الفصل التاسع والخمسون
توجهت من فوري لتلك الغرفة وفتحتها بالمفتاح وكانت كما تركتها ومتأكد من أن دُره
ما أن وجدت ورقتي وقرأتها لم تدخلها , نظرت يمينا حيث الحبل الذي فككته سابقا
ورميته أرضا ولم أشعر هذه المرة قط بتلك المشاعر التي أشعر بها كلما رأيته ودخلت
هذه الغرفة , فكل ما شعرت به الآن هوا الانتصار وأنّ الشخص المرتبط بهم موجود في
السجن الآن يجمعون جرائمه التي لن ينتهوا من حصرها في وقت قصير وستبدأ رحلة
عذابه التي لن تنتهي , توجهت للخزانة القديمة ووقفت أمامها أنظر لأغراض والدتي
تحتها وأغراضي في صغري ثم نظرت لها ولثياب دُره المرتبة فيها كما تركتها , هذه
الغرفة عليها أن تكون رمادا كما الماضي ولن أخرج منها بشيء ولا حتى أغراض والدتي
التي لم يبقى لي شيء منها غيرها , خرجت من الغرفة وتوجهت للغرفة الأخرى التي
كنت أستخدمها كمخزن لبعض المعدات التي نحتاجها في الحديقة وأخرجت منها برميلا
كان مليئا بالبنزين وفتحت غطائه وبدأت بسكب ما فيه في كل أرجاء ذاك المكان وابتداءً
بتلك الغرفة حتى فرغ تماما فرميته فيه أيضا ووقفت أمام بابه الخارجي وأشعلت القداحة
التي كانت هنا وأستخدمها حين أكون في تلك الغرفة وأدخن , رميتها في الداخل مشتعلة
لتهب النيران ما أن اقتربت من الأرض وقبل أن تلمسها , وتراجعتُ للخلف فورا أراقب
ألسنة اللهب التي أصبحت تلتف في الداخل باحمرار متوهج , ها قد جاء هذا اليوم أخيرا
ها قد انتصرت على هذا المكان وتخلصت منه في داخلي قبل أن أحرقة ليغيب كله مع
الماضي ... أمي التي وجودها في قلبي يكفيني وأواس الفتى الذي ذاق العذاب والحرمان
بجميع أصنافه سيحترق هنا ولن يخرج أما أغراض دُره وثيابها فسأعوضها عنها بأضعاف
أضعافها فلا أريد لشيء دخل هنا أن يخرج ويحمل ذكراه , غادرت بعدها تاركا ذاك المكان
يتفحم وينتهي ويختفي ولن يبقى منه سوا جدران محترقة سأمسحها من هذه الأرض مسحا
ليكون مكانه ألعاب أو مسبح لأبنائي , وصلت المنزل ودخلت حيث الصمت التام وكأنه لا
ساكنين فيه وصعدت للأعلى من فوري وفتحت باب الغرفة ببطء ليقع نظري على الواقفة
توليني ظهرها تفعل شيئا ما عند أبجورة السرير , بفستانها القطني القصير الذي تظهر
منه مفاصل ركبتيها واسعا يناسب وضعها الآن وشعرها البني الناعم الذي يصل طوله
لأسفل كتفيها مفتوحا , أغلقت الباب ونظري لم يفارقها أشعر بلهفة لها لم أشعر بها
كل حياتي , التفتت ما أن شعرت بإغلاقي للباب وقالت مبتسمة بحرج
" لقد كسرتها "
ابتسمت مراقبا ملامحها الجميلة البريئة المحرجة كطفلة فعلت خطئا تخشى
التوبيخ عليه , دسّت خصلات شعرها خلف أذنها وقالت ناظرة للأسفل
" منذ ساعة أحاول إعادتها كما كانت ولم أنجح "
لم اعلق بشيء سوا بابتسامتي التي لم تفارق شفتاي وفتحت لها ذراعاي فتوجهت
نحوي راكضة وارتمت في حضني فطوقتها بهما بقوة وقبّلت رأسها وقلت
" لن أكترث لكسرك لها لكن وقوفك كل هذا الوقت لن أسامحك عليه "
دفنت وجهها في صدري أكثر وقالت بصوت مبتسم " لقد كان عقابا
جيدا لي واستحقه "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " فداءً لك المنزل بأكمله حبيبتي , إن
حطمتِه بأكمله فلن أقول حرفا وسأبني غيره "
ابتعدت عني تنظر لعيناي بنظرة لم أفهمها وكأنها نظرة لوم وقالت
" أواس ما هذه الرائحة في ثيابك ؟ "
ابتسمت وأمسكت وجهها بيداي وقبلت جبينها وقلت " لا تخافي أنا عند
وعدي لك ولم أدخن "
كانت ستتحدث فقلت مقاطعا لها " أحرقت الملحق فذاك المكان
انتهى من حياتي نهائيا "
ابتسمت ودموعها تملأ عينيها قائلة بسعادة " انتهى من حياتك أخيرا ؟ "
غلغلت أصابعي في شعرها شادا لوجهها لي ووزعت قبلاتي على كل مكان
فيه وقلت بهمس " اشتقت لك دُره اشتقت لك "
تعلقت بعنقي وضمتني بقوة تقف على رؤوس أصابعها وقالت بحنان
" وما سأقول أنا يا أواس ماذا ؟ "
ضممتها لي أكثر وقلت " وكيف هوا ابني معك ؟ هل يتعبك ؟ "
ابتعدت عني ونظرت لعيناي وقالت مبتسمة " في البداية نعم أما الآن فلا
فقط نموه بطيء وسبّب ذلك في صغر حجمه , والباقي كله جيد "
أمسكت وجهها وقبلت أنفها وقلت " مؤكد لا تأكلين جيدا لهذا حجم
بطنك لا يعطي أنه شهرك الثامن أبدا "
قالت ماسحة بيديها على صدري صعودا " الطبيبة قالت أن حجمه سيزداد
هذا الشهر وأن هذا أمر طبيعي يحدث للكثيرات "
قربتُ وجهها لي مجددا وقبّلت ذقنها وقلت بهدوء " كنت أريد أن نقضي
الليلة وعدة أيام في أفضل فنادق العاصمة لكني خشيت أن يؤثر ذلك
على عائلتك ويضنوا أني متضايق من وجودهم "
قبّلت شفتاي قبلة صغيرة وقالت " ولا أنا سأرضى لك بذلك فغرفتنا التي
جمعتنا سابقا أولى بذلك من أي مكان "
عضضت شفتي بقوة ثم همست " ما سأفعل لك الآن ؟ كنت أتجنب شفتيك
طوال الوقت كي لا أفعلها وأقبّلهما قبلتي المجنونة التي حلمت بها كثيرا
وتمنيتها , وجئتِ الآن تفسدين كل شيء "
ضحكت ورفعت يديها من على صدري وطوقت بهما عنقي وهمست مقربة
شفتيها من شفتاي " افعلها يا أواس فحتى أنا كنت أريدها وأنتظرها منك دائما "
*~~***~~*
صليت الفجر وجلست على السجادة أستمع لحركته في الخارج بعد عودته من
المسجد فيبدوا أنه سيذهب لعمله ولن ينام , وقفت وطويتها ووضعتها جانبا
وخلعت لباس الصلاة وخرجت حين توقفت حركته وكان في غرفته ومؤكد
سيغير ثيابه , توجهت للمطبخ ووضعت أبريق الشاي على النهار فرغم كل ما
بيننا واجبي لن أتخلى عنه مادمت هنا , طهوت البيض ووضعت له في صحن
طبق به عسلا وبعض السمن وطبق زيتون ووضعت طبق البيض أيضا وسكبت
كوب شاي وخرجت بالصينية لحظة فتحه لباب الغرفة خارجا منها وكما توقعت
كان ببذلة عمله يثبت السلاح في حزامها فوضعت الصينية على الطاولة وعدت
جهة الغرفة مسرعة وهوا لم يتحدث بشيء , بعد قليل سمعت صوت حركة الأواني
