أجابتها:
- أممممم.. علشان هذا!!.
أمسكت بكف كل واحد منهما ووضعتها على معدتها المسطحة:
- علشان هنا في نونو هو يلي متعبني شوي.
ليخرج عبدالله من شرنقته ويسألها باستفسار وفضول:
- كيف يعني؟؟.. ما فهمت؟؟
سحبتهما وجلست على الكرسي دون أن تأبه بوجود الآخر الذي ينتظر منها كلمة أوحرفا واحدا ليعينه على شقائه.
- يعني يا حبيبي بيكون لكم أخ أو أخت ولا ما تبون يكون لكم اخوان؟؟.
سكون وترقب، وبعدها انفجر المكان بالصراخ من حنان:
- يس.. يس يعني بيكون عندي اخت صغيرة، يا سلام.
ثم هدأت قليلا وهتفت بفرح عارم:
- ماما عنود أنا أبي بنت، جيبي بنت علشان ألعب معاها وتنام معاي بالغرفة.
ثم تحدث عبدالله وما زال غير مستوعب ما قالته:
- يعني انت حامل وبيكون لنا أخ؟؟
شعت عيناها بابتسامة حقيقية ورفعت كفها ناحيته ماسحة هموم هذا الصغير وهمست:
- هيه حبيبي، ولا ما تبي يكون لك أخ؟؟
ليسارع بابتسامة كبيرة مجيبا إياها:
- بلى أنا ابي أخو صغير علشان ألعب معاه .
احتضنتهما بحب وقبلتهما على وجنتيهما وهي تحادثهما:
- حلو.. بس ها.. ما بي كلام وبس نبي أخ أو اخت وآخر شي ما حد يساعدني واحد منكم عليه!!.
وصرخ الاثنان:
- بلى بنساعدج.
ومن ثم انهالت عليها الأسئلة كما حل كل الأطفال، متى سيأتي؟؟.. وكيف هو شكله؟؟.. وأين هو بالضبط؟؟.. وهل تتألم؟؟.. وإلخ......
وسارت باتجاه السيارة مع الجدة والعمة وصعدت إليها لتعرف بأنها قد أخطأت بالسيارة، فقد اعتقدت بأنها لسالم، ولكن اتضح العكس.
ركبت عمتها والجدة معها، والأطفال غادروا مع عمهم سالم لرغبته بأخذهما لشراء المثلجات وأيضا كانت رغبته الحقيقية هي بابعادهما عما يخمن أنه سيحصل بين والدهم وزوجة والدهم، فيكفي ما رسخ بداخلهما ولا يريدهما أن يشاهدا والدهما وهو يزيد من الطين بله.
انسابت سيارته بحركة ناعمة خوفا من خدش الأم وجنينها،وهو يعلم علم اليقين بأنه قد جرحها بعمق وعليه الآن فعل المستحيل لاصلاح ما فعله بتهوره الطائش، لكن كيف لايعرف!!.
السكون طغى بالسيارة وكأن على رؤوسهم الطير إلى أن وصلوا للمنزل، أوقف السيارة وترجل منها بسرعة فاتحا الباب لجدته وساعدها بالنزول ثم عمته وانتظر الأخرى لتنزل، لكن لم تبدر منها أي حركة دليل رغبتها بالخروج، فدار حول السيارة وفتح الباب الآخر.
- شو حاسة؟؟.. تعبانه؟؟.. مدوخة؟؟.. تعالي بساعدج علشان تنزلين وعلى طول على الفراش ما في حركة.
ومد يده يبغي المساعدة إلى أن لعلع صوتها قويا صلبا قاسيا :
- والله لو لمستني ما تلوم غير نفسك!!.
تجمدت يداه بمكانها واستنكر قولها ورد عليها يحاول افهامها وضعهما الآن:
- عنود.. تراه عادي، أنا ريلج، يعني طلاقنا باطل لأنج حامل.
دماء تغلي كغلي الحمم البركانية، وشيطانها يوسوس لها بقتله والراحة، ولكن كل ما فعلته هو أن تحركت من مقعدها وهذه المرة لا مشاعر ولا أحاسيس تصعقها من قربه منها، فما فعله بها شيء لن تغفر له أبدا!!.
