كاتب الموضوع :
wintersaonata
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن
فكرت متنهدة ربما يقبل جدي توظيفي كمدبرة منزل لديه إذا قررت السيدة وايد الاستقالة. ربما يجدر بي الطلب من تاكيس أن يعلمني الطهو ومن بانيوتس أن يعلمني فن التدبير المنزلي عوضاً عن السباحة والحمامات الشمسية. لكنني بطريقة ما تشربت حب هذا المكان وأصبح يجري في عروقي. وجدت الراحة والأمل في الصخور والأرض والسماء الأزلية. آه سأترك كل آمالي هنا عندما أغادر. .
أكملت هارييت حياتها بصورة طبيعية. أخذت تجهز نفسها لعشاء عيد ميلادها بهدوء. غسلت شعرها وطلت أظافرها وتبرجت بطريقة جعلت تولا تصرخ فرحاً عنجما رأتها. قامت بكل الأشياء التي تكرهها وتعتبرها تحفيزاً غير ضروري لحواس الرجل. إن كانت هذه ليلتها الأخيرة بصفتها زوجة روان ستحرص على الظهور بأفضل طريقة ممكنة. اختارت فستاناً من الشيفون الأبيض الناعم ذا شرائط رفيعة تنورته تبدو شديدة الانسياب على جسمها. إنه فستان رومنسي لامرأة تتوقع. . . تريد. . . أن تلفت نظر حبيبها. . .
عندما انضم إليها روان على الشرفة ورأت رشاقته وتألقه الرائعين في سترته وربطة عنقه السوداء الرسمية منحته ابتسامة لطيفة.
" هل حان وقت الذهاب؟ "
جلس روان على الكرسي المقابل وقال " أخبرني بانيوس أنك أردت التحدث إلي اليوم ".
تمنت لو أنه لم يذكر الموضوع لكن لحسن حظها يمكنها التذرع بموضوع ما. هزت كتفيها وقالت " فكرت أن اعلمك أن أحد أصدقائك زارنا اليوم "
قطب حاجبيه ولم يزعج نفسه بالسؤال عن هوية الضيف " هنا. . . في المنزل؟ لم يخبرني أحد بذلك "
" عند الشاطئ أرادت استعادة اللوحة. أخبرتها باستحالة الأمر فاستاءت قليلا. ربما يجب أن ترسمها مرة أخرى ".
" أفضل خسارة شعري ونصف أسناني "
تأملها للحظة ثم سألها " هل أزعجتك؟ "
" بل ادهشتني وكأنني أرى تلك اللوحة تتحرك. لابد أن البحار الذي أحضرها إلى هنا وجد صعوبة في إبقاء يديه على دفة القيادة "
قال بندم " آسف لأنك اضطررت إلى التعامل معها. كان يجدر بي البقاء هنا. . . لأكثر من سبب "
تمهل قليلا ثم أضاف " مع الأسف كان عملي في أثينا ضرورياً وهو شيء علينا مناقشته ".
