18الفصل الثامن عشر
دخلت أتبعه بخطوات بطيئة متوجسة ليقع نظري على الواقف مع
عمته , رجل في الستين من العمر تقريبا يبدوا صاحب هيبة كابنه
رغم أن ملامحهما لا تتشابهان مطلقا وشيء مختلف حد الاختلاف
وهي نظرة العينين فهذا نظرته لا تشبه نظرة أواس وفي كل حالاته
وحتى الغضب وتبدوا نظرة رجل يقول لكل شيء أمامه ويلك مني
كانا ينظران لنا بصمت حتى وصلنا لهما وركز والده نظره علي
ويبدوا أنه لن يتبادل وابنه الحديث أبدا ولا بالسلام مما يعني أنه
حان دوري أنا , نظرت للأرض وقلت بهدوء " صباح الخير
يا عمي سررت بلقائك "
لتخرج منه الكلمات الساخرة قائلا " لم تشرفنا بزيارة بها هل
ستحجبها عنا كالأولى وكأنه لا عائلة لك "
حينها علمت أن دوري انتهى وحسب أوامره عليا أن أغادر
فقلت بهدوء " بعد إذنكم "
وتركتهم متوجهة نحو ممر غرفتي ليوقفني صوت والده الحازم
" انتظري هنا "
فوقفت مكاني والتفت له برأسي فقط فقال " ابنة من أنتي وما اسمك "
نظرت لأواس فكان ينظر لي نظرة أفهمها جيدا وهي أنه عليا أن
أنصرف ولا أزيد شيئا فالتفت لأغادر فقال بغضب " هل أوصاك
على عدم احترامي مثله , قلت من أنتي فأجيبي "
خرج حينها أواس من صمته قائلا بأمر " لغرفتك ولا تخرجي منها "
فأسرعت الخطوات لأختفي من أمامهم بل ليختفوا هم من عالمي
فيكفيني من هذه العائلة ما رأيت , دخلت غرفتي وأغلقت بابها
وتوجهت لسريري وجلست عليه وكل مخاوفي أن يهجم عليا والده
في أي وقت فلما يريد معرفة من أكون ولما يرفض أواس إخباره !!
لا أعلم متى ستشرق عليا شمس نهار في هذا المنزل لا تحمل لي
معها لغزا محيرا جديدا , ما به هذا الرجل لا علاقات جيدة له مع
أحد ! زوجته يضربها باستمرار ويسجنها والسبب مجهول وهي
ترجمته لمرض في عقله ليس إلا ووالده يبدوا بينهما خلاف
عميق متأصل ومن قبل أن يتزوج زوجته الأولى , ترى هل
يكون هوا من اتصل به ذاك اليوم وكان يشتمه ؟؟؟ لكن النغمة
لم تكن نفسها إلا إن خصصها له فيما بعد ثم الذي اتصل به كان
يريد إسماعه صوتي , آه يا رب ما هذا الحال والوضع المزري
حتى ترجمان وسراب لا أعلم عنهما شيئا وما حل بهما , ما هذا
الحكم القاسي منه أي جرم هذا الذي ارتكبته أستحق عليه كل
هذا ؟؟ أصمتي يا دُرر فيبدوا أنك لم تري منه شيء وكل
مخاوفي من القادم ومما يخفي هذا الرجل ويدبر
*~~***~~*
أمسكت ذراعه وهوا يحاول صفعه وقلت برجاء " سالم استهدي
بالله ليس هكذا يكون التفاهم وهوا ابنك والدم لا يصبح ماءً "
قال بغضب عارم " ليس ابني ولا أعرفه فضحني بين الناس
أُعطي الرجل كلمة أنه سيخدمه في صفقة السيارات ويرده
بكل وقاحة ويصغرني أمامه "
قال أواس ببرود " ليس لأنك تقبل الرشاوى وتدير مصرفا
ربوي يجب أن يسير كل العالم على مسارك "
ثم أضاف بحزم " ولازلت أحترمك لأنك والدي لكن قسما
إن امتدت يدك علي لرددتها لك والصاع بالصاع "
قال صارخا " نعم هذا ما أنتظر منك يا عاق تضربني ؟؟ قسما
أقطعها لك قبل أن تمدها علي وأخبرني الآن من أي مزبلة
أحضرت تلك المرأة أو عرفت كيف أعلم منها "
حينها ثارت ثورات أواس البارد منذ دخل وقال بحدة أقرب
منها للغضب " ليس لك شأن بها وأقسم إن اقتربت منها شوهت
يدك , وحتى كونك والدي أمام الله لن تقف في طريقي حينها "
كنت واقفة بينهما كجدار السد أخاف أن نصبح في عراك بينهما
وهذا أقصى ما قدرت عليه فليثه لم يصرف دُرر فهي وحدها من
قد تهدئه وها قد وصل للمرحلة التي لا أريد أن يصلها وأعرفه
جيدا حين يصبح هكذا , صرخ سالم بذات النبرة الغاضبة
" من هذا الذي يهدد بأن تتركها أو فعل وفعل ؟ أقسم إن وصلني
أذى وأبنائي بسببها وسببك أن يكون الثمن دمك ودمها وابتعد
بأعدائك عني وأبنائي "
تحرك حينها أواس جهة ممر غرفتها ووضعت أنا يداي على رأسي
هذا ما كان ينقصها يذهب لها وهوا في حالته هذه , لكنه خرج من
الممر سريعا يحمل مفتاح الغرفة في يده وغادر المنزل أمامنا ولم
