الفصل الثامن والأربعون
المدخل : بقلم الغالية alilox
سلكت دروب الضياع بل صرت احترف الضياع صرت أخاف يقين قربك حتى لاأصدم بالمزيد من الاوجاع دعني للضياع أتخبط ببحوره فقد جهزت قاربي والشراع كبلتني بذكريات تعيسة وتطلب مني إليك الإسراع دموعي وروحي فضحوني حتى ذاع صيتي وشاع أأكذب على نفسي بهذا الهراء وأنا للحب والهوى من الجياع لا تلمني بجهاي فليس لي
في العشق باع الى آسر روح وعقل وايام سراب
سلمت يداك
شد على كتفاي وقال بجدية " دُرر للمرة الألف أقول اعتني بنفسك جيدا
يا شقيقتي فسأذهب وحدي نزولا عند رغبتك فقط لكن إن علمت أنك
تعبتِ فسأتركهم وأرجع لك , كلها مدة بسيطة وسنأتي جميعنا هنا "
هززت رأسي وقلت " لا تقلق يا قصي سأكون بخير وهن هناك
يحتجنك أكثر مني وطالما أنا مع شقيقتاي فسأكون بخير اطمئن "
أبعد يديه وقال " هناك من سيساعدني وسنعلم إن خرج من البلاد أم لا
ومن أي منفذ من منافذها البحرية أو الجوية أو حتى البرية وأين ذهب
وسنعلم على الأقل إن كان هنا أم لا "
هززت رأسي بحسنا وقلت ببحة بسب كتم عبرتي " وأنا سأبحث هنا
عند كل من كانوا يعرفونه حتى العمّال الذين عملوا لديه "
تنهد وقال " ألن تنتظري حتى آتي وأقوم أنا بكل ذلك عنك "
هززت رأسي بلا ونظرت للأرض فأمسكه ورفعه له وقبل جبيني
وقال " إذا أراك على خير يا شقيقتي واهتمي بطعامك جيدا "
أمسكت يده وقبلتها وضممتها لصدري وقلت بدمعة وحزن " اعتني
بنفسك قصي وبهم وسلم لي على والدتي وأخبرهم أني أنتظرهم
هنا بفارغ الصبر "
هز رأسه مبتسما ثم ركب سيارته وغادر وعيناي تراقبنه حتى
ابتعد وشعرت حينها بيد على ظهري وصوت سراب قائلة
" محضوضة به أنتي يا دُرر "
هززت رأسي بنعم وقلت بابتسامة حزينة ونظري على البوابة
التي خرجت سيارته منها " كم جاد عليا الله بنعم يا سراب
يصعب عليا شرحها لك "
اتكأت بذقنها على كتفي وضمتني بذراعيها وقالت " الله لا يغلق
جميع الأبواب يا دُرر وعوضك بمن سيكونون مكان زوجك "
أمسكت ساعدها بقوة وقلت ودمعتي تدحرجت على خدي
" لا يا سراب لكل شخص مكانته التي لا يأخذها أحد "
ضمتني بقوة أكبر وقالت بصوت مبتسم " ونحن ؟؟ "
أبعدت يديها عني والتفت لها وحضنتها وقلت " أنتما شقيقتاي اللتان عشت
معهما مالم أعشه مع عائلتي ولم أشعر بالراحة حتى رأيتكما مجددا "
سمعنا حينها صرخة من الأعلى فابتعدت عني ونظرنا فوقنا حيث الشرفة
التي تقف فيها ترجمان منحنية تنظر لنا وقالت صارخة " وقحتان كم
مرة قلت لا تنسيا أني شريكة لكما في الأحضان "
ضمتني حينها سراب مجددا ضاحكة فقلت مبتسمة " ألا يشتكي
الجيران منها ؟ جيد أنه لم يطردوكم حتى الآن "
شعرت بشيء سقط علينا وصوت ترجمان قائلة " مغفلتان لم
أهتم بحضنكما يوما حتى فقدتكما لأشهر "
قالت سراب وهي تبتعد عني وتبعدها " جيد إذا فثمة أمل
لدى زوجك أن تشتاقي لحضنه "
نظرت لها بحقد ثم لي وقالت " زوجها أولا أليس كذلك ؟ "
نظرت لسراب المصدومة وقلت مبتسمة " نعم "
وضعت يداها وسط جسدها وكانت ستعترض فقلت
" ألن تساعداني ؟ "
تنهدت باستسلام وقالت " بلى ولأجلك فقط لما كنت
وافقت أن نذهب له "
ثم رفعت إصبعها أمام وجهها وقالت بتحذير " ولن أنطق بحرف طبعا
ولن أتكلم , مجرد محرم له كما طلبتِ كي لا تكونين معه وحدكما "
وقفتْ حينها عند الباب ابنة العائلة الصغرى فيهن وشهقت بقوة
وقالت " أين هوا الوسيم ؟ ألم يقولوا أنه جاء "
ضحكت ترجمان وقالت " أنقذه الله منك هذه المرة وغادر "
أشارت بإصبعها الصغير لترجمان وقالت بضيق
" وأنتي متى ستغادرين "
فانطلقت ترجمان نحوها قائلة " تعالي فلم أرى خديك اليوم "
وصرخت تلك الطفلة هاربة على صوت ضحك سراب فابتسمت
وقلت " لا أعلم من منهما أعان الله الأخرى عليها "
قالت ضاحكة " إسراء طبعا , وعلينا انتظار تلك الترجمان حتى
تأتي لأنها من سيقود السيارة "
هززت رأسي بحيرة وقلت " لا أعلم كيف لا تخاف أن تمسكها الشرطة
وهي بلا رخصة قيادة ! وما الذي أغفلهم عنها حتى الآن "
ضحكت وقالت " تعرفيها لا يخيفها شيء وقد أمسك بنا شرطيان من
يومين وطلب أحدهما بطاقتها وما أن رآها تركنا نغادر "
قلت باستغراب " ولما ؟؟ "
رفعت كتفيها وقالت بلامبالاة " هي قالت بسبب لقب عمها لكني
أضن زوجها وراء ذلك وهي لا تريد أن تعترف "
*~~***~~*
نزلت السلالم ركضا حتى وصلت الباب وفتحته فدخلت واستقبلتها حاضنة
لها وقلت مبتسمة " لقد سرقك السيد بسام منا , يومين كاملين لتزورينا ؟ "
ابتعدت عني وقالت ضاحكة " من يسمعك يضنهما أسبوعان "
ثم نظرت خلفها حيث التي تقفز صارخة " ديموو أندري "