في المطبخ ويبدوا لازال كعادته سابقا يغسل ما أكل فيه وهذه حسنته الوحيدة أو أنه
معتاد على ذلك من كثرة ما عاش وحيدا , بعد وقت خرجت من الغرفة فمؤكد غادر
من اختفاء صوت حركته , رفعت أكمام بيجامتي وثنيت بنطلونها للأعلى وبدأت بشطف
وسط المنزل فرغم أنه أصبح له سقف وبلاط جديد يحتاج لاهتمام , نظفت بعدها الحمام
وغسلت جدرانه ثم انتقلت للمطبخ وأعدت ترتيب كل شيء وكتبت الناقص في ورقة فحتى
الأواني غيّرها بجديدة كلها وكأنه عريس , خرجت من المطبخ أتجنب الغوص في تلك
الأفكار كي لا أفكر في لو أنه تزوج أو أنه كان يريد أن يجلب زوجة أخرى لذلك غيّر كل
هذا , وقفت في وسط المنزل ونظرت حولي , لقد أنهيت من كل شيء ولم يبقى سوا غرفته
التي لن أنظفها طبعا وتأخذ عقله الظنون أنها حركة مقصودة مني , وضعت الورقة على
الطاولة ليجدها فيما بعد ثم وجدت قدماي تسوقانني فورا لغرفته لكن قبلها أغلقت باب
المنزل من الداخل طبعا كي لا يدخل ويمسكني هناك , فتحت الباب ونظرت للفراش على
الأرض فورا وكان مرتبا فيبدوا رتبه قبل أن يخرج وهذه عادته مرتب في كل شيء ولا
يترك شيئا ورائه , توجهت للخزانة وفتحتها بفضول لأعرف ما اشترى أيضا ولست أعلم
هذا كله من الفراغ أم ماذا ؟ كانت ثيابه مرتبة ومطوية كعادته وهناك العديد منها جديدة لم
يكن يملكها من قبل , رفعت نفسي على طرف أصابعي أنظر للرف العلوي وكان فيه تلك
الهدية لازالت مغلفة كما هي فهل كانت لي بالفعل ؟؟ كان هناك أيضا صندوق خشبي صغير
بجانبها فمددت يدي ساحبة له فوقع فجأة على رأسي وشهقت بصدمة حين وجدت ما كان فيه
ملئ المكان حولي ولم يكن سوا الأزهار الصفراء التي قطفتها سابقا ونثرتها على السرير في
ذاك اليوم المأساوي الذي اكتشفت فيه الأوراق التي كان يخبئها عني , كانت جافة يابسة أنظر
لها على بساط الغرفة بصدمة فلم أتوقع أن يجمعها ويحتفظ بها , نفضت ثيابي وشعري منهم
ولممتهم سريعا وأعدتهم للعلبة وأعدتها مكانها ثم توجهت للطاولة بجانب السرير وأخرجت
السوار والخاتم من جيبي ووضعتهما عليها وغادرت الغرفة لغرفتي بعدما فتحت باب المنزل
من الداخل طبعا , أخذت ثيابا ودخلت الحمام واستحممت ثم عدت للغرفة وفتحت هاتفي المغلق
من يوم أمس لتصل الرسالة المعلقة به وكانت من دُرر وما أن قرأتها حتى صرخت بفرحة
وقفزت واقفة , يا شقيقتي الحبيبة حمدا لله أن عاد لك فكم عانيتِ بعده , كنت سأتصل بها لكني
تذكرت أنه وقت مبكر وليس مناسبا أبدا فاتصلت بالعزباء الأخرى مثلي فأجابت سريعا
وقلت أنا من فوري " وصلتك رسالة دُرر ؟ "
ضحكت وقالت " قولي صباح الخير قولي اشتقت لك يا عديمة الذوق "
قلت مبتسمة " اشتقت لك يا عديمة الذوق "
ضحكت كثيرا فقلت " لم أصدق عيناي وأنا أقرأ الرسالة ومن فرحتي كدت
أتصل بها متناسية أنهما سيكونان نائمان "
قالت بضحكة " تضنيها مثلك يا حمقاء , صحيح ماذا حدث معك ؟
ولما لم تتصلي بي بالأمس ؟ "
ماتت ابتسامتي واختفى كل ذلك الفرح في وجهي وجلست على الكرسي
وقلت ببرود " لا شيء ونمت في غرفتي السابقة طبعا "
ضحكت وقالت " مسكينة يا سراب "
قلت بضيق " وأنتي مسكينة مثلي فلا تنسي نفسك "
ضحكت مجددا وقالت " نعم مثلك وأكثر منك "
قلت بنصف عين " ترجمان أشم رائحة شيء غريب في كلامك
فأين أنتي الآن ؟ "
قالت من فورها " في منزل عمي طبعا "
قلت ببرود " آه ظننت فقط أنك نمتِ في مكان آخر مع شخص ما "
ضحكت ولم تعلق فقلت بريبة "صوتك يخبرني أنك فعلتها يا ترجمان "
قالت من فورها " وداعا ونلتقي عند دُرر , أخبريه يأخذك اليوم هناك "
وفصلت الخط تلك الخائنة أقسم أنه شيء ما حدث معها بعد خروجي من هناك
وضعت يداي في حجري و الهاتف فيهما وتنهدت بحزن , كم أتمنى أن تستقر أمورها
أيضا وترجع لزوجها فهوا يستحقها وفعل الكثير من أجلها ليس كالجدار الذي لدي ولا
أعلم ما أحبه فيه حتى الآن ؟ تذكرت أنه اليوم عمل آسر فأرسلت لترجمان رسالة فيها
( لن استطيع الذهاب اليوم فآسر في المركز اتركيها لغد ونكلمها اليوم في الهاتف فقط )
كنت أود أن أكون هناك ولا أتأخر عنها لكن هكذا حكمت ظروفي ولا يمكنني الخروج
دون إذنه وترجمان لم تعد تملك سيارة وأعرفه لا يحب أن أركب سيارات الأجرة
*~~***~~*
خرجت من الحمام أجفف شعري بالمنشفة ونظرت للنائم بعمق لا يعلم عن شيء
حوله وابتسمت بحب , كان يوم أمس متعبا جدا له وأشعر بأنه نام نوما لم ينمه
كل حياته وكأنه لم ينم الأشهر الماضية جميعها , كم عانيت في حياتك يا أواس ولم
يترك قدرك شيئا لم يختبرك به وحان الوقت لأن ترتاح في حياتك , أن تخرج من
كل ذاك السواد وتنساه , مسحت دمعتي من طرف عيني ولازال نظري على ملامحه
وأنا أتذكر كلامه البارحة وأنا نائمة في حضنه ( وطني أنتي يا دُره ومهما بعد الإنسان
يحن له ويحتاجه وأينما ذهب يبقى هوا في عينيه الأجمل , أنتي أمي التي فقدتها صغيرا
وحرمت منها وهي على قيد الحياة وأنتي طفلتي التي رفعتها على كتفي أركض
بها رغم ألم قدماي فقط لأسمع صوت ضحكتها التي أعشق )
مسحت دمعة جديدة وهمست من بين شفتاي " سامحني يا أواس لأني
كنت ممن آذوك في صغرك "
اقتربت بعدها من السرير وجلست عليه وانحنيت له وقبّلت خده برقة ورفق
فطوقني بذراعه فضحكت وقلت " كنت مستيقظا يا محتال "
قبّل خدي وقال ببحة نوم " بل كنت في سابع أحلامي ولم يوقظني
سوا رائحتك وملمس شفتيك "
ابتعدت عنه وقلت وأنا أسحب منه اللحاف " هيا استيقظت فوالدتي من
الفجر سألتني عما تحب أكله حتى في الفطور , وتجدهم ينتظروننا الآن
فهم يستيقظون مبكرا "
جلس يمسح وجهه بيديه مستغفرا الله ثم مرر أصابعه في شعره للخلف ونظر
لي وقال مبتسما " أشعر أني في حلم لم أفق منه بعد وكل لحظة والأخرى
كنت استيقظ لأتأكد أنك نائمة بجانبي فعلا "
