الفصل الخامس والثلاثون
دخلت عليا غرفتي ونظرت لثيابي وقالت " ترجمان يا ابنتي
لما تغادرين السرير وقدمك تؤلمك ؟ "
أغلقت الدرج وقلت " هي بخير اليوم ولن أترك سدين
وحدها يكفي يوم أمس "
قالت وهي تتبعني بنظرها وأنا أتحرك في الغرفة " لكن الأرض
تولوا بها مجموعة من العمال وأنهوها من وقت قليل والقطعة
الأخرى يعمل فيها إياس وسهاد معها "
رفعت شعري للأعلى وأمسكته ذيل حصان وقلت بسخرية
" تلك لا جدوى منها فلا تحسبيها في شيء "
تنهدت وقالت " وحتى متى ستتخلي عن حقك فيه لها فأنتي
زوجته مثلها "
قلت متوجهة جهة الباب " أنا لا أدخل شريكة في شيء يفترض
أن يكون لي وحدي عمتي "
ثم غادرت ونزلت السلالم , لو أرادني ما جلبها , ما وضع ذاك الحد بيننا
من أول ليلة تزوجني فيها والآن يقول أنه مستعد أن يعطيني حقي مثلها
هه يالا السخرية إن كان قبل زواجه بها قد أسقط هذا الحق ولم يطالب به
فلما الآن بعدما أصبح لديه من تعطيه كل ذلك جاء يغدقني بأفضاله ؟ أم
يحسب أني سأوافق فورا وأستقبله بالأحضان , وصلت للخارج وتوجهت
نحو قطعة الأرض التي كنت أعمل وسدين عليها وكان بالفعل هوا وتلك
الشاحبة معهما , نظرت لثيابي لبنطلوني الجينز الأسود والسترة الشتوية
البنية القصيرة تحتها قميص شتوي ضيق وحداء مرتفع لنصف الساق ثم
رفعت نظري لتلك وللباسها المضحك ثم نظرت لإياس الذي يربط اليوم
قطعة قماش على رأسه تغطي شعره ثم يلفها كعصابة حوله وفي كل يوم
يتحول لابن مزرعة أكثر من سابقه , تأففت وأبعدت نظري عنه وعن تلك
الجهة , ما بك يا غبية بقي أن ينظرا هنا ويجداك تنظرين لهما , توجهت
لسدين المنحنية مشغولة بإخراج حجر كبير من التربة ودفعت مؤخرتها
فصرخت جالسة على الأرض فضحكت وقلت " صباح الخير "
وقفت ودفعتني وقالت " حمقاء أفزعتني ظننتك حصانا خرج
من الحظيرة ونطحني "
ضحكت وقلت " أول مرة أعرف أن الأحصنة تنطح "
نظرت لساقي وقالت " ما جاء بك هنا ؟ هل أصبحت بخير "
قفزت وقلت " نعم أنظري "
ثم أخذت الفأس منها وقلت " هذه المرة أول ما سنصنعه
هوا رباط للأرض "
ضحكت وقالت " لا هنا قال إياس أن المساحة مرتفعة
قليلا ولن تحتاج "
قلت وأنا أضرب التربة وأقلبها " حسنا لنتبع سيادة المزارع إن
لم تفسد الأمطار عملنا سريعا "
" ترجمان لما تركتِ سريرك وغرفتك ؟؟ "
عدلت وقفتي والتفت لصاحب الصوت الجاد الواقف يداه وسط جسده
ليقع نظري على ملامحه التي تحتضنها العمامة البيضاء واحمرار
يشوبها من لفح الهواء البارد لبشرته البيضاء ثم هربت بنظري
لحركة الفأس في يدي وقلت ببرود " أشعر أنها أفضل
وسئمت من النوم في السرير "
قال من فوره " إذا لا تفعلي شيء ابقي هنا فقط "
عدت لما أفعل مولية ظهري له وقلت " لا يحتاج أنا بخير "
فقال وصوته يبتعد " صحتك وأنتي المتضررة "
فلويت شفتاي ولم أعلق وبدأنا العمل معا بجد مع بعض الأحاديث
والتعليقات والضحكات من حين لآخر كعادتنا , نظرت للخلف حيث
الواقفة تمسك قبعتها وتنظر للسحاب وتتحدث ثم قلت " أنظري لتلك
النصف عربية لا تفعل شيئا أبدا "
ضحكت وقالت " أحببتها هذه النصف عربية , ما أبرعك في فن
السخرية يا ترجمان "
رفعت نظري لها وقلت " لما لا تناديها تعمل معنا لنتسلى بها قليلا "
ضحكت ثم وقفت على طولها ونادت " سهاااااد "
فقالت تلك من فورها " نعم "
قالت سدين " تعالي ساعديني في رفع الحجارة "
جاءت من فورها طبعا وقالت " ماذا أفعل معكما ؟ "
وقفت ورفعت لها حجرا وقلت " خذي هذا هناك "
فأخذته مني وسارت به فقلت بخبث " لنجعلها ترفع الحجارة كلها "
ضحكت وقالت " حاذري فقد تكون حامل ومن يخلصنا حينها "
لا أعلم لما شعرت بالدماء جمدت في عروقي وقلت بصدمة
" حامل !! "
عادت لما تفعل وقالت " قلت قد تكون , ما بك تفاجئتِ هكذا
تجاهليهما لترتاحي "
نظرت لها في الأسفل وقلت " ما تعني بتجاهليهما لترتاحي "
لم تعلق وعادت تلك ناحيتنا ورفعت حجرا آخر فرفعت واحد
غيره وقلت " انتظري "
وقفت تنظر لي فوضعته لها فوق الذي في يديها وقلت
" لننتهي سريعا "
قالت بصعوبة " ثقيل هكذا "
رفعت ثالث ووضعته لها وقلت " بسرعة بلا دلال "
فصرخت حينها ووقعت الحجارة منها لتنزل إحداها على قدمها فقفزت
صارخة وبدأت تشتم بلغتها تلك فقلت بضيق " أنتي من أوقعها على