يصعد حتى ليبدل ملابسه مما يعني أنه لن يذهب لعمله رغم أنه
من المفترض أن يكون فيه بعد أقل من ربع ساعة , ألتفت لي
وأمسك ذراعي وهزني منها وقال بحدة " من تكون قولي بسرعة "
قلت برجفة " لا أعلم , اسمها دُرر هذا فقط ما أعلمه "
ترك حينها ذراعي بغضب وقال مغادرا " سنرى يا أواس
سترى حسابك مني "
وخرج هوا أيضا وتركوا الفتاة مسجونة فما ذنبها في كل هذا
ومتى سيرجع لإخراجها ؟؟ وها قد ذهبتْ وجد لتستلم دُرر جميع
عقوباتها , توجهت لممر غرفتها ووقفت أمام الباب وطرقته
وقلت " دُرر "
فاقتربت خطواتها منه ثم خرج صوتها الرقيق المنخفض
قائلة " عمتي ما بكم من أغلق عليا الباب "
قلت بهدوء " لا تقلقي إن تأخر سأفتح لك أنا "
قالت من فورها " ولما أغلقه ما ذنبي أنا وماذا فعلت "
تنهدت وقلت " ليس ذنبك ولا ذنب أحد يا دُرر هذا
قدرك فقط وعليك تحمله يا ابنتي "
ثم غادرت وتركتها , مؤكد أواس لم ينسى أنه لدي نسخة عن
مفتاح غرفة ابنتي وما أن أطمئن أن والده لن يرجع سأفتح لها
حتى إن غضب مني فلن أكترث له فلا أريد ما كان يحدث مع
وجد أن يتكرر معها , لكن ما عناه سالم بأن أحدهم يهدد بشأنها
هل هوا جدها يا ترى وعلم بوجودها عند أواس ؟؟ وهنا ستكون
الكارثة فيبدوا أواس فعل ما يخطط له وذاك الغول لن يسكت
بالتأكيد فهوا يقتل حتى القتل ولا يخشى شيئا ولا أحدا , توجهت
لغرفتي وليس على لساني سوا ( يا رب سترك ) فكل خوفي
على أواس من ذاك الذي لا يخاف الله
*~~***~~*
نظرت له حتى وصل عندي سلّم على عزام وبسام
ثم قال " إياس أريدك قليلا "
فاستأذنت منهما وابتعدنا حتى دخلنا أشجار المزرعة ووقفت
ووقف هوا مقابلا لي وقال " مؤكد تعلم أن زوجتك
غادرت المنزل "
نظرت له باستغراب من معرفته للأمر فتابع " ولم تذهب
لمنزل عمها ولا علم له بشيء "
نظرت له بصدمة ثم قلت " هي عندك إذا "
قال بهدوء " نعم وتريد السفر لعائلة والدتها "
قلت مغادرا من أمامه " مهزلة وهذا ما كان ينقصها من
الجنون ولم تفعله بعد "
لحق بي وأمسك بذراعي وأوقفني وقال " عليك حل الموضوع
قبل أن يصل للعقيد رفعت , لا تتهور يا إياس "
التفت له ونفضت ذراعي منه وقلت بضيق " هذه حياتي الخاصة
لا دخل لأحد فيها ولن تسير حسب رغبة أحد ولن أخشى منه "
قال بجدية " لا أحد يريد التدخل في شئونك الخاصة لكن فكر فقط
أنها إن فعلت ما تفكر فيه كيف سيكون رد فعله فلا تنسى أنه عمها
وأقل ما قد يفعله أن يلقي باللوم عليكم لأنكم همشتموه في
موضوع كهذا ولم يخبره أحد "
قلت باستياء " وإن أخبرناه فلن يحصل خير أيضا
وسيقوي شوكتها عليا أكثر "
قال بجديته ذاتها " لا أعلم ما هذا السبب الذي جعلها تغادر المنزل
وتصر على ترك البلاد وأتمنى يا إياس أن لا تكون مددت يدك
عليها وأنت تسجن من تأتيك زوجته مضروبة وتشتكي "
غادرت حينها من أمامه وعدت جهة البقية وقلت وأنا اركب
سيارتي " أنا عائد للعاصمة الآن لا تنسوا أن تسلموا
مفاتيح المنزل للعمال "
ثم غادرت من هناك وسيارة آسر خرجت خلفي , هكذا إذا يا
ترجمان تعلمين أن عمك سيرجعك للمنزل ففكرت في أبعد من
ذلك لتفري بجلدك وأتلقى أنا الاتهام والتوبيخ , وبدلا من أن نحل
مشاكلنا بيننا يعجبك أن يتدخل فيها آسر وزوجته والله أعلم من
سيكون غيرهما , رن هاتفي فأخرجته وأجبت قائلا
" نعم يا بسام "
قال من فوره " ما بك ما الذي أخبرك به صديقك أخرجك من
المزرعة هكذا وأنت قلت أنك ستغادر غدا , هل زوجة عمي
أو البنات بهم مكروه "
قلت محاولا تهدئة نفسي " لا شيء بهم وما دخله هوا بعائلتي
هذا مجرد صديق يعمل معي "
قال مباشرة " إياس متى ستفهم أني لا أستنقصك أنا قلقت فقط
أنت ابن عمي وفي حسبة شقيقي "
تنهدت وقلت " لم أقصد ما فهمت يا بسام أنا فقط متضايق
قليلا وكما قلت لك الجميع بخير "
قال بهدوء " حسنا قد برفق وتمهل من أجلهم فلا أحد لهم
غيرك ... وداعا "
