الفصل الحادي والخمسون
" ما رأيك أنت يا قصي ؟ "
نظرتُ لها بعدما أعادتني من شرودي في الواقفة بعيدا وحدها ثم قذفت
قطعة الحطب في النار أمامنا وقلت " الرأي رأي دُرر ولن أجبرها
على شيء وأنا حي أتنفس "
قالت خالتي بضيق " ويعجبك حالها هكذا ؟ "
مررت أصابعي في شعري ممسكا لرأسي على صوت جدتي قائلة
" بقي على ولادتها ثلاث أشهر فقط وما تزال تعيش في حزنها القديم
وأنت تتفرج عليها وتعلم أنها تحترمك وتقدرك ونراك ترفض مجرد
إقناعها والضغط عليها "
نظرت لها وقلت بضيق " إذا أتركوا الأمر حتى ولادتها لما الاستعجال ؟
أقسم أني لازلت حتى الآن أعض أصابعي ندما على سماعها ما قلت لكم
يومها , ولو أنها ماتت وابنها حينها لا أعلم ما كنت سأفعل في نفسي "
قالت أمي بحزن " كانت ستعلم إن عاجلا أو آجلا فالموت أمر
لا يخفى مهما طال الوقت "
قلت بقهر " كانت على الأقل أخذت وقتا كافيا ونسيت قليلا أو تلهت
بابنها , أنظري لحالها وكأنها لم تسمع شيئا مما قلناه , ولازالت
في جنونها القديم "
قالت أمي " وما الرأي الآن ؟ "
قلت بجدية " الرأي رأيها لا نقاش في هذا "
وقف حينها غياث الصامت طوال الجلسة وغادر بخطوات بطيئة حتى
ابتعد فقالت خالتي ناظرة له " كنتَ راعيت مشاعره على الأقل "
قلت بضيق " وما قلت أو فعلت ليغضبه ؟ ابنك يتحسس من كل شيء "
قالت جدتي بهدوء " هوا يضن أنكم ترفضونه بسبب ماضيه
الذي تعلم أنه لا يد له فيه "
تنفست بقوة مهدأ نفسي وقلت " جميعنا نعلم أن غياث سجن في الأكوادور
ظلما ولم تكن له علاقة بتلك القضية والمخدرات وضاعت سنين حياته
في السجن ولم أعتبر ذلك عيبا فيه أبدا "
قالت خالتي " إذا ما المانع أن تقنع شقيقتك لتوافق عليه ؟ فهوا
لم يقرر الاستقرار إلا بعدما رآها وقرر الزواج منها "
قلت بنفاذ صبر محاولا إخفائه قدر الإمكان " خالتي افهميني أرجوك
وارحموني جميعكم , فإن ضغطنا عليها فسنؤذيها أكثر , أتركوها تلد
ابنها ثم لكل حادث حديث , لما الاستعجال وهي ما تزال في عدتها "
قالت أمي بحزن ناظرة لها حيث تقف أمام الموج " لعلهما يكونا تضميدا
لجراح بعض يا قصي ونرى على الأقل ابتسامتها التي ماتت من أشهر "
وقفت وقلت منهيا الأمر " إن وافقت هي فلا مانع لدي ولا تضغطوا عليها
أو قسما رفضت أنا الموضوع جملة وتفصيلا "
ثم غادرت من عندهم بخطوات غاضبة , لو أجد سبيلا للتفاهم معهم ؟ ألا
يرون حالتها وصحتها المتردية ؟ ألا يفكرون إلا في غياث وبقائه وما يسعده
ويريده متجاهلين حالتها وما مرت وتمر به وهي لازالت لم تنساه دقيقة ولا
تتوقف عن ذكره وتذكره والبكاء عليه , لو كنت أعلم أن زواجها منه سيكون
حلا لها ويخرجها مما هي فيه أقسم كنت سعيت له بنفسي لكني لا أراه سوا
حل فاشل ستدفع هي ثمنه وغياث قبلها
*~~***~~*
أبعدت الأوراق وصففتها جانبا وقلت محدثة الجالسة على نفس طاولتي
لكن تبعد عني بمسافة " أجمل الأيام هي أيام منتصف الشهر لا ازدحام
ولا نقود , لقد كرهت رؤية العملات النقدية "
ضحكت وقالت بصوت مرتفع قليلا لأسمعها " أنتي أول فتاة تعمل هنا
أراها تكره أيام تسليم الرواتب ووقوف الشبان صفوفا أمام نافذتها "
تمتمت ببرود " غبيات هوا سيأخذ نقوده ويتركها خلف ظهره "
عدت بعدها لملئ الأوراق الموجودة أمامي حتى سمعت طرقات على الزجاج
المقابل لي فرفعت رأسي ونظرت للواقف فوقي كالعادة ببذلة الشرطة فقلت
ببرود " أنت لما تحب الهرب من عملك دائما ولا تظهر لي في أي
مكان إلا ببذلتك هذه ؟ "
أمال وقفته متكأ على حافة الطاولة لأنها مرتفعة وقال مبتسما
" يبدوا أن شيئا ما في المركز يذكرني بك "
قلت بابتسامة ساخرة " الأزهار أمامه بالتأكيد "
ضحك وقال " بل أنا أراك أجمل منها "
عدت بنظري للأوراق وقلت ببرود " نعم صدقتك "
قال بذات صوته المبتسم " لما لا تقولي أني أشتاق لك "
قلت دون أن أرفع نظري له " إياس أنا في مكان عملي إن كنت لا تعلم
ولا مزاج لي لك فتوقف عن إزعاجي ولحاقي لأي مكان أكون فيه "
قال من فوره " ومن قال أني ألحق بك ؟ أنا جئت أريد فتح حساب
في مصرفكم "
رفعت نظري به مجددا وقلت بسخرية " أعتقد أنه أنتم الشرطة لكم قسم
مخصص في وزارة المالية ورواتبكم تسلم لكم هناك فما تفعل بحساب
عندنا هنا أو عند غيرنا "
انحنى متكأ على الطاولة بمرفقيه حتى أصبح وجهه مقابلا لوجهي وقال
" وهل الحساب لينزل فيه الراتب فقط ؟ أريد أن أضع فيه نقودي "
ضحكت ضحكة صغيرة ساخرة وقلت " ظننتك ستخشى أن أعلم
كم لديك "
قال مبتسما " لم تسأليني لكنت أخبرتك "
أشرت بقلم الحبر في يدي خلف كتفه وقلت " اذهب هناك وخذ
ورقة من المرأة تلك وأملئها "
ثم أشرت للجالسة بجانبي على مسافة مني وقلت " ثم توجه لتلك
الفتاة فعملها نفس عملي ولا تعُدْ جهتي مجددا "
ذهب من فوره حيث قلت له ونظري يتبعه , هذا من أين علم أني عملت هنا
وأنا لم أداوم إلا من أسبوعين ولثلاث أيام في الأسبوع ؟ والغريب أنه لم ينتقد
ما فعلت وعملي هنا دون أخذ رأيه ؟ ومؤكد يعلم أني لازلت حتى الآن أقود
السيارة والكارثة أن يكون يعلم بباقي نشاطاتي وصامتا عنها أيضا , عاد
