الفصل الثاني عشر
نمت على الوسادة وحضنت الأخرى بقوة وخبأت وجهي فيها
وبدأت دموعي بالنزول وأنا أتذكر تلك الأيام حين كان يغدقني
بكلامه العذب بل بكذبه المزيف حتى بنا لي قصورا عالية من
أوهام ليسقطها على قلبي فيما بعد وكنت أستحق لأني سلمته
له سلمته مشاعري سلمته أغلى ما أملك وهوا الحب النقي
المخلص , أخلصت له وانصعت لكل أوامره حد الإذلال
وفي النهاية علمني أن أندم على كل ذلك , كم كان يقول لي
( أنتي مهجة القلب يا رغد أنتي نظري أنتي روحي وسنعيش
معا حياة يتحدث عنها الجميع ) وبالفعل تحدثوا عنها من
قسوتك وجبروتك من سَجني وضربك لي وأستحق كل ذلك
طرق أحدهم باب الغرفة فجلست بسرعة ومسحت دموعي
فدخل حينها وكان إياس فسويت من جلستي وقلت مبتسمة
" تفضل ما هذه المفاجأة الرائعة "
أغلق الباب ودخل دون أن يعلق على كلامي وجلس أمامي
ينظر لعيناي بصمت أفهمه جيدا فهذا طبع إياس يتحدث كل
شيء فيه قبل لسانه فنظرت ليداي في حجري وقلت بحزن
" فترة لابد منها وستنتهي قريبا "
قال بعتب " بل يبدوا لي لن تفارقك أبدا , لقد بدأنا في إجراءات
الطلاق وستتحررين منه وعليك نسيانه يا رغد مهما كان الثمن
ولا تقيدي نفسك به لتعيشي تعيسة كل حياتك "
هززت رأسي بحسنا لتتدحرج دمعتي فمسحتها سريعا وقلت
" لن يكون سهلا أن تحب شخصا لسنوات ويطعنك ويخذلك
فيه ثم بكل سهولة تتصرف وكأن الأمر لم يكن , سأحتاج
وقتا وسأنسى "
أمسك ذقني ورفع وجهي له وقال " هل علمتِ أنه
خطب أخرى "
أبعدت وجهي وقلت بغصة " علمت وليفعل ما يحلو
له أقسم أنه لم يعد يعنيني يا إياس "
تنهد بقوة وضيق ثم قال " إذا جئت لآخذ ندى لأن عمها
جاء لرؤيتها وبما أنها ليست هنا لابد وأنها مع تؤمها سدين "
ابتسمت بحزن وقلت " نعم واليوم حتى حداءيهما متشابهان "
ابتسم وهز رأسه قائلا " لا أعلم كيف ستتزوج وتتركها "
قلت باستغراب " تتزوج !! "
قال مبتسما " نعم خطبها صديق لي ووافقت
وسيحظر أهله قريبا "
قلت مبتسمة " جيد خبر رائع ومن يكون من أصدقائك "
قال مبتسما " أمين "
نظرت للأسفل بحزن وقال هوا " ليتك لم ترديه يا
رغد فهوا بمليون رجل "
قلت بحزن " لا تجدي كلمة ليت الآن "
قال بجدية " إذا عديني أنك لن ترفضي أحدا أرشحه
مرة أخرى "
نظرت له بسرعة وقلت " لا يا إياس أنا لا أفكر في
كل هذا الآن "
قال " عندما تفكرين "
هززت رأسي بحسنا وقلت بهمس " أعدك "
وقف حينها فنظرت له للأعلى وقلت " من منهم جاء لرؤيتها "
قال مغادرا " خالد طبعا من غيره يسأل عنها "
ثم خرج وأغلق الباب لينفتح باب آخر لدمعتي , حتى السؤال
عنها لا يأتي ليسأل وكأنها ليست ابنته بينما شقيقه يشعر بها فكم
كان يحبها سابقا والآن أتبث ذلك بزيارته الدائمة لها ولا يأتي ويده
فارغة أما والدها فأثبت أنها لم تعنيه يوما بل ذهب يبحث عن
عروس ليتزوج من قبل حتى أن يطلقني
بعد قليل غادرت السرير ودخلت الحمام غسلت وجهي ونشفته
وخرجت , لن أبكي ولا على غبائي حين أحببته لأنه لا يستحق
حتى أن أكرهه , خرجت من الغرفة وما أن وصلت وسط المنزل
حتى ركضت ندى نحوي تمسك في يدها حلوى كبيرة وكيس في
اليد الأخرى فنزلت لها وحضنتها وقبلت خدها وقلت مبتسمة
" من أين لك بهذه الحلوى الجميلة "
أخرجتها في فمها وقالت مبتسمة بشفاه ممدودة ومحمرة
بسببها " خلّووووود "
فضحكت وقبلت خدها مجددا وقلت " كيف تناديه
هكذا عيب ماما "
قالت أمي من ورائي مبتسمة " كم يتعب نفسه هذا الشاب
في كل مرة يحضر الثياب والحلوى "
وقفت وقلت " دعيه يشعرها أن هناك أحد يهتم لأمرها
وليس جميعهم نسخة عن والدها "
قالت بهمس " عيب يا رغد ابنتك تسمع "
قلت باستياء " ولتسمع .... هي ترى أيضا وتفهم , قد لا تفهم
كلامي لأنها صغيرة لكنها تعي ما تراه أمامها وتسألني عنه كل
ليلة يا أمي وتعبت من الكذب بأنه ذهب ليجلب لها الهدايا
والحلوى وسيعود "
تنهدت بقلة حيلة وقالت ندى وهي تمد لي الكيس
" ماما خدي "
أخذته منها وقلت " نعم فيكفيك هذه القنبلة لن تنتهي
إلا نهاية النهار "
قالت مبتسمة " لا خلود أنتي لك "
قالت أمي ضاحكة " ما بها ابنتك وكأنها خادمة
تقلب الكلام "