نفسك فتوقفي عن شتمي يا حرباء "
قالت بحدة " أنتي الحرباء والسبب أيضا يا متوحشة يا مسترجلة "
شعرت حينها بالدماء فارت في رأسي ولم أكترث ولا لشد سدين لذراعي
ولا لما تقول وهدفي كان شعر تلك الشاحبة فشددته بيداي بقوة وهي
تصرخ بعلو صوتها ولم يخلص أصابعي منها شيء لا محاولات سدين
ولا إياس الذي وصل بعدما سمع صراخها ولم أفلتها إلا حينما أردت أنا
ذلك وعادت للشتم من جديد وإياس يتحدث معها بلغتها بضيق وتبادلا
حديثا كثيرا لم أفهم منه شيء ثم توجهت تلك للمنزل ونظر لي إياس
فقلت قبل أن يتكلم " هي البادئة هي من شتمتني "
صرخ حينها بغضب " وهل هذا سبب لتضربيها يا ترجمان "
قلت بضيق " نعم فأنا من تلقيت كلامها وليس أنت بل أراها
تقول شتائمك لي سابقا "
قال بصدمة " ما قصدك بهذا ؟ "
قلت بذات ضيقي " قصدي أنك أفلحت حقا في تعليمها
كيف تسخر مني يا إياس "
غادر حينها جهة المنزل ليلحق بها طبعا ويردد بصراخ غاضب
" لو أجد فقط طريقة أتفاهم بها معك ؟ أقسم أن أشتريها بالمال "
نظرت له بضيق حتى اختفى وقالت سدين حينها بهدوء " ترجمان
لما وضعتِ لها كل تلك الأحجار ؟ كان كلامي مجرد فرضية فقط "
صرخت حينها فيها " توقفي عن تفسير أفعالي أنا لم آبه لكل ما قلتيه "
ثم غادرت من هناك أيضا ودخلت المنزل فكانت تلك الشاحبة جالسة
تبكي وعمتي تحضنها وتتحدث مع إياس ولا أفهم ما يقولان من بكاء تلك
كالأطفال فأشحت بوجهي عنهم بضيق وقهر وصعدت السلالم بخطوات
غاضبة تكاد تحطمه حتى وصلت لغرفتي ودخلتها ثم أخرجت شعرها من
بين أصابعي ورميته بقرف وارتميت على السرير كعادتي مؤخرا بلا
غطاء ولا وسادة وكأن هذا يذكرني بشعور أني بث وحيدة رغم كل من
حولي عمتي سدين رغد وابنتها وإن كانتا أصبحتا سجينتا الغرفة أغلب
الوقت ولا نراهما
*~~***~~*
تبثُّ الهاتف مكانه تحت السرير ووقفت أعدل وأرتب شعري , لا أعلم
كيف يريدون مني تنفيذ ذلك سريعا ؟ ألا يعرفون هذا المريض وتفكيره
لا ويضعون لي وقتا معينا للتنفيذ , حمقى شلة من الحمقى ولم تترك لي تلك
الدُرر مجالا لأنفذ شيء , ترى ما سبب غضبه منها ذاك اليوم وسجنه لها
فيبدوا الأمر خطيرا وهوا ما جعل خادم جدها هذا يصر على تقديم وقت
المخطط والإصرار عليه ما أن علم بالأمر مني ؟؟ طبعا لم أخبرهم بما
قالت لي عن أنها ستنتقم مني إن أنا آذيت أواس وأنها تعرف أني أعمل
معهم لأن كل هذا قد يوقف ما يخططون له وأنا أريده أن يتم كما يريدوه
وأشهد بنفسي دمار هذا المريض , توجهت للخزانة وأخرت التوب وفككت
خياطته من الداخل وأخرجت اللفافة الصغيرة منه وأدرتها أم عيناي , جرعة
صغيرة لكنها تفي بالغرض مع شخص لم يسبق أن دخل هذا لجسمه سابقا
قبضت عليها في يدي بقوة وابتسمت بسخرية فها قد بدأت اللعبة الحقيقية يا
أواس وستبدأ معاناتك الطويلة قريبا وأنال حريتي من سجنك لي وضربك
وجنونك وسينتهي من الحياة شخص اسمه أواس رغم أنه سيكون
لازال موجودا فيها
*~~***~~*
اتكأت على إطار النافذة أراقب الطفلات يلعبن في الخارج فاليوم إجازة
من المدرسة ومنذ وقت وهن في لعب وركض وصراخ وضحك مستمر
ما أسرع ما تحققت أحلامهم .. منزل كبير غرف كثيرة ألعاب ملابس جديدة
دمى وكل ما تمنوه أراه عندهم ووفره لهم في وقت قياسي , أيعقل أن تكون
نظرته لي أبشع حتى من نظرته لهؤلاء الطفلات اللاتي لا يتوقفن عن التمني
والطلبات ؟ ألا أستحق ربع محبته لهم وتجاهله لكل أخطائهم , ابتسمت بألم
ونظرت للأعلى حيث السماء الملبدة بالغيوم رغم اعتدال الطقس اليوم وخلوه
من الهواء البارد المتحرك , ترى ما يحدث معكما يا ترجمان ودُرر فكم
لعبنا صغارا وحلمنا أحلاما كثيرة ومختلفة لتنسينا واقعنا ذاك وفي النهاية
لم نحقق منها شيئا ومن حققها فقد لذته بها , أخرجت هاتفي الذي وجدته
معي هنا من جيب البيجامة الشتوية التي ألبسها وفتحت إنشاء رسالة وكتبت
فيها ( ترجمان دُرر أنا أصبحت صاحبة ثروة هل تصدقان ذلك ؟ ذاك العجوز
ظهر أنه عمي وكسبت نصف ثروته لكني لست سعيدة يا شقيقتاي لم أشعر
بما تخيلت حياتي كلها أني سأشعر به حين سأكسب المال , لكن المهم أنه لم
نعد بلا مأوى والشارع هوا خيارنا الوحيد فتعاليا لي هنا متى ما قررتما
