الفصل الرابع والأربعون
المدخل : بقلم الغالية أيفا رمضان
أحبني بذكاء يا هذا فلا لي مشاعرك تشفيني ولا لي أنتقامي يريحني واناأصبحت تائهة في وسط العاصفة
ولا مجال لي تراجع قف بجانبي وساعدني في رحلتي فلا للكلام يجذبني ولا لي وردك تلفتني فأن اردت
بي قلبي فعليك الحرب في معركتي فجذبني في مواقفك فل حرب سائرة عليك قبل أن تكون لي
ولنكون حصون من جليد
سلمت يمينك
**********
أغلقت باب الغرفة وخرجت فكان واقفا مكانه وقال ما أن رآني
" هل نامت ؟ "
هززت رأسي بنعم وقلت بحزن " ككل مرة نامت من شدة تعبها من البكاء "
تنهد بضيق ولاذ بالصمت فقلت بأسى " لو كان مات لكانت صدمتها أخف
لما يفعل بها هكذا وهي تحبه ؟؟ "
قال بضيق " هكذا يفعل أغلب الرجال يرمون المرأة بعدما ينالون غرضهم
منها وهي كانت وسيلة لانتقامه ليس إلا والآن ذهب بعدما رماها علينا "
قلت بضيق مماثل " ونحن لسنا متضايقين من وجودها ويوم
عيد يوم رجعت لي ابنتي "
تأفف وقال " ومن قال أننا لا نريدها , أقسم ما كان سيهنأ لي بال وهي بعيدة
ولا نعرف مصيرها وما دخلت المخابرات السرية إلا من أجلها ومن أجل
العثور عليها وإعادتها وجاء ذاك يفتخر ببحثه عنا وإعادتها لنا لكن بعد
ماذا ؟ بعد أن دمروها وشوهوها من الداخل , أعادها حطام امرأة ليس إلا "
هززت رأسي بحيرة وقلت " لا أصدق أن يكون تركها كرها لها بعدما قرأت
الورقة ورأيت ما فيها بنفسي فكيف يكون يكرهها ولا يريدها ويخبرها بأنه
يتركها من أجلها هي وترك لها كل تلك الأملاك لتضمن مستقبلها ومستقبلنا
معها , أخبرني كيف يكون ذلك يا قصي ؟ "
قال بضيق " تقصيت عنه وعلمت أنه منذ غادر من هنا في منزله هناك
أسبوع كامل لم يغادره ولم يفكر حتى أن يتصل بها فما معنى كل هذا
ويقول أنه لا يريد تطليقها الآن فكيف يتركها معلقة هكذا وعليه فعلها
رغما عنه لترى حياتها وتتزوج "
قلت بأسى " وهل تراها ستوافق ذلك ؟ أقسم أن يجن جنونها إن أرسل
ورقتها ففكرة أنه رحل بعيدا عنها لم تستوعبها حتى الآن "
تركني وتوجه لأريكة الصالون في وسط الشقة وجلس عليها يفرك جبينه بصمت
وضيق ووقفت أنا مكاني أراقبه بحزن , أعلم ما تشعر به يا بني فمنذ ولدتك وأنت
تعاني , من حين هربت هنا بابنتي حيث والدتي وشقيقي رحمه الله وشقيقتي راحيل
واكتشفت أني حامل وابنتي كان عمرها أشهر فقط فكتمت ذاك الحمل ولحسن حظي
ولدت ابني قبل أن يجدنا جدها فنسبنا الطفل لشقيقتي وزوجها كي لا يأتي ويأخذه مني
وحدث ما خشيت بالفعل فقد وجدنا ودُرر عمرها ثلاث سنين وانتشلها من حضني بكل
قسوة وتجبر وحرمني منها وأخذها باكية تناديني , ولا أنسى ذاك اليوم ما حييت وأنا
أسمع بكائها ومناداتها لي حتى اختفت سيارته واستل قلبي عرقا عرقا ذاك اليوم وعشنا
بعدها معاناة لا يعلمها إلا الله بسببه حين كان قاضيا هناك وبعدما أخرجوه من القضاء
وجاءنا هنا فنبذت ابني ونكرته رغما عني ليحمل اسما غير اسم والده كي لا يكون
مصيره كمصير شقيقته ويأخذه بلا رحمة , وعاش حياته كلها في ترقب وخوف على
نفسه وعلينا خاصة بعد موت خاله وتركه لنا في عنقه وبعدما اختار تلك الوظيفة
وعمل مع المخابرات الدولية السرية , وعشت حياتي في كابوس مخيف حتى في
نومي أرى جده جاء وأخذه أو قتله , اقتربت منه وهوا على حاله وجلوسه
وقلت " ماذا حدث بشأن أوراقك ؟ "
قال دون أن يرفع رأسه ولازال يفرك جبينه " كلها أيام فقط وأستعيد هويتي
لكن موضوع انتقالنا يحتاج لوقت حتى أنقل عملي وأنتي تعلمي
موضوع الاستخبارات ليس بهين "
قلت بهدوء " كما يناسبك بني "
ثم تابعت ببعض التردد " وماذا بشأن موضوع لبنى ؟ "
تنفس بضيق وقال " أمي كم مرة سنتحدث في أمرها "
كنت سأتحدث فرفع رأسه ونظر لي وقال " قلت سابقا أن تنسي أمرها "
قلت بجدية " لأنها ليست الأولى لن أنسى أمرها فكم واحدة عرضناها
عليك ورفضت وأنت لم تعد صغيرا يا قصي والفتيات العربيات هنا
محدودات والفتاة لا تعوض "
وقف وقال " لا تعجبني معقدة ولم أستلطفها "
قلت بنفاذ صبر " ما معقدة هذه ؟ هي أفضل من غيرها وأنا
أريد رؤية أبنائك "
توجه نحوي أمسك رأسي وقبله وقال " ستريهم لما الاستعجال ثم نحن
سنعود لبلادنا والخيارات ستكون أوسع لما آخذ واحدة من هنا أبعدها
عن أهلها وأحاصر نفسي بخيارات معينة "
قلت ببعض الضيق " والمعقدات هناك أكثر "
قال بعد ضحكة صغيرة " لن تفهمي ما أعني مهما شرحت فأنا لم
أقصد أطباعها ولا أفكارها بل عنيت فهمي لها "
تأففت وقلت " ما أفهمه أنك تتحجج فقط "
انفتح باب إحدى الغرف حينها وخرجت منه والدتي مستندة بعكازها
وقالت بضيق " قصي تعالى هنا وأعطني أذنك لأقرصها "
وضع يده على رأسه وقال مبتسما " نسيت يا جدتي قسما نسيت "
تقدمت نحونا بخطواتها الواهنة البطيئة وقالت ملوحة بالعكاز
" كم مرة ستنسى ها ؟ وفي كل مرة تعدني بأنك ستحظره "
وقف خلفي واضعا يداه على كتفاي وجاعلا إياي بينهما وقال بضحكة
" اليوم سأحضره أعدك فأبعدي زوجك هذا عني "
قالت بحدة وهي تحاول ضربه من ورائي " كم مرة قلت لا تنادي
هذه العصا بزوجي يا وقح "
ضحكت وقلت " أمي ضرباتك كلها في كتفي أنا . ثم لو كان زوجك
عكازا فهوا جده يعني أنه عكاز مثله "
سحب العكاز منها في حركة سريعة ثم توجه نحوها وحملها رغم صراخها