ابتسمت وقلت " هذا وهي قريبا تبلغ الثلاث سنوات ولازالت
تقطع الأحرف وتقلبها "
قالت أمي موجهة كلامها لها " ماذا قلتِ حبيبة جدتك "
قالت بضيق وهي تشير للكيس " خلوووود أعتي ماما هذا "
فنظرت لأمي بحيرة وقلت " قالت أن عمها طلب أن تعطيه لي "
قالت باستغراب " غريب لما يا ترى ؟؟ "
ثم نظرت له في يدي وقالت " افتحيه لتعرفي "
فتحته وأخرجت ما فيه فكان صندوق ذهبي وحليي فنظرت
لأمي بصدمة وقالت هي " افتحيه لتتأكدي "
نظرت له بحيرة هل أرسله مصطفى معه يا ترى فإياس رفض
أن أطلبه منه وقال أني لا أحتاجه لأن مصطفى ستكبر في رأسه
ولن يرسله , فتحت الصندوق وكان بالفعل فيه جميع حليي حتى
الذي اشتراه مصطفى لي في زواجنا وبعده فنظرت لوالدتي
وقلت " جميعه هنا حتى ما يخصهم هم "
قالت ناظره له " هناك ورقة تحته "
نظرت له بسرعة وحركته وأخرجتها وتوجهت للطاولة القريبة
منا وأمي تتبعني , وضعت الصندوق عليها وفتحت الورقة فكان
فيها ( ذهبك من حقك يا رغد ولا يحق لامرأة غيرك أن تلبسه
ولا ترجعيه لمصطفى مهما فعل وإن احتجت شيئا من أجل ندى
فلا تترددي أبدا في طلبه مني ولا تعتبريني غريبا فأنا عمها
حتى إن انفصلتما )
طويت الورقة وأعدتها للصندوق فقالت أمي بفضول
" ماذا فيها ؟؟ "
أعدت الصندوق للكيس وقلت " لا شيء مهم فاتورة محل
كانت موجودة فيه سابقا ونسيتها "
ثم توجهت لندى حملتها وغادرت لغرفتي لأضع الصندوق
في الخزانة ومزقت الورقة ورميتها في سلة القمامة فإن علموا
أنه من أحضره من وراء شقيقه سيعيدونه له لأن إياس لن يرضى
ولا حتى والدتي وهذا من حقي كما قال شقيقه وتعويض لي
عن ولو يوم واحد من الضرب
*~~***~~*
دخلت الجزء المفصول من الصالة أنادي أمي وكان مقابلا
لي الباب الزجاجي الكبير الذي يفتح على الحديقة الخلفية لتمر
من بعيد ندى راكضة تضحك وفي يدها قطعتي حلوى وخلفها
تركض ترجمان قائلة " سأمسكك يا فطرة وواحدة لي "
فوضعت يداي وسط جسدي وهززت رأسي وأنا أراقبها وقد
وقفت وصفرت ولوحت بيدها قائلة " سدين جاءتك تلقيها "
ثم ضحكة سدين العالية تليها صرخة ندى التي تفاجأت بها
وقد حاصروها لتركض نحو الباب وهما يلحقانها ودخلت
وحضنت ساقاي فرفعتها فحضنت عنقي وخبئت وجهها فيه
خوفا منهما ودخلتا هما لتفاجأن بي هنا فابتسمت سدين تلك
الابتسامة الصفراء ومدت ترجمان شفتيها بمعنى ضاعت
الفرصة ونظرت أنا لهما وقلت بضيق " كان عليا أن أخبر
عمها أن لدينا طفلتان غيرها ليكثر من الحلوى "
قالت ترجمان بابتسامة كرتونية " نعم لما لا
تعطني رقم هاتفه "
فصرخت فيها بحدة " ترجمااان "
فقالت هامسة ببرود " ما به شقيقك لا يعرف المزاح "
نظرتُ حينها لسدين وقلت " الرجل يتصل بي لنحدد موعدا
ليأتي وأهله وأنتي تقفزين هنا كالأطفال فما سيقول
عنك فيما بعد "
لاذت بالصمت ولم تعلق فنظرت لترجمان وقلت
" وأنتي كم عمرك تقفزين كالقردة "
وطبعا جئنا للتي لا تسكت فوضعت يداها وسط جسدها
وقالت بضيق " أنا لست قردة ولعلمك أني ابنة خالك يا
غزال وقريبتك قرد ولا تذكرني بعمري فأنا أصغر منك "
قلت بضيق " على الأقل عقلي كعمري "
كانت سترد فصرخت فيها " ولا كلمة واحترميني وأنتي
تردين كلامي كالأطفال "
قالت مغادرة " أطفال وطفلة فهمنا يا كبير "
فتأففت وأنا أراقبها تخرج للحديقة مجددا وقالت سدين
" ما بك إياس كنا نتسلى فقط "
قلت بضيق " وهكذا التسلي "
قالت بهدوء " طوال الوقت كنت ألعب هكذا مع ندى ولم
تكن تتحدث لقد أصبحتَ عصبيا هذه الأيام على غير عادتك "
أنزلت ندى التي ركضت هاربة جهة المطبخ وغادرت من
هناك أبحث عما جئت أبحث عنه وهي والدتي حتى وجدتها
فقالت مباشرة " ما بكم أسمع صراخك من بعيد "
تنفست بقوة وقلت " لا شيء لا شيء , أمين وأهله
قادمون نهاية الأسبوع "
قالت مبتسمة " حياهم الله ولكن غريب لم يزورونا سابقا "
قلت باستغراب " ألم تخبرك سدين "
قالت بحيرة " تخبرني عن ماذا ؟؟ "
قلت وأنا أخرج من جيبي هاتفي الذي رن برسالة
" عن أنهم قادمون لخطبتها "
قالت مبتسمة " لا لم تخبرني وهذا يوم السعد فكم كنت
تشكر فيه وتحبه "
قلت وأنا أفتح الرسالة " نعم وأتمنى حقا أن تتم هذه الزيجة "