مددت لها يداي وقفزت في حضني قائلة " أحذرهم لي بابا "
قبلت خدها بقوة وقلت ضاحكة " جيد ظهر والدك الحقيقي أخيرا "
وكزتني رغد قائلة بهمس " هوا يحسن لها صورته طوال الوقت
فلا تفسدي مجهوده "
ضحكت وغمزت لها قائلة " أرى رأينا به تغير "
أمسكت يدي وسحبتني معها للداخل قائلة " أين والدتي وسلسبيل
قالت لي ستكون هنا اليوم "
قلت مبتسمة " وأرى مزاجك أيضا تحسن , حتى وجهك
ازداد إشراقا "
نظرت لي بتهديد فضحكت وقلت " أمي ها هي قادمة وسلسبيل تعبت
اليوم ولم تستطع المجيء فيبدوا أنها ستبقى في وحمها أربعة أشهر "
اقتربت والدتي وسلمتْ عليها بقلب وحنان الأم الذي لا يتوقف عن الأسئلة
" كيف حالك يا رغد وما أمورك وكيف بسام معك "
فقالت رغد مبتسمة " بخير يا أمي وبسام لم يقصر معي أبدا وها هوا
دخل المجلس يريد أن يسلم عليك "
توجهت حينها لباب المجلس ولحقت بها ندى فأمسكت يد رغد وأجلستها
بجانبي وقلت " طمئنيني عنك , هل ظهرت كل أفكارك تلك تخيلات فقط ؟ "
قالت مبتسمة " بل وأوهام لا صحة لها "
ضممت يداي لبعضهما وقلت بحماس " إذا نقول مبروك هذه المرة
وأنك تزوجتِ برجل حقا "
هزت رأسها بنعم وقالت بابتسامة واسعة " ولا يوجد رجل
على وجه الأرض مثله "
حضنتها وقلت " مبارك لك يا رغد أنتي تستحقين ذلك وأكثر "
ضمتني بقوة قائلة " أسأل الله أن يرزقك أفضل منه يا سدين "
ابتعدت عنها وقلت ببرود " نعم علقيني بلا زواج طوال حياتي "
نظرت لي بصدمة فضربت كتفها وقلت بضيق " كيف تقولين لا
رجل مثله على وجه الأرض وتطلبي لي من الله أفضل منه "
ضحكت حينها وقالت تمسك فمها " لم أكن أقصد "
نظرتُ للباب ثم لها وقلت " لنغير الموضوع قبل أن تسمعنا أمي فلن
ترحمني أبدا وأنا ما صدقت أن تحدثت معي فمنذ ليلة زواجك
وهي غاضبة مني "
قالت باستغراب " ولما ؟؟ "
تنهدت وقلت " لقد وصلت ورقة طلاقي "
شهقت بقوة ثم قالت بحزن " لم تغيري رأيك إذا حتى فعلها "
قلت بجدية " هذا قراري ولن ينفع أو يضر غيري وأنا مقتنعة به "
ثم قلت مغيرة مجرى الحديث " لم أخبرك أني حصلت على
وضيفة بشهادتي "
قالت بصدمة " حقا بهذه السرعة !! "
قلت بثقة رافعة رأسي " لا تنسي أني أخذت الشهادة بامتياز "
قالت بنصف عين " لو قلتِ سلسبيل لصدقنا , وأقطع ذراعي إن لم
يكن إياس أو خالي رِفعت وراء ذلك "
قلت ببرود " ما هذه العائلة التي لا ترفع المعنويات أبدا "
ضحكت وقالت " المهم أنك ستجدي ما سيسليك , أخبريني أين ستعملين "
قلت من فوري " مركز مكافحة الإيدز "
شهقت بقوة فقلت ضاحكة " لا تخافي عملي سيكون في المختبرات
حسب شهادتي "
قالت بذات صدمتها " وعلمت والدتي ؟ "
تنهدت بأسى وقلت " جن جنونها وقالت ماذا إن أصابك المرض بالخطأ "
ثم ضحكت وقلت " تضنها لعبة وليست أجهزة حديثة لا نلمس فيها
العينات أبدا "
تنهدت وقالت " المهم أن تكوني مرتاحة ومقتنعة يا سدين "
هززت رأسي بنعم وقلت بحماس " المركز كبير ومشهور وتتعامل
معه الشرطة في كل البلاد "
ضحكت وقالت " ألم أقل لك أن خالي وراء ذلك "
كشرت وقلت " نعم لكن درجاتي أيضا السبب في موافقتهم "
*~~***~~*
وصلنا الساحة التي يوقفون فيها السيارات وكانت سيارة آسر هناك
أي أنه سيكون في المنزل الآن , نظرت لترجمان بصدمة وقلت
" أنتي كيف عرفتِ العنوان من مرة واحدة فقط ! "
فتحت دُرر بابها ونزلت وقالت ترجمان ببرود " دقة ملاحظة "
نظرت لها مضيقة عيناي وقلت " اعترفي "
ضحكت وقالت " كنت آتيه هنا ليلا هل تصدقي "
شهقت بصدمة فضربت كتفي وقالت " انزلي بلا كثرة ثرثرة
هل كنتِ تريدي أن لا أحفظ عنوانه للضرورة "
فتحت الباب وقلت وأنا أنزل " أنتي لما لم تُشغلي عقلك
هذا في الدراسة "
ثم ضربت الباب ولففت حول السيارة حيث دُرر تنتظرني ففتحت
ترجمان نافذتها وقالت " هيييه دُرر لا تنسي التفاصيل لتحكيها لي "
وأغلقت النافذة ضاحكة فنظرت لها بضيق وقلت " كان علينا المجيء
في سيارة أجرى وتركها هناك "
سحبتني من يدي قائلة " تعالي ولا تكترثي لها فدورها بعدك ولعلي
أكسب فيكما أجرا وترجعا لزوجيكما وتتركا هذا العناد "
تنهدت وسرت معها قائلة " لو جميع البشر يفكرون مثلك يا دُرر
ما تشاجرت امرأة مع زوجها "
قالت ونحن ندخل الأحياء " هل أصبحتُ أنا المخطئة الآن ؟ "
قلت ببرود " بل زوجك يستحق فهوا لم يفعل ما فعلاه الأحمقان
الآخران , على الأقل حملتِ ذكريات جميلة منه أما نحن الاثنتين
منذ تزوجناهما ونحن من رديء لأردئ منه "
قالت بحزن " على الأقل موجودان , تخيلي أن يختفي كما حدث
مع أواس ؟ ماذا ستشعرين حينها ؟ "
شعرت بقلبي علت نبضاته بجنون وقلت هامسة " لم أفكر بذلك "
