كاتب الموضوع :
wintersaonata
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
الفصل التاسع
ظلال الماضي تعود
يا لهذا الجو الرائع بالنور والصفاء أنة جو لم يسبق لهارييت اختباره. ذكرت نفسها بسخرية إن السبب هو أنها تزور اليونان للمرة الأولى فهي لم تفكر في قضاء أجازتها بعيدا عن غريس ميد.
بالطبع لم تتخيل أيضاً أنها ستأتي إلى هنا بطوافة خاصة غادرا المطار في سيارة يقودها سائق خاص توجها إلى ميليتوس و هي شبة جزيرة شعرت هارييت كأنها تصطدم بجدار من الحرارة و سرها أن السيارة مكيفة.
يفضل روان التنقل بواسطة الطوافة لكنة قرر هذه المرة أن يجعل هارييت تستمع بطريقها إلى منزلها الجديد. اخبرها أن هناك رأسين من اليابسة متداخلين في بحر ايجة أشبه بذراعين تحتضنان خليجا صغيرا و أن منزلها مبني فوق احدهما و منزل والدة فوق الاخر ما يجعلها متقابلين لكن مفترقين. أضاف روان بنبرة تحمل شيئا من سخرية
"مثلنا تماما حبيبتي"
فكرت هارييت بصمت لا بد أنك تملك الكثير من الذكريات السعيدة هنا. شعرت بالارتياح لأنها لن تقيم في منزل نفسه مع كونستانتين زاندروس. مع أن هذا الأخير لم يطل اقامتة في لندن لكنها تتوتر بشدة من أمعانة النظر بها و طرحة الكثير من الاسئلة عليها.
خلال الايام الاخيرة في انكلترا شعرت هارييت كأنها تخزض سباقا. أخذت الأمواج تتقاذفها بلا رحمة بينما نفككت حياتها.
لم تعد أبداً إلى شركة فلينت - أودلاي . عوضا عن ذلك أرسلت الاغراض من مكتبها إلى الفندق فيما اهتمت احدى الشركات بأيجاد متأجر لشقتها,مع ذلك اصرت على شراء ملابسها من المتاجر العادية لا من محلات المصممين المشهورين. اختارت ثيابا ذات الوان هادئة زاهية و تتميز كي تسىتطيع ارتداءها بعد انتهاء هذا الزواج.
ذهبت بمردها إلى المنزل لتودع جدها. توقعت لقاء عاطفيا لكنها وجدته معكر و جاهز للتكلم عن الحديقة أكثر من رحيلها الشيك . سألته اخيرا:ألن تفتقدني و لو قليلا؟"
ربت على كتفها و قال اتخيل يا عزيزتي أننا سنفتقد بعضنا لكن مكانك الان مع رجل الذي اخترته. لن اتصرف بأنانية كما أنك لم إلى الجهة الاخرى من العالم تلطف حماك و دعاني للإقامة معه في اليونان متى شئت"
ثم ضحك و أضاف "كما ذكرني زوجك بوجوب أنهاء مسألة الشطرنج".
"لكنني سأعود إلى هنا أيضاً.....للزيارة أليس كذلك؟"
تكملت في سرها ".....لأطالب بإرثي"
"بالطبع سوف تأتين لكن عليك منح نفسك بعض الوقت لتتأقلمي مع حياتك الجديدة. أتعلمين هارييت؟ الورد يعاني من مشكلة الصدأ هذه السنة و هذه الأدوية ليست فعالة كالأدوية القديمة".
هكذا انتهى النقاش دون أي ضمانات لهارييت أو حتى دليل عن نوايا جدها. نظم روان عشاء و داعيا لتيسا وبيل. و هدأ بمهارة مشاعرهما المجروحة بسبب زواجهما السري عازيا السبب إلى قضايا عائلية غامضة ثم استمالت تماما عبر دعوتها لزيارة ميليتوس قبل نها فصل الصيف.
في طريق عودتها إلى الفندق سألته هارييت : "هل قدوم الزوار فكرة جيدة؟ ألن يبدو الأمر.....مربكا؟"
"لماذا حبيبتي ؟ أتفضلين البقاء مي وحدك؟ "
جعلها السؤال تتوقف عن الكلام. اللقاء مع جاك و لوسي بدا أكثر صعوبة. تعاملت معها الفتاة بلطف لكن ببرود كبير. عندما انفردتا قليلا حاولت هارييت الاعتذار فقاطعتها لوسي بفظاظة "أتعتقدين أنني اهتم بهذا الهراء؟ في الواقع لا يمكنني أن أتحمل رؤية روان يرمي نفسه على شخص لا يكترث لامرة"
أرادت أن تصرخ قائلة ظننتك لا تعرفين شيئا رايتك ذلك النهار لأنني كنت أتوق لرؤيته. لم أتحمل بعدي عنه . اجتاحتني موجة من الأحلام السخيفة و غير الواقعية.....هي ليست جزءا من خطتي و لن تصبح يوما كذلك.....أنها قالت بهدوء قبل أن تمشي مبتعدة " لن يطول الأمر حتى يستعيد حياته. كلانا سنفعل"
كتمت هارييت تنهيدة و هي تتذكر تلك الإحداث . أخذت تحدق عبر النافذة إلى الألوان الغنية لهذه الأرض العطشى بسبب الصيف و آلة بساتين الزيتون على طول الطريق. التفتت نحو روان لتلقي تعليقا مشرقا عن الطبيعة فوجدت انتباهه مركزا على التنورة القصيرة لفستانها الأصفر الزاهي . عدلت تنورتها بتسرع و شدتها نحو ركبتيها.