طوقت خصره بذراعاي ودفنت وجهي في صدره وقلت بسعادة " وما سأقول
أنا وحلمي كان طوال الليل أني كنت أحلم واستيقظت ولم أجدك "
ضحك ضحكة خفيفة وقبّل رأسي وقال " ما أخبار شقيقتيك "
تنهدت بحزن وقلت " حدث الكثير يا أواس الكثير لهما وكم أخشى عليهما "
قال ماسحا على شعري الرطب " إن أَحب الرجل المرأة يا دُره فلا خوف
عليها أبدا وزوجيهما يحبانهما , قد يحتاجون وقتا فقط وكل شيء سيتحسن "
ابتعدت عنه ونظرت للإبجورة بجانب السرير وقلت مبتسمة " طوال الليل
كانت تصدر أصوات طقطقة حتى خُيّل لي أنها ستنفجر فينا "
ضحك وقال مغادرا السرير " سنغيرها ونغير الغرفة بأكملها فسوف
أصيّن جناحي السابق وننتقل له "
وقفت خارج السرير أيضا أراقبه وقد اتجه لها بجانبي واستل سلكها
الكهربائي وقال " انتهت مشكلتها , أخبري الخادمة ترميها "
قلت بهمس ناظرة له " أواس "
التفت جهتي وقال مبتسما " عيني أواس "
طوقت عنقه بذراعاي وقبّلت ذقنه وقلت " ليحفظ الله لي عينيك ولا
احرم من رؤيتهما حياتي "
وضع أنفه على أنفي وقال مبتسما " وما تريد دُرتي "
قلت ناظرة لعينيه " والدك و.... "
قاطعني قائلا " نعم يا دُره جاء بالأمس وأخبرني أنك من أخبره "
كنت سأتحدث فسبقني قائلا ويده تمسح على ظهري " أمورنا على
خير ما يرام وأكثر حبيبتي اطمئني "
أغمضت عيناي مبتسمة وقلت بهمس " حمدا لله وهذا جل ما أتمنى "
طوق خصري بذراعيه وأنفه لازال ملاصقا لأنفي وهمس قائلا
" هل عليا دخول الحمام أولا بالفعل "
ضحكت بإحراج دون أن أفتح عيناي وقلت هامسة برقة
" يمكن تأجيله قليلا "
ضحك ضحكة صغيرة ثم قبّل شفتاي عدة قبلات وهمس بعذوبة
" ما أجمله من صباح صباحي هذا "
شددت ذراعاي على عنقه أكثر وقبلته بعمق ثم أبعدت شفتاي فمسح عليهما
بإبهامه قائلا بابتسامة " حاذري على هذا الحرير فقد أمزقه "
عضضت طرف شفتي مبتسمة ثم قلت " حلالٌ لك "
فقبّلني بعمق قبلة مجنونة تشبه تلك التي أهلكني بها البارحة ثم توجه للحمام
قائلا " يكفي انزلي هيا ولا أجدك هنا ما أن أخرج فلن أضمن لك نفسي "
ضحكت وغادرت الغرفة فورا ونزلت للأسفل حيث كانت أمي وخالتي وجدتي
يجلسن وسط المنزل وقصي مؤكد غادر من أكثر من ساعة لعمله , قالت
أمي مبتسمة ما أن رأتني " ما كل هذا النوم يا عريسان "
نزلت آخر عتبة وتوجهت لهن قائلة بابتسامة " لازالت الساعة التاسعة
وقد أيقظت أواس من نومه "
وصلت عندهن على صوت جدتي قائلة بضيق " ولما توقظينه ؟ كنتِ تركته
يرتاح قليلا , ما أحبكن لتكدير الأزواج نساء هذا الوقت "
ضحكت وقبّلت رأسها قائلة " سيغضب مني إن تركته أكثر أعرفه جيدا "
ثم قبّلت رأس والدتي فخالتي وصبحت عليهما وجلست بجانب والدتي فضمتني
لها وقالت بحنان ماسحة على شعري " حمدا لله الذي أراني هذا اليوم وهذه
الابتسامة الصافية والوجه الجميل المشرق "
ضممتها بقوة وقلت بسعادة " لا أحد أسعد مني اليوم يا أمي أبدا "
قالت جدتي " والآن تأكلي جيدا ليكبر بطنك ونشعر حقا أنه ثمة شيء بداخله "
ضحكنا جميعنا لحظة نزول أواس واقترب منا وصبّح عليهن وقبّل رأس
والدتي وجدتي أيضا وحتى خالتي وكأنه خشي أن تتحسس من ذلك وجلس
بجوار جدتي قائلا " أين هوا قصي ليس معكن ؟ "
قالت أمي ولازالت تمسح على شعري وأنا متكئة على كتفها
" خرج لعمله من قبل الثامنة وسيكون هنا عند الواحدة ظهرا "
هز رأسه بحسنا فوقفت الخادمة عندنا وقالت مخاطبة له " سيدي
كم سيكون عدد الضيوف اليوم على الغداء ؟ "
قال من فوره " قدّروهم بعشر أشخاص إن قلّ العدد آخذ الطعام
للعمال في المحلات كالعادة "
هزت رأسها بحسنا وغادرت في الفور فابتعدتُ عن والدتي وقلت ناظرة له
" هل ستخرج لهم من اليوم يا أواس ! أنت لم ترتاح من رحلتك بالأمس بعد "
قالت جدتي قبل أن يتحدث " أنضروا للمرأة ؟ تريد أن تخبئه تحتها كالطفل "
ضحكوا جميعهم عداي أنا التي نظرت لهم بضيق فوقفت والدتي وقالت
" هيا الفطور ينتظركم قبل أن يغادر أحدكم غاضبا "
فوقفنا جميعنا وتوجه أواس نحوي وحوط كتفاي بذراعه وسرنا هناك معا فها هي
الألوان عادت لحياتي ولم تعد باهتة كئيبة لا تحمل إلا الأسود والأبيض , وها قد
أصبحت أشعر بأن الشمس تشرق بالفعل ولسنا في ظلام طوال الوقت , فمن كان
يصدق أن تلك الغمامة ستزول !! ما أن تناول إفطاره طبعا غادر المنزل ولست
ألومه فهوا مشتاق لكل ما كان في حياته حتى أعماله الدائمة , فقط كنت أريد أن
يرتاح قليلا , انشغلوا بعدها في إعداد الغداء ومن الآن وأنا طبعا محكوم عليا
بالجلوس بجانب جدتي فقط ففوق حرصهم السابق على أن لا أتحرك زادهم
أواس الذي لم يخرج إلا وقد أوصاهن بالواحدة على أن لا اتعب نفسي ولا
بالوقوف للحظات , رن هاتفي فرفعته من جانبي وكانت ترجمان فابتسمت
وأجبت عليها لتنطلق زغرودتها التي قطعتها ضاحكة وأنا أضحك عليها
وقالت بسعادة " مبارك رجوع ذاك الوسيم صاحب الذوق الرفيع
وحركات الهرب والاختفاء "
*~~***~~*
جلس بجواري وقال " اسمعي هناك أمر أريد أن تعرفيه لكن إن نزلت
منك دمعة واحدة فسأقطع عنقك تفهمي "
وضعت يدي على قلبي وقلت وقد ملئت دموعي عيناي " ما به أواس !! "
تأفف وقال " ماذا قلنا يا خديجة ؟ والأمر ليس محزنا "
قلت بعبرة مكتومة " إن كان أواس وخبر سيئ عنه فلا تلمني وإن بكيت دما "
أمسك يدي وقال " بل خبر سار عنه وإن نزلت منك دمعة واحدة فلن أقوله "
مسحت عيناي بقوة وقلت " لن أبكي فبشرني بشرك الله يا رِفعت "
وضع يده على بطني وقال " كيف حاله الآن ؟ هل تشعرين بشيء ؟ "
أبعدت يده وقلت بلهفة ممسكة لها بقوة " لا شيء به فأرح قلبي أراحك الله "
وقف وقال موقفا لي معه " وجدناه يا خديجة وبخير "
أغلقت فمي بيدي أكتم الشهقة التي نزلت معها دموعي فقال بتذمر
" لا حول ولا قوة إلا بالله , ماذا كنا نقول قبل قليل "
تمسكت بثيابه ودفنت وجهي في صدره وقلت ببكاء " كيف لا أبكي
