كاتب الموضوع :
نعجتي
المنتدى :
القصص المكتمله
رد: هذه دُنياي
الفصل الثاني والعشرون
في ليله أستسرّ بها القمر المُضيء ، يختبئ بضوئه المُشع خلف خيوط الظُلمة ، حيثُ هذه الليلة حقاً لم تكن كأي ليله عاديه ، رباه !! مابال هؤلاء البشر ، قد فقدوا عقولهم من اجل هذه الدُّنْيَا البائسة !!!! وغرقوا برمالها المُتحركة ، وعلِقوا بين غاباتها ، وتشبثوا بأسوارها العالية التي لا تنحني !!!
الله هو من خلقها وحده في سته ايامٍ فقط ، يا الله ما اعظمك وأعظم صُنعك وما صنعت ، صنعها لنعبده بها ونتضرع ونبتهل له ، لا لأن نتحارب للبقاء بها ، وكأن البقاء بها للأقوى ...
لكن لكل طريق نهايه ونهايته تقاديرُ المولى .
تململ على فِراشه ارهاقاً وتعباً و حدقتيه البُنيتين يسبح بهما لون القهوة القاتمة ، ينظر بعمق للسماء الساكنة المُغطاة بستار اسود من الليل الداكن ، عقله سرح بما خلف هذه السماء ، بل وابعد وابعد منها .
يبتسم بأسى وهو يتذكر ابن عمه الوحيد فهذه الليلة ليله فرحته ولم يستطع الحضور وقد اعتذر بسبب ما حدث لأخته روحه وفؤاده ، وليته كان يعلم بالفاجعه التي
حدثت لإبن عمه هذه الليلة في يوم فرحته .
مازال يتمطى ويتقلب على فِراشه ، يشتمُ رائحه الوسادة التي بقربه ويُدخل رائحتها لعُمق انفاسه ولكن لا يستطيع النوم بدونها ، رائحتها لا تكفي لإسكاره وغفوته إن لم تكن صاحبه الرائحة بين ذراعيه ، تأفف وهو يقلب جسده على ظهره يتأمل السقف واضعاً كفيه على صدره .
مابال حبيبته الهذه الدرجة لم تستطع ان تُلاحظ شده حُزنه اليوم وأساه ، كيف يستطيع ان يُخبرها بأن والده أوسع اخته ضرباً مُبرحاً ؟؟؟! وهو لا يستطيع ان يُخبر نفسه بذلك !!! ولا حتى يرغب بتذكر الأمر وكم انه اخٌ سيء ،
هل كُل ما يهمها ان أبقى بجانبها إلى الأبد ، لا تأبه بحزني او مُحاوله ان ترى ما خلف مُقلتيّ ، اتشك بحُبي لها الذي وُشم كالوشم على قلبي ، هل يعصي امر والدته من أجلها ، وقسماً لم يُخلق من يجعله يعصي والدته ويُحاربها , وهي من حملته تِسْعَة أشهر وتعبت به , ووضعته بألم الدُّنْيَا في سكرات الموت , وربته وكبرته , واعتنت به إلى ان غدا رجُلاً شهماً .
تنهد بعُمق وهو يسحب الهواء لرئتيه ، و تذكر بعض الكلام من التلفاز عن هرمونات الحامل وانفعالاتها وحساسيتها وأن عليهم مُراعاتها ، وليس بالسهل او القليل الذي مرّت به حبيبته به بسببه .
هب واقفاً على قدميه يحسم الامر ولا مجال للتراجع مع مشاعره وعواطفه المتأججة ، هبط درجات السلم ووصل لتلك الغرفة التي تختبئ خلفها حبيبته الصغيرة ، والتي حضرتها لهم والدته من اجلها بعد حملها .
فتح الباب بهدوء ليدلُف للغرفة المُظلمة ، وارتطم الهواء البارد بوجهه ، وارتعش جسده الخشن من برودتها ، دسّ نفسه بالسرير ، توليه حبيبته ظهرها الغضّ ويشعر بها ترتعش ليس من البرد !!! بل من البُكاء ، وزاد ارتعاشها مع دخوله ، لم يُقاوم ليسحبها بذراعيه بين احضانه يجبرها على الالتفاف له و يمسح على شعرها الأسود كالليل المُظلم الحالك ويهمس لها ،
: شششش يا روح وقلب طلال تدرين ما تهون علي دموعك .
