كاتب الموضوع :
ام حمدة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
الفصل التاسع....
أتظن أن الحياة غير عادلة معك؟؟.. أتتهمها بالغدر والخيانة؟؟.. وأنها تطعن بالظهر لتخلف خنجرها دون أن تسحبه؟؟... بل تتركه بمكانه ليدميها بجرح عميق نافذ غير قادر أي طبيب أو دواء علاجه.
هل شعرت يوما بإحساس الفراغ يجتاح صدرك وعقلك فيجعلك كمن فقدت رشدك أو بالأصح تكون كمن فقد ذاكرته وأصبح مركز دماغه صفحة بيضاء؟؟.. وهذا ما تتمناه، أن تنسى كل شيء وأن لا تتذكر حياتك كيف كانت!!.
شعور مرير يعتصرها، خواء يفيض بداخلها محملا برياح عاتية تلطم أحاسيسها بعنف قاذفة بها من منحدر حاد وسحيق، كأنما أحدهم رماك من هذا العلو عن قصد، ويا ليته يقتلك أو تنهي حياتك، بل العكس تماما هو يتركك حيا تتنفس هواء محملا بشذرات الألم، يجعلك تقتات من بؤس الحياة، ويجعلك تعاني وتعاني إلى أن تطلب أنت من ملك الموت أن يزورك ليرحم حالك، ولكنه يتركك دون أن يبالي بك فوقتك لم يحن بعد، فيمكن ما يزال هناك بقية لم تختبرها بعد.
تنام على فراشها على وضعية الجنين كأنها تناشده العودة لرحم أمها كي يحميها من هذا العالم البشع الذي لم يرحمها، وما ينفك يأخذ منها كل شيء بلمح البصر دون أن يتركها تتنفس الصعداء.
وهل يستطيع المرء تذوق طعم النوم والعيون قد جافاها سلطانها؟؟... كأنه هو الآخر قد أبى أن يشفق عليها ويأخذها لعالمه كي تشحذ طاقتها النافذة كبطارية قد خلص شحنها ولم تجد ما يعيد لها تيارها الضائع.
عيونها جامدة، خالية، شاخصة تنظر للفراغ، خصلاتها الفاحمة باهتة فقدت بريقها كما صاحبتها، وجهها مصفر شاحب وقد فقد دماءه ومن يراها يعتقد أن بعالمنا يوجد مصاصي دماء يمتصون تلك الكريات الحمراء من شراييننا، ولا يعلمون أن هذا العالم كما مصاص الدماء يمتص من دمائنا قليلا.. قليلا إلى أن تأتي تلك اللحظة التي يمتصها منا دفعة واحدة فتتركك كما الضائع والمشتت لا تعرف من أين قد باغتتك الضربة، فتضطر منصاعا لها وخاضعا ومستسلما غير راغب بالمحاربة.
ينظر إليها من بعيد غير عالم ما يفعله، يطوق لأخذها لأحضانه، لكن هناك شيء ما يمنعه من الاقدام على هذا الفعل.
قدماه متشبثتان بالأرض، وأغلال تقيد حركته من أن يقوم بما أمره به قلبه، وقف فقط يتطلع إليها بتساؤل وشكوك، فهو لا يعرفها، ولا يعلم أين الحقيقة من الكذب، وهل هي تخدعه أم لا؟؟.
لا دموع ولا ألم، ولا أي شيء يظهر تلك الخلجات التي تجتاح أي شخص بوضعها.
هولا يعلم، ولم يختبر ذلك الشعور الذي يغلفك بقوقعة منحيا اياك من هذا العالم حماية لنفسك، وطبيعتك الفطرية والغريزة بداخلك تخبرك من إنها لو تركت العنان لروحها لما استطاع أي شخص احتواءها.
- شخبارها يا وليدي؟؟
رفع كتفيه بعدم معرفة وعيناه ما تزال مسلطة على ذلك الجسد الساكن كما سكون الأموات، ثم همس بخفوت كأنه خائف من زعزعة عالمها.
- مب عارف يومه؟؟.. هذي هي على حالها ما تحركت أبد.