دفعته ووقفت كالجبل الشامخ ورفعت أنفها للأعلى وقالت له بصوت زلزل أعماقه:
- وباقي من الحمل 6 أشهر وطلاقنا بعدين يكون صحيح.
بهت للحظات حتى تدارك نفسه، ماذا كان يأمل؟؟.. أن تشفع له ما أن تراه؟؟... فيبدوا أن الطريق ناحيتها قد ملئ بالأشواك والأسوار العالية، وعليه تخطيها ليصل بهما لبر الأمان .
- أممممممممم.. طيب والولد يطلع على الدنيا أبوه وامه منفصليين؟؟.
ابتسمت باستهزاء وناظرته باستحقار ووجهت الضربة تحت الحزم:
- أظن المفروض متعود انت على هذا الشي!!.. بحكم انك منفصل وهذيلا عيالك عايشين والحمدالله أحسن عيشة.
وتحركت تعكس اتجاهها بعد أن طعنته لتؤلمه كما آلمها، وعندها سأل:
- على وين؟؟.. البيت من هذا الصوب!!.
وتوقفت وفيروزها يلمع ببريق الغضب، وقالت بصوت مجلجل:
- البيت يلي طلعت منه مذلولة ما أرجع له أبدا.
وحثت الخطى ووقف هو بمكانه وجملتها بالفعل انغرست بداخله وهو يتذكر خروجها من هذا المنزل مهانة تحت يديه.
ماذا فعلت يا حمدان؟؟.. فيبدوا أن جرائمك قد طالت الأعماق.
وحرك رأسه باتجاه الجدة يبغي المساعدة فوجد ابتسامة مستهزئة وعلم بأنه سيكون لوحده، وتحركت الجدة لداخل المنزل وقبلها نادت سائقها الخاص وأمرته بأخذ ابنتها وزوجة ولدها لشقة العنود.
- يومه أنا موجود وانت تقولين للسايق ياخذها؟؟
- ما هو بوقتك يا حمدان، البنت تعبانه ومحتاجة ترتاح، وانت قاعد تشعللها أكثر.
وكانت محقة، فهو يعلم بمدى عند زوجته وصلابة رأيها، فهو لن يستطيع أن يقنعها بالركوب معه فتركها ترحل، ولكن ليس لوقت طويل. ناظر السيارة وهي تخرج من منزله ووعد نفسه بأنه سيعيدها إلى هنا مهما طال الوقت، عليه فقط أن يعود لسابق عهده فالمعركة القادمة هي القاسمة بحياته .
***************************************
حل ستار الليل جالبا معه نجومه البراقة وقمره المضيئ وسكونه، وغنت سنفونية الأحلام ساحبة الجميع لعالم آخر هربين به من واقعهم، فالأحلام تتلون وتزدهر بطموحاتهم وتمنياتهم ورغباتهم، فهنا تتحقق، وهنا يرون أنفسهم ذات قيمة، فما أجملها من راحة تسعد الانسان وتزيح همومه وأحزانه وآلامه، لكن أحيانا هناك من يصاب بالحرمان من لذة النوم، فما فيه من أوجاع أقوى بكثير من أن يسحبه سلطانه، فمنهم من يفكر بلقمة العيش الصعبة، ومنهم من يئن ألما وليس بقادر على علاجه، ومنه من تسقط دماعته على فراق الأحبة، ومنهم من تتآكله الحيرة والذنب، ومنهم من يطرب فرحا لبشرى سارة أبدا لم يتوقع حدوثها .
الفراش بارد وقد خلا من الأحبة وأربع رؤوس قد توسدت الوسائد، لكن جافاها نومها، الفراغ يحيط بهم، والألم يعتصرهم، وكلن اختلفت أوجاعه وأفكاره، لكن هناك بين جدران مآسيهم تواجد التصميم والعزم، وقرارات اتخذت وبعدها نادوه لعله يرحم حالهم الكسيرة، وأمنية بأن يكون الغد مختلفا.
خرج من غرفته في الصباح الباكر وقد استعد لخوض أول معاركه ولم يعلم بأن هناك من سيقف بوجهه ندا بند، شخص لم يتوقع أن يكن له كل ذلك الحقد بداخله.
- صباح الخير عبدالله .
ناظره الصغير لثوان ثم اقترب منه وطبع قبلة على كفه باردة كما برودة عيناه الجامدة.