همست بنشيج وهي تدفن رأسها بصدره ،
: وكأنك صرت تهتم بعد ما حملت بولدك او بنتك .
قبل منابت شعرها قُرب جبينها وأنفه يستنشق ما يطاله من رائحتها
: افا يا ذَا العلم , أنا ما عدت اهتم وأنت بفضل الله اهديتيني الدنيا وما فيها , ما عاش اليزعلك مو قصدي بس اليوم
بالذات متضايق من الصبح وكنت حاس بشي صاير وفعلاً إحساسي ما خاب , وسديم كانت بالمستشفى يوم تركتك وطلعت و رحتلها بسرعه بدون لا أفكر حتى وماكنت بتجاهلك بس نأجل الموضوع لا اكثر .
شهقت وهي تنظر له بلهفه ،
: سدوم بِسْم الله عليها وش فيها ليه بالمُستشفى .
هُنَا هي رأت بوضوح الْحُزْن الدفين خلف مُقلتيه وتلك الهالات التي انتشرت تحت عينيه تُؤكد مدى ارهاقه وتعبه , لتسمع همسه الكاذب ولم تُميز الكذب بصوته مع تأملها لوجهه المُتعب ،
: وهي بره البيت طاحت بقوه على وجهها بالاسلفت وتأذت كثير .
اتفق هو و يامان وشاهين عن اخفاء الأمر عن الجميع لا من اجل والده القاسي ، بل من اجل اخته ونظرات الناس لها بالشفقه عندما يعلمون بالحقيقة وما فعله ذلك الاب الظالم ، حُجتهم مناسبه لانه اثار الضرب في الجسد تُخفيها الثياب عكس الوجه الذي به القليل من الكدمات عينها اليُسرى فقط هي الأكثر ضرراً ... قطع أفكاره صوتها الناعم يُداعب أذنيه ، وهي مُتعجبه ان سقوط بالشارع يُدخلها للمشفى ، كُل ما تتمناه ان لا يكون شيء اكبر يخفونه عنها ،
: يا قلبي انا عليها ، طلوووول انا أسفه حبيبي ما كنت ادري ليتك علمتني من اول .
قبل عينيه وهو يُحيط وجهها الصغير بكفيه ،
: انلخمت وما ركزت كثير كنت قلقان عليها بس .
همست عند شفتيه : بكره ضروري أزورها أطمن عليها .
أومأ برأسه وفاجأها بأن سحبها اكثر بين ذراعيه مُغمضاً عينيه بشغف ، غارقاً بهواها ونعومتها بين ذراعيه ، ويكتُم فمها الصغير بشفتيه ، و بقُبلاته التي انتشرت على وجهها برقه دون ان يقترب اكثر كما امرت الطبيبة ، وكم يتحرّق جسده مُنذ فتره لدفئ جسدها والاحتكاك به ، ويُصبر نفسه وجوعه لها بقبلاته وعناقه الذي يـحاول السيطرة على جموحه وجبروته .
بعد عده لحظات صدح هاتفه بأزيزه المُعتاد ويزوي حاجبيه بتعجب من الاتصال الذي أتاه بهذا الوقت المتأخر من الليل ، مبتسماً فور ان رأى المُتصل ، قلب جسده على ظهره وتشدق وجهه بابتسامه وهو يضـُم كتف حبيبته المُبتسمه بحب لصدره ، وفتح الهاتف ليُجيب متأملاً السقف
: هلا والله بالعريس وش عندك المفروض انك الحين مع ......