رأته يلوي فمه بسخرية ثم قال بتأكيد هادئ "هارييت نحن أقمنا علاقة حميمة معا و سبق لي أن رأيت جسدك فلا داعي للتصرفات التافهة"
اشتعل وجهها خجلا و توسلت إليه قائلة "روان من فضلك قد يسمعك السائق....."
" ياني لا يتكلم الأنكيزية ".
رفع تنورتها إلى وضعها السابق و ترك يده تستريح برفق فوق ركبتها قال باستهزاء
" لا تجفلي يا حبيبتي بصفتك زوجتي عليك التعود على لمستي و الترحيب بها أيضاً ".
تصلبت هارييت في مكانها و أخذت تحدق عبر النافذة إلى المناظر الطبيعية دون أن ترى شيئا.
" سنصل إلى القرية قريبا و هناك من ينتظرنا لذا حاولي الابتسام حبيبتي "
" في هذه الحالة أبعد يدك عني ".
زم روان فمه بعصبية لكنة أطاعها.
ظنت هارييت أنه يبالغ لكن يبدو أن القرية بأكملها خرجت لتشاهد هما يتقدمان عبر الطرقات الضيقة؟ راح الناس يلوحون لهما بفرح فاستجابت هارييت بخجل انعطفت السيارة و أصبحا فجأة أمام البحر الذي بدا مثل صفحة خلابة . غاب عن فكرها للحظة كل الاعتبارات الأخرى فقالت " آه يا الهي..... هذا جميل لدرجة لا تصدق"
" نعم كلما أراه أشعر كأنها المرة الأولى ".
" لكنك حتما تعودت علية ".
"سبق و أخبرتك أنني قضيت معظم أيام طفولتي في انكلترا مع والدتي حتى كدت أنسى ما يعنيه لي.....لكنة دائما يجري في دمي ".
" أنا.....أنا أعرف هذا الشعور ".
اجتاز الميناء الصغير الذي يعج بالقوارب الصغيرة و انعطفا مجددا
نحو اليابسة. بدأ الطريق يتجه صعودا و أصبح بإمكان هارييت الآن رؤية جدران التراكواز البيضاء. قال روان: "هذه فيلا ديناسوس حيث يقيم والدي. ستجدين أنني بنيت منزلا اصغر لكن مع أمكانية التوسع".
حاولت هارييت أن تتجاهل الألم الذي اجتاحها عندما تخيلت روان و هو يحمل مولودة الأول الطفل الذي لن تمنحه إياه.....قالا بصوت هادئ
" أتعني عندما تستقر و تصبح رب أسرة؟ يصعب علي تخيل الأمر ".
قال بهدوء قبل أن يبعد نظرة عنها " قد لا يشاطرك أصدقائي الرأي عزيزتي هارييت".
ها هي ترى الرأس الأخر و هو تماما كما وصفة روان.
لاحظت أن المنزل يتألف من طبقة واحدة و سقفه مطليا باللون الأخضر الغامق.
"أهلا بك في منزلك عزيزتي هارييت تحضري للكثير من الحب.
أدهشتها كلماته للحظة لكنها أدركت معناها مشاهدة مجموعة الأشخاص الذين ينتظرون بحماس كبير عند المدخل للترحيب بهما.
قالت كأنها تكلم نفسها "أشعر كأنني محتالة. لا أظنني أستطيع القيام بهذا".
"أتودين العودة إلى انكلترا و إخبار جدك الحقيقة؟
"لا.....سيخيب ظنه بي. لا يمكنني فعل هذا به.
"أذا من فضلك لا تدعي نزاهتك تسبب الحزن لقومي.
عندما توقفت السيارة انحنى إلى روان و قال "الرجل الذي يرتدي سترة يدعى بانيوتس هو يدير منزلي. أنة يتكلم الانكليزية بشكل جيد لذا يمكنك الاعتماد علي كليا. المرأة الواقفة إلى جانبه هي تولا مدبرة المنزل
توقف قليلا ثم أضاف "أنها القابلة التي ولدت علي يديها لذلك هي مثل وسكان القرية تعقد أمالا على هذا الزواج. حاولي التعامل معها بصبر".