واعتراضها وهوا يعلم أنها أكثر من يكره هذه الحركة وقال وهوا يدور
بها حول نفسه " ما أن تستعيد دُرر عافيتها سأآخذكم لمكان لن تتوقعوه "
ثم أنزلها ممسكة رأسها وتشعر بالدوار طبعا وتحاول ضربه بيدها ولا تتبين
مكانه فقال مغادرا جهة باب الشقة " أقسم أن أحضره هذه المرة يا جدتي "
وفتح الباب وغادر مغلقا له خلفه ونظري يتبعه , حفظك الله يا بني تحاول أن
تزرع الابتسامة على وجوهنا وأنت أكثر من يحتاجها , وكأني أرى والده
الآن أمامي فقد كان رجلا ذو هيبة في كل شيء حتى حديثه وإن مزح وضحك
فليس لأنه يريد ذلك بل من أجل من حوله , نظرت لوالدتي وأعطيتها عكازها
وقلت ممسكة لها " تعالي اجلسي ستحتاجين لوقت لتفيقي من دوارك "
قالت بضيق " بل خذيني لأرى ابنتك بعدما غادر ذاك الكاذب المجنون "
ضحكت وقلت متوجهة بها جهة غرفة دُرر التي كانت لقصي
" من يسمعك لا يصدق أنه المفضل لديك وأنك تحبينه أكثر
حتى من ابنتيك "
تنهدت وقالت " هوا عزوتنا وسندنا في هذه الدنيا بعد الله ونحن
نسوة لا أحد لنا وهوا شاب يُعتمد عليه "
فتحت الباب ببطء وقلت بصوت منخفض " حمدا لله لم يقطع فضله
علينا كلما خسرنا رجل أعطانا غيره وحتى هذه النائمة على
سريره الآن قد يكون عوّضها به عن زوجها "
*~~***~~*
لففت حول السرير وقلت " هيا سراب تحركي لنخرج معا "
كتفت يداها لصدرها ممسكة للحاف معهما وقالت ببرود
" قلت لا أريد "
قلت بضيق " وحتى متى ستسجنين نفسك يا غبية وما ستجنيه بهذا "
قالت بضيق مماثل " أريد حلا لكل هذا وأريد أن أعلم لما فعل ذلك "
قلت من بين أسناني " غبية طوال حياتك "
نفضت اللحاف عنها ونظرت لي وقالت " أنكري أنه قلبك لا يحترق
الآن مثلي ؟ لا تكابري يا ترجمان "
قلت بحدة " فليتفحم ولا أعيش تعيسة بسبب رجل كان من يكون , أنا
لست مثلك ولن أفكر مثلك وسأقتل قلبي إن ذلني له أو لغيره وسأكمل
حياتي وكما أريد وأخرجه منها أحب أم كره وأحب قلبي ذلك أم لا "
قالت بسخرية " لا تستهيني بالأمر يا ترجمان فأنتي لم تدخلي معه في
مواجهة وحرب باردة بعد فأنا من جربت من ذلك الكثير أقسم أنه
أقسى من الموت ذاته وسحقا للبلاء المسمى حب "
كتفت يداي لصدري وقلت " جربت مرة والمهم خرجت منها على
قيد الحياة فلا عمري بيده ولا رزقي أيضا فتوقفي عن الجنون "
تأففت وقالت " ومن قال لك أني أفكر كما تضنين أنا أفكر في مستقبلنا
الذي كنت وجدت له حلا , وأريد أن أفهم سبب ما فعل وكيف سنتصرف
الآن فكل هذا من صدمتي بضياع كل تلك الأشياء منا "
قلت ببرود " أخبرتك أن تشتكي عليه لكنك لا تريدي "
قالت بحنق " كم مرة سأقولها ؟ لو كنتِ حمارا لفهمها , لا أريد
أن تخسره هذه العائلة المعتمدة عليه "
قفزت عليا حينها وبدأت بخنقي قائلة " أنا حمار يا قردة "
ضحكت وقلت باختناق " بل أنتي قردة وأنا حمار فابتعدي عني "
ودخلنا في صراع ضاحك أعادني لتلك الأيام حين كنا في منزل العجوز
بعدما تعبنا ارتمينا على السرير بجانب بعضنا نتنفس بقوة ونظرنا لسقف
الغرفة وقالت مبتسمة " كم كانت أياما رائعة يا ترجمان أيام ألماسة تلك "
ضحكت وقلت " سراب تقول هذا ! وهي أكثر من كانت تتذمر من تلك الحياة "
قالت بحزن " كان لا هم لنا ولا شيء يشغلنا ننام نضحك ونستيقظ نمزح
لا أحد يتحكم بنا لا شيء يكدر صفونا والأهم لا مال يجلب لنا الهموم "
هززت رأسي وقلت " تغيرتِ كثيرا يا سراب "
قالت بنبرة ساخرة " بل قولي تعلمت كثيرا من تجارب لم نخضها سابقا
جربت الفقر الأشد مما كنت أتذمر منه وجربت الحب مع الحزن
والبكاء والأهم جربت المال وكرهته أيضا "
تنهدت بأسى وقلت " لَم نهان في حياتنا بهذا الشكل أبدا , ومنذ عرفنا شلة
الحمقى هذه ونحن في الذل والاستصغار فهؤلاء الرجال يعرفون جيدا
كيف يكسرون المرأة مهما كانت ومهما تقوّت عليهم "
جلست ونظرت لي من فوقي وقالت " هل أعتبره اعترافا ضمني
من الصنديدة ترجمان "
جلست أيضا وقلت " لا بالطبع "
قالت بسخرية " وأين ذاك الدينجوان زوجك لم يشرفنا بطلته
البهية يبدوا سعد بفراقك "
دفعتها من كتفيها وقلت " وأنا أسعد منه بفراقه "
ثم غادرت السرير وسحبتها معي قائلة " دعينا نخرج لأي مكان
حتى متى سنبقى هنا وهكذا "
سحبت يدها مني وقالت " يبدوا أنك نسيتي تعليمات السيد آسر
أن لا أخرج إلا للضرورة "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت " وتخافين تهديداً من ذاك ؟ "
قالت ببرود " بل هوا يتصيد لي المشاكل وأنا لا أريد إعطاء الفرصة له "
ضحكت وقلت " معه حق كيف تعطي خاتم زواج لطفلة وهوا من أحضره "
تجاهلتني ونظرت جانبا ثم نظرت ليديها في حجرها وقالت بحزن
" كم اشتقت لدُرر أيعقل أن تنسانا هكذا ؟ "
هززت رأسي وقلت " أبدا ليست دُرر من يفعلها مؤكد مشغولة
مع عائلتها فقط "
نظرت لي وقالت " كم هي محظوظة لابد وأنها في قمة السعادة الآن
والدتها وشقيقها وقال عمك أنه لها خالة وجدة أيضا "
ثم تابعت بأسى " وأنتي لك عائلة يحبونك فوحدي المنبوذة "
قلت بسخرية " نعم يحبونني ومن كثرة حبهم لي اتفقوا مع ابنهم لجعلي
سخرية , لا أعلم لما وحدي من لم تخرج والدتي من الموت مثلكما "
قالت بحزن " يكون أفضل من أن تُفجعي فيها "
تنهدت وقلت " في النهاية لك أُم ومؤكد ستشعر يوما بخطئها "