أنهيت المكالمة معه ورميت الهاتف جانبا على الكرسي الآخر
وما أن وصلت المنزل ودخلت حتى استقبلتني أمي وأمسكت يدي
وقالت بقلق " إياس حمدا لله أنك بخير هل هذه فعلة تفعلها بي
تغلق هاتفك وتشغل بالي عليك "
قلت بضيق " أمي تعلمين أني في المزرعة
وأنا لست طفلا "
تنهدت وقالت " أعلم ومن قال أنك طفل لكن راعي قلب
الأم فأبنائها لا يكبرون في نظرها أبدا , ثم زوجتك ... "
قاطعتها قائلا " لا تقلقي أعلم أين تكون وسترجع بنفسها "
نظرت لي باستغراب فتركتها وقلت صاعدا السلالم " لا أريد
أن يعلم خالي رفعت وغدا صباحا ستجديها هنا "
صعدت لغرفتي وفتحت الخزانة ووجدته حيث وضعته عندما
أخذته من حقيبتها من أجل أن نكمل إجراءاتهم في المحكمة فأنا
نسيت إرجاعه لها وهي يبدوا لم تنتبه له فأريني كيف ستسافرين
يا ترجمان وما أما متأكد منه أنها ستأتي الليلة لأخذه ظنا منها
أن عملي اليوم وسأبات في قسم الشرطة , اتصلت بعدها بآسر
وأجاب سريعا فقلت " هل وصلت "
قال من فوره " نعم أنا داخل للعاصمة الآن "
قلت بجدية " تصرف وكأن شيء لم يحدث والليلة سترجع
هنا فلا تغلق باب منزلك فهي تضن أن عملي اليوم وليس
غد فلا أحد يعلم "
قال " حسنا المهم أن لا تطلب مني طردها ولا
زوجتي ستوافق "
قلت بهدوء " لا تقلق ستأتي بملء إرادتها .... وداعا الآن "
أنهيت المكالمة معه ثم خرجت من المنزل ولمكتب المحامي
فورا لأرى ما سنفعل بشأن القضية , وما أن وصلت له حتى
رن هاتفي وكان المتصل خالد شقيق مصطفى فأجبت عليه وأنا
أنزل من السيارة وقلت " مرحبا يا خالد لا يمكنك زيارة
ندى الآن أنا لست في المنزل "
قال من فوره " بل أريد رؤيتك أنت فمتى تجد لي وقتا "
نظرت لساعتي وأنا أصعد السلالم وقلت " ساعة أو ساعة
ونصف ونتقابل حسنا "
قال من فوره " جيد سأنتظرك في مقهى السنبلة تعرفه ؟؟ "
وصلت شقة المحامي وقلت وأنا أدفع الباب " نعم أعرفه هل
الموضوع بخصوص القضية فلن أتراجع عنها أبدا يا خالد "
قال بهدوء حذر " بل بخصوص رغد "
*~~***~~*
عدت لمنزلي فتحت الباب لأسمع صرخة داشر القوية فدخلت
ووقفت مكاني وأنا أراه يركض وهوا يعرج حتى خرج مارا
بي وخرج من الباب الذي تركته مفتوحا فتقدمت أكثر للداخل
فوجدت سراب جالسة على الأرض ترتجف وتبكي وزوجة
إياس تمسك عصى في يدها وتقول لها " يكفي يا غبية كيف
تخافين من قط دخل عليك المطبخ فجأة ها قد لقنته
درسا ولن يعود مجددا "
بقيت واقفا أنظر لها بصدمة , ما هذه الجبارة ضننت جميع
النساء يخافون القطط والفئران والصراصير , ضربت داشر
الشرس المعروف في كل الحي ولا يستطيع أحد الاقتراب منه !!
نظرت بعدها ناحيتي ولم تفاجأ حتى بوجودي بل رمت العصا
جانبا ونفضت يديها وقالت متوجهة جهة غرفة الضيوف
" طوال حياتك جبانة ولا شيء لديك سوا اللسان "
ثم دخلت الغرفة وأغلقتها خلفها فعدت للباب وأغلقته حامدا
الله ألف مرة أنها ليست زوجتي بالرغم من العيب الذي فاقتها
فيه سراب بجشعها فعلى الأقل تخاف مني بما أنها تخاف من
قط أما هذه فيبدوا أنها لا تخاف أحدا ، عدت للداخل فكانت
سراب على حالتها جالسة على الأرض تبكي وتمسح دموعها
ثم وقفت ودخلت المطبخ ولم أعد أسمع سوا صوت بكائها
فتنهدت وتبعتها وقفت أمام باب المطبخ وقلت " يكفي بكاء
لن أتركه يدخل مجددا هذا إن عاد من أساسه "
التفتت جهة المغسلة وقالت بعبرة " وكيف ستمنعه
من تسلق الجدران "
قلت ببرود " أعرف كيف أمنعه فتوقفي عن البكاء هيا "
مسحت خديها وحملت صحن به خبز وخرجت مجتازة لي
ووضعته على الطاولة فدخلت لأشرب الماء وحين شعرت بها
دخلت التفت لها لأكلمها بشأن صديقتها ففوجئت بالصرصور
الكبير الذي ينزل من كتفها وهي لا تعلم بل ولو رأته فستفقد عقلها
بالتأكيد خصوصا أنها مازالت يداها ترتجفان وشهقاتها الصغيرة
تخرج رغما عنها فقلت ملهيا لها حتى تقترب وأرميه من على
فستانها " إياك أن تتركي صديقتك تغادر حتى يرجع إياس