بالورقة ناحيتي وما أن وصل عندي حتى قال " آه نسيت قلتِ أنه
عليا الذهاب لتلك الفتاة "
ثم غمز بعينه وقال " جيد فرصة لأتعرف عليها تبدوا عينيها زرقاء "
نظرت له بصدمة واستللت الورقة من يده قائلة " هات هذه وسأعكر
عليك كما تعكر عليا يومي ومزاجي "
ضحك وعاد للاتكاء على طاولتي قائلا " جيد أنك أخبرتني
ظننتها غيرة فقط "
نظرت له ببرود ثم للورقة ثم عدت بنظري له وقلت بصدمة
" فارغة !! لم تملئ شيئا "
وقف على طوله وأدخل يده لي من الفتحة المربعة في الزجاج أمامي
وأمسك أنفي ثم أبعد يده سريعا وقبل أصبعيه وقال " جئت لأراك
فقط قطتي "
نظرت له ببرود فقال " أمازلت تحتفظين بمشرط في حقيبتك "
نظرت له بضيق فها قد عاد لعاداته القديمة التي ظننتها اختفت وعاد
للسخرية مني , كنت سأتحدث لكنه غادر قائلا " لا تخرجي من
دونه أبدا ولا تبعديه عنك في أي مكان "
ثم غادر خارجا ونظري يتبعه باستغراب حتى شعرت باليد التي
لفّتني ليدور بي الكرسي نصف دورة وقالت الواقفة أمامي بابتسامة
واسعة " أمسكتك وعليك أن تعترفي "
نظرت لها باستغراب فغمزت لي وقالت هامسة " رأيته مرتين
واقفا بسيارته خارج المصرف وغادر بعد خروجك وها هوا
اليوم دخل لك فمن يكون ؟ "
نظرت لها ببرود وقلت " حبيبي الذي يخدعني ولن يكون خطيبي "
ضحك وقالت " كاذبة وقلت اعترفي بسرعة "
أدرت كرسيي كما كان وقلت " زوجي فابتعدي عني وعودي لعملك "
شهقت بقوة وقالت " ذاك زوجك !! "
هززت رأسي ولم أعلق فقالت متوجهة لمكانها " أقسم لو كنت
مكانك لكنت عاقبته على دخوله هنا ببذلته ووسامته تلك , سحقا
لحظي الأشعث لما لست جميلة مثلك "
هززت رأسي بيأس مجددا ونظرت لساعتي , بقي عشر دقائق فقط
وينتهي الدوام , جيد لا يبدوا لي العمل ممل كثيرا هنا
*~~***~~*
مر شهران بعد ذاك اليوم الذي وصلتني فيه رسالة آسر وذهبت لمنزل العم
صابر وتلقيت تلك الفاجعة التي اكتشفت أنها لم تكن سوا ( والدتي ) ... نعم
فهي ذهبتْ لزيارتي هناك وتقابلت وآسر عند الباب ودخلت معه وعلِمَتْ منه
حينها أني انتقلت من المنزل وهي من جلبت معها الهدايا للأطفال , مؤكد
تريدون العودة لذاك الوقت لتعلموا ما حدث يومها , حسنا سأحكي لكم
( ما أن قالت إسراء جوابا عن سؤالي عن المرأة التي تحدثت معها
" لا أعرفها , هي الآن في الداخل "
فسألتها من فوري " وآسر هنا ؟ "
هزت رأسها بلا وقالت " غادر هوا وبابا "
دخلت حينها من فوري وما أن وصلت وسط المنزل حتى وجدتها تقف معهم
فوقفتُ مصدومة وغير مستوعبة لما يجري فهي منذ ذاك اليوم لم تتصل بي
أو هكذا هيئ لي حتى اقتربت مني قائلة بابتسامة حزينة ودموعها قد ملئت
عينيها " سراب ؟ كنت سأذهب لمنزلك للتو بعدما أخبرني آسر عن مكانه "
وصلت عندي وضمتني بقوة وأنا جامدة مكاني حتى ابتعدت عني وأمسكت
وجهي وقالت بحنان " جئت لأكون معك يا سراب ولن أتركك يا ابنتي "
نظرت لها بصدمة ثم قلت بهمس لا يسمعه سواها " جئتِ من أجلي أم
هوا من طردك ؟ "
هزت رأسها بلا وقالت " وافق على أن أزورك وتزوريني متى ما تريدين
لكني أريدك أنتي ابنتي وأخبرته أني سأفعل ما يرضيك أنتي وسأبقى
معك وأتركه إن كان هذا شرط رضاك عني يا سراب "
نزلت دمعتي من فورها وقلت ممسكة عبرتي " وكيف غيّر رأيه فجأة ؟ "
أنزلت يديها من وجهي لذراعاي وقالت " كنت على اتصال دائم بزوجك وآخذ
أخبارك منه ووعد بمساعدتي وهوا من تحدث مع زوجي وأقنعه وبما أنه زوجك
وضابط شرطة وشهد لك أمامه ووبخه أيضا على حرماني منك وحرمانك مني
وافق أن أزورك وتزوريني بما أنك متزوجة لكني خفت أن لا يرضيك ذلك
وقلبي يحترق عليك من يوم رأيتك عند البحر ودمعتي لم تجف لذلك قررت
أن أكون معك إن كان هذا وحده ما سيرضيك وحتى حقائبي في السيارة "
ضممتها حينها بقوة وانخرطت في بكاء مرير لم أعرف حياتي بكاءً بكيته
مثله , كانت سعادتي ليس لأنها تركته من أجلي بل لأنها اختارتني على
السلطة على المال على حياة المترفة والغنى ولم تكن نسخة عني وعن زوجها
وزوج شقيقتها , وقد قضت معي بعدها أسبوعين ثم عادت لزوجها بإصرار
مني لأنه رضي بأن تزور كل واحدة منا الأخرى وكان يتصل بها طوال
الوقت ويريدها أن ترجع له ويجلبها متى ما أرادت رؤيتي , فأبعدت أنانيتي
جانبا رغم احتياجي الكبير لها لحضنها لوجودها معي طوال الوقت , لكنه
أيضا وحيد ولا أولاد له ويبدوا أنهما يحبان بعضهما ومن الخطأ أن
أكون العثرة في طريقهما والتي ستفرقهما لآخر العمر
أما ذاك المخادع آسر فقد كان مسافرا بالعم صابر ليجري له عملية لساقه
التي كان يوجد احتمال ضعيف في أن تسترد عافيتها وفي حال نجاحها
سيجرون أخرى لساقه الثانية ليثبتوا فيها ما يشبه الدعائم ليتمكن من المشي
بها مع الساق الأخرى بواسطة العصا الطبية وهم هناك الآن من قرابة
الشهرين بعدما نجحت العمليتان ويخضع لتمارين المشي المكثفة وسيرجعان
خلال أيام , ذاك الأحمق باع كل شيء من أجل العملية التي وضع فيها كل
قرش يملكه ولم يكلف نفسه إخباري وأنا أسأله , والكارثة ليست هنا فقط فقد
علمت من المحامي أنه قبل يومين من قتله للأبقار والمواشي وإحراق الحقول
