*
*
مسحت على خصرها بقوة وملامح متألمة بعد سقوط الحجر للأرض
ونظرت للخلف بعينين دامعة تزم شفتيها الصغيرة تنظر للواقف هناك
يتوعدها بأصابع يده ثم سرعان ما أبعدت نظرها عنه ورفعت رأسها
مجددا للواقفين بجانبها يتحدثان بانسجام وسرعان ما أصاب الحجر التالي
قدمها التي رفعتها عن الأرض دون أي ردة فعل متجاهلة الواقف هناك
عند الشرفة الأرضية الواسعة يضحك عليها بصمت حتى قفز مذعورا
حين شعر بالشيء الذي ضرب عنقه بقوة فقال بضيق ماسحا عليه
" أحمق لقد أفزعتني "
انحنى وقاص متكأ بساعديه على حافة الشرفة وقال ناظرا له بابتسامة
ساخرة " وتضايق تلك الصغيرة لا بأس أما أنت فلا ؟ "
دفع له كتفه قائلا بامتعاض " رفقا بنا يا جمعية حقوق الطفل "
انطلقت ضحكة وقاص وقال " والشقراوات تحديدا يا دبور "
عبست ملامح رواح وقال متوعدا إياه " قلها مجددا وسأقتلع عينيك "
لم تتغير ملامحه ألا مبالية وقال بابتسامة مائلة " حتى تترك
النحلات الشقراء أولا "
تجاهله تماما وقلده في وقفته ناظران كليهما للطفلة ذات الشعر الأشقر
والعينان الخضراء تمسك بنطال والدها الواقف بجانبها بقوة تسرق
نظرها الخائف لهما كل حين وكأنها تترجى والدها بصمت أن يغادرا
وهوا منهمك تماما مع سلطان ولا يبدوا أنه يفكر في المغادرة
قال رواح ناظرا لها " انظر لتلك القشة الصغيرة إنها عربية "
نظر له وقاص بصدمة قبل أن ينفجر ضاحكا فقال رواح بضيق
" ما يضحكك يا أبله ؟ "
لكز مرفق الواقف بجانبه بمرفقه وهما فوق تلك الحافة وقال
" لذلك أنت معشش هنا من وقت "
كشر في وجهه ثم عاد بنظره لها وقال ببرود " تلك الحمقاء ملتصقة
بأبيها كالذبابة ولم تبتعد عنه ولا سنتيمترا واحدا , كان غرضي شريفا
وأريد أخذها في نزهة صغيرة في الحديقة فقط واريها العصافير لكن
العربيات جبانات دائما , لو كانت بريطانية لقفزت ناحيتي ما أن
رأتني أناديها من بعيد "
هز وقاص رأسه بيأس منه وقال ناظرا لها " وما أدراك أنها عربية ؟
حتى لون عينيها يبدوا لي أخضرا أو رماديا , ثم أنا سمعت الواقف
معها وهوا ينزلها من السيارة عند وصولنا أنا وأبي وكان يناديها
( ساندرين ) "
أشار رواح برأسه للذي تمسك يدها الصغيرة به بقوة وقال
" ذاك والدها وهوا قريب لزوجة خالي شاهر رحمه الله "
نظر له وقاص وقال مستغربا " تعني خالك الذي دخل للحالك
وتزوج هناك من امرأة منهم !! "
هز رأسه بنعم وقال " هذا يكون عم زوجته ويعيش هنا من زمن بعيد كما
أخبرتني والدتي وتلك الشقراء الصغيرة ابنته التي أخذت سمات والدتها
على ما يبدوا فهي ليست عربية , أما هذه فهي عربية منتمية لوالدها "
سوى وقاص وقفته قائلا " أتركها وشأنها إذا المدينة مليئة بالشقراوات
الصغيرات فلا يشعر بك والدي ويغضب منك "
أخرج رواح من جيب بنطلونه الجينز حجرا آخر وقال وهوا يرميه
جهتها مجددا " هذه مختلفة إنها بنكهة عربية جبانة وجميلة "
رفع وقاص كتفيه وقال " إذا بما أنها كما قلت بنكهة عربية فحاذر
من جبنها ذاك كما جميع العربيات "
أخرج حجرا جديدا لأن ذاك لم يصل لها قائلا " وما ستفعله برأيك !
