كاتب الموضوع :
ام حمدة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
الفصل الثامن عشر........
جروح الزمن تداويها الأيام، لكن جروح القلب وآه من أخاديدها الغائرة التي لا يستطيع طبيب مداواتها، ولا نسيان يقدر على شفائها.
تشعر بفؤادك يعتصرك لآخر قطرة دماء، وروحك تموت وتذوي بداخلك لتخلف شبح كيان كان سابقا مفعما بالحياة.
فتتساءل بحسرة وألم يطفق بداخلك... أيحق لهم أن يكسروك ويحولوك لشظايا؟؟.. أيحق لهم أن يسلبوك روحك كأنها كانت رخيصة ولا قيمة لها؟؟..
لما يفعلون هذا؟؟... لما يجعلوننا كأننا لا قيمة لنا بعد أن أخذوا من عمرنا السنين؟؟... ليركنونا بعدها بركن قصي كأن صلاحيتنا قد انتهت ووجب عليهم تبديل بضاعة صارت معطوبة.
تتقاذفها الأمواج يمنة ويسرى وتشعر بنفسها تقذف لقعر سحيق لا قرار له، تتنفس لكن لا تشعر بنفسها على قيد الحياة، تشعر بأنها مستنزفة ومستهلكة، وصدرها يضيق بها خانقا إياها وكأنها وضعت بصندوق خشبي مغلق المنافذ ولا تصلها ذرات الأكسجين فتجعلها تلهث باحثه عن الهواء، وأحيانا تشعر كأنها تغوص بأعماق المحيط وفجأة خذلتها انبوبة الأكسجين لتتركها تتخبط وتز فر أنفاسها الأخيرة وملك الموت ينتظر روحها ليأخذها معه .
جسد مضجع على الفراش دون حراك، وملامح جامدة، فقط صدرها يرتفع وينخفض دليل تنفسها، وعينان تنظران لسقف الغرفة وهي ترى شريط حياتها يمر أمامها منذ أن كانت صغيرة إلى أن كبرت وخطبت وتزوجت وأنجبت أول أولادها وكيف وقعت بحب زوجها وكيف جعلها ملكة تربعت عرش قلبه واستحكم عليها كليا وجعلها تسير خلفه مغمضة العينين إلى أن سحب البساط من تحت قدميها لتزل وتسقط وتكون لها القاضية .
- يا بنتي يا خديجة ما يصير يلي تسوينه بروحج جذا!!.
سكتت الجدة تتأمل القابعة على الفراش متقوقعة بعالمها الآخر غير راغبة بالعودة لعالم أهداها أول صفعاته، وتذكرت أحداث السويعات الماضية بضيق شديد.....
كانت بغرفتها القريبة من غرفة الجلوس بالطابق السفلي لعدم قدرتها على الصعود على السلالم فما كان من ولدها إلا أن يجهز لها غرفتها بالأسفل. تنام قريرة العين على فراشها إلى أن سمعت ضوضاء وأصوات عالية جعلتها تستيقظ فزعة لاعتقادها أن لصوصا قد دخلوا لمنزلهم.
ارتدت شيلتها وبرقعها وحملت عكازها وسارت بخطوات سريعة ناحية الأصوات وهناك تفاجأت بأحفادها يقفون وعلى وجوههم علامات الغضب، وعندما استفسرت عما يحدث كادت الصدمة أن تشلها.
عادت عيناها تتطلع لزوجة ولدها بحزن وغم، وقلة الحيلة تغلغل يديها، فليس لديها القدرة على منع شرع الله، فتابعت قولها تحثها على المقاومة وعدم الاستسلام:
- تراج غالية علينا كلنا، ولا تخوفين عيالج عليج، جوفيهم كيف مخضوضين وحالتهم حالة، وواقفين يتريون رضاج.
لا رد ولا استجابة فقط عيون ترمش برتابة لتضرب الجدة كفيها ببعضهما قائلة:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل!!.. بتروح الحرمة من بين ادينا.
تطلعت لأحفادها الواقفين حول السرير وعيونهم منصبة على والدتهم النائمة على السرير دون حراك، لتوجه الجدة حديثها لحفيدها سالم:
- وشقال الدختور عن أمك؟؟.. والله دخاترة هذي الأيام ما منهم فايدة، الحرمة مريضة كيف رخصها من الدختر؟؟.
تحرك سالم من مكانه واتجه لوالدته ليضجع بجانبها على السرير وانحنى ملثما جبهتها ثم أمسك كفها وطبع قبلة أخرى وهمس قائلا وعيناه سقطت بألم عليها:
- قال إنها بخير، بس تحتاج للراحة ونبعدها عن أي ضغط أو مشكلة.
- لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب أبوك وينه ألحين؟؟.. وكيف عرفتوا إنه متزوج؟؟.
ليجيبها حمدان:
- يا تليفون لسالم يخبرونه إن أبوه سو حادث سيارة، ولما راح عرف إنه ما كان بروحة وإنه كان مع حرمته، فرجع يخبرني وسمعتنا عمتي وطاحت، ولما نقلناها للمستشفى رحت أجوفه.
لتقاطعه الجدة متسائلة بقلق فمهما عمل ولدها من سوء فيبقى قلب الأم حنونا عليه:
- اتعور؟؟... اتكسر؟؟.. قول وطمني شو صار على حشاشة يوفي؟؟.
اقترب منها وربت على كتفها مطمئنا إياها قائلا:
- ما عليه شر يا الغالية ولدج بخير، بس شوية رضوض وهو أصلا طلع من المستشفى لأنه ما كان يبي يقعد فيها.
تنهدت براحة وحركت رأسها بهم ثم عادت تسأله:
- عرف شو صار بأم سالم؟؟.
تنهد حمدان وأخرج زفرات متعبة وهو يتذكر لقائه بعمه......
كان أن ذهب إليه بعد أن اطمأن على عمته من أنها بخير وهناك وجده يجلس والحزن يكتنف ملامحه وزوجته تجلس بالجهة الأخرى تتحدث على الهاتف وعندما أعلن عن وجوده رفع العم رأسه ليرى من القادم ثم أشاح به بعيدا وبداخل مقلتيه شاهد الخجل من انكشاف سره المشين.
لم يرده أن يكون هكذا، لم يرد له أن يشعر بالذل والمهانة، فما فعله ليس شائنا أو مخل بالأخلاق، بل هو اتبع شريعة الله وتزوج على سنة الله ورسوله فما كان منه سوى أن هتف به:
- ارفع راسك يا عمي ولا تكسره!!.
وضع العم رأسه بين كفيه وأخذ يحركه بغم فتابع حمدان قائلا:
- يا عمي لا تسوي بنفسك جذا، يلي صار.. صار وما تقدر تغيره.
فهمس بصوت حمل الجهد والخوف معا:
- خديجة عرفت؟؟.
زفر حمدان هواء ثقيلا مشبعا بغمامة قد حلت على منزل الكتبي وقال بعد فترة من الصمت:
- عمتي عرفت وهي ألحين بالمستشفى.
رفع العم رأسه ناحية ولد شقيقه وعيونه قد شابها الفزع والهلع، وصرخ بلوعة قلب:
- خديجة بالمستشفى!!... يا ويل حالي، أنا السبب.. أنا السبب.
وهم يبغي الوقوف للذهاب إليها، لكن ما أن وقف حتى انهار هاويا على الأرض ولولا سرعة حمدان بالإمساك به لكان قد توسد الأرض الآن.
حمله وأعاده للسرير وهدر بتلك الجالسة وتناظرهم بصمت:
- بعدج يالسة؟؟.. تحركي ونادي الدكتور!!.
وما كادت تخرج حتى دخلت الممرضة إثر صوته العالي تستشفي ما حدث ليخبرها بما حل بالمريض فأسرعت تنادي الطبيب وكانت النتيجة ضغط منخفض، فأصر عليه الطبيب بالبقاء بالمستشفى فرفض العم ذلك وأراد الذهاب لرؤية زوجته أم سالم، لكن حمدان منعه وأخبره بأن يرجئ لقاءه بها ريثما يسترد الجميع صحتهم، وتكون الأمور قد هدأت قليلا، فهم لا يعلمون ما ستكون ردة فعلها عندما تراه أمامها الآن.
وافق العم على رأيه وغادر برفقة زوجته الأخرى.
- هو شو صار بالضبط؟؟.. حد يفهمني؟؟.
ليجيبها منصور بوقاحة خرجت رغما عنه:
- شو تبين تفهمين؟؟.. ولدج اتزوج على أمي وحدة قد اعياله.
ليلعلع صوت حمدان عنيفا رافضا ما قيل للتو وعيناه اشتعلت بنار حارقة:
- جب ولا كلمة!!.. واحترم نفسك ويلي تكلمها، واحترم أبوك، ولا خلاص ما عاد في احترام ولا تقدير؟؟.. ولا هو ما عاد أبوك بعد ما تزوج؟؟.
سكت يجترح أنفاسا عصيبة واستطرد قائلا:
- قسم بالله إن سمعت واحد منكم قل أدبه على أبوه والله والله وهذا أنا حلفت بالله غير ما أدفنه بالأرض!!.
