كاتب الموضوع :
ام حمدة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
الفصل الخامس عشر..........
جميلة أنت.... وتفردت بين باقي الزهور.
خلابة أنت.... وقد عانقت بسمتك السماء.
جذابة أنت.... بنور وجهك الوضاح .
فاتنة أنت.... وقد غدوت عروس بين الحاضرين.
فهنيئا لك بيومك هذا، وقد ازدنت بأحلى حلة
فاليوم يومك، والليلة فرحك، والسعادة غدت ملك يمينك.
هل استشعرتم يوما تلك السعادة التي تتراقص من حولك وتدعوك لتفعلي مثلها؟؟.. تلك المشاعر التي تدغدغ حواسك وتخبرك بنعمة الفرح، وأن الله سبحانه لا يتخلى عن عبادة، وأن الله مع الصابرين .
فها هو اليوم قد أتى لتجني ثمار صبرها، الليلة ستكون فارقة، وستكون نقلة بحياتها لحياة أخرى، سترمي الماضي خلفها وستخطو نحو مستقبل نثر عليه بالورد والزهور، وأبوابها قد شرعت من أجلها تفتح لها صفحة جديدة.
تكاد لا تصدق نفسها!!.. حتى الآن تتطلع لما حولها بانبهار وذهول، وما تزال تعتقد بأنها تعيش بعالم الخيال، أو بعالم أحلامها المستحيلة.
الورود منتشرة بكل مكان بشكل أنيق أعطى للمكان رونقا رائعا وخلابا، وشذى رائحتها تفوح من حولها مسكرة عقلها آخذا إياها بغيبوبة لذيذة استطعمت وجودها بداخلها كأنها تحلق بين الغيوم البيضاء وتتناقل بينها كما الفراشة .
عادت عيناها تتأمل المكان، الضيوف من حولها سعداء ومسرورين يشاطرون أهل المنزل فرحتهم بزواج قد طال انتظاره، وقدموا اليوم ليقدموا التهاني لهما هي وحمدان على زواجهما الميمون.
حطت عيناها على كل شيء، وما تراه ينطق بالفخامة والغلاء، وهذا كله من أجلها هي فقط، لم يحدث أن فعل أحدهم شيء من أجلها هي، لهذا تشعر بأنها تتوهم كل ما تراه عيناها، لكن صوت الأناشيد تطرب أذنيها، وضحكات المدعوات تخبرها بأنه حقيقة وليس بخيال، هي ستتزوج!!.
تحركت مقلتيها إلى أن توقفت على كفيها، تراهما وقد تزينت بالخواتم الغالية الثمن، ورسغها أحيط بالحلي، ثم تجولت أصابعها على ما ترتديه... كانت جلابية مغربية فخمة عشبية اللون من أرقى دور الأزياء، ذات قماش حريري ناعم.
سارت أصابعها ترسم الخيوط الذهبية التي طرزت من قبة الجلابية لتصل لنهاية الجلابية بنقوش غاية بالروعة ثم حط كفها على خصرها الذي توسده حزام من نفس القماش وطرز أيضا بخيوط ذهبية أظهر خصرها النحيل ثم رفعت يدها للأعلى تتلمس جيدها الذي ازدان بحلة من الذهب الأصفر الخالص أخفى بياض بشرتها، وشعرها الأسود الطويل تركته مسدلا على أحد كتفيها، وقذلتها سرحت على جانب وجهها وزين تاجها الأسود بطوق ذهبي على شكل فراشة، ووجهها خطته ألوان هادئة وناعمة ما عدى عينيها التي أبرزتها المزينة بالكحل الأسود.
كانت مبهرة للنظر، ومشعة كنجمة في السماء العالية، فكيف لا تبرق وهذه ليلتها، ليلة تحلم بها كل فتاة وهي حالها كحال غيرها، نعم... فهذا ما قاله لها، بأنها تستحق أفضل حفل زفاف ولا بالأحلام لتكون تلك هي بدايتهم من جديد.
لتسرقها ذكرياتها لما قبل اسبوع من الآن، وبالتحديد عندما كانوا بالمزرعة، تلك الليلة التي اعتقدت بأنها نهاية بقائها بدائرة العائلة، وأنها ستنبذ وتعود لطريق لم ترد العودة إليه أبدا.......