وإفساد جميع المنتجات اكتشف أن عمي كان يطعم مواشيه وأبقاره ويرش
حتى المحاصيل بمواد سامة ضارة تعمل على زيادة الحليب وسرعة نمو
القمح والشعير وزيادة حجمه ولا تظهر نتائجها على البشر إلا بعد أعوام
وإفساد جميع المنتجات اكتشف أن عمي كان يطعم مواشيه وأبقاره ويرش
حتى المحاصيل بمواد سامة ضارة تعمل على زيادة الحليب وسرعة نمو
القمح والشعير وزيادة حجمه ولا تظهر نتائجها على البشر إلا بعد أعوام
عديدة وحتى لجنة الفحص الطبي لن تكتشف ذلك لذلك فعل ما فعل وتخلص
منها جميعها وكعادته أخفى كل ذلك عني وكأنه يضعني في اختباره ذاك
مجددا وقد كلّف المحامي بأن يخبرني بعد سفره , ذاك الأحمق المعتوه
المغفل , كلما سألته سابقا لم يجب وقال أنتي من يفهمني دون كلام ينتظر
رأيي أنا ليعاود معي ما فعله سابقا حين أرميه باتهاماتي ثم أكتشف كل هذه
الحقائق ونرجع لموالنا القديم , وقد رحمني الله أني لم أتحدث ولم أرمه بكل
تلك الأفكار التي زارتني عن أسباب ما فعل ولم أتصل به قبل سفره كما
طلبت مني ترجمان , لكني لن أغفرها له لن أسامحه عليها ولن أركض
له أستجدي مسامحته كالمرة الماضية ولا يحلم بها مني فبِصمتي عنه
أصبح هوا المخطئ الآن , ولم أتصل به ولا مجرد اتصال وهوا هناك
رغم أن والدتي أخبرتني أنها تتصل به وسألها إن طلبت منها رقم هاتفه
هناك أم لا وأنا لم آخذه أبدا ولن أفكر في فعلها مهما اشتقت له وطال
غيابه وسأقتل هذا الغبي المسمى قلب إن أجبرني على فعلها
شعرت بشيء انغرس في شعري من الخلف وأنا جالسة أمام النافذة
أراقب الشارع بشرود فأخرجته منه ورميته بعيدا وقلت ببرود
" أنتي ألا تخبريني كيف تدخلين المنزل والغرفة دون أن أشعر
بك ؟ وأرى زوجك تأخر عنك كثيرا "
قالت من فورها " لا زوج لي ولن أفارقك ما حييت "
قلت ونظري لازال في الخارج " يبدوا لي يحتاج طبيبا فليس طبيعيا
أبدا ؟ مؤكد يعلم أنك سجلتِ في مركز تعلم القيادة لتأخذي الرخصة
وانضممتِ لنادي فروسية وآخر لكرة الطائرة وتعملين في مصرف
وهوا وكأن الأمر لا يعنيه "
سمعت صوت قفزتها على السرير وقالت " بل أنتي التي أراك منذ
علمنا بموعد وصول حبيب القلب شاردة الذهن وفي عالم آخر تماما "
وقفت والتفت لها وأمسكت خصري وقلت بضيق " ليس حبيب القلب
ولا يعنيني إن عاد أو عاش هناك "
صفقت وقالت " لن أدع لقائكما يفوتني أبدا "
أخذت الوسادة من سريري ورميتها عليها قائلة " هذا إن تقابلنا أساسا "
رمت الوسادة عنها وأمسكت حقيبتها وفتحتها وقالت وهي تحركها
وتنظر لداخلها " هل تذهبين معي لمصففة الشعر "
قلت باستغراب " هل ستقصين شعرك "
أخرجت بعض النقود من الحقيبة وقالت " غبية منذ متى كنت أقصه ؟
أريدها أن تقص لك أنتي شعرك لتستقبلي سيادة السيد لص "
كنت سأتحدث فسبقتني قائلة " مؤكد ستذهبين لرؤية العجوز بعدما استعاد
عافيته وسنختار وقتا يكون فيه ذاك الأحمق هناك وستذهبين في قمة
تأنقك وستتجاهلينه لنحرق له قلبه "
كتفت يداي لصدري وقلت " ولما لا تفعليها أنتي لزوجك وتحرقي قلبه "
قالت مغادرة السرير " دعك مني الآن , أنتي من لم يراك من شهرين
وتتجهزين لعقابه على ما فعل ذاك الكاذب فدعينا نتسلى به قليلا "
اعتكفت في مكاني ولم أتحرك فوقفت خلفي ودفعتني جهة الخزانة قائلة
" تحركي يا حمقاء وحاذري أن ينقلب السحر على الساحر فسأريك حينها "
*~~***~~*
رمى خيط صنارته جالسان على المرتفع الصخري وقال مبتسما " هذه
المرة من سيصطاد السمكة الأولى هوا من يطهوها "
ارتسمت ابتسامة طفيفة على وجهي وقلت منشغلا بوضع الطعم
" يعني أنا من سيفعل ذلك في كل الأحوال "
ضحك وقال " تعجبني طريقتك في إعداده "
نظر لي بعدها وقال " أمازلت غاضب من كلامي ؟ "
رميت بخيط صنارتي وقلت بهدوء " لا أبدا "
تنهد وقال " لم أقصد أن أقسو عليك لكن حالك لا يعجبني
أنت تظلم نفسك بنفسك يا رجل "
لم أجب ولم أعلق فقال ونظره مثلي لعرض البحر " لما لا تراهم
ولو من بعيد يا أواس , سترتاح كثيرا برؤية أهلك وزوجتك "
ابتسمت بألم وقلت " بل وقتها سأدمر نفسي أكثر "
تنهد وقال " لما طلبت مني أن أرسل الظرف الذي أردت أن يصلهم
بعد موتك ؟ لماذا فعلتها قبل الوقت الذي حددته ؟ "
حركت بكرة الصنارة وقلت " هل تعلم أن مرضي يحتاج لثلاث
سنين لتبدأ أعراضه الفعلية بالظهور "
لم يعلق فتابعت بأسى " هل سأربطها بي فوق الثلاث سنين ؟ ذلك
ظلم في حقها وأنانية مني "
قال بحيرة " وطاوعتك نفسك على تركها لغيرك ؟ كنت أجزم
أنك لن تستطيع فعلها "
ابتسمت بألم ولم أعلق , ماذا أقول لك يا صديقي ؟ ليتك تعلم بما يخفي هذا
الصدر لما سألتني , أقسم أن فكرة أن تكون لغيري وأن تنام في حضن رجل
آخر وحدها ما ستعجل في موتي قبل أوانه وهذا أكثر ما يمسكني عن التقصي
عنها .. عن رؤيتها ولو من بعيد .. عن إطفاء نار شوقي لها التي باتت تحول
جوارحي لرماد , ليت العمر بيدي ليت الموت يمكن استدعائه لرحمت نفسي
به , فكلها شهور فقط مرت أشعر أنها بعمري الذي عشته كله , شد صنارته
بقوة وقال بحنق " سحقا انقطع الخيط "