هي لم تفكر حتى أن تبتعد للجانب الأخر خلف والدها "
ورمى الحجر وأصابها هذه المرة فنظرت له مجددا فرفع سبابتيه يسخر
منها بثنيهما بجانب رأسه مخرجا لسانه قائلا " جبانة عربية صغيرة "
وفوجئ حينها بنزولها للأرض ورفعت حجرا من الحصى المرصوفة
تحتهم كممر فقال ساخرا ومحدثا للواقف بجانبه " أنظر قررت أن
ترسل ردا صغيرا , حمقاء لن يصل ذاك الحجر ولا لأسفل الشرفة "
وما أن أنهى جملته حتى شهق مصدوما حين ضربت تلك الطفلة ساق
والدها بالحجر بقوة حتى نظر خلفه ثم لها تحته وفي حديث لم يصل
لسمعهما دار بينه وبينها وسلطان يراقبها رفعت إصبعها وأشارت
للشرفة ليرتفع نظر والدها وسلطان معا للواقفين فيها فانطلقت ضحكة
وقاص وأشار بأصبعه على رواح الذي ما أن التفت ليشير لوقاص
حتى وجد سبابته في وجهه فهوا أكثر من يفهمه فركض فورا جهة
باب الشرفة قائلا " الحمقاء الغبية ما أخبثها "
*
*
مسح قفا عنقه بيده مثبتا مرفق يده الأخرى على باب السيارة المفتوح
الذي نزل منه للتو وقال مخاطبا الواقفان أمامه " إن تعقدت الأمور
مجددا اتصلا بي سأكون عندكما في أقرب وقت "
قال أحدهما بضيق " وهل سنجلبك لـ ( بينبان ) في كل مرة لحل
مشاكل الميناء التي لا تنتهي ؟ علينا إيجاد حل لتلك المجموعات فورا "
أبعد يده عن عنقه ومررها في شعره قائلا " لقد حللتم الكثير من المشاكل
أنا أعتمد عليكم وإلا ما كنت وضعتكم هناك , صحيح أنه على الموثوق بهم
تسيير بعض الأمور لأجد وقتا لغيرها لكني سأكون هناك كلما دعت الحاجة
فذاك الميناء هوا متنفسنا الحيوي ولا أريد له أن يدمر ويغلق فبالرغم من
مشاكله التي لا تنتهي هو يتحرك وإن قل استخدامنا له بسبب نفور
الدول من المشاكل لدينا لكنه المدخل الشبه آمن للسلاح "
هزا رأسيهما بالموافقة فأغلق باب السيارة وقال " غدا ستجتمعان
بالرجلين اللذان سيصلان صباحا وأريد نتائج ذلك حين عودتي
لحوران مجددا ومن ثم ترجعا لبينبان مجددا أما الآن فيمكنكما
المغادرة بما أنكما ترفضان المبيت هنا الليلة في ضيافتي "
ودعاه مغادران ونظر هوا لساعته التي كانت تشير للواحدة ليلا ثم
دخل من باب المنزل وأغلقه خلفه ونظر يمينا لذاك الممر وهوا
يضع مفاتيحه في الجيب الخلفي لبنطلونه الجينز ثم صعد السلالم
وما أن كان أعلاها حتى نظر مستغربا للواقفة بجانب باب غرفته
متكئة على الجدار بكتفها مكتفة يديها لصدرها بفستانها الذي تركها
به نهارا , وما أن وقعت عينيها عليه حتى هربت بهما من مواجهة
عينيه المحدقة بها وهوا يقترب منها بخطوات واسعة واثقة يعدل
حواف قميصه القطني المغلق بعدما تبعثر بسبب وضع مفاتيحه في
جيبه , مدققا النظر فيها وهي تشيح بوجهها عنه وقد امتزج
الضيق والغضب والخجل في قسماته .
أمال تلك الابتسامة التي ظهرت على طرف شفتيه وقد تذكر آخر
لقاء لهما قبل أن يغادر حوران من ساعات , أفقدته عقله هذه
الصغيرة الجامحة ليفعل ما فعل في ذاك الممر دون أن يحسب
حسابا للمكان ولولا صوت الخطوات القوية لتلك الخادمة دونا
عن غيرها لا يعرف ما فعل أيضا وما الذي ستجدهما عليه ؟
لكن ما يعرفه الآن وموقن منه هوا أن دخوله للمنزل لم يعد بذاك
السوء السابق فقد أصبح يشبه جبهات القتال واجتماعاته برجاله
المحاربين لا يخلوا من التشويق فهوا يعلم بأنها لن تكون هنا
إلا لتهاجم بشراسة مغلفة بتلك الرقة .
ما أن وصل الباب حتى سوت هي وقفتها مبعدة كتفها عن الجدار
وكان هو في الطرف الآخر ومقابلا لها , كم كرهت نفسها حينها
وأضعاف ما كان فهي السبب في وجودها في هذا المنزل وتحت
رحمة شقيقته تلك , ففوق كرهها لمواجهته بعد ذاك الموقف
المخزي مع عمته وشقيقته نهارا ثم ما حدث في ممر غرفتها
هي مضطرة الآن أن تكون هنا بحجة أمر لا تستطيع تبريره
وستكون المدانة الوحيدة به , غرس مفتاح الغرفة في الباب
وقال ونظره عليه " هل غيرتِ رأيك أخيرا "
صرت على أسنانها غيظا منه وقالت ببرود " بعدما حدث
أمامهما نهارا لن أخسر شيئا ولن أغير قراري أبدا "
فتح الباب وقال وهوا يدخل " إذا أفهم من وجودك هنا أنك
قررتِ ... "
قاطعته وهي تدخل خلفه قائلة بغضب أنساها حتى أنها تدخل
الغرفة وقد أغلقت الباب خلفها ضاربة له بقوة
" لم آتي لأنام معك طبعا "
لتدرك ذلك حين التفت لها ووجدت نفسها مجددا مع هذا الرجل
الذي يملأ وجوده الأماكن المفتوحة فكيف بالمغلقة ؟ وجه لها
نظرة قاسية وقال " لا ترفعي صوتك يا ابنة شراع "
بلعت غصة أحستها كالجمر ورفعت رأسها وقالت بكل شموخ
" لم يربني شراع على رفع صوتي لكني ومنذ صرت هنا لم
أعامل كما يعاملني شراع وأخوتي "
توجه لطاولة التزيين وقال وهوا يفرغ جيوبه متجاهلا ما قالت
" أجلبي لي أي شيء يؤكل من الأسفل "
تمنت تلك اللحظة أن قفزت عليه وغرست أنيابها في لحمه على
بروده وتعجرفه ذاك لكنه بدد كل ذلك وبحركة واحدة حين أمسك
أطراف قميصه ونزعه والقميص الداخلي معه راميا لهما على السرير
جعلها ذلك تجد نفسها خارج الغرفة دون أن تشعر وحرارة جسدها تصل
للاحتراق , وصلت المطبخ وتنفسها الغاضب لا يساوي شيئا أمام أنفاسها
المتوترة من رؤيته عاري الصدر , هذا فوق احتمالها حقا ... هي لم ترى
رجلا بهذا المظهر سابقا لتكون مشاهدتها الأولى لهذا الرجل بالتحديد
أغمضت عينيها بقوة تحاول طرد صورته تلك وجسده الذي فاق جسد
