الفصل السابع والعشرون
خرجت من الحمام أمسك البنطلون كي لا يقع مني أما القميص فقد
ربطته ربطا لأجمعه على جسدي وتوجهت بخطوات راكضة نحو
غرفته ودخلت فكانت دافئة تماما وهوا ليس فيها فاقتربت من المدفئة
ومددت يداي ألتمس الدفء منها وكانت ثمة بطانية أمامها ومؤكد آسر
من وضعها هنا , لففت جسدي بها جيدا وجلست أمام المدفئة ولازالت
عطساتي تخرج بين الحين والآخر حتى دفع الباب ودخل وأغلقه خلفه
يحمل في يده كوبا تخرج منه الأبخرة فمسحت كفاي ببعض ثم مددتهما
للمدفئة وقلت " ليلة من ليالي الشتاء القارص , ما كل هذا البرد "
وضع الكوب أماي وقال " اشربي هذا ليدفئك , الجو ليس بذاك
السوء أنتي من يبدوا أنك لا تستحملين "
ضممت نفسي بالبطانية مخبئة نصف وجهي فيها وقلت ونظري
على المدفئة " في صغري كنت أرجع من المدرسة بلا مضلة كغيري
ولا أحد يوصلني , الجميع يحضر أبائهم عندما يهطل المطر أما أنا
وترجمان فنرجع للمنزل ركضا تحته ونصل مبتلتان تماما ولا نجد
ولا حتى مدفئة بل أغلب الأحيان تجف ثيابنا علينا إن كانت دُرر
خارج المنزل ومع مرور السنين أصبحت هكذا لا أتحمل
ولا نفحة البرد البسيطة "
لاذ بالصمت ولم يعلق بشيء وجلس على سريره وكنت أتوقع هذا
منه فنظرته لي لن تتغير أبدا ويظنني أستجدي عطفه بحديثي عن
تلك السنين لكنه مخطئ مخطئ تماما , ضممت نفس أكثر ولذت
بالصمت مثله عيناي تراقبان النار أشرب الشاي الذي أعدّه وعلى
دفعات حتى خرج من صمته قائلا " سراب سأسألك سؤالا
ولا تجيبي عليه "
نظرت باستغراب دون أن ألتفت له فكيف يسأل سؤالا ولا يريد
الجواب عليه ؟؟؟ تابع حديثه قائلا " لو لم تعرفي حقيقتي
هل كان سيكون موقفك مشابها اليوم "
التفت لها حينها أنظر له بصدمة وكنت سأتحدث لكنه سبقني
قائلا بجمود " لا تجيبي اتركي الجواب لنفسك "
فوقفت حينها وغادرت الغرفة وركضت لغرفتي ودموعي تجري
فوق خداي , نعم فهمت هوا لا يريد الجواب أيا كان وكل ما
يعنيه أن تصلني فكرته وقد وصلت
*~~***~~*
دخلت لغرفتي ونزعت السترة ورميتها وبقيت بالتنوره والقميص
الضيق الذي كان تحت السترة وخلعت الحداء ورميته أيضا فانفتح
الباب ودخل منه فالتفت له ووضعت يداي وسط جسدي وقلت
" هذه آخر مرة تأخذني لمنزلهم تفهم "
أغلق الباب وتوجه للأريكة ارتمى عليها وقال ساخرا
" بل ستذهبين كلما ذهبت والدتي هناك "
رميت أصبعي في الهواء وقلت " إذا تحمل النتائج
ولن أسكت مجددا "
وضع ساق على الأخرى وقال ببرود " ولما كل هذا
الغضب والصراخ الأمر لا يستحق "
قلت بضيق " بالنسبة لك لا يستحق أنا لا يهينني أحد وأسكت له "
ثم قلت مقلدة لها ولطريقة كلامها " آخر ما توقعت أن يتزوج
إياس مما يصفهم بالمترجلات "
ثم تابعت بغضب " أقسم لولا منعتني عمتي كنت سأريها
المسترجلة وأحول وجهها لخارطة ألوان "
قال مبتسما وكأني لا أشتعل أمامه " كنتِ قلتِ لها أعجبه
كما أنا وما كانت ستستطيع الرد عليك "
نظرت له بصدمة ثم رفعت الوسادة من على السرير ورميتها
عليه قائلة " هذا بدل أن تقول أني لست كما قالت تُعلمني
كيف أجيب عليها "
رمى الوسادة على السرير وقال " أريد أن أعلم ما يغضبك
في كل هذا "
قلت بسخرية " أغار طبعا "
ضحك ثم غمز لي بعينه وقال " أعلم "
ضغطت على أسناني بقوة ثم توجهت نحوه وبدأت في محاولة