لفها ثم وضعها جانبا وقال " ألا تشعر بالملل من هذا الكوخ والمكان ؟
لو كنت مكانك لمت من الوحدة "
قلت ببرود " ها أنت تسليني أحيانا , وكل ما بث أخشاه أن أفقدك أيضا "
قال بضحكة " لا أنا لن أتركك مادمتُ حيا يا أواس "
شددت الصنارة بقوة وقال هوا بحماس " أجل لا تتركها تفلت منك يا
رجل لقد أمسكت بها "
تركت لها الخيط قليلا ثم شددتها بقوة ورفعت الصنارة وبدأت بسحب
الخيط الذي ارتفع كاشفا عن السمكة متوسطة الحجم فصفق وقال
" عشائنا سمك مشوي إذا "
أمسكتها لحظة اندفاعها نحوي وأخرجتها ووضعتها في الصندوق الموضوع
بيننا لازالت تهتز وتقفز وقلت " ألا تخشى من الاحتكاك بي يا مينه "
نظر لي وقال " لا ولما سأخشى منك فهل السعال والتنفس معدي "
قلت بابتسامة جانبية " البعض يخاف حتى من الاقتراب من أمثالي "
اتكأ للخلف مستندا بيديه ورائه وقال " هناك شقيقتان مصابتان بذات مرضك
الجميع يعرفهما في المنطقة وتحولتا لتسلية للمصابين أمثالهم يأتوهم من
أماكن مختلفة , قد ترغب في بعض التسلية والترويح عن النفس "
نظرت له بصدمة وقلت " ما قصدك بهذا ؟ "
نظر لي وقال " أريد فقط أن أخرجك من عالمك الكئيب هذا فما رأيك ؟ "
قلت بضيق أقرب للغضب " أزني !! ومع من مع فاجرات ؟
أي وجه سأقابل به الله حينها "
قال ببرود " عرضت عليك الأمر وأنت رفضت وانتهى لما
كل هذا الغضب "
رميت خيط الصنارة مجددا وقلت بامتعاض " نعم ما سأتوقع
من رجل مسيحي غير هذا وأكثر "
قال بضيق " وما بها المسيحية , نحن أيضا مُحرّم عندنا الزنا "
ابتسمت بسخرية وقلت " واضح جدا من عرضك المغري لي "
قال بذات ضيقه " وأنتم تزنون أيضا وهوا مُحرّم عندكم "
قلت ببرود " لما لا ننهي النقاش في هذا الموضوع العقيم الذي لا
يجدي في شيء ككل مرة "
تأفف وقال " أنتم هكذا المسلون متعصبون ولا تعترفون بأخطائكم "
قلت بهدوء " على الأقل لم ننسب لله ولدا وكتابنا لم يدخله التحريف "
وقف وقال " هل تعلم ؟ فلأذهب لعملي خير لي كي لا نتشاجر مجددا "
شددت خيط الصنارة الذي خرج بسمكة أخرى وقلت " ظننتك
ستتناول العشاء معي "
رفع الصندوق مستقبلا لها فيه وقال مبتسما " أجل كيف نسيت "
فوقفت قائلا " أكثر ما يعجبني فيك أنك ترضى بسرعة مثلما
تغضب سريعا "
ضحك ورفع صنارته وقال سائرا بجانبي " ليتك زوجتي التي
تركتني بسبب سرعة غضبي ولم تلتفت لحسنتي الأخرى "
نظرة للصنارة في يدي وقلت بحزن " الخطأ بها وليس بك فزوجتي كانت
ترى من سرعة غضبي ألوانا ولم تتركني ولم تتخلى عني لحظة "
تنهد وقال " يبدوا ثمة من حسدك على حياتك "
ابتسمت بألم ثم نظرت له وقلت " ظننت لوهلة أن المكافئة الموضوعة
لمن يجدني ستغريك وتشي بمكاني "
ضحك وقال " لو لم تخبرني قصتك وأسبابك لكنت فعلتها فالمبلغ
مغري بشكل غير طبيعي يا رجل "
نظرت للكوخ الذي تراءى لنا من بعيد وقلت بألم " هل لديك علم أنه كل
ما تركته لها , لم تأخذ منه شيئا ووضعته مكافأة لمن يجدني "
قال بصدمة " زوجتك من فعلت ذلك !! "
نظرت لحركة قدماي ولم أتحدث فقال بحيرة " ألا ترحمها هي على
الأقل يا أواس وهي تبحث عنك هكذا ؟ "
قبضت بيدي بقوة على عصى الصنارة التي أمسكها وقلت بحرقة " هي لا
تعلم عن وضعي وحالتي لكانت يئست مني كما يئست أنا من نفسي ومن
أن أقترب منها مجرد الاقتراب ويكفيني بهذا أن أعلم أنها لم
تكرهني ولم تلقي باللوم علي "
تنهد بحزن وقال " فكر بها وطمئنها عليك على الأقل "
قلت مغيرا الحديث ونحن نقترب من الكوخ " لم تخبرني ما قصة تلك
الأعشاب التي تجمعها بتلك الطريقة الغريبة "
قال من فوره " هذه الأعشاب لا توجد إلا قرب هذا الشاطئ وتستخدم فور
قطافها بطحنها فورا واستخدامها مباشرة أو لن تجدي ويسمونها عشبة
الحياة لإنقاذها أجنة الحوامل "
قلت ساخرا " وهل تصدق فعلا أنه ثمة ما يمسك الموت "
قال متجاهلا ما قلت " لقد وجدت طريقة لنقلها مسيرة يوم فهل تخرج معي
وتساعدني وتغير هذا المكان ؟ كلها بضعة أميال قليلة فقط , على الأقل
ترى بشرا غيري وإن من بعيد "
تابعت سيري ولم أجبه فقال بإلحاح " الأمر مسلي وقد تساعدني دائما
وتجد فيما تمضي بعض الوقت "
*~~***~~*
خرجت من الحمام أستند بكل ما أمر به حتى وصلت السرير وارتميت عليه
وهذا حالي من الصباح أشعر بمعدتي ستتمزق ولم أتوقف عن التقيؤ رغم
خلوها وهذا ما يزيد حالي سوءا ولا أعلم ما بي من أيام أشعر بهذه العوارض
التي ازدادت اليوم , سمعت باب الغرفة انفتح وأنا لازلت منكمشة تحت الغطاء
وشعرت بثقل جلس على السرير ظننتها غدير فرِفعت لا يأتي هذا الوقت حتى
وصلني صوته الرجولي وشعرت بثقل يده على كتفي قائلا " خديجة ما بك ؟
غدير قالت أنك متعبة اليوم "
قلت من تحت اللحاف " ما كان عليها جلبك وإقلاقك , يبدوا أنها
نزلة برد أصابت معدتي وسأكون بخير "
قال بحيرة " وكيف تكون هذه ؟ لا أرى بطنك مكشوفا للبرد
ونحن في الربيع الآن "
ضحكت رغما عني ضحكة متعبة زادت من ألامي وقلت " لا ليست
كما فهمت , هي كأكل أو شرب شيء بارد على معدة ساخنة "
قال من فوره " قفي هيا آخذك للمستشفى "
قلت باعتراض " لا داعي لذلك سأتحسن بعد قليل "