شقيقها الكاسر بالقميص الداخلي الضيق حين كان يتفاخر به أمامها
ممازحا , نزلت للخزانة تخرج إناء الزيتون الكبير متمتمة
" تعالى لتكسر غرورك بنفسك يا كاسر "
وسرعان ما وقفت تمسح طرف عينها لتطمر تلك الدمعة الحزينة
في محجرها , وضعت في صحن أطباق حوت على ما تركت له
الخادمات بأوامر منها من عشائهم رغم أنها ليست عادتهم لأنه لا
أحد يستطيع تخمين إن كان سيرجع أم سيبات خارج المنزل أو يتناول
عشائه عند أحد من زارهم , سكبت له من الشاي الذي تم تحضيره
للضيوف نهارا وعصير فواكه تم حملت الصينية هامسة ببرود
" يكفيه هذا فلم يحلم به سابقا "
وأخذتها للأعلى وما أن دخلت حتى ضغطت قبضتيها على الصينية
بقوة وهي تراه جالسا على طرف السرير لازال ببنطلونه الجينز
الضيق فقط وحمدت الله أنه كان مشغولا بالسلاح الذي يثبته على
الأرض ويسحب الرصاصات منه بحركة سريعة واحدة وتسمرت
مكانها حين قال ولازال مشغولا بسحب باقي الرصاصات
" أغلقي الباب خلفك "
فعضت طرف شفتها بقوة تثبت يديها أكثر كي لا تقع الصينية منها
للأرض ( ما يخبر هذا الرجل عقله ؟ ولما إغلاق الباب ! سحقا
لشقيقته تلك هي السبب في كل هذا , أقسم أنها انتقمت لنفسها
وبجدارة )
دفعت الباب بطرف مرفقها مغلقة له والتفتت لتقول أنها هنا لتأخذ
ما تريد وتغادر ففوجئت به يرفع سلاحه نحوها ينظر لها من خلال
عين التصويب فيه مغمضا العين الأخرى مدمرا بذلك جميع حواسها
وتماسكها , قال دون أن يكترث لما يفعل " تعالي ضعيها هنا "
فشدت ظهرها متمالكة لأعصابها وقالت وقد تحركت نحوه
" لا يحتاج الأمر لترفع سلاحك نحوي سأحضره بدون أوامر "
قال وهوا يضعه جانبا ونظره عليها وهي تضع الصينية على
الطاولة أمامه " كنت أعدله فقط , هل ستعتقدين بأني سأقتلك
كلما رأيته في يدي "
استوت في وقفتها وتنفست بقوة عبرت فيها عن كل استيائها من
سخريته منها وقالت تتجنب النظر له وهوا بذاك المنظر المعذب
لأي امرأة فكيف إن كانت مربكة أيضا " ثيابي في الخزانة هنا
أريد أخذها فالغرفة لا تكون مفتوحة إلا في وجودك "
رفع نظره المستغرب سريعا لها وتابعت هي قبل أن يسأل
" يبدوا أن أحدهم خمن أني سأنتقل هنا ونقل الثياب دون
أن يأخذ رأيي "
واتخذت بذلك أسلوبا هجوميا وكأنها تضعه أيضا ضمن حلقة
المتهمين وكأنها لا تعرف الفاعل الأساسي , وظنت وقتها بأنه
سيتهمها بفعلها كما خططت شقيقته لكنه اكتفى بابتسامته ملتوية
وهوا يرى تجنبها النظر جهته وقال ببرود " ضننت أنك
ستفضلين النوم عارية على القدوم هنا "
ليسرق نظره ذاك اللون القرمزي الذي طغى على وجنتيها
خجلا قبل أن تقول بضيق " كنت أفضل النوم بفستاني طبعا
لولا أني وجدت مفتاح غرفتي مختف مع ثيابي "
سحب قطعة لحم ونظر لوجهها للأعلى ورماها في فمه وقال
وهوا يمضغها " أفهم أنك لا تريدين المفتاح "
صرت على أسنانها بقهر فها هوا يلعب مجددا بغير نزاهة ويجرها
للتحدث دون تفكير , رفعت نظرها له وأرخت ملامحها المشدودة
لتجاريه وقالت ببرود " إن كنت ستساوم عليه فأعطني ثيابي
وخذه بعدما تجلبه ممن أخذه طبعا "
تراقصت السخرية في عينيه وهوا يراقب ملامحها وقال
" إذا ستنامين على غير عادتك والغرفة بابها مقفل
دون مفتاح "
نظرت له بصدمة لم تخفها ( من أين علم أني أغلقها على نفسي ليلا
بل ومنذ متى يعلم ! ) قالت بحنق وهي تنظر له منشغلا بالطعام
أمامه " لن نمضي الوقت نتنافس من يكسر رأي الآخر لأني
سأرضى أن أبقى بهذا الفستان للأبد ولن أرضى
مجددا باللعب بغير نزاهة "
رفع نظره لها سريعا فشعرت بذاك الشعور الغريزي الذي يقول لها
أهربي لكنها ثبتت قدميها مكانهما تنظر لعينيه هربا من رؤية جسده
وقد قال ساخرا " أنا لم أذكر شيئا من ذلك يا ابنة شراع وأنتي
من ذكره أم نسيتِ ؟ "
كتمت غيظها وحنقهما منه لأنه على حق وقالت ببرود
" ما معنى كلامك إذا ؟ "
استقام في جلسته مظهرا عضلات صدره العاري بوضوح وكأنه
يدعوها للارتماء فيه وأدخل يده في جيبه وأخرج المفتاح منه وفي
حركة سريعة رماه مطيرا يده للأعلى مع صوت شهقتها المرتفعة
وهي تنظر له لامعا في الظلام يعكس نور المصابيح الجانبية للغرفة
وقد حلق عاليا ليستقر على الثريا الزجاجية الصغيرة المرتفعة التي
تزين السقف وقال ناظرا لوجهها المصدوم تنظر للأعلى " إذا ها
هوا ابتعد عن ساحة المعركة كما اخترتِ "
قبضت يديها جانبا بقوة وقالت " كيف وجدته ؟ "
عاد بنظره لطعامه مجددا وقال ببرود " انظري لنفسك أين
تركته لتجده جوزاء وتحظره لي "
شعرت بالأرض تحتها تتحول لنار مشتعلة فتلك المرأة يبدوا أنها
تلعب على مستويات مرتفعة جدا , فلا هي تستطيع اتهامها أمامه
لأنه لم يسأل من جلبها وهذا ما تستغربه ! ولن تستطيع إخباره في
كل الأحوال , ولا أن تسأله أين وجدته لأنها مؤكد صاغت كذبة
جيدة لتعطيه له وليس لها , نظرت جانبا جهة الخزانة الواسعة
متعددة الأبواب وقالت بجمود " سآخذ ثيابي وأنزل أم
لديك طلبات أخرى ؟ "
أشار لها برأسه على الخزانة ودفع الصينية دون كلام فتحركت من
فورها وفتحت أبواب الخزانة بالتتابع تشعر بتوترها يتضاعف من
وجودها معه هنا تحديدا حتى وصلت للتي حوت على ثيابها جميعها
وكادت تحترق وهي تراها مرمية في كومة واحدة لتوضح للرائي
فورا أن من وضعها هنا قد رماها على عجل وقت وجود
صاحب الغرفة هنا وغادر ولتتجه أصابع الاتهام لها طبعا .