ابتسمت بسخرية ولم تعلق فقلت ملوحة بيدي " هيا سنخرج لمشوار
ضروري إذا , المهم نفارق هذا المنزل قليلا "
قالت بضيق مغادرة السرير " أمري لله , لا أعلم لما لا تخرجي
وحدك وتتركيني وشأني "
وتوجهت للخزانة وقالت وهي تخرج ثيابا منها " أحمق لم يتركني
أتجنب أن أكون مثل هيم ولم يعطني الفرصة لأجمع المال "
نظرت لها باستغراب وقلت " من هيم هذا ؟؟ "
أخرجت بنطلونا وأغلقت الخزانة بقوة وقالت ببرود " شخص لا
تعرفيه لأنك طوال حياتك تشبهين هاو مستعدة لأي تغيير ولا
شيء يؤثر بك "
رفعت كتفاي بلامبالاة وتجاهلت كل ما سمعت وغيرت ثيابي أيضا
بعد قليل غادرنا الغرفة ونزلنا السلالم وكانت تلك الطفلة إسراء في
الأسفل وما أن رأتني حتى فرت هاربة فضحكت وقلت
" هربت مني هذه المرة "
قالت سراب ضاحكة " وكيف تريديها أن تبقى لك وأنتي
علّمتها كيف تكرهك وبجدارة "
قلت مبتسمة ونحن ننزل آخر العتبات " خدّيها مغريان كلما رأيتهما
شددتهما رغما عني , لم أرى حياتي طفلة نحيلة خديها ممتلئتان
وحمراوان هكذا "
قالت ببرود " وكسرتي لها أرجوحتها أيضا فلا تنسي "
ضحكت وقلت ونحن نتجه للباب " أردت تجربتها فقط لكنها
كانت رديئة الصنع "
تمتمت بامتعاض " رديئة الصنع !! أم حجمك لا يناسبها يا طفلة "
توجهنا للسيارة وركبنا وقدتها أنا طبعا وقالت سراب ما أن تحركنا
" ما أنا موقنة منه أنه ستمسكنا الشرطة يوما وأنتي تقودين بدون
رخصة قيادة وللسجن فورا وتوقعي من سنجد هناك "
قلت ونحن نعبر بوابة المنزل " ولمن تتركون هذه السيارة بلا سائق
انتفعوا بها أفضل , ثم لا أعلم لما أنتي خائفة من تهديداته هكذا ؟ لو
كنت مكانك لتمشيت أمام المركز الذي يعمل فيه عمدا "
قالت ببرود " نعم ليُعلق مشنقتي هناك "
قلت بلامبالاة " أنتم فقط لم تجربوا طعم التمرد والتحدي إنه لا يوصف "
تنهدت بأسى وقالت " لو أفهم فقط لما لم تتغيري أبدا بينما انقلبت أنا
رأس على عقب رغم أنك وقعتِ على قلبك وأحببته أيضا ؟ "
قلت ببرود " لا تكرري هذا مجددا "
قالت من فورها " وأنكري صحة كلامي , أنا من يعرفك أكثر
من نفسك يا ترجمان "
ضربتها بقبضتي على كتفها تم أعدت يدي للمقود وقلت
" أغلقي الموضوع أو القادمة ستكون على أنفك "
شدت لي خصلة من شعري وقالت " لا تنسي أنك الأضعف
الآن لأنك تقودين "
دفعتها عني محاولة تثبيت حركة السيارة وقلت " توقفي يا
حمقاء الآن ستمسكنا الشرطة بسببك "
وعلى شجارنا أمضينا الطريق كعادتنا في السابق فيبدوا أننا لن نتغير
حتى لو أصبحنا عجوزان وأجمل ما فينا أن مشاعرنا اتجاه بعضنا
لم يغيرها شيء والباقي للفناء فكله يمكن استبداله مهما طل الوقت
زدت السرعة وقلت صارخة " لا ينقصنا إلا دُرر "
فصرخت سراب حينها " خففي السرعة يا غبية أقسم أن
نهايتنا ستكون على يدك "
*~~***~~*
فتحت باب المنزل ودخلت وأدخلت حقيبتي معي وأول من قابلني كان
والدي فتركت الحقيبة وتوجهت نحوه وقبلت يده فقال
" حمدا لله على السلامة يا بسام "
قلت مبتسما " سلمك الله كيف هي صحتك ؟ "
هز رأسه بمعنى جيدة وقال " وكيف كانت رحلتك أنت ؟ "
مررت أصابعي في شعري وقلت " جيدة لا جديد فيها مجرد دورة
عادية ككل عام منذ عملت في الشركة "
قال مغادرا جهة باب المنزل " إذا جهز أمورك يا عريس "
تبعته بنظراتي المصدومة وكدت أقفز عليه وأحضنه فكلامه يعني أنها
وافقت وأن كل شيء حدث كما أريد ولن تكوني لغيري يا رغد , نظرت
للتي وقفت أمامي قائلة ببرود " حمدا لله على السلامة "
قبلت رأسها ثم يدها وقلت " سلمك الله , لما كل هذا العبوس ؟ "
قالت بذات برودها " تعلم لما "
تنهدت وقلت " أمي أريد أن أعلم هل تريدين سعادتي أم لا ؟ "
قالت بضيق " بلى وهل هناك أم لا تريد السعادة لأبنائها "
قلت مبتسما " وسعادتي مع رغد وإن تزوجت بغيرها سأعيش
تعيسا طوال حياتي "
كانت ستتحدث فقاطعتها برجاء " أمي بالله عليك ألم تكن تعجبك
كما شقيقتاها وهي أكثر منهما ؟ فما تغير الآن "
قالت بضيق " أنا لم أتحدث عن أخلاقهم ولا تربيتهن والجميع يشهد
لكنها رفضتك يا بسام وشقيقتها رفضت شقيقك وكأنكم لستم أبناء عمهن
وهي أرملة ومعها ابنة فما يجبرك على كل هذا وأنت شاب "
تنهدت وقلت " أمي حتى متى سأقول لك أني أريدها وإن كانت
نصف إنسانة "
شهقت بصدمة فأمسكت رأسها وقبلته مجددا وقلت " ليحفظك الله
لي يا أمي لا تكسري فرحتي أرجوك "
قالت باستسلام " وما يسكتني غير فرحتك "
قلت مبتسما " وأريد أن تفرحي بي ومعي أيضا وأن تكون رغد
لديك رغد الماضي لم تتغير فما حدث كان مقدرا من الله وكانت
ستتزوجه قبلي في كل الأحوال "
تنهدت وقالت " وما بيدي أقول غير ما أسعدها بك من امرأة
وُلدت في ليلة عيد ولا حظ يوازي حضها "
ضحكت وقلت " هذا لأني ابنك فقط "
ثم نظرت من حولي وقلت " وأين البقية ونورس أليست هنا ؟ "
قالت بهدوء " جاء زوجها وأخذها , قال أن أقارب لهم في طريقهم
لزيارتهم وكما تعلم هي عروس ويجب أن تكون معهم "
هززت رأسي بحسنا فقالت " هل أعد لك شيئا تأكله ؟ "
قبلت يدها وقلت " أكلت في الطائرة , سأصعد لأستحم وأنام
هذا فقط ما أحتاجه الآن "
صعدت بعدها لغرفتي وما أن دخلت وأغلقت الباب خلفي جلست على
السرير مخرجا هاتفي من جيبي واتصلت بإياس قبل حتى أن أفكر في أن