قال بضيق " اسمعيني جيدا , أكره شيء عندي رفضكن النساء الذهاب
للمستشفى وأنتن متعبات , كم تعشقن هذه الحركة "
شعرت بشيء وخز في قلبي وكأنه نصل خنجر فلأول مرة أستشف من
حديثه شيء عن زوجته السابقة وعن طباعها حتى إن كانت ما يكره , ما
بك يا خديجة ؟ ما شعور التملك الجديد هذا ؟ هل ستغارين من امرأة طلقها
من أعوام طويلة ؟؟ شعرت بنوبة القيء عادت لي مجددا فغادرت السرير
راكضة للحمام ولحق هوا بي وكالعادة لم يخرج شيء سوا روحي التي
شعرت أنها ستنسل من عروقي فأمسك كتفاي وأوقفني وخرج بي من
الحمام قائلا " البسي عباءتك وحجابك وستذهبين معي دون نقاش "
تنهدت باستسلام وخرجنا بعدما لبستهما مستسلمة للأمر الواقع رغم
أني لا أرى الأمر يحتاج لذلك , لحقت بنا غدير للباب قائلة
" هل أذهب معكما ؟ "
قال رِفعت وهوا يفتح الباب " لا داعي لا تتعبي نفسك سنعود بسرعة "
ونظرت أنا لها نظرة لوم على جلبه من عمله وإشغاله بنا وأنا من طلب منها
أن لا تخبره فقالت بعد خروجه " آسفة أمي لو حدث لك شيء فمن يخلصني
منه ومن لوم نفسي "
تنهدت بضيق وخرجت على صوته المنادي لي وركبت السيارة وخرجنا من
هناك على رنين هاتفه وأجاب عليه وكان أحدهم يستعلم عن مكانه وكيف
يستطيع رؤيته , وما أن أنهى الاتصال قلت " ما كان عليك المجيء
كانت وعكة بسيطة وسأكون بخير "
قال ببرود " خديجة ماذا قلت هناك ؟ أم أعيده بطريقة لا تعجبك "
اتكأت على النافذة أمسك معدتي وغمغمت ببرود مماثل
" لا تحب هذه الحركات "
قال حينها بصوت مبتسم " ها أنتي ذكية وتتعلمين بسرعة "
قلت بشرود حزين ولازال نظري للخارج " رِفعت هل تفعل هذا
فقط لأني أمانة أواس لك "
تنهد تلك التنهيدة الحزينة كلما ذكرت له اسمه وقال " كيف افهِمها لك
أنتي يا امرأة ؟ هل أقولها بالانجليزية أم بالفرنسية أو الروسية لتفهميها "
قلت من فوري " لا أعرف أي لغة منهم "
ضحك وقال " إذاً أخرجي هذا الجنون من رأسك فمكانتك لدي
أكبر من وصية يتركها لي أحد "
شعرت بنفسي سأطير من سعادتي وقتها فبالرغم من شخصيته الهادئة الحنونة
لم يعبر عن شيء من هذا نحوي , كان يعاملني وكأني ابنته ووالدته وشقيقته
في آن واحد , معاملة لا تحلم بها امرأة من رجل فحتى إن تقلبت في الفراش
ليلا أكثر من مرة سألني ما بي وما يؤرق نومي ولا ينام حتى أنام قبله , لكن
أن يقول ما قاله الآن فأمر لم أعهده منه الثلاث أشهر التي عشت فيها معه
سويت جلستي قليلا واتكأت على مسند الرأس في الكرسي ومددت يدي ليده
وأمسكتها بقوة ناظرة له بابتسامة ملئها حنان وحب فنظر لي ثم للطريق , ثم
رفع يدي وقبلها وكنا حينها وصلنا للمستشفى ونزلنا ودخلنا معا ودخلت وحدي
للطبيبة التي أجرت لي الفحوصات وطلبت تحليلا مستعجلا وما أن جاءتها
الممرضة بورقة النتيجة ورأتها حتى نظرت لي وقالت مبتسمة
" ما عمر أكبر أولادك ؟ "
نظرت لها باستغراب وقلت " هي ابنة واحدة وعمرها
عشرون عاما الآن "
قالت وهي تكتب شيئا في الوصفة الطبية " عمرك ست وأربعون
عاما ولك ابنة واحدة وكبيرة , هل كان لديك مشاكل في الإنجاب
ولم تحملي كل هذه السنوات "
نظرت لها بريبة وبدأ شبح لشيء ما يلوح في أفق تفكري فقلت
سريعا مبعدة له " ما قصدك بكل هذا ؟ "
نظرت لي وقالت مبتسمة " قصدي مبروك أنتي حامل "
شهقت بقوة على ضحكتها هي والممرضة الواقفة بجانبها وقلت
بصدمة " حامل الآن ؟ في هذا العمر ! "
قالت مبتسمة " ولما لا ؟ فأكبر منك يحملون وتصل أعمارهن
للخمسين عاما , هذا أمر طبيعي جدا "
شعرت بحرارتي ارتفعت فوق ارتفاعها وبتعبي زاد أضعافا , ما هذه
المصيبة ؟ حامل في هذا العمر وأنا التي ضننت أن انقطاع دورتي الشهر
الماضي لأنها ستتوقف نهائيا لذلك تمر بهذه الاضطرابات , كيف سيستقبل
رِفعت هذا الخبر وهوا من لم يرزق بأبناء من زوجته السابقة وقد يكون لا
يريدهم لذلك طلقها ولم يتزوج بعدها ؟ لا أذكر أنه تحدث عنهم أو عن احتمال
وجودهم في حياتنا أبدا ولا حتى بالتلميح وكل ما كان يقوله ( غدير أعدها
ابنتي ولا أرضى لها إلا ما أرضاه لأبنائي لو كنت فكرت أن أرزق بهم )
مما يعني أنه كان رافضا لهم من نفسه , خرجت من عندها بعد سيل من
النصائح وقد حولتني لطبيبة نسائية متخصصة شكرتْها لي بما أن حملي في
سن متقدمة , وما أن خرجت ووجدته أمامي ووقعت عيني في عينه حتى
شعرت أني سأبكي من الإحراج , غادرنا من هناك ولم يسألني عن شيء
وهذا المتوقع منه , وما أن غادرنا بالسيارة حتى قال " ماذا أعطتك ؟ "
نظرت للوصفة في يدي وقلت " علاج للتقيؤ والغثيان وبعض الفيتامينات "
أردته أن يفهم من هذا التلميح ويعفيني من إخباره لكنه قال
" وماذا قالت سبب كل هذا ؟ "
لم أعرف ما أقول وبما أجبه فقال " لما أعطتك الفيتامينات ؟
هل غدائك ليس جيدا "
عضضت شفتي بقوة ونظرت للنافذة , يا إلهي هذا الرجل لا خبرة له في هذا
الأمر , ومن أين سيكتسبها إن كانت زوجته لم تحمل ويبدوا طلقها سريعا قبل
حتى أن تفكر في ذلك , قال عندما طال صمتي " هل قالت شيئا خطيرا ؟
تحدثي يا امرأة لا تتركي الهواجس تأكلني "
نظرت ليداي في حجري وقبضت على الورقة وبلعت ريقي وقلت بهمس