رفعت نظرها للخيال الذي ملأ المكان أمامها يقف في الجانب الآخر
من باب الخزانة المفتوح مكتفا ذراعيه القويتان لصدره العريض
العاري ومتكئ على باب الخزانة الأخرى ينظر لها بصمت
فنظرت لداخل الخزانة فورا وقالت " لا تنظر لي هكذا
فلست من وضعها هنا "
قال من فوره " من أحضرها ؟ "
نظرت له مجددا وقالت " لست أنا ولم أكذب "
نقل نظره منها لثيابها المبعثرة داخلها وقال " أعلم "
لم تستطع سؤاله كيف علم ولما قال ذلك لأنها تعلمت شيئا مهما
وهوا أن هذا الرجل كلما حاولت فهمه تدثر برداء غموضه أكثر
نظرت ليده التي امتدت لها وللمفتاح وسط كفها ثم رفعت نظرها
لعينيه فقال ناظرا لعينيها " هذا مفتاح الغرفة وسآخذ الذي لدى
جوزاء ولا تسلميه لأحد مهما كان ولا لها هي "
نظرت للمفتاح في يده ثم لعينيه مجددا وقالت بهمس حذر
" لم أعني بكلامي أني أتهمها "
هز رأسه هزة خفيفة وقال بنعومة ظهرت في خشونة صوته
الأبح " أعلم ما الذي لا تريدين قوله "
أطلقت نفسا قويا متوترا لم يعبر أبدا عن راحتها بأنه يصدق براءتها
من هذا بل كان مشحونا بالخوف من عقل هذا الرجل الداهية , مدت
يدها ببطء لكفه المفرود أمامها وهي تشعر بالارتجاف فقط من فكرة
أن تلمس أصابعها ذاك الكف وهي تأخذ شيئا مسطحا من فوقه .
شكرت الله سرا حين أدار يده في حركة خاطفة رشيقة ليصبح المفتاح
بين سبابته وإبهامه ومده ليدها قبل أن تصل لكفه ففتحتها له سريعا
ووضعه فيه فقبضت أصابعها الرقيقة عليه دون أن ترفع نظرها
له ومدت يدها للخزانة وسحبت فستانا لتنام فيه ووقفت متسمرة مكانها
وهي ترى أنه لا يفكر في الابتعاد فكيف ستخرج ملابسها الداخلية ! لن
تستطيع النوم بثيابها ذاتها التي تلبسها منذ الظهيرة وقد لا يغادر غدا
مبكرا لترجع وتأخذها , كورت الفستان في يديها وقالت بارتباك
ناظرة للخزانة " حسنا أريد إخراج ثيابي "
جاءها تعليقه الساخر دون أن يتحرك من مكانه " ومن منعك ؟ "
نظرت له بضيق ازداد أكثر بسبب تلك السخرية في عينيه وقد
خالطتها التسلية فقالت بحنق " ابتعد هناك عند السرير "
انزلقت نظراته على جسدها ثم انتقلت للخزانة وقال وكأنه
يفتشها بعينيه " لا شيء يستدعي مني الابتعاد "
ثم عاد بنظره لعينيها وقال مميلا ابتسامته " أليس كذلك ؟ "
احترقا خديها بوهج حرارة الإحراج وشعورها بالرغبة في لكم هذا
الرجل يتعاظم أكثر فهل كان يسخر منها حين قال أنه يصدقها !!
نظرت له وقد حولت إحراجها لنظرة حانقة وقالت " ظننتك صادقا
ولست تسخر مني , لست من جلبها هنا وما كنت لأفعلها "
قال بنبرة متزنة متفحصا ملامحها " قلت لك أعلم , فلن تكذب
ابنة رباها زعيم قبائل أبدا , إن ابنتي كذبت أقتلع عينيها "
شعرت بمشاعرها تتهاوى للصفر وهربت بنظرها منه
وقالت بجفاء " ابتعد إذا "
ظهرت الابتسامة اللعوب في بحة صوته وهوا يقول وقد أحنى
رأسه ليتفرس ملامحها التي تهرب بها منه " يبدوا أني أريد شيئا
من أعلى الخزانة وعليا انتظارك لتخرجي ثيابك أولا "
علمت فورا أنه يتعمد إحراجها وكانت ستبتعد مغادرة وتتركها له
وستتحمل البقاء حتى بفستانها هذا على أن تترك له الفرصة لينال
منها لكنها موقنة من أنه يتوقع منها هذا وسيسخر منها كما في المرة
السابقة وينعتها بالجبانة الهاربة , رفعت رأسها ونظرها المتحدي
لعينيه وقالت " لن تربح أبدا حين سأتبع أسلوبك الغير نزيه في
اللعب يا ابن شاهين فاحذرني "
وما لا تعلمه أنها بذلك أشعلت نار التحدي التي يعشق داخله فمرر
لسانه على شفته السفلى في حركة سريعة وعفوية وقال يمسك
ابتسامته اللعوب " أرني ماذا صنع شراع صنوان من هذه
المرأة الواقفة أمامي قبل أن تتنازلي عن العمران طوعا "
لمع التحدي في عينيها وقد رفعت رأسها له وقالت " تذكر
فقط أنك من بدأ صباحا وجاء وقت رد الدين "
ضاعت نظرته المستغربة في عينيها وليس يعلم أن قلبها يكاد يتفجر
من ضغطها عليه وأوردتها ستتهتك وهي تجبر نفسها على فعل
ما تفكر فيه وقد مدت يدها لداخل الخزانة وأخرجت حمالة الصدر
ورفعتها تمسك طرفها لتتدلى على طولها وهي ترفع يدها عاليا
أمامه وقالت " هذه ليست مريحة للنوم "
ورمتها في حركة سريعة على كتفه لتستقر عليه وأخرجت