أنام وأرتاح ولا أن أستحم وأغير ثيابي , طلبت رقمه فأجاب سريعا وبعد
السؤال عن الحال كنت أنتظر تلميحا أو أي كلمة منه تشجعني على الحديث
لكنه تطرق لدورتي يخرج من حديث يدخل لآخر وكأنه يتعمد إحراق
أعصابي حتى قلت " ما أمور المزرعة معكم "
قال من فوره " سأبيعها قريبا وأرجع للعاصمة "
قلت بصدمة " حقا !! ما هذا القرار المفاجئ "
قال بهدوء " كنت أريد تحسين وضعها لأحصل فيها على سعر مناسب
وبعد زواج جميع شقيقاتي لا حاجة لي بكل هذا وراتبي يكفيني وزوجتي
ووالدتي ويزيد وبحصتي من المزرعة قد أبدأ مشروعا صغيرا خاصا بي "
حمحمت وقد وصلنا للنقطة الأهم فقلت " ومتى ستتخلص من شقيقاتك وتأتي "
ضحك وقال " اسأل نفسك هذا السؤال فالأخرى متزوجة "
شعرت بأني سأطير من الفرحة وكأني لم أسمعها من والدي وسمعتها
من إياس للتو فقلت " وأنا من يدك اليمين للشمال وجاهز من الآن "
ضحك وقال " مهلك قليلا فليس قبل أن تنهي منزلك فلن أزوج أي منهن
مجددا في منزل مشترك مع العائلة "
قلت بابتسامة " وهذا أمر سهل فمنزلي لم يعد ينقصه الكثير
فقط حددا لنا موعدا "
قال بهدوء " دعنا نرجع لمنزلنا هناك أولا ثم سيحدث ما تريد "
*~~***~~*
خرجت والخادمة تجر حقيبتي خلفي حتى وصلنا السيارة ووضعتها
في الخلف فركبت بجانبه ونظرت له وقلت مبتسمة " حمدا لله
على سلامتك يا أواس "
ثم سرعان ما ماتت ابتسامتي وقلت باستغراب ناظرة لملامحه
" أواس ما بك لونك مصفر وتبدوا فقدت شيئا من وزنك ؟ "
نظر للأمام حيث تحرك بسيارته خارجان من سور المنزل
وقال ببرود " لا شيء "
قلت بحيرة " كيف لا شيء ! ألم ترى وجهك في المرآة ؟ وما
حدث مع ذاك المجرم فقد سمعت في الأخبار عن إمساكهم
لخلايا نائمة في البلاد "
قال بذات بروده " أمسكناه وهوا في مستشفى سجن جنوب العاصمة "
كنت سأتحدث فقال " سوف آخذك لمنزل والدي حاليا "
قلت بصدمة " ولما !! "
قال ونظره على الطريق " لا يمكنني قول السبب الآن وسيأتي بعد
أيام رجل سيتحدث معكم عن أمر لا تعارضي فيه يا عمتي ولا
تناقشي إن كانت لي معزة عندك "
قلت بضيق " قل شيئا مفهوما يا أواس "
قال بضيق أكبر " انسي أواس يا عمتي انتهى أواس انتهى
فافعلي ما سيقول ذاك الرجل "
نظرت له بصدمة وقلت " كيف انتهى ؟؟ ماذا حدث معك
وأين ستذهب وأين هي دُرر ؟ "
قبض على المقود بقوة وقال بألم " انسي كل شيء عمتي كله
انتهى كله ماضي وأنا سأكون من ضمنه "
شعرت بغصة وكتمه في صدري ودموعي تنذر بالنزول وقلت بعبرة
مكتومة " أواس ألن أراك مجددا ! ماذا يحدث بني أخبرني أرجوك ؟ "
هز رأسه بلا دون كلام فقلت وقد تساقطت دموعي " ماذا يحدث
معك ؟ ماذا فعل بك ذاك المجرم ؟ "
قال بغضب " لا شيء لم يفعل بي شيء وانسوني أعدوا أني
ميت أني مت من أعوام لأنكم لن تروني مجددا "
بقيت أنظر له بصدمة أحاول فقط استيعاب ما قال وما يعني فوقف
بالسيارة حينها ودار بجسده نحوي ومسح دموعي ثم أمسك يدي وقبلها
وقال " سامحيني يا عمتي ما كنت سأتخلى عنك لولا ظروفي وسأؤمّن
لك مستقبلك ولن تبقي تحت رحمة والدي "
هززت رأسي بلا وقلت ببكاء " لا أريد شيئا يا أواس , أخبرني ما
بك وما حدث معك فلن أذهب لمكان لست فيه "
شد على يدي بقوة وقال " حلفتك بالله لا تعصيني هذه المرة يا
عمتي لأكون مطمئنا أرجوك "
نظرت له بحيرة وعينان دامعة ولم أعرف ما أقول فقبل يداي كل
واحدة منهما على حدا وقال " عديني يا عمتي أرجوك "
قلت بعبرة وهمس " أعدك بني فقط كن بخير "
عاد لمسح دموعي وقال " سأكون بخير أنتي فقط وافقي على
ما سيقول ذاك الرجل ويفعل ليكون بالي مرتاحا "
هززت رأسي بحسنا دون كلام فعاد بجسده أماما وأمسك المقود
وقال ناظرا للبعيد " سلمي لي على والدي واطلبي منه مسامحتي "
أغلقت حينها فمي بيدي وانخرطت في بكاء مرير ونحيب فكل هذا لا
معنى له إلا شيء واحد وهوا أنه سيموت ومتأكد من مغادرته للحياة
ولا أعلم كيف ولا لما لكني متأكدة , قال ونظره لازال هناك أمامه
" عمتي يكفي بكاء أرجوك أخبرتك أني سأكون بخير "
تمسكت بذراعه ودفنت وجهي فيها وقلت ببكاء " لا يا أواس لا تفعل
بنفسك شيئا بني وزر طبيبا لا عيب أن يراك لكن لا تؤذي نفسك "
قال بنبرة متألمة " لست مجنونا عمتي ولا أحتاج طبيبا نفسيا لما
لا تفهمون ذلك , ولن أقتل نفسي لا تخافي "
وبقيت على ذاك الحال والوضع لوقت ويده تمسح على رأسي حتى
خف بكائي فقال بهدوء " يكفيك تعذيبا لي عمتي أرجوك فتوقفي
عن البكاء وانزلي لأنه عليا المغادرة لأمر ضروري "
نظرت لوجهه وقلت بحزن " اتصل بي إذا , عدني بذلك أو لن
أفعل ما طلبت مني "
هز رأسه بحسنا دون كلام ففتحت باب السيارة ونزلت وأنزلت حقيبتي
وغادر من فوره والدمعة لازالت معلقة في نهاية رموشه وعيناي غابت
معه حتى اختفي وقلبي يخبرني أنها المرة الأخيرة التي سأراه فيها وكلامه
أكبر دليل على ذلك , عدت للبكاء واقفة في الشارع وكمي ممسحة لتلك
الدموع وكل من مر من أمامي نظر لي باستغراب وأنا نظري لازال
حيث اختفت سيارته ولن تعود , انفتح باب المنزل حينها وخرج منه قيس
ونظر لي باستغراب ثم لحقيبتي وقال " عمتي من جاء بك هنا ؟ ولما
تقفين في الشارع ؟ "
مسحت دموعي التي يبدوا وحدها التي لم يلحظها أو تجاهلها طبعا
وقلت " أواس جلبني وغادر "
قال ببرود " آه رماك مدللك ذاك لذلك تبكي "