نظرت حولها وقالت بهدوء " كم المنازل هنا حالتها مزرية , لابد
وأنك ندمتِ على تذمرك الدائم من حياتنا السابقة "
تمتمت ببرود " بل تذمرت أكثر "
ووصلنا حينها لباب المنزل فقلت بضيق " هل كان علينا المجيء
هنا ؟ لو تركتنا أخبرنا العم صابر يتصل به ليأتي هناك "
نظرت لي وقالت " سراب قولي أنك لا تريدين هذا ونعود
الآن للمنزل وننسى الأمر برمته "
أمسكت يدها وقلت " لا دُرر لم أعني ذلك "
ثم تركتها واتكأت بجبيني على باب المنزل وقلت بحزن
" لكنه صعب عليا يا دُرر , أشعر بقلبي سيخرج من مكانه "
أمسكت يدي وقالت " إذا لنرجع "
أبعدت رأسي وهززته بلا ثم طرقت على الباب وما هي إلا لحظات
وسمعنا صوته صارخا من الداخل " نعم قادم قادم "
فوضعت يدي على قلبي وعضضت شفتي بقوة , كم أنتي حمقاء يا سراب لو
تطيعين قلبك ما تركته للحظة ... غبية طوال حياتك , ابتعدت عن الباب حين
فتحه وخرج ببذلة الشرطة وفي يده سندوتشا لازال يمضغ ما أكله منه فيبدوا جاء
ليتناول الغداء ويغادر , وأي غذاء هذا الذي لا يتماشى مع عمله ولا ما بقي مما
كسبه من مال عمي ولا وضعه كرجل متزوج , نظر لي باستغراب فشعرت
بجنون قلبي ازداد أضعافا فكم يشتاق له هذا الغبي لكن علاجه عندي , أبعدت
نظري عنه وقلت بجمود " نريدك في أمر هلا أدخلتنا للداخل قليلا "
قالت حينها دُرر " يبدوا أنك مشغول سنأتي في وقت آخر "
قال وهوا يدخل " لا .. تفضلا "
تنفست حينها بقوة ونظرت لها فقالت بابتسامة حزينة " يحبك يا غبية
وعيناه كانتا ستلتهمانك وأقسم أنه أكثر من يقرأك وأنتي تدّعين الصدود "
أمسكت يدها وشددتها منها داخلتان وقلت " لن تفهميني مهما شرحت "
ووقفت مكاني أنظر للسقف الذي أصبح مغطيا للمنزل ليعزله عن السماء
التي ترسل له شمسها الحارقة صيفا والبرد القارص شتاءا , نظرت لكل
شيء حولنا , حتى الطاولة غيّرها وأبواب الغرف أيضا وهناك جهاز تكييف
في غرفته فيبدوا أنه كما قال لن يخرج من هنا , ارتجف جسدي بقوة حين
خرج صوته من الطبخ قائلا " سراب أدخلي صديقتك لغرفة الضيوف "
أمسكت يدها وسحبتها منها في صمت وفتحت باب الغرفة ودخلت لها لأشهق
بصدمة وأنا أرى الصالون الجديد فيها بل حتى الجدران طلاها من جديد وأول
ما جال في ذهني ( لما يفعل كل هذا ! هل يفكر في الزواج ؟ ) ازداد اضطراب
نبضات قلبي وكادت دموعي أن تنزل بل أن أبكي وأصرخ وأدمر كل شيء
فليس من حقه أن يحرق قلبي وثروتي ويتزوج بأخرى لينهيني تماما
أمسكتُ يد دُرر وقبضت عليها بقوة فقالت باستغراب
" سراب ما بك ؟ "
قلت بعبرة " سيتزوج يا دُرر سيقتلني نهائيا "
شدت على يدي بكلى يديها وقالت " عودي له إذا وتصافيا "
هززت رأسي بلا وقلت بقهر " لن يحدث ذلك أبدا ففوق كل ما فعل
فصل ثروته عني لينميها وحده وأبقى أنا أبكي أطلال ما كان "
تأففت وقالت " وما ستجنيه إن فعلها فعلا وتزوج "
قلت من فوري " أحرقه وهي معه "
مر حينها من جواري وجلس وقال " اجلسا لما واقفتان حتى الآن ؟ "
سحبتني دُرر معها جهة الأريكة المقابلة له وجلسنا أنظر للأرض وأفرك يداي
بقوة تكاد تمزقهما لا أعلم من الغيظ أم من الغيرة لمجرد فكرة أن تقترب منه
امرأة أخرى , قالت دُرر بصوتها المنخفض الهادئ " آسفة على قدومي
بدون موعد لكني أحتاج رؤيتك لأمر ضروري "
قال من فوره " لا بأس مرحبا بكما في أي وقت "
نظرت حينها جانبا أتجنب النظر له لتنفتح عيناي على اتساعهما وأنا أرى
صندوق هدية دُرر خلف الباب لازال يحتفظ به هنا !! وحتى الفراش الذي
كنت أنام عليه أيضا فما معنى هذا ؟ أصبحت أعجز عن تفسير هذا الرجل
وعن فهم أفكاره وردود أفعاله , عدت بنظري للأرض تحتي على صوت
دُرر قائلة " أريد سؤالك عن أواس , أنت وزوج ترجمان صديقاه المقربان
وقد يكون أخبركما بشيء فهوا اختفى بعد سفرنا ولم نجده في أي
مكان ولا أحد يعلم السبب "
قال بهدوء " ونحن لاحظنا ذلك ولا نعلم أيضا فقد سألنا عنه كثيرا
وجميع من نعرفهم يعرفونه سألناهم ولم نتوصل لشيء "
قالت بنبرة تشوبها عبرة بكاء " وما معنى هذا ؟ "
رفعت رأسي حينها فنظر لي سريعا فعضضت شفتي محذرة له فقال
ولازال ينظر لي " سنسأل أكثر ونتقصى فقد يكون في مهمة سرية "
قالت حينها بشيء من الأمل " هل تتوقع ذلك ؟ "
أبعدتُ نظري عنه مجددا وقال هوا " هذا جائز فمثل هذه الأمور لا
يخبرون عنها أحدا , فهل أخبرك أنه مسافر وسيعود أو شيء
من هذا القبيل "
قالت بحزن " لا ... كنت متعبة ولا أعي شيئا حولي وحين استيقظت
أخبروني أنه كان معي وغادر "
قال بهدوء " تحدثت وإياس في الأمر كثيرا وسنسعى جهدنا
لنعلم عنه شيئا , والعقيد رِفعت سيخبرنا إن كان في مهمة "