قطع استرسال حديثه ماقاله ذياب ، وتختفي ابتسامته من على وجهه و تتسع عينيه بذهول
وهب جالساً ، عاقداً لحاجبيه بذهول
***
قبل ذلك بوقت قليل
كم باتت هذه الليلة مؤرقه لحد الوجع ، مؤلمه حدّ الموت ، كم كُشفَ بها الكثير من المُلابسات والخدع والحقارات
التي خُفيت ببراعه صانعيها ، فهل تختفي الأسرار للأبد !!!! ، التمعت حدقتيه بَشَرّ وتأججت النار المُلتهبة في بؤرتيه ، لا فوالله لم يروا حتى الآن من قسوته ووحشيته شيء ، سيهدم هذه الدُّنْيَا على رؤوسهم ، سيُذيقهم مراره العلقم والحنظل ، لكل من يجرؤ و يقترب من عائلته ومن قلبه ، سينتزعُ روحه انتزاعاً من جسده ، وهو من كان مِثالاً للرزانه والهدوء يُصبح في عده ثواني ضاري من ضواري الغابة .
مشى بخطوات مُتزنه يسحب بعُنف كميه من الهواء لرئتيه ، ويُسبل اهدابه يُخفي عن عينه ذلك المشهد الذي شطره ومزّق جسده بتلك السكاكين الغير مرئيّة ، مُحاولاً تهدئه ارتجاج جسده الخشن و دحض تلك الأفكار السيئة التي تنهش رأسه ، وتُراوده بخصوص الفتاة التي أحب ، والشيطان وعقله يتهامسان ، هي ليست سيئة ، بل سيئة تعمدت إغوائه ، لا يُمكنها مُحاوله إغواء عاصم هو يعرف عاصم جيداً وقذاراته التي يُخبره بها بِكُل فخر في كل مره يراه فيها ولكن هو لم يهتم شخصياً ولم يهتم لأن يُعطي النصيحة لابن خاله الفاسد ، انت لا تعرفها لقد رأيتها عده مرات فقط وقد تكون هي من جذبته وتستمتع بالتلاعب بكما .......
فرك بأصبعيه مدمع عينيه ، بُهت ناظِراً إلى حبيبته تنزوي على السرير وحيدة ، تضُم قدميها لصدرها ، بائسة ، ترتعش بخوف ، ودمعاتها تشُق طريقها على وجنتيها ، وآه من وجنتيها ، بلل شفتيه ولم يعد يُفكر بوسواس الشيطان فور رؤيته لها بهذه الحالة التي آلمت قلبه وعقله ، أيقن ان كُل ما حدث كان مُجرد قذاره من ابن خاله .لا علاقه لها بها إطلاقاً .
اقترب بهدوء يجلس على طرف السرير ويسحبها بعنف إلى صدره بدون أي تحفظ او خجل أو مُداراه لمشاعرها وقد غلبه شوقه إليها ، يُحيط ظهرها بذراعه وشعرت بنعومة قُماش ثوبه ناصع البياض على بشرتها ، ويا للعجب لم تنفر منه او خافت منه او خجلت منه وكأنه اصبح هو وحده مصدر أمانها ولو لبعض الوقت .
كانت تبكي بصمت دون ان تُصدر اصواتاً ، ناعمه دائماً هي كالحرير هكذا فكر ، لكن فور ان سحبها لجذعه كي يواسيها ، انطلقت حنجرتها بتأوهات و شهقات مزقت قلبه بعنف ، وتعلقت كفها الصغيرة عند زِرار ثوبه تشُدّ عليه ، ويضغط هو على كفها بشده يهمس بخفوت عند أُذنها وانفاسه المُشتعله ترتطم بأذنها ، وعينيه تسرح أمامه بشَرّ يُفكر بعمق كيف يتصرف مع عاصم الذي تركه مرمي كجثه هامده في غرفته
: خلاص يا روحي اهدي عدت على خير – همس بصوت أخفت - عدت على خير .
يهدئها بينما يهمس بداخله " لا والله للحين ما عدت على خير وحساب عاصم معي عسير هو والزفته الثانيه لو كان كلامها صح " .
توقف صوت نشيجها بينما صدرها ما يزال يعلو ويهبط من الشهقات المكتومة لتقول بصوتٍ آلم قلبه وعقله ، ورأسها يستريح على جذعه
: كيف عدت على خير ؟؟! و الحين .. أ أنت بتتركني والنَّاس .. الناس بتصير تتكلم علي وما حد رح يلومهم هم ك ك ... كانوا هنا وسمعوا كل شي وشافوا .