أخبرني ؟ هل تعي معنى أنه ابني وأعز منه "
ضمني له وقال " اسكتي أو قسما لن تريه وها قد أقسمت "
ابتعدت عنه ونظرت له بصدمة وقلت " أراه !! "
قال ماسحا دموعي " نعم إن لم تستمر مناحتك "
قلت بغير تصديق " أين هوا ؟ خدني له يا رِفعت حلفتك بالله "
قال مبتسما " ينتظرك في المجلس "
انطلقت مسرعة أبكي ودموعي تسابق خطواتي وإن كان يمكنني الطيران
لطرت له , فتحت باب المجلس على وسعه فوقف الجالس هناك وحيدا ينظر لي
مبتسما فانطلقت نحوه واستقبلني هوا حاضنا لي بقوة وقال ماسحا على ظهري
" لما كل هذا البكاء عمتي ؟ لا يحدث لابنك شيء ولن يرحمني والده حينها "
قلت ببكاء متمسكة به بقوة " حمدا لله على سلامتك يا أواس لا أصدق
أني رأيتك مجددا "
أبعدني عنه وقبّل يدي ثم أمسك وجهي وقبّل جبيني وقال " سامحيني
عمتي كان رغما عني اقسم لك "
أمسكت يده وقبّلتها ودفنت وجهي فيها وقلت ببكاء " كيف أغضب منك يا
قلب عمتك , هل هناك من يغضب من قلبه ؟ "
شعرت بيد على ظهري وصوت رِفعت قائلا " يكفي بكاء أغرقتِ ابني "
مسحت عيناي وسحبته معي وجلست وأجلسته بجانبي وقلت ويدي تمسح
على طرف وجهه " أين كنت يا أواس وماذا حدث معك وهل أنت بخير ؟ "
أمسك يدي من وجهه وقبّلها مجددا وقال " أنا بخير وهذا المهم , طمئنيني
عنك أنتي وعن صحتك "
قلت مبتسمة والمفاجئة لم تفارق وجهي بعد " بخير بني وفي أحسن حال
واكتملت راحتي برؤيتك يا قلب عمتك "
قال مبتسما ونظره على رِفعت " وكيف هوا رئيسي معك ؟ "
نظرت له مبتسمة وقلت " لا رجل مثله في العالم "
ثم عدت بنظري له وقلت " وكيف هي دُرر وصحتها "
قال مبتسما " بخير ومثلك الآن لا تتوقف عن البكاء منذ يوم أمس "
قلت بسعادة " يالا المسكينة , لست تعلم كم عانت وبكت وتعذبت يا أواس
أقسم أنها كادت تفقد عقلها مرارا لولا لطف الله بها "
قال مبتسما بحنان " ها قد عدت وسأعوضها عن كل دمعة ويوم حزنت فيه
أقسم لو كان الأمر بيدي ما ابتعدت عنها دقيقة لكن ظروفي كانت هكذا "
قلت ماسحة بيدي على ذرعه " لا عوض لها أكبر من رؤيتك معها ومع
ابنها , هي تعبت كثيرا مثلك تماما وحان الوقت لتجبرا كسور بعض "
وقف حينها فوقفت معه وقلت " ما بك وقفت بني ؟ أين ذاهب بسرعة هكذا ؟ "
قال بهدوء " ورائي مشاوير كثيرة ولدي ضيوف على الغداء والعشاء
جئت لأراك وأسلم عليك والأيام أمامنا طويلة "
حضنته مجددا وقلت بحنان " ليحفظك الله يا حبيب عمتك , لم
أشبع منك أبدا بل أشعر أني لم أراك "
ضمني بقوة وقبّل رأسي وقال " سأزورك دائما لا تقلقي "
ودعته بعدها وخرجت معه حتى سيارته في الحديقة وعيناي ترقبانه حتى
خرج ثم ضممت يداي أمام فمي وقلت بعينان دامعة " ما أسعدني برؤيته
أشعر بقلبي سيطير من الفرح "
حضنني الواقف بجانبي وقال بصوت مبتسم " دعائكم لم يخيب
يا خديجة والله رحمته واسعة بعباده "
*~~***~~*
أغلقت من دُرر التي أمسكتها ترجمان قبلي ساعة وضممت الهاتف لحضني
ما أسعدني بسعادتها التي تخرج من صوتها فكم عانت وتعبت شقيقتي الحبيبة
وهي تستحق كل هذه السعادة بالفعل فلم أعرف حياتي في نقاء قلبها وسريرتها
وتضحيتها من أجل الغير فلولاها بعد الله لضعنا من سنين فهي كانت رغم صغر
سنها الأم التي ما عرفناها , ولعدل الله أعاد لها هي والدتها لأنها كانت تعطينا
شيئا هي محرومة منه ولم يغطي مكانه أحد , وقفتُ بعدها وخرجت من الغرفة
وتوجهت للمطبخ لأضع الغداء فسيأتي في أي لحظة , ها قد عدت لفعل واجبات
الزوجة المثالية وكأن شيء لم يكن سوا أن المنزل والطعام تحسنا فقد وجدت كل
شيء متوفر في الثلاجة والخزانة فراتبه فوق الجيد ولم يعد لديه مشاغل غيرنا
لكن مخططه الجديد سيحتاج لتوفير مال أكثر أو أن منزل الأحلام ذاك لن يبنيه
أبدا , وما أجرى كل هذه التعديلات هنا إلا وهوا موقن من أن إقامتنا ستطول
في هذا المنزل , نفخت بقوة مبعدة خصلة شعري عن وجهي لأن يداي متسختان
لحظة ظهوره عند الباب فلم أنظر ناحيته أبدا واستمررت فيما كنت أفعل فدخل
ووقف بجانبي ونظر للسلطة التي أقطعها قائلا " جيد طعام لذيذ أخيرا وليس
سندوتشات ووجبات مطاعم "
لم اعلق أيضا منشغلة بما أفعل فرفع خصلة شعري ودسها خلف أذني ولو يعلم
عن إطرابي بقربه ولو يرحمني من وجوده فقط , دسها خلفها وبدلا من أن يبعد
يده أكمل طريق أصابعه على عنقي ليزلزل كياني فحركت كتفي مبعدو لها
وفي صمت فقال مبتسما " لما لم تكتبي ضمن الطلبات ما ينقص غرفتنا ؟ "
ضغطت على أسناني بقوة من غيظي ومانعة نفسي عن الكلام فقال وهوا
يخرج شيء ما من شعري وقد بعثر به غرتي المقصوصة " أم لم تجدي
بها شيئا ناقصا ؟ "
ووضع الزهرة اليابسة على ظهر كف يدي الممسكة لقطعة الطماطم وأنا انظر
لها بصدمة وألعن نفسي على فعلتي الحمقاء , فهل ارتحتِ الآن وأرحتِ فضولك
يا غبية , حركتُ كفي وأسقطتها من عليه فرفع يده لشعري وبعثر غرتي قائلا
" أعانك الله على ما ابتلاك يا آسر "
نظرت له بصدمة فابتسم وقبّل خدي سريعا فتراجعت خطوة للخلف وخرج
هوا قائلا " ولا بلاء أكبر من ابتعادي عنك مرغما "
تأففت ماسحة غرتي بذراعي لتبعد عن وجهي ورميت السكين في المغسلة
متمتمة بحنق " غبية دائما وتقعين في فخاخ كلامه , سحقا لك "
خرجت بعدها وكان جالسا على الطاولة يُسرح شعره بأصابعه فوضعت له
الطعام عليها وتوجهت لغرفتي فورا على صوته قائلا " ألن تذهبي
لشقيقتك زوجة أواس ؟؟ "
قلت وأنا أدخلها " في الغد "
وأغلقت بابها خلفي ولم اسمع تعليقه ولست أعلم إن علّق أساسا
*~~***~~*
تناولنا الغداء وطالت بعده الأحاديث والضحك وكل من سألني عن سبب اختفائي
ومكاني المدة الماضية قلت أنها تصفية حساب قديمة أنهيتها وعدت ولم يعلم أحد
بما حدث غير العقيد رِفعت ودُرر وعائلتها فالماضي صفحة وطويت وانتهت .