مغادرة حياتكما البائسة التي أُجبرتما عليها وسأكون سعيدة بذلك حقا
... أحبكما من كل قلبي )
ثم كتبت لهما عنوان المنزل وأرسلتها فدُرر عادت لغلق هاتفها وترجمان
أصبحت أغلب وقتها تعمل في مزرعتهم ولا ترى مكالماتي إلا ليلا وأستغرب
أنها أغلب الأحيان لا تعاود الاتصال بي فما حل بك غيّرك هكذا يا ترجمان ؟؟
انفتح باب الغرفة بعد طرقات خفيفة فقلت ونظري لازال شاردا في السماء
ولازال رأسي يتكئ على إطار النافذة " لا توبيخهم ثانيتا على اتساخ
ثيابهم يا صفاء فمتعة الأطفال في اللعب بلا قيود "
" وماذا عن الكبار "
أبعدت رأسي عن النافذة والتفت من فوري لصاحب الصوت الذي
دخل وأغلق الباب خلفه لازال يتمسك بثيابه القديمة ولم يرفه نفسه
مثلهم فها هي تمثيليته انتهت فلما لا يصعد هوا أيضا لمقامه الجديد
ابتسمت بسخرية وقلت " الكبار لا يعرفون لعبا بلا خداع "
ثم تابعت ببرود" وخذلان "
بقي ينظر لعيناي بصمت وكأني لم أوجه له سيل تجريحي ذاك
فعدت مولية ظهري له للنافذة وقال هوا " ما هذا الذي قلتيه للمحامي "
قلت من فوري " أعتقد أنه وصلك بالتفصيل فلا داعي لأعيد "
قال بحزم " سراااب "
التفت له وقلت بجمود " لا أريده في أملاكي أنا حرة وعلينا أن نبيع
كل واحد للآخر نصفه فتأخذ أنت مصنع الألبان ومزرعة المواشي
والأبقار أو حقول الشعير والقمح ومصنع المخبوزات ويلغى السلالم
الموصول بهذا الطابق ويفتح له سلالم خارجي مستقل "
قال بضيق " هراء هل جننتِ ؟ "
قلت بذات جمودي " نعم وسنفصل كلٌ لوحده أو خذ كل شيء
ولك أن تختار "
قال ببرود " لن آخذ من حقك مليما واحدا يا سراب فلا تحاولي "
قلت بسخرية " لا يهم فلتتصدق به للجمعيات الخيرية ولا أريد سوا
هذه الجدران التي تفصلني عن الشارع وترحمني من العودة لمنزلك
الذي اخترتُه يوما على كل شيء وطردتني منه "
قال من فوره " أنا لم أطردك منه "
ابتسمت بسخرية ورفعت رأسي للأعلى أمنع دمعتي من السقوط
وقلت بألم " بلى فعلتها "
قال بجمود " لا .. وتذكرين ذلك جيدا فأنتي من غادرتِ بملأ إرادتك "
نظرت له حينها وقلت بذات الألم " أتعرف من غبائي ما تمنيت وقتها "
نظر لي بشيء من الاستغراب أو الاستفهام فتابعت بأسى " تمنيت كالحمقاء
أن أجبرتني على البقاء هناك , أن أدخلتني الغرفة وأغلقت بابها وصرخت
بي أني مجنونة وأنك لن تتركني أخرج وأترك المنزل , فزد عليها أنك
كنت تعلم أنه لا مكان لي أذهب له "
قال بشيء من الهدوء " أنتي من أراد لكل ذلك أن يحدث أنتي
يا سراب "
عدت مولية ظهري له وقلت " علينا أن ننفصل في كل شيء يا
آسر كل شيء بما أنه كما قلت سابقا نظرتنا لبعض لن تتغير "
تحولت نبرته للغضب وقال من فوره " لا لن يحدث ذلك لن
أطلقك يا سراب تفهمي "
ابتسمت بألم وقد نزلت الدمعة الأولى ولم أمسحها كي لا يلحظها
وقلت " بلى ستفعلها وقريبا جدا أو لن تسلم من إفسادي
لكل ما ستفعله بثروتي "
فلم أسمع بعدها سوا ضربه لباب الغرفة بقوة فنزلت باقي الدمعات
تلحق سابقاتها لأجعل كفاي منديلا لهما وحضنا لعبراتي
*~~***~~*
دخل الجميع طبعا وتركوني في الأرض وحدي فأنهيت نقل باقي الحجارة
التي أخذت مني وقتا ثم عدت للمنزل أيضا دخلت ووجدت والدتي وإياس
يجلسان وسطه وسهاد متكئة على كتفه وهوا يحضنها بذراعه تنظر بحزن
لأصابعها في حجرها وتحركهم بعشوائية فتوجهت نحوهم وقلت مركزة
نظري على عينا إياس " أين ترجمان ؟؟ "
لم يجب طبعا وقالت والدتي " صعدت لغرفتها ما أن دخلت "
قلت ونظري لازال على عينيه " ولم يذهب أحد لرؤيتها ؟؟ "
فوقفت سهاد حينها وصعدت للأعلى ويبدوا الكلام لم يرق لها وخيرا فعلت
توجهت للسلالم أيضا وصعدت للأعلى وتوجهت لغرفة ترجمان فكانت
تغلقها بالمفتاح طرقت كثيرا وناديتها وبلا فائدة فنزلت مجددا ووجدتهما
يجلسان مكانهما فوقفت واضعة يداي وسط جسدي وقلت " اصعد لها
لم تفتح الباب لي مهما حاولت "
نظر للأرض وقال ببرود " لم تفتح لك ستفتحه لي أنا ؟؟ "
قلت بضيق " ستجد حلا فأنت زوجها وليس مثلي فتحرك
يا إياس وتعامل معها بعدل "
نظر جانبا وقال " هي المخطئة "
قلت بضيق أكبر " لا ليست مخطئة "
نظر لي حينها فقلت بحدة بعدما رميت بأصبعي في الهواء
" كيف لتلك أن تناديها بالمسترجلة المتوحشة "