رفع ذقنها بكفه يمسح دمعاتها من على وجنتيها ، رغم ان الوقت ليس بوقته تماماً الا انه لم يُقاوم دموعها في يوم فرحتهم ليلثم دمعتها التي سالت على وجنتها التي تُقابله ، ويُغمض عينيه بشجن و يتذوق طعم وجنتها كما تمنى يوماً ان تكون حلالاً له , تأوه بقوه وهو يستلذ بطعم السُكر ، و أراد أن يُطمئنها ، ان يبث بقلبها الراحة رغم انه لا يشعر بهذه الراحه أبداً ، مسد على وجنتها بكفه الخشنة ومدت لها الدفء والحنان الذي لم تشعر به بحياتها ، وهمس بوحشية من بين اسنانه ، لم ترهبها ولم تُرعبها بل يا للعجب أشعرتها بالحماية القُصوى
: قطِع بلسان اليحكي عليك خلني اسمع بس اي احد يطولك بكلمه لانه يتمنى ربي ما خلقه وثاني شي !! ليه مجنون انا أتركك عشان عاصم الكلب ؟؟؟! بعد ما تمنيتك دايماً في ليلي ونهاري .
فتحت فمها الصغير قليلاً ورفعت رأسها تنظر اليه ، عيناها ترمش بإستغراب من تمسكه بها بعد كُل ما حدث ، نعم أُعجبت به كان ينظر لها كم لم ينظر لها أحدٌ من قبل وكأنه يقول لها بعينيه انت لي !! انتظريني فأنا قادم !! ، لم تندم لانتظارها له فقد حقق ما جال بعينيه وقرأته ، وتقدم لها وطلبها زوجه وكانت تتعلق به يوماً بعد يوم إلى أن حدث ما حدث ، ووهج الفضة بمُقلتيها يلمع كحجرين بلوريتين .
وهو كان ينظر لتلك البرائه التي شعت في حدقتيها ، نسي العالم من حوله وهو يغرق في بحور عينيها دون أن ترمش عينيه برمشه , يتأمل حدقتيها بهذا القُرب لأول مره ، نسي وضعهم وما حدث لبضع دقائق سُرقت في غفله من عُمره ، يشعر بنعومتها القاتلة للقلب بين ذراعيه ، وبهدوء لم يكن ينوي فعلها اليوم قرب وجهها إليه مُمسكاً بذقنها بقسوة رُغماً عنه ، مُلتهماً نعومه وعُذريه شفتيها العسليتين المُصبوغتين بأحمر شِفاه وردي ، غرق و غرق بالقاع دون أن ينجوا ، وشد عليها شاعراً بها قد ذابت بين ذراعيه للحظات فقط غارقه معه في بحرٍ لا نجاه منه .
بعد عده لحظات لا يدري ان كانت طويله او قصيرة وصل لأُذنيه صوت طنين سيارات الشُرطة قاطعه عليه خلوته وغرقه ، لتعبس ملامحه بوجوم حتى وان كان خاله غاضب على عاصم فمن المستحيل ان يُسبب هذه الفضيحة باتصاله بالشرطه و في منزله وبوجود الناس .
ابتعد بهدوء وهو يُمسك بكتفيها العاريين يهمس بخفوت
: اسمعي الحين انت اهدي الكلب ما رح يقدر يسويلك شي بدلي ملابسك والبسي عبايتك وانتظريني وبنادي غزلان تجلس معك هنا وانا بطلع اشوف ايش السالفه .
استل هاتفه بسرعه مُتصلاً بغزلان لتأتي بحجابها تبقى مع ليليان ، وخرج يتصل بابن عمه طلال ليبقى بجانبه ويُساندنه ، و توجه لغرفته كي يسحب عاصم وينزله من المكان الذي تتواجد به حبيبته ليُصعق عندما لم يجده ، أسرع بخطواته باحثاً عنه دون اي اثر .
ضرب قبضته بالجدار بعنف والغضب يستعرّ به من كُل جانب ، يُفكر انه لم ينل منه جيداً لينهض على قدميه ويتحرك براحه .
،
خفتت الأصوات وانخفضت الضوضاء تدريجياً ، وبدأ الناس بالخروج وعلامات الاستفهام تملأ رأسهم إلى أخمص قدميهم مما حدث بهذا اليوم العجيب ، وبعضهم تنهد بعُمق عندما علم ان الشُرطة قدمت من اجل الناس الذين سكنوا حديثاً قُرْب القصر لا من اجل عائلة الذيب الذين قاموا بدعوتهم .