قلت بضيق " ذاك شقيقك فخذ في اعتبارك على الأقل
إخراجه لكما من السجن دائما "
قال مغادرا " لو كان شقيقنا حقا لأعطانا من محلاته , ذاك البخيل
يملك كل ذاك المال ويحتكره لنفسه فقط "
هززت رأسي بيأس منه فهذه العائلة لن تتغير أبدا حتى بخروج علي رضوان
من حياتها فوالدتهم غرست فيهم طباعها السيئة بعيدا عن تدمير ذاك المجرم
لهم خارج المنزل , حملت حقيبتي وتوجهت للباب الذي تركه مفتوحا ودخلت
وأغلقته خلفي ودخلت المنزل حيث كان شقيقي سالم يجلس يشاهد التلفاز
ووقف ما أن رآني وقال باستغراب " خديجة متى عدتما ؟ "
وضعت الحقيبة وقلت " عدنا من أين ؟ "
قال باستغراب أشد " ألم تكوني مسافرة مع أواس !! "
قلت بسرعة " آه نعم وجلبني الآن وغادر "
قال بشيء من القلق لم أراه فيه سابقا " غادر إلى أين ؟ "
قلت بريبة " لا أعلم يبدوا سيغيب لبعض الوقت "
قال " هل صحيح ما تناقلته الأخبار ؟ "
نظرت للتلفاز وقلت " أخبار ماذا ؟؟ "
تأفف وقال " أخبار تداولها الناس هنا عن زوج والدته ذاك
والخلايا النائمة واسم أواس في القضية "
هززت رأسي بنعم دون كلام فقال بريبة " ما الذي تعلميه ولا أعلمه ؟ "
جلست على أقرب كرسي وقلت بأسى " ذاك المجرم كان وراء كل ما أنت
وأبنائك فيه وهوا من ورطك في ذاك الربا المصرفي ومن ضيع أبنائك
وأواس كان يحاربه وحيدا لا أحد معه وكان يحاول كف أذاه عنكم "
قال من فوره " وأين هوا الآن ؟ "
ابتسمت بسخرية وقلت بحزن سقطت معه دمعتي " غادر ولن يعود
ولم يذكر السبب , طلب مني فقط أن أخبرك أنه يسلم عليك
وأن تسامحه "
انتفض حينها بغضب وقال صارخا ومتوجها لباب المنزل
" ماذا فعلوا لابني سيرون جميعهم "
مسحت دمعتي وهمست بألم " تأخر الوقت لتشعر بأنه ابنك يا
سالم ... تأخر الوقت كثيرا يا أخي "
رفعت نظري حينها للتي وقفت أمامي فكانت زوجته بنظرتها السيئة
تلك وقالت ويدها وسط جسدها " من تأخر عن من ؟ وما تريديه
وابن شقيقك من زوجي ؟ "
قلت بضيق " ابن شقيقي ذاك يكون ابنه وهوا والده وأنا
شقيقته إن نسيتي "
قالت مغادرة من أمامي " ومنذ عرفناك وعرفناه ونحن نعاني وها
قد رماك علينا لا زوج لك ولا منزل آخر ولن تموتي قريبا بالتأكيد "
وأغلقت باب الغرفة التي دخلتها خلفها بقوة فخبأت وجهي في يداي وسافرت
في بكاء صامت وكل هذا لا يعنيني لأني اعتدت عليه ويبدو سأعيش فيه
كل حياتي , لا يهم فليرجعوا أواس وليكن بخير لا أريد أكثر من ذلك
*~~***~~*
فتح أحدهم الباب ودخل وكانت أمي وقالت من فورها
" زوجك ينتظرك من وقت ألن تنزلي له "
تأففت وقلت " نازلة فلينتظر قليلا لن يحصل شيء "
تنهدت وقالت مغادرة " لو أعلم ما قلبك عليه فجأة "
لويت شفتاي ووقفت مغادرة خلفها فاستدارت وعادت للوقوف
أمام الباب وقالت " هل ستنزلين له هكذا ؟؟ "
قلت ببرود " نعم وما بي تغير , سدين التي تعرفونها وسيعرفها
هوا كل حياته "
كانت ستتحدث والضيق بادي على ملامحها فقلت بضيق " أمي على
زوج ابنتك الحبيب أن يعرف كل هذا قبل أن أذهب له , لن أدفع أنا ثمن
حبكم له فوحدي من ستعيش معه وتجربة ترجمان لن تتكرر معي "
قالت بحدة " وهل الآن تقولين هذا بعدما تزوجتما "
قلت مجتازة لها " الخطأ على ابنك وعليه ليس عليا أنا "
ونزلت على صوت تذمرها وتسخطها وتجاهلت كل ما تقول فعليا أن أجد
حلا لكل هذا وعليه أن يتنازل لأتنازل أما أن يظن أني سأعيش حياتي معه
على أني صورة معلقة في منزله يحركها كيف يشاء وأين يشاء وفي حدوده
هذا أمر أبعد من خياله فقد ظننت وقت الخطبة أننا سنتفاهم وأنه متقبل لي وكل
واحد منا سيتنازل من أجل الآخر لكن أن يتحداني ويغيرني كما يريد ... هكذا
تعجبينني وهذا خطأ وهذا صحيح ... لن أرضى أبدا وعليه معاملتي كشريكة
كإنسانة أو لست بحاجة له فهوا رجل لا يقاس بالذهب لدى إياس ومن وجهة
نظره كرجل أما مع المرأة فالأمر مختلف تماما , دفعت باب المجلس ودخلت
فوقف من فوره ينظر لي بجمود ويبدوا كان متوقعا مظهري هذا فبدل الخاتم
لبست ثلاثة وبدل الفصين جعلتهم سربا من طرف عيني لوسط خدي بنطلون
جينز قصير تتدلى منه سلاسل من جانبي حزامه وتيشرت بكمين قصيرين
تتوسطه صورة لفناني المفضل وشعر بقصته المدرجة مصبوغ باللون الزيتوني
ومخصل بخصلات خضراء غامقة رقيقة وهذه هي أنا قبلني كان بها لا أعجبه
يطلقني لا مانع لدي وإن عشت حياتي بعده بلا زواج , وصلت عنده ومددت
يدي له ليرى الخواتم بوضوح أكثر فنظر لها بذات ملامحه الجامدة ثم
لعيناي وقال " طلبت زوجتي وليس مهرجا "
أنزلت يدي وقلت ببرود " وزوجتك طوال حياتها مهرج ومن قبل
أن تتزوجها ورضيت بها "
قال بابتسامة ساخرة " إذاً أفهم مما تفعليه الآن فرض رأي "
كتفت يداي لصدري وقلت " بل وضع نقاط على الحروف "
قال ببرود " لن أقبل بكل هذا يا سدين اقتنعي بها بأي طريقة تعجبك "
قلت ببرود مماثل " وأنا هذا ما لدي وأريد أن أعمل بشهادتي أيضا
والتنازلات يكون لها مقابل أو لن تكون "
قال بشيء من الضيق " هذه اللعبة وحدك من سيخسر فيها يا
سدين ولا تنسي أني أنا الرجل "
قلت بضيق " ولا أنا مستعدة للعيش حياة مع رجل لازال يعيش في تفكير
أجدادي القدماء وهم يعاملون المرأة كالدابة لا وظيفة لها سوا السمع والطاعة