وقفت حينها وقالت " أنا سأزوره بنفسي وأعلم منه "
وقفتُ أيضا فوقف هوا لوقوفنا وقال " المهام لا يخبرون عنها
أي أحد لكن قد تنجحي في التقصي منه "
شغلت نفسي بهاتفي أتجنب النظر له والسماح لعيناي الغبية المشتاقة
بالنظر له وقالت دُرر بشبه همس " شكر لك وآسفة حقا على إزعاجك "
قال من فوره " أنا في الخدمة وأنتي من يلزم أن يشكرك الجميع
على اهتمامك بأمر زوجك "
رفعت نظري له بسرعة فكان ينظر لي وقال بابتسامة جانبية
" يبدوا علينا جميعنا أن نختفي لفترة ليشعروا بنا "
نظرت له بضيق ثم أمسكت يدها وسحبتها معي جهة الباب قائلة
" هي تشعر به من قبل أن يختفي وهوا يستحق "
وما أن خرجنا من الغرفة حتى شعرت بيده أمسكت يدي الأخرى موقفاً لي
فوقفتْ دُرر والتفتت لنا ورفض هوا ترك يدي رغم كل محاولاتي لشدها
منه فقالت دُرر مغادرة جهة باب المنزل " لن ننتظرك إذا وأتمنى أن لا
نجدك هناك ما أن نرجع للمنزل "
حاولت سحب يدي منه مجدد وقلت منادية لها " تعالي يا غبية
سأذهب معكما لا تتركاني هنا "
ولم تكترث بي طبعا وخرجت وأغلقت الباب خلفها فنظرت له وقلت
بضيق " لو لم أكن أعرف دُرر جيدا وأنها لا تتحدث مع رجل
غريب عنها لقلت أنكما متفقان "
ترك يدي حينها وقال مشيرا للطاولة " اجلسي لدي ما سنتحدث عنه "
قلت بسخرية " إن كنت فكرت أخيرا في أن تعتذر عن أفعالك
جميعها فلا تتعب نفسك فقد تأخرت كثيرا "
قال ببرود " أنا لم أخطأ لأعتذر "
صررت على أسناني من الغيظ وقلت " كل هذا ولم تخطئ "
قال بهدوء " اجلسي يا سراب ولنتحدث في المفيد "
جلست متأففة وقلت " أراك غيرت كل شيء هنا هل تزوجت "
جلس مقابلا لي وقال مبتسما " لا "
قلت ببرود " كاذب "
قال بضحكة " أقسم أني صادق "
قلت و أشعر بالنار تشتعل في قلبي " إذا تفكر في ذلك "
هز رأسه بلا مبتسما فقلت مجددا " كاذب "
ضحك وقال " أقسم أني لم ولن أتزوج أبدا "
نظرت جانبا وقلت ببرود " لا يهم عندي افعل ما يحلو لك "
ضحك ولم يعلق فقلت بضيق " قل ما لديك وتوقف عن السخرية مني "
كتف يديه لصدره وقال بهدوء " اشتري مني نصف المنزل "
نظرت له بصدمة وقلت " أشتري منك ماذا !! "
قال بذات هدوئه " الطابق السفلي من منزلنا ذاك والمقابل
المعمل والمزرعة اللذان أصبحا ملكا لك "
وقفت وقلت " هل جننت أنت ؟ أين ستذهب عائلة العم صابر "
أشار لي لأجلس فقلت " وما تفعل بكل هذا وكأنك تسلبه مني
لتأخذه أنت "
قال ببعض الضيق " اجلسي لنتفاهم يا سراب "
جلست مجددا متأففة بحنق فقال " المزرعة ثمنها أقل من المنزل بكثير
والمعمل في منطقة خارج العاصمة بينما المنزل في قلبها وفي الأحياء الراقية
منها وحجمه بأربع منازل كالتي هناك وقد قيّمت ثمن نصفه وكان سيساوي
المعمل والمزرعة , أما عائلة عمي صابر فسأشتري لهم منزلا متواضعا
بقرب مدارس الفتيات "
قلت من فوري " ولما ؟؟ "
قال بجمود " أنتي من طلب يوما أن نفصل عن بعضنا فما تغير الآن "
نظرت لعينيه أتنقل بينهما بصمت ثم قلت " هل هذا هوا غرضك ؟ "
نظر للطاولة تحته وقال " شيء من هذا القبيل "
قلت ناظرة له بحيرة " وماذا عن أحلامهم بذاك المنزل ؟ عن الغرفة
لكل واحدة منهن ؟ عن الحديقة والألعاب "
قال بدون أن يرفع رأسه " الضرورة حكمت "
علقت نظري بملامحه أنظر له بضياع مجاهدة دموعي , كم وددت لو قلت له
( الضرورة حكمت أم طمعك في نهب كل شيء ليكبر سريعا ويكون ملكك
لوحدك فها قد علمت لما دمرته بدون سبب ) لكن لساني خانني ورفض قول
أي حرف منها وكل ما جال في ذهني وقتها أيام كنت أرميه بالباطل وأتهمه
وندمت فيما بعد وهذا سبب انعقاد لساني على ما يبدوا ؟ فهل أكون ظلمته
مجددا ؟ لكن لما فعل ذلك ما غرضه من كل ما فعل ؟؟ رفع رأسه ونظر
لي وقال بجدية " أعتقد أنك تريدين المنزل تحديدا أن يكون لك وهوا
طموحك من البداية "
صحيح أني أريده ولا أريد أكثر من منزل يخصني ويجمعني وشقيقاتي
لكن نصفه كان يكفيني ويحيرني حقا تفكيره وكل ما أخشاه أن يبدأ بسلبي
كل شيء حتى أكون في الشارع وألجأ له , قال عندما طال صمتي " أو بيعي
لي طابقك بالحقل والمطحن , ولك أن تختاري وأنا موافق على ما ستقررين "
قلت بضيق " هراء كيف أبيعك المنزل وأنت قلتها بنفسك تعلم أنه كل ما أريد "
لم يعلق فنظرت جانبا لوقت أحاول جمع أفكاري وإيجاد تفسير واحد لكل
هذا ثم نظرت ليداي على الطاولة وقلت " بشرط "
قال من فوره " موافق "
نظرت له سريعا وقلت " من دون أن تعلم ما هوا !! "
قال ونظره على عيناي " لا يهم المهم يحدث ذلك "
لو أفهم فيما يفكر وما يريد فعله ؟ هل سيبيعهم جميعهم ويدخل مشروعا آخر
أم سيبيع واحدا منهم ويعوض به ما أفسده بيديه ويشغل المصنع المتبقي عنده ؟