من عمله فجر غد ونرى ما سيفعل "
كنت أضنها ستأتي ناحيتي لإخراج صينية الشاي لكنها لم
تتحرك وذاك الصرصور الضخم يبدوا أنه بدأ يفكر في
الصعود لعنقها فقلت بسرعة " تعالي سراب "
نظرت لي بريبة وصدمة فقلت بضيق " اقتربي أو جئتك أنا "
تراجعت خطوة للوراء وقالت " ماذا تريد مني آسر فهذا
ليس وقته ولا مكانه "
اقتربت منها أنا مادا يدي لصدرها وقائلا " أعلم أنه
ليس وقته فدعيني أزيل هذا "
ويبدوا أني أخطأت في التعبير أو فهمته هي بشكل خاطئ
والنتيجة كانت أنها التصقت بالجدار ورفعت يدها لرقبة فستانها
وشدتها حيث يتمشى ذاك الأحمق لتُنزل نظرها له والنتيجة كانت
صرخة مدوية ولم أشعر بها إلا وهي في حضني ومتعلقة بعنقي
وتصرخ " لاااااا أبعده عني آسر أبعده "
كنت أحاول تهدئتها وإفهامها أنه وقع وهرب لكنها كانت تبكي
وتصرخ بهستيرية أن أبعده وأنه دخل من رقبة فستانها ولم أفلح
في شيء لأنها كانت متمسكة بي بقوة ويستحيل حتى أن أبعدها
وحدث ما كنت أخشاه وانفتح باب غرفة الضيوف فمؤكد صديقتها
سمعت الصراخ فما كان أمامي من حل سوا شدها بذراعاي
والدوران بها لأعطي الباب ظهري فعلى الأقل لا أكون أنا مقابلا
لها لأنه لا وقت لانقاد الموقف ، شدتها لي بقوة وهمست
في أذنها " توقفي فضحتنا معها يا سراب "
سمعت حينها باب الغرفة أغلق مجددا وابتعدت هي عني
تنفض فستانها وتقول بشهقات متتالية " أين ذهب هل أبعدته "
قلت مبتسما " تجديه من الرعب يتلقى العلاج عند طبيب نفسي "
رفعت رأسها وقالت بتذمر باكي وهي تمسح دموعها " يالا
مزاحك الثقيل كم تحب السخرية مني وأنا خائفة "
رفعت طرف رقبة سترتي بأصابعي وقلت بذات الابتسامة
" بل أنت أفسدت السترة بأحمر الشفاه وعليا أخذها لمعمل
الغسيل فانظري ما سيفكرون فيه ما أن يروها "
نظرت للأرض بخجل تمسح طرف عينها وقالت " كله بسبب
ترجمان أصرت أن أجرب أحمر الشفاه لترى لونه "
ثم رفعت رأسها ونظرت لي وقالت " صحيح أين
ذهبت لم ترجع وقت الفجر وشغلتنا عليك "
أبعدت نظري الذي وجدته منشغلا بالتدقيق على أحمر الشفاه
الياقوتي الذي يزين شفتيها الرقيقتان ثم قلت مجتازا لها لأخرج
" كان لدي مشوار ضروري ذهبت له "
لتمسك يدها يدي قبل أن أجتاز عتبة الباب وقالت " انتظر أين
ذهب الصرصور إن لم تكن قتلته فلن أدخله مجددا "
نظرت لها واستللت يدي من يدها وممددتها لوجهها وقلت
مبتسما وأنا أبعد الخصلات التي التصقت به بسبب دموعها
" وهل تركتِ لي مجالا حتى لرؤيته قفزتِ عليا قفزة مباشرة "
أنزلت رأسها لتخفي خجلها من كلماتي ومسحت عينها بباطن
كفها الذي لازال يرتعش وسعلت قليلا تخفي عبرتها وشهقاتها
لا أنكر أني كرهت شعوري بالشفقة عليها لكني لم أستطع منعه
فأمسكت يدها من وجهها وحضنتها بين كفاي وفركتها بهما
وقلت " توقفي عن الارتجاف هذه المنازل بؤر للحشرات
وأنا كنت أعالج المنزل شهريا لكني غفلت عنه هذا الشهر
هيا يا جبانة فكله صرصور صغير فقط "
تابعت مسح عينيها بيدها الأخرى تنظر للأرض وقالت ببحة
" اذهب الآن وأحضر دواء الحشرات وضعه هنا "
تركت يدها ووضعت يداي وسط جسدي وقلت " أنتي تحلمين
بالتأكيد أكاد أنام واقفا وتريدين أن أخرج الآن "
ثم قلت مغادرا المطبخ " أيقظيني عند الظهر لا تدعي
الصلاة تفوتني "
ثم دخلت للغرفة لأني قسما بربها سأتهور هذه المرة ولن
يمسكني عنها شيء وإن كان بحدود فلا أريد أن ابني حياة
معها لا أريد توقف يا آسر
*~~***~~*
قال وهوا يدير أصبعه على حافة الكوب ونظره عليه
" حقيقة الأمر يا إياس لدي موضوع لكني أريد أن
تفهم قصدي منه أولا "
قلت بجدية " بخصوص قدوم مصطفى بالأمس "
نظر لي وقال " هل كان عندك أنت !! "
قلت بحيرة " الم يحكي لكم أين كان "
هز رأسه بلا وقال " جاء وحالته مزرية وكأنه خرج من عراك
ولم يقل شيئا وانفرد بوالدتي وشقيقي الأكبر ولأني مستبعد
دائما من شأنه تحديدا لم يحكي لي أحد "
قلت بسخرية " وطبعا لأنك الوحيد الذي تدافع عن