أحست بيد تقبض على قلبها فقالت بسرعة " ليس الآن من فضلك يمكننا الانتظار. . . إلى ما بعد الحفل "
" ظننتك لا تريدين الاحتفال "
" اعتدت على الفكرة "
" كما تريدين لكن حديثنا لا يمكن تأجيله إلى أجل غير مسمى "
" لا أحاول أن أبدو مراوغة بل أود الاستمتاع بحفل عيد ميلادي "
أضافت بعد تردد " من اللطف أن يعطيني والدك تلك اللوحة مع أنه لا يحبني "
" بل هو يستنكر زواجنا عزيزتي هارييت وصدقيني وجه إلي الانتقاد أيضاً "
سألته دون أن تنظر إليه " أيعرف بشأن حبيبتك في أثينا؟ "
أجاب روان بلطف " لا ولا يعرف أيضاً عن الفتيات في باريس ونيويورك ولندن. أهذا ما أردت سماعه؟ "
" الأمر. . . حقاً لا يعنيني. أنت رجل حر وما دمنا قد بدأنا هذا الحديث ربما يجب أن نتكلم الآن "
نظرت في عينيه وقالت:
" متى ستعيدني إلى إنكلترا؟ "
قال روان " غداً. . . مع جدك. يبدو هذا الحل الأفضل "
" أنت على حق بشكل سريع ونهائي ودون أي مشاكل. هل أملك الوقت لتوضيب حقائبي؟ "
" بدأت الخادمات القيام بذلك "
" يا إلهي لم تغفل عن أي تفصيل. أنت حقاً. . . لا تطيق صبراً "
قال بقسوة " انتهت هذه المهزلة هارييت هي لم تنطل على أحد ليس على والدي أو حتى على جدك. علم جدك منذ البداية أنك لا تريدين أن تصبحي زوجتي وأن هذا الزواج مجرد وسيلة لهدف آخر. أظنه يلقي اللوم على نفسه في فعلتك هذه "
" لكنه لم يحاول إيقافي "
" لا لكنه أدرك أن الوقت حان لإنهاء هذا الفصل المحزن والبدء بعيش حياتنا من جديد "
أضاف بعد برهة " سيفسر الأمر على أنك ذاهبة إلى بلادك لتوقيع بعض المستندات القانونية "
" لكنني لن اعود أبداً. هل سيكون الهجر هو سبب الطلاق؟ التاريخ يعيد نفسه "
" لدينا اتفاق ما قبل الزواج وهو يشترط وضع نهاية لهذا الزواج. ربما يجب استخدامه "
" بالطبع لماذالم يخطر الأمر ببالي؟ أنت حفظته عن ظهر قلب. . . كل ثغرة. . . وكل زلة. أظنك سبق وحضرت أوراق الطلاق أيضاً وهي المستندات التي تريد مني توقيعها "
" لا هذه مسألة مختلفة تماماً عزيزتي هارييت قرر جدك أن يحول ملكية غريس ميد إليك. بالرغم من كل شيء أظنه أعجب ببراعتك وإصرارك. سوف يعلن عن هذه الهدية المميزة أثناء تناول العشاء الليلة. . . عشية عيد ميلادك الخامس والعشرين. هذا يعني أنك حققت الفوز. أصبح المنزل لك وتحقق حلمك "
لقد تحول الحلم إلى كابوس هي من فعلت ذلك بنفسها. الآن عليها الابتسام وإدعاء الفرح العظيم بينما كل ما تريد فعله هو الاختباء في زاوية مظلمة والبكاء حتى تجف مقلتيها. .
انتهى الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
ترحل بلا قلب
حوالي الساعة الثالثة صباحا أعادها ياني إلى المنزل. لم يرافقها روان لأن الكثير من الضيوف لم يبدوا بعد أي استعداد لمغادرة الفيلا لكن قدرتها على الاحتمال نفذت. فكرت هارييت بخيبة أمل قدماي تقتلانني من الألم والحزن يكاد يميتني.
تضمن حفل العشاء عدداً كبيراً من الأصدقاء إذ عاد كونستانتين زاندروس إلى خطته الأولى فزحزحت الطاولات التي وضعت على الشرفة تحت ثقل الطعام الذي يكفي السكان القاطنين على مسافة مائة ميل. هذا ما ظنته هارييت التي كادت تترنح من دوي الضحكات والكلمات المرحة التي هاجمتها من كل صوب بينما ودت لو أنها تختفي داخل حفرة سوداء حيث يمكنها أن تنتحب بصوت مرتفع بسبب ألمها وعدم قدرتها على تصديق ما يحصل لها. رافقها روان من مجموعة إلى أخرى ويده تمسك مرفقها بقوة لاحظت بوضوح ابتسامات الاستحسان الموجهة لهذا الشاب الطويل القامة الذي يبدو قلقاً على زوجته الخجولة. تمتمت بعنف
" هذه قمة النفاق "
" اعتبري الأمر تضحية أخيرة قبل استعادة حريتك... المحنة الأخيرة التي يجب تحملها ".