صعق لما فعله طفله لم يكن هكذا قط، وقبل أن يستدير ويرحل أمسك بأكتافه وأداره باتجاهه قائلا له:
- عبدالله... انت مب فاهم الموضوع!!.. يلي صار بيني وبين العنود كان غصب عني.
فأجابه بعد أن أزاح ذراعيه عن أكتافه:
- لا أنا فاهم كل شي، انت تبانا نكون مثلك ما حد يحبنا ولا نحب حد، بس تبانا نكون بروحنا علشان خايف حد يئذينا، بس أنا ما بي أكون بروحي، ما بي أمرض وأموت وما حد يعرف عني شي، انت تبي هذي العيشة كيفك بس أنا ما بي أعيش لحالي وأموت لحالي.
ضحك وتراجع للخلف وهو يهز رأسه برفض ودموعه أخذت تقطر كمدا وأكمل:
- أدري بتقول انت بعدك صغير علشان تفكر بهذي الأشياء، بس أنا أفكر، وأجوف، وما بي أكون مثلك وحيد، وتبعد يلي يحبونك.
صدم ولم يعرف بأن ابنه يفكر بأشياء أكبر من سنه، لقد ظن بأنه يعيش ويفكر مثل باقي أقرانه، لكن اتضح العكس تماما.
أخذ أنفاسا عميقة ومن ثم انخفض ليصل لمتسوى ابنه وأمسكه من أكتافه وحادثه بهدوء وروية:
- أنا آسف يا عبدالله، أنا غلطت بحقك انت واختك وما فكرت فيكم.
تنهد بعمق ثم استطرد:
- صارت أشياء غصب عني وعن الكل انت ما تفهمها لأنك بعدك صغير، وثاني شي مين قال اني أحب أكون بروحي؟؟
سكت يتنفس ثم تابع:
- ما في حد يا عبدالله يبي يكون بروحه، بس تصير أشياء تجبرك انك تكون بروحك وما تبي حد معاك، وبعدين مين قال إني بروحي انت معاي وحنان بعد ويدتك وعمتك وعمك وأولادهم يعني أنا مب لحالي.
اقتناع ولكن مايزال هناك جهل للأمور، وتساءل:
- انزين وماما عنود؟؟... هي كانت تبيك بس انت يلي ما بغيتها وطردتها من البيت.
زفير وشهيق وعذاب الضمير يصعقه فقال يجيبه وقد عزم على حل مشاكله الواحدة تلو الأخرى ولا يبيغي ترك أي شيء خلفه.
- أنا غلطت بحقها ولازم أصلح الخطأ.
فهتف بفرح لم يستطع مداراته:
- يعني انت تبيها ترجع؟؟.
- طبعا يا عبادي أبيها ترجع، بس لازم تساعدني انت وحنان لأن بروحي أنا ما أقدر
هز عبدالله رأسه موافقا.
- أكيد ما تقدر لأن ماما عنود زعلانه منك وايد لأنك ما سمعتها وطلعتها من البيت وهي تصيح.
وهل يحتاج لتذكيره بكيف غادرت منزله فتلك الصورة أرقت لياليه وصارت كابوس يطارده دائما، لكنه يأمل بأنها ستصفح عنه.
غادروا باتجاه أعمالهم ومدارسهم، وقاد هو سيارته باتجاه شقتها وأثناء قيادته أخذ يفكر بعدة أشياء عليه القيام بها وأولهم أن يكون هادئا حتى لو أثارت أعصابه إلى أن وصل لوجهته وهناك نسي ما عاهد نفسه واستشاط غضبا لمعرفته بأنها غادرت للجامعة ولم تراعي وضعها الصحي، وأيضا هناك تلك الصورة المقيتة لذلك الرجل وهو يتأمل زوجته جعلت دمه يفور غليانا بأوردته كما الماء المغلي.
أخرج هاتفه ليلعن ويسب بصوت عالي دون أن يهتم بمن يسمعه فهو لا يملك لها رقما ليتواصل معها، وما هي إلا لحظات حتى طلب رقما.
- السلام عليكم هلا عمتي شخبارج؟؟.
أنصت إليها ثم طلب:
- عمتي... ممكن تعطيني رقم تليفون العنود إذ ما عليج أمارة؟؟
اصبعه يتحرك مع كل رقم يتهادى إليه وبعدها:
- مشكورة يا الغالية
وأغلق الهاتف ثم عاد يضرب عدة أرقام وانتظر صوتها ليأتيه عبر الأثير شجيا طربا ناعما:
- ألو... مين معاي؟؟.