يبدوا يفكر جديا في تحريك ما خرج به من بقايا ثروة العجوز ولا يهتم لما
سيحدث معي لكنك لم تعرفني بعد يا آسر , نظرت لعينيه وقلت " سأشتريه
منك بشرط تبقى عائلة العم صابر فيه "
نظر لي بصدمة وهذا ما توقعته منه فهوا لن يرضى أن يبقوا في مكان ليس هوا
من يملكه أو يتكفل به وحتى إن فرضنا ووافق فذلك لن يزعجني لأني حقا لا أريد
لتلك العائلة أن تعود للعيش في منزل ضيق بلا حديقة ولا ألعاب للصغيرات , أن
يرجعوا كما كانوا وتنهار جميع أحلامهم , هوا الآن أمام حلين فقط إما أن يعذل
عن فكرة بيعه لي وهذا المرجح أو أن يوافق على شرطي وهذا مستحيل إن كان
آسر الذي أعرفه , نظر جانبا ومرر أصابعه في شعره ثم نظر للطاولة تحته
وقال بشبه همس " موافق "
نظرت له بصدمة عجزت معها حتى عن الكلام فما هوا هذا الشيء الذي
يجعله يضحي هكذا !! قلت " سيُكتب الشرط في العقد "
نظر لي وقال بضيق " سراب لا تضيقيها علي , سيعيشون هناك مبدئيا
حتى أتمكن من توفير منزل مناسب لهم وفيه كل ما يملكون هناك "
قلت بحزم " وقبلها لن تخرجهم ؟ "
هز رأسه بلا فقلت " ولما ؟ ما السبب ؟؟ "
قال بجمود " سأبيع كل ما أملكه "
نظرت له مطولا باستغراب فقال " وأعتقد من حقي وهذا بند في حكم
المحكمة أنه ما أن يشتري أحدنا شيئا من الآخر له الحق في بيعه ولا
أعتقد أنك ستهتمين للسبب "
قلت بسخرية " لأني أعرفه , ولهذا أنت واثق من أنك ستنقلهم من
هناك لأنك ستستثمر كل ذلك وتجني منه الربح سريعا "
وقفت بعدها وقلت متوجهة لباب المنزل " أرسل لي الأوراق لأوقعها "
ثم تابعت وأنا أفتح الباب " كل يوم تخذلني فيك أكثر يا آسر "
ثم خرجت وضربت الباب خلفي وغادرت في كل خطوة أمسح دمعة
قبل أن تخرج من محجرها , لما وافقتِ وأنتي تعلمين أنك بهذا ستصبحين
لا تملكي إلا ذاك المنزل الذي لا يمكنك بيعه وأخذ واحد أصغر منه مادامت
تلك العائلة معك فيه ؟ كان يمكنك الرفض يا سراب فلما وافقتِ لماذا ؟
تراجعي أو توقفي عن البكاء عليه فهوا لا يستحق
*~~***~~*
استند بيديه على الطاولة حيث نجلس نتناول غدائنا ببذلة عمله وشاراتها
ونظره كان موجها لغدير ويحدثها قائلا " لا عذر لك بعد الآن "
كانت ستتحدث فسبقها قائلا بحزم " قلتِ لا تريدين لاختلاط ولن تدرسي
وقلت ستذهبين لتمتحني فقط وستكونين في حجرة لوحدك والمراقبين نساء
وسأجلب لك هنا من يدرسك فلا تتخلي عن دراستك يا غدير وأنا معك
وسأساندك ولن تري أي رجل اتفقنا "
نظرت لي من فورها فابتسمت وهززت رأسي مشجعة لكلامه فنظر لي
من فوره فماتت ابتسامتي وعضضت شفتي من الداخل وقال هوا
" ماذا تقولين لها من خلفي ؟ قفي معي في إقناعها "
قلت بإحراج " وهذا ما كنت أفعله للتو "
لف بجسده نحوي وقال " أرني كيف كنتِ تقنعينها ؟ "
لم أستطع إمساك ضحكتي وقالت غدير " حسنا موافقة من أجلك فقط "
نظر لها وقال وهوا يلبس قبعته " بل من أجل نفسك ومستقبلك يا
غدير فالقادم لا يعلمه إلا الله "
ثم قال مغادرا " سنتحدث فيما بعد في كل التفاصيل "
فوقفت ولحقت به مع وقوف غدير التي توجهت لجناحها فأدركتُ
خطواته السريعة الواسعة عند الباب منادية له " رِفعت "
فوقف والتفت لي فقلت ما أن وصلت عنده " لا تنسى ما وعدتني به "
خيم الحزن على ملامحه ولا أفهم لما أرى ذلك فيه كلما ذكرت أواس
وهذا ما يخيفني أكثر !! قال بنبرته الهادئة " سأعمل جهدي "
أمسكت يده وقلت برجاء ودمعة محبوسة " على الأقل أَطمئن عليه وأنه بخير "
أمسك وجهي بيديه وقبّل جبيني وقال " حاضر يا خديجة فقط لا تريني
دموعك التي سكبتها البارحة "
مسحت عيناي بقوة وابتسمت بحزن فقد بكيت ليلة البارحة في حضنه حتى
تعبت ونمت من بكائي وهوا يضن أن سببه أواس فقط وليس نصف السبب
فرحتي بأن وجدت الحضن الذي حلمت به كل حياتي والرجل الذي كنت أعتقد
أنه لا وجود له إلا في الخيال , وضع يده في جيبه وأخرج مفاتيحه قائلا
" أنا آسف يا خديجة لن أكون هنا قبل منتصف الليل فهذه ظروف
عملي وأعلم أني سأكون مقصرا معك دائما فتحمليني "
هززت رأسي بلا وقلت ونظري معلق بعينيه الرمادية الواسعة " أتفهّم وضعك
وأعذرك , أنا لست ابنة العشرين عاما يا رِفعت لتتذمر وتتشكى وتتدلل "
قال ضاحكا " وأنا كنت أضن أنك لستِ كذلك لكن الحقيقة المفجعة
كانت أنك ابنة العشرين فعلا "
نظرت للأسف وقلت بحياء " كن بخير هذا ما نريده فلا سند لي
ولابنتي بعدك إلا الله "
شعرت بيده على كتفي وبشفتيه قبلت خدي برقة فأغمضت عيناي بقوة
أحاول تنظيم تنفسي وضربات قلبي وصوته همس في أذني
" أين كان يخفيك ابن شقيقك عني "