خنقه قائلة بغيظ " وأنت اتفقنا أنك لن تكرر كلامك ذاك
مجددا أليس كذلك "
أمسك ذراعاي ورفعني بخفة ورماني جانبا لأصبح أنا الجالسة
على الأريكة شبه مستلقية وهوا فوقي وقال " وأنا عند الاتفاق "
قلت وأنا أحاول التحرر من قبضتيه " كاذب فتذكر كلامك وسؤالك
لوالدتك عن نتائج الحرب هناك وأيضا حين قلت كله إلا عنقي "
لوا شفتيه بعدم رضا ثم قال " حقا أنا قلت هذا ؟؟ "
قلت بجمود " نعم وعليك أن تتلقى العقاب "
قالت ببرود " حقا ؟ "
هززت رأسي وقلت " نعم ولا تنسى أنك من وضع
ذاك الشرط "
هز رأسه بلا وقال " لا أذكر "
قلت بضيق " أتركني وابتعد ألمت ذراعاي "
طرق حينها أحدهم الباب فابتعد عني وفتحه وجلست أنا أرتب
شعري لحظة دخول عمتي تتحدث معه وما أن رأتني حتى قالت
بابتسامة محرجة " آسفة جئت في غير وقتي "
فغمز لي من خلفها وقال ضاحكا " أمرنا لله والدتي لن
نستطيع طردك "
نظرت حينها له بضيق وضحكتْ هي وقالت
" تحملاني قليلا "
ثم نظرتْ له وقالت " ظننت أن ما حدث اليوم قد يتسبب بمشاكل
بينكما لكن يبدوا أني أخطأت ولم يعد من داعي لبقائي "
ثم قالت متوجهة للباب " تصبحان على خير "
وخرجت وأغلقت الباب خلفها فنظرت له وقلت
" هل أعجبك هذا "
قال ببرود " قوليها لنفسك فأنتي السبب "
قلت بضيق " بل أنت ولا تغمز لي بعينك مجددا أو فقأتها لك "
وضع يداه وسط جسده وتأفف وقال " ترجمان متى ستكبرين
وتعقلي ؟ أقسم أني تعبت "
قلت بجمود أخفي به الأسى " لا أعرف مسترجلة تعقل "
هز رأسه بيأس وقال متوجها للسرير " لننسى الموضوع برمته "
ثم أخذ كتابا من على الطاولة ألحضه يقرأ فيه دائما وجلس على السرير
فخرجت حينها من الغرفة وتركتها له لأني لا أحب مظهر الضعف
وأن أكون حزينة ومهزومة ولا أعلم لما أشعر بكل هذا السوء
*~~***~~*
مسحت جبيني وتأففت بقوة فقال العم عثمان بعدما وقف مستندا
بعصا المجرف " لم أتخيل أن يكون العمل فيه صعبا هكذا "
عدت للحفر مجددا قائلا " علينا إنهائه الليلة فقد ينزل المطر
مجددا ولا وقت لجلب عمال الآن بعد منتصف الليل "
عاد للعمل معي ولا شيء يسمع سوا صوت ضرب الحديد
للأرض وعادت الأفكار تراودني وكلام فؤاد اليوم لا يغيب عني
( اثنان يراقبان منزلك طوال الوقت فعليك أخذ الحيطة , هذا ما
علمته من مراقبتي ولا يحتاج الأمر لأن نتقصى عمن كلفهما
فهوا جد زوجتك بالتأكيد )
وقفت ومسحت قطرات الماء التي نزلت من شعري على وجهي
وزفرت بضيق , أعرفه جيدا لن يحاول محاربتي في تجارتي
لكان حاول ولو إحراق أحد محلاتي ولن يفكر في قتلي فهوا يهوى
التعذيب فتعذيب الأنفس هوايته المفضلة ولا ينتقم إلا بها ولابد وأنه
يفكر في شيء ما ومراقبته للمنزل أكبر دليل فهل يفكر في اختطافها
أم كما أتوقع لن يأخذها حتى يدمرني أولا ومن الداخل , رميت ما
في يدي وقلت وأنا أفض يداي " يكفي هذا يمكنك الذهاب
للنوم والراحة لقد أتعبتك الليلة "
وضع المعول جانبا وقال " أنا هنا من أجل هذا فما نفعي
إن لم تجدني الآن "
ربتّتُ على كتفه ثم غادرت من عنده عائدا جهة المنزل , دخلت
وصعدت لغرفتي من فوري وفتحت الباب ودخلت وكانت خالية
تماما , رميت سترتي بعدما أخرجت منها ساعة يدي ونظرت لها
فكانت الثانية بعد منتصف الليل , أين ذهبت هذه في هذا الوقت !!