أغمض عينيه يتلذذ بصوتها المنعش وقد دغدغ حواسه وأطرب صدره وهمس لها أيضا يرد إليها وقد نسي كل ما حل بهم:
- ألو....
ليحل الصمت بينهما ولم تسمع سوى أنفاسهما الرافضة والثائرة لجرم لم ترتكبه بحق الحب، فقط غباءهم هو ما يقودهم للعيش بالبؤس.
استجمع قوته واستدرك نفسه وحادثها بشيء من العصبية دون أن يشعر:
- أظن الدكتورة قالت إن لازم ترتاحين!!.. انت ما تهمج صحتج وصحة الجنين؟؟
شعر بها وهي تأخذ أنفاسا طويلة ثم جاءه ردها قاسيا جافا:
- أنا أدرى بصحتي، وثاني شي كنت حامل من ثلاث أشهر ولا انت بداري، فعادي كملها ولكأنك تعرف، وألحين أنا مشغولة ولا عاد تتصل.
وأغلقت الهاتف ليتطلع إليه بذهول، فهذه هي المرة الأولى التي يغلق أحدهم الهاتف بوجه ويبدوا أن معها لكل شيء أول مرة.
- طيب يا العنود انت يلي اخترتي.
ورحل وقد عزم على الامساك بزمام الأمور من الآن فهو حمدان الكتبي ولم يخسر بحياته قط وبالطبع ليس أمامها.
*********************************
أغلقت زر الهاتف بقوة وتجهمت ملامحها، فهذا ما توقعته منذ أن كشف سر حملها.
وضعت كفها على معدتها ومسحت عليه برفق وهي تشحذ همتها للاستعداد لكل محاولاته بعودتها إليه من أجل الطفل، هي لن تعود إليه أبدا.. أبدا.
خرجت من شرودها اثر لمسات صديقتها.
- عنود هدي ولا تعصبين تراه يضر بالجنين، هذا يلي سمعته.
همست ميثة برقة لها تحاول تهدئتها، لتقول شهد باندفاعها المعهود:
- هيه.. كلامها صحيح، حاسبي لا يطلع الولد عصبي وديما مبوز.
ارتخت ملامحها وابتسمت لمزاح صديقتها، لقد توقعت غضبهم لاخفائها لحملها عنهم، لكنها تفاجأت بفرحتهم وبانتظارهم لخروجه للعالم ورؤيته.
- لا.. إن شاءالله ما يطلع عصبي، وراح يطلع حبوب.
لتقفز شهد أمامها سائلة اياها:
- انت عرفتي انه ولد؟؟
- لا بعدني ما أعرف، الدكتورة قالت بنعرف لما أفحص بالسونار، وهذا بيكون بموعدي بعد يومين.
صفقت بفرح وصرخت:
- يا سلام... بصير خالة.
لتستنكر ميثة قولها:
- وإن شاء الله كيف بتصيرين خالة؟؟
لتستند شهد بذراعها على كتفها وعنود تتابع مشاغبة صديقاتها التي لا تنتهي أبدا.
- لأن يا فهيمة عنود تصير اختي صح ولا أنا غلطانه؟؟.. علشان جذا بصير خالة ويا ويله إن ما احترمني وسمع كلامي.
فاستدارت ميثة ناحيتها وهتفت:
- يا سلام.. انت بس اختها؟؟.. حتى أنا بعد، يعني أنا بصير خالة.
أصابتها الغبطة والانشراح لهذا الاهتمام والحب من انسانتين غاليتين على قلبها، وتذكرت كيف التقت بهما هنا بالجامعة بأول يوم دراسي لها كانت متوترة ومتألمة ووحيدة واصطدمت بشهد أثناء بحثها عن صفوفها واعتذرت لتبادرها الأخرى بخفة دمها بالحديث والثرثرة وعرفتها بميثة ومن يومها لم يصيرا صديقات فقط بل شقيقات.
اقتربت منهما بغفلة منهما أثناء انشغالهما بالحديث بما سيفعلانه بالصغير واحتضنتهما بحب وامتنان للمولى عز وجل للهدية الرائعة التي حاباها إياها بعز قتامة عالمها.