أخرى وقالت وهي ترفعها أيضا " هذه نزعتها صباحا "
وألحقتها بالأولى فلم تشعر بنفسها إلا وهي ترتفع عن الأرض
صارخة بذعر قبل أن ترتمي على السرير بقوة وشعرها قد
تناثر حولها على همسه الرجولي من بين أسنانه
" سحقا للنساء "
وتبت يديها بقبضتيه جانبي رأسها بقوة منحني فوقها لتبدأ عضلاتها
بالتقلص مجددا وأغمضت عينيها بقوة وهي تشعر بأصابعه تتخلل
أصابع يديها وكفاه القويان تسحقان كفيها ضاغطا عليهما وخرجت
شهقتها مرتجفة لا إراديا ما أن شعرت بانخفاض السرير بجانب
فخذها بسبب ضغط ركبته عليه وفتحت عينيها لتشهق شهقة
أخرى وهي ترى وجهه مقابلا لوجهها فقالت بنفس لاهث
" مطر ابتعد ، أنت تكسر قواعد لعبتك إن نسيت "
أصبح نفسه يلفح خدها بقوة وهوا يدير رأسه وانقبضت أحشائها
غريزيا وعضت طرف شفتها ما أن لامست شفتاه ذاك الخد الناعم
وهي تشعر بخشونة لحيته وشاربه رغم لمسته الخفيفة وقال هامسا
" أنتي من عبث بالقواعد يا نزيهة "
أشاحت وجهها جانبا تبعده عنه وأغمضت عينيها مجددا فيبدوا أنها
بالفعل لعبت لعبة لن تستطيع مجاراته فيها وباتت الطرف الأضعف
رغم موقفها القوي , وكرهت نفسها التي تاقت إليه الآن بل يبدوا أن
ذلك حدث منذ رأته بدون قميص ، خرجت الكلمات من حنجرتها
متقطعة مبحوحة وهي تحاول سحب يديها " لن تستطيع فعل
هذا ، أنت لم توافق على المهر "
وخرجت أنتها مرتفعه في شهقة مكتومة خالطها أنين عميق حين
شعرت بشفتيه على عنقها وأصابعه تقبض على كفيها أكثر
فقالت برجاء هامس " ابتعد مطر أرجوك "
لكنه لم يستجيب لرجائها المخنوق ذاك وانتقلت قبلاته الخفيفة
لأعلى عنقها فأذنها مدمرا جميع حصونها وهمس فيها
" استرخي ولا تفسدي ما أردته بنفسك "
أدارت وجهها له وتحركت بعنف وإن لم تستطع الإفلات منه
قائلة بضيق " لم أرد هذا , أنت السبب وحذرتك منذ البداية
فاتركني أو كانت العمران الثمن ولا تنسى ذلك صباحا "
نظر لعينيها وقال مبتسما بسخرية " يمكن اعتباره مهرا
مؤجلا يا ابنة شراع "
همست تشعر بقلبها يرتجف بقوة " لكن الطرف الآخر لم
يوافق على التأجيل "
ثم رطبت شفتيها بلسانها بسبب شعورها بذاك الجفاف في حلقها
فأمال رأسه هامسا من بين أسنانه " سحقا توقفي عن هذا العبث "
فانفتحت عينيها بصدمة من جملته ولم يترك لها مجالا للدفاع عن
نفسها وقد قبلها بعنف ضاغطا شفتيه على شفتيها في قبلة تحولت
للرقة تدريجيا حتى أبعد شفتيه وعيناها لازالتا متسعتان من صدمتها
ولم تفهم نظرته تلك لها وكأنه مصدوم مثلها أو ضائع في تفكير ما
وأنفاسهما القوية تسابق بعضها ، من صدرها الذي يعلو ويهبط
بانفعال شديد لصدره العريض الذي يتسع بقوة متناغمة مع إعصار
أنفاسه , انزلقت نظراته مجددا لشفتيها الممتلئة بشكل مغري رغم
صغرها وبدأ ضغطه على كفيها يزداد فأغمضت عينيها وقد
تحركت تلك الشفتين المرتجفة بهمس ضعيف محتج بوهن
" لاااا "
لكنه تجاهل ذاك الرفض وانحنى طالبا الارتواء منهما مجددا وكانت
قبلة أرق من رقة سابقتها وقد أرخى قبضتيه عن كفيها وأخرج أصابعه
المتشابكة مع أصابعها وعاد لتمريرهم فوق تلك اليدين الرقيقة الناعمة
في حركة بطيئة تناغمت مع قبلته التي بدأت بهتك دفاعاتها وتدميرها
وهي تشعر بعزيمتها تتلاشى شيئا فشيئا درجة الا وعي ، كانت لتصمد
لو أن تلك القبلة كانت بعنف سابقتها ولو أنه اختارها كعقاب لها , لكن
هكذا رقة وهكذا أسلوب ومن شفتي كهذا الرجل فالمقاومة عبثا ستجدي
خاصة ويداه تترك يديها وقد حضن بهما وجهها وانغرست أصابعه في
شعرها يعزز قبلته تلك أكثر فما كان أمامها من حل سوا الاستسلام ومن
أول مرة عرفت فيها هذا الأمر واختبرته ، ابتعد عنها أخيرا قاطعا ذاك
الوصال المفعم بالشغف ووقف على طوله وقال بهمس لاهث
" غادري يا غسق "
استندت بمرفقها ويدها الأخرى ورفعت جسدها الذي لم تشعر به متهالكا
كما الآن وخرج منها أنين متألم وهي تحاول إبعاد شعرها الطويل من
تحت مرفقها فابتعد عنها خطوتين وأولاها ظهره وهمس من بين
أسنانه " أخرجي بسرعة أو جعلتك تتنازلين مرغمة عن
مهرك الأخرق ذاك .... غادري الآن "
فابتعدت عن السرير ومرت بالفستان وحملته معها وخرجت من الغرفة