لا تكون غاضبة وتريد النوم في غرفة عمتي , رميت الساعة على
الطاولة وغادرت الغرفة ونزلت السلالم مناديا " دُره "
كررت النداء مرارا ولا مجيب توجهت لغرفة عمتي ولم تكن فيها
فبدأت بمناداة الخادمات بالواحدة وبصراخ حتى خرجت إحداهن
ركضا بملابس نومها وقالت " نعم سيدي "
قلت من فوري " أين دُره "
قالت بتوتر " لا أعلم "
قلت بغضب " كيف لا تعلمين وماذا تفعلن هنا "
خرجت آني قائلة " رأيتها عند الثانية عشر إلا ربع سألتني إن
كانت سيارتك في الخارج فأخبرتها أنها هنا ولم أراها بعدها "
" لقد غادرت المنزل "
التفتتُّ لمصدر الصوت فكانت وجد فبعد عودتها من المستشفى
لم أعد أغلق عليها باب الغرفة فيبدوا أنها تأدبت ولم تعد ولا تتطاول
عليا بلسانها رغم أني أستغرب هذا منها ولا أصدق أن حالها قد تغير
التفتُّ لها بجسدي وفي صمت فقالت " رأيتها تخرج من باب
المنزل يبدوا هربت من هنا "
تركتهم حينها وخرجت من الباب ووقفت في الحديقة أفكر ما سأفعل
أين ستكون ذهبت ؟؟ لقد تركت الباب مفتوحا بعد عودتي أول المساء
وانشغلت مع العم عثمان في الخلف لساعات فإن خرجت فلن يشعر بها
أحد , رميت الحجر بقدمي بغيظ وقلت من بين أسناني " لن تفعلها لا
وكل خوفي أن تكون وقعت في قبضة من كانوا يراقبون المنزل
في الخارج "
خرجت من باب المنزل الخارجي بقميصي المهمل كماه مثنيان
للمرفقين وبنطالي الجينز مثنيا حتى نصف الساق وبدأت بالتحرك
حول المنزل لأرى إن كان ثمة أحد هنا فإن أخذاها سيختفيان , كانت
حركة غبية ومتسرعة مني وسيلحظون معرفتي بهم إن لم يغادروا
لكن عقلي يرفض أي فكرة غير إيجادها وإرجاعها لي , لففت حول
المنزل عدة مرات كالمجنون رغم اتساع مساحته وبلا فائدة فعدت
للداخل وآخر ما لدي الخروج بالسيارة والبحث عنها في الشوارع
وما أن وصلت السيارة حتى خطر في ذهني الشجرة وأرجوحتها
نعم كيف لم أفكر فيها فهي سبق وذهبت هناك ليلا , أغلقت باب
السيارة وتوجهت هناك راكضا حتى وصلت ولم يكن هناك أحد
فأمسكت الحبل الأرجوحة بقبضتي وشددت عليه بقوة غير مصدق
أنها اختفت , ضاعت مني هكذا بسهولة ودون عناء من أحد
وستفشل كل خططي فوحدها سلاحي لجلب جدها للبلاد وتنفيذ
باقي مخططاتي , خرجت بعدها بالسيارة وبدأت بلف الشوارع
شارعا شارعا وكل ما أمسك نفسي عنه هوا الاتصال بجدها
والصراخ فيه وتهديده لكني لن أفعلها مادام هوا لم يتصل
فقد لا يكون من أخرجها أو اختطفها رجاله
*~~***~~*
أيقظني صوت طرق الباب من نومي ففتحت عين واحدة وقلت
" من "
ولم يجب أحد بل تكرر الطرق مجددا فنظرت للساعة ثم جلست
أرتب بيجامتي , من هذا الذي يطرق في هذا الوقت ولا يريد
الدخول ؟؟ لو فقط يبعدوا عنا الكوارث حتى يتم الزواج أولا
توجهت للباب وفتحته وأنا أتثاءب وأغلقت فمي فجأة حين
وجدت إياس أمامي فقلت باستغراب " إياس ماذا تفعل هنا !! "
قال ببرود " أقف أتحدث معك طبعا "
لويت شفتاي وتمتمت " أعان الله ترجمان عليك "
فقال بضيق " أعيدي فلم أسمع "
حككت شعري وقلت " لا تقل أنكما تشاجرتما وطردتك
من الغرفة "
نظر لي نظرة تحذير فتنهدت وقلت " آسفة تفضل إياس "
قال بذات بروده " انزلي لتدخل من البرد ستمرض ولن
ترحمني أمي إن علمت "
كتفت يداي لصدري وقلت " ولما لا تنزل لها أنت
فالحل لديك وليس لدي أنا "
قال بضيق " نزولي لها لن يزيد الأمر إلا سوءا ولا تفاهم مع
ابنة خالك كما تعرفيها فأقنعيها تنام معك على الأقل , لا مزاج
لي للمشاكل وأعرف والدتي ستلقي باللوم علي "
قلت مغادرة من أمامه " أمري لله ولا تنسى لي كل هذا
وحين سأتشاجر مع أمين أنت من ستصلح بيننا "
شعرت بشيء شدني من ظهري وأعادني للخلف فقلت بتألم
