كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: 9 - الرحلة - آن ويل - قلوب عبير القديمة
بدأت المحركات تهدر بقوة هائلة وانطلقت الطائرة بسرعة متزايدة حتى ابتلعت الظلمة آخر ضوء يرسم الحدود. كان الاقلاع ناعماً الى حد ان فيفيان لم تدرك انهم اصبحوا في الجو حتى انطفأت اشارة منع التدخين فوق مقعدها.
-هل من مانع أن أدخن؟
مرت ثوان قبل ان تكتشف ان السؤال موجه اليها.
قالت في عجل:
-لا , ابداً.
منذ صعودها الى الطائرة كانت منهكة بافكارها فلم تنتبه الى الرجل في المقعد المجاور ,اما الآن وربما لأنهما سيترافقان خلال الايام والليالي الثلاث المقبلة اخذت تراقبه على غفلة منه.
بسبب طوله فبالكاد يتسع مجال الجلوس لساقيه. انه ذو سمرة غجرية وشعر أسود قصير وصورة جانبية يبرز فيها حاجبان كثيفان وأنف معقوف وفك بالغ القسوة. وما ان اشعل لفافته حتى استرخى في جلسة مريحة وفتح كتابا بدا لها انه كتاب دراسات. اذ رأت رسماً بيانياً معقداً على الصفحة اليمنى من تلويح الشمس لبشرته رجحت انه عائد الى الشرق الاوسط او الاقصى .ولأن قامته وعرض كتفيه اوحيا إليها بانه يقوم بعمل يتطلب جهداً, خيل اليها انه لابد ان يكون مهندساً او مزارعاً من نوع خاص. كان يرتدي بزة انيقة وربطة عنق داكنة ولكن بدا وكأنما يكون أكثر ارتياحاً في قميص للأدغال وشورت كاكي.
تجهم وجهها حزناً اذ تذكرت الجو العدائي الذي خيم على رحيلها. ليتها سمعت شخصاً واحداً يتمنى لها التوفيق حتى روجر الذي تعتبره ألطف اقربائها, ودعها بجفاء افهمها انها خسرت حسن ظنه فيها.
-ماذا تتناولين سيدتي؟
ظهور المضيف مع عربة المشروبات انتزعها من أفكارها.
وفيما كانت ترتشف مشروبها, تأكد لها انه لا جدوى من التحسر على رحيلها الكئيب .ومن الماضي السحيق. عاودها صدى كادت تنساه, ورأت عبر السنين مايكل كونيل جالسا الى رأس الطاولة في فيلا على حوض البحر الأبيض المتوسط مرددا كعادته "لا أسف على شيء!".
وهكذا ,بعد اثني عشر عاماً على وفاته, جاءت ذكرى شعاره المفضل لتمنحها مزيدا من الشجاعة.
عاد المضيف ليثبت الصواني الخشبية على مساند المقاعد وتبعته المضيفة بصحون حساء الفطر الساخنة. لكن جارها الاسمر الذي وضع كتابه جانبا ًخلال تناول الوجبة بقي صامتاً ولم تتجرأ فيفيان على فتح حوار .بعد العشاء ذهبت الى غرفة السيدات وحين وقف ليفسح لها الطريق, لاحظت ان زرقة عينيه الزاهية تتناقض بغرابة مع وجهه الداكن وشعره الأسود الاجعد. بامكانها الآن اشباع توقها للثياب الانيقة فمنذ غادرت المدرسة لم ترتدي سوى ثياب التويد الخرقاء وفساتين الحرير المزرية التي كانت الخالة كونستانس تعتبرها تناسب السيدات .لكن هذا الذوق لم يكن لينسجم مطلقا مع فيفيان المرهفة الشخصية ولونها غير الاعتيادي. شعرها المشدود الى الوراء كان بشقرة العسل التي قلما تتجاوز الطفولة. ورثت عن امها وجهها الناعم اما فمها الجذاب وعيناها اللوزيتان الرماديتان المائلتان الى الاخضر وحاجبيها المنسابان فقد ورثتها عن أبيها.
ما إن وصلت الى مقعدها حتى تعرضت الطائرة الى هزة مريعة وكأنما يد عملاق أخرجتها عن طريقها. حاولت فيفيان ان تلتقط ظهر أقرب مقعد لكنها أخطأته ووقعت بين ذراعي جارها الصامت.
أحمرّ وجهها ارتباكاً وحاولت جاهدة أن تستعيد وقفتها لتجد انه يحيط خصرها بحزم.
|