يا تُرى ماذا سيحدث الآن ؟؟!
بعد ان ارتبط ابنهم بابنه عائله ذلك المُلحق !!!!!
هل كان ذلك الشجار هو نفسه سبب مجيء الشُرطة ؟؟؟؟!
ما الذي فعلته الفتاة ؟؟! هل هي فتاه أصلاً ؟؟!!
ماذا فعلت عائلتها من مصائب لتأتي الشُرطة ؟؟؟!
كان يقف بذهول هو وماهر مع احد الضُباط متفاجئ بل مصدوم من كل هذه الأحداث والاعترافات التي حدثت هذه الليلة العجيبة .
سأل الضابط بعمليه وجفاف كما هي عادته
: متى اخر مره شفت الشيخ عبدالعزيز وبإيش تكلمتوا و سمعنا أنكم تعرفوا بعض من زمان .
اجاب عبدالكريم ببديهه قبل ان يُفكر حتى
: ايه اعرفه من سنين وهو ابو طليقتي التوفت وجاني قبل ثلاث شهور يقولي انه عندي بنت ويعرفني عليها لانه جبرني أطلق زوجتي وأيامها كانت حامل وانا ما ادري وخبوا علي الموضوع وقالي بس يروح اول عند العائلة الربتها عشان يقولها علي وبعدها اختفى وماعاد ظهر وانا بنفسي قدرت ألاقي بنتي .
ارتفع حاجبيّ الشُرطي من هذه القصة التي يسمعها اول مره بحياته !!! لا بل سمع مثلها وأكثر بالمُسلسلات
: طيب والعائلة الربت البنت هم هاذي السكنوا عندك بقصرك صح واللقينا جثة الشيخ فيه بيتهم التركوه وأجروه .
أومأ عبدالكريم دون ان يقول اي كلمه إضافية عن ليليان
، من اجل سُمعه عائلته وسمعتها هي لو كانت ابنته بحق رغم ان لا يُصدَّق ذلك فهذا مُستحيل
، ولكنه بات يشك بما قد تفعله هذه العائلة القذرة بعد قدوم الشرطة وكشف ملابسات الجريمة ووجود الشيخ مدفوناً بحديقه منزلهم الصغيرة .
لمح تُركي بعد ان ترجل من سيارته ليوميء له برأسه ويردها له الآخر وهما مبهوتان من كل شي ولم يتكلما ، فلسانهما عاجزٌ عن الكلام .
خرجت الشرطه من المُلحق تجر مُحَمَّد وناريمان وريتا ، اللتين لم تستطيعا الهرب بينما كانت ناريمان تجذب ريتا الرافضة بقوه المُغادرة لتُداهمهم الشرطه بعقر دارهم
، وجن جنون عبدالكريم وهو يرى ريتا تصعد لسياره الشرطة ، مُتجاهلاً شكوكه وافكاره حول ما قاله ذياب فور رؤيتها ، قائلاً بانفعال
: بنتي يا حضره الضابط بنتي ما لها دخل ليه تاخذونها معكم .
قال الضابط بجفاف : لازم ناخذ كل الكانوا مع العائله ولهم قرابه معهم من قريب ولا من بعيد وعرفنا انه هالبنت كانت عايشه معهم سنين ، حتى انت لازم تلحقنا بما انك سكنتهم عندك .
أومأ عبدالكريم بصدمه ، وابتسم بوجوم لماهر الذي يدعمه ويهمس له الآخر
: بسيطه يا عبدالكريم بتمر ، بتمر ان شاء الله روح عطس خبر لهلك عشان نلحقهم .