" آه إياس أتركني خنقتني "
تركني حينها وقال " لكي تحترميني مرة أخرى ولا أعتقد
أنك ستحتاجين لمن يراضيه مع لسانك هذا "
ثم غادر جهة ممر غرفته وتركني , ذهب لينام طبعا وترك لي
المهام الصعبة فما سيقنعها بالدخول الآن ؟ يفعلها هوا وأتورط أنا
نزلت وتوجهت للحديقة وكانت جالسة هناك بالفعل بل وعلى بساط
الأرض وتلعب بشيء بين أصابعها ونظرها عليه فاقتربت منها
وجلست أمامها وقلت " ما بها حرم شقيقنا المصون "
قالت ببرود " أُحصي عدد أعشاب الحديقة هل لديك مانع "
ضحكت وقلت " بل قسما أنكما تشاجرتما ومالا تعلميه أنه
يراقبك من بعيد ينتظر أن تدخلي "
ابتسمت بسخرية ولم تعلق فقلت " لا تصدقي لكنها
الحقيقة فعلا "
رمت ما في يدها وقالت " سدين فارقيني حالا "
تربعت وقلت " في منامك لن أدخل إلا وقدمي على قدمك وإن
ظهرتُ ببشرة شاحبة في زواجي ستكونين السبب "
قالت بسخرية " لا أعلم لما لا تتعلمن من تجارب غيركم
مالك والزواج ووجع الرأس "
لوحت بيدي قائلة " لا لا تلك أفكارك وحدك أنا أريد
زوجا يحبني وأبناء ومنزل "
نظرت للبعيد وقالت " غبية وستكتشفين ذلك يوما "
تنهدت وقلت بهدوء " ما المشكلة بينكما ترجمان أخبريني "
قالت ببرود " لا شيء "
قلت بإصرار " بل ثمة شيء فتحدثي "
لاذت بالصمت ولم تتكلم فقلت " هل زيارة منزل عمي
وراء كل هذا "
ولا جواب طبعا فقلت باستياء " ترجمان افتحي لي قلبك
هيا ولن يعلم أحد بما دار بيننا أقسم لك "
نظرت لي وقالت بضيق " تعلمين بدون سؤال فأنا لا أعجب
شقيقك أبدا , لست كما يريد ولن يسمح أحد بانفصالنا وحياتنا
معا أشبه بالمستحيل , فها قد علمتِ المشكلة لترتاحي "
قلت بهدوء " وما فيك لا يعجبه ؟ فتاة بجمالك وشعرك الرائع
وقوامك الممشوق ماذا يريد أكثر من هذا "
قالت بسخرية " كل هذا لا يعنيه يريد امرأة يقودها كالدّابة لا
شخصية لها ولا رأي لا معه ولا مع غيره "
قلت بشبه همس " لكني أراه يعاملك جيدا ويمزح وكأنه
ليس إياس والجميع هنا لاحظ ذلك "
قالت بسخرية " يريد إغاظتي فقط , هل صدقتم أنه
سيتغير في هذه المدة البسيطة "
هززت رأسي وقلت " وليس حلا أن تنفصلا يا ترجمان فأنتي
ستصبحين مطلقة وإياس لن يتزوج أبدا أعرف شخصيته
جيدا لا يدخل أي تجربة مرتين "
قالت من فورها " لا يهم مطلقة مطلقة "
تنهدت بيأس وقلت " أدخلي معي لغرفتي هيا وغدا ستهدئين
ويتغير كلامك "
نظرت للأرض وقالت " ادخلي وسألحقك أريد لعب الكرة قليلا "
فوقفت حينها وقلت " سأتركك ولكن لا تبقي في الحديقة فالجو
بارد فادخلي للملعب حسنا "
هزت رأسها بحسنا دون أن تنظر لي فدخلت وتركتها وأخشى حقا
على زواجهما ويبدوا أن جهود إياس لم تنجح حتى الآن فهل يفعل
ذلك لتحبه أم كما قالت ليغيظها ويسخر منها ليس إلا ؟؟ توجهت
لغرفتي أمسكت هاتفي وأرسلت له ( إياس لن أكذب عليك فلأول
مرة أرى ترجمان حزينة ومحبطة فخِفّ عليها قليلا , وقالت
أنها ستذهب لملعب السلة فحاول أن تتحدثا )
*~~***~~*
بعدما يئست من إيجادها عدت للمنزل وقد أيقنت أنها غابت
للأبد وانتهى كل شيء فلم تذهب ولا حتى لمنزل إياس ولا
آسر ولا منزلهم القديم حيث عاشوا ولا هاتف لديها وقد خرجت
في وقت متأخر فمن أين ستجد هاتفا عموميا ؟؟ عليا أن أستحم
وأذهب لأصلي الفجر ثم أرى ما سأفعل وكيف أعلم إن كان جدها
وراء الأمر أم لا وعليا تعميم أسمها في المطارات كي لا يخرجها
من البلاد إن كان وصل لها ولن يكون بعدها من حل سوا رجال
الشرطة لإيجادها وسأعمل جهدي ليكون الأمر محاطا بالسرية
فكم مرة سيسجل أسمها في محاضر لدينا ويكفي حتى هنا , ما أن
وصلت باب المنزل حتى أوقفني صوت العم عثمان مناديا فالتفت