أن تزورك سكرات الموت وأنفاسك ما تزال تنبض بعالم الأحياء فهذا هو العذاب!!.. أن تشعر بنبضاتك تنسل من خافقك الواحدة تلو الأخرى تودعك بوداع أبدي فهذا هو الهلاك!!.
فتتساءل بحيرة وبصدر مقبوض.. هل كتب عليها الشقاء طول عمرها؟؟... ألا يحق لها أن تتنعم بدفء أسرة حقيقية وتضمها لحضنها لتشعر بأمان بينها؟؟... ألا يجب عليها أن تتكئ خلفها وهي تعلم بأن وراءها جدار وسند سيصلب عودها ولن يجعله ينكسر؟؟.
هزت رأسها تنفضه بقوة وبضعف ترفضه، هي لم تستسلم طوال حياتها بالرغم من النكبات التي توالت عليها فلما الاعتراض الآن على شيء كانت تعلم وتعرف من البداية بأنه لم ولن يكون لها؟؟.
توحشت فيروزات مقلتيها لتبدوا كما العاصفة الهوجاء في ليلة حالكة السواد تنذر بالوعيد لمن تعدى لسلامها الداخلي، وهي قد قررت وانتهى الأمر، فلا مجال للحزن لشيء ما كان سيكون لها أبدا.
أراحت رأسها على ركبتيها المضمومتين لصدرها وذراعيها تحيطان بها كحماية لها ضد من يريد اختراق أسوارها العالية، وشعرها يلتف حولها كغطاء واقي من صدمات العالم المنهكة لروحها الشريدة.
راقبها من بعيد وكما المرة السابقة كانت بعالم غير عالمه، تبدوا عيناها ساهمة ضائعة، لكن هذه المرة غاضبة وناقمة لشيء ما لا يعرفه، ولكنه سيكتشفه وسيسبر أغوارها.
دلف للغرفة ولم تشعر به، واقترب وقلبه يخفق لرؤيتها بهذا الشكل البائس كأنها فقدت شيء غالي عليها، ووقف يراقبها ورقت عيناه لحالها ولم يستطع سوى أن يتقدم ناحيتها ليمسح من على ملامحها تلك النظرة
فهمس باسمها:
- عنود...
كيف لمن ليس بعالمك أن يستجيب؟؟.. كيف لمن حطت الهموم برحالها على أكتاف شابها الانكسار أن تستمع؟؟... أتود أن تجيب؟؟.
اقترب مساقا ناحيتها وجلس بقربها وأصابعه اشتعلت بجمرات خصلاتها الفحمية الناعمة رافعا إياها بعيدا يبغي مرآها.
أزاح درعها الواقي يبغي أن يتشرب من جمالها الفتان، والتفتت دون إرادة كأنما شخص اعتاد تلك اللمسات، فتعانقت الأنظار، وتهامست الأرواح، فأي لغة لا تفهمونها يا بشر؟؟.. أي عقول جامدة تملكونها؟؟.. فها نحن ننطق، نتكلم، نهمس بوله وبشجن، فاستمعوا وانصتوا، دققوا ولاحظوا، فنحن من عالم الأحياء.
- وشفيج؟؟.. في شي يوجعج؟؟
وأغمضت عينيها بإعياء، وصرخت بداخلها بكل ما تملكه من قوة:
- انت من يعورني، انت من يوجعني، فارحم حالي يا ولد الناس، فما عاد في حيلة، وما عاد فيني قوة أتحمل وأصبر.
ابتعدت عن أصابعه وأشاحت بوجهها عنه وهمست بصوت أثقلته الهموم، ولكنه ما يزال ينبض بين ثناياه جذوة من القوة:
- أنا بخير والحمد الله، وما فيني إلا العافية.
ونأت بجسدها مبتعدة عن حرارة جسده فعليها الآن أن تعتاد البرودة التي ستغلف الباقي من أيامها.
حدجها بعيونه الصقرية، وراقب الغضب المشع من ملامحها، شيء ما قد حدث في فترة تركه لها!!...
فقد انشغل مع أبناء عمومته في مشكلة تخص المزرعة المقابلة لهم، فقد استنجد صاحبها بهم لحدوث اصابة بأحد عماله بمزرعته وأراد مساعدتهم لنقله للمشفى، وليس من شيمهم رفض طلب أحد المساعدة.
