الفصل الثالث
اتكأت على الجدار خلفي أنظر بشرود للسقف المليء بالحشرات
هي لابد وأنها دُرر الطفلة تلك ذاتها , نفس العينين واللون الأخضر
الغريب كلون حبة الفستق والبقعة البنية في بياض العين ذاتها حتى
الملامح لا يبدوا لي تغيرت كثيرا عن تلك السن حين كانت هنا في
الخامسة قبل أن تختفي , أنزلت رأسي ونظرت لتفاصيل الغرفة
أمامي وللحبل المعلق في منتصف الجدار حتى الآن والدماء اليابسة
عليه من أكثر من عشرين عام , كل شبر في هذه الغرفة وكل بقعة
دم منتشرة فيها تحكي في ذاكرتي قصة من العذاب والتعذيب , حتى
والدتي لم يتركني أراها منذ مرضت وأصبحت طريحة الفراش
دُرر الشيء الوحيد الذي كان يعني لي الحياة هنا , كانت تحب
أرجوحتها وتعشق أن أدفعها بها بقوة وتصرخ بضحكة
( أواس ادفعني لأطير أكثر حتى ألمس السحاب )
عدت بنظري للأعلى وابتسمت بألم , كانت تشعر بي وتحبني لكنه
حولها لوحش مثله حين طلب منها جلدي مثلما يفعل , رفضتْ وبكت
كثيرا في البداية لكنها رضخت وفعلتها بل وأصبحت تستمتع بفعل
ذلك بي , كانت ضرباتها خفيفة لصغر سنها ولا تؤذي لكنها كانت
على قلبي وجسدي أوجع من ضربه المبرح القوى , وبعدما اختفت
اتهمني بأني اختطفتها واغتصبتها وحتى بأني قتلتها ودفنتها تحت
الأرض وزاد من عذابي وتعذيبي ولم أهرب منه إلا بأعجوبة
كُوني هي , كوني تلك الفتاة في محل بيع الحلويات وستعطينني
فرصة من ذهب لأرد له الصاع صاعين , كوني حفيدة علي رضوان
القاضي العادل رجل العدالة الذي يعذب فتى في الثالثة عشر بلا سبب
مقنع , كوني هي وسأكون أواس الجديد وسيرى حسابه مني وسيأتي
هنا منصاعا , قسما وأنا أواس أن يفعلها من أجلك ووقتها فقط سأفعل
ما ستبرد به هذه النار المتأججة منه بداخلي من عشرين عام , أنزلت
رأسي للأسفل أحرك السلسلة الحديدية بقدمي , غرفة ليس بها سوا
أدوات التعذيب ورائحة العفن والدماء التي لازالت في أنفي رغم كل
هذه السنين , غرفة تعيش في داخلي أكثر مما أعيش في داخلها
أخرجت سيجارة وأشعلتها واتكأت على الجدار أسحب دخانها , عليا
أن أعرف اسمها إن كان دُرر أم لا رغم أن كل شيء فيها يقول أنها
هي , بشرتها البيضاء شكل العينين ولونهما فمها الصغير وهدوئها
الغريب , بقي لون شعرها البني الذي يؤكده لون حاجبيها الرقيقان
وبما أن العقيد رفعت وافقني على فتح القضية مجددا خصوصا أن
ابنة أخيه ترجمان اختطفت معهم فسيسعى معي لنجدهم قبل أي أحد
رميت عقب السيجارة ووقفت وخرجت من الغرفة ومن الملحق
ودخلت المنزل وتقابلت وعمتي فاستنشقت قليلا ثم قالت بقرف
" أواس ما هذه الرائحة في ثيابك "
تجاهلتها وتابعت سيري فأمسكت ذراعي وقالت " كنت تدخن
يا أواس يعني أنك كنت في تلك الغرفة دمرها الله "
استللت ذراعي منها وقلت بضيق " عمتي كم مرة سأقول
أني لست طفلا تعامليني هكذا "
ثم تركتها وصعدت لغرفة النوم وفتحتها بالمفتاح ووقفت عند
الباب ونظرت للنائمة على الأرض وقلت بسخرية " وتتعاطي نوعا
من المخدرات أيضا يا نجسة هذا ما كان ينقصك "
رفعت رأسها ونظرت لي ثم أعادته أرضا وأغمضت عيناها , مدمنة
يا وجد وهذا شيء جديد يثبت لي أكثر أنها ضحكت علي وكانت تُدخل
ممنوعات وتتعاطاها هنا وأنا غافل , قلت بحقد " أنا من سيشفيك منها
بل وسنقبض على الحثالة الذين يوصلوها لك ولأمثالك "
قالت بصوت ضعيف " أنت مريض يا أواس "
قلت باستخفاف " حقا !! ورأينا الأصحاء أمثالك "
فتحت عيناها تنظر أمامها وقالت بسخرية " أخبرني إذا من
الذين كنت تناديهم وأنت نائم عندما تنام مستاء ... أمي أبي