- والحمدالله يلي أعطاني أحلى أخوات بالدنيا كلها.
ليتبادل الجميع العناق والضحك، فجاء صوت يقاطع سعادتهم:
- السلام عليكم
ابتعدوا عن بعضهم وأجابوه:
- وعليكم السلام
تنحنح ثم وجه حديثه إلى من ملكت عقله وفكرة:
- عنود.. ممكن أتكلم معاج بموضوع خاص؟؟.
عضت على شفتيها وناظرت صديقتيها ومن ثم عادت إليه وأجابته:
- اسمحلي يا أستاذ أي شي تبي تقوله قوله وهم موجودات لأني ما أقدر أكون معاك لوحدنا.
استجمع طاقته وسألها مباشرة فكل ما يريده هو معرفة الحقيقة، فقد أصابه الدوار من كثرة التفكير بالأحداث التي حدثت بذاك الصباح، وسؤال أطاح بعقله.. هل ما قاله ذلك الرجل صحيح أم خاطئ؟؟... وكان ينتظر أن يحل اليوم التالي ليعرف ويريح باله، ولم يعلم بأنه سينال صدمة قوية.
- صح يلي قاله الريال من انه ريلج؟؟.
سكتت ثم قالتها بعد فترة من الوقت استصعب عليها قولها لكنها الحقيقة التي تحاول أن تغافلها:
- نعم... هو ريلي.
ألم شعر به ينهش خافقه وهو يرى حبه يفلت من بين يديه، لكن ما قالته تلك المشاغبة أعاد الروح لجسده قبل أن تهفوا خارجة منه:
- بس هم بيطلقون!!.
وسأل بسرعة دون أن يشعر بنفسه:
- ومتى بيطلقون؟؟.
ليتلعلع صوتها رنانا قويا رافضا:
- استاذ خليفة.. أنت تدخل بخصوصيات ما تخصك!!.
ليجيبها بقوة:
- بلى... هي تخصني
لترفض:
- لا يا استاذ ما تخصك ولا تخص أي واحد.
نفس عميق ثم استطردت :
- اسمحلي يا استاذ تطلقت ولا لاء ما راح تفرق عندي، لأني اكتفيت، أنا ألحين أبي أعيش لنفسي ولولدي باذن الله غير جذا ما راح أي حد يدخل حياتي، وأظن هذا كلامي ينهي الموضوع.
وغادرت تاركة رجل قد تجمد لسماعه لخبر جعله غير قادر على التفكير بأي شيء آخر، ترى.. هل انتهى حبه عند هذه النقطة؟؟.
مر الوقت سريعا ما بين محاضرات ومحادثات وتسامر إلى أن حل وقت الرحيل، وعادت للبيت منهكة ومتعبة وتبحث عن الراحة على فراشها تنشد النوم الذي فارقها بالأمس، وقبل أن تدلف لغرفتها رن جرس الباب لتتطلع لساعة معصمها لترى الوقت ليس بوقت الزيارة.
نظرت عبر العين السحرية لترى شخص تعرفه فتحت الباب حتى تراجع جسدها للخلف والدهشة تعتمل ملامحها....
حقائب كثيرة توسطت صالة جلوسها، وخادمة تعرفها جيدا فهي تعمل بالمنزل الكبير، والطفلين ينظرون إليها بابتسامة مشرقة، ورجل وقف يبتسم بسخرية وتهكم قائلا:
- ما في مرحبا اتفضلوا؟؟.. ولا أقول.. احنا أهل البيت فما يحتاي حد يقرب فينا.
التفت للخادمة ورماها بعدة أوامر واختفت وهي تجر الحقائب واحدة تلو الأخرى لتسأله والهلع قد أدركها:
- شو السالفة؟؟
وقف يتأمل ملامحها المرهقة والشاحبة ليشعر بالرغبة بحملها وربطها على السرير ويمنعها من مغادرته، لكن لكل شي وقته، وأجابها بلا مبالاة وكفيه على خصريه وهو يتطلع إلى عقيقها الذي اشتاق للغرق به:
- والله مثل ما تجوفين!!.. يوم انج ما تبين تقعدين معانا بالبيت قلنا احنا نجي ونقعد معاج، فكرة حلوة صح؟؟.
|