قالت شيئا لم أفهمه لأني كنت مركزا مع الرسالة المكتوب فيها
( لما لا تزيل أحمر الشفاه من وجهك قبل أن تدخل المنزل )
وكانت الرسالة من ترجمان فوضعت يدي على خدي
ومسحته بها وقالت والدتي " إياس ماذا قلت "
قلت مغادرا " سنتحدث لاحقا يا أمي "
وصلت لأقرب مرآة في الصالة ونظرت فيها فكان في آخر
فكي بالفعل آثار حمراء فمسحتها باستغراب فالتصقت أصابعي
لتخرج مني ضحكة صغيرة لاكتشافي أنها آثار حلوى ندى التي
كانت على شفتيها , لقد نالت مني وأخذت بحقها بسهولة فقد
شعرت حينها أني تحولت لقالب ثلج من الصدمة أمام أمي
عدت جهة باب الحديقة ونظرت من الداخل فكانت تجلس
هناك وحدها وندى متجهة نحوها تتعثر في كل خطوة
*~~***~~*
مدت لي يدها الصغيرة وبها الحلوى التي كانت تمصها
وقالت " خدي "
كتمت ضحكتي وقلت " ولما هذه وليس تلك الجديدة
التي في يدك الأخرى "
خبأتها خلف ظهرها وقالت " هثي لي "
قلت مبتسمة " إذا أعطها لسدين لا أريد لعابك "
وماتت ابتسامتي حين رأيت إياس اقترب منا فنظرت للجانب
الآخر , سأكمل باقي الخطة فيبدوا أنه أفلام الزعل تنجح معه
كما حدث ذاك اليوم , وصلني صوته قائلا " كيف هذا
تخطئي وتغضبي "
ولم أجب ولا أتحرك من مكاني فقال " ولما لم تخبريني
منذ البداية أن أحمر الشفاه لازال عالقا بي "
لم أجب أيضا وشغلت نظري بحركة حدائي على العشب فقال
" جيد نبهتني لأخبرها المرة القادمة أن زوجتي غيورة "
آه لو أستطيع أن أصمت قليلا فقط لكن ذلك مستحيل ولن أكون
ترجمان حينها , قلت ببرود " لا تعنيني لا أنت ولا هي "
جلس بجانبي وقال " ولما مستاءة إذا "
زحفت مبتعدة عنه قليلا وقلت " افعل معروفا بالله عليك
وتزوجها وحررني منك "
زحف جهتي حتى التصق بي ووضع ذراعه على ظهر الكرسي
خلفي وقال بصوت مبتسم " قولي قسما أنك لستِ مستاءة "
التفت له وحضنت عنقه وقبلت خده وقلت " هه لست
مستاءة وأحبك أيضا "
ثم وقفت وركضت مبتعدة عنه ودخلت المنزل ونظرت له
من الداخل وكان جالسا مكانه لم يتحرك ينظر للأرض ويمرر
أصابعه في شعره فأشرت لندى من بعيد فركضت نحوي مسرعة
نظرت لمحفظته في يدي وابتسمت بانتصار وما أن وصلت حتى
أعطيتها لها وقلت " خذيها لإياس بسرعة وقولي له من ترجمان "
أمسكتها وقالت مبتسمة " تمااان "
ضحكت وقلت " لا بأس بها يا أم نصف لسان سيفهمها "
فركضت نحوه وابتعدت أنا عن هناك وأرسلت له رسالة
ثم دسست هاتفي وصعدت لغرفة سدين مسرعة , ستطلقني
يا إياس رغم أنك تريد ذلك لكني سأجعله قريبا
*~~***~~*
تركت أصابعي في شعري أحركهم فيه وكأني أحث دماغي على
التفكير , كيف الحل معك يا ترجمان كيف في لحظة تجعلني
أشتعل غضبا حتى أرى أن طلاقنا الحل الوحيد لأرتاح وفي
لحظة أخرى تجعلني أراضيها ثم تسلب عقلي بحركة عفوية لا
تعلم ما تفعل بي بها , فطلاق لن أستطيع أن أطلقها لأنه لا خالي
ولا والدتي سيوافقان خصوصا وهي الآن أصبحت ملتصقة بها
طوال الوقت وأمي في ضحك مستمر أي ستكون عشقتها بجنون
وستموت إن قلت لها فقط أني أريد تطليقها , وصلت ندى عندي
ومدت لي محفظتي وقالت " تمااان خد "
أخذتها منها مستغربا من وجودها عندها ولمست جيبي الخلفي
فورا ولم أجدها فيه فنظرت لندى وقلت " ترجمان أعطتها لك "
هزت رأسها بنعم وقالت " تمااان "
فنظرت للمحضة في يدي وهززت رأسي بيأس , أقسم أنه
لا أمل يرجى منك يا لصة , وصلت بعدها رسالة لهاتفي
فأخرجته وفتحتها فكانت منها وفيها (تعلَم كما أعلم أنها آثار
الحلوى والمحفظة هدية مني لتسجل عندك اليوم اثنان صفر )
فوقفت ووضعتهما في جيبي ودخلت فيبدوا لا يجدي مع هذه
الفتاة سوا التحديات لأنها جنونها الحقيقي وستقتنعين رغما
عنك يا ترجمان لأنه لا مفر لنا من بعض وعلى أحدنا
أن يتغير
*~~***~~*
دخلت عليها الغرفة مجددا وهي ممددة على السرير ومغمضة
عينيها فاقتربت منها ووضعت يدي على جبينها ففتحت عينيها
ونظرت لي فأبعدت يدي وقلت بإحراج " ظننت أنك ستتعبين
وجئت لأطمئن عليك "
أغمضت عينيها مجددا وقالت " لا تقلقي سأنام وأكون بخير "
قلت وأنا أراقب ملامحها المتعبة " أمازال ظهرك يؤلمك "
قالت بهمس " قليلا "
تنهدت وقلت " ملامحك لا تقول ذلك فخذي المسكن يا