أخذ يفكر ويفكر إلى أن أصاب ملامح العبس، وتساءل... هل ما قاله لها في الصباح كان صعب الموافقة عليه؟؟... هل ترفض ما طلبه منها بسبب ما فعله بها؟؟.
أبعد الشك والتساؤلات عن رأسه فلربما كان مخطئ باعتقاده!!... فقال بعد مرور بعض الوقت:
- بروح أسبح وبرجع .
لم تجبه ولم ينتظر اجابتها واتجه للحمام بعد أن حمل ملابسه معه هذه المرة وأغلق الباب خلفه لتتنهد هي براحة لابتعاده عن روحها السحيقة المناجية لقربه والمطالبة به، ولكن كيف السبيل لكيان يطالب بشيء لا يخصه أبدا؟؟.
لم تطل راحتها طويلا فقد خرج بعد برهة وهو يرتدي تيشيرت وبنطلون برمودا واسع، وأخذ يجفف شعره بمنشفة صغيرة ليرميها على طاولة الزينة بعد أن أنتهى وأمسك بالمشط وأخذ يسرح شعره الغزير ثم ما لبث أن وضعه على الطاولة ليتلقف زجاجة العطر وبخ عدة بخات وعسليتاه لم تحد عن صورتها المنعكسة بالمرآة والتفت بعدها ليرى ارتباكها لتأملها له ومن ثم محاولة مداراته بتغطيته بترتيب الوسائد خلفها.
سار بخطوات ثابتة ناحيتها وعند اقترابه انكمشت هربا من المواجهة التي ستنهي استقرارها.
ازدادت ضربات قلبها، وانكتم صدرها غير قادرة على ادخال الأكسجين لرئتيها، فالقادم أكبر بكثير من تحملها إياه فما كان منها سوى أن تحركت تنوي الرحيل وهي تتحدث بتبرير واهي وبمحاولة فاشلة لتأخير المحتوم:
- صح... أنا نسيت أجيب ماي.
وما كادت تضع قدميها على الأرض حتى أحبط محاولتها بالفرار بإمساكها من خاصرتها بكلتا يديه وسحبها ناحيته لتغوص بداخل جسده ظهرها ملتصقا بصدره، وبدت الصورة كدب يعانق شاه صغيرة، وهمس بالقرب من أذنيها:
- على وين شاردة؟؟.
ارتجفت وضاعت وتاهت بعناقه هذا الذي شعرت به يشمل جميع جسدها، وأجابته بتأتأة خرجت رغما عنها:
- أنا.. أنا... ما... ما.. شردت، كنت.. بس بـ.. بجيب ماي... عطشانة.
شدد بعناقه لها يغرسها لداخل أضلاعه وأغمض عينيه يستنشق رائحتها العطرة والفواحة من البخور والعطور العربية الأصيلة، ومرغ أنفه بين خصلات شعرها الثائرة وهو يأخذ أنفاسا عميقة ليختزن رائحتها الشذية ثم حادثها بهمس خفيض وغياب عن الواقع:
- لما تبين تكذبين اكذبي بشي يسوى؛ لأن الماي موجود هناك على الطاولة.
لم تنبس بأي شفه ولم يحاول هو أن يستشفي سبب كذبها وظل محتضنا إياها لفترة يعتصرها يستلذ بقربها هذا، وبعدها استطاع بجهد جهيد أن يفصلها عنه فقط لمسافة بسيطة ثم أدارها لتكون بمواجهته وما أن صارت أمامه حتى أخفضت رأسها ليتساقط شعرها مخفيا ملامح وجهها وأيضا لم يثنيه هذا من فعل ما يريد، فقد رفع رأسها للأعلى بإبهامه ثم جمع شعرها مبعدا إياه عن وجهها ليكومه على كتف واحد وهي تلوذ بالصمت الخانق لروحها الطائقة للتمرغ بصدره الواسع القريب من رأسها، وأسدلت جفنيها راغبة بالتوهان برائحة جسده العبقة بعطرة النافذ لأنفها مدغدغا أنوثتها ومنافذ أحاسيسها.
كم ترغب وتتمنى أن تظل هكذا بالقرب منه لتتنفس وتعيش فقط على رائحته، ليأتيها همس من بعيد موقظا إياها من غيبوبة النشوة:
- شو فيج يا عنود؟؟.. جنيتي؟؟... شو هذي الخرابيط يلي تقولينها؟؟.. وين الاحتشام؟؟.. وين شرفج؟؟.. تبينه يحضنج ويبوسج؟؟.. وين الحيا؟؟.. خلاص... بعتيه علشانه؟؟.. يعني يلي يقوله عنج صحيح؟؟.. انت وحدة بايعة شرفها!!.