بعدما صلينا العصر عدنا للمنزل أنا ووالدي وشقيقي قيس وقصي فوالدي لم
يفارقني اليوم واستقبل أصدقائي ورجال الشرطة معي وكان جالسا بجانبي طوال
الوقت هوا عن يميني وقيس عن شمالي لأشعر لأول مرة بوجودهم في هذا العالم
وكم كان شعورا رائعا لم أتصوره يوما بهذا الحجم رغم احتياجي الدائم له ومنذ
صغري , جلسنا في المجلس مجددا وتبادلنا الأحاديث مطولا حتى نظرت
لوالدي وقلت " سأشتري لكم منزلا جديدا فاسأل زوجتك أين تريد أن يكون "
ضحك وقال " أبعد النساء عن الأمر فأعينهن واسعة ومنزلنا لا ضير
فيه لما تشتري غيره ؟ "
قال قيس من فوره " وما المانع من التجديد والترفيه ؟ لا تفسدوا
علينا بالله عليكم "
ضحكنا معا ثم شددت على يده وقلت " سترجع لدراستك يا قيس "
عبس وقال " وما دخل الدراسة الآن ؟ "
قلت بجدية " كل الدخل لها , وسأسعى جهدي لأخرج أحمد من السجن
وسيرجع لدراسته أيضا وستعملان معي باقي اليوم , لا نقاش في كل هذا "
هز رأسه بحسنا وقال " إذاً أريد ثيابا جديدة , كيف سأدخل الجامعة متشردا "
ضحكت وقال أبي بضيق " بدأنا في الطلبات التي لا تنتهي "
قلت من فوري " من راتبك ستشتري ما تريد وزيادة , غيره لن ترى
مليما لا مني ولا من والدي مفهوم "
تنهد بأسى وقال " أمري لله "
وقف والدي قائلا " هيا أمامي للمنزل فمن الغد ستداوم في الفصل الصيفي "
وقف وقال بضيق " ولماذا ؟ أمامنا أكثر من شهرين على بداية الفصل
لما أدرس من الآن ؟ "
أشار له بإصبعه على باب المجلس ناظرا له بحزم فتنهد بيأس وتمتم
مغادرا " كل هذا من أجل راتب ؟ أعانني الله عليكما "
وخرج أراقبه مبتسما وقد تبعه والدي فلحقته قبل أن يخرج وقلت
" إن احتجتم شيئا أخبرني فسأغضب إن لم تفعلها "
ربت على كتفي ولم يعلق وغادر مبتعدا فالتفتُّ لقصي الذي وصل عندي
ووقف بجانبي قائلا " فعلتُ ما طلبت مني وسيكون مراقبا من اليوم ولن
يقترب من شلته القديمة تلك "
أمسكت كتفه وقلت " شكرا يا قصي لا أعلم كيف أرد أفضالك "
قال ببعض الضيق " ما هذا الذي تقوله يا أواس ؟ نحن عائلة واحدة
فإن كنت تعتبرني غريبا فأنا اعتبرك شقيقي الذي لم أراه "
شددت على كتفه وقلت مبتسما " ونِعم الشقيق أنت يا قصي , فأخبرني
متى ستتزوج أم ستكملها عزوبية "
ضحك وقال " أَقسم لي الآن أن شقيقتي لم تخبرك كل شيء البارحة "
قلت مبتسما " يبدوا أنك لا تعرف شقيقتك يا قصي , فهل حكت لكم
شيئا عني منذ عرفتني ؟ "
هز رأسه بلا فقلت " وعنكم لن تتحدث أو لن تكون هي "
نظر للأرض وقال بهدوء " أريد خطبة شقيقة صديقك إياس "
قلت مبتسما " جيد .. تلك العائلة شرف لكل من يناسبها "
رفع نظره بي وقال مبتسما " المهم أن أكون أنا شرفا لهم ويقبلوا بي "
قلت باستغراب " ولما سيرفضونك ؟ أترك الموضوع لي وسأتحدث
مع إياس "
قال من فوره " ليس الآن يا أواس أجلها قليلا "
هززت رأسي بحسنا وقلت ناظرا للبناء الذي بدأ يرتفع عن الأرض شيئا
فشيئا " أرى أن تترك والدتك ومن معها في منزلي فمنزلك أصغر
منه وستتزوج فيه قريبا ولن ترتاحوا فيه "
قال من فوره " هن عائلتي يا أواس ولم أتضايق منهن يوما
ولن يكن إلا معي "
نظرت له وقلت مبتسما " ومن كان يقول للتو أنه يعتبرني شقيقه "
أبعد نظره عني وقال " وإن يكن فلن يكنَّ مع غيري "
قلت من فوري " إذا آخذ أنا منزلك وتبقون أنتم هنا فالمنزل كبير وبطابقين
ولا تعارض فهوا ما يزال بسم شقيقتك ولن أغير ملكيته وسيبقى لها "
قال بجدية " إذا أشتريه وإن بالتقسيط "
ضحكت وقلت " كما تريد , والمال سيكون لها إلا إن رفضت
هي بيعه لك "
قال مبتسما " اترك أمرها لي "
عدت بنظري للبناء وقلت " إذا أريد مخططه لأرى ما سأعدل فيه
ولآخذ رأي دُره أيضا وما تريد أن تضيف "
ربت على ظهري وقال " لقد اقترب وقت المغرب سنصلي ونستقبل
باقي ضيوفك ثم نتحدث عن أمر المنزل "
*~~***~~*
نزلت عتبات السلالم مسرعا وما أن وصلت للأسفل وقفت من فوري لأني كدت
أصطدم بالتي ظهرت أمامي فجئه في يدها كوب قهوة كبير تخرج منه الأبخرة
ونظرت لي باستغراب ولثيابي ثم قالت " إياس أين خارج الآن منتصف
الليل ومتأنق أيضا ؟ "
ضربت طرف جبيتها بمفتاح سيارتي وقلت مبتسما " وما علاقتك بي ؟
زوجتي أنتي أم زوجتي ؟ "
قالت بنصف عين " لست زوجتك لكني أعرف رقم هاتفها
وسأشي بك وويلك يا إياس "
ضحكت وقلت مغادرا من عندها " من قال لها تترك زوجها وحده ؟ فلتتحمل "
خرجت من المنزل وركبت سيارتي وانطلقت لوجهتي المحددة أغني طوال الطريق
سأتوقع منها أي شيء تلك المرأة المجنونة حتى أن أجدها غيّرت الغرفة وحسابي معها
سيكون عسيرا حينها , ابتسمت وأنا أتذكر ليلة البارحة , لقد كادت تصيبني بالجنون تلك
المشاغبة فهي إن أرادت الشيء تجعله أروع ما يكون وإن لم ترده لا تراه منها مهما حاولتْ
الآن فقط استطعت فهمك يا ترجمان ورؤيتك بالعين التي كانت تراك بها سدين وعلمت لما
كانت تحبك بجنون وتدافع عنك طوال الوقت بلسانها ودموعها , وكم حاولتْ إيصال هذا لي
وأنا أرفض سماع إلا ما أريد , وصلتُ المنزل ودخلت من الباب الجانبي بما أن مفتاحه
عندي فقد تركه لي خالي من سنوات من أجل الضرورة لأنه كان يعيش فيه وحيدا ويتغيب