لم يعي أحدٌ اقتراب عاصم من البوابة وهو يجر نفسه بألم ، فوالده مشغول بالحديث مع الشرطه وماهر والرجال الآخرون يعتلون سياراتهم بعد ان ادخلوا أُناس لم يُفكر من هم إلا سيارات الشرطه ، لينطلقوا بها على الطريق ، اقترب من البوابة لينتبه له والده الذي اكفهرت ملامحه وعلم انه ينوي الهرب والاختباء ، ويصرخ به
: عااااااااااصم على وين منقلع يا الحيوان تعال هنا
عبس عاصم بخوف وهو يُسرع اكثر ينظر للخلف الا والده الذي يحاول الوصول اليه وغفل عن السيارة المُسرعة
والتي خطفته بغفله عنه ويسقط صريعاً على الأسفلت ، اثناء خروج ذياب لفناء القصر باحثاً عن عاصم ورؤيته هذا المشهد ، الذي لم يُحرك ذره رحمه في قلبه .
***
يُحدق بعمق من خلال ستائر النافذة وانفاسه الدافئة تعانق الزجاج وتتكون عليه مسحه من البُخار ، وقلبه مُلتاع بنار الاشتياق ، لابنه أنجبها ولم يرها إلا مره واحده وخجلها ونفورها لم يسمحا لعناقها وضمها لداخل أضلعه ليحميها من كل شيء في تلك المره ، لا بل كان يشتاق قبل ان يراها ، بدأت رحله شوقه لها في حين علم ان له ابنه من صلبه من لحمه ودمه وتم استبدالُها ، ولكن في نفس الوقت لم يستطع ان يتخلى عن ابنه قام بتربيتها ، راقب خطواتها الاولى خطوه ، خطوه لتصل اليه ، سمعها وجُن جنونه عندما همست ب " بابا " لأول مره ، هو لديه ابنتين ولن يُفرط بهما ، واحمد ذاك مُجبر على ان يعترف ان له ابنتين أيضاً وان لم يفعل فهو من سيتكفل بهما ،
أين اختفت ابنته ولم تظهر مره أخرى ولم تتصل به ؟؟!
هل ضايقتها والدتها في تلك المره ؟؟!
وظنت اننا لا نُريدها !!!!
إنها حتى لا تُجيب على اتصالاتي
هلــ ......
قطع استرسال أفكاره صوت دخول زوجته للغرفه ، ولكن لم يلتفت لها فهي لم تعد تُثير فضوله .
قالت رانيا بانفعال من السعادة وهي تجلس على طرف السرير وتخلع حذائها ذو الكعب العالي : يا الله الزواج اليوم مره خطير وروعه ، لو تشوف قاعه الفندق الفخمة ، والورد الطبيعي على طول الجدران والاعمدة ، ريحه القاعة صارت كلها ورد - توجهت لطاولة الزينة تمحي تبرُجها - ولا توزيعات العرسان كيوووت ، وبوفيه العشا واااو واااو شي خيالي ، المؤكولات البحرية ، والصينية ، واليابانية ، ولا كيكه العرسان سبع طبقات كل طبقه اكبر من الثانيه - نهضت وهي تفتح خزانه ثيابها تبحث عن قميص للنوم - مادري وش يسوا بكل هالاكل حتى ما تأكل ربعه و مادري وش ذَا الناس العازمينهم بعضهم قراوا وجحلط عليهم لَبْس مادري من اي زباله ماخذينه .
لوى منصور شفته بيأس من حالها قائلاً وهو يلتفت برأسه لها
: هالنعمه لو انكبت بيتحاسبوا عليها ما تخافوا الله يا ذَا الحريم كل همكم بس مين تسوي زواج أفخم من الثاني والتكلم باعراض الناس هذا الفالحين فيه
رانيا وهي تسحب قميص النوم الفيروزي
: يووووه يا منصور وين ينكب اكيد بتوزع على الفقارى الاكل مثل ما هو المفروض يحمدون ربهم على هالنعمه وبعدين كل الناس تتكلم ورا ظهور بعض انا اعرف ناس تتكلم علي من ورأي بس ما هموني لأَنِّي انا بعد أتكلم عليهم .
ادار رأسه للنافذة دون أن يرد عليها وتنهد بعمق عندما سمعها تدخل لدوره المياه وخرجت بمبذلها الحريري لأسفل رُكبتيها بقليل وقالت بانشراح وتعود وتجلس على طرف السرير وتدهن قدماها بالكريم
: تصدق منصور على انه الزواج فخم بس انا بخلي زواج ارجوان احلى منه بمليون وأخلي هالعالم يحكوا فيه سنين لقدام من فخامته مو مثل عرس زايد ماتت عمتك الله يرحمها قبل الزواج بأسبوع واختصرناه وضيعنا مبلغ وقدره مع الأشياء الألغيناها .