له فوقف يتلقف أنفاسه وقال " أردت إرجاع الأدوات للملحق
فوجدت الباب مغلقا فافتحه لي قبل أن تذهب لعملك بعد الصلاة "
نظرت له باستغراب فأنا أعرف تصميم الباب جيدا لا يغلق من
تلقاء نفسه ولا حتى في الجو العاصف , قلت راكضا جانبا
بمحاذاة المنزل " عد لغرفتك أنا من سيرجعهم "
وتوجهت من فوري للملحق فهذا أملي الأخير رغم أني أستبعد
أن تذهب له فما ستفعله هناك ! وصلت الباب ووقفت أمامه ليصل
لمسامعي صوتها المنخفض وهي ترتل القرآن بصوت مرتجف
فأخرجت مفاتيحي وفتحت الباب بسرعة ليدخل النور منه قويا
ومستقيما أظهر جسدها النحيل وهي تقف مستندة بالجدار خلفها
تنظر لي بترقب لردة فعلي فتوجهت نحوها وأمسكت ذراعها
وسحبتها لحضني وضممتها بذراعاي بقوة وقلت " ماذا أفعل
مع غضبي منك الآن يا دُره ؟ لما تهوين إتعابي "
قالت بصوت مرتجف ضعيف " جئت أبحث عنك
خفت كثيرا لما لم تأتي لتخرجني "
زدت من احتضانها أكثر وقبلت رأسها وأخفيت وجهي
في شعرها قائلا بهمس " المهم أنك هنا وبخير "
*~~***~~*
ما أن سمعت حديثه والعجوز الذي يهتم بالحديقة والأشجار حتى
خرجت خلفه بمسافة كي لا يشعر بي فيبدوا أن ذاك العجوز أفسد
مخططي وسيخرجونها , كنت أريد أن تتعفن هناك لأرى ردة فعله
وصلت المكان ووقفت من مسافة قريبة أرى الباب من بين الأشجار
ليظهرا لي بالداخل يحضنها بقوة منزلا رأسه ووجهه في شعرها
بنطلونه الجينز المرفوع لنصف ساقيه وكما قميصه المرفوعان
يكشفان ساعديه القويان والنور المتسرب مشكلا حولهما مستطيل
طويل وكأنه يستقطعهما من جميع المشهد , كنت وكأني أشاهد فيلما
وليس واقعا أمامي , لقد عشت معه لأشهر أتمنى هذا الحضن وهذه
المشاعر النابعة منه ولم أحضا به يوما لتأتي هذه وتأخذ كل شيء في
شهرين فقط , ضغطت قبضتي بقوة أراقب كيف يدسها في حضنه
ولم يكتفيا حتى الآن وكأنهما يتعمدان قهري , ظننتك لا تعرف هذا
يا أواس , ظننتك آلة وكتلة من الحقد والبرود والصمت كما عرفتك
دائما وحين يئست منك وبحثت عن ذلك في غيرك ألقيت باللوم علي
كيف حضت هذه النتنة برجل مثله لا يحركه أي شيء ؟ كيف أخذته
هكذا شخصية جذابة ومال وكل شيء تقريبا مجتمع فيه حتى تشرده
هذا لم يزده إلا جاذبية وروعة , هي نعم هي نقطة ضعفك يا أواس
ودمارك سيكون على يدها وأنا من سأكون السبب فيه
*~~***~~*
بعد ساعتين وعند اقتراب وقت الفجر نزلت وتوجهت لملعب
سدين وهوا كان ملحقا فتحت له بابا خلف السلالم وحولته لملعب
كرة سلة صغير لحبها لهذه الرياضة , كان الباب مفتوحا وصوت
ضرب الكرة للأرضية واضحا فوقفت أمامه أراقبها وهي تركض
وترمي الكرة في السلة وشعرها يتطاير مع حركتها ويبدوا أنها
تفرغ غضبها في اللعب فهي لم تشعر حتى بوجودي , توجت جهة
السلة وكانت ترمي الكرة فنزلت منها أمامي فأمسكتها بيداي
ونظرتْ هي لي تتنفس بقوة بسبب ركضها وقفزها فضربت
بالكرة على الأرضية وقلت " ما رأيك في جولة "
استدارت ويبدوا ستغادر فقلت مستفزا لها " سبق وهزمت
سدين مرارا وقد أهزمك بسهولة "
وقفت وقالت دون أن تلتفت لي " أقطع يدي إن فعلتها معي "
قلت بابتسامة " لنجرب إذا والمنتصر يشترط على
الخاسر ما يريد "
التفتت لي وقالت بسخرية " رأيت وعودك سابقا ولم
أحضا بشيء فإنسا الفكرة "
ثم استدارت مجددا لتغادر فلحقت بها وأمسكت يدها وقلت
" دعينا نتفاهم إذا فهذا ليس حلا لمشكلتنا "
استلت يدها مني وقابلتني وقالت " لن ينجح الأمر لأنك
ستخل به ككل مرة "
قلت ببرود " أنا أخللت به ؟؟ "
قالت بجمود " نعم أنت وضعت شروطا ليلة زواجنا وأخللت بها
ثم وضعت أخرى كي لا أهينك ولا تسخر مني وأخللت بها