دُرة عمتي ..... "
توجهت نحوها وركلتها وقلت بغضب " أصمتي يا كيس النجاسة "
ابتسمت بسخرية وتألم وقالت " أنت ضعيف يا أواس رغم ما تدعيه
من قوة , أنت كجدار من ورق سيأتي اليوم الذي سيمزقه أحدهم
وكم أتمنى أن تكون امرأة لتعلمك حجمك الحقيقي "
ركلتها مجددا مرارا وتكرارا حتى بدأت تصرخ من الألم ثم
خرجت وأغلقت باب الغرفة عليها بالمفتاح فلن أفتحه حتى
تخرج تلك السموم من دمها
*~~***~~*
كنت أمسك كتابا ونظري على أسطره لكن عقلي ليس هنا أفكر
في لو أن العجوز رفضت سليمان هل رأي ترجمان صوابا في
أن أذهب معه وأتزوجه ولا أكترث لها وهل أنا أريده حقا زوجا
لي أم أني فقط أخاف أن يمضي عمري دون زواج وأبناء وأنا
بلغت الخامسة والعشرين الآن وكثر طلبوا الارتباط بي وهي
رفضتهم دون سبب واضح , هززت رأسي أرمي منه تلك الأفكار
وعدت لشغل نفسي بما اقرأ لتزاحمني الأفكار مجددا لكن هذه
المرة في ذاك الشاب الغامض صاحب النظرات الغريبة إن كان
يعرفني وما يريد مني ولما يلاحقني هناك , أخشى أن يتسبب لي
بمشكلة أنا في غنى عنها لذلك سأترك المحل إن وجدته هناك
مجددا وسأبحث عن عمل آخر بعيد عن ذاك المكان بأكمله
أخرجني من أفكاري الأصابع التي رفعتْ الكتاب من يداي
وصوت سراب قائلة بضيق " دُرر حتى متى سأناديك "
استللت الكتاب منها وقلت ببرود " نعم ماذا هناك "
أخذته مجددا وقالت " ما بك اليوم لا تعجبينني أبدا
ماذا حدث معك في عملك بالأمس "
نظرت لها ومددت يدي وقلت " لا شيء فهاتي الكتاب "
ابتعدت به وجلست على المكتب وقالت " دُرر إن غادرنا
المنزل أنا وترجمان وسكنّا في غيره هل تذهبي معنا "
نظرتُ لها بتجهم ثم قلت " وما المكان الذي لك
غير هنا إلا الشارع ؟؟ "
قالت بتذمر " هيا دُرر أجيبي فلست أمزح "
رفعت الهاتف من جانبي ونظرت للساعة وقلت ببرود
" جِدي لنا ملجأ غير هذا وأنا أول الخارجين "
صفقت وقالت بحماس " رائع وهذا ما أريده أن لا نفترق أبدا "
أعدت الهاتف مكانه وقلت باستغراب " ما قصدك من
كل هذا يا سراب "
كانت ستتحدث لولا أن انفتح الباب ودخلت منه العجوز قائلة
" أين تلك الحرباء ترجمان "
كتمت ضحكتي وقالت سراب ببرود
" في الجامعة طبعا أين ستكون "
قالت بضيق " الجامعة الجامعة وبلا نتيجة يبدوا عليا
إيقاف دراستها فهي لن تخرج من هناك أبدا "
ثم ضربت الأرض بعكازها وقالت بغضب " كيف تطرد
زبونتي صباحا , لا وكذبت عليها وقالت لها أني مت "
كتمتُ ضحكتي أكثر لأمسكها من الخروج لكن سراب لم تنجح
في ذلك كعادتها منذ صغرها وضحكت بصوت مرتفع وكان
مصيرها طبعا ضربة على كتفها بالعكاز جعلتها تتألم وتتأوه
بدلا من الضحك وغادرت تلك العجوز تتوعد ترجمان بغضب
وقالت سراب وهي تمسد كتفها " جلبت ترجمان نهايتها بيديها "
قلت مبتسمة " لن تكون ترجمان إن نالت منها وستري بعينك "
وصلنا صوتها صارخة " سرااااااب "
وقفت سراب وقالت " يا يومك اليوم يا سراب فأنا من
ستدفع الثمن طبعا "
ثم خرجت تتذمر وتمتم بغيظ , لا أعلم متى سنتخلص من هذا
المنزل بؤرة الشياطين , يا رب عجل بخلاصنا منه فقد كرهَت
نفسي البقاء مع المشعوذين السحرة ولو مُجبرة
تحركت للمكتب أخذت الكتاب من هناك وعدت به للسرير لحظة
دخول ترجمان الغرفة ورمت فردة الحداء من قدمها لتطير خلف
سريرها وأتبعتها الأخرى فقلت ونظري على الكتاب " جهزي
نفسك للعقاب , لا وتفاولين عليها بالموت وهي أكثر
من يخاف منه "
رمت حقيبتها ومذكرتها وتوجهت للخزانة وفتحتها قائلة
" والموت أيضا يبدوا لي يخاف منها وقد تأخر فوق وقته "