قال بحزم " سدين توقفي عن الصراخ وترجمان من بدأت
وأوقعت الحجر عليها "
قلت بغضب " وهل سألت نفسك لما تفعل هذا ؟ لا لن تتساءل أبدا , ثم
الحجر وقع من يد سهاد وليس ترجمان لما لا أحد يشعر بها ؟ كم مرة قلت
وشرحت حتى نبت العشب على لساني وأنا أقول غيروا طريقتكم لتفهموا
ترجمان فأنا أكثر من عرفها وقبلكم جميعا لكني وكأني أتحدث مع جدار "
قال بحدة " سدين احترميني ووالدتك, هذه ليست عادتك "
تنفست شهيقا قويا وقلت بعبرة " سحقا لكم أنتم الرجال لا قلوب لكم كما
لا أبصار لكم لكنت رأيت ما ترفض رؤيته يا إياس سحقا لك سحقا سحقا "
ثم ركضت جهة السلالم وصعدت لغرفتي دموعي تجري على خداي أشعر
بقهرها الذي تخفيه كي لا يراه أحد فلما لا يستطيع الجميع رؤيتها كما أراها
أنا ؟ لماذا لا يرون إلا ما يريدون رؤيته ؟ كم أتمنى أن تخسرها للأبد يا إياس
لتعرف قيمتها الحقيقية وتقبلها كما هي لأنها لن تكون أروع مما هي عليه الآن
مهما تغيرت , بعد وقت طرق أحدهم باب غرفتي ودخل فكان إياس فنظرت
جانبا حاضنة ساقاي وجالسة فوق السرير فدخل وأغلق الباب وجلس
أمامي وقال بهدوء " لو كان أي شخص غيرك أنتي لغضبت من
طريقة صراخه بي وإهانتي "
نظرت لركبتاي وقلت بحزن " بل أنا الغاضبة منك يا إياس "
ضحك ضحكة صغيرة وقال " وما يغضب أميرتي الصغيرة سدين "
قلت بحزن " حال ترجمان وطريقة تعاملك معها "
تنهد وقال " ذكريني بطريقة لم أتبعها مع مدللتك ترجمان لأجربها "
نظرت لعينيه وقلت " أن تتقبلها كما هي ولا تنتقدها أبدا "
قال بجمود " ومن قال لك أني لم أجرب هذا أيضا "
قلت بسخرية " جربت باقتناع أم كتجربة فقط "
تنفس بقوة وقال بهدوء " أنتي من شهد كل ما حدث اليوم وتعلمين
الظالم من المظلوم منهما يا سدين "
ابتسمت بألم وقلت " ترجمان مظلومة "
هز رأسه وقال مبتسما " رأيك فيها لا يتغير مهما فعلت "
ابتسمت بألم ولم أعلق , لن أخبرك أنها فعلت ذلك ظنا منها أن سهاد كانت
حامل حقا , لن أخبرك أن حتى نظراتها لك تغيرت كثيرا , لن أخبرك أنها
باتت تنزوي على نفسها في غرفتها أغلب الوقت , لن أخبرك أنها أصبحت
تغضب أسرع من السابق ولا تعبر عن غضبها كعادتها دائما , لن أخبرك
بشيء واضح وجلي أمام عينيك ولا تراه يا إياس فاكتشف بنفسك ما تغمض
عينيك عليه وكم أتمنى أن تكون خسرتها حينها , وقف حينها فقلت
بهدوء حزين " أنا آسفة "
قال مبتسما " وأنا لم أغضب منك يا سدين "
قلت من فوري " ولا من ترجمان "
لم يتحدث فقلت برجاء " لا تتحدث معها في الأمر أكثر
عدني بذلك يا إياس "
هز رأسه بحسنا وقال بهمس " أعدك "
ثم تحرك مغادرا حتى وصل الباب وعاد والتفت لي وقال مبتسما
" هناك خبر سيعجبك "
نظرت له باستغراب فغمز وقال " ثمة ضابط سينتقل هنا قريبا "
نظرت له بصدمة ثم نظرت للأسفل بخجل وقلت
" هوا من طلب ذلك ؟ "
قال من فوره " بل خالك سيرميه لك هنا "
نظرت له وقلت " إذا لا فرق بينهما والجماد سيبقى جمادا "
نظر لي بصدمة ثم انطلقت ضحكته فقلت بضيق " توقف عن
الضحك , بارد مثل صديقك تماما "
سند كفه للباب المغلق وقال " وما يزعجك هكذا من صديقي "
قلت بحنق " وما الذي لا يزعجني فيه , لم يخبره عقله أبدا أن له
زوجة هنا يزور أهلها على الأقل ويسأل عنها , لا مكالمة لا رسالة
لا هدية ولا شيء , لوح وجدار وكأنه مجبر على الزواج بي "
قال بابتسامة " هذه هي شخصية أمين وهذا طبعه ولن
تعرفيه جيدا إلا عندما تعيشين معه "
نظرت جانبا ولويت شفتاي بعدم اقتناع فقال ضاحكا " حسنا
سأوبخه وأضربه على رأسه أيضا "
نظرت له وقلت بتهديد " إياك وفعلها يا إياس فلن أفرض نفسي
على شخص أنا آخر اهتماماته "
فتح حينها باب الغرفة وقال مغادرا منها " إذا لا تشتكي منه مجددا "
ثم أغلقه خلفه فتأففت وقلت " قسما أنكما تؤمين وليس فقط صديقين "
*~~***~~*
ضمت يداها لخصرها تنظر لي بضيق فقلت " أمي بالله عليك
فكري فيما أريده وما يريحني فإن تزوجت بغير رغد فلن
أسعد حياتي مع من كانت ستكون "
قالت بحدة " رفضتك وتزوجت غيرك , لا أعلم ما تريده فيها حتى
الآن ؟ لما يكون أول فألك امرأة أرملة كانت ستكون مطلقة , أم
لم تسمع الكلام الذي تقوله عنها والدة زوجها "
قلت بضيق " نحن نعرف رغد من قبل أن تعرفها تلك العجوز فهل