لم يعد يحتمل كلامها وسمومها التي تنفثها بتَنمُق ليلتفت مُتأففاً بعُنف وهادراً بها بحده نادراً ما تخرج من أوتاره الصويتية
: خلااااص خلاص فكيني من حنتك ما عندك غير ام فلان سوت ولا ام علان فعلت هذا هو اكبر همك بالحياه مو هامك بنتك الحملتيها وبدلوها وربيتي غيرها .
اتسعت عينيها وهي تهُب به بفظاظه
: لا والله تبغاني أنسى بنتي وارميها على الناس واحوي وحده حتى ما اعرف وش أخلاقها ووش ملتها .
غضب منصور ليهبد ويرعد
: ارجوان حالها كويس هاذي هي تزوجت شاهين وبتصير بينا وبين اَهلها ونفس الشي لنوران هاذي بنتك بنتك من لحمك ودمك وعند ناس محترمه ملمومه وعلى قد حالهم وشفتي أخلاقها يوم جت ورمتيها بالحكي .
نهضت بعنف لترفع الغطاء عن السرير وتدخل بداخله مُتدثره تبحث عن الدفيء
: اوووووووف منك ومن سوالفك التجيب الهم لازم تنكد على الواحد بس يكون مبسوط .
لوى شفتيه بتهكم ويتمتم : انبسطي انبسطي ماحد منكد عليك .
خرج من الغرفة يتجه لغرفه ابنته طرق الباب بهدوء محافظه لخصوصيتها ، ويسمع إذن الدخول !!!
ابتسم وهو يراها تجلس سانده ظهرها على السرير وفي حجرها كُراسه مُتوسطه للرسم أغلقتها ووضعتها جانباً وانفرجت اساريرها برؤيته ، لتهب واقفه تُعانقه بقوه وقائله بدلالها المُعتاد
: نورت الغرفة بالهطله أبوي حبيبي جايني بنفسه كان علمتني افرشلك السجادة الحمره واستقبلك احسن استقبال يا كل الدنيا انت .
ارتفع حاجبيه قارصاً وجنتها ويقول بخبث : أيا العيارة توك تتذكريني ما تجين بنفسك تطمنين علي لازم أناديك المهم يا قلبي اجلسي بقولك شي .
رمشت قليلاً لتجلس على طرف السرير بينما منصور استقر بقربها مُحاوطاً كتفها ينظر أمامه للفراغ
: يبه كلمتي نوران من بعد اخر مره ولا لا قلقان عليها وما عاد لها حِس ولا ترد علي .
اطرقت برأسها : لا والله ما كلمتها مقصره معها وانشغلنا معليش يبه الحين بكلمها توه بدري .
أومأ منصور مُنتظراً بشغف ان ترفع ابنته الاخرى السماعة ، ليبتهج وجهه وهو يسمع صوتها من خلال مُكبر الصوت ثم يعبس بوجهه وهو يسمع صوتها الباكي المُتحشرج تحاول موازنته لتتحدث بطبيعيه ،
خطف الهاتف من ارجوان ويقربه من فمه ويقول بحده وانفعال من الغضب قاطعاً سلام ابنتيه لبعضهم
: نوران يا بابا وش فيك تصيحين مين مزعلك علميني يبه ولا تخافين الزفت احمد سوالك شي انت علميني وبس ولا يهمك شي ثاني والله هذاني حلفت بربي انه ما يشوف الخير لو مسويلك شي .
أطلقت نوران شهقاتها عندما سمعت صوت والدها البيولوجي ولم تستطع التوقف عن البُكاء عليها ان تخبره قد تكون نجاتهم بين يديه من بعد الله ، قالت بصوت هامس خرجت ذبذباته عبر " السبيكر "
: معليش بابا ما اقدر أجي عندكم او أرد عليك أبوي احمد ما يرضى اطلع من البيت او اروح الجامعه وياخذ جوالي والحين أخذته بدون ما يدري وكل شوي يضرب أمي ويضربني معها انا سمعته من قبل هو ما يبغاني يبغى ارجوان ويخاف اذا طلعت تاخذني بالقوه بس انا ما رح اترك ماما حتى لو هو ما يبغاني مو على كيفه ما رح اخليها .