حق ابنة شقيقك يخرجونك من الموضوع "
تنهد وقال " إياس مصطفى لن يترككم وشأنكم ليس حبا في ندى
لكن بغضا لما فعلتموه به وسيبقى شبحه يطاردكم وسيكون أمام
رغد أحد حلين إما أن لا تتزوج كل حياتها أو أن تتزوج ويجدها
فرصة لأخذها منها لأن الحضانة ستنتقل له أو لوالدتي "
قلت بجدية " شقيقك عنقه في يدي والتهديد وحده ما يجدي معه
أعلم أنه شقيقك وهذا الكلام لا يجوز لكنها حقيقته وتجارته ليست
نظيفة وأنا أتغاضى عنها فقط من أجل أنه والد ندى "
تنهد وقال " أعلم قبلك وكم حاولت معهما وبلا فائدة لكن مالا تعلمه
أنه بدأ يصفي أعماله ويريد اللعب معك وسحب ورقتك الرابحة "
قلت من بين أسناني " سحقا له وندى لن يأخذها ورغد سيطلقها "
قال بهدوء " سيطلقها لكنه سيبقى يحاربها بابنتها "
قلت بريبة " هذه المقدمان وقلتها فهات أساس الموضوع
الذي جلبتني من أجله "
شد له نفسا قويا وقال بجدية " أريد أن أتزوجها
ما أن تطلق منه "
*~~***~~*
حركت الملعقة في القدر بقوة وقلت بضيق
" ترجان فارقيني خيرا لك "
ضحكت ولفت لي من الجهة الأخرى وقالت " أريد أن
أفهم فقط ما جعلك تحضنيه ذاك الحضن ؟ كله خوف
من القط يا كاذبة "
نظرت للسقف وقلت بنفاذ صبر " يا رب صبرني "
ضربتني على ظهري وقالت " وتقولين كل واحد منا في غرفة
وفي شجار مستمر ويسخر مني دائما , ويومين فقط بقيتهما هنا
ظهر أنكما تنامان معا وأحضان وبكاء , ظلمتي الرجل هل
كل هذا خوف من أن أصيبك بعين "
قلت بسخرية " نعم من جمال حياتي لأخاف عليها "
ثم أغلقت القدر وخرجت من المطبخ وهي تتبعني قائلة
" حسنا ولما مسحت أحمر الشفاه ؟ هذا إن مسحته ولم
يُمسح بسبب شيء آخر "
سحبتها معي للغرفة وقلت من بين أسناني " أسكتِ يا حمقاء ماذا
إن كان مستيقظ الآن وسمعك لا بارك الله في لسانك السليط "
جلست على الأريكة ووضعت ساق على الأخرى وقالت ببرود
" وإن سمع ؟؟ هوا عاش ورأى هل نقول شيء حدث من ورائه "
نظرت لها بغضب واضعة يداي وسط جسدي فأشارت لي
بيدها قائلة " اجلسي اجلسي يبدوا لي أن هذا الرجل طبخة
سهلة يحتاج فقط لبعض الذكاء منك "
قلت بسخرية " هه علمي نفسك الطرق قبلي أنا وطبقيها
على زوجك فأنا أراه أسهل وأيسر من زوجي "
قالت بقرف " ذاك أيسر ؟؟ ذاك أعسر ما رأيت في حياتي
مغرور لن ينزل نفسه حتى إن كَنّ لي بالفعل شعورا خاصا
هذا إن حدث وإن رآني من أساسه "
جلست وقلت " لعبتك انقلبت عليك فمن أين ستحظرين
جواز السفر يا مسكينة "
قالت بمكر " اتصلت بالخادمة وستفتح لي باب المنزل وسأدخله
الليلة وأخرج جوازي ولن يعلم أحد فإياس سيكون في عمله
حتى فجر غد وأكون أنا حينها غادرت العاصمة "
هززت رأسي وقلت " كم أخشى أن تنقلب لعبتك عليك "
قالت بلامبالاة " ولما تنقلب علي فما أن أخرج من هنا كل شيء
سيكون ميسرا فبما أن اسم العائلة لدي والمدينة الحدودية التي
يسكنون فيها فسيسهل عليا إيجادهم ووداعا يا إياس وللأبد "
قلت بسخرية " وإن لحق بك يا حبيبة عائلتك "
قالت ببرود " أقص يدي إن فعلها فكل ما يريده أن
يتخلص مني وجاءته على طبق من ذهب "
تنهدت وقلت بحزن " أيعقل أن نفترق هكذا كل واحدة في بلاد
دُرر أيضا قال آسر أن زوجها قال له بأنها ستسافر مع عمته
وبقيت وحدي معلومة الحاضر والمستقبل وهوا الموت هنا
وكم أخشى أن يكون قبري وسط هذا المنزل "
ضحكت وقالت " نعم تحايلي علي فلم يعد يجدي هذا ولا أصدقه "
ثم تابعت بمكر " أخبريني هيا ما تأثير الحضن الأول والقبلة الأولى "
رميتها بالوسادة وأشعر بأني أحترق من الخجل وقلت بضيق
" أخبريني أنتي فأنا لم أجرب شيء من هذا "
قالت ساخرة " هه إن لم أرى بعيني "
وقفت وقلت " لعلمك أنا لا أذكر من ذلك شيئا ولم أكن أعي
لنفسي لأني كنت مرعوبة فجربي بنفسك واحكي لي "
ثم قلت مغادرة الغرفة " لأذهب لغدائي أفضل لي من
أن يحترق بسببك وآكل أنا التوبيخ "
*~~***~~*