قالت في سرها بل أن تبدأ المحنة الحقيقية...قضاء بقية حياتي من دونك. آه يا إلهي
مع تقدم السهرة اقترب سيل من الرجال المتقدمين في السن الشديدي الأناقة من هارييت. أخبرها الجميع أن روان صبي رائع وذكي لكنه مع الأسف ولد وحيد لوالد وحيد موضحين لها مهمتها مع ابتسامة لطيفة. أخذت هارييت تتساءل بملل ماذا عساي أجيبهم؟ أأقول أنني أيضاً ابنة وحيدة لكن المرأة التي ستحل محلي قريبا سيكون واجبها الوحيد الإنجاب؟ لاحظت في مرحلة ما أن روان منشغل مع امرأة سمراء أنيقة يبدو الغضب والاعتذار على وجهها وهي تحرك يديها بعنف عندما تتكلم.
بدت هارييت منتبهة لكل من يقترب من روان ويتكلم معه. لم تكف عيناها عن التفتيش عنه بين الحضور بشوق كبير. عندما انضم إليها روان في وقت لاحق أخبرها بإيجاز
" تلك ماريا كريسادس. سمع زوجها الذي تجمعني به بعض الأعمال بما أقدمت عليه إينتيا هذا الصباح فأجبرها على مغادرة منزله دون عودة "
" هل ستصبح منبوذة الجميع الآن؟ "
" لا أدري فهذه المرأة لا تشعر بالتعب أبداً "
أومأ نحو بضعة أشخاص يشقون طريقهم ضاحكين عبر الشرفة بسلسلة خطوات متناغمة وعقدة
" تعالي وارقصي معي "
ترددت هارييت وهي تفكر بمدى قدرتها على تحمل قربه منها قبل أن تنهار.
" لا شكراً لك. . . لا أعرف. . ."
" ذلك أفضل من التخمينات. . . ستأتي كل امرأة متزوجة لتعطيك النصائح عن الغثيان الصباحي "
" ربما يجب أن نعلن الأمر ونوضح أن مستقبل سلالة زاندروس لا يعتمد عليّ "
" لا أحتاج إلى الكلام سيتوضح الأمر قريباً "
ثم أخذ روان يدها وجذبها كي ترقص
" استمعي إلى اللحن وراقبي المرأة ذات الرداء الأصفر هي راقصة جيدة "
أخذت هارييت تتعثر في البداية لكنها تدريجياً ومع إرشاد روان لها بدأت تفهم أسلوب الرقص. عندما انتهت الرقصة صفق لها الجميع بفرح. فكرت بسخرية أنها الليلة نجمة السهرة وغداً منبوذة مثل إينتيا.
بعد ذلك وجدت نفسها ترقص باستمرار لكن ليس مع روان. تمثل الحدث الأبرز في السهرة بوقوف جورجي فلينت ليعلن عن الهدية الحقيقية لحفيدته وهي منزل في الريف الإنكليزي يدعى غريس ميد.
سُمعت الهمهمات المتفاجئة السعيدة عندما ترجمت كلماته وأخذ الحضور يتناقلونها. وقفت هارييت إلى جانبه فاحتضنها بخجل. لطالما خجل جورجي فلينت من إظهار عاطفته للعلن. فكرت هارييت أنه يجدر بها إظهار الامتنان والبهجة لا الحزن والخوف. ذكرت نفسها أنها لطالما أرادت هذا المنزل فلماذا فقد الآن أهميته؟
إن تحولها إلى وريثة غنية رفع أسهمها في نظر الحضور لتصبح جديرة بموقعها كزوجة لروان زاندروس. سرعان ما أحاطت بها مجموعة من السيدات الشابات وكلهن متلهفات لزيارتها لهن لتنأول الغداء لتسوق. . . لاحظت هارييت خيبة أملهن عندما قالت إنها ذاهبة إلى إنكلترا لإجراء بعض الترتيبات بشأن منزلها الجديد. رأت روان يراقبها من الطرف الآخر للشرفة وقد بدت عيناه مظلمتين ووجهه غير معبر.