عنه أحيانا لأسبوعين أو ثلاثة فآتي لتفقده من حين لآخر , توغلت في الحديقة حتى وصلت
شرفة غرفتها وقفزت منها ودفعت الباب ودخلت ووضعت يداي وسط جسدي فكما توقعت
الغرفة فارغة لكن التلفاز مفتوح فأين ستكون هذا الوقت ؟ انفتح باب الغرفة الذي يبدوا أنه
لم يكن مغلقا ودخلتْ منه تحمل في إحدى يديها طبق مليء بالفستق وفي الأخرى علبتي
عصير صغيرتان تمسكهما معا وفي فمها كيس بطاطا مملحة كبير وترتدي فستانا أقصر
من فستانها السابق .. هذه المشاغبة أين تريد أن تذهب بعقلي ؟ ضحكتُ عليها وتوجهت
نحوها وهي تغلق الباب بقدمها وما أن وصلت عندها أمسكت خصرها بيداي ورفعتها
للأعلى فصرخت ضاحكة ووقع الكيس من فمها وقالت بضحكة " أنزلني يا مجنون
ستوقع الطبق ويتناثر ما فيه في كل أنحاء الغرفة "
أنزلتها وأمسكت وجهها وقبلت شفتيها بقوة ثم تركتها قائلا " ظننتك هربت
مني وويل لك حينها "
توجهتْ للسرير الواسع الذي يحتل وسط الغرفة وجلست فوقه ورمت قارورتي
العصير وسطه ووضعت طبق الفستق قائلة " أحضر كيس البطاطا معك , يوجد
فيلم رائع لا أريد أن يفوتني باقي عرضه "
رفعته من الأرض وتوجهت نحوها ورميته عليها وأنا ألفّ حول السرير وجلست
في الجانب الآخر أكاد أكون ملاصقا بها يفصلنا طبق الفستق وهي عيناها على
التلفاز تغير المحطة ثم رمته وقالت " رائع انتهى الإعلان الآن "
نظرت للفيلم الذي بدأ يعرض وقلت وأنا أتكئ على مرفقي
" هل هوا فيلم جديد له ؟ "
هزت رأسها بنعم ونظرها على التلفاز فقلت " شاهدت آخر أفلامه
كان رائعا "
نظرت لي وقالت بحماس " أجل لقد شاهده أيضا ..... "
وبدأت تسرد أهم مشاهده وتمثل حركاته ضاحكة وأنا أضحك عليها ثم
رفعت حبة فستق وقالت ناظرة للتلفاز وهي تفتحها " شاهدته ثلاث
مرات والرابعة على الانترنت , كان قنبلة الموسم "
بقي نظري معلق بملامحها وانفعالاتها مع المشاهد وكأنها طفلة تشاهد التلفاز
وكلما قالت ( أنظر يا إياس كيف فعلها ) ضحكت وأجبتها فأنا شاهدته من يومين
فقط وأعلم ما حدث فيه , بينما كانت هي منسجمة معه ولم تنتبه حتى لأن نظري
لم يكن عليه بل عليها فهل هذا لشدة انسجامها أم تتعمد تجاهلي المحتالة ؟ لكن تبدوا
فعلا منسجمة ولا تعلم عن شيء حولها فحتى حبات الفستق تأخذها وتفتحها وتأكلها
دون أن تنظر لها , بعد قليل قالت وهي تفتح حبة منهم ونظرها على التلفاز
" زوج دُرر عاد , مؤكد تعلم "
قلت ونظري لم يفارق ملامحها الجميلة " نعم منذ أول أمس "
نظرت لي أخيرا وقالت بضيق " ولما لم تخبرني حين جئت ليلتها ؟ "
قلت مبتسما " وما العقل الذي تركته بي حينها ليخبر عن شيء أو يتذكره "
رمتني بقشرة الفستق وعادت بنظرها للتلفاز فرفعتُ غَرفة من قشورها وبدأت
ارميها بهم الواحدة تليها الأخرى فضحكت تحتمي عن ضرباتي بذراعها كي لا
يصاب وجهها ورفعت مجموعة منهم أيضا وبدأت ترميني بها وأصبحنا نتقاذف
القشور ضاحكين , ولو لم تكن غرفة خالي في الأعلى وفي الجانب الآخر لسمعنا
ونزل لنا , توالت عليها ضرباتي حتى رفعتِ الوسادة واحتمت بها تصرخ
ضاحكة " يكفي لقد هزمتني وأضعت عليا باقي الفيلم "
توقفت عن رميها بهم فعادت لجلستها السابقة وعادت عيناها للتعلق بالتلفاز
فرفعتُ الوسادة ورميتها على فخذيها اللذان انكشفا أكثر بسبب ارتفاع فستانها
القصير وقلت " لما لا تخفيهما عني كي لا أرتكب فيك جرما يعجبني "
رمتها بعيدا وأعادت ترتيب فستانها ونظرها لم يفارق التلفاز قائلة
" ولما لا تبعد نظرك عنهما لترتاح "
ضحكت وعبستْ هي قائلة " انتهى "
نظرت للشاشة حيث ارتفعت كتابة نهاية الفيلم ثم نظرت لها وقلت
مبتسما " سحقا يبدوا فآتني منه الكثير "
فتحت قارورة العصير وشربت منها قيلا ثم قالت وهي تغلقها
" سيعيدونه غدا فانتظره صباحا "
ثم رمتها على الأرض متدحرجة بعيدا ورفعت طبق الفستق ووضعته
على الطاولة بجانب السرير ونظرت لي وقالت مبتسمة بمشاكسة
" ما نوع عطرك هذا الذي تستخدمه ؟ "
قلت بابتسامة تشبه ابتسامتها " ولما تسألين ؟ "
اتكأت على السرير أيضا حيث كنت مقابلا لها متكئ بمرفقي على الوسادة
تحتي وتحركت قليلا حتى أصبحت ملتصقة بي وقالت وإصبعها يتحرك
على صدري ناظرة له " تعجبني رائحته "
ضممتها ضاحكا وقبلت شعرها عدة قبلات وقلت " محتالة , الآن
تذكرتني بعدما انتهى فيلمك "
ضحكت وهمست في أذني " لقد شاهدته بالأمس , وكنت أراك يا محتال مثلي "
ضحكت وأخرجت الساعة التي أحضرتها لها من جيبي وألبستها لها
وقبّلت معصمها وقلت " ما رأيك ؟ "
نظرت لها وقلّبت يدها في كل اتجاه ثم نظرت لي وقالت مبتسمة " جميلة
لكن سعتي أجمل ولن ألبسها "
ضحكت كثيرا وقلت " جامليني على الأقل يا حمقاء "
ضحكت وقالت " هل تريد أن أكذب عليك ؟ وهل ستصدقني إن قلت لك أنها
أجمل من الساعة التي أهدتها لي دُرر من ساعات محل زوجها ؟ "
ضحكت وعضضت خدها عضة خفيفة وقلت " بالطبع لن أصدق فساعات
محله كلها فاخرة لن أقدر عليها "
مسحت خدها تنظر لي بضيق وقالت " وهذه ثمن الساعة أم عقاب
على كلامي "
ضحكت مجددا ووزعت قبلاتي على وجهها ثم قلت ناظرا لعينيها
" هل أخبرك أحدهم قبلي أنك جميلة ؟ "