ضحكت رغما عني فقالت وهي تُخرج الثياب وترميها كعادتها
" تلك الوقحة تقول لي ( باب النجار مخلوع حقا كيف تزوج بنات
الناس وبناتها جميلات وسيعنسن عندها ) فأردت أن أوفر عليها
مالها في شيء ينفعها أكثر "
قلت باستغراب " وما يكون ذاك ؟؟ "
أخرجت ما تبحث عنه أخيرا وقالت ضاحكة " أخذتهم من
يدها وأعطيتهم لشحاذ سلك الشارع "
هززت رأسي بيأس منها مبتسمة فخلعت قميصها ورمته على
السرير فأبعدت نظري وقلت بضيق " ترجمان كم مرة
قلت لا تنزعي ثيابك أمامي "
رفعت ملابسها وقالت متوجهة جهة الحمام " لا تكوني
رجل ولا أعلم أو تريني أمامك بلا ملابس أبدا "
ثم دخلت الحمام وأغلقته خلفها فتنهدت باستسلام ويأس من
إصلاحها وأمسكت الكتاب مجددا بل عادت الأفكار لتسرقني
من جديد
*~~***~~*
وصلت المنزل ووجدت مصطفى أمام سيارته ويبدوا نزل منها
للتو وأنا جئت في الوقت المناسب , نزلت واجتزته قائلا دون
أن أسلم عليه ولا أقف حتى أمامه " أدخل "
تبعني للمجلس ودخل ووجدني جالسا فجلس أمامي وقال
" ما بك لا سلام ولا كلام "
قلت بسخرية " تعرف ما بي ولا شيء لك هنا فرافقتك
السلامة بلا شوشرة "
قال من فوره " بل لي زوجتي وابنتي هنا من يومين
وجئت لأخذهم "
قلت بجمود ونظري في عينيه " ذلك عندما تكون كفئا ليكون
لك زوجة وابنة "
ثم وقفت وتوجهت نحوه فوقف من فوره فأمسكت قميصه
بقبضتي وقلت من بين أسناني " ليس شقيقتي من تمتد عليها
الأيدي وأقسم لن تراها ولا على جثماني "
قال وهوا يحاول إبعاد يدي " زوجتي وتحبني وابنتي
وسآخذهم معي فلا تجبرها على ما لا تريد "
شددته أكثر حتى اقترب وجهه من وجهي وقلت " قالت بلسانها
لم تعد تريدك وقسما يا مصطفى لولا ابنتك لكنت في السجن
بسبب ضربك لها ولن تخرج وأنا حي , ابنتك تأتي لرؤيتها
متى تريد أما رغد فنجوم السماء أقرب لك منها وستطلقها "
قال بضيق " لن أطلقها أبدا "
هززته وقلت بحدة " أنا لا أخيرك وستفعل ذلك رغما عنك أو ... "
ثم تابعت بسخرية " بضاعة المشروبات الموردة نهاية الشهر الماضي
والدفعة القادمة بعد شهرين قضية تجعلك سجينا أقلها خمس سنين "
نظر لي بصدمة لمعرفتي للأمر فتركته بقوة وقلت " ولا أريد فتح
جميع الدفاتر وقد جلبت لك أقربها فقط , إن كنت تريد أن يختفي
اسمك منها فافعل ما طلبت منك أو استعد للقبض عليك خلال
أربع وعشرين ساعة مع باقي شلتكم "
ودخلت بعدها المنزل وتركته في المجلس فليخرج أو ينم فيه فلم
يعد يستحق ولا حتى الاحترام خصوصا بعدما اكتشفت تجارته
المشبوهة , أول من قابلني كانت ندى التي ركضت نحوي
مسرعة فرفعتها للأعلى وقالت ضاحكة " إياااااذ "
ضحكت وقلت " وكيف نجد حلا لك مع حرف السين
مثلما وجدته سدين "
خرجت حينها والدتي من جهة المطبخ وقالت مبتسمة
" علمتُ أن ضحكها هكذا معناه أنك أتيت "
أنزلتها للأرض وأخرجت لها قطعة الشوكلاته من جيبي
ومددتها لها فأخذتها فورا وانشغلت بفتحها ونظرت أنا
لوالدتي وقلت " أمي أريدك قليلا "
قالت متوجهة نحوي " إياس بني الشوكلاته بكثرة تضرها "
وضعت يدي على كتفها وقلت سائرا بها " لن تطلب مني
شيئا ولا أحضره لها "
دخلنا غرفة الجلوس وجلستُ وجلستْ هي أمامي فقلت مباشرة
" مصطفى كان هنا "
قالت بقلق " وماذا كان رده "
اتكأت على ظهر الأريكة وقلت بابتسامة جانبية " وما سيكون
برأيك قلت لن تذهب معه ولن يراها وسيطلقها وسيحدث "
هزت رأسها وقالت " أخشى أن يجلب لك المشاكل ولشقيقتك "
قلت بجدية " لن يحدث من ذلك شيء إلا إن كان كلام رغد تغير
وسترجع لاسطوانتها القديمة أنها تحبه وواثقة فيه وتضرب