وهنا انتفضت مبتعدة عنه وانتبهت من أنه قد قام بتجديل شعرها ودون احساس سألته بتعجب:
- انت تعرف تعقص الشعر؟؟
ابتسم لها وأجابها دون أن يغفل لانتفاضتها قبل قليل فقد كانت ساكنة بخضوع لقربه منها وبعدها حدث شيء ما ليجعلها تفزع:
- طبعا أعرف، نسيتي إن عندي بنت؟؟
أمسكت جديلتها الطويلة وهي منبهرة من اتقانه لها وأجابته وعيناها تراقب ابداعه:
- لا ما نسسيت، بس ما اتوقعت إنك انت تمشط شعرها!!.. على بالي تارك هذا الشي للشغالة.
- لا أبدا، عيالي ما حد يهتم بأمورهم غيري أنا أو عمتي أو يدتي بس.
رفعت رأسها تتأمله باندهاش، هو عكس ما يبديه من أفعال، وما ينفك دائما ما يبهرها ويغير رأيها به ويتخذ شكلا آخر صار يخيفها.
أمسك كفيها ليحتويهما بكفيه الضخمين ونطق قائلا بهدوء:
- جوفي يا عنود، أنا ريال ما يعرف يلف ويدور، وأنا كبير بالعمر.
سكت وعاد يصحح:
- يعني مب كبير وايد، هو صحيح في فرق كبير بينا، لكن هذا ما يدل إني... شايب مثل ما تقولين.
ابتسمت وعضت على شفتيها وهي تتذكر ما أطلقته عليه من لقب وراقب هو مداراتها لخجلها فاستطرد مكملا وقد تلبس الجدية وأخذ أنفسا عميقا:
- يا عنود احنا لازم نصلح وضعنا لأن ما يصير نستمر على هذي الحال، لا طايلين سما ولا طايلين أرض.
سقطت ابتسامتها وتهدل كتفيها للحظات ثم ما هي إلا ثوان حتى نفخت بنفسها العزيمة ليستقيم ظهرها وسحبت كفيها من دفئ أصابعه وشبكتهم مع بعضها واعتدلت بجلستها وهمست بصوت مبحوح:
- كلامك صحيح، حنا لازم ننهي هذي المسرحية المهزلة.
***********************
عادت لواقعها وهي ترى الجميع سعيد وفرح لهذا الزواج، ابنته حنان تتراقص طربا بخطواتها المبتهجة بين الحضور، تقف وتسامر صديقاتها وتريهم فستانها الذي أحضره والدها أيضا من دور الأزياء مثلها، وتشير ناحيتها وكما أخبرتها من قبل من أنها ستخبر الجميع بأنه صار لها أم وأنها أصبحت مثلهم، كانت ملامحها تنطق بالسعادة فقد حصلت على أمنيتها أخيرا.
والجدة بالرغم من عدم قدرتها على الوقوف كثيرا على قدميها الوهنتين إلا أنها كانت تقف باستقبال المهنئين بزواج ابنها، فهذه كانت أمنيتها، أن تراه مستقرا بمنزله مع زوجته وأطفاله.
والعمة تتحرك كما النحلة دون كلل أو ملل، هنا وهناك، ترى ما ينقص من الحفل وتستقبل المعازيم، الكل سعيد وفرح لهذا اليوم الميمون.
سلمت على احدى المدعوات والتي كانت من عائلة حمدان التي قدمت من مكان بعيد فقط لحضور هذا الحدث المهم، ودعت لها بطول العمر وبالرفاه والبنين وأوصتها بالاعتناء بقريبها فهو يستحق كل السعادة، وأهدتها هدية قيمة "علبة من المجوهرات" وبعد رحيلها ظلت عيناها تراقب العلبة المخملية وصورته احتلت واجهة العلبة وكان متجهم الوجه كما هي عادته، فذكرها هذا بما كان عليه رده عندما أخبرته بإنهاء هذه المهزلة، وضحكت بخفوت وعضت على شفتيها وتلك الأحداث تعود من جديد لتتوالى أحداثها معيدة إياها لما قبل أيام.......