ستحكم هي عليها أكثر منا ؟ ثم أنا أريدها ومنذ كانت صغيرة وإن
تزوجت عشرة فسأبقى أريدها "
انفتح حينها باب المنزل ودخل منه والدي وقال " ما بكم
صراخكم في الشارع "
قالت أمي بضيق " تعالى وانظر لابنك وجنونه لازال حتى الآن
يريد الزواج بابنة عمه التي رفضته "
اقترب وجلس وقال " وما في الأمر ؟ وما أن تنهي عدتها
سأتحدث بنفسي مع شقيقها "
نظرت له والدتي بصدمة أما أنا فكدت أقفز فرحا لما سمعت فلأول مرة
يتدخل والدي في هذا فحتى خطبتي السابقة لها وخطبة فؤاد لسدين كانت
كلاما بين النساء فقط وقد طلب أخذ رأيهما أولا أما هذه المرة فأراه يشد
العزم دون أن يقول اسألوها , توجهت نحوه وقبلت رأسه وقلت
" بارك الله لنا في عمرك يا أبي "
قال بهدوء " وأنا من سيتحدث معها شخصيا هذه المرة ومن
له كلمة فوق كلمتي فليريني ما في يده "
وكان الكلام موجها لأمي طبعا التي تمتمت بشيء ما وغادرت , لا
أصدق أن تتيسر الأمور هكذا , أهل زوجها سيتركون ابنتها لها وخالد
لن يتزوجها ووالدي سيتدخل في الأمر خصيصا وأعرف رغد جيدا
خجولة وهادئة ستستحي من أن ترفضه , ما أن أخبرني خالد بما جد
معه حتى انزاح ذاك السواد الذي غلف حياتي الأيام الماضية ولم
أعرف الابتسامة لأيام إلا بسببه بعدما زف لي ذاك الخبر السار رغم
أنه توعدني بأني إن ضايقتها سيسعى لطلاقها مني ويتزوجها هوا
يهدي بالتأكيد فهل ستصبح عندي وأفرط فيها
*~~***~~*
قلبتها على ظهرها وبدأت بدغدغتها وهي في ضحك مستمر وهستيري
ثم نظرت لرغد التي تنظر لها مبتسمة وقلت " عمها ذاك قطعة نادرة
يجتاز كل هذه المسافة ليأتي لزيارتها ولم يمنعه البعد عنها أبدا "
ماتت ابتسامتها وقالت بحزن " ستصبح لديه ويرتاح من عنائه "
أجلستها في حجري فضمتني بقوة بيديها وساقيها وقلت ناظرة
لوالدتها " رغد لا أراك مقتنعة ولا موافقة "
نظرت للأسفل وقالت بحزن " مجبرة يا سدين ليس إلا ومن أجل ابنتي أفعل
أي شيء , خالد شاب رائع ومزاياه لا يمكن حصرها لكنه يبقى شقيق زوجي
ولم أراه أكثر من شقيق لي ولم ينظر لي أكثر من كوني شقيقة له ولا أعلم
من أين جاءته تلك الأفكار حين خطبني من إياس وشقيقه لم يطلقني , ولا
تنسي عائلته وحياتي مع شقيقه سابقا فلا أريد لمأساتي مع مصطفى أن تتكرر
ويظن بي خالد الظنون وزيدي عليه عائلته الذين لا يحبونني جميعهم لا
والدته ولا أشقائه ولا زوجاتهم وسأكون مضطرة للاحتكاك بهم مهما
تجنبت ذلك وإن كان في المناسبات والأعياد وعمتي لن تتركني
وشأني وإن جاءت عندنا بنفسها ولن ترتاح حتى يطلقني
وسيأتيك كلامي حينها "
تنهدت أمسح بيدي على ظهر ندى المحتضنة لي وقلت بأسى
" والحل يا رغد مادام زواجك به سيء هكذا من جميع نواحيه ؟؟ "
مسحت دمعة عانقت رموشها وقالت بأسى " الحل أن أرضى وأضحي "
هززت رأسي بحيرة وقلت " وحتى متى ستقدمين التضحيات يا رغد
فسيصبح لديك أطفال غيرها وستربطين نفسك بهم أعرفك جيدا
عاطفية وحساسة "
كانت ستتحدث لولا انفتح الباب خلفي وصرخت ندى التي كانت
متعلقة بعنقي وابتعدت عني لتلتقطها يدا إياس فالتفت لهما وقلت
" طبعا إذا جاء الحبيب نسينا الصديق "
رفعها وقبل خدها وقال مبتسما " موتي من الغيرة "
انظم بعدها لجلستنا وجلس على طرف السرير وقال " رغد
خالد تحدث معي هذه المرة عن أمر زواجكما "
نظرت للأسفل وقالت " لازال على العدة أكثر من أسبوعين
فمن المبكر الحديث فيه "
قال مبتسما " لا ليس موعده أعني "
نظرنا له بحيرة فقال " قال أن والدته قررت التنازل عن
ندى لك شرط أن لا يتزوجك "
صرختُ أنا حينها وكأني أنا من يعنيها الأمر وليس رغد ثم نظرت لها
فكانت تغطي وجهها بكفيها وتبكي فوقف إياس وتوجه نحوها وجلس
بجوارها وضمها لحضنه قائلا " توقفي عن البكاء يا غبية من يسمعك
يضن أنك كنتِ ستموتين وليس تتزوجي "
قالت بعبرة " لا أريد إلا ابنتي فليتركوها لي "
حضنها أكثر وقال " حمدا لله فما كنت مقتنعا بعودتك لتلك العائلة لولا
أنه لا حل غيره ولا أريد أن تعيشي تعيسة تبكي ابنتك ومحرومة منها "
ضممت ندى التي تبكي بجانبي وليست تفهم شيا سوا أن عليها
البكاء مع والدتها وقلت " يكفي يا رغد أنتي تخيفين ابنتك "