فشعرت أني تحولت لكتلة من الإحراج والخجل فوجود رجل في حياتي أمر
نسيته من أعوام طويلة وأستغرب حقا سبب طلاقه لزوجته السابقة وهوا بهذه
الأخلاق والحنان والعقل الراجح ! ولما لم يتزوج بعدها وبلسانه قال لي
( لم أتخيل أن تشاركني هذا السرير امرأة أخرى )
فتحت عيناي ورفعت رأسي أراقب ظهره ومنكبيه العريضان وهوا يفتح الباب
ليخرج لتفاجئه وتفاجئني التي وجدها أمام الباب وقالت مبتسمة " لم أتصور أنني
مسحت على المصباح السحري , خرجتَ من دون حتى أن أطرق "
ضحك حينها وقال " ادخلي هيا يا مشاغبة وزارتنا البركة "
دخلت لتظهر التي كانت خلفها فنظرتُ لها بصدمة ووقع نظرها عليا وعيناها
امتلأت بالدموع فانطلقت نحوها من فوري ناسية حتى أن اسلم على ابنة
شقيقه وركضت هي جهتي وارتمت في حضني باكية وقالت بعبرة
" تركني ورحل عمتي لما فعل هذا بي ؟ "
مسحت على رأسها وقلت ببكاء " ليثني أملك الجواب يا دُرر فآخر ما
كنت أتخيله أن يتركك أنتي تحديدا "
قال حينها رِفعت بضيق " لا حول ولا قوة إلا بالله توقفا عن البكاء
أو سجنتكما "
قالت ترجمان ضاحكة " عمي لما لا تعترف أنك ضعيف أمام دموع
المرأة أو سأخبر زوجتك بكلامك معي في ذاك المنتجع "
قال بجدية " أجل لا أحب رؤية الدموع فيكفيكما "
أبعدتها عني وقلت ماسحة لدموعها " سيرجع يا دُرر إن كان حيا تأكدي
من ذلك فأواس يحبك ولن يتخلى عنك ورِفعت وعدني أن يبحث عنه "
التفتت له حينها وقالت برجاء باكي " قل أنه في مهمة , قل أنك أرسلته
لمكان ما وبسرية , قلها وإن كذبا سيدي أرجوك "
عبست ملامحه بحزن كبير ووضع يده على رأسها قائلا
" دُرر يا ابنتي وحّدي الله "
قالت بهمس " لا إله إلا الله "
أبعد يده وقال بهدوء حزين " ألا تثقين في زوجك ؟ "
قالت بعبرة " كل الثقة "
قال من فوره " توجهي بالدعاء له إذا أن يريحه الله بما
يحب ويرضى "
نظرتُ له بحيرة من كلماته والتفتت هي لي وقالت " ماذا قال لك
عمتي ؟ هل رأيته بعد عودته "
نظرت لها بحزن من حالها وملامحها وشحوب وجهها , كنت أريد أن أكذب
عليها أن أطمئنها لكن ذلك لن يجدي وعليها أن تدرك النصف الموجع من
الحقيقة قبل أن تنتهي تماما , أمسكت يدها وقلت ودمعتي عادت للسقوط
" قال انسي أنني موجود وأعدّيني مت وأنه سيكون بخير ولم أفهم شيئا "
قالت بصراخ باكي " كيف ننسى أنه موجود عمتي ؟؟ واثقة من أن جدي
وراء كل هذا لكن كيف أبعده عني كيف "
ضممتها لحظني وقلت ببكاء " ارحمي نفسك يا دُرر , لم أرد أن أكذب عليك
فكوني قوية من أجل نفسك ومن أجله مادمتِ واثقة منه ومن أن جدك السبب "
قالت بنحيب يقطع القلب " كيف أرحم نفسي عمتي أخبريني بالله عليك "
ضممتها لحظني أكثر أمسح دموعي وأتنقل بنظري بين رِفعت المطأطئ
برأسه للأسفل وترجمان التي تمسح دموعها وقلت بحزن " والده بحث
عنه كثيرا ولازال يبحث وعمك رِفعت وعد بذلك فتفاءلي يا دُرر "
سحبتها حينها ترجمان من حضني قائلة " علينا أن نرجع للمنزل ونرى
ما سنفعل ويكفيك بكاء فستمرضين وتشغلي شقيقك ووالدتك عليك "
ثم أخذتها معها وخرجت وصوت شهقاتها وعبراتها لازال يصلني والتفتَ
رِفعت ليغادر فأمسكت بذراعه وقلت " ما الذي تعرفه ونجهله يا رِفعت
تحدث حلفتك بالله "
قال مشيحا وجهه عني " لا شيء "
تمسكت به أكثر وقلت بإصرار " لماذا إذا لم تخبرها ولو كاذبا أنه في
مهمة , لما كل هذا الحزن في ملامحك "
نظر لي وقال بحزم " ولما أكذب عليها وأنتي لم تفعليها ؟ "
قلت ببكاء " قل لها شيئا تقطع به أملها إذا وارحمني وارحمها "
قال بضيق أقرب للغضب " بما سأخبرها ؟ بأنه أرسل ورقة طلاقها وهي
لا تعلم , أم بأنه أرسل طلب استقالته من الشرطة في اليوم الذي وصلت
فيه ورقة ترقيته من الوزارة "
وضعت يدي على فمي أنظر له بصدمة فتابع بذات ضيقه " أخبريها أنتي
إن طاوعك قلبك لتقتليها قبل أن تقتلي الأمل بداخلها "
ضربت رأسي بكفاي بقوة من صدمتي وقلت صارخة بعبرة
" ما معنى هذا !! ماذا ؟ يا ويل قلبي عليك يا أواس "
فشدني حينها لحضنه بقوة وقال " توقفي عن اللطم وادعي له
فلن يفيد هذا في شيء "
سمعت حينها ركضا من خلفي وصوت غدير قائلة
" ماذا بكم ؟ ما كل هذا الصراخ ؟ من مات "
ابتعدت عنه حينها وقال هوا مغادرا " لم يمت أحد خذي
والدتك للداخل لترتاح "
وخرج وأغلق الباب خلفه فحضنتني غدير قائلة " ما بك يا أمي ؟ ما
أن خرجت من الحمام سمعت أصوات البكاء وضننت أن أحدهم مات "
قلت بنحيب " مات يا غدير , لن يكون إلا ميتا فليثه يرحمني ويقولها لي "
*~~***~~*
وضعتني على السرير نتبادل الأنفاس المتلاحقة وقالت
" ألحظ آلامك ازدادت منها هذه المدة "
ثم عدّلت ساقاي وغطتهم لي فقلت " ليثها تموت كشقيقتها وترحمني "