هزت رأسها برفض وتحدثت موجه عتابها لحفيدها:
- مب زين جذا يا حمدان، انت ريلها... جوفها ورمسها، تراه حرام يلي تسويه بنفسها، هذا حكم الله وما نقدر نمنعه.
- شو تبيني أسوي يعني؟؟
- حسبي الله ونعم الوكيل!!.. جوفوا أنا شو أقول وهو شو يقول!!.
وكزته على كتفه بعصاها وتابعت بشيء من العصبية:
- أنت ريلها ولا لاء؟؟
تنهد بضيق وقال بإيجاب:
- نعم ريلها بس...
- خلاص.. الريال يوقف مع حرمته بمصيبتها، يلا أجوف روح وكلمها، أنا بروح أجوف أم سالم تسوي لها شوربة، هي ما كلت شي من وقت ريوقها، الله يعين بس، إن لله وإن إليه لراجعون!!.
ورحلت وهي تردد هذه الجملة وتركت ابنها يقف متجمدا غير قادر على التحرك ناحيتها وتقديم الكلمات المناسبة لها، وأخذته ذكريات هذا الصباح للأحداث التي جرت بعدها......
فبعد أن ألقت قنبلتها برغبتها بالذهاب لمنزل عائلتها على طاولة الافطار دون أن تلتفت لطلب الاذن منه كأنها تفرض عليه طلبها فرضا من خلال جدته، فهي تعلم فبعد أمرها لا مجال للرفض، فكان مجبرا للخضوع لخدعتها الدنيئة بالنيل من مبتغاها.
كان الغضب قد سرى بداخله مثل النار بالهشيم، والرغبة بقتلها تلوح بالأفق، وسيرمي جثتها بالبحر لينهش سمك القرش لحمها الغدار.
- من حقج يا بنتي تروحين لأهلج، وسلمي عليهم وخبريهم بعد عن العزومة يلي بتصير في بيتنا، وإن شاء الله أول ما نحدد اليوم بنتصل فيهم وبنخبرهم .
- إن شاء الله يومه، تسلمين يا الغالية.
نهض من مكانه بصمت مريب فتسلل الرعب لخافقها من التفرد معه بالسيارة، وقالت بسرعة وهي تنظر لطفليه والتي كانت للصدفة ابنته متوسلة للذهاب، فنطقت بسرعة قبل أن يخرج من غرفة الطعام:
- حنان عبدالله شو رايكم تروحون معانا ؟؟.
توقف فجأة عن الحركة، وأغمض عينيه، ما الذي تفعله به هذه الصغيرة؟؟.. هل تلاعبه أم تحاول قتله بالتسبب له بأزمة قلبية؟؟.
هتفت الصغيرة بفرح وهي تقفز مصفقه ببهجة بأنها سترافقهم، وابتسم الجميع بحبور، ولم يعلموا بخفايا الأمور.
ارتدت عباءتها بعد أن غسلتها الخادمة وكوتها فهي لا تملك غيرها ثم خرجت بسرعة من غرفتها غير راغبة بلقائه منفردين، واتجهت ناحية غرفة الطفلة الصغيرة التي دخلت قلبها على الفور ما أن تعرفت عليها. كانت قد انتهت، وارتدت فستان قصير وردي اللون ذا طبعات من الورود الزرقاء الصغيرة عند الأطراف، وأتبعته بحذاء طويل الرقبة أبيض اللون وصل لما تحت ركبتها، وارتدت قبعة فوق شعرها الأسود الناعم، تأملتها بإعجاب وقالت :
- ما شاء الله شو هذا الجمال!!.. عيني عليج باردة، ربي يحفظج من العين.
دارت حنان حول نفسها كما عارضات الأزياء وسألتها بلهفة طفلة تبغي جذب انتباه والدتها إليها:
- صدق أنا حلوة؟؟.. الفستان حلو علي؟؟
اقتربت منها وأمسكتها من جنتيها تعتصرهما قائلة بابتسامة :
- أميرة وما في حد مثلج.