أخفض ابن عمه رأسه بخجل ثم مالبث أن تحول وتغير لينفث غضبه على من دخل الغرفة يستسقي الأوضاع المريبة التي تحدث، فما أن دخلت عنود حتى تلقفها يرمي بكل غضبه عليها لعله يخرج ما بداخله من حزن وكبت لشيء لا قدرة لديه لمنعه، وردء الوجع عن والدته الحبيبة.
- طبعا يقتلون القتيل ويمشون بجنازته!!.. انت كوشتي على الصغير والثانية على العود، باقي وحدة.. على مين حطيتوا عيونكم عليه؟؟.
بهتت من هذا الهجوم القاسي، والذهول ارتسم على محياها من اسلوبه الفض بالحديث معها، فلأول مرة منذ قدومها لهذا المنزل تعامل هكذا.
- منصور انت جنيت ولا شو؟؟... كيف تتكلم معاها جذا؟؟.. صدق انك تحتاج رباية من أول ويديد.
صدح صوت الجدة قويا مانعة إياه من التمادي، لكن من تحادث وقد صم الغضب أذنيه، فتابع دون أن يبالي وجود الكبار معه بنفس الغرفة:
- هي السبب!!.. كنا بخير وما فينا شي، لكن من دخلت بيتنا جابت معاها البلاوي والمصايب.
ارتفع صدره بهدير عنيف وانخفض دليل وصوله لآخر حدوده وتابع دون أي اعتبار لأي شخص ولا للمرأة التي وقفت وقد جفت عروقها من دمائها وهي تسمع الاتهام الفظيع الذي يقال بحقها:
- انت السبب بيلي فينا ألحين، كنت تخططين انت وأهلج كيف تكوشون على الفلوس.
فهمست دون تصديق مما تسمعه الآن:
- منصور... انت شو تقول؟؟.
تقدم ناحيتها وعاد يرفع صوته:
- طبعا مسوية نفسج البنت الشريفة والبريئة يلي ما تعرف شو السالفة، لكن ولا يهمج أنا أخبرج.
قاطعه شقيقه سالم:
- منصور احترم نفسك واطلع من الغرفة.
لكن الآخر وكأن الشياطين جميعها قد استحوذت عليه، وصار لا يسمع ولا يرى فقط النار بداخله تحرقه ويريد اطفاءها، لكن كيف لا يعرف؟؟.
- تبين تعرفين ليش أمي بهذي الحالة؟؟...
لم ينتظر أجابتها بل تابع ينفث نيرانه:
- أنا أقولج... أبوي تزوج على أمي.
شهقت بفزع وتحركت عيناها لطريحة الفراش، لكن الأمر لم ينتهي بل تابع الآخر قذفها بالمزيد من الاتهامات:
- تبين تعرفي مين هي؟؟... اختج ابتسام بنت المصرية عرفتيها ولا لاء؟؟.
جحضت عيناها للخارج وهزت رأسها دون تصديق وهي تردد بخفوت
- لا مستحيل!!... أنا.. أنا...
قاطعها صارخا:
- انت شو؟؟.. تسوين نفسج مسكينة وما لج شغل بيلي صار، وإن اختج من روحها يلي لعبت لعبتها؟؟.
فهمست بدفاع ضعيف:
- بس ابتسام مب اختي.. ابتسام مب اختي
أمسكها من ذراعها يقوده غضبه الجامح وأخذ يهزها بقوة وفتح فمه راغبا بكيل لها المزيد من الكلمات الجارحة إلى أن شعر بأنه يتراجع للخلف بقوة، وبعدها سمع صوت الصفعة يتردد صداها بأرجاء الغرفة.
- قسم بالله لولا أمك لكنت قطعت ايدك يلي مديتها على حرمتي.
تنفس بصعوبة وجسده يرتجف من شدة أعصابه المفلوته وهو يرى يد رجل آخر تحط على جسد زوجته وهي كانت لا حول لها ولا قوة فقد أخذتها الصدمة دون أن تقدر على الاعتراض أو الدفاع عن نفسها.
وتابع:
- لو رجعت وقلت لها حرف واحد يا منصور، والله ما تلوم غير نفسك!!.
تراجع للخلف وأحاطها بذراعه على كتفها وأخرجها من الغرفة لتنقاد خلفه وما تزال غير مستوعبة ما حصل للتو، فعقلها قد تجمدت خلاياه ولم يعد يدور ليحلل ويفكر ويعطي ردة فعل.
أدخلها لجناحهم ثم تركها متجها لغرفتهم ليوقفه همسها:
- ابتسام مب اختي .