برمت لها خصلة شعرها بمصفف الشعر لتنزل
لولبية وقلت بحماس " انتهيناااا "
ثم هززت رأسي وقلت " هيا هزي رأسك هكذا "
فهزته من فورها مبتسمة تلك الابتسامة الطفولية فقبلت خدها
ثم وضعت لها مشبك أحمر من الأمام مثلي ورفعتها وتوجهت
بها لمرآة الخزانة وقلت " انظري كم نحن جميلتان "
فضحكت وأشارت لنا في المرآة وقالت " ندى وديمووو "
ضحكت وقبلت خدها بقوة وأنزلتها وعدلت لها بنطلونها الجينز
وخرجت بها من الغرفة ونزلنا للأسفل فقالت ونحن ننزل
السلالم " أليد ماما "
نظرت لها ورفعتها من ذراعيها وقلت وأنا أنزل بها آخر
العتبات " ماما يبدوا تُحظر الأرواح ولم تخرج من
غرفتها اليوم ولا تريد رؤية أحد "
دخلت سلسبيل حينها عائدة من جامعتها وقالت ما أن رأتنا
" كان الله في عون أمين عليك ما هذه البنطلونات
الممزقة التي تلبسانها "
أمسكت يد ندى وقلت مغادرة بها " أناس لا تفهم في الموضة
لا تتحدث وما ينقصه أمين إن حضي بواحدة مثلي "
قالت وهي تصعد السلالم " لا شيء سوا أنه سينام وشعرك
أحمر ليصحوا ويجده أزرق وكأنه في حفل رقص "
تجاهلتها وسرت بندى أبحث عن والدتي ووجدتها وإياس في
غرفة الجلوس فركضت ندى نحوه من فورها وصعدت لحجره
وقلت مبتسمة " رائعة هذه حركات الاختفاء وإغلاق
الهاتف وزوجتك تقلدك "
نظر لي ببرود وشعرت أن الأجواء متوترة أكثر من اللازم
فوالدتي أيضا نظرت لي نظرتها النارية ثم قالت بحدة
" كم مرة قلت لا تلبسي ثياب ممزقة ستفضحيننا مع
صديق شقيقك وعائلته , هذا ما أنا متأكدة منه "
قلت باستياء " وما دخله بالموضوع الآن ولا أحد له عليا
سلطة في ملابسي أنا لم أخرج بها للشارع وأحبها فما
يضايقكم في هذا "
قالت بضيق " وهل تعجبك الثياب التي تخرجي
بها ؟ هي لا تقل عن هذه في شيء "
كان إياس يلوذ بالصمت ناظرا للأرض وهذه ليست عادته
فقد كان دائما يدافع عني أمامها , قلت مغادرة " نعم كل من
يغضب هنا يفرغ غضبه بي وكأني لست ابنتكم , لا أعلم
حتى متى ستروا عيوبي فقط ؟ هذا إن كانت عيوب
أساسا وليست سوا حجة لتوبخوني وتنتقدوني "
وصعدت لغرفتي وأنا أتذمر وأتمتم حتى وصلت وأغلقت الباب
خلفي بقوة ورفعت هاتفي لأتصل بضحى لكي لا يأتوا اليوم
فيبدوا أن العائلة الموقرة لا مزاج لها لاستقبال أحد
وستخجلني أمي أمام صديقاتي بالتأكيد
*~~***~~*
بقيت في غرفتي جالسة على السرير حاضنة ساقاي ليمر الوقت
والساعة تلحق الساعة ولم أتحرك سوا لصلاة الظهر وبعدها بوقت
يبدوا تذكر أحدهم أنه ثمة مخلوقة بشرية مسجونة هنا منذ الفجر
انفتح الباب وهاجسي الوحيد أن يكون والده جاء ليفرغ غضبه من
ابنه بي أو هوا جاء ليلقي بكل لومه علي وطبعا هنا جميع الحقوق
مهضومة وأولها الاعتراض على أي شي وإبداء الرأي , دخل
وكان شخص ثالث وهي عمته بئر أسرار هذا المنزل ولا يمكن
أن أخرج منها بشيء رغم أنها يبدوا تعلم الكثير وإن سألتها الآن
ما سبب كل ذاك الصراخ حين كان والده هنا والنتيجة أن سجنني
كي لا يتحدث معي لقالت كعادتها ( لا أعلم ولا تثيري غضبه )
وآخرها ( هذا قدرك فتحملي ) بل هوا قدر غيري وعليا تحمله
عنه ودفع ثمنه أيضا فلم أرى حياتي مذنبا يعاقبونه دون أن يعرف
جريمته ، اقتربت مني وأمسكت يدي وقالت وهي تسحبني منها
" أخرجي يا دُرر لتخرجيه من هناك حلفتك بالله يا
ابنتي فوحدك من تستطيع فعلها "
أجل لهذا جاءت ليس لترى هذه المسكينة إن كانت ميتة أو
لازالت على قيد الحياة ليس لتمد لها لقمة طعام لأنها لم تأكل
شيئا من أكثر من يومين منذ سجنها ابن شقيقها في الأعلى
كل ما عناها مدللها أواس الذي يبدوا أنه بدأ يمارس غطرسته
على نفسه وسجنها كما يفعل مع زوجاته ، سحبتُ يدي منها
وقلت " لن أفعل شيئا ولن أذهب لأحد حتى أعلم لما أنا
هنا لما تزوجني لماذا يعاملني هكذا ؟؟ ومن أنا في
ماضيه ولماذا يحاسبني عليه "
أمسكت يدي مجددا وقالت برجاء " حلفتك بالله أن تفعليها ولو