أيضا والثالثة لن تفرق عنهما "
تنهدت بضيق وقلت " وإن قلت أني آسف "
قالت بسخرية " على ماذا "
تأففت وقلت " على كلامي البارحة طبعا فلا تضيقيها
وهي واسعة يا ترجمان "
كتفت يداها لصدرها وقالت " لا أصدق أنك أنت إياس تعتذر
مني ففسرها لي رجاءً "
وضعت الكرة تحت ذراعي وقلت " ومن قال لك أني لا أعتذر
فارفعي أفكارك السوداء ناحيتي "
قالت مغادرة " أعرفك دون أن يقول لي أحد ولعلمك فقط إن
حملت فالطفل لي ولن تراه والاتفاق سنكمله في كل الأحوال "
ثم غادرت خارجة من الباب فهززت رأسي ورميت الكرة بقوة
وغيظ فلا يبدوا أنه هناك سبيل للتفاهم مع هذه المرأة
*~~***~~*
لا أنكر أني أحيانا أجد لنفسي تفسيرا في قسوتي عليها وفي أحيان
أخرى أرى أنه لا مبرر لها , فبث هكذا كالمربوط بين حبلين كل
واحد يشده لجهة حتى يمزقاه في النهاية , وقفت أمام باب الغرفة
وتنهدت بأسى وضيق والكثير من المعاني من ذلك فعندما سرقتْ
نظري البارحة بملامحها وهي تحمل كل البراءة تنعكس أمام ضوء
نار المدفئة وجذبتْ عطفي نحوها حين تحدثت عن تلك المعاناة في
طفولتها لم أجد حلا سوا إبعادها وإقناع نفسي أكثر أنها هي نفسها لن
تتغير ولن أغير نظرتي لها وكنت كمن يريد أن يُسكِت صراخا عاليا
في داخله ولا حل أمامه سوا الصراخ مثله , تنهدت مجددا وطرقت
باب الغرفة ففتحته لي نصف وجهها فقط يظهر منه تنظر للأرض
والحزن باديا على ملامحها فنظرت للكيس في يدي وقلت وأنا
أمده لها " هذا حجاب وجهزي نفسك لآخذك لشقيقتك "
توقعت أن ترفضه أن تأخذه وترميني به أن تثور وتذكرني بكلامي
البارحة لكنها خانت جميع توقعاتي ومدت يدها وأخذته وقالت
بهمس " شكرا "
فأبعدت نظري عن ملامحها سريعا وتوجهت لغرفتي
*~~***~~*
تحركت بعشوائية أمام باب المنزل وهاتفي في يدي ثم تأففت
وعدت للمنزل وكانت عمتي تنزل السلالم فقلت بضيق
" أين ابنك لم يأتي ولا يجيب على هاتفي "
وصلت للأسفل وقالت " قد يكون شغله شيء ما "
قلت باستياء " وما سيشغله وهوا يعلم أنه عليه أخذي لمنزل
دُرر , لا أعلم لما يحب قهري هكذا "
تنهدت وقالت " ولما ظن السوء هذا ؟ قولي عساه خيرا
هذا بدل أن ينشغل بالك عليه "
تركتها وعدت للوقوف خارجا , هي والدته في كل الأحوال
وستجد له ألف عذر أما أنا فلا أجد له ولا واحدا من مئة
وقفت قليلا وعيناي على الباب الخارجي ثم نظرت لساعتي
وضربت الأرض بقدمي متأففة ثم عدت للداخل وجلست على
الأريكة بالمقربة منها وقلت ببرود " عشر دقائق أخرى إن
لم يأتي اتصلت بعمي رفعت ليأخذني "
ثم وضعت حقيبتي في حجري بقوة وغيظ وتابعت بقهر
" يعلم أنه لن نحظى بموعد آخر من زوج دُرر المصون ولن
يوافق زوج سراب على أخذها هناك ثانيتا وسيضيعها علي
لا أعلم ما بنا حظ كل واحدة منا أردأ من الأخرى "
كانت ستقول شيئا لولا منعها دخوله من باب المنزل وقال
متوجها للسلالم " أنزل وأجدك في السيارة أو ذهبت وتركتك "
وصعد ونظري يتبعه , ما به عابس هكذا ويقول كلامه من رأس
أنفه ؟ حتى أنه لم يحيي والدته كعادته وهل يراني لست جاهزة
أمامه ؟؟ تجاهلت كل تلك الأفكار ووقفت وخرجت للسيارة وركبت
فالمهم عندي أنه جاء لأخذي لأنه إن فعلها بي لا أعلم ما ستكون
ردة فعلي , خرج بعد قليل وركب وخرجنا من فورنا ولم يتحدث
طوال الطريق بشيء حتى وصلنا منزلا أكبر وأرقى من منزلهم
ومنزل عمهم وعمي أيضا رغم كبر حجم منازلهم , وقفنا
أمامه وقال ببرود " اتصلي بي لآتي لأخذك "
فنظرت له بصمت وهوا ينظر أمامه متجنبا النظر لي فنزلت
دون أن أعلق على شيء , وما أن أغلقت باب السيارة حتى انطلق
بها مسرعا وصوت انزلاق عجلاتها على الطريق كاد يصم لي