واعتدلت متحركة للخارج ممسكة بكفها الصغير وهامسها بوجل:
- يلا حبيبتي خلينا نروح ونجوف أخوج خلص ولا بعده، قبل لا نتأخر على أبوكم.
خرجتا سوية واتجهتا لغرفة عبدالله وهناك وجداه قد انتهى من ارتداء ملابسه المكونة من دشداشة بيضاء وحمدانية حمراء اللون.
استقل الجميع السيارة وعندما تحرك باتجاه السوق رفضت وطلبت الذهاب أولا لعائلتها، وبالطبع لأنه فاض الكيل منها لم يستمع لطلبها بل زاد من سرعته باتجاه السوق كأنها لم تتحدث أبدا.
وصلا لأحد المولات الكبيرة وظلت جالسة بمكانها مبهوته من هذا المنظر الجديد عليها، أبدا لم تذهب بحياتها لأحد المراكز التجارية ، فالأماكن الوحيدة التي تستطيع الذهاب إليه هو السوبر ماركت والمستشفى، أما هذا فشيء مختلف!!.
فتح الباب وهمس ببرود، وصوت خفيض كي لا يسمعه أولاده:
- بتنزلين ولا شو؟؟
هزت رأسها موافقة ونزلت وطفقت عيناها تنهل من روعة المكان وكأنها قد خاضت احدى أروع الأشياء التي لم تختبرها ولم تحلم بها قط بحياتها. كانت بعالم آخر، عالم خيالي وليس بواقعي، ولولا وجوده معها لكانت بالفعل اعتقدت بأنها تعيش بأحد أحلامها.
وبالطبع قد غاصت بها ولم تسمعه ولم تناظره كي لا يفسده بعينيه الغاضبة، ولا بملامحه المتجهمة، فقط هي والطفلة بعالمهم الخاص كلتاهما تدخلان هذا العالم لأول مرة لكن بطريقة مختلفة.. حنان تختبر الشراء مع أم، وعنود تدخل دنيا غير دنيتها.
دخلوا أحد المحلات الفخمة الخاصة بالجلابيات فطارت عينيها لتلك الملابس والقطع الفنية الرائعة، وعندما اقتربت من احدى الجلابيات أمسكت بورقة مدلاه منها وقرأتها وأعادتها لمكانها وقد ندمت لقراءتها، وعندما هم بالشراء رفضت وخرجت من المحل فأسعارهم بحجم الصرح الهائل الذي يقع به.
داومت على الرفض على الشراء فما كان منه سوى أن قام هو باختيار مشترياتها من ملابس وحاجيات خاصة بها، وأحذية وغيرها من الأشياء الضرورية وخرج الجميع محملين بعدة أكياس، الفتيات سعيدات والرجال متأففين متململين وكارهين لهذه الآفة التي تسمى الشراء، ويتساءلون ما الذي يعجب النساء بالدوران بتلك المراكز طوال النهار دون كلل؟؟.. فهم يصابون بحمى الشراء بمجرد دخولهم السوق، وأحيانا يخرجون من المحل دون شراء أي شيء ويقولون بأنه لم يعجبهم شيء، فيقف الرجال مصدومون وهم ينظرون للمحل الذي يكاد أن يطفح من الملابس التي لديه.
تحركت السيارة بعدها تقلهم لوجهتهم الأخرى وعندما تراءت لها المناظر المألوفة لها عندها فقط بدأ قلبها يخفق بشدة، ولهفتها تظهر على محياها كطفلة صغيرة تاهت بأرض غريبة وقد آن أوان عودتها للمنزل.
ابتسامتها مشعة، وعيناها مبتهجة، وملامحها تنطق بكل معالم البراءة والفرح، وكلما اقتربت من المنزل تسارعت دقات قلبها، ولهفتها بلقاء شقيقها تزداد وبشدة.
عاد لواقعه وهو يناظرها الآن فسبحان الله من كان يراها من قبل يشك من أن من يرقد بهذا الفراش هي ذاتها صاحبة الابتسامة السعيدة.
أشاح بوجهه عنها وأخذ يتأمل الغرفة الساكنة مثل صاحبتها وعادت الصور تتقاذف إليه......