ابتعدت عن إياس ومدت ذراعيها لها قائلة بعبرة " تعالي حبيبة ماما "
فتوجهت نحوها من فورها وارتمت في حضنها ونظرت أنا
لإياس وقلت ماسحة لدموعي " أبكيتموني يا مغفلين "
وقف وقال مبتسما " إذا افرحي فزوجك وصل قرار نقله هنا "
عبست في وجهه وقلت بضيق " لا تتحدث عنه أمامي ثانيتا "
فضحك وتحرك حتى مر بجانبي ولعب بشعري فوقفت مبتسمة
وخرجت أنادي أمي لتأتي وتسمع الأخبار فأخيرا ستتحرر رغد
وتحرر ابنتها من سجنها ألا مبرر
*~~***~~*
خرجت سدين فجلست مكانها ونظرت للجالسة أمامي محتضنة
ابنتها تمسح على شعرها ومبتسمة بسعادة فقلت " عليك أن تعلمي
يا رغد أن لخالد شروطا لذلك "
نظرت لي باستغراب وقالت " ولما يضع شروطا ؟ إياس ليس
طبعك أن يتحكم أحد بما يكون فيه القرار لك "
قلت بجدية " بلى لكنه يبقى عم ندى ومن يخاف دائما على
مصلحتها ولا أرى في شروطه ما يعيب "
بقيت تنظر لي باستفهام واستغراب فتابعت " قال بأنه عليك أن تتزوجي
ليضمن أنهم لن يعودوا للمطالبة بها فيما بعد ويريد أن يوافق عليه هوا
أيضا بما أنه من سيربي ابنة شقيقه وأن لا يحرمه من زيارتها ورؤيتها
وأخذها لعائلة والدها أيضا وقال أنه إن طالبوا بها يوما فسيتزوجك
وإن كان متزوجا فأنتي ستتزوجين في كل الأحوال "
نظرت لي بصدمة حتى أنهيت كلامي ثم قالت بضيق
" ولما كل هذا ؟ "
قلت بذات جديتي " لا أرى عيبا فيما يقول يا رغد "
أشاحت بوجهها جانبا وقالت " ومن قال أني أريد أن أتزوج أو
أنه هناك من سيفكر في الزواج بي "
قلت مبتسما " أنتي أخرجي من عدتك فقط وخالك سيتكفل بالمهمة "
نظرت لي وقالت من فورها " لا لا أريد رجال الشرطة أو الجيش "
نظرت لها ببرود وقلت " وما بنا رجال الشرطة ألا نعجبك "
نظرت لرأس ابنتها المتكئة على صدرها وقالت " ليس هذا
أقصد لكنكم واقعيين فوق اللازم وتنظرون للأمور من منظور
ضيق وخاطئ بعض الأحيان "
قلت مبتسما " هذا طبع الرجال جميعهم يا رغد فلا تبني
أحلاما لرجل لا وجود له "
تأففت وقالت " لا هذا لا ينفع مع النساء يا إياس "
ضحكت وقلت " هذا فقط لأنك عاطفية كثيرا يا رغد "
قالت ببرود " وأرى التي ليست عاطفية لم تعجبك "
ماتت ابتسامتي وقلت ببرود مماثل " من تقصدي ؟ "
قالت بضيق " تفهم قصدي جيدا وليس هكذا يكون الجميع بل أنتم الذين
تتدربون على القتل والموت مختلفين والدليل ما فعلته مع ترجمان "
هززت رأسي وقلت " يا ترجمان هذه التي يقف الجميع في صفها "
قالت بذات ضيقها " لأني امرأة مثلها يا إياس "
رفعت يداي جانبا وقلت باستياء " أعطني حلا لم أجربه مع
ابنة خالك فلو كانت كغيرها من النساء ما جلبتُ سهاد التي
يلومني فيها الجميع "
نظرتْ حينها خلفي بصدمة وقد توترت ملامحها فالتفت من فوري
فإذا بترجمان واقفة عند الباب وجامدة كالتمثال تنظر لي ليدفعها
شيء للأمام بقوة ناحيتي حتى كادت تقع لولا تمسكت بكتف قميصي
وشددتُ أنا ذراعا بقوة ودخلت حينها سدين قائلة " هذه أول الواصلين
ما أن أخبرتها حتى جاءت لتهنئك على ضياع العريس منك , أما
والدتي فتبدوا فقدت وعيها في الحمام "
ثم سكتت وأخرجت لسانها جانبا حين رأت مشهدنا فرفعتها قليلا
حتى التقت عينانا وقلت " جاءت سليمة وتداركنا الأمر "
لتفاجئني بأن استلت ذراعها من يدي وغادرت الغرفة مسرعة وسيدين
تتبعها بنظرها على صوت رغد قائلة " هل ارتحت الآن بعدما سمعتك "
فغادرت السرير حينها والغرفة ولم أعلق بشيء فالغريب أنها لم تصرخ
بي وترد كلامي بأسوأ منه كعادتها دائما ! فهل كل هذا غضب بسبب
موقف سقوط سهاد ؟؟ بل نظرتها التي كانت تشع غيظا وغضبا
لم أرها من قبل بهذا الشكل والقدر
*~~***~~*
ما كان النوم أخذ من وقتي القليل حتى سُرق مني فكثرة التفكير في طريقة
أقابل بها الوزير دون أن أكشف أوراقي لأحد بث أراها أمرا مستحيلا يوما
بعد يوم فلما كل هذا التعقيد هل طلبت رؤية رئيس البلاد ؟ أم أن الوزير يواجه
خطرا يجعل دائرة المحتكين به ضيقة جدا ؟؟ عليا أن أجد حلا سريعا لذلك ولو
اضطررت للذهاب لمنزله والمحاولة مع حراسه والمرابطة هناك حتى يدخلوني
له , هذا وأنا ضابط في الشرطة لا أجد طريقة لأراه فكيف إن كنت مواطنا عاديا
لو لم أكن أعرف العقيد رفعت جيدا ومكانتي لديه لقلت أنه قال ما قال متحججا