لا رأي لها ولا مكانة عنده لها , يقولون لها يمين تهز رأسها كالبقرة , يدفعها
من أمامه تقول حاضر لن أقف في طريقك مجددا "
قال بضيق مماثل " ولما حين جئن شقيقاتي وقلن كل هذا لم تعترضي "
قلت من فوري " ظننتك تشتري صديقك كما فعل هوا معك يوم عرض
عليك شقيقته وأنزل من نفسه , كنت أراك بعين شقيقي إياس رجل سوف
يحتويني ويفهمني ويعرف كيف يجعلني كما يريد بالكلمة الطيبة وبالتعامل
الراقي الحسن لم أتخيلك تعامل الرجال والنساء بنفس الطريقة "
قال بحدة " لا وتهينينني أيضا يا سدين وبكل جرأة "
قلت ببرود " أنت سألت وأنا أجبت وإن لم يكن لك رأي في هذا
ولن تجد له حلا فسأجده أنا "
نظر لي مطولا بصمت وكأنه يترجم معنى ما قلت ثم قال
" وما هذا الذي ستفعلينه ؟ "
قلت بجمود " سترى بنفسك بما أنك لا تريد أن تتورط مع صديقك "
ثم قلت مغادرة " وحين يسألك عن السبب لا تقله بالله عليك
وتصدمه فيك "
*~~***~~*
جلست على الكرسي ورميت مفاتيحي وهاتفي على المنضدة أمامي واتكأت
بمرفقاي على ركبتاي ومررت أصابعي في شعري مغمضا عيناي بقوة وأشعر
بألم لا يمكن وصفه ولا تخيله ألم يدمر قلبي فليت كان لدموع الرجال حرية التناثر
في كل مكان كالنساء لبكيت الآن بنحيب فيالها من نعمة يملكونها ونفتقدها نحن
حركت أصابعي في شعري بعشوائية ثم أنزلت يداي لوجهي وحضنته بهما وكلامه
لازال يرن في أذناي وكأني سمعته الآن ( أنا مصاب بالإيدز ولم يعد من وجودي
نفع لأحد وراض بحكم الله وقدره وعليا أن أبتعد عن الجميع كي لا أؤذي أحدا
وعليك مساعدتي فأنت قبل أن تكون رئيسي في عملي أعدك والدي الذي
لم أجده في أبي يوما )
مررت أصابعي في شعري مجددا حتى مؤخرته ممسكا لقفا عنقي بيداي أنظر
للأرض تحتي بشرود , لا أصدق ذلك !! أواس مصاب بهذا المرض ! لا يمكنني
تخيل ذلك حتى ولا أستبعد أن يفعلها به مجرم كذاك الرجل فسحقا له سحقا لقد دمره
دمر شبابه ومستقبله وأي عقوبة سيتلقاها الآن لن تعوض أواس شيئا فيما فقده , كيف
يمكنني التكتم كما طلب مني فهذه جريمة على القانون أن يعاقبه عليها , لكن معه حق
إن بلّغ عن ذلك احتجزوه هوا أيضا وهوا اختار أن يبتعد دون أن يعلم أحد , أبعدت
يدي عن عنقي وضربت بها ما قد وضعت أمامي راميا لهما لأبعد مكان عني وأشعر
بغضب في داخلي لا يخمده ولا تدميري للعالم بأكمله , بأي حق يحدث معه ذلك ؟
أي جرم هذا الذي ارتكبه يعاقب عليه بتلك الطريقة البشعة ؟ يترك ماله وشقا عمره
يترك عائلته زوجته وعمته التي تعتمد عليه وتحتمي به , كيف هكذا يموت الإنسان
وهوا ما يزال حيا وليثه كان صاحب فجور وفسق وخمر ومخدرات لقلنا أنه عقاب
يستحقه وسترتاح البشرية منه , وقفت مجددا وحملت مفاتيحي من الأرض وغادرت
المنزل فعليا أن أفعل ما طلب مني ولن أفكر في العواقب ولا حتى في رغبات نفسي
لن أخذله فيا في آخر طلب يطلبه , صحيح أني قررت أن لا أتزوج أبدا لكني سأفعلها
من أجله لأنه اعتمد علي ولأن حل مشكلته تلك لدي وحدي , لا يهم عجوز قبيحة لا
يهم عندي شيء سأجعلها حليلة لي وتعيش هنا معززة مكرمة ولن يتغير عليا شيء
ولن أفعل شيئا سوا إخراجها من ذاك المكان , عليا أولا أن أرتب بعض أموري وأخبر
شقيقتي وابنة شقيقي ومن ثم سأرى الطريقة التي سيوافق بها والد أواس ذاك , ركبت
سيارتي وضربت بابها خلفي بقوة وتحركت أشعر بأن العالم كله تحول في عيناي
لسواد وحتى رائحة الهواء تحولت لشيء يبعث الكآبة والغم فليثه لم يخبرني , ليثه
اختفى هكذا وتركني متسائلا كغيري عن سبب اختفائه وظننته سافر وهاجر وعاش
حياة جديدة فما أقسى ما تمر به يا أواس وما أفظعه وأسأل الله أن يبعد عنك وساوس
الشيطان ولا تؤذي نفسك بسبب يئسك وتخسر آخرتك , ضربت المقود بكفي عدة
مرات صارخا بغضب ونزلت الدمعة التي سجنتها في عيناي لوقت فهؤلاء ليسوا
طلبتي سابقا ولا رجال يعملون تحت إمرتي إنهم أبنائي اللذين لم أنجبهم , هم جزء
مني فكل واحد من ثلاثتهم عانى في حياته بطريقة وأخرى وعملت معهم جهدي
ليخرجوا رجالا ولا تؤثر فيهم ظروفهم التي مروا بها فقد ربيتهم على يداي وإن لم
يعتبروني هم إلا مجرد رئيس لهم تدربوا على يديه فأنا أعدهم أبناء ربينهم لأعوام
*~~***~~*
ما أن وصلنا المنزل وجدنا سيارة آسر في الداخل فقالت ترجمان من
فورها " انزلي أنتي أنا لدي أمر ضروري سأقوم به "
نظرت لها وقلت بضيق " نعم أهربي واتركيني وحدي "
قالت ببرود " زوجك وليس زوجي "
قلت بذات ضيقي " لا أعلم أين زوجك أنتي تركك ترتعين هكذا ؟
يا خوفي مما يدبر له يا ترجمان "
قالت بضيق مماثل " قولي أنك متضايقة مني وتنتظري أن يأتي
لأخذي من هنا "
نظرت لها بصدمة فضحكت وضربت كتفي وقالت " أعلم أنك لا
تقصدين ذلك وأن وجودي على قلبك كالسكر وأنا قبلت اعتذارك
وباقية معك لا مفر لك مني "
نظرت لها بسخط فقالت بابتسامة واسعة " هيا وسلمي لي عليه "
هززت رأسي بيأس وفتحت باب السيارة وقلت وأنا أنزل منها
" اذهبي يا ترجمان أسأل الله أن تجديه في وجهك ما أن تخرجي "
وضربت الباب بقوة وتوجهت لباب المنزل فنزلت من فورها وقالت
وهي تتبعني " لا بارك الله في لسانك ماذا إن تحقق دعائك , هيه
انتظري سأدخل قبلك لأهرب من زوجك ذاك "
وركضت مجتازة لي ودخلت قبلي فتنهدت بأسى ودخلت خلفها وكما