كلامي ورأيي عرض الحائط "
تنهدت وقالت " بل لم يزدها وقوفك معها إلا إصرارا على
رأيها في الانفصال "
اتكأت بمرفقاي على ركبتاي ونظرت جانبا وقلت باستياء
" اكتشفت أن له تجارة مشبوهة "
شهقت بصدمة ويدها على فمها فنظرت لها وقلت مباشرة
" ليست ممنوعات لكنها بضائع مغشوشة ومنتهية الصلاحية
وتهريب , أشياء لها أول وليس لها آخر وقد أخبرته أني سأجد
طريقة لأتغاضى عنه من أجل ابنته فقط لكن إن تكرر
الأمر فسيكون مصيره السجن "
ضربت كفاها ببعض وقالت بحسرة " يا حظك يا
رغد الذي رسمته لنفسك بنفسك "
قلت بجدية " لن يضرها طلاقها في شيء ستكمل دراستها
وإن كان لها نصيب في غيره ستتزوج وتعيش حياتها
الطبيعية فلن يخسر غيره "
قالت بهدوء " إياس لا تخبرها بكل هذا هي تريد الطلاق وكل
واحد منهما سيذهب في حال سبيله واترك هذا بيننا "
هززت رأسي بحسنا وقلت " وهذا رأيي أيضا فيبقى والد
ابنتها وندى والدها ولا يجوز أن تعلم بكل هذا "
قالت مبتسمة " أكملك الله بعقلك بني والآن دعنا نتحدث في المفيد "
نظرت لها باستغراب فتابعت بحماس " كنت تقول سابقا أن دوراتك
التدريبية لم تنتهي وتؤجل فكرة الزواج , الآن أتركني أبحث لك
عن عروس فلا حجة لديكم "
وقفت وقلت " دعيني أرى عملي أين سيكون أولا فلازلنا
بين وبين ثم افعلي كل ما تريه مناسبا "
وقفت وقالت بسعادة " على بركة الله بني وسأبحث من
الآن حتى ترى شؤون وضيفتك "
خرجنا معا وقابلتنا رغد تفتح لوح الشوكلاتة لابنتها وقالت مبتسمة
" منذ الصباح وهي تتحدث عنها , جيد أنك لم تنساها "
قلت مبتسما " وكيف خلت الثلاجة وهي عشق سلسبيل "
أعطتها لها وقالت " تقول أنها ستتبع حمية "
ضحكت وقالت والدتي " سنبدأ في ترشيح الفتيات
لنجد عروسا لشقيقك "
قالت بسعادة " حقا وافقتها أخيرا "
وضعت ذراعي على كتفها وقلت " نعم لأرتاح وترتاح هي "
ثم تابعت ونحن نبتعد عن ابنتها " مصطفي سيطلقك "
ماتت ابتسامتها ولاذت بالصمت فقلت بجدية " رغد إن كنتِ
غير راضية أرجعتك له وهددته ليتوقف عن ضربك "
هزت رأسها بلا وقالت " لو كان آخر رجل في البلاد
لم أعد أريده "
قلت مبتسما " إذا تعالي أريدك في أمر قبل أن تجلب لي
والدتي عروسا تفجعني بها "
ضحكت وقالت " لم تخبرنا أنه هناك فتاة معينة "
قلت ضاحكا " ومن قال ذلك , أنا أعني لا أريد واحدة طويلة لسان
وعنيدة ومجنونة أعرف أمي يعجبها ذاك النوع وتقول دمها كالسكر "
ضحكت كثيرا وقالت ونحن ندخل غرفتها " يعني لن تتزوج
على ذوقها أبدا "
جلست وقلت " بلى الشكل فلتختره هي كما تريد أما الطبع
أخبريني إن كانت من ذاك النوع الرديء "
جلست وهزت رأسها بحسنا مبتسمة فقلت بهدوء
" ما رأيك في العودة لدراستك "
نظرت للأرض وقالت " لم أفكر في ذلك لكني سأفعله أما
الآن أشعر بنفسيتي سيئة ولا رغبة لي في الخروج "
قلت بهدوء مماثل " رغد لا تجعلي هذا الأمر يسيطر على
نفسيتك واثبتي لنفسك قبل الجميع أنك أقوى من مرحلة ما
بعد الطلاق وسترزقين بزوج غيره "
قالت باستنكار " أبدا أنا أتزوج ؟ لا أريد إلا ابنتي وقد
عفت كل ذلك "
تنهدت وقلت بجدية " رغد ما بك انهزامية هكذا تعلّمي من
سدين تقع وتقف "
قالت بحزن " لكنها لم تمر بما مررت به "
قلت " ولا تنسي أنها رسبت رغم تفوقها الدائم واجتازت
الأمر بشجاعة ونحن من ضننا أنها ستفقد عقلها "
تنهدت وقالت " ليس وقت الحديث في هذا الآن وتأكد
أني لن أعصيك مجددا فقد تبت "
ضحكت وقلت " إذا ما أن يسمع عنك خالي رفعت
فسيجلب لك عريسا من شلّته "
ضحكت وقالت " اشتقنا له لم نعد نراه أبدا "