ابنتي سيفيدك كثيرا "
لم تجب طبعا ولم تفتح عينيها فهززت رأسي بقلة حيلة وخرجت
من عندها وأغلقت الباب , لو فقط أخذت المسكن الذي أحضره
لِما تعاند ؟ صحتها هي وليس هوا وستبقى تتألم هكذا طوال الليل
سامحك الله يا أواس أين كان عقلك حين ضربتها على العمود
بكل قوتك وهي امرأة ونحيلة كدت تكسر لها ضلوعها وتقتلني
أنا بالخوف حين رأيتها تسقط على صدره وكأنها ميتة
وضمها هوا بذراعيها وقال بهمس " دُره "
ولم تجب فقال " لا تموتي لا "
ثم رفعها بين ذراعيه ولم يزدني سوا نارا على ناري وأنا
أتخيل أن تموت لنا هنا ونصبح في مشاكل لها أول وليس لها
آخر , وضعها بعدها هنا على سريرها وخرج وتركها حين
تأكد أنها لم تمت وبقيت وحدي لأسعفها حتى استعادت وعيها
وكأنه ليس زوجها بل ها نحن في الليل ولم يأتي للاطمئنان عليها
أبدا ولم يسألني عنها ولا مجرد السؤال ويسجن نفسه في مكتبه مع
أوراقه منذ ساعات ويهرب من ماذا لا أعلم !! وقفت أمام باب
مكتبه المفتوح ونظرت له وهوا منشغل بالأوراق أمامه ولم ينتبه
لي , أواس خوفك عليها لم يكن خوف من فضيحة ومحضر
وشكوى بل كان خوفا من موتها تحديدا لا أعلم خوفا من أن
يضيع انتقامك من جدها أم لسبب آخر لا يعلمه غيرك
شعر بوجودي فنظر لي ثم عاد بنظره للأوراق أمامه ولم
يتكلم فقلت " رفضت أخذ المسكن الذي أحضرته
وحالها لا يعجبني وتكابر "
قال ببرود وهوا يقلب الورقة " وما سأفعل لها أرغمها
على أخذه مثلا ؟ لو كانت تتألم لأخذته "
قلت بضيق " بل تتألم ولا تريد تناوله , أواس أنت أخطأت
بضربها هكذا وكدت تقتلها "
نظر لي وقال بضيق مماثل " عمتي رجاءا لا تتحدثي في
هذا الموضوع فهي تستحق ذلك كي لا ترفع صوتها
علي مجددا وتعصي أوامري "
هززت رأسي بيأس منه فعاد بنظره لأوراقه وقال ببرود
" لو الضرب يقتل لماتت التي في الأعلى ولمتُّ أنا
من سنين ولست جالسا أماك "
قلت بحزن ونظري عليه " ليثه قتلك بضربه لك يا أواس ولم
يبقيك حيا وكل شيء فيك ميت , كسر الله قلبه قبل أن يموت "
ثم غادرت من عنده على نظراته المصدومة من كلامي , لا
يهم فليمد يده علي أيضا المهم أن أُبرد حر قلبي فقد ضيعه ذاك
المتوحش وصنع منه إنسان ميت لم أفلح في إحيائه مهما فعلت
وكم علقت الآمال على زوجته الأولى ويا لا خيبة الأمل والآن
دُرر رغم أني لا أرى أنه تحسن ويعاملها بسوء أيضا لكني لن
أفقده الأمل فنظرته لها ليست كنظرته لأحد ولا لي ولا زوجته
السابقة حتى بداية حياتهم ولن يخفي نظراته عن أحد مهما حاول
لكن كيف ستكسر هذه جليد قلبه كيف ستحييه من جديد وهل
ستنجح ؟ هذا المهم في الأمر أن تتحرك هي ويبدوا لي
لا تفكر في ذلك ولم تأخذ بنصيحتي يومها
*~~***~~*
وصلت غرفته فوجدت بابها مفتوحا فدفعته ودخلت فكان متكئ
على السرير وذراعه على عينيه فقلت " آسر "
ولم يجب فقلت بضيق " تحرك لا تنم إنها التاسعة والربع "
ولا حياة لمن تنادي فاقتربت منه وصرخت " آآآآسر "
فأبعد ذراعه ونظر لي وثم أعادها وقال ببرود
" ما بك تصرخي هكذا "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت " لأني أكلمك من
ساعة ولا تجيب "
قال بذات بروده " ألبسي عباءتك وحجابا ولا تحلمي
أن تخرجي هكذا "
نظرت لفستاني وتأففت فقد كنت أتوقع هذا منه , قلت
" سأرتدي العباءة لكن ليس لدي ما أغطي به شعري "
قال وحاله كما هوا عليه " إذا لن تذهبي "
قلت بضيق " كيف لن أذهب وأنا أنتظر منذ الصباح ثم من
أين لي حجابا أغطيه به , أخرج أنت وأحضر واحدا "
قال " لا مال لدي "
ضربت الباب وقلت خارجة منه " سحقا لي ولليوم الذي
عرفتك فيه يا وجه الفقر , لا يعرف سوا كلمة ليس لدي
ولا ولا تحلمي "
دخلت غرفتي وحملت ذاك الفستان الملون ومزقته وأخذت
منه قطعة مستطيلة مناسبة وثنيتها من الأمام قليلا وبدأت أحاول
لفهما على وجهي وأتأفف وأعيد , من أين سأعلم كيف ألفه كما
كانت تفعل دُرر بل تلك كيفما فعلته كان جميلا عليها , انتهيت
أخيرا وعدت له لغرفته ووفقت عند الباب فكان جالسا في الطرف
الآخر من السرير موليا ظهره لي متكئ بمرفقيه على ركبتيه
فقلت " أنا جاهزة "