بلل منصور شفتيه والغضب يرتفع لأوجه من هذا الأحمد الحقير ، ثم لانت ملامحه و حن قلبه كثيراً عندما خصته ب " بابا " واحمد لم تعتبره أباً بل ذكرته ب " أبوي احمد " كاحترام له وهو لا يستحق هذا الاحترام .
قال بإصرار يشُد على كلماته
: اسمعي يبه واهدي هالاحمد ما رح يقدر يسويلك شي انا بتصرف معه هالواطي واخلصك انت وأمك منه خلاص بابا انت لا تزعلي ما يهون علي زعلك ياروح ابوك .
اومأت برأسها وعلى ثغرها ابتسامه صغيره وكأنه رأى إمائتها ، وأغلقت الخط بهدوء .
شهقت ارجوان وهي تضع كفها على فمها مما سمعت وقالت من بين دموعها
: يبه صدق أبوي احمد يبغاني ليه ما قلتلي اكيد قلك هو لما قابلته شوف ايش سوا فيهم عشاني حرااام - ثم اتسعت عيناها وشهقت اكثر - عشان كذه خليتني اتزوج شاهين بسرعه عشان لا ياخذني .
تنهد منصور وهو يلفها اليه ويثبت كفيه الخشنين على أكتافها قائلاً
: يبه هذا واحد مريض ما ادري وش يبي فيك مجنون انا أسلمك له يبغى يساوم فيك انت ونوران وكأنه ماصار شي ولا تبدلتوا يبغى ياخذك علطول ويخلي نوران عندنا علطول وانا ما رح أفرط لا فيك ولا في نوران .
قالت ببرائه : معقوله في ناس كده بابا
أومأ منصور يُبَلل شفتيه : فيه فيه يبه وأَلْعَن من كذه بعد انا صرت متأكد انه ناوي على شي بس ايش هو الله اعلم بتبان ريحته قريب وبكون ورآه واشوف وش ناوي عليه - نظر اليها يبتسم بحنان - انت روحي والحين صار عندي روحين لازم احافظ عليهم .
،
اغلقت الهاتف وهي تضمه لصدرها بقوه وتُسبل أهدابها براحه ، أطلقت زفره قويه وهي تُمني نفسها بأنها لم تُخطئ ، حتى وان فقدت كرامتها وعزتها بهذا الاتصال وكأنها تشحذ والدها ان ينقذها من هذا العذاب ، إلا أنها لم تعد تتحمل هذا الأذى هي ووالدتُها الحبيبة ، كانت تنوي الاتصال بأرجوان وتخبرها بكل شيء كل شيء لتُخبر والدها وينقذها ، ولكن القدر شاء أن يُكلمها والدها بنفسه وتفرط من بُكائها وشهقاتها وتخبره بِكُل شيء ، نهضت عن الأرض تمشي على أطراف أصابعها ترغب بإعداه الهاتف لمكانه في غرفه والدها وزوجته الجديدة قبل ان يكتشف احمد اختفائه ، وضعته مكانه بالدُرج وتنفست براحه التفتت بقوه بنيه الخروج ، واتسعت عينيها من رؤيه احمد و حدقتيه مُتقدتين بشُعله ناريه ونظراته الوحشية مُسَلَّطة على جسدها الغضّ ليقول بفحيح
: وش تسوين هنا .
شتت ذراعيها وهي ترفع كفها اليُمنى تُمسك بعضدها الأيسر بحركه أمان وتتلعثم
: همم ولا شي كنت أدور على بنسه احطها بشعري من أغراض خالتي بس مالقيت
مالت ابتسامته بتهكم ، يُغلق الباب خلفه ويقول بجفاف
: ليه شايفتني بزر ابو خمس سنين اصدق ذَا المسخرة التقوليها
ارتعشت عينيها بذعر وهي تراه يسحب حِزامه الجلدي من سلسله بنطاله و
انتهى هذا اليوم بكل احداثه ومشاكله ومصائبه لنبدأ معاً بصباحٍ جديد
|