التفت إليها وطالعها بنظرات غريبة، لتشهق وتكتم صرختها خلف كفها، وعادت تهز رأسها وأخذت تهمهم بعبارات الاتهام:
- انت تصدق كل الكلام يلي قاله؟؟... تشك باني مشتركة معاها؟؟
تراجعت للخلف بخطوات مهزوزة ولسان حالها يردد ويبحث عن الانكار.
- انت تصدق عني يلي انقال؟؟.
تقدم ناحيتها وتوقف أمامها وأجابها:
- لا تاخذين على كلام منصور يا عنود، هو بس محروق قلبه على أمه وما عرف كيف يطلع يلي داخله غير عليج انت، منصور ولد طيب وانت عارفة هذا الشي وباجر بتجوفيه بي وبيعتذر على يلي قاله .
ظلت عيناها تدور على وجهه إلى أن حطت على عيناه لتعيد سؤالها:
- انت تصدق يلي قاله؟؟
أمسكها من كتفيها وناظرها بقوة وأجابها لينهي هذه الليلة العصيبة التي حلت عليهم :
- أنا وانت يا عنود نعرف كيف صار زواجنا، وهذي تنهي كل الشكوك، وانسي يلي قاله منصور.
تنهد بتعب ثم تابع:
- تعبان يا عنود وودي أنام.
رقت ملامحها وهي ترى التعب الظاهر عليه فاحتضنته من جذعه وسحبته معها وهي تقول:
- تعال اتسبح وأنا بجهز لك ملابسك وبعدين نام.
أدخلته الحمام وخرجت بعدها لتجهز ملابس النوم ثم ذهبت وأعدت له عصير برتقال وعندما عادت شاهدته قد ارتدى ملابسه وأضجع بجسده على الفراش.
أعطته العصير وشربه ثم ناداها لتجاوره فما كان منها سوى أن لبت نداءه، غيرت ملابسها هي أيضا ونامت بجانبه وسحبته ناحيتها هذه المرة وجعلت رأسه يتوسد صدرها واحتضنته بحنان وأمومة ليغط بعدها بنوم عميق وظلت هي تفكر بما حدث، وماذا سيحل بالمستقبل، وماذا تنوي ابتسام فعله.
************************
حل صباح اليوم التالي غائما وكئيبا على أفراد الأسرة، يجلس الجميع على طاولة الافطار... الجدة، سالم وزوجته، وشقيقيه، العبوس يتحكم بملامح وجههم، وعيونهم ممتلئة بالحسرة، لحظات هي حتى انضم إليهم حمدان وعنود وأطفاله.
نزلت عنود السلالم ببطء وقد شعرت بصدرها يضيق بها منذ أن استيقظت، فالنوم قد جافها وهي تفكر إذا كان كل ذلك الحب الذي يجمع بين العم والعمة والسنين الطويلة التي عاشوها مع بعضهم بحلوها ومرها لم تقف حاجزا أمام زوجها وتمنعه من الاقدام على اختيار امرأة أخرى تتشارك به مع حبيبته، لهذا تساءلت.. ماذا عنها هي؟؟... هل سيفعلها حمدان بها ويتزوج عليها؟؟... فزواجهما كان بحكم الاعدام، والآن لا تعرف ما سيكون مصير زواجهما بالمستقبل، فيبدوا أن كل شيء مجاز للرجال لفعل ما يريدونه مهما تعدى من سنين عمرهم.
وقعت عيناها على منصور ليسارع بإشاحة وجهه عنها، فهو الآخر الضيق قد لازمه طوال الليل، والذنب أخذ يتآكله من رمي اتهاماته المجحفة بحق شخص كان بريئا من كل ذنب، فالحق وحده يقع على والده.
حثت عنود عبدالله وحنان على تناول الافطار بسرعة ليستطيعوا الذهاب للمدرسة، تناولوا طعامهم بهدوء ودون أي كلمة، فالأجواء كانت تنبئ بعاصفة هوجاء قد مرت بمنزلهم.
وما هي إلا ثوان حتى صدح صوتها يرن بأرجاء المنزل معلنة للجميع بأن صاحبته لم تختفي تحت الثرى، وأنها ما تزال هي ملكة عليه ولن يسلبها إياه أي أحد .
وتذكرت أحداث الليلة الماضية وهي تقف وتشاهد جميع أفراد عائلتها يجلسون والألم يكتسح مقلتيهم.
فهي لم تكن بغيبوبة بل كانت واعية لكل كلمة قيلت والخبر المفجع الذي صدمها، هي فقط لم تقدر على الاتيان بأي حركة أو التحدث بحرف واحد، لم تعرف ما حل بها ولما تجمدت هكذا!!... وبعد رحيلهم غاصت بنوم عميق جدا وحلمت بحلم غريب عجيب جعلها تستيقظ من نومها وقد
|