من أجل واجبك نحوه كزوجة فهوا لم يذهب ولا لعمله اليوم
ويسجن نفسه هناك , خافي الله فيه يا دُرر فوحدك
تملكين حلا ولو بسيطا "
سحبت يدي منها مجددا وقلت بضيق " أي حل هذا الذي أملكه
وهوا يعاملني كدابّة ! خافوا أنتم الله فيا وارحموني ، دعيه يجرب
أذاه في الغير دعيه يشرب من الكأس التي يسقي بها غيره "
قاطعتني قائلة بحزن " لا تظلميه يا دُرر فأنتي لا تعلمي الحقيقة "
ضربت بكفي على صدري ضربة خفيفة وقلت بأسى " أفهميني
إياها إذا بدلا من كل هذا الضياع الذي أعيش فيه ، أعطي
الطبيب أسباب المرض قبل أن تطلبي منه علاجه "
ضمت يداها لصدرها وقالت " لا أستطيع مخالفة أوامره يا
ابنتي فاذهبي أنتي له فإن استطعتِ إخراجه الآن من حالته
فسيخبرك بنفسه فمفتاح كل ما تريدي معرفته في يدك "
قلت بضيق " وما هذه الحالة ما مرضه هذا ؟ لما أذهب
له وقد يؤذيني "
شدت يدي بقوة حتى سحبتني معها قائلة " لا مرض لديه
سوا في قلبه وعلاجه لديك فلا تبخلي عليه به "
ثم خرجت تسحبني خلفها لا أفهم شيئا مما تعني وتقول وهذا
حالي منذ دخلت هنا مجبرة على كل شيء ومقادة لكل شيء
ولا يحق لي لا أن أسأل ولا أن أعترض فهذا أبسط حقوقي
منزوع مني , خرجت بي من المنزل ولفت بي حوله يمينا
حتى وصلنا شجرة الأرجوحة وذاك المبنى الغريب حتى
اقتربنا فوقفتْ وتركت يدي وقالت " هوا في الملحق
اذهبي له وأخرجيه يا دُرر "
شعرت بقلبي بدأ يعزف سيمفونيته التي لا يتقنها سواه التي لا
أسمع لحنها إلا في وجوده أو حين اقترابه , قلت بتوجس
" سيغضب مني بالتأكيد وأنتي تعرفين ذلك "
امتلأت عيناها بالدموع وقالت بانكسار وحزن " لما تبخلين
بشيء في يدك وحدك لا تكوني أنتي أيضا عليه "
لا أعلم لما هي موقنة من أني أسيطر عليه وبيدي التحكم في
انفعالاته وأنا لا أستطيع حتى التحكم في نبضات قلبي في
وجوده ؟؟ لا أعلم بما يخبرها عقلها هل تضننا فعلا زوجين
طبيعيين أو أنه مغرم بي حد أن أتحكم في مرضه المجهول
وبإصرارها هذا لن تدعني وشأني وكما قالت قد أعرف منه
الحقيقة ، تقدمت نحو ذاك المبنى وحدي طبعا لأنها أوصلتني
هنا وانتهى دورها , فإن كانت هي التي عاشت معه تعجز عن
إخراجه من هنا فما سأفعله له أنا ابنة الأسابيع القليلة
التي وجدوها حديثا ؟؟!!
وصلت الباب وكان مفتوحا قليلا فدفعته بيدي ببطء فانفتح
دون أن يصدر عنه أي صوت , كان وكأنه جناح واسع أثاثه
قديم والغبار يملأ المكان بوضوح وكأنه لم يتم تنظيفه من أعوام
طويلة , كان هناك بابان مغلقان وآخر نصف مفتوح وصمت قاتل
وكأنه لا أحد هنا بل يبدوا بالفعل لا أحد موجود في هذا المكان
انتفض جسدي بكامله حين علا رنين هاتف في المكان بل هنا
قريب مني , بل هي تلك النغمة المخيفة الغريبة لتزيد اضطراب
قلبي وارتجافي فنظرت سريعا من حولي فيبدوا أنه هنا في
الردهة وسيكون أواس بالتأكيد في تلك الغرفة المفتوحة , فلما
يضعه بعيدا عنه ؟؟ يبدوا أنه ليس أول اتصال له لذلك تركه
هنا ، توجهت لمصدر الصوت فكان على طاولة قرب الغرفة
فوقفت فوقه أنظر لاسم المتصل ( الوحش ) ليزداد قلبي جنونا
في نبضاته وأنا أمد يدي له وأرفعه قبل أن أتراجع وأغير رأيي
فتحت الخط ووضعت الهاتف على أذني , أريد أن أفهم أن أعرف
من يكون هذا وما علاقته بي بما أنه ليس والده , ما أن وضعته
على أذني حتى أغمضت عيناي بشدة وانتفض كل جسدي وأنا
أسمع الصوت الغليظ الغاضب الذي انفجر من فوره قائلا
" لما لا تجيب يا وقح يا قذر يا زبالة يا جبان يا امرأة قسما
أنه آخر إنذار لك وسترى الأفعال الآن وأنت اخترت يا أواس
وقسما أن تندم وتبكي دما على تفكيرك فقط في اللعب معي "
كنت سأغلق عليه الخط لولا أن تسمرت مكاني من الصدمة
وهوا يقول " أقسم إن أصاب حفيدتي أذى قتلتك , قسما أن آخذها
منك وعينك ترى فأعدها لي بالطيب أفضل لك يا صعلوك
أو عرفت كيف أحرق قلبك عليها "
جدي هل هذا جدي الذي تحدث عنه عم ترجمان لكن ......