ليتملص من الأمر , انقلبت على ظهري وغبت بنظري للسقف المظلم بعدما
أصبحت أنام هنا في غرفة من غرف جناحي السابق حيث كانت غرفتي لأشهر
قبل أن أعود لغرفتي السابقة فالأريكة هنا معدة لتصبح سريرا , أغمضت
عيناي مجددا كي لا تسرقني الأفكار وتأخذني لتلك الغرفة والنائمة فيها
وتأخذني قدماي لها والنتيجة عتاب من نوع لن يعجبها ويعجبني أو عقاب
قد أندم عليه لاحقا فذنبها لا يغتفر ولا أريد أن اسمع حججها وإن كنت أعلم
أنها لا تكذب ولن تكذب علي أبدا لكن الخطأ في قاموسي خطأ وعليها أن تعلم
أنه لعواطفي ناحيتها حدا وحاجزا يبنيه الخطأ مهما كان نوعه , غابت عيناي
في السواد مجددا ليعاودني ذات الحلم قارب في بحر هائج أنا وهي الركاب
الوحيدين فيه وبعد رحلة طويلة وصل بنا لليابسة وضعتها هناك وعدت
أدراجي ونظري معلق بها واقفة عند الشاطئ حتى اختفيت في عرض البحر
لكن هذه المرة كان الحلم مختلفا فرائحتها غادرت معي أستنشق عطرها في
زوايا ذاك القارب الصغير وكأنها سكبته فيه قبل أن تنزل مما جعلني أبحث
عنها حولي وأنظر للأفق مجددا لأرى إن بقيت هناك أم قفزت معي , فتحت
عيناي بسرعة لأجد نفسي في الغرفة ذاتها الجدار ذاته لكن رائحتها لازالت
عالقة بي , نظرت بسرعة لمصدر الأنفاس الهادئة بجنبي وأغمضت عيناي
أتنفس بقوة ثم فتحتهما ونظرت للنائمة بجانبي تضع أحد كفيها تحت خدها
والآخر أمام وجهها , كيف دخلت ونامت هنا ولم أشعر بها ! بل كيف تفعلها
وتبحث عني وتنام بجانبي وهي تعلم أني غاضب ولا أريد رؤيتها واقترابها
مددت أناملي لوجهها ببطء وأبعدت بهم خصلات شعرها عن جانب خدها
ثم مررت سبابتي على شفتيها برفق وتنهدت بعجز ثم جلست وغادرت السرير
*~~***~~*
بعد ساعات طويلة من بقائي سجينة غرفتي التي أصبحت سجني الذي
أراه حرية لا أحد يتطفل عليها أو بالأحرى يدخلها سوا سدين وبعدما
تناصف الليل خرجت منها لأنزل وآكل شيئا , فقط لأني وعدت عمتي أن
آكل فيما بعد حين أصرت أن أنزل لتناول العشاء معهم ولم تتحدث عما
حدث أبدا فقلبها الأبيض لا يتغير ولا أعلم ابنها نسخة عن من يكون ومؤكد
والده فهوا الغائب الوحيد عن الصورة ومؤكد يشبه ابنة شقيقه تلك العنقاء
نزلت السلالم وتوجهت للمطبخ فكان باب الثلاجة مفتوحا وخلفه سدين وقد
عرفتها من بنطلون بيجامتها الأحمر وحداء الفراء وكأنها دب , اختبأت
لها بجانب الباب أنتظرها وقد بدأت ساقاي بالتنميل من الوقوف وهذه
الجشعة يبدوا أنها تأكل والثلاجة مفتوحة أو ما الذي تفعله كل هذا الوقت ؟؟
بعد قليل رحمتني أخيرا وأغلقت باب الثلاجة وسمعت خطواتها تقترب من
الباب وما أن وصلت حتى قفزت أمامها صارخة بقوة لأسمع تلك الصرخة
المدوية وصاحبتها تنهار جالسة على الأرض تنظر لي بهلع لأكتشف أنها
تلك الشاحبة فنظرت للأعلى ولويت شفتاي بتململ على صوت بكائها الذي
علا في الأجواء وكاد يحطم جدران المطبخ , هذه كم عمرها بالله عليكم فتبدوا
أكبر مني ومن رغد لكن بكائها كالأطفال , وما هي إلا لحظات ونزلت
السلالم خطوات راكضة فتأففت بضيق فها قد اكتمل المهرجان , اقترب
قائلا بخوف " ما بكم ؟ ماذا هناك ؟ "
ووصل عندنا حينها ينظر للجالسة أرضا تبكي ولي بحيرة فقلت ببرود
" لا شيء ظننتها سدين وأردت إفزاعها فظهر أني أخطأت "
تركني وتوجه نحوها وجلس بجوارها على الأرض وشدها لحضنه
قائلا " توقفي عن البكاء الأمر لا يستحق "
قالت بصراخ باكي " لا هوا يستحق وتوقف عن قول هذه
الجملة لي دائما "
مسح على شعرها وقال " ظنتك سدين وانتهى سهاد هيا
توقفي عن البكاء "
قالت حينها بذات صراخها الباكي " لا ليس صحيحا "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق " ما قصدك بليس صحيحا "
مسح على كتفها ونظره لازال عليها وقال " هيا سهاد لا تكوني
طفلة بكائه هكذا "
وبدأت تقول كلاما بلغتها وهوا يحدثها بهدوء بذات اللغة محاولا تهدئتها
وطبعا تجاهلني وكأني لست أقف أمامهم وأتحدث , تحركي يا غبية لما
واقفة تشاهدين رومانسيتهم المشفقة هذه تحركي هيا , كان كلاما يرفض
عقلي تطبيقه وقدماي الانصياع له فحولت نظرتي لهم للبرود الثلجي فقط
وأمسكتْ حينها تلك الشاحبة معدتها وتأوهت بألم وهوا يرفع رأسها
ويحدثها ثم نظر لي وقال " أجلبي لي كوب ماء بسرعة "