" قالت أني حامل "
لم أشعر حينها سوا بتوقف السيارة المفاجئ حتى كدت أصطدم بمقدمتها
من قوة اندفاعي على صوته المصدوم قائلا " ماذا ؟ أعيدي فيبدوا
أني لم أسمع "
نظرت له بخوف من النظرة التي رماني بها وقلت بتلعثم
" ولا أنا تــ ـوقــ ... توقعت ذلك لكنه حدث ومــ ... "
قاطعني بحزم " كيف حدث ؟ "
كنت سأتحدث لكنه انطلق بالسيارة بسرعة ولف من فوره عائدا بي
للمستشفى فأمسكت معدتي من فوري فيبدوا أنه سيطلب مني إنزاله
وهذا ما لم أحسب حسابه أبدا , ما أن اقتربنا من بوابة المستشفى حتى
قلت ودمعتي وجدت لها معبرا فوق خداي " رِفعت وحد الله , هذا الطفل
لا ذنب له يموت بدم بارد , أقسم أني لم أتوقعه ولم أحسب حسابه
وأنت لم تخبرني أنك ... "
حرك يده في الهواء وقال بضيق " أسكتي ولا كلمة "
اجتزنا البوابة ولم ندخلها وأنا أنظر لها باستغراب ووقف بالسيارة أمام عيادة
خاصة بالقرب منه فرفعت نظري للافتتها فورا فكانت متخصصة في النساء
والولادة فازدادت دموعي انهمارا فها هوا ما شككت به يتأكد الآن , صحيح
أني لم أتوقع هذا الطفل ولم أخطط له لكني لا أريد أن يموت , أنا حُرمت
منهم بعد غدير ليس باختياري بل رغما عني ولا يحق له أن يحرمني منه
بعدما جاء , نزل ودار ناحيتي وفتح لي الباب قائلا " انزلي "
نظرت له وقلت برجاء باكي " دعنا نرجع للمنزل وتهدأ وتفكر بروية أولا "
تأفف وقال " انزلي يا خديجة وتوقفي عن البكاء الآن "
مسحت عيناي بطرف كم عباءتي ونزلت أتبعه فلم يعد الأمر باختيار مثلما
لم يكن طوال حياتي , صعدنا السلالم وشعور الإغماء يزداد عندي وأنا أستند
بالجدران حتى وصلنا لغرفة طرق بابها وفتحه وقال ناظرا لي " ادخلي "
دخلت وجلست في الكرسي المقابل للطبيبة أمسح دموعي وجسدي يرتعش
بأكمله ودخل هوا معي ووقف بجانبي وهي تنظر لنا بحيرة حتى قال
" تأكدي من حملها وأريد نتيجتين وليس واحدة وبتحليلين مختلفين "
وقفت وقالت " حسنا ويمكنك الانتظار في الخارج "
قال من فوره " لن أخرج فقومي بعملك بسرعة "
تنهدت بضيق ثم أشارت لسرير خلف ستار مفتوح وقالت
" تعالي معي هناك من فضلك "
وقفت وتبعتها ونمت على السرير وكشفت عليا مجددا وطرحت عليا سيلا
من الأسئلة وعلى مسمعه طبعا وأجرت لي التحليلين كما طلب وأخذهما بنفسه
لمختبرهم وما أن خرج حتى قالت الطبيبة بضيق " هذا الحال دائما كلما
حملت امرأة كبيرة قليلا غضب الزوج وثار , مع أني أراك تبدين
أصغر من عمرك بكثير "
ضممت يداي لبعضهما أنظر لهما بحزن ولم أعلق ودخل حينها بالنتيجة
ينظر لها وهوا داخل ويقلب الورقتين حتى وصل عندنا ونظر للطبيبة
وقال " إيجابية في الورقتين "
قالت من فورها " نعم وواحدة كانت ستكفي "
توجه حينها للباب قائلا " اتبعيني يا خديجة "
فوقفت وخرجت خلفه بعدما تبادلت والطبيبة نظرات الاستغراب , لم يطلب
منها إنزاله !! لم يقل لا أريده فاقتليه ؟؟ لما جاء بي هنا إذا ولما تغير مزاجه
وانقلب للخبر , ركبت السيارة وانطلقنا في صمت من كلينا , هوا لم يتحدث
وأنا لم أجرؤ على ذلك مخافة أن يعود بي لها وأنا ما صدقت أن خرجت من
هناك كما دخلت , وصلنا المنزل وأنزلني أمام بابه الداخلي وغادر من فوره
على نظراتي المستغربة حتى خرجت سيارته وأغلق البستاني الباب وانفتح
حينها باب المنزل وأخرجت منه غدير رأسها قائلة بابتسامة " تأخرتما ؟
يبدوا أنكما ذهبتما للغداء في الخارج "
تنهدت بأسى وقلت متوجهة نحوها " نعم وعلى حساب أعصابي "
نظرت لي باستغراب وأنا أدخل ثم أغلقت الباب وقالت بقلق وهي تتبعني
" ماذا قالت الطبيبة أتعب أعصابك هكذا ؟ "
التفت لها وقلت بحزن " قالت أني حامل "
سرت أساريرها وحضنتني بقوة وقالت بسعادة " سيكون لدينا طفل
شقيق لي أنا , ياله من خبر رائع "
ابتعدت عنها وقلت وأنا أصعد السلالم " سأصعد لأنام فلا يزعجني أحد "
ما بك يا رِفعت هذه ليست أطباعك معي لقد قتلت حتى فرحتي به
*~~***~~*
وضعت يدي على كتفها وقلت " ألا تملين من مراقبة البحر
من هذه النافذة ؟ "
مسحتْ عيناها ولم تتحدث فجلست بجوارها وقلت " ارحمي
نفسك يا دُرر ولو من أجل ابنك الذي لا ذنب له "
نظرت ليديها في حجرها وقالت بغصة " ليثني أستطيع يا أمي "
تنهدت بحزن وقلت " وحتى متى ستستمرين على هذا الحال ؟ "
عادت بنظرها للنافذة وقالت ببحة بكاء " حتى أموت "
ضممتها لي ليتكئ رأسها على كتفي وقلت " لا قدر الله ذلك يا ابنتي
من سيربي ابنك يا دُرر ؟ هل يرضيك أن يُحرم من والدته أيضا "
قالت وقد عادت دموعها للنزول " مشتاقة له يا أمي وأحتاجه في
كل وقت ولحظة "
مسحت دمعة غلبتني وقلت " توجهي له بالدعاء يا دُرر فلن
يفيد بكائك عليه في شيء "
قلت ببكاء " ليته بقي معي حتى مريضا حتى نصف إنسان ولا
تركني وحدي هكذا أتعذب "
مسحتُ على شعرها وقلت بهدوء حزين " وقتها سيكون عذابك وعذابه
أكبر يا دُرر , لو كان يعلم أن بقائه حلا لما رحل "
بقيت على بكائها ولم تتحدث أكثر , انتقم الله منك يا علي رضوان ودمرك كما
دمرتهما , كما حولت حياتنا لجحيم قبل سجنك وبعده , لازلتُ لم أنسى ذاك اليوم