قالت بحزن " وما ستستفيد "
قلت ناظرا لهاتفي الذي أضاءت شاشته بسم آسر " أنا خاسر في كلا
الحالتين فعلى الأقل أرتاح من آلامها "
رفعت هاتفي وأجبت عليه وقال من فوره " سيصل المحامي بعد
ساعتين فكن مع سراب لتوقع له بعض الأوراق "
قلت بهدوء " هل توصلتما لاتفاق "
قال بجدية " سأبيع لها حصتي من المنزل "
تنهدت وقلت " إذا تقابلتما أنت وهي ؟ فما قلت لها أبكاها هكذا
فقد دخلت علينا وصعدت للأعلى بعبراتها "
قال بشيء من الحزن " ليس وقته يا عمي , مشاكلي لها حل فيما بعد "
قلت ببعض الضيق " الفتاة تحبك يا آسر , كم مرة سنقول ونعيد
هذا فارحمها "
قال من فوره " وأنا أحبها ولا يمكنني العيش بدونها لكن لكل
شيء أوانه يا عمي "
تأففت وقلت " لو أفهم كيف تفكر يا آسر وأنا أراك تضيعها من يدك
كل يوم وليثك تحاول فقط فهمها "
قال بهدوء " فهمتها يا عمي أقسم أني بث أفهمها وما أريده أن تفهمني هي "
تنهدت باستسلام وقلت " حياتك ولك فيها الحرية , أنا فقط لا
أريدك أن تخسرها "
قال بصوت مبتسم " لن أخسرها ولن أتركها لغيري ولا أريد
غيرها فكن مطمئنا "
أشرت لسعاد لتخرج وقلت ونظري يتبعها مغادرة
" وماذا بشأن المنزل الجديد لنا "
*~~***~~*
أركبتها في الخلف وركبت بجانبه وانطلقنا مغادرين منزل عائلتي
فوقفت بين كرسيينا وقالت بصوتها الطفولي " سنشثري الشكلاتة
البيضة أليث كذلك "
ضحك بسام وقال " حالا ... وكم ندى عندي "
نظرت له وقلت " بسام هذا ليس وقته توقف عن تلبية كل طلباتها "
قالت حينها ندى بحزن " حثنا بيضة واحدة فقط "
ضحك بسام وقلت أنا بضيق " وأنتي توقفي عن الطلبات التي لا
تنتهي أو عدنا لمنزل جدتك ولن نرى بسام أبدا "
قالت من فورها صارخة " لاآآآآ "
قال بسام بضحكة " أجل هذه هي ابنتي التي لا تريد تركي "
قالت حينها من فورها " أنت اذهب لتيه ونحن نبقى في غرفثي الحلوة "
ضحكت أنا حينها وقال هوا ببرود " باعتني سريعا "
ثم أمسك يدي وقبلها وقال ناظرا للطريق " عشائنا الليلة في منزل عائلتي
كما اتفقنا وإن بذر من أحدهم شيء فتحمليه من أجلي يا رغد "
شددت على يده بقوة وقلت ناظرة لملامحه " لا تقلق يا بسام
فليس من أجلك فقط سأتحمل بل ومن أجل عمي "
خطف نظرة لي وقال بصوت مبتسم " من أجله فقط "
أبعدت نظري عنه وقلت بحياء " قلت من أجلك وأجله "
صرخت حينها ندى قائلة " هذا هوا هناث "
فقال بسام " والدتك غير موافقة إذا سننسى الفكرة "
قالت حينها برجاء " مامااااا "
قلت بحزم " قلت لا يعني لا ولا أريد أن أسمعك تطلبين
شيئا لم يحضره بنفسه "
قال حينها ضاحكا وقد عاد لإمساك يدي " كي لا نصير في
مشكلة حين يأتوا أخوتك ويكثروا "
سحبت يدي منه وقلت مبتسمة " بحالك هذا لن ننجب أبدا
لأنك ستفسد أطباعهم "
*~~***~~*
دخلت الغرفة مسندة دُرر لأفاجئ بسراب منكمشة عند الزاوية حاضنة
نفسها وتبكي فأوصلت دُرر لسريرها فدخلته وغطت نفسها باللحاف
تبكي تحته فوضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق ناظرة لسراب
" وما يبكيك أنتي أيضا ؟؟ "
ولا جواب طبعا فنظرت لكل واحدة منهما وصوت نشيجهما الباكي الذي
يحاولان إخفائه يصلني بوضوح ليزيدا من شعوري بالعجز عن رده عنهما
فقلت بحرقة " سحقا للرجل ولليوم الذي عرفنا فيه أولئك الحمقى "
ثم ضربتُ الأرض بقدمي وقلت بضيق " ولكما أنتما الاثنتين أيضا
فيكفي بكاءً عليهما , أقسم أنهما لا يستحقان "
كنت أعلم أن ما أقوله لن يجدي ولن يسكتهما لكنه التعبير الوحيد الذي
استطعت به إخراج حرقتي عليهما فليثهم ينظرون لما أوصلونا , لما لا
قلوب ولا رحمة لديهم ؟ عشنا البؤس طوال حياتنا من طفولتنا وبكل أشكاله
لكني لم أراهما منهارتان وضعيفتان هكذا , لا سراب أم عشر ألسن ولا دُرر
المؤمنة القوية المحتسبة الصبورة , فلم نعرف القهر والدموع إلا بعدما
عرفناهم فقد أبدعوا في هذا , قلت بقهر " توقفا عن البكاء , هذا
لا يجدي في شيء توقفا الآن "
ثم توجهت لسرير دُرر وجلست على طرفه وقلت محاولة سحب
اللحاف منها " دُرر يكفي أرجوك فلن تجني من هذا شيئا سوا المرض "
ولا فائدة طبعا فحملت هاتفي بغيظ وخرجت من عندهما بخطوات غاضبة ولو
الأمر بيدي لأحرقت كل شيء , دخلت أقرب غرفة أمامي وضربت بابها خلفي
ووقفت مستندة عليه وبدون أدنى تراجع ولا تفكير اتصلت بصديقهم الثالث
فأجاب سريعا فقلت بغضب من قبل أن يتحدث " أنت أخبرني صديقاك
الأحمقان أولئك مما مخلوقان ؟ ألا رحمة لديكم ألا شفقة "
قال مستغربا " وما علاقتي أنا بهما ؟ "
قلت بحدة " لا تختلف عنهما ومؤكد متآمرون علينا , سحقا
لكم من رجال سحقا "