راكضة حتى وصلت لغرفتها وأغلقت الباب خفها واتكأت عليه وخبأت
وجهها في الفستان في يديها تمتمت بكلمات هامسة متقطعة وغير مفهومة
ولازالت تشعر بقلبها يرتجف وكأنه نافذة مكسورة تصفقها الريح في كل
اتجاه , رمت الفستان على السرير ودخلت الحمام تكرر عبارات شتمها
لنفسها ولحماقتها , فتحت المياه على أقواها ورمت ثيابها ووقفت تحت
ذاك الماء المتدفق ترتجف وكأنه ينزل عليها قطعا من الجليد , مررت
ظهر يدها المرتجفة على شفتيها وأغمضت عينيها بقوة تسترجع ما حدث
ولازالت تشعر بملمس شفتيه عليهما ثم مررت يديها على رأسها ممسكة
شعرها والماء يتدفق عليه وهمست برجفة " تبا له من رجل مختلف
في كل شيء يفرض سيطرته على كل الأمور "
وليست تعلم كيف أنهت حمامها ذاك وغسلت شعرها وجسدها فلم
تكن واعية لشيء حولها , لفت المنشفة حول جسدها وخرجت ووقفت
مكانها عند باب الحمام وعضت شفتها بقوة وهي ترى ثيابا لها على
طرف السرير فمؤكد هوا من أحضرها هنا فجميع ساكني المنزل
نيام , توجهت نحوهم ورفعت المفتاحان المجموعين في حلقة حديدية
وكانا فوق الثياب وكان أحدهما مفتاح غرفتها والآخر مفتاح غرفته
الذي وقع منها هناك ولا تدري متى أو أين , خبأتهما جيدا ليبتعدا
عن شقيقته ثم لبست ملابسها واندست في فراشها تحاول فقط
النوم وبأي طريقة لكن ذلك كان أبعد من مناها
*
*
رفع سلاح القنص عاليا وقال وهوا ينظر من عينه " اسمع
سأعطيك معلومة مهمة تذكرها دائما "
ثم أنزله ونظر للجالس بجانبه يستمع له بانتباه وتابع " أهم ما يرتكز
عليه القناص هوا طريقة تعديله لإحداثيات ومعدل سلاحه , كلما كان
تعديله دقيقا كلما كان أمهر وأصاب أهدافه بسهولة , ولا تعتمد على
خبرة غيرك لأنك ستحتاج لفعلها بنفسك في أي وقت "
عد تيم بأصابعه ونظره عليها وقال بعبوس " كلامك يعني أني
فشلت في تعديله للمرة الرابعة "
أزال عمير جهاز التصويب من فوق السلاح وقال
" لا تيأس يا فتى فالأمر لن يكون سهلا "
تنفس بضيق وضم ركبتيه مشبكا يديه حولهما وقال " لم أنجح في
تعديله فما سيحدث في التصويب ! لقد يئست "
ضحك ذاك وقال " التصويب أسهل مئة مرة "
نظر له تيم بصدمة فتابع بجدية " التصويب يحتاج ليدين ثابتة ونفس
منتظم ودهن صاف مها كان صاحبه معرضا للضغوط ثم أخيرا والأهم
قدرة الرامي على تركيز نظره في نقطة واحدة وهذه جميعها أجزم أنها
لديك وبتمارين بسيطة فقط ستتقنه أما تعديل التصويب فليس الجميع ملما
به وحتى بعض المهرة في الرماية يلجئون لغيرهم في فعلها ، ثم أنا
لم أخبرك عن الأمر المهم في تعديل مثل هذه الأسلحة "
هز له رأسه بنعم منتبه بشدة معه وتابع ذاك وهوا يرفع السلاح مشير
به لهدفهم المثبت بعيدا " اختر هدفا يوترك ، أكثر شخص يستطيع
أن يشوش انتباهك وهذا عليه أن يكون أمامك وليس أن تتخيله كما
في التصويب حين تتخيل هدفك أكثر شخص تكرهه , هل
فهمت هذه النقطة "
حرك تيم عينيه بتفكير وقال " ما فهمته أنك تستطيع تثبيت
إحداثيات سلاحك على شخص يوترك وجوده "
فرقع ذاك بإصبعيه قائلا بضحكة " هوا كذلك "
نظر للفراغ وقال بتفكير عابس " ماريه هي أكثر شخص يوترني
بسبب ثرثرتها التي لا تتوقف فلا أركز على شيء "
ضحك عمير ضحكة عالية جعلت الجالس بجانبه ينظر له بضيق
وقال " لو أعلم لما تضحك دائما دون سبب "
أخذ عمير نفسا قويا قبل أن يعود للضحك قائلا
" لم أتخيل أبدا أنه لك حبيبة "
وقف تيم على طوله وركل الأرض بحدائه مثير الغبار حول قدمه
وقال بغضب " ما هذا التعبير الأحمق ؟ أنا لم أقل أن لي حبيبة "
حرك ذاك يده قائلا ببرود " لما الغضب هكذا ؟ وأنا لدي حبيبة
أراها كلما كنت في إجازة "
تحرك حينها تيم مبتعدا يتمتم بغضب وصوت عمير يتبعه صارخا
من خلفه " قد لا تكون ثرثرتها التي توترك يا أحمق , أنا
أريد أن نكون أصدقاء مقربين جدا "
فالتفت له من بعيد وانحنى للأرض ورفع حجرا ورماه به وهو في
ضحكة واحدة على شكله الغاضب ثم وقف ينفض ثيابه متمتما
بابتسامة " فتى أحمق لو يعلم كم من رجال أدربهم
يحترمون مركزي ليرميني هوا بالحجارة "
*
*
طرقت باب الغرفة ودخلت وقالت بابتسامة مرتبكة
" صباح الخير عمتي "