نظرت له ببرود أشعر أنه بركان اشتعل بداخلي ثم تجاهلته وتركتهم وغادرت
جهة السلالم , هه خائف على ابنك ؟ قم أنت وارمها أرضا واجلب لها الماء
بنفسك , ما أن وصلت أعلى السلالم حتى ركضت لغرفتي ركضا وأغلقت
بابها خلفي لأجد نفسي لا شعوريا أتوجه للحمام , دخلت وفتحت المياه الساخنة
ونزعت ثيابي ووقفت تحتها وكأني أغسل شيئا في داخلي وماذا لا أعلم
*~~***~~*
استيقظت وجلست من فوري ونظرت جانبا ولم أجده , كيف نمت
دون شعور مني وأنا من كنت سأنتظره حتى يستيقظ ؟ حككت شعري
بتذمر من نفسي وقلت بحنق " غبية وها قد هرب منك مجددا "
لازال هناك بعض الوقت على الفجر ومؤكد ذهب لينام في مكان آخر
وتركني هنا لكني لن أتركك يا أواس فاغضب أو افعل ما تريد , غادرت
السرير وخرجت من الغرفة لحظة خروجه من حمام الجناح ووقف ينظر
لي بصمت فنظرت للأرض وقلت مبتسمة بحياء " ظننتك هربت
مني وكنت سأبحث عنك مجددا "
والنتيجة لم يجب ولم يعلق بشيء ودخل الغرفة مجددا تاركا إياي واقفة
مكاني فتبعته للداخل قائلة " عد لغرفتنا أواس وسأشرح لك سبب ما فعلت "
جلس على السرير ونظر لهاتفه ثم أعاده مكانه واضطجع عليه ولم
يجب فقلت بعبوس " أجب عليا على الأقل وقل شيئا ولو سيئا لا يهم "
والنتيجة وضع ذراعه على عينيه نائما على ظهره وتجاهلني تماما فتنهدت
بيأس , على الأقل لم يطردني أو يزمجر بي غاضبا فلأحاول فقد أنجح
قلت بهدوء " كل ما كنت أريده أن أعلم الحقيقة أن أجد حلولا لكل الألغاز
التي تحيط بي , أن أجد من يجيبني على الأسئلة التي ترفض أنت
أن تجيبني عليها , كنت أود أن أعرف من الـ.... "
قاطعني حينها بحزم " والجواب لديه طبعا وصدّقته بالتأكيد "
هززت رأسي بلا وكأنه يراني وقلت " لم أسأله أقسم لك ولم أقل شيئا "
قال بسخرية " لأني أمسكتك طبعا "
تنهدت وقلت " أواس كان من حقي أن أعلم أن أفهم ما يجري فلا تنكر هذا "
عاد لصمته وتجاهله لي فتنهدت بضيق ثم اقتربت من السرير ليوقفني
صوته قائلا بحزم " عودي لغرفتك دُره "
قلت من فوري " عد معي "
قال بهمس " لا "
قلت بحزم " وأنا لن أخرج إلا وأنت معي "
قال بضيق وحاله كما هوا عليه " دُره تحركي "
قلت بإصرار " ليس قبل أن ترضى عني "
كان سيتحدث لكني سبقته قائلة " قسما أني لم أكن سأطلب منه أن
ينقذني منك , أقسم لك أن غرضي كان سماع الحقيقة ولو من جانبه
ولم أصدق ما قال ونكرانه لما فعل لك , قسما بربي وربك يا أواس "
قال بجمود " صدقتك فغادري "
نظرت له بعبوس ثم غادرت الغرفة وتركته وعدت لغرفتي صفر اليدين
فما لا تعلمه يا أواس أن هذه الغرفة أصبحت بدونك كئيبة وخانقة , ارتميت
على السرير ألعن نفسي , هل كان عليا أن أغادر بسرعة هكذا ؟ لما لم اتكئ
على صدره وأضم خصره بذراعي وأرتجي منه السماح ؟؟ لا لن يسامحني
حينها وقد يجرح كرامتي أكثر , تقلبت كثيرا ألعن تهوري لحظة وأعاتب نفسي
على عودتي بدونه لحظات حتى جلست بسرعة حين انفتح باب الغرفة ودخل
منه وأغلقه خلفه ونظري يتبعه بذهول حتى وصل السرير وجلس في جهته
منه ثم رمى هاتفه على الطاولة واضطجع موليا ظهره لي وقال ببرود
" لا أسمع صوتك ولا كلمة منك أو تركت الغرفة ولن أدخلها مجددا "
ابتسمت بسعادة ونمت أيضا وقلت " حاضر لن أتحدث "
ثم زحفت نحوه مبتسمة وضممته من ظهره كعادتنا مؤخرا , العادة
التي فرضها عليا بادئ الأمر وصرت أعشقها فيما بعد وأفعلها عن
طيب خاطر , أما هوا فلم يتحدث ولم يتحرك وقد نام سريعا فضممته
أكثر واستسلمت مثله للنوم
المخرج : بقلم الغالية alilox
انتهينا من قبل ان نبدا الصواب في عيني في عينك خطأ محترف انت في كسر الامل وصنع الخيبات،مشكور على ماعشناه في خيالي من لحظات انسحبت اعلن انكساري اجر اذيال الخيبة ورائي،رفعت رايات انهزامي ابكي احتضار عشقي واحتضاري،امشي لااحس بالمسافات احساسي بالوقت مات،حتى السماء تشاركني حزني ابكي دمعة تبكي هي الاف الدمعات ،ابكي ياسماء وطهريني من ذنب لن أسامح نفسي عليه فهل انت تسامحيني ،ألوم قلبا غبيا أوقعني بهواك ،ألوم عينا لم ترى أجمل منك سواك ،ألوم قدرا اوصلني اليك ،أحالني دمية عاجزة بين يديك
سلمت الأيادي
نهاية الفصل ..... الفصل القادم مساء الخميس إن شاء الله