ثم تابعت بقهر وحرقة " هل هذا ما تريدونه ؟ تدميرنا ورؤيتنا ننهار
إذاً هنيئا لكم يا رجال الشرطة "
قال بهدوء " ترجمان لا تلقي باللوم علي , ما ذنبي أنا ؟ "
قلت بضيق " وتسأل ما ذنبك ؟ أنت لا تقل عنهما في شيء
حمقى ومجرمين وبلا قلوب "
تنهد وقال " حسنا وما بيدي الآن ؟ "
قلت بقهر " تجلب ذاك المختفي حالا وتذهب للآخر وتسأله ما الذي قاله
لسراب أبكاها هكذا وأن يصلح أخطائه , لن أحتمل رؤية شقتاي تبكيان
أكثر من هذا أو لا يلمني أحد على ما قد أفعل لاحقا "
قال بضيق " ترجمان بالله عليك من أين أجلبه وما ذنبي في اختفائه
وآسر لم يسألني عما يفعل ولا يأخذ رأيي "
قلت بحرقة " كاذب , أنتم أصدقاء ومتفقون "
قال بصوت هادئ " لا علم لي بشيء من ذلك أقسم لك حبيبتي
ولا ذنب لي "
قلت بحدة " لست حبيبتك "
تنهد وقال " حاضر لست حبيبتي وأخبريني ما في يدي أفعله "
قلت من فوري " اجلب زوج دُرر من تحت الأرض وتفاهم مع الآخر "
قال بقلة حيلة " آسر وممكنة وأحاول جهدي , أواس من أين سأجلبه "
قلت أكتم عبرتي " تصرف لا دخل لي , أعده وسأذهب معك لمنزلك
وسأحاول حتى مسامحتك شرط أن تجده "
قال من فوره وبصدمة " ترجمان لا تربطي أمورنا بالغير ولا
تعقديها فوق ما هي معقدة "
قلت وقد خرجت عبرتي رغما عني ولحقتها دمعتي " لا قلب
لك مثلهما تماما , وأنا الحمقاء التي فكرت أنك ستساعدهما "
ثم أغلقت الخط في وجهه قبل أن يتحدث ولا أن يبرر لنفسه أكثر ولست
أعلم أي غباء جعلني أتصل به وأتأمل فيه ؟ لكني مقهورة أقسم أني
أموت قهرا عليهما ولا شيء بيدي ولا حيلة لدي
*~~***~~*
بما أني كنت في سيارتي وقريبا من المنطقة التي فيها المنزل توجهت هناك
من فوري فأنا أعرف ترجمان جيدا لو كانت أي امرأة أخرى لقلت أنها تهول
الأمور وتبكي بلا أسباب منطقية لكن أن أسمع صوت عبرتها فهذا يعني أن أمورا
كثيرة حدثت خاصة أني علمت من آسر قبل قليل في المركز أن زوجته وزوجة
أواس زارتاه , سبق وقررت أن لا أزورها هنا الآن لكن ما كان قلبي ليطاوعني أن
لا آتي بعدما سمعت بكائها , وصلت المنزل الذي كانت بوابته الخارجية مفتوحة
ودخلت بسيارة الشرطة التي كنت أقودها فيبدوا أنهن وصلن للتو ولم يغلقوها , أوقفت
السيارة بالمقربة من باب المنزل لكن ليس أمامه ونزلت منها ولم أعرف كيف سأصل
لها خاصة أن باب المنزل مفتوح , اقتربت من الباب وفي نيتي أن أنادي ليخرج لي
أحدهم ففوجئت بطفلة صغيرة راكضة تضحك ووقفت ما أن رأتني , كانت بفستان
طويل وخدان ممتلئان متوردان وشعر بني قصير , نظرت لي بصدمة ثم شهقت
بقوة وقفزت في مكانها وقالت صارخة " وسييييم "
نظرت لها باستغراب فهل أشبه شخصا تعرفه أسمه وسيم ! اقتربت
مني وقفزت قائلة " رائع ما أجمله "
نظرت لها بصدمة ثم انفجرت ضاحكا وعندما توقفت عن الضحك كانت
تنظر لي مبتسمة دون أن ترمش وقالت " أنا اسمي إسراء , ما أسمك أنت ؟ "
قلت مبتسما " كيف حالك يا إسراء "
قفزت مكانها ثم قالت بسعادة " بخير , أنت أجمل من ذاك الذي جاء
هنا , أنت لا أحد أجمل منك "
ضحكت هازا رأسي وقلت " نادي لي ترجمان يا جميلة بسرعة "
مدت شفتيها بعبوس فقلت ضاحكا " يبدوا تكرهين صعود السلالم "
قالت بذات عبوسها " هل أنت شقيقها ؟ "
قلت مبتسما " لا أنا زوجها "
قالت باستغراب " ما يعني زوجها ؟ هل مثل أبي وأمي "
هززت رأسي بنعم فشهقت بقوة وقالت " وتعيشان معا وتنام معها
في ذات الغرفة مثلهما ؟ "
قلت بضحكة " أجل "
قالت من فورها " تلك شريرة أتركها وتزوجني أنا "
لم أسطع إمساك ضحكتي لحظة خروج ترجمان ووقفت مكانها ونظرت
لي باستغراب ثم للطفلة أمامها حيث لم تكن منتبهة لها وتابعت تحرك
يديها كمخالب " شريرة هكذا لا تليق بك "
فوضعت ترجمان يداها وسط جسدها تنظر لها بضيق فقلت ونظري
لم يفارقها " أحبها ما أفعل مع قلبي "
رفعت حينها نظرها بي مصدومة ثم عضت شفتها بتهديد فقلت ضاحكا
" وقلبي ضعيف مع هذه الحركات فرفقا بي "
فنظرت الصغيرة للخلف من فورها ثم صرخت بذعر وفرت مبتعدة ناحية
الأشجار وقالت صارخة من هناك " هيا اسجنها وتزوجني أنا "
ضحكتُ من فوري ونظرتْ هي لها بضيق وكانت ستقول شيئا لولا خرجت
زوجة آسر وقالت باكية " ترجمان تعالي بسرعة دُرر متعبة وتنزف "
استدارت من فورها فتوجهت نحوها سريعا وأمسكت يدها وقلت
" اتركوا لي طريقا لأنزلها ونأخذها للمستشفى "
سحبت يدها مني وقالت بضيق " في منامك يا وقح "
ثم دخلت راكضة وعيناي تراقبانها مبتسما فيبدوا أنها لم تفكر في
معنى رفضها هذا ! تلك الغيورة التي لا تريد أن تعترف بذلك
نهاية الفصل .... موعدنا مساء الثلاثاء إن شاء الله