بادلتها تلك الابتسام قائلة " صباح النور , إن لم أرسل لك
الخادمة لا تأتين ؟ هل غاضبة مني ابنة شراع ولا أعلم ؟ "
اقتربت منها تبعد خصلات شعرها خلف أذنيها وقالت
" أبدا ومن يغضب من قلبك الطيب ؟ "
ثم جلست على طرف السرير وقالت ناظرة ليديها في حجرها
" نمت فقط لأني لم أنم إلا فجرا "
قالت تلك مدققة على ملامحها " بعد مغادرة الضيوف لم أراك
وخمنت بأنك متعبة واستغربت أن لا تخرجي من غرفتك
صباح اليوم "
وتابعت تكتم ضحكتها " حتى ضننت أنك ستنزلين لنا من
غرفتكما في الأعلى "
نضرت لها بجزع قالت " من قال ذلك ؟ "
قالت نصيرة مستغربة " قلت أني ضننت فما بك يا غسق ؟ "
وقفت وقالت " لا شيء عمتي "
ثم نظرت خلفها وعادت بنظرها لها وقالت بتوجس
" هل غادر مطر ؟ "
قالت مستغربة " حد علمي سيغادر صباح اليوم للحدود إن لم
يجد شيء يجعله يؤجلها قليلا , هل تريدينه في أمر ما ؟ "
هزت رأسها بلا بسرعة وقالت مغيرة مجرى الحديث " حكت لي
حبيبة عن أعشاش الدجاج في الحديقة هل تخرجين معنا ؟ "
قالت بضحكة " حبيبة والدجاج قصة لا تنتهي وكرسيي لا يساعد
في التنقل في تلك الجهة , اجلسي نتسلى قليلا قبل ذهابك "
هزت رأسها بحسنا وعادت للجلوس تنتظر منها ما تتوقعه جيدا بعد
زيارة ابن شقيقها لها يوم أمس , قالت محاولة تبديد ذاك التوتر
" لاحظت أنه لا أحد غير الموجودين في المنزل أقارب لكم ! "
هزت تلك رأسها بنعم بحزن وقالت " زوجي توفي منذ زمن بعيد
وابني اختفى منذ أكثر من سبعة أعوام ولا أحد يعلم حيا هو أو ميتا
ولم نجده رغم محاولات مطر الجادة , أما عمك صقر فقد توفيت
زوجته وهي تلد ابنه ومنذ ذاك الوقت لم يتزوج ولم يفكر فيه أبدا
مهما حاولنا معه "
اجتازت غسق صدمتها بصعوبة وقالت وكأنها تحدث نفسها
" لكم أبناء !! "
ضحكت تلك رغم حزنها وذكرى ابنها الشاب وقالت " نعم ألسنا
بشرا نتزوج وننجب الأبناء ؟ "
قالت بتلعثم " لكني ظننت ... "
ثم رفعت خصلاتها خلف أذنيها مجددا وقالت " ظننت أنه كما
حكي وسمعت .... "
قاطعتها نصيرة مبتسمة " ما يحكى عن شقيقي شاهين طبعا ؟ "
قالت غسق بصدمة " أليس حقيقيا ؟ "
خرجت ضحكة صغيرة منها وقالت " نصفه ونصفه الآخر مجرد
كذب وافتراء فهل انعدمت الإنسانية لديه درجة أن يقتل أبناء عائلته "
همست بخفوت ناظرة لعينيها " ما الحقيقي في الرواية إذا ؟ "
قالت تلك بهدوء " الحقيقي هوا الابن الذي سيحكم البلاد وانتظار شاهين
رحمه الله له بفارغ الصبر وتربيته له بنفسه فقط والباقي لا صحة له
وما كان ليقتل عائلته من أجل باقي كلام الرجل ذاك "
قالت غسق مستغربة " لكنه صدق نصفها الأول ؟ "
هزت رأسها بنعم وقالت " وابني اختفى بعد وفاة شقيقي شاهين وولد
قبلها وصقر ولدت زوجته وتوفت وابنها وشقيقي شاهين حي أيضا
وقد زوج جوزاء وأنجبت طفليها في وجوده يا غسق "
فتحت فمها لتسأل لكن تلك سبقتها قائلة بحزن " وشقيقي دجى
توفي قبل وفاته وقد حاول شاهين جهده أن لا نفقده "
قالت غسق مستغربة " لك شقيق ميت ؟ "
هزت رأسها بنعم وقالت " كان شقيقا لنا من والدي رحمه الله
ولم نرى والدته أبدا فقد أحضره طفلا رضيعا ولولا الشبه
القوي بينه وبين والدي لما صدقنا أنه ابنه "
قالت غسق وقد شعرت بالفضول أكثر لمعرفة
قصص هذه العائلة
" وكيف لم ترو والدته أبدا ؟ ... أعني لماذا ؟ "
تنهدت نصيرة بحزن وقالت وقد غابت بنظرها للفراغ " والدته من
الهازان كما أخبرنا والدي وأنها كانت من أجمل أجمل نسائهم , وفي
ذاك اليوم الذي اكتشف فيه جدي الأمر هدده بطرده من القبيلة وإبعاده
عن الحدود معهم فطلقها كما أخبرنا وأحضر ابنه منها وربته والدتي "
هزت رأسها بحيرة وقالت " غريبة قصته ! تربى بعيدا عن
والدته وهي على قيد الحياة ثم مات و .... "
قالت مندفعة " لما قلت أن شقيقك شاهين حاول جهده كي لا
يموت شقيقه دجى ! ماذا حدث ؟ "
خيم الحزن على ملامح نصيرة وقالت " مات في محاولة
للفرار خارج الحدود "
ثم رفعت نظراتها بالجالسة أمامها تنظر لها بصدمة وقالت مبتسمة
" يكفينا من الحديث عن البؤس والمآسي وأخبريني ما الجديد بينك
وبين زوجك فقد جاء يسألني بالأمس إن كان ثمة من يضايقك
من الضيوف "