تذرعت بالتعب لتتمكن من المغادرة لكنها متأكدة من عدم قدرتها على النوم هذه الليلة. بدت غرفتها كئيبة مع هذه الحقائب الموضبة والمصفوفة عند الجدران. تذكرت بألم تلك الليالي التي استلقت خلالها في هذا السرير تؤرقها وحدتها وهي تتساءل عن روان البعيد عنها واستيقاظه لأسباب مختلفة تماماً. فكرت بمرارة كيف أخبرها بلا مبالاة عن رفيقات لياليه. أخذت تجاهد لخلع فستانها ثم رمته في أقرب حقيبة. ربما افترض أنها لا تكترث لكونه يقيم علاقات حميمية مع سواها بينما مزقتها هذه الحقيقة إلى إرب. فكرت بتعاسة أنا من جعلته يعيش كرجل عازب وعليّ تحمل العواقب. هذا يعني أيضاً أنها عادت كما كانت (( العانس الشمطاء )) كما وصفها جون أودلاي أما مستقبلها فعقيم تماما مثل جسدها.
ارتدت ثوب نومها الحريري البنفسجي اللون الذي اشتراه لها روان قبل مغادرتها لندن. شعرت حينها ببعض الخجل عندما رأت الصندوق الملفوف بشريط على سريرها لكنها بالطبع لم تتمكن من الاعتراض على محتواه فشكرته بتكلف وارتدت ذلك الثوب. عقدت الحزام حول خصرها النحيل ثم فتحت الأبواب الزجاجية بهدوء وخطت حافية القدمين إلى الشرفة المحيطة بالمنزل. جلست على أحد الكراسي وأرجعت ظهرها إلى الخلف ثم أخذت تحدق في الظلام. ها هو الهدوء يسود المكان. هناك في فيلا كونستانتين توقفت الموسيقى ورحل الضيوف. انتهى الحفل وسرعان ما سيعود روان إلى المنزل.
قالت لنفسها " يجب أن أعود إلى الداخل وادعي النوم في السرير بدلا من الانتظار هنا متمنية نظرة أخيرة منه "
إنها امرأة في الخامسة والعشرين من عمرها تتلهف لرجل قضى معها ليلو واحدة لأنه اعتبر الأمر أحد حقوقه. . . ليلة أيقظت فيها الشغف ثم تركها تكتشف الحب وحدها فيما قرر أن دورها في حياته قد انتهى. عانت هارييت الكثير من تلميحات الضيوف حول إنجاب وريث للعائلة لكنها ما كانت لتنزعج لو أن هناك احتمالا لإنجاب طفل. هذا حزن أضافي ستحمله معها حين تغادر أما غريس ميد المنزل الذي لطالما وصفه جدها بأنه منزل العائلة فستسيطر عليه التعاسة والعزلة.
رفعت كتفها بعناد وذكرت نفسها أن عودتها لن تتميز بالتعاسة المطلقة. سوف تنتظر مولود تيسا.
" هارييت "
أجفلت لسماع صوته وأدركت أنها لم تلاحظ اقترابه منها. وقف روان حاملا حذاءه ورمخيا ربطة عنقه.
" ما الذي تفعلينه هنا؟ "
" يمكنني طرح نفس السؤال عليك. لم أتوقع منك أن تتسلل "
" قررت العودة سيراً على القدمين أما أنت فلديك رحلة غداً ويجب عليك النوم "
قالت هارييت بصمت " لدي سنوات وسنوات للنوم لكن القليل لأقضيه معك "
هزت رأسها وقالت " يمكنني النوم في الطائرة. حالفك الحظ بإيجاد بطاقة سفر في هذا الوقت القصير "
" نحن نملك بعض الأسهم في شركة الطيران هذا ساعدني "
" آه نسيت أنه بحركة من إصبعك. . . يصبح الجميع طوع بنانك "
|