الذي سمعتْ فيه دُرر حديث قصي لنا عن أنه وجد زوجته وعن مرضها وكادت
يومها أن تفقد حياتها وجنينها لولا لطف الله بها وكادت بعدها أن تفقد عقلها وقد
مررنا بأيام لا يعلم قسوتها إلا الله ولولا الفتاتين اللتان تربت معهما وصديقتها
الجديدة التي جئنا هنا لبحر هذه المنطقة البعيدة برفقتها لكنا خسرناها للأبد
ولكانت الآن إحدى نزل مستشفيات الأمراض العقلية, والكارثة أننا لا نعلم حتى
الآن إن كانت أصيبت بالمرض أيضا أم لا ولا يمكننا أخذ عينة لفحصها لأنه
حسب كلام قصي فالقانون الجديد الذي أصدر من خمس سنوات أنه في حال
ظهرت الإصابة سيكون ملزما بتسليمها ولن نقبل مجرد فكرة أن يأخذوها منا
ويحجزوها وابنها في مركز المصابين بالإيدز , مؤكد زوجها لم يتركها إلا ليقينه
أنها ليست مصابة لكن ما يؤكد لنا ذلك وهوا غير موجود , ليت قلبي يطمئن عليك
سريعا يا ابنتي , أمسكت بيدها ويدي الأخرى لازالت تمسح على شعرها وقلت
" لا نريدك أن تغضبي من حديثنا في موضوع غياث يا ابنتي فكل ما
نفكر فيه ونريده سعادة كليكما "
قالت بحزن " إذا لا تفتحوه معي مجددا "
تنهدت وقلت " هل ستربطين نفسك به كل عمرك ؟ "
ابتعدت عني ونظرت لي وقالت بضيق " أمي كيف تطلبون مني هذا
وزوجي ما يزال على وجه الأرض ؟ وحتى إن دفنته بيداي تحتها
فلن أتزوج بغياث ولا بغيره "
قلت باستياء " ما هذا الكلام يا دُرر ؟ من مات بعد ميت يا ابنتي "
قالت من فورها " ها أنتي لم تتزوجي بعد والدي "
قلت بجدية " وضعي كان مختلفا وجدك يحاصرنا لكنت فعلتها لأني في
حاجة لمن يحمل معي مسئوليتنا ونحن ثلاث نساء وحيدات ولأنجبت
لقصي أخوة آخرين بدلا من عيشه وحيدا "
هزت رأسها بلا بقوة وقالت وقد عادت لبكائها " مستحيل يا أمي , لا
أستطيع أن أفكر في الأمر ولا مجرد التفكير "
ثم ضربت بقبضتها على قلبها وقالت " هذا لم يعد ملكي كيف أعيش مع
رجل من دونه ؟ كيف يقترب مني رجل غير أواس ؟ أقسم أن
أقتل نفسي ولا أفعلها "
وقبل أن أتحدث وضعت يدها على بطنها وقالت " هذا الذي هنا لن يربيه
أي رجل يا أمي فقد سبق ووعدت والده أن لا يلقى ما لقي هوا "
قلت من فوري " لن يظلم ابنك أحد يا دُرر وأنتي معه "
هزت رأسها بقوة وقالت بحزم " لن تقنعيني أبدا , فهل سيرضى ابن شقيقتك
أو غيره أن يربيه وهوا سيحمل اسم والده لأني سأسميه أواس ؟ هل سيرضى
به وأنا سأحبه حبا لم تحبه أم لابنها فقط لأنه ابني منه , ألن تري معي أن
تاريخ أواس مع جدي سيتكرر مع ابني إن أنا تزوجت "
مسحتُ بكفي على طرف وجهها وقلت بحنان " حسنا يا دُرر ما تريديه
سيكون , أنا لا أريد أن تغضبي من كلامنا فقط يا ابنتي "
مسحت دموعها وقالت " إذا اعلموا أنكم ستغضبونني كلما فتحتم
الموضوع معي "
تنهدت باستسلام وقلت " إذا صديقتك صباح طلبت أن نتناول العشاء معهم
في شاليهها فهيا لترافقينا أو بقيت معك فلن نتركك هنا وحدك "
وقفت حينها وقالت بشبه همس " سأدخل الحمام ثم نذهب "
*~~***~~*
نظر للأفق حيث زالت الشمس خلف البحر ملقية أشعتها الحمراء معلنة عن
نهاية يوم آخر من أيام هذا الربيع وقال " بعد هذا العشاء الشهي يمكننا
النزول حيث أعشابي السحرية وسترافقني هذه المرة رغما عنك فالمكان
لا يبعد عن هنا كثيرا والوقت سيكون ليلا ولا حجة لك "
تنهدت باستسلام من عناده وقلت ببرود " سنرى مكانك ذاك فإن لم
يعجبني ستكون أول وآخر مرة أخرج له "
ضحك وضرب كتفي وقفز للأسفل قائلا " هيا إذا ومتأكد بأنك
لن تندم أبدا "
نزلت خلفه يحمل صندوقه الخشبي ومعدّاته على ظهره وسرنا مسافة
لا بأس بها حتى سقطت الشمس خلف البحر مخلفة شفقها الأبيض ليحتل
القمر مكانها متوسطا كبد السماء ، وصلنا لسلالم خشبي صعدنا منه وكنا
أمام مساحة شاسعة من أعشاب متشابهة بسيقان متوسطة الطول بأزهار
نيلية اللون وكأنها استمدت لونها من البحر ، شكلها يشبه الأقماع وأوراقه
كبيرة وطولية ، نظرت يسارا وقلت " هذا المكان بعيد عن الشاطئ قليلا "
جلس على الأرض وقال " نعم فهي تنبت في هذه التربة الصخرية
المشبع طبقاتها السفلى بماء البحر "
رمى لي مقصا كبير وقال " ابحث عن البثلات الحديثة
ذات الزهرة الواحدة "
رفعته من الأرض وقلت ببرود " علمت الآن لما جلبتني هنا "
ثم ابتعدت على صوت ضحكته وسرت بعض المسافة أبحث عما طلب حتى
ابتعدت عنه عند حواف الشجيرات ليلفت نظري الشاليه البعيد حيث خرج
منه طفلان يركضان خلف بعضهما ضاحكان فعدت بنظري سريعا لما أبحث
عنه محاولا جهدي تجاهل تلك الضحكات الصغيرة المرتفعة التي توغلت
لقلبي قبل أذناي ، توقف عن الحمق يا أواس أنت لن ترى هذا كل حياتك
فحلمك بالأبناء مات .. مات للأبد فما الذي يشدك الآن في أصواتهم ، نزلت
مستندا على قدامي أبحث بين الشجيرات ورفعت يدي الأخرى لياقة معطفي
الخفيف مخفيا ملامحي بها فالمكان هنا مزود بأعمدة أنوار متفرقة وأنا
بث اعد غنيمة لأي شخص قد يتعرف على شكلي ، رميت المقص ولففت
الشال على نصف وجهي ثم أمسكته مجددا لأتسمر مكاني وصوت أحد
الأطفال نادى بصراخ " دُرر "
فالتفت له من فوري ، صحيح أنه يوجد الكثيرات في هذه البلاد ممن يحملن