صرخ قائلا " أجب يا خنزير ما يسكتك "
أغلقت الخط بسرعة ووضعت الهاتف على الطاولة بيد ترتجف
بقوة حتى كدت أوقعه أرضا , إذا جدي يعلم بوجودي هنا وأنهم
وجدوني لكن ما سر كل هذا لما يهدده أن يتركني ؟ ما الذي بينهما
و أنا من تدفع ثمنه ؟ اقتربت من الغرفة بخطوات بطيئة وجلة حتى
وقفت أمام بابها النصف مفتوح وشهقت بصمت من صدمتي لما
رأيت ... أغراض مبعثرة ودماء ببقع كبيرة جافة تصل حتى الباب
و .... أواس نائم على الأرض نظره للسقف مغمضا عينيه ينصب
ساق ومادا الأخرى وإحدى يديه ممدودة بجانبه والأخرى .... وهنا
الكارثة يمسك بها سيجارة وهي بين شفتيه ويسحب منها نفسا قويا
ثم أطلقه في الهواء لينتشر دخانها أعلى وجهه فتراجعت للخلف أهز
رأسي بصدمة , يدخن لماذا !! وكيف لم أشم فيه رائحة سجائر طوال
الفترة الماضية ؟؟ بل ها هي أعقاب السجائر منتشرة حوله بالمئات
ركضت خارجة من كل ذاك المكان واجتزت عمته الواقفة بعيدا دون
حتى أن أنظر لها وعدت للمنزل ولغرفتي فورا أغلقت الباب وارتميت
على السرير أبكي بمرارة وحرقة ولا أعرف ماذا أبكي وماذا ؟؟ نفسي
أم غيري !! ماضيا أم حاضري ومستقبلي , لما جعلوني لعبة انتقام لا
أعلم عنها شيئا , من أنا ومن هم وماذا يحدث ولما وحدي
يحدث معها كل هذا ؟؟
انفتح الباب ووصلني صوت عمته قائلة " ما بك يا دُرر
ماذا حدث معك "
قبضت على اللحاف بقوة ودسست وجهي في ذراعاي أكثر
وقلت بحدة " اتركوني وحدي أخرجي الآن "
قالت بهدوء " ما بك هل ضربك ؟؟ ماذا حدث "
قلت صارخة ببكاء " قلت اخرجي واتركيني أخرجي "
ولم أسمع بعدها سوا صوت باب الغرفة يغلق لأزداد بكاء ونحيبا
فمن يتخيل أن دُرر تتحول لامرأة لا تعرف سوا الدموع
وهي من كانت لا تعرفها
*~~***~~*
سجنت نفسي في غرفتي لساعات ولم أخرج إلا حين أخبرتني
الخادمة أن إياس عاد ويريد رؤيتي , لابد وأن والدتي أخبرته
فما سيبرئني الآن حتى لو قال بسام حقيقة ما حدث فلن يصدقه
أحد وهي سمعت اسمي منه أي أنه يعرف جيدا رقم هاتفي وكأنه
يحادثني من قبل ولن يقف الأمر هنا فسيتسبب بمشكلة بين إياس
وبسام ومن ثم مع عمي وجميع أبنائه , دخلت غرفة الجلوس
حيث كانا لتركض ندى نحوي فهي لم تراني طوال اليوم لأني
كنت في حالة لا أستطيع أن أرى فيها أحدا , تعلقت بساقاي
فوقفت أمي من فورها وتوجهت نحونا وحملتها وخرجت قائلة
" سأخرج منها أنا هذه المرة ولنرى نهاية كل هذا "
ثم خرجت ونظري يتبعها بصدمة ... ما تعني بهذه المرة هل
هي مصيبة جديدة غير تلك !! نظرت لإياس فكان ينظر لي
نظرة غريبة لم أرها سابقا , لا بل رأيتها مرة حين علم بخروجي
مع مصطفى في الماضي , نظرة تقول بكل وضوح خذلتني فيك
يا رغد , بلعت غصة كبيرة مع ريقي ونظرت للأرض فقال
بهدوء " أغلقي الباب وتعالي اجلسي يا رغد "
أغلقته وجلست مقابلة له فقال مباشرة " قابلت خالد
عم ابنتك اليوم "
رفعت نظري له بسرعة وحيرة , إذا ليس موضوع بسام هل
تكون والدتي لم تحكي له عنه وهي من حلفت بعد موضوع
مصطفى أن لا تخفي عنه شيئا مهما كان سيئا وقد يتسبب
بمشاكل للجميع , بلعت ريقي وقلت بتوجس
" وماذا يريد "
ابتسم بسخرية وقال " يريدك أنتي "
شهقت بقوة بل بصدمة ووقفت على طولي فوضع ساق على
الأخرى وقال باستهزاء " يريد أن يتزوجك ما أن يطلقك شقيقه
وقال أن سببه ابنتك وأنك ستبقي بدون زواج بعدها وأن مصطفى
سيحارب من أجلها , أعذار واهية لا يقتنع بها ولا طفل
صغير فهاتي أنتي ما لديك "
امتلأت عيناي بالدموع حين عجز لساني عن قول أي شيء
فما سأقول وبماذا سأبرئ نفسي وما سيفكر فيه إياس الآن غير
أن ..... لا بارك الله فيه ولا في أفكاره ولا في اليوم الذي
عرفتهم فيه جميعهم , قال شيئا لم أفهمه أو لم أسمعه لأن أذناي
علا فيهما ضجيج غريب وتلاشت الصورة من أمامي ولم أعي
بعدها شيئا سوا السواد القاتم
الفصل التاسع عشر بعد قليل