قلت مبتسما " هذه الفترة فتح ملف قضية اختفاء
ابنة شقيقه ومشغول بها "
قالت باستغراب " وما ذكره بها الآن فترجمان مختفية من
عشرين عام وقد تكون ميتة لكانوا وجدوها "
رفعت كتفاي وقلت " هناك من وجد إحدى الثلاث المختطفات
أو شبه وجدها وقد تكون الخيط لإيجاد البقية "
تنهدت وقالت بحسرة " ترجمان لازالت حسرة في قلب خالي
رفعت حتى الآن وهي أمانة خالي أحمد له بعد وفاته "
وقفت وقلت " إما أن يجدها أو يعلم أنها ميتة ويرتاح من
عناء البحث عنها "
نظرت لي للأعلى وقالت " ما بك وقفت بسرعة فأنا
لم أرك منذ أول أمس "
نظرت لساعتي وقلت " مناوبتي الآن وعليا الذهاب لعملي
سأراكم غدا كهذا الوقت "
*~~***~~*
فتحت باب المنزل بمفتاحي ودخلت فأنا لم أعد أزورهم سوا
نهارا في أغلب الأوقات خصوصا أن أكبر الفتيات أصبحت في
الثانوية ولا أريد أن يمس سمعة بنات هذه العائلة أحد هنا فأنا
أدرى الناس بأفكار أهل الأحياء الشعبية المتقاربة ورغم أني
ربِيت معهم وولِدت أكبر بناتهم وعمري خمسة عشرة سنة
وأعدَهم أخواتي الصغيرات إلا أنني أخاف عليهم حتى من كلام
الناس , دخلت أحمل الأكياس في يدي ووصلت للغرفة التي يخرج
منها صوتهم وطرقت الباب وفتحته فكانوا مجتمعين حول والدهم
كعادتهم منذ أصبح طريح الفراش , التي تكتب واجبها والتي تنام
في حجر والدتها والآتي يلعبن ووقفن أصغرهن سنا وركضن نحوي
كعادتهم يمسكون يدي ويسحبوني منها للداخل فدخلت ملقيا التحية
وجلست معهم وقلت " صبا خدي الأغراض للمطبخ "
وقفت من فورها وخرجت بهم وقفزت إسراء في حضني
وقالت " أخي آسر خدني معك في السيارة "
مسحت على شعرها وقلت " إجازة المدرسة القادمة نهاية
الأسبوع آخذكم لمدينة الألعاب جميعكن حسنا "
صرخن بحماس وقفزن نحوي من تعلقت بعنقي ومن حضنت
ظهري وضحكتْ والدتهم وقالت " ابتعدوا عن شقيقكم
سيُحرِّم أخذكم مجددا "
قلت ضاحكا " اتركيهم فمن أجل هذا أفعل كل ما يريدون "
قال والدهم " أنت تكلف نفسك بالمهم وغير المهم كم سيكفي راتبك "
قبلت خد إسراء وضممتها لصدري وقلت " ولما أعمل وآخذ
الراتب إن لم يكن من أجلكم "
قال بحزن " أعلم أننا نكلفك فوق طاقتك ولولا عجزي ما
اضطررتَ لصرف مالك علينا ولكنت تزوجت وفتحت منزلك "
أبعدت الطفلة عن حضني وقلت " ما هذا الكلام الذي تقوله يا
عم فمن رباني وأنا صغير وصرف عليا من ماله حتى درست
وتخرجت غيرك , لحم بدني من خيرك ولن أوفيكما حقكما مهما
فعلت يكفي أنكما اعتبرتماني ابنكما الذي لم يرزقكم الله به وقتها "
قالت زوجته مبتسمة وهي تنوم ابنتها في حجرها " ولم نرزق
بالأبناء إلا بعدما ربيناك ومهما أنجبت فلن أنجب مثلك
وأعتبرك الولد الذي لم يرزقنا الله به "
قلت مبتسما " إذا لا جميل لي عليكم وما أن أستعيد مال والدتي
سوف آخذكم معي من هذا الفقر , وسيكون لدينا منزلا أكبر
من هذا يكفينا جميعنا "
قفزت إسراء قائلة بمرح " حقا سيصبح لدينا منزل كبير "
قلت مبتسما " نعم وغرفة لوحدك أيضا "
حضنتني بقوة لتلحقها بتينة وتحضنني أيضا قائلة " وأنا آسر "
ضممتهما وقلت " وأنتي أيضا سيكون لكم عشر غرف حسنا "
ضحك العم صابر وقال " هذا لن يكون منزل بل نزل داخلي "
ضحكنا معا ثم نظرت جهة صبا وقلت " كيف الثانوية معك "
قالت بابتسامتها الهادئة " جيدة شكرا لك آسر لأنك سجلتني فيها "
قالت والدتها بعتب " ثانوية خاصة يا آسر هذا كثير "
قلت مبتسما " ليس بكثير عليكم أقسم لو بيدي لعيشتكم في
ثراء , فليَصدق ما في بالي فقط وستتغير حياتنا جميعا "