أذناي فبقيت مكاني للحظات أراقب سيارته تبتعد مستغربة تبدل
مزاجه فجأة ثم رفعت كتفاي وتوجهت لجرس الباب وقرعته فالمهم
عندي أني أتيت والأروع من ذلك أنه ترك الوقت مفتوحا أمامي
ما أن رننت على الجرس حتى وقفت سيارة زوج سراب ونزلت
منها فنظرت لها مبتسمة وهي تنزل ثم اقتربت منها وهي تتوجه
نحوي وقد غادر زوجها فحضننا بعضنا وقلت بشوق
" اشتقت لك يا غبية هل تدركي هذا "
لتفاجئني دموعها وشهقتها الباكية وهي تضمني بقوة أكبر
فقلت ماسحة على ظهرها " سراب ما بك هل ضايقك
مجددا ذاك الأحمق "
قالت بهمس مخنوق " لا "
ثم ابتعدت عني عندما انفتح باب المنزل لنا
*~~***~~*
وضعت زجاجة العطر على طاولة التزيين بعدما رششت منها ثم
وقفت أنظر لملابسي وأرتبها جيدا , كنت أرتدي تنوره قصيرة
تحت الركبتين بقليل بقماش مبطن لها نقوش عريضة عند حوافها
السفلية , ضيقة عند الخصر ثم تتسع تدريجيا وقميص ضيق بدون
أكمام وفوقه طبقة من الشيفون بكمان دائريان وطوله لنهاية الخصر
ونصف مفتوح من الأمام وكان هذا أنسب ما وجدت ليكون مناسبا
لليوم , رفعت شعري بقوس فضي وجلست على حافة السرير خلفي
أنظر للأرض بحزن وحيرة ثم تنهدت بأسى وأنا أتذكر كل ما حدث
البارحة فبعدما عدنا هنا أنزل عليا سيل توبيخه ( ما الذي أخرجك
ذاك الوقت وكيف تغلقين الباب على نفسك وماذا إن لم أذهب هناك
من سيسمع حتى طرقك ومناداتك ) ولم يصدق حتى أني لم أغلقه
وفي النهاية نام غاضبا مني وخرج فجرا لعمله وكأنه ليس ذاك
الذي ضمني لحضنه هناك دون أن يصرخ ويغضب كعادته حين
أكون مخطئة في نظره , كم هوا معقد هذا الرجل وكم يصعب
عليا فهمه فهوا يجعلني عاجزة حتى عن فهم نفسي , أخرجني
من أفكار صوت طرق على الباب فتوجهت نحوه وفتحته
فكانت إحدى الخادمات وقالت من فورها "
سيدتي
ضيوفك وصلوا "
فخرجت مغلقة الباب خلفي ونزلت السلالم مسرعة فاليوم من
الأيام التي تحسب في حياتي , وأخيرا سأراكما يا شقيقتاي
اللتان لم أرزق بهما يوما فلأول مرة نفترق كل هذا الوقت فلم
نغب عن بعضنا يوما , ما أن اجتزت نصف السلالم حتى ظهرتا
لي وكانت ترجمان تنظر من حولها وسراب تنظر ناحيتي مبتسمة
وتمسح دموعها فأكملت باقي العتبات ركضا وقفزت لحظن سراب
التي استقبلتني فاتحة ذراعيها لي وبدأت تشهق باكية وأبكتني معها
ضممتها بقوة وقلت " منذ متى أصبتِ حساسة هكذا
ومبارك ارتدائك للحجاب كم هذا رائع "
ثم ضحكنا معا من بين دموعنا وابتعدت عنها واحتضنت ترجمان
التي استقبلتني بذراعيها وضمتني بقوة وقالت من فورها " أول
مرة أرى أبوابا مرسومة وكأنها لوحات فنية وما هذه الملابس
الرائعة التي تلبسينها , لقد أخذتِ نصيب الأسد يا حمقاء
أوسمهم وأغناهم "
ابتعدت عنها ومسحت دموعي قائلة بابتسامة " قولي اشتقت
لك قولي كيف حالك , حسد هكذا من بدايتها "
*~~***~~*
ألبستها باقي ملابسها أستمع لحكاياتها الطفولية التي لا تتوقف
وبطلتيها طبعا ترجمان وسدين وذهني ليس معها أبدا بل مع
أولى جلسات المحكمة التي ستبدأ بداية الشهر ولم يتبقى عليها
سوا أيام ويبدوا أن مصطفى تراجع حتى عن تطليقي بمحض
إرادته وقد سئمت من نظرات الناس وكلامهم عن سبب تركي
لمنزلهم وزواجه من أخرى فقد كُتب لي أن تنزل فوقي ضرة
قبل أن أصبح مطلقة لأجرب جميع الأنواع , رن هاتفي وكان
ذاك الرقم الغريب مجددا ولم يكمل الاتصال كعادته ثم وصلت
منه رسالة ولأول مرة يفعلها ففتحتها فكان فيها
( رغد هذا أنا خالد )
فشعرت بجسدي كله ارتجف حتى وقع الهاتف مني وبدأت دموعي
بالنزول , لما يحدث معي كل هذا وما يريده بي بل وكيف يفكر هذا
المجنون فلو انتشر الخبر بين الناس فلن يرحمني أحد , طرق أحدهم