لف رأسه لي ونظر لوجهي مطولا فقلت " هيا قم ما الذي
أضعته في وجهي وتبحث عنه "
عاد بوجهه هناك ثم وقف ولم يعلق , غرييييب لن يكون آسر
الذي أعرفه إن لم يرد لي الكلمة بعشرة , مر من أمامي وخرج
وأنا أتابعه بنظري مستغربة هدوء ملامحه ثم رفعت كتفاي وتبعته
وما دخلي أنا به المهم أخرج من هذا المنفى والأهم أرى إحدى
شقيقتاي , خرج من المنزل وأنا أتبعه وقلت ونحن نسلك الشارع
" كيف سنذهب لهم هكذا بدون هدية ؟ لو أعلم فقط أين تذهب براتبك "
أخرج مفاتيحه من جيبه ووضعها في جيبه الآخر ولم يتحدث
فأسرعت بخطواتي حتى سرت بجانبه ونظرت له وقلت
" مرحبا نلتقي بالأخ ما الاسم الكريم "
فأسرع بخطواته وسبقني دون أن يجيب , غريب متى مات لسانه
لا هكذا لن نستطيع العيش وسأموت من الصمت طوال الوقت
وصلنا السيارة وركب وركبت بجانبه وشغلها وانطلقنا فقلت
أحثه على الكلام " هل منزله بعيد "
قال باختصار " لا "
نظرت له وقلت " ويعيشان وحدهما أم مع عائلته "
قال ونظره على الطريق " مع عائلته "
نظرت في المرآة الجانبية وقلت " ويلي سأقابلهم هكذا بقماش
ممزق سيجمعون لي الصدقات بالتأكيد "
قال ببرود " إذا نلف ونرجع قبل أن نبتعد "
نظرت له من فوري وقلت " لا أين نرجع وأنا ما صدقت أن
خرجت , سأنزعه ما أن أصل وأمري لله ومن راتبك القادم
اشتري لي واحدا أو انس فكرة الحجاب "
لف بالسيارة وقال " لن يكفي شيئا غير الضروريات "
قلت بضيق " وما هذه الضروريات التي تغمرني بها , إن
كنت تتعاط المخدرات فأخبرني أتعاط معك "
أوقف السيارة وصرخ بي " انزلي يا مصيبة وصلنا "
فنظرت له بخوف فقال بذات صراخه " انزلي "
فنزلت بسرعة وأغلقت الباب فغادر فورا , ما به هذا اليوم !!
أستحق ما أتاني أراه صافنا وصامتا أقترب منه لماذا ؟ لا وأريده
أن يتحدث بأي طريقة وإن تكلم قلت أني أكره صوته , رفعت كتفاي
بلا مبالاة واقتربت من باب المنزل ورننت الجرس فتحدث أحدهم
قائلا " مرحبا منزل عائلة أشرف خياط من أنت "
يا عيني وبدالة للباب أيضا يا تعاسة حضك يا سراب
قلت بحسرة " سراب نصران "
بعد قليل انفتح الباب ودخلت وسرت مسافة حتى وصلت المنزل
ووجدت الباب مفتوحا وترجمان تنتظرني هناك وخرجت لي
مسرعة ما أن رأتني وقفزت حاضنة لي وحضنتها بقوة أكبر
وقلت ضاحكة " اشتقت لك يا حرباء ولم أتخيل أن أفتقدك هكذا "
ضمتني بقوة أكبر وقالت " ولا أنا يا أم لسانين أقسم أني
أموت شوقا لكما "
ابتعدت عنها وقلت " ألا أخبار عن دُرر "
هزت رأسها بلا وقالت " طلبت من عمي أن أراكما فوافق
زوجك أما زوجها فقال أنه مشغول هذه الفترة ويسافر كثيرا "
تنهدت وقلت " رأيت الحظ الذي لديها زوجها تاجر ولديه معرض "
ضحكت وضربتني على كتفي وقالت " ألن تغيري عاداتك
ولأزيدك فهوا من اختارها بملأ إرادته دون أن يعرضوها عليه "
قلت بحسرة " لا تذكريني أرجوك ليثهم أعطوه لي فدُرر
يمكنها العيش تحت أي ظروف كانت "
قالت باستغراب " ولما ما بك أنتي ؟؟ "
ثم نظرت لرأسي وقالت باستغراب " ارتديتِ الحجاب !! "
هززت رأسي بنعم وقلت " ما كان ليحظرني دونه "
ثم أريتها طرفه وقلت " وهوا قطعة من فستان وليس حجابا "
فضحكت كثيرا ولم تتوقف عن الضحك فنزعته وقلت
" توقفي يا غبية سيسمعك أهل زوجك "
أمسكت يدي وسحبتني منها للداخل قائلة " أدخلي ولنا
حديث طويل ولتتعرفي على عمتي وبناتها "
دخلت المنزل أنظر للفخامة والترتيب وشعرت أني كرهت ذاك
المنزل بالضعفين , أدخلتني غرفة الضيوف الواسعة وجلست
وقالت " اجلسي واحكي لي كل شيء "
جلست بجوارها وقلت " ما سأحكي لك أخذني تلك الليلة لمنزله
ولم يكن منزلا قولي مقبرة قديم ومتهالك وأنام في غرفة
الضيوف وعلى أريكة "
قالت بصدمة " كل هذا حدث معك "
تنهدت وقلت بحسرة " وأكثر أطبخ وأجلي وأغسل الثياب بيدي
لا تكييف لا سخانه ولا مروحة , تخيلي الحياة هناك أستغرب
كيف لديه موقد ولم أطهوا الطعام على النار "
قالت باستغراب " وكيف هكذا أين راتبه ؟ "
قلت بحسرة " وهذا ما يحيرني راتبه كله يطير أين لا أعلم "
قالت بهدوء " قد يكون يدخر المال "
تنهدت وقلت " لا أعتقد لكان يخرجه للضروريات "
ثم وقفت ونزعت عباءتي وعدت للجلوس فنظرت لفستاني