ثم وقفتُ بعدما قضيت معهم بعض الوقت , العائلة التي آوتني من
الشارع بعد وفاة والدتي التي سرق ذاك الجشع كل مالها ليربيني
العم صابر جارنا القديم حيث سكنت هنا ووالدتي بعدما طلقها
ذاك ورمانا في الشارع وعشنا هنا , لم يعاملني سوا ابن له حتى
بعدما رزق ببناته فقد تأخر في الإنجاب , صبا أكبرهم وعمرها
خمسة عشر عاما الآن وإسراء أصغرهم وهي في الرابعة
وصلت الباب ليوقفني الصوت المنخفض من خلفي قائلا
" أخي آسر "
التفت أنظر للواقفة هناك بتركيز ثم قلت " عبير تعالي "
اقتربت مني وقالت ونظرها للأرض " أريد منك شيئا "
وضعت يدي على كتفها وقلت " نعم يا عبير قولي ما تريدين "
نظرت لي وقالت " لدينا رحلة في المدرسة ووالدتي
رفضت أن أخبرك "
أخرجت محفظتي من جيبي وقلت " كم تريدين لتذهبي معهم "
قالت " لكنها ستغضب مني "
أخرجت النقود وقلت " سأتصرف في الأمر قولي
فقط كم تكلف ومتى ستذهبون "
قالت مبتسمة وعيناها تلمعان من الدموع في النور الخفيف
" عشرون جنيها وسنذهب الخميس القادم , شكرا يا آسر كم
تمنيت الذهاب في عمري ولو مرة "
أعطيتها النقود وقلت " ولما لم تخبريني سابقا "
أخذتهم وقالت " كنتَ تدرس أو مسافر في دورة ووالداي
يرفضان أن أكلفك "
مسحت لها دموعها وقلت " لما البكاء الآن أذهبي واستمتعي
وباقي النقود اشتري بها من هناك ما تريدين "
هزت رأسها بحسنا وكانت ستغادر فقلت " وداليا لا رحلة لديهم ؟؟ "
التفتت لي وقالت " رحلتهم كانت الأسبوع الماضي وبكت
كثيرا ولم تذهب "
تنهدت وقلت " أدخلي الآن ولا تخبري أحد حتى أتحدث
مع والداك في الأمر حسنا "
اقتربت مني وقبلت خدي وركضت للغرفة تخبئ النقود في
ثيابها ولمستُ أنا خدي بأصابعي مبتسما , أعاملهم كفتيات كبار
في الإعدادية ليفهموا من أنفسهم أنه عليهم وضع حاجز بيني
وبينهم مهما كان وهم لا يعاملنني سوا كشقيق لا حدود بيننا أبدا
خرجت بعدها مغادرا المنزل وأشعر بالاستياء لأن إحداهن
بكت من شيء يمكن أن أوفره بالمال ولم يخبروني عنه
فلازالوا يراعونني وكأني براتبي المتواضع كما في السابق
وصلت لمنزلي الذي لا يبعد عنهم كثيرا ودخلت لغرفتي
غيرت ثيابي ونمت واستيقظت مبكرا لأزور المحامي قبل
أن أذهب لمناوبتي في قسم الشرطة
*~~***~~*
صفرت لها من بعيد فالتفتت لي فأشرت لها بسبابتاي كعلامة
ضرب وهي تعلم معنى هذه الإشارة جيدا وهي أن عراك محتد
بين أبناء عائلين معروفتين بعداوتهم فركضت نحوي تاركة ملعب
الكرة ووصلت عندي وقالت بحماس " اشتعلت أخيرا يا سدين "
قلت مبتسمة " نعم وهذه فرصتك التي كنتِ تنتظرينها يا ترجمان "
ركضت تسحبني معها قائلة " ما حجم المشكلة "
قلت وأنا أجاري خطواتها الراكضة " أمن الجامعة لم يستطيعوا
فض العراك فأسرعت لك قبل أن تأتي الشرطة "
ركضنا معا حيث الاقتتال المحتد بالعصي والحجارة والأصوات
الرجولية الصارخة لتختفي ترجمان في المعمعة سريعا وبكل شجاعة
تبحث عن فريستها وهوا الشاب الذي تشاجرت معه من إحدى القبيلتين
وستنال منه هذه المرة بالتأكيد , أما أنا فكنت أراقب وأمضغ العلكة مبتسمة
ومتحمسة لرؤية النتائج حتى سمعت صفارات قوية وانتشار لرجال الشرطة
فصفقت بحماس وأنا أراقب الوضع ثم انفتحت عيناي من الصدمة وأنا أرى
إياس معهم فمن غبائي نسيت أن مناوبته أمس واليوم فركضت هاربة
ومبتعدة بعدما حاولت إيجاد ترجمان لأبعدها معي ولم أنجح وتقابلت
وإحدى فتيات شلتنا وقلت لها من فوري " أين ترجمان هل رأيتها "
قالت ضاحكة " نعم تضرب المسمى هشام بيديها
وقدميها وتستغل وقت انشغاله "