شعرت هارييت بالانزعاج عندما تم تعريفها على الأشخاص الموجودين. عرفت أنها ليست العروس الجميلة المتألقة التي توقعوا مجيئها. أخذ تاكيس الطباخ البدين يعاين جسدها النحيل كأنة على وشك أن يشن حربا عليها. سمعت روان يكلم بانيوتس قائلا "أنجز العمل الذي طلبته. أليس كذلك؟"
أومأ بانيوتس رأسه بتأكيد "نعم سيدي. وصل الأثاث الجديد البارحة. كل شيء جاهز من أجل عروسك
وضع روان يده على خصرها ليحثها على الدخول و قال " أتلقين نظرة على المكان حبيبتي؟"
بدا الجو أكثر برودة داخل الفيلا بسبب المراوح الكثيرة المتدلية من السقف. تأملت هارييت المكان فأعجبت بالألوان الزيتية الفاتحة و الأرضية الرخامية التي تؤكد الإحساس بالاتساع و السلام. قالت بارتباك "لكن المكان يبدو جديدا".
ابتسم لها روان قائلا "قررت تجديد غرفة النوم الرئيسية كوني لم اعد أعزب. أنلقي نظرة عليها؟"
قالت هارييت بصوت فارغ يناسب الذعر الذي يجتاحها :"إن.....إن أردت ذلك".
تقدمهم بانيوس إلى ممر عريض يضفي إلى الباب بمصراعين.
فتحهما و قال بفخر "انظر سيدي "
ترددت هارييت عند الباب و شعرت بالدوار لم تفهم الانطباع الذي تركته لديها الجدران الشاحبة التي أضاف إليها اللون الدراقي بعض الدفء. تحيط ستائر شفافة بالنافذة الضخمة ذات الإطلالة المذهلة على البحر و يستلقي عند قدم السرير الكبير الذي يواجه الباب قماش حريري من اللون الأزرق المفعم بالحياة. مع ذلك أكثر ما جذب اهتمامها ذلك العطر الكثيف الذي يسيطر على المكان و الذي جعلها تواجه صعوبة في التنفس. سمعت احدهم يشهق على مقربة منها و عندما خطت خطوة أضافية إلى داخل الغرفة رأت الأولى ما يوجد على السرير فتوقفت عن التنفس كليا.
انه رسم بدون إطار لامرأة عارية مستلقية على جنبها تلقي رأسها باسترخاء على يديها المطويتين. هي المرأة فائقة الجمال ذات شعر يكاد يبدو فضي اللون قصته قصيرا لتظهر جمال وجهها و ذات عينين سوداوين مائلتين في وجه أسمر بارز كوجه قطة. ترسم المرأة على فمها القرمزي الملتوي ابتسامة تبدو ملتهبة و صريحة جدت بحيث أنها لا تحتاج إلى خلع ملابسها.
بالطبع لا حاجة للسؤال عن هوية الرسام الذي بعث فيها الحياة.
عرفت هارييت بمجرد نظرة واحدة فقد أصبحت الآن تميز أسلوبه على الفور كما تعرف الوجه الذي تراه في المرأة كل صباح. انتبهت إلى الهمسات الخافتة المصدومة للخدم الذين تجمعوا عند الباب خلفها.....إلى بانيوتس الذي تقدم و راح ينظر إلى اللوحة بعدم تصديق.....إلى تولا التي أصدرت شهقة و غطت رأسها بتنورة مئزرها الأبيض.
استدارت هارييت ببطء و نظرت إلى روان. وجدته يبتسم و يداه على خصره و قد أمال رأسه و هو يعاين اللوحة كأنة يفكر ببعض التحسينات. تذكرت فجأة كيف رسمها : بمزيج من ساحرة شريرة و خفاش. شعرت بالغثيان عندما وصلتها موجة جديدة من العطر الطاغي. قالت لنفسها أرادني ليلة واحد لأنني عذراء لكن كم مرة أقام علاقة مع تلك الجميلة في هذه الغرفة حيث يجب أن أنام وحيدة
انجرفت في موجة عاتية من التعاسة و الغضب و الإذلال و هي تفكر في ابتسامته. أدركت عدم قدرتها على التنافس مع هذا النوع من الذكريات. تقدمت خطوة إلى الأمام و قالت بصوت مرتجف "أنت تجد الأمر ممتعا. حسنا أنا لا أشاطرك الرأي".
رفعت يدها و صفعته بقوة على وجهة ثم استدارت و ركضت بينما أخذ بحر الوجوه المصدومة يتفرق لتمر.
انتهى الفصل التاسع
|