وقالت " غريب هذا اللون لم تكوني تشتريه ولم أره عندك "
نظرت له وقلت " هوا من أحضره لي والثمن انتهى
المال لباقي الشهر "
هزت رأسها وقالت " ما هذه الحياة يا سراب حتى منزل
العجوز كان أفضل منه "
قلت بضيق " وهذا ما يقهرني , كنت أتذمر من منزلها والآن
أتمناه لنسكن فيه بدلا من ذاك القبو "
ثم تأففت وقلت " اتركينا من الحديث عنه وأخبريني عنك "
لوت شفتيها وقالت " حالي ليس أفضل منك الاختلاف
في المنزل ووجود الخدم فقط "
قلت بفضول " هل يعاملك معاملة سيئة أم أهله "
هزت رأسها بلا وقالت " لا وحقيقة لا أعلم أحيانا ينتقد كل تصرفاتي
ودائما يراني مجنونة وطفلة وأني لست كما يريد وأحيانا لا أفهمه
يحاول أن يعتذر عن قسوته بطريقة غير مباشرة ثم يرجع ويقسوا
علي مجددا وتعرفيني عنيدة ولم ننسجم أبدا "
قلت بحيرة " ما هذا اللغز "
رفعت كتفيها وقالت " قال فترة وكل واحد سيذهب في حال
سبيله , فقط كي لا تعترض والدته وعمي وها نحن ننام في
نفس الغرفة وعلى نفس السرير وكل واحد في طرف "
نظرت لها بصدمة وقلت " تنامان معا وكل واحد في طرف !! "
هزت رأسها بنعم وقالت بلامبالاة " نعم هوا اختار هذا وخيرا فعل "
تنهدت وقلت " يبدوا دُرر أفضلنا حالا , ألم تتصل بك "
هزت رأسها بلا وقالت " هاتفها مقفل دائما وأنتي أين هاتفك "
قلت بتذمر " لم يحضره لي ولم أره من يومها ويبدوا أنه
باعه وأخذ ثمنه "
دخلت الخادمة قدمت لنا العصير والكعك وخرجت فقالت ترجمان
" وما قال عن مستقبلكما هل سيطلقك فيبدوا لن تستمرا "
وضعت الكأس وقلت بضيق " لا طبعا وقال لا تحلمي بذلك "
ثم قلت بقهر " وتصوري أنه سيأخذ مال ذاك العجوز كله وقال
أنه لن يصرف منه علينا مليما , سيقتلني من قهري "
قالت بصدمة " غبي هذا أم مجنون "
قلت بحسرة " كلاهما بالتأكيد "
قالت بحيرة " ولما لا يريد تطليقك هل يحبك "
ضحكت بسخرية وقلت " بل ليقهرني يا غبية لو كان
يحبني لطلقني من كثرة ما أعيره بحاله "
ثم تنهدت بحزن ونظرت للأسفل وقلت " وحتى إن طلقني
أين سأذهب غير للشارع "
قالت بهدوء " معك حق بينما أنا كان مناي لأنه لدي منزل عمي "
نظرت لها وقلت باستغراب " ولما كان ألم تعودي تريدي الطلاق "
قالت " لا يبدوا لي ذلك قريبا ولن يوافق عليه أحد أيضا "
هززت رأسي وقلت " لا أعلم ما هذه الورطة التي وضعونا
فيها لقد جعلوني أندم أني تمنيت الزواج , ما بها العنوسه
رائعة حرية وبال مرتاح "
دخلت حينها امرأة كبيرة قليلا تتبعانها فتاتين وقالت
مبتسمة " زارتنا البركة "
فوقفت وسلمت عليها وعلى ابنتيها وجلسنا جميعنا وقالت
ترجمان " هذه عمتي التي حدثتك عنها وهذه سدين والتي
هناك رغد ولديها ابنة فطرة قصيرة نامت منذ قليل
وهناك ابنة ثالثة لكن لديها اختبارات وتدرس "
قلت مبتسمة " تشرفت بمعرفتكم "
أجابوا مبتسمات وقلت مبتسمة " وأقول أنا من أين لابنك كل
تلك الوسامة ؟ من والدته وبناتك لسن أقل منك "
ضحكت وقالت " تتغزلين في زوج صديقتك أمامها "
ضحكت وقلت " وما في الأمر فزوجي أجمل منه "
فضحكنا جميعنا وقالت ابنتها " وأنتي جميلة وكدتِ
تتغلبين على ترجمان "
قلت مبتسمة " لم تروا الثالثة لقلتم أن ترجمان بشعة "
قالت عمتها " وأين هي لم تأتي لنتعرف عليها "
قالت ترجمان " زوجها مشغول هذه المدة "
نظرت لها ابنتها وقالت " ما قصتهم ومن أين تعرفيهم يا أمي "
نظرت لها والدتها وقالت " حكا لي عنهم إياس هن الثلاث
فتيات المختطفات "
نظرتا لي فورا وقالت المدعوة رغد " كنتِ تعيشين مع ترجمان "
قلت " نعم كنا ثلاثتنا نعيش معا "
قالت الأخرى " ومن تزوجت تلك "
قالت ترجمان " من صديق شقيقك أيضا وأسمه أعتقد
أوس أو أواس شيء من هذا "
قالت بصدمة " أواس ما غيره "
نظرنا لبعضنا باستغراب فتابعت ناظرة لوالدتها
" الذي حضرنا زواجه يا أمي تذكريه مؤكد "
قالت والدتها " نعم أذكره "
ضحكت ابنتها وقالت " تلك البشعة كانت أقبح
منه لا أعلم كيف تزوجها "
وكزتها أمها ثم وقفت وغادرت فقالت ابنتها " مكان فيه
أمي لا أعرف كيف أتحدث فيه "
ضحكنا عليها وقالت شقيقتها " يكفي ملابسك كدّتما
تتشاجران لتغيريها "