قالت مبتسمة وأصابعها تعبث بزر قميصي " من النساء تقصد أم الرجال ؟ "
قلت من فوري " من النساء كنت أعني لكنك فتحتِ على نفسك باباً سيئا "
ضحكت ونظرت لوجهي وقالت وأصابعها تداعب لحيتي الخفيفة
" من النساء كثر أما الرجال فواحد قبلك أنت "
نظرت لها بضيق وقلت " من يكون ؟ وويلك مني يا ترجمان "
ضحكت وقالت ويدها انتقلت من وجهي لعنقي " ألا تثق بي ؟ ثم ما كان
ماض لا تحاسبني عليه , هل حاسبتك أنا على ماضيك أو سألتك عنه ؟ "
قلت بجمود " من هوا ؟ "
ضحكت مجددا وقالت وقد وصلت أصابعها لقفا عنقي مزلزلة خلايا جسدي
بأكملها هذه العابثة الصغيرة " كان شابا في الجامعة جميع الفتيات تقريبا كن
معجبات به ولم أكن أطيقه فقالت إحداهن ( أنتي تتعمدين قول هذا لأنك تعلمين
أنه لن يلتفت لك ) فكبر الموضوع في دماغي وتحديتها وجعلته يعترف أمامها
بأني جميلة وأعجبه أيضا "
طوقت خصرها بذراعي مقربا لها لي أكثر وقبلت شفتيها قبلة صغيرة
وقلت " ثم ماذا حدث ؟ "
ضحكت ضحكة خفيفة وقالت هامسة محركة أنفها على خدي " لا شيء "
قلبتها وأصبحت فوقها وقلت ناظرا لعينيها " كيف جعلته يعجب بك ؟ تكلمي "
ضحكت وقالت وذراعيها تتعلقان بعنقي " لم أفعل شيئا , هوا قال أني أعجبته
من أول مرة رآني فيها في ملعب الكرة وأنه يعشق الفتاة الشجاعة
القوية المرحة وفقط "
قلت من فوري " وماذا حدث بعدها ؟ "
قالت مبتسمة تشد وجهي ناحيتها أكثر " أخبرته أنه لا يعجبني وأني تحديت
زميلتي فقط , وخرج من الجامعة بعدها لأنه كان في سنته الأخيرة "
قبلتها بعمق ثم قلت " قلتيها له هكذا بصراحة "
ضحكت وقالت " نعم فهوا مغرور معجب بنفسه كثيرا ولا يعجبني
وكانت الطريقة المثلى لأتخلص منه فهوا طلب أن نلتقي بعد نهاية
العام التي كانت قريبة , فجمع كرامته ورحل للأبد "
اقتربت من شفتيها مجددا فقالت " هناك أمر آخر إياس انتظر "
ابتعدت قليلا ونظرت لها فقالت " المزرعة "
قلت باستغراب " ما بها ؟ "
قالت من فورها " أريد أن نعيش فيها هناك , تعجبني أجوائها
وتعجبني أنت وأنت مزارع "
ضحكت وقبّلت ذقنها وقلت " أيهما أعجبك بصراحة ؟ "
ضحكت وشدتني لها وهمست في أذني " يعجبني إياس المزارع وأريد أن
ننجب فريق مزارعين صغار ينتشرون فيها كالفراشات كل صباح "
ضحكت وضممتها بقوة وقلت " كنت أجمع المال لأشتري من شقيقاتي
ووالدتي حصصهن وتكون لي فاتركيني آخذ رأي والدتي فالمكان
سيبعدها عن ابنتيها وعليها أن توافق أيضا "
ثم ابتعدت عنها وقلت ويدي تعبث بفستانها " هل انتهينا الآن ؟ "
قالت مبتسمة " وأريد أن أعمل في المصرف هناك "
لم اجبها بل أمطرتها بقبلاتي المتتالية فقد فهمت جوابي , وما هي إلا
لحظات وطرق أحدهم باب الغرفة فهمست بحنق " سحقا , ومن هذا أيضا "
قالت بهمس " لابد وأنها غدير فحين لا يأتيها النوم تأتي لي ونسهر معا
ولنتمنى أنه ليس خالك "
قلت بذات الهمس " ومن كان في المرة الماضية ؟ "
قالت مبتسمة " كانت هي سمعت حركتك في الخارج وخافت فأخبرتها
أنه قد يكون قطا "
تنفست بضيق وقلت " ولما لا تخبريها الآن أن القط معك وعليها أن تغادر "
ضحكت وقبلتني بعنقي ثم دفعتني عنها قائلة " غادر هيا لا أريد أن تراك هنا "
تنهدت باستسلام وابتعدت عنها مغادرا السرير حتى كنت عند الغرفة
فهمست منادية " إياس "
التفت لها فأرسلت لي قبلة بشفتيها وهمست مبتسمة " أحبك "
نظرت للأعلى وقلت بأسى " يا ليلتك الليلة يا إياس "
طرق الباب مجددا فعضضت شفتي بغيظ وقلت متراجعا للخلف
" قادم بعد غد ولن نفتح الباب لأحد مفهوم "
وخرجت من الشرفة كما أتيت وغادرت نصف محروم كالمرة الماضية
وبما أنه غدا يوم عملي وهي على علم بذلك فراجع لك يا ترجمان
*~~***~~*
ما أن خرج توجهت للباب وفتحت لها فدخلت قائلة ونظرها على الشرفة
" جئت على الوقت "
ضحكت وقلت " بل تأخرتِ خمس دقائق يا محتالة "
ضحكت وقالت ناظرة للغرفة " ما هذا ! البارحة حرب أزرار والليلة قشور ؟ "
ضحكت ودفعتها جهة الباب قائلة " هيا لغرفتك سوف أهزمك الليلة أيضا "
قالت سائرة أمامي " لقد تدربت طوال النهار ولن تقدري علي "
دخلنا غرفتها وجلست أمام التلفاز ممسكة يد اللعبة الالكترونية وقلت
" عليا أن أجبرك على النوم بعد المغرب يوميا لتسهري معي ليلا "
جلست بجانبي وأمسكت يد اللعبة الأخرى قائلة " في منامك , اليوم من أجل
مخططك فقط فعلتها غيره لا "
ثم قالت ونظرنا معلق بالشاشة " لما تفعلين به كل هذا يا مشاكسة ؟
يبدوا يحبك فعلا ومستعد لفعل أي شيء "
قلت مبتسمة ومركزة مع اللعب " ليعلم طعم الشيء الذي لا يناله بسهولة
أريده أن يتعب أن يجن أن يتهور ويتلذذ بطعم الأمر أكثر , هكذا أريده
وهكذا يعجبني , ولازالت هناك مفاجئة ستكون القاضية ما أن يأتي غدا
فأنا أفهم فيما يفكر المخادع "
قالت بهدوء " تفكيرك غريب لكنه منطقي "
قفزت صارخة في مكاني " ياااااي حصلت عليها قبلك وسأهزمك "
قالت ضاحكة " لا أعلم كيف سيصبح المنزل بعدك يا ترجمان فأنتي الحياة فيه "
قلت مبتسمة " ستنجب لك والدتك مخلوقا صغيرا تتسلي به طوال اليوم "
ضحكت وقالت " لا أعتقد أن عمك سيتركني حتى أتنفس فوقه وهوا
يخاف عليه هكذا من قبل أن يراه "