قطب حاجبيه وسألها:
- شو تقصدين إنا ننهي هذي المسرحية؟؟
ناظرته بقوة وبزقتها بعد أن رمته بعقيقها الأخضر:
- مثل ما قلت انت، ننهي هذي المهزلة، وكلن يروح من طريق وترد الأمور لطبيعتها.
حدقا ببعضهما البعض وكأن الزمن قد توقف تماما عن الحركة، وتجمد كل ما حولهما، حتى أنفاسهما قد فضلت الانسحاب من معركة العيون التي تدور رحاها بداخلهما.
ظلا على هذه الحال إلى أن قطعه هو بنهوضه موليا ظهره لها لتنده منها آه ألم استطاعت كتمها باللحظة الأخيرة قبل خروجها، وراقبته وهو يغادر تاركا إياها خلفه، وشعرت بروحها تلفظها هي أيضا مفضلة الرحيل وعدم بقائها معها لتعيش شقاء حياتها، فقد كانت النهاية!!.
هل شعرت يوما بالروح وهي تنسل من جسدك؟؟.. هل أحسست يوما بقلبك يلفظ أنفاسه الأخيرة؟؟.. هل شعرت يوما برغبتك بالصراخ بأعلى صوتك لكنه يخذلك ليخرج كخرخرة سكرات الموت؟؟.
نعم.. هي فعلت كل هذا وهي تراه يبتعد بخطوات واسعة، خطوة أخرى وسيخرج من حياتها للأبد، وخطوة واحدة وينتهي الأمان والاستقرار الذي أهدتها إياها الحياة، وبكلمة واحدة هي قادرة على منعه، وبحروف قليلة تستطيع إيقافه، لكن لسانها خذلها، وحروفها هربت، وجسدها كأنه أصابه الشلل، فما كان من عيناها سوى أن ودعته الوداع الأخير.
توقفت ساقيه ويده على أكرة الباب فقد قالت كلمتها وليس من شيمه أن يتوسل أحدهم البقاء معه.
أدارها وفتح الباب لتتعلق القلوب مناجية عقولهم المتبلدة بالتروي وهذا ما كان عندما أعاد جملتها بلحظة تأمل وتفكير وتذكر ما قالته للتو:
- "مثل ما قلت انت، ننهي هذي المهزلة".
وتساءل... هل قال هذه الجملة؟؟...
ظل جامدا بمكانه لثوان معدودة حتى ضربه الادراك من اللغو الذي حدث، ومن عقلها العقيم بفهم ما كان يريد التحدث إليها فيه.
التفت ناحيتها وسألها وعيونه تدقق بصفحة وجهها الشاحب كشحوب الأموات:
- متأكدة من قرارج هذا يا عنود؟؟.
ازدردت ريقها تحاول ترطيب حنجرتها التي تحولت وصارت صحراء قاحلة نضب منها ماؤها، وهمست لنفسها بوجع:
- يكفي الله يخليك!!.. يكفي وجع، لازم تذبحني وتجوفني أنزف لين أموت وبعدين ترتاح؟؟.
فأجابته بعد مرور وقت طويل بكلمات خرجت جافة مستعصية:
- انت اخترت وأنا... وأنا....
سكتت غير قادرة على قولها، فهمستها بشق الأنفس:
- وأنا... موافقة.
تحرك متقدما ناحيتها وقد فهم كل شيء وسألها بعيون متقدة:
- بالتحديد على شو انت موافقة؟؟.
وهنا لم تقدر على السكوت، فصرخت به من شدة ألمها، ونهضت من السرير لتقف بمواجهته:
- انت شو تبي بالضبط؟؟.. تراني موافقة على يلي تبيه، شو تبي أكثر من جذا ؟؟.
راقب هديرها العنيف لفراق لا تريده، سوى أن كبرياءها الأحمق هو ما يمنعها الإفصاح، ثم ابتسم بسعادة وتراقصت عيناه وهذا أصابها بالصميم. فتراجعت للخلف وهي تهز رأسها رافضة بهجته بانفصالهما، فاصطدمت ساقيها بالسرير وعاد جسدها يضجع بصريخ الرفض لما يريد، فماج عقلها بجملة أصابتها بمقتل :
- لهذي الدرجة هو يكرهها ويترياها تطلع من بيته؟؟.
|