كان يراقبها من طرف عينيه ويلتقط خلجات ملامحها من سعادة لتلهفها ويتساءل ويتعجب لما هي مستعجلة للعودة؟؟.. هل هذا لأنها تشتاق لعائلتها أم لشيء آخر؟؟.. أم هي رغبة بالبعد عنه؟؟.. فغيابها عنهم لم يدم سوى أسبوع واحد فقط، وهنا توقف يتأمل ويتفكر اسبوع واحد فقط وقد تغيرت حياته، وانقلبت رأسا على عقب، ولا يعلم إن كان سيستطيع استرجاعها أم لا؟؟.. في الحقيقة تغيرت حياته منذ أن التقاها.
توقفت السيارة عند أحد المنازل الجميلة نوعا ما، وترجلت بسرعة دون أن تنتظره حتى لإيقاف سيارته، وأخذت تسرع بخطواتها ودخلت المنزل مغلقة الباب خلفها.
ظل يناظر الغبار الذي خلفته خلفها، ولوهلة واحدة فقط بل لأقل من ثانية ساوره شعور بغيض بالحرمان وعاد يثنيه بعيدا راكلا إياه لأقصى مكان يستطيع به إيصاله، فكيف له أن يشعر بها كذا شعور ناحيتها؟؟.
لم يرد النزول والدخول والتعرف على عائلتها فهو بهذا يفتح المجال لعدة أشياء أخرى هو بغنى عنها، لكن سؤال ولده أحرجه:
- ما راح تروح وتسلم على أهلها؟؟.
زفر بضيق، هذا لم يحسب حسابه أبدا!!.. فهو قدوة أطفاله، والأصول هي الأصول.
تلكأ بالنزول وتباطأت حركته وانشغل بعدة أشياء يضيع بها الوقت، وعندما لم يجد بدا من ذهابه خرج فاردا قامته العملاقة وأخرج سبحته من جيب دشداشته كانت بلون العقيق الأخضر ذكرته بعينيها العشبية، التفت لأولاده وأمرهم بعدم النزول فهو لن يتأخر كثيرا فقط سيؤدي التحية وسيبرر بأن أولاده متعبون ويرغبون بالعودة للمنزل سريعا، لكن ما أن وقف عند عتبة الباب حتى وصلته زمجرتها الغاضبة والناقمة لشيء ما لم يتبين ما هو، وما كاد يطرق الباب حتى اندفعت هي خارجة منه وخلفها والدها ينهرها بشدة لكلامها العنيف والغير مقبول الذي رمته بوجه زوجته ويطالبها بالاعتذار.
التفتت إليهم بوجه محتقن، وهدرت بهم بعويل باكي محمل بشحنات ناقمة على هذا العالم أجمع:
- والله.. ما تأسفت!!.. وللموت ما سمعت مني أي كلمة أسف!! .
اقترب منها والدها وجنون أعاصيره تظهر على ملامحه ويبدوا أنه لم يره وهو يقف بجانبه، ونية الضرب تلوح بقبضته التي تهتز على أثرها.
- عنود... بتعتذرين وغصبن عنج وع....
بتر جملته ما أن تحرك طيفه ظاهرا بالصورة بوقوفه بجانبها وهنا ارتبك وتلعثم وهمس:
- أبو عبدالله!!... هلا.. هلا بك، ما كنت أعرف انك موجود؟؟.
رماها بعتاب لم تهتم به فعيونها كانت تعانق الفراغ، فاقرب والدها من حمدان مصافحا.
- تفضل يا بو عبدالله، حياك البيت بيتك.
حياه باقتضاب وقال بصوته الجهوري:
- لا.. مشكور يوم ثاني إن شاء الله، بس شو السالفة؟؟.. صوتكم واصل للشارع؟؟
ارتبك وتحدث بتلعثم:
- لا... ما في شي... بس... بس.. عنود زعلانه شوي، علشان ما خبرناها إن... إن... أخوها مات.
وخفت صوته بنهاية الجملة، والخجل يعتريه من نظرات زوج ابنته المصدومه ثم ما لبثت أن تحولت للاحتقار والاشمئزاز.
|