قلت ضاحكة " أتوقع أن يعلق سريره في السقف عاليا كي لا
تلمسه يد أحد وتجرثمه "
ضحكنا معا واستمررنا في اللعب والضحك
*~~***~~*
شد ورقة المخطط نحوه جالسان فوق السرير وقال
" لا دُرة هكذا مستحيل "
قلت بضيق ويداي وسط جسدي " ولما ؟ أنا أريده هكذا وأنت قلت
أعطني رأيك وما تريدين "
أشار بإصبعه على المربع وقال " هذا لا يمكن تغييره , المساحة هنا
لا تناسب "
أبعدت يده وقلت ممررة إصبعي على الخطين " نلغي هذه ونضمها له
وسينجح الأمر "
هز رأسه بلا قائلا " سيفسد منظر المنزل بأكمله هكذا "
أحسست بوخز قوي فوضعت يدي على بطني وانحنيت قليلا متألمة
فأمسك بي وقال بخوف " دُره ما بك حبيبتي ؟ حسنا نفعل ما تريدين "
ضحكت بتألم وقلت " هذا أمر يحدث معي دائما أواس "
ثم شددت المخطط منه وقلت " ولا تنسى أنك وافقت "
ضحك وقال " أمري لله , أحبك ما سأفعل مع قلبي ؟ "
ثم أمسك بذراعي وشدني نحوه لأنام براسي على صدره وقال
" لما لم تشتري شيئا لابننا حتى الآن ؟ فوالدتك تشتكي منك "
حوطت خصره بذراعاي وقلت بحزن " لم أستطع , حاولت كثيرا ولم
يطاوعني قلبي أن أخرج وأشتري أغراضه وأنت لست معي وكنت
فكرت أن أطلب من ترجمان وسراب أن يفعلا هما ذلك "
قال ماسحا على شعري " إذا أفهم أنه عليا أن أجد وقتا لنخرج ونلف
المحلات ؟ فذوقك أعرفه صعب جدا "
دفنت وجهي في صدره وقلت " وحتى متى لن تجد لنا وقتا , أريدك
معي لوقت أكبر حبيبي أرجوك "
قبّل رأسي وقال " وأنا أريد ذلك أكثر منك وأفكر في ترك الشرطة فغرضي
من دخولها من البداية تحقق وعليا أن أتفرغ لكما وللقادمين بعده "
ابتعدت عنه ونظرت لعينيه قائلة " لا أواس لا تترك عملك وأنت ترقيت
فيه , أريد أن تدافع عن حقوق الناس وتحميهم دائما "
مرر أصابعه في شعري قائلا بابتسامة " ما الذي سيرضيك أنتي ؟ حددي "
ضحكت وقلت " أريدك بجانبي وشرطيا تطبق القانون وفقط "
ضحك وقبّلني وقال " فهمتك ... وطبعا اسلم تجارتي لوالدي وشقيقك وشقيقاي
وأنا أراقب سير العمل فقط جالسا في مكتبي وأنتي وأبنائك ملتفون حولي "
ضحكت وضممته بقوة وقلت " ها أنت فهمتها بسرعة "
قال ماسحا على ظهري " أعرفك دائما تفكرين بغيرك وتضحين من
أجلهم فما تغير الآن تحولتِ لأنانية فجئه ؟ "
ابتعدت عنه وأمسكت وجهه بيداي وقلت ملصقة أنفي بأنفه " كل شيء
لوحده وأنت لوحدك , أنت لن أكون أنانية ناحيتك فقط بل ومتملكة
وأريدك لي وحدي وبجانبي دائما "
أمسك وجهي أيضا وقبّلني بعمق ثم ضمني لصدره قائلا
" وأنا لك وحدك اطمئني "
ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقلت بتردد " أواس هل أسألك عن أمر
وليس شرطا أن تجيب عنه "
مسح على طرف وجهي بكفه وقال " ابتعدي عن المأساة التي عشتها بعيدا
عنك لأني لا أريد التحدث عنها والباقي اسألي "
نظرت ليداي في حجري وقلت " وجد كانت متآمرة مع رجال جدي و...
أعني ما كان يحدث بينهم وأنت كنت تعلم وأخبرتني أنك لم تكن ..... "
وضاعت الحروف مني ولم أعرف ما أقول فمد أصابعه لذقني ورفع وجهي له
وقال بجدية " فهمت ما تعني يا دُره ولا تدعي للشيطان مسلكا بيننا حبيبتي
فأنا كنت صادقا حين قلت أني لم أكن أقربها أبدا "
فتحت فمي لأتحدث فقال من فوره " وضعت لي جرعة بسيطة من مخدرات
في العصير وغبت عما حولي وحين أفقت أخبرتني بما حدث بيننا وأنها نقلت لي
المرض وظهر في النهاية أنها خدعتني وأن الجرعة كانت زائدة وسببت لي
الإغماء التام ولم أقربها , هذا فقط حبيبتي فلا تشغلي بالك بالتفكير فيما مضى "
حضنته بقوة وقلت " حمدا لله أواس كدت أخسرك بسببها للأبد "
*~~***~~*
نظرت لهاتفي أمام وجهي نائمة على الأرض طبعا وعلى فراشي القديم الذي
نمت عليه هنا لأشهر وفي ذات الغرفة , تنهدت بأسى وانقلبت على ظهري
ونظرت للسقف أستمع لحركته في المنزل فهوا عاد منذ قليل من عمله وتناول
فطوره الذي وجده جاهزا وسينام الآن لوقت الظهر لأنه عاد متأخرا على غير
العادة سابقا حيث كان يرجع بعد الفجر بقليل , ولأني طبعا لازلت غبية وقلبي
غبي مثلي لم أستطع النوم وهوا لم يأتي , تنهدت تنهيدة جديدة طويلة حارقة
أشعر بها خرجت من أعماق قلبي , لما أنا وحدي من بيننا ثلاثتنا بقيت وحيدة
منبوذة مرمية في غرفة لوحدها وعليها أن تُنزل كرامتها وتدوس عليها إن
كانت تريد أن تكون بقربه ؟ حتى ترجمان رغم كل شيء يجري هما متفاهمان
ومتصافيان وعمها فقط الحائل بينهما وسيزول في أي وقت ووحدي من ستبقى
هنا وهكذا أبكي حظي وأبكي الماضي وما حدث لي فيه , أغمضت عيناي ببطء
وتذكرت تلك الأيام قبل أن أعلم بأوراق المحامي , حين كان يتحايل لاختطاف
القبلات الصغيرة مني واحمرار خداي خجلا منه ومن لمساته , كنا أنقياء حقا
وكانت أياما جميلة لم تدخلها أي شوائب رغم كل ما حدث قبلها , أما الآن فقد
بنينا حواجز كثيرة يرفض كل واحد تدميرها قبل الآخر , بل أراه تأخر كثيرا
ولم يعد يجدي فتح شي منها الآن , ارتجف جسدي بأكمله على صوت الرسالة
التي رنت بجانب أذني فرفعت هاتفي وفتحتها لأجلس بشهقة مصدومة ما أن
قرأت أحرفها جيدا
نهاية الفصل ...... موعدنا القادم الأحد إن شاء الله
حاولت أقدم التنزيل تحسبا لشوتات المنتدى لي