توقعت كان جالسا وسط المنزل ينتظرني وعليا أن أجهز نفسي الآن
لسيل من الأسئلة والانتقاد والتوبيخ والصراخ الغاضب طبعا , سرت
جهة السلالم حين وجدت أنه ينظر لي بصمت ولم يتحرك أو يتحدث
وما أن وصت أولى عتباته حتى أوقفني صوته قائلا " انتظري "
وقفت مكاني دون أن التفت له وقلت ببرود " نعم "
سمعت خطواته حينها وصوته قائلا " الحقي بي للمكتب المحامي
ينتظرنا هناك "
التفت له حينها فكان يسير جهته موليا ظهره لي , غريب لم يسأل ولم
يستجوبني أين كنت وكيف تقود ترجمان السيارة وووو ؟؟؟ غريب حقا
تحركت خلفه متنهدة بأسى , لا أعلم لما لا يساعدني على نسيانه حتى
بعدما دمر ثروتنا وأعادنا كما كنا قلبي الغبي هذا لازال يتوق له ويفكر فيه
تأففت وتابعت سيري مسرعة , لا أعلم ما بي غبية هكذا ما أن أراه تنقلب
جميع موازيني , وصلت المكتب وكان بابه مفتوحا فدخلت من فوري
وأغلقته ملقية التحية فأجاب المحامي أما آسر فكان جالسا وصامتا
كالتمثال اقتربت منهما وبقيت واقفة مكاني ولم أجلس فقال
المحامي " ثمة أوراق عليك توقيعها سيدة سراب "
قلت من فوري " أوراق ماذا ؟ "
وقف حينها آسر وقال متوجها جهة الباب " أنا سأغادر بعدما
وضح لك الأمر وأتموا كل شيء "
ثم خرج وترك باب المكتب مفتوحا ونظري يتبعه مستغربة وقال
المحامي " أوراق تنازل من السيد آسر عن نصف المزرعة
ونصف معمل المخبوزات لك وسيكونان ملكك وحدك "
نظرت له بصدمة وقلت " ماذا !! يتنازل بهما لي "
قال من فوره " نعم وسيأخذ هوا الحقول والمطحن ومعمل المخبوزات "
كنت سأعترض فقال مقاطعا لي " أضن أن هذا كان طلبك سابقا "
قلت بضيق " وهوا رفضه فما أفهم من كل ما فعل ويفعل الآن ؟
كان فعل هذا من البداية فما سأفعله الآن بمزرعة خالية ومصنع
ومعامل متوقفة عن العمل "
تنهد وقال " هذا أمر تسأليه هوا عنه أنا مجرد عبد مأمور "
قلت بضيق أكبر " عبد مأمور وسيدك غادر وكأن الأمر
محسوم فما نفعي أنا "
قال من فوره " توقعين لي طبعا لأتم عملي "
قلت حينها مغادرة أيضا " وقعها بنفسك إذا "
ثم غادرت بخطى شبه راكضة حتى خرجت للخارج وكان لازال
هنا ومتوجها لسيارته فوقفت منادية " آآآآسر "
وقف حينها مكانه أمام باب السيارة وقال ببرود " نعم "
فصررت على أسناني بغيظ , هل يتعمد ردها لي هذا الغبي ؟ توجهت
نحوه وأمسكت كم سترته وأدرته جهتي وقلت بضيق " ما معنى ما
تفعله هلا شرحت لي ؟ "
أمسك حينها وجهي فجأة لأشهق بصدمة وهوا يشدني له وقبلني بعمق
ثم تركني وقال وهوا يفتح باب السيارة " افهميها كما يحلوا لك "
ثم أغلق الباب بعد ركوبه تاركا لي واقفة مكاني أمسح شفتاي بطرف كمي
أنظر له بصدمة لم أجتزها بعد فما يعني بإفهميها ؟ هل هي أفعاله أم قبلته
هذه ؟؟ تحرك بالسيارة للخلف ووقف بجانبي وفتح النافذة وسند ذراعه
عليها ونظر لي وقال " لا تخرجي بدون علمي مجددا "
ثم تحرك وغادر مسرعا واختفى بخروج سيارته من باب المنزل تاركا
إياي أحدق في مكان خروجه أتلمس بأطراف أصابعي شفتاي فمن يشرح
لي تصرفات هذا المعتوه ؟ يقول تارة أنه سيكون كزوج ترجمان وأنه مثله
وظهر أن ذاك لم يتزوج عليها وأنا من فهمت أنه يعني الزواج والآن يقبلني
قبلته الغبية تلك وكأنه ليس ذاك الذي يعاملني ببرود وجمود قاتل ومن أحرق
المحاصيل وقتل المواشي والأبقار ووضعنا على شفير الإفلاس ؟ انتفض جسدي
بقوة للصوت الهامس خلفي فالتفتت له سريعا وكان المحامي حاملا الأوراق
والقلم في يده وقال " وقعي لي سيدة سراب لأغادر لباقي أعمالي "
استللت القلم والأوراق من يديه وقلت بضيق وأنا أوقعها " ها هي
ذي وقعت لكم إن كان هذا سيريحك ويريحه "
ثم وضعتهم في يده بقوة وتركته وتوجهت للداخل بخطوات غاضبة
*~~***~~*
بقيت مكاني في الأسفل حتى انتصف الليل أنتظره حتى انفتح باب
المنزل ودخل منه فوقفت من فوري ونظر هوا لي باستغراب
وقال " سدين ما يوقظك حتى هذا الوقت ؟؟ "
قلت بهدوء " كنت أنتظرك "
اقترب مني قائلا " ألا ينتظر الأمر للصباح ؟ "
هززت رأسي بلا فجلس وقال " اجلسي إذا وأخبريني ما الذي
يبقيك تنتظرين حتى هذا الوقت ولا يمكن تأجيله "
جلست وقلت " سأخبرك لكن قبل ذلك أخبرني أنت ما الذي
تخطط له فحالك لا يعجبني "
نظر للأسفل وقال " لا أخطط لشيء سنرجع للعاصمة وعملي
سيبقى هنا لبعض الوقت حتى يصل من سيستلم مكاني "
تنهدت وقلت " وترجمان ؟ "
نظر لي وقال " هل هذا ما يبقيك مستيقظة حتى هذا الوقت ؟ "
هززت رأسي بلا فقال " قولي ما لديك إذا وأمر ترجمان أنا
من سأتصرف فيه "
قلت بهدوء " إياس لا ترجع لذات أسلوبك معها وحاول
أن تفهمها "
هز رأسه بحسنا دون كلام ويبدوا لي أنه يفكر جديا في التراجع عن
أفكاره في تغييرها وهذا ما أرجوه , قلت بهدوء " هل علمت بما
أخبر به خالي رِفعت والدتي ؟ "
نظر لي باستغراب فقلت " لم يتصل بك ؟ "
هز رأسه بلا فقلت " قال سيتزوج "
نظر لي بصدمة وقال " يتزوج !! "
قلت مبتسمة " خبر رائع أليس كذلك ؟ ونحن أيضا لم نصدق ذلك "
قال ولازالت الصدمة لم تغادر ملامحه " ومن هذه التي سيتزوجها ؟ "
قلت من فوري " صديقك ذاك الذي ذهبنا لزواجه من ثلاث أعوام
أو أربع الذي أسمه أواس "
قال بحيرة " نعم ما به ؟ "
قلت مبتسمة " عمته التي سيتزوجها "
فتح عينيه على وسعهما وقال بصوت مصدوم " عمة أواس !!