تنهدت وقالت " لو لم تهددني بأني لن أكون معكم ما غيرتها "
وانسجمنا في الأحاديث وكم أعجبت بهم يبدوا أنهم عائلة طيبة
وبسيطة ويحبون ترجمان حقا لكن ما الفائدة مادام الابن يكرهها
دخلت والدتهم وقالت " زوجك ينتظرك في الخارج ونحن
وضعنا العشاء للتو "
نظرت للساعة على الجدار بصدمة ثم وقفت ولم أستطع قول
شيء , ما به يحسدني حتى على الترويح عن النفس والعشاء
الذي يخص البشر , وقفت ورفعت عباءتي وقلت وأنا ألبسها
" فرصة أخرى فآسر عمله مبكرا ولابد يريد أن ينام "
أغلقت العباءة ورفعت الشبيه بالحجاب وسلمت عليهن وخرجت
أنا وترجمان للخارج وأوصلتني حتى الباب الخارجي وقالت
" هل أتحدث مع عمي وأفهم منه عن حال زوجك "
هززت رأسي بلا وقلت " لن يغير ذلك شيئا وقد يتحدث
معه وأصبح في مشكلة "
تنهدت وقالت " المهم أني رأيتك واطمأننت عليك وبقيت دُرر
وعدني إياس أن يأخذني لها فلما لا تتحدثي مع زوجك
ونذهب معا "
قلت بحسرة " مستحيل فهنا لم يوافق إلا لأن عمك طلب
منه ذلك فانسي الفكرة وسلمي لي عليها "
سمعنا حينها منبه سيارته في الخارج فتأففت ولبست حجابي
وقلت " جربي أن تكسبيه فيبدوا لي يعاملك بلطف "
ابتسمت ابتسامة جانبية دون كلام فحضنتها بقوة وقلت
" سأشتاق لك فكري في زيارتي لتتعرفي على قصري "
ضحكت وابتعدت عني وقالت " ولما لا فقد نعيش في
مثله نهاية المطاف "
قلت مبتسمة " إن كنا ثلاثتنا معا فلا بأس "
ثم خرجت من عندها وركبت السيارة وانطلق فورا ولم أتحدث
عن قدومه مبكرا لأن تلك الحالة يبدوا لم تغادره بعد وسينفجر
فيا بالتأكيد , وصلنا ونزل قبلي ونزلت وتبعته وقلت وأنا أجاري
خطواته " أريد أن أتحدث مع دُرر أليس لديك رقم هاتف زوجها "
قال باختصار " لا "
قلت وأنا أسير بجانبه " لا ليس لديك أم لن تعطيه لي "
تأفف ولم يتحدث فقلت بضيق " زوج ترجمان وعدها أن
يأخذها لها وأنا الكلام لا تريد أن أكلمها "
قال بسخرية " نعم هذا ما سأجنيه من أخذي لك لها ستقارنين
حياتك بحياتها وكأنه ينقصك تذمر وينقصني نكد سببه أنتي "
تأففت أنا هذه المرة ولذت بالصمت , لو قارنت فلن أسكت حتى
الصباح فماذا سأقارن وماذا حتى حين يغضبها يراضيها وأنا لا
أرى منك سوا النكد طوال النهار أعانني الله عليك حتى يخلصني
منك , نظرت للسماء وقلت بتنهيدة " آمين يا رب "
وكنا حينها واقفان أمام باب المنزل فقال وهوا يفتحه
" إن كان أن أموت فلك بالمثل آمين يا رب "
ثم دخل فقفزت ضاحكة ودخلت خلفه وقلت وأنا أغلق
الباب " وأخيرا عدت "
لكنه لم يعلق وتركني وتوجه لغرفته وأغلقها خلفه فلويت شفتاي
فيبدوا أن حالته اليوم تسوء والغريب أني اعتدت على نكده بل
هوا الوحيد الذي أراه وأتحدث معه وإن كان يسخر مني طوال
الوقت , توجهت لغرفتي التي أصبح فيها الفراش القديم الذي
وجدته في غرفته فوق الخزانة , أنام على الأرض لكن أفضل
من الأريكة , نظرت لفستاني لم يعد لدي غيره لأنام فيه لا أعلم
لما لم يحضر لي ولا ثيابي من منزل العجوز كيف أعيش هكذا
بفستان واحد أغسله وألبسه وحتى راتب الشهر لن يكفي ليشتري
لي حجابا فكيف بملابس , خرجت من الغرفة مجددا وتوجهت
لغرفته لأطلب منه جلب ثيابي وحاجياتي وما أن اقتربت منها
حتى أوقفني صوت تقيئه القوي القادم من الحمام فتوجهت
نحوه مسرعة وطرقت الباب وقلت " آسر ما بك "
ولم يجب وعاد للتقيؤ من جديد فطرقت بقوة أكبر وقلت
" افتح الباب يا آسر "
بعد قليل فتح الباب وخرج مجتازا لي يمسح وجهه بالمنشفة
فتبعته قائلة " ما بك ملامحك متعبة "
لم يجب طبعا ودخل الغرفة فدخلت خلفه قائلة " اذهب للمستشفى
إذا قد تكون أكلت شيئا فاسدا من مطعم "
ثم قلت مضيقة عيناي " لا هكذا غش تأكل في الخارج "
كان موليا ظهره لي رمى المنشفة وقال بضيق
" أخرجي يا سراب خير لي ولك "
ما به هذا يبدوا أن جرعة المخدرات نقصت عليه بعدما
انتهى راتبه وها هي المضاعفات بدأت , لم أتحرك أنظر
له وأفسر وأفكر فالتفت لي وقال بضيق " قلت أخرجي أم
ستنامين هنا "
قلت بتذمر " الرفق يا أستاذ سأخرج من مملكتك لا تقلق "
ثم خرجت وما أن وصلت الباب حتى أوقفني صوت تقيئه بقوة
وهوا في الغرفة فعدت جهته راكضة وكان منحني للأسفل مستندا