ضحكت وقلت " يالها من مجنونة وما في رأسها تفعله
وستمسك بها الشرطة هذه المرة "
سحبتني قائلة " ابتعدي فشقيقك معهم وقد يراك "
*~~***~~*
دخل الرجال بأصوات صفاراتهم والعصي بين الاشتباك وحاولنا
تطويق المجموعة لنمسكهم وأنا وآسر نتحرك بينهم لنسدي الأوامر
وعصينا تضرب من أمامنا لنحد من الفوضى حتى لمحت بين كل
هؤلاء الشبان فتاة فوقفت أنظر بصدمة للشعر الأسود الطويل الذي
يتطاير مع حركتها وهي تقفز وتضرب أحدهم على رأسه مع كل
قفزة فأشرت لآسر عليها ثم بيدي بمعنى هذه ما تفعل معهم فرفع
كتفيه وقال بصوت مرتفع لأسمعه " عالم جديد في النساء "
ضحكت وتوجهت نحوها أبعد من أمامي ضاربا دون اكتراث حتى
اقتربت منها ونظرتْ ناحيتي لأكتشف أنها تلك اللصة التي سرقت
محفظتي وسخرت مني فابتسمتُ بمكر متوجها نحوها وقلت
بهمس " وجدتك وفي المكان المناسب "
فأخرجت لي لسانها تلك الوقحة وهربت تدفع من أمامها وأنا أركض
وأصطدم برجال الشرطة والشبان وأحاول مجاراتها لكن بحكم جسدها
النحيل بل وتتحرك برشاقة وكأنها رياضية وتتسلل بين الاثنين مهما كانا
قريبان من بعضهما كانت النتيجة أن هربت مني تلك الجنية ولم أدركها
لكن لا بأس علمت أنك تدرسين هنا وسنتصافى فأنا ما كنت سآخذها معهم
لأنها فتاة لكن حسابها معي ستدفعه مهما طال الوقت , جمعنا أكبر عدد
منهم وفضضنا العراك أخيرا وأخذناهم لقسم الشرطة واستلمت وآسر كل
منا عائلة لوحدها كي لا نجمعهم معا ويعج القسم بالفوضى , أدخلوا اثنين
منهم فوقفت وسندت يداي على الطاولة وقلت بحدة " هل أنتم أطفال
أم حيوانات وترون الجامعة للدراسة أم لاستعراض العضلات "
قال أحدهم بضيق " هم البادئون "
قلت بحدة " وهذا سيكون كلامهم أيضا , هل لديكم علم بعدد
من أسعفوهم للمستشفى منكم أو منهم "
لوا شفتيه بضيق فقلت باستياء " شبان طولكم كالأبواب تتعاركون
كالثيران في مكان من المفترض أن له احترامه ولم تفكروا في الطلبة
الذين يدرسون , لما لم تذهبوا لتصفوا حساباتكم في الشارع "
نظرا لبعضهما ولم يتحدثا فأشرت لأحدهما وقلت " أنت كنت في
العراك السابق من عامين وأحضرناك هنا والتاريخ يعيد
نفسه لأنك لم تنل عقابك حينها "
قال باستنكار " أبدا أنا لم .... "
قلت بحدة " بلى فأنا لا أنسى الوجوه أبدا , لم أكن
ضابطا هنا لكني أذكرك جيدا "
نظر للأرض ولاذ بالصمت فرننت على الشرطيين في الخرج
فدخلا فقلت من فوري " خذاهم مع البقية ولا يخرج أحد قبل أربعة
أيام وبكفالة أيضا واجمعوهم في زنزانة واحدة "
ثم نظرت لهما وقلت بتهديد " وقسما إن تعاركتم في الزنزانة
مجددا نحن من سيضربكم هذه المرة "
كانوا سيغادرون بهم فقلت بعدما تذكرت أمرا " انتظر "
التفتوا لي جميعهم فقلت " من مِن العائلتين معهم فتاة في المشكلة "
نظرا لبعضهما ثم لي وقال أحدهما " لا نعلم "
نظر له الآخر وقال " أجل تلك الفتاة التي تشاجرت مع هشام
الشهر الماضي رأيتها تضربه بقدميها ومؤكد هي من حلقت
له شعره من الخلف "
قال الآخر بضيق " الوقحة عرفت كيف تأخذ حقها منه "
أمسكت ضحكتي وقلت " خذوهما بسرعة "
فخرجوا بهما وجلست أنا على الكرسي وبدأت بالضحك وأنا
أتخيل أنها حلقت له شعره وهوا منشغل بالعراك , ما هذه الهمجية
لا أستغرب الآن ما فعلته بي في مجمع التسوق , دخل أواس
وأغلق الباب خلفه وقال " ما كل هذا الازدحام
وأسمع صراخ آسر في الممر "
أشرت له بيدي ليجلس وأنا في ضحك مستمر فجلس وقال
" ما يضحكك هكذا "
قلت ضاحكا " عراك في الجامعة وفتاة في المشكلة تخيل
ولم نمسكها "