ولما ليس أخرى صغيرة "
ضحكت وقلت " لا تخف هكذا أذكر حين رأيناها لم نصدق أن
الجالسة معها ابنتها تبدوا أصغر منها ومني "
هز رأسه بحيرة ثم نظر لي وقال " وهذا هوا ما لديك تنتظريني لأجله ؟ "
ماتت ابتسامتي وهززت رأسي بلا ثم نظرت ليداي في حجري
وقلت " أنت تثق بي يا إياس أليس كذلك ؟ "
قال من فوره " بالتأكيد ولا يحتاج الأمر لسؤال "
نظرت له وقلت " وتعلم وموقن جيدا أني وافقت على أمين من أجلك
ومقتنعة تماما ولست من اللاتي يفكرن ويقررن بطيش في هذه الأمور "
نظر لي باستغراب دون كلام فقلت " أريد جوابا صادقا يا إياس "
قال بجدية " نعم ولا يدخلني أي شك في ذلك "
أخذت نفسا عميقا ثم قلت " وأنا لم أعد أريده "
*~~***~~*
خرجت من غرفتي راكضة حين سمعت صوته ووقفت مكاني مصدومة
ثم ركضت نحوه وارتميت في حضنه وقلت ببكاء " أواس هذا أنت
لا أصدق أين ذهبت وتركتني "
ضمني لحظنه بقوة وفي صمت ثم أبعدني عنه وأمسك يدي ووضع
فيها شيئا وأغلقها عليه وقال " اهتمي به جيدا يا دُره عديني بذلك "
حضنت خده بكفي وقت بحزن " اشتقت لك يا أواس "
أمسك يدي من خده بسرعة ودسها في حضنه فجمدت ملامحي
وأنا أرى الدمعة التي نزلت من إحدى عينيه ثم قال بحزن
" عليا أن أذهب الآن "
قلت بعبرة " أين ستذهب ؟ خذني معك "
قال مبتعدا " لا أستطيع .. لا أستطيع يا دُره عليا أن أبتعد وحدي "
ركضت خلفه منادية له ببكاء ونحيب وهوا يبتعد أكثر وكأنه يسير
في الهواء ولم أستطع إدراكه حتى وقعت أرضا
" دُرر دُرر ما بك يا ابنتي استيقظي "
كان هذا الصوت الذي تخلل ركضي وبكائي فجلست من فوري أنظر
للظلام حولي وقلت " كان هنا .. أمي لقد كان هنا "
حضنتني وقالت " لا شيء هنا يا ابنتي تعوذي من الشيطان "
ابتعدت عنها وقلت مغادرة السرير " عليا اللحاق به عليا أن
أذهب له قبل أن يبتعد "
وما أن وصلت الباب حتى انفتح وكان قصي واقفا أمامه بملابس
النوم وقال بقلق " ما بكما ؟ من هذا الذي يصرخ مناديا "
أمسكت بيده وقلت برجاء باكي " خذني له يا قصي , خذوني له أرجوكم
أريد أن أراه أن أتحدث معه افعلها أو فعلتها أنا "
أمسك ذراعاي وقال بجدية " دُرر توقفي عن إيذاء نفسك , إن
كان يريدك سيأتي بنفسه "
قلت بنحيب " لا لن يتركني هكذا أنا أعرفه جيدا هوا يحبني يا قصي
ووعدني أن لا يتركني إلا بسبب قوي يمنعه فخذوني لزوجي أرجوكم "
ضمني لصدره حينها أكمل بكائي فيه , حضن الشقيق الذي لم أتخيل
حياتي أن أحصل عليه لكن حزني على أواس لم أشعر معه بأي
سعادة من كل هذا وكأني وحيدة ولم أجد أحدا
*~~***~~*
وضع المفتاح في يدي وقال " هذا هوا مفتاح المنزل هل تأمر
بشيء آخر قبل أن أغادر "
أخذته منه وقلت " لا شكرا "
هز رأسه وقال " سآتي لك غدا بالطعام كما طلبت واكتب لي في ورقة
أي شيء تريد مني جلبه لك من السوق "
قلت من فوري " لا تنسى الظرف الذي أعطيته لك أرسله للعنوان
المكتوب عليه في حال موتي فقط ومهما حدث لي تفهم "
قال مبتسما " بالتأكيد سيدي وكن متفائلا أنت ما تزال شابا "
ثم غادر مبتعدا فنظرت لمفتاح المنزل في يدي ثم للبحر الذي يفصلني عنه
سياج وحاجز صخري وابتسمت بألم , هذا أبعد مكان استطعت الوصول له
وعليا قضاء باقي أيامي فيه حتى أترك هذه الحياة بعيدا ووحيدا كما أردت يا
علي رضوان فكم حاربت المقربين لي ودمرتهم ليبتعدوا عني وأبقى لوحدي وها
قد حققتها وأبعدتني أنا عنهم مكرها فلتهنأ بها الآن , اقتربت من الحاجز الصخري
وأخرجت هاتفي من جيبي ثم رميته بطول يدي ليقع هناك في حضن ذاك الأسود
الصامت وهذا آخر حبل يوصلني بالأحياء قد قطعته فأنا ما عدت منهم وإن كنت
لم أصبح من الأموات حتى الآن , نظرت للأفق المظلم بشرود لتعاودني صورتها
حين وضعتها على سرير شقيقها هناك مغمى عليها وطلبت منهم الخروج وتركي
معها ليس لشيء سوا لأودعها لأفرغ شوقي وحزني ودموعي على محياها ولست
أعلم ما الذي تجاوز الآخر بينهم متناثرا على تقاسيم وجهها ؟؟ قبلاتي أم كلماتي
المودعة لها أم دموعي , وكان الوداع الأخير يا دُره .. الوداع الأخير يا طفلتي
ومهما طال ذاك الوداع فقد انتهى ومهما كنت أطلته أكثر فلن يفيدني الآن ولن
يروي من ظمئي لك شيئا , استدرت للخلف وتوجهت لذاك المنزل الصغير
وفتحت بابه ودخلت مغلقا له خلفي حيث كان أشبه بكوخ على شاطئ البحر فهوا
مكون من غرفة وحمام ومطبخ صغير يفتحان على الغرفة ذاتها يتوسطها سرير
وثلاث كراسي وطاولة صغيرة وثلاجة وتلفاز, هذا فقط ما يحوي منزلي الجديد
أو لنقل قبري الأول والتمهيدي بدلا من أن يكون كما مخطط له مكان لزوجين
فقط في شهر عسلهما مبتعدان عن الناس متشاركان في كل شيء هنا , جلست
على السرير وغبت بنظري للسقف متكأ على ظهره وأغمضت عيناي , ليثه
يأتيني سريعا , ليثك تأتي الليلة أيها الموت وترحمني من الانتظار , من انتظار
قدومك البطيء , من أن أمر بكل تلك المراحل المؤلمة التي يمر بها من هم في
مثل مرضي ويموتون شيئا فشيئا فذاك أقسى من الموت ذاته ليجعلك تتمناه
وتترجاه ليأخذك , ابتسمت بحزن وتلك اللحظات تعود لذاكرتي وهي نائمة على
صدري وتسألني ما خططت لمستقبلي , آه يا دُره يا حبيبتي ليتك تعلمين الإجابة
وقتها فمستقبلي الذي حلمت به ليس كما أجبتك تماما فقد خططت له منذ عرفتك
بيت يجمعنا وأبناء وحياة تختلف عن واقعي وحياتي وظننت أن الحلم سيتحقق
بإيجادي لك وزواجي بك لكني كنت مخطئ مخطئا جدا , دسست يدي في جيبي
وأخرجت الشيء الآخر الذي أحضرته معي هنا ثم فتحت عيناي ورفعته أمامهما
ورفعت يدي الأخرى ومررته على رسغي أراقب نصله الحاد المقلوب
المخرج : بقلم الغالية alilox
رسمت حدودي وخرجت من حدود الزمان كأني طيف عابر سبيل لايوجد له في هذه الارض مكان قدمت استقالتي من الحياة ورفعت رايات استسلامي بكل إذعان سامحيني ام اتخلى عنك الا لاجلك لتعيشي مثل اي انسان ساعيش على ماتركتي لي من ذكرى في هذه الاركان انت هنا حبيسة بين العيون والاجفان لازال عطرك وشذاكي يملا صدري والمكان لازلت أحس بدفئ أنفاسك ولازلت تتوسدي هذه الاحضان عيونك الخضراء مرتعي أغرق فيها كأن لي عالمان فراقك ألم ولكن اقترابك محال ففي بعدك عني الامان سنبقى انا وهذا القلب لكي عاشقان وفيان متخم باوجاعي وانا والوحدة منذ الطفولة صديقان حتى روحي تآمرت عليا وأغلقت ابوابها بوجه النسيان تسافر الروح والعقل الك في معظم الاحيان بأمان الله درتي لازلت صغيرة على هذا الكم الكبير من الاحزان
سلمت يداك
نهاية الفصل .... موعدنا القادم مساء الأحد إن شاء الله