بيديه على ركبتيه يتقيأ بصوت وكأنه يحاول إخراج ما في معدته
فأمسكت كتفيه وقلت وأنا أوقفه " آسر أنت لست بخير ما
بك ماذا أكلته "
استند على كتفي وقال بصوت ضعيف " أوصليني للسرير "
أخذته هناك بخطوات بطيئة لأنه يضع ثقله علي وهوا بهذه البنية
القوية كان صعبا علي أن أسير به , وصلنا السرير وارتمى
عليه وأغمض عينيه فقلت " هل أعد لك شاي نعناع
هوا جيد لمغص المعدة "
لكنه لم يجب ولم يفتح عينيه فوضعت يدي على
كتفه وهززته وقلت " آسر هل تسمعني "
ولا من مجيب فهززته بقوة أكبر وصرخت " آآآآسر "
*~~***~~*
خرجت من مكتبي بعد ساعات طويلة من العمل على أوراق
مخزون بضائع المحلات فقد أهملتهم لأكثر من شهر والعمال
لا ثقة فيهم وعليا مراقبة كل شيء بدقة , غادرت المنزل ووقفت
أمام الباب الخارجي له وتنفست بقوة أدخل هواء الليل الصافي
ورائحة المطر التي لازالت تفوح من التراب لرئتي وأغمضت
عيناي وصورتها حين سقطت على صدري لم تفارقني طيلة تلك
الساعات التي هربت فيها من كل شيء للعمل الذي كنت أؤجله
وأهملته لأسابيع , بقدر ما كنت أشعر بقوتها في نظرة عينيها
طوال الوقت شعرت حينها أنها أضعف من الفراشة التي تموت
شعرت وقتها بنبضي ارتفع ضجيجه لا أعلم بسبب ظني أنها
ماتت أم فقط لأنها ارتمت على قلبي برأسها , مررت أصابعي
في شعري وزفرت هواءً باردا عكس دفئ هذا الليل ثم نزلت
درجات المنزل القليلة بخطوات بطيئة لترحل بي قدماي يمينا
وأنا أراقب الأرض الهشة تحتي على ضوء مصابيح الحديقة
كانت تستحق ذلك يا أواس ما كان عليها أن ترفع صوتها عليك
وتعصي أوامرك اتركها تجرب معنى عصيانك , قبضت على
يدي بقوة وضربتها على جذع الشجرة أمامي وأنا أتذكر ضربها
لي بالسوط في الماضي , ليتك لم تفعليها يا دُره ليثها يدك قطعت
قبلها كنت سأرضى بك بلا يد أهون عندي من يدين ضربتني في
ذاك الوقت تحديدا , ضربتُ بقبضتي عليها مجددا وبقوة أكبر
وقلت من بين أسناني " ليتك متِ يا دُره قبلها ليت الجميع ضربني
إلا أنتي يا من وحدك كنت أكابر ألمي ودماء ساقاي وأقف
من أجلك وبكلمة واحدة منك "
ضربت الجذع أكثر وأكثر وبقوة أكبر رغم الألم الذي كنت أشعر
به ودماء أصابعي التي علّمت عليه ثم استندت بها عليه ونظرت
للأرض أتنفس بقوة وأشعر أن أصابعي تتمزق ولازال كل شعور
بالألم أشعر به أشعر وكأنه من ذاك الوقت والزمان وكأنه ضربني
الآن وجلدني وألم يدي منه وليس مني ومن ضربي لها بنفسي
نفضت بعدها يدي بعيدا بقوة لتتطاير قطرات الدم منها وتابعت
خطواتي حتى ظهرت لي شجرة السنديان الكبيرة وتابعت سيري
نحوها لأقف مكاني حين اقتربت أكثر ورأيت حبل الأرجوحة
يتحرك ببطء رغم أنه لا هواء ليدفعها فتابعت سيري ونظري مرتكز
عليه وهوا يتحرك ثارة ليسكن ثارة أخرى حتى وصلت ووقفت أنظر
بصدمة للجالسة فيها وهي تمسك أحد حبليها بقبضتها وتتكئ عليها
برأسها و تنظر للأرض وشعرها البني الفاتح غطى ملامحها
فقلت باستغراب " دُره ماذا تفعلين هنا !! "
رفعت حينها رأسها ونظرت لي وتنقلت بنظرها بين ملامحي
ثم قالت وقد ركزت نظرها على عيناي " الذي تفعله أنت هنا "
قبضت على يداي بقوة ولم أتحدث بل لم أعرف ما أقول فاتكأت
على قبضة يدها مجددا لكن هذه المرة تنظر لي وقالت بهدوء
حزين " من أنا يا أواس من أنا في ماضيك "
فقط عندما تقرأ كلماتها تعرف كم هي عاصفه تلك البارده الثلجيه......
فقط عندما تعرفها ستعرف كم من المشاعر في روايتها.......
المخرج كلمات لمبدعتنا الجديدةahsas وكان في كلام رائع
وخواطر جميلة لمنى سعد وآيفا رمضان بتنظاف في القادم إن شاء الله
وشكرا لغمري وغمر روايتي بفيض أقلامكم ومشاعركم
****
فقط عندما تحبها ستفهم ما بين سطور كلماتها........
فقط عندما تحب التفاني والاخلاص والتواضع ستعرف كم هي جميله.....
فقط عندما تقرأ ...اشباه الظلال ، ملامح تختبىء خلاف الظلام ،منازل القمر ، اوجاع ما بعد العاصفه ..!!
عندها فقط ستعرف برد المشاعر...❤
شكرا غاليتي إحساس
أكيد الفصل قصير وما أرضاكم فيس الشر ما خلانيش انزل
فصل ثاني خاصة إنه فجر السبت خلاص قريب .... أحبكم كلكم