رطبت شفتيها بلسانها فها قد وصلا للب الموضوع وجل ما تخشاه أن
تكون أخبرته عن الحديث الذي خرجت بعده رغم كثرة الأحاديث وقتها
وهوا من الدهاء أن يكتشف بسرعة صلتها بالعجوز تلك ودخولها إلى
أراضيه من أجلها , مررت أطراف أناملها على خصلات شعرها
وقالت بحذر " أخبرته أنه لم يضايقني أحد لكنه يبدوا مصرا
ثم أنتي تعلمين أنه زعيمهم ولن يرضى أن تهان زوجته
مهما كانت مكانتها لديه "
هزت تلك رأسها بنعم وقالت " وهذا ما سيحدث فلن يتجرأ أحد
على قول شيء في وجهك أو أمامنا أنا وجوزاء وما سيقال من
وراء ظهرك لا تكترثي له "
انفتح الباب حينها وأطلت منه حبيبة برأسها وقالت مبتسمة
" يبدوا أنك نسيت موعدنا
سيدتي ؟ "
وقفت وقالت مبتسمة " لا لم أنسى وقادمة حالا "
ثم ودعت الجالسة على السرير بحركة من يدها مبتسمة لها وبادلتها
تلك نفس الحركة تراقبها مبتسمة حتى اختفت خلف الباب الذي أغلقته
ورائها وتمتمت بخفوت باسم " من التي قد تقتل مطر الذي صنعه
شاهين إن لم تكن هذه ! سبحان من كملها في كل شيء "
وما لبث أن انفتح الباب مجددا ودخلت منه جوزاء بوجه عابس
محتقن من الغضب فقالت نصيرة مبتسمة " بسم الله عليك
ما بك وكأن وجهك قطعة من نار ؟ "
قالت تلك بحنق تمسك وسطها بيديها " ليس وقت مزاحك عمتي "
تنهدت العمة بضجر وقالت " ولأنه ليس وقت مزاح أردت أن
أغير من هذا الوجه المكفهر "
قالت جوزاء وبدون مقدمات " مطر أخذ مفتاح غرفته مني "
قالت نصيرة بلامبالاة " وإن يكن ؟ مفتاح غرفته ويخصه "
ازداد غضب تلك من برود عمتها وقالت بضيق
" وأعطاه لتلك "
هزت نصيرة رأسها بيأس وقالت " تلك زوجته ومن الطبيعي
أن تهتم بأموره , ألست من كان يريد زواجه وأن تكون له
زوجة تهتم به "
نفخت جوزاء بقوة وغضب وقالت " سحرته تلك الصنوانية بجمالها
الزائف , سحقا للنساء ... لا أصدق أن الذي أمامي مطر "
لم تستطع تلك إمساك ضحكتها وقالت تستعيد نفسها " أضحكك الله
يا جوزاء من أين جئت بالصنوانية هذه ؟ ثم لا أرى شقيقك تغير
أبدا ولولا صبر ابنة شراع عليه لفرت هاربة مجنونة "
حركت جوزاء يدها في حركة غاضبة قائلة " لا تبدي جهدا أبدا تضع
العمران مهرا لها تلك البلهاء ورأيتِ معي بعينك ما تفعل لتجعله
يستسلم , حركات سوقيات لعينات ! لا أعلم لما مطر يجهل
حقيقتها حتى الآن وهي واضحة أمامه كالشمس "
ظهر الضيق جليا على وجه نصيرة وقالت حانقة من الواقفة
أمامها " جوزاء ما يحدث خلف الأبواب المغلقة لا أنتي ولا أنا
نعلم ما يكون وليس لنا حق الحكم عليه , حياة شقيقك هوا الذي
يقرر فيها فتوقفي عن حركاتك أنتي التي لا أريد نعتها
بالسوقية مثلك يا شقيقة زعيم الحالك "
قالت جوزاء بصدمة " حركاتي أنا ؟ "
علقت نصيرة بغضب " نعم ولا تضني أني عجوز خرفه لا
أرى وألاحظ تعمدك إبعادها عن مجالس النساء "
خرجت ضحكة ساخرة خالية من المرح من ثغر الواقفة عند
الباب وقالت " لعبت بعقلك أيضا , لا أستغرب ذلك "
تنفست نصيرة بضيق ويئس من حقد ابنة شقيقها الا مبرر وقالت
" هي لم تخبرني بشيء وأجزم أنها لن تفعلها أبدا "
ضربت جوزاء بكفيها ثم أشارت بأحدهما وقالت ساخرة " نعم
والواقع أمامك فها هي جعلت مطر يأخذ مفتاح غرفته مني
وهوا لم يفعلها سابقا "
همست تلك مستغفرة الله وقالت " أقطع ذراعي إن فعلتها , أقسم أن
تربية أسرة الزعماء متأصلة فيها لنخاع عظامها ولن تتحدث لا أمامه
ولا أمامي , ولن يحتاج مطر لتخبره ليعرف بنفسه وأنتي تعرفيه
جيدا كما هوا يعرف حقدك المبالغ فيه جهة صنوان جميعهم "
كتفت جوزاء يديها لصدرها وقالت " ما معنى كلامك عمتي ؟
هل أنا التي تخليت عن أصول تربيتي في أسرة زعيم الحالك "
قالت عمتها ببرود " الجواب لديك وليس لدي واتركي شقيقك وشأنه
لتثبتي لنفسك قبلي أنه معك حق يا شقيقة زعيم الحالك , وإن كان
لديك اعتراض على أخذه منك لقلته له بنفسك وأجزم أنك سلمته
له دون حتى سؤال "
أنزلت يديها وشدت قبضتيها قائلة بضيق " بلى سألته وقال بكل
صراحة أنه أعطى مفتاحه لها , لا يهتم بأن ما يفعله
يجرحني أنا شقيقته "
هزت نصيرة رأسها بيأس ولم تعلق فتركتها تلك وغادرت
متمتمة بغضب " أنا المخطئة جئت أتحدث معك "
*
*