نظر لي باستغراب وقال " فتاة !! وما دخلها بكل هذا "
قلت بابتسامة جانبية " تذكر فتاة المحفظة تلك ؟؟ "
هز رأسه بنعم وقال مبتسما " قل فتاة الأحضان "
قلت بضيق " وقح "
قال ضاحكا " ما بها "
وقفت ولففت جهته وقلت " كانت وسط العراك تضرب
أحدهم من خلف ظهره "
ثم تابعت بضحك " وحلقت له شعر مؤخرة رأسه "
فهز رأسه مبتسما وقال " مجنونة وتفعلها "
ثم وقف وقال " ولما لم تمسكها ؟ تلك كانت فرصتك "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت " ما أن رأتني أخرجت لي
لسانها وهربت مني ولم أدركها "
ضحك ضحكة خفيفة فضربته على كتفه وقلت " أصمت يا أحمق
فما كنت سأجلبها هنا في كل الأحوال فتبقى فتاة وهذا قسم
شرطة وشوشرة لكنها سترى حسابها مني "
دخل حينها آسر وقال بضيق " شلة من الحمقى ومقتنعين
جدا أنهم ليسوا مخطئين "
قلت " ماذا فعلت معهم "
قال بضيق " سجنتهم طبعا لعلهم يتعلمون درسا "
نظر بعدها لساعته وقال " لدي مشوار ضروري سأذهب له "
قلت ببرود " إن جاء أحد رئيسينا فلن أغطي عليك "
نظر لأواس وقال " حمدا لله هناك غيرك "
قال أواس " إن كان في الموضوع فتاة فاعذرني
وأجّل غرامياتك لوقت آخر "
قال بضيق " ما فتاة هذه التي سأترك عملي من
أجلها , لدي موعد مع محامي "
هززت رأسي وقلت بيأس " ألن تيأس من ذاك العجوز أبدا "
قال مغادرا " لا طبعا حتى يعود لي مالي "
ثم خرج وخرج أواس بعده قائلا " وأنا عملي انتهى اليوم
وسأغادر "
*~~***~~*
كان اليوم وقت ورديتي في المحل وكنا منشغلات مع الزبائن فأيام
العطلة تكثر فيها الحركة بكثرة زيارات الأهل والأقارب لبعضهم
وكنت منشغلة بتغليف وتجهيز الطلبات حين انفتح الباب ودخل منه
الشاب صاحب المحلات المدعو سليمان ووقف عند طاولتي مباشرة
وانتظر قليلا حتى خفت الحركة وبقي وحده وقال " بالأمس زرت
العنوان الذي أعطيته لي سابقا ورفضني الرجل التي قابلته
بل وعاملني معاملة جافة وشبه سيئة "
كنت سأتحدث لولا انفتح الباب مجددا ودخل منه ذاك الشاب فشعرت
بمفاصلي تيبست وعاد ذاك الشعور المخيف نفسه خصوصا مع نظرته
لي فور دخوله ونظر لسليمان ثم عاد بنظره لي بنظرة غريبة وكأنه
يقول لي ( أنتي من هذا النوع إذا ) ولا أعلم ما اخبره عقله عن
وقوف سليمان معي فأنزلت نظري للطاولة وقال سليمان
" لم تخبريني برفضهم للأمر جملة وتفصيلا "
رفعت نظري له ولم أعرف ما أقول خصوصا في وجود ذاك الغامض
الذي كان ينظر لمفاتيحه في يده ويبدوا يستمع لحديثنا في صمت
قال سليمان عندما طال صمتي " أعلم أنك لا تريدي الحديث معي
خصيصا في الأمر لكنك لم توضحي لي آنسة دُرر "
فرفع حينها ذاك الشاب نظره ونظر لي بصدمة أو لا أفهم ما تكون
فأنا عاجزة حقا عن قراءة نظراته فهربت بنظري من عينيه وشغلته
بالأوراق الملونة على الطاولة وقلت وأنا أحركها " أخبرتك أن
تذهب وتطلبني منهم وماداموا رفضوا فلا حديث بيننا "
وضع يده على الطاولة وقال بضيق " لكني أريدك حقا وتعلمين
جيدا أني لا أتلاعب فكيف يكون حديثك مغلق هكذا "
لذت بالصمت ولم أتحدث ولا أرفع رأسي ففي حضرة ذاك الغريب
تشل جميع حواسي وقدراتي فأمسكتْ يد سليمان بيدي وقال بضيق
" آنسة دُرر أجيبي ولا ..... "
فسحبتها منه بسرعة وسكت هوا حين أمسكت يد بيده بقوة وضغطت
عليها لتبرز عروقها وعضلاتها وما كانت سوا لذاك الشاب الذي أبعد
يد سليمان بقوة وقال بصوت غليظ جهوري حازم ونظرة نارية
" تسمع ما قالت لك أم أنك أصم "
نهاية الفصل ..... لقائنا فجر الأربعاء إن شار الله ويتغير التنزيل
سبت وأربعاء ودمتم في حفظ الله ورعايته