اسمها لكن لا أعلم لما ضربت حروفه في قلبي ؟ هل لأني أسمعه من أحدهم بعد
كل هذه المدة أم .... ؟ وقفت على طولي أبحث بنظري جهتهم عن التي لازال
يكرر نداءه لها ويبدوا أنها لا تسمعه ، جلت بنظري في جميع نواحي شاليههم
فنبضات قلبي المجنونة لا تنبئ أبدا بأنه مجرد اسم أسمعه ، كان الطفل ينظر
جهتي وينادي حتى خُيل لي أنه يضنني المرأة التي يبحث عنها فنظرت حولي
لأكتشف الواقفة على بعد مسافة قليلة مني مولية ظهرها تنظر للبحر من بعيد
فيبدوا أني لم أشعر بوجود هذا الشخص هنا رغم أنها تقف تحت إحدى أعمدة
الإنارة الخفيفة ، ازداد جنون نبضاتي بل ووقع المقص من يدي دون شعور وأنا
أمسح جسدها بعيناي ، ذات الطول الهيئة وتقاسيم الجسد , قد أخطئ في أي شيء
وأي أحد إلا هي فهل أخطئت هذه المرة ؟ كانت تلبس شالا ربيعيا طويلا تضمه
على جسدها وقد وصل طوله لمقربة الركبتين , وتبدوا في عالم آخر تماما حتى أنها
لم تعي للطفل الذي توقف عن ندائه لها ويبدوا يئس منها ، كان عليا أن أهرب أن
أبتعد عن هنا لا أن أقترب منها لأتأكد لكن خطواتي خانتني وأخذتني نحوها رغما
عني وسرت جانبا بحيث يظهر لي القليل من تقاسيم وجهها , وكانت الصدمة التي
كادت تقتلني , هي دُره حبيبتي حلم طفولتي وشبابي من استُلِلتُ من حضنها استلالا
وسلبوها مني بكل جور وظلم , لما خرجتُ اليوم تحديدا ؟ لما جئتُ هنا ولما جاءت
هي لهذا المكان البعيد جدا بالتحديد ؟ وقفت منهك القوى نظراتي على تقاسيم وجهها
البعيد قليلا ويداي مرميتان جانبا وكل شيء بي مات إلا أنفاسي القوية المتلاحقة
كانت غائبة عن كل شيء حولها وشاردة في البحر المظلم , أهن من الشوق يا دُره
من حنيني لك ومن احتياجي , من عطش كل خلية في جسدي لنفحة صغيرة من عطر
وجودك لهمسة ولو ضئيلة من شفتيك ، مَن هذا الذي أخبرك أني بخير وأني نسيتك ؟
أني أسعد رجل حاليا لتأتي وتقتليه , من أخبرك أني لا أحتاج لرؤيتك الآن بقدر ما
أنا أحتاجك وأشتاقك وأتنفسك في الهواء الذي يدخل رئتاي ، رفعتُ يدي ومسحت
بطرف باطن كفها عيناي الدامعة لحظة ما رفعت هي يدها ومسحت بها خديها أكثر
من مرة فهل كانت تبكي طوال هذا الوقت ؟ هل كانت تنزف عينيها ولم يخرج منها
ولا صوت عبرة صغيرة نبأتني بوجودها ؟ أنزلتْ بعدها يدها ونظري يتبعها وقد
مسحت بها ببطء على بطنها البارز من تحت الشال الذي احتضن جسمها لتقذفني
بصدمة جديدة وأنا أكتشف ما لم أراه وأنتبه له في غمرة التهام نظراتي لملامحها
حامل ! لن تكون إلا كذلك مع هذا الجسد النحيل ، تراجعتُ خطوة للخلف مترنحا
وأنا أفكر أنها تزوجت وأصبحت لرجل آخر , لكن سرعان ما حسب عقلي المدة
من طلاقي لها وأشهر عدّتها فإن تزوجت بعدها مباشرة فلن تكون في أشهر متقدمة
هكذا من حملها ، سقطت على ركبتاي أنظر لها بضياع ورفعت يداي ممسكا شعري
بقبضتيهما بقوة ونظرت للسماء صارخا صرخة صامتة لم يسمعها إلا قلبي رغم
أني شعرت بأنها زلزلت كل شيء ودمرته ، انهرت بعدها مستندا بيداي على
الأرض أنظر لها تحتي وتقاطرت دموعي فوق ترابها تروي له آخر وأسوء
فصل من فصول حكايتي ، الابن الذي فرض نفسه على أسطرها , الذي فرض
وجوده في حكاية عنوانها المأساة ليكون الفصل الذي سيُخلدها للأبد ، عدت بعدها
للوقوف بصعوبة أحمل أطراف جسدي المتهالك بالجزء كلٌ على حدا حتى استقمت
نصف استقامة مثبتا جسدي بيدي على إحدى ركبتاي وكل هذا وتلك الواقفة على
مقربة مني لم تشعر بشيء مما يجري قربها , لم تشعر بزلزال المشاعر الذي دمر
كل شيء خلفها ، عادت لمسح دموعها ويدها الأخرى لازالت تحضن طفلي ، لا
تبكي يا قلب أواس يا قطعة منه يا حسرته الوحيدة في الحياة التي سيتركها ، اعتدلت
واقفا على طولي أمسح مثلها دموع القهر والحرمان بطرف كم معطفي وبكل جنون
اقتربت منها بخطوات بطيئة وقد أغلقت فمها بيدها تمسك عبراتها التي تبدوا خانتها
اقتربت ويدي ممدودة لها من قبل أن أصلها ولازال صوت شهقاتها يمنعها من الشعور
بخطواتي التي تقترب منها شيئا فشيئا وما كانت تفصلني عنها خطوات قليلة حتى
أمسكت يد برسغي قابضة عليه بقوة فنظرت لصاحبها سريعا وكان رجل لا أعرفه
ولم أراه سابقا , يبدوا تجاوز الأربعين من العمر وله جرح قديم واضح في خده
الأيمن , بقي يحدق بعيناي بنظرة ترسل كرها شديدا لا أفهمه ولازال يضغط
على رسغي أكثر ثم همس من بين أسنانه " أهذا أنت ؟؟ ماذا تفعل هنا "
المخرج : بقلم الغالية Reeo
الا تعلم ان الفقد ذات طعما مرير وحياتي بدونك اصبحت آهات وانين اين انت فلقد اكتفيت بعدا وحنين عد واطفى شوقا اضنته السنين عد إلي لتنسيني اياما عشتها حزين حياتي بدونك تشبه ظلمة الجنين بائسه فإلى متى سنظل محرومين عد وامسح دموع انسكبت من العين اشتاق اليك شوقا فاق كل الميازين فحضنك هو الوحيد الذي سيأوين عد الي فقد ملئت حياتي رنين واعدك بحمايتك ولو جعلتك سجين وازرعك بفؤادي وبمجرى الشرايين واهديك باقة ملئت بزهور الرياحين
من درر إلى اواس��
سلمت يداك
نهاية الفصل ..... موعدنا القادم مساء الثلاثاء إن شاء الله