باب غرفتي فأمسكت الهاتف برجفة وأغلقته نهائيا ومسحت
دموعي وقلت " تفضل "
فانفتح ودخل منه إياس فوقفت ندى من فورها وركضت جهته
ضاحكة فحملها وقبل خدها وتوجه نحوي وجلس على الكرسي
وأنزلها للأرض وقال " اذهبي ونادي جدتك بسرعة "
فخرجت من فورها وقال ما أن غادرت " رغد هناك أمر
أريد أن تقومي به من أجلي "
نظرت له باستغراب وتابع قبل أن أعلق " أريد أن أتزوج "
نظرت له بصدمة وقد تاهت الحروف مني وبدأت بالتلعثم ولم
أعرف ما أقول فأشار لي بإصبعه على شفتيه وقال ناظرا للباب
" أش سنتحدث لاحقا وأمي آخر من سيعلم "
ولم أستطع قول شيء لأنها بالفعل دخلت وندى تسحبها من يدها
وقال إياس من فوره " سآخذ إجازة وبعدها سأنقل عملي من هنا
وسننتقل للمزرعة بعد زواج سلسبيل وسدين مباشرة فرتبوا أموركم "
ودخل هوا وأمي في نقاش حول الأمر ولا تبدوا أمي معترضة أبدا
أما أنا فلم أستطع قول شيء فصدمتي من كلامه لازالت تلجمني
عن الكلام حتى الآن
*~~***~~*
دخلنا مجلس الضيوف وقالت ترجمان ما أن جلسنا " كيف
أحوالك مع عريس السعادة يا دُرر فوحدك مجهولة
المصير حتى الآن "
قلت بهدوء " جيدة "
لوت شفتيها وقالت " كنت أعلم أنه سيكون جوابك في كل
الأحوال وأتوقع العكس فكل هذا الأمر كان فاشلا منذ البداية "
ولم تتركني أعلق بل تابعت قائلة " لو كنت أعلم أن كل هذا كان
سيحدث ما وافقتهم على ما فعلوه وبقيت للفضيحة فستنساها
الناس مع مرور الوقت "
نظرت للأسفل وقلت " الشرف لا يسامح فيه أحد ولا يُنسى يا
ترجمان , ثم هل ستختارين أفضل مما اختار الله لنا "
تمتمت بشيء لم أفهمه ثم قالت " أقنعيني أن حياتك أفضل من
حالنا وأنك راضية عنها فأنا أعرفك من سنوات يا دُرر
وأفهم نظرتك دون كلام "
تنهدت وقلت " قلت أن أموري جيدة وما كنت سأستبدلها
بالفضيحة أبدا "
تجاهلتني ونظرت جهة سراب الصامتة منذ أول الجلسة
وقالت " وأنتي من بلع لسانك فليست عادتك "
قالت بهدوء أقرب للبرود " حياتك جيدة يا ترجمان فلا تفسديها
بغبائك وطيشك وتندمي وقت لا ينفع الندم "
نظرتْ لها بصدمة وقالت " هل هذه سراب من تتكلم !! "
نظرت ليديها في حجرها وقالت بشيء من الحزن " نعم فقد
يكون حال أفضل من حال لو لم نفسده أكثر "
قالت بتذمر " بالله عليكما من ألقى عليكم تعويذته ؟ دُرر أعرفها
طوال حياتها ترضى بالتعب وتسكت , أنتي ما غيّرك فجأة "
نظرتْ لها وقالت بجدية " غيرني غبائي الذي دمرني وعليك
أنتي أيضا أن تستفيقي لنفسك فزوجك لا ينقصه شيء "
نظرت لي حينها وقالت " دُرر هل تصدقي أن هذه
سراب التي نعرفها "
هززت رأسي بلا في صمت فقالت سراب بضيق " وما في
الأمر إن غيرت قناعاتي وحياتي , هذا شيء عادي وطبيعي "
نظرت لها ترجمان بصدمة وقالت " سراب يا غبية هل
أحببت ذاك المعتوه "
قالت وعيناها قد امتلأت بالدموع " نعم بعدما أكرهته فيا أضعاف
ما كان , هل ارتحتِ الآن بمعرفة السبب "
أمسكت رأسها بيدها وقالت " غبية لقد أفسدتِ على نفسك "
أشاحت بوجهها بعيدا عنها وقالت " بل أفسدت على نفسي حين
لم أرضى بواقعي منذ البداية فكل ما كان يحتاجه زوجة تفهمه
وتتفهم ظروفه وحياته ولم يجدها بي وحين استفقت لنفسي
كان الأوان قد فات ولم ينفعني الندم "
هزت ترجمان رأسها بيأس منها ثم نظرت لي وقالت
" وأنتي يا معدومة هل أحببته أيضا "
نظرت لها بصدمة فقالت " وصل الجواب لن تكوني
أفضل منها "
فقلت بصدمة أشد " ماذا أنا ..... "
ولم أنهي كلامي لأنها قاطعتني قائلة " وأين زوجته الأولى
لا تقولي أنها تعيش معك هنا "
وما أنهت جملتها إلا وانفتح باب المجلس ودخلت منه ...... وجد
نهاية الفصل .... موعدنا مساء الخميس إن شاء الله