كاتب الموضوع :
وردة شقى
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
يتبع الثاني
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
منذ زمن كتبت
[ عندما تسكن الأخلاق أقلامنا و يسكت الحياء جنوننا حينها فقط نفخر بأحرف كلماتنا ]
موت المآقي [ مذكرات طبيب حرب ]
( يتبع الثاني )
مناف
على الجانب الآخر من المكان نفسه ، أجلس القرفصاء مبتسما لفتى يناهز العاشره ، أربت على رأسه ، و أنا أرقبه يطبب جرحا سطحيا ، أصاب ساقه حين كان يجري خلف كرة جئت بها معي لأجلهم ، فأنا أدرك حب الصبية و شغفهم بكرة القدم ، يلصق لاصق الجروح بدقه بعد تنظيفه ، متبعا توجيهاتي ، وقف على قدميه لينطلق بعدها ، متابعا اللعب ، و أنا أراقبهم من مكاني .
مناف ..
جاء الصوت من خلفي بنبرة شبه مسموعه و بصوت طفولي خجول ، لألتفت باتجاهه ، و ما إن أبصرت صاحب الصوت الذي لم يكن سوى طفله ، لوحت الشمس ملامحها و تساقطت خصلات شعرها بشكل مشعث يمينا و يسارا ، لأرتكز على ركبتي اليمنى ناظرا لها و مجيبا بمثل مستوى نبرتها : أجل أنا مناف و أنت ؟
لاحظت تراجعها خطوه واحده و هي تخفض وجهها عني مجيبة على سؤالي : رهف
امتدت كفي تسرح شعرها ببطئ قائلا : رهف اسمك جميل كإسم أختي الصغرى
رفعت رأسها حين سمعت الكلمات و بريق سعادة يخطف مآقيها قائله : هل أختك اسمها رهف ؟
هززت رأسي موافقا على سؤالها بطيف بسمة تلوح مبسمي ، و كفي اليسرى تعبث بجيبي لأخرج ربطة شعر زهريه ، قابضا عليها و أنا أقول : رهف أغمضي عيناك
نظرت إلي باستغراب ثم أغمضتها و بعد أن وضعت ما بيدي بين كفيها الصغيرين ، أمرتها أن تفتحها ، البهجه هي المعنى الحقيقي لتلك الملامح التي ارتسمت على محياها الضئيل ، و قبل أن تتفوه بحرف قلت بنبرة حنونه : أتسمحين لي بأن أسرح شعرك بها ؟
هزتان متتاليتان و عبرة حائره كانت الرد على سؤالي ، الذي وجهته لها .
جوليا
أقف و نظراتي تتوزع يمينا و يسارا ، سكون يحيط روحي و وجع من الماضي يتسلل لذاكرتي ، يثير شيئا في أعماقي ، كنت أحارب لدفعه طيلة سنين عمري الماضي ، لكن لأدنى وجع يتعلق بفقد الوطن ، يطفو للسطح و يخيم على مشاعري ليسجنني في طياته ، و ها أنا أقف على أعتاب أرواح ممزقه ، تعيش على ذاكرة وطن ، كانت يوما ما تعيش بين أحضانه ، تتوسد ثراه و تتلحف سماه ، آه يا وطن الموت ، تسكن بأحداقهم و تتدفق في شرايينهم ، تذوب في دماءهم ، ومهما أوجعتهم لن تستوطن ذاكرة نسيانهم .
جوليا ..
جاء النداء من خلفي ، لألتفت مبصرة أخي عبدالله ، يقترب مني بملامح ساكنه ، يقرأ تضاريس مبسمي و كأنه يبحث عن شيء ما هو يدرك كنهه ، ولأنني على شفير انهيار و بوسط هذه المعالم المؤلمه ، ما كان لي إلا أن أمد كفي ليحتضنها ، ينظر في عيناي ليسكن الطمأنينة فيها بعد ثورة وجع كادت تجذبني لأعماقها ، ليهمس لي / جولي أنت هنا لتطبيب جراحهم و زرع الأمل في أرواحهم ، حاولي نسيان الماضي لأجل هذه اللحظات ، أرجوك جولي
هززت رأسي و أنا أغالب عبرات تكاد تقبل وجنتي ، أبتلع غصة في حلقي ، أتنهد محاولة طرد ما امتلأ به صدري من هم متخم بالوهن و الوجع ، لبشر يسحقون تحت وطأة انعدام الإنسانيه و قسوة بشر لا يعرفون من البشريه شيئا ، أسير برفقة أخي ، انثر ابتساماتي لطفولة لا تعرف سوى المرح رغم كل الأوجاع ، و أهز رأسي بسلام لنساء ، خطت سنين القهر على تضاريس ملامحها المرهق بنظرات كسيره وهي تجاهد برسم طيف بسمة لطفلها الذي يسكن حضنها الأمومي .
سوريا
بين الركام
أقف أنظر من النافذه ، أبصر ابني و أمير وهم يحاولون ابعاد مجموعة من الصخور عن الدرب ، والتي لم تكن موجودة بالأمس ، تنهدت بعمق و أنا أدعو بخلدي أن يحفظهم الله تعالى و يكفيهم الشر و ييسر لهم كل صالح و خير ، حتى جاء صوت الطبيب غسان مناديا / يا خاله
نعم بني .. قلتها ملتفتة باتجاه الباب الذي كنت أعطيه ظهري ، أسير الهوينا متعمدة حتى لا يتضح ألم ساقي ، و ما إن أطل غسان حتى ابتسم لي ، ثم دار بنظراته للغرفة التي يسكنها المرضى و التي كانت اليوم بفضل الله خاويه إلا من رائحة المطهرات الطبيه ، ليقول / جزيت خيرا
أجمعين يارب ، كيف حالك اليوم ؟ هل مازلت تشعر بالألم يا بني ؟
قلتها بحنو و أنا أتقدم إليه حاملة بعض الأشياء التي تحتاج للتنظيف ، ليطرق رأسه للأرض مبتعدا عن الدرب قائلا بطيف بسمة مازالت تتلحف مبسمه / الحمدلله زال بفضل الله تعالى ثم الشباب ، لقد أبلوا بلاءا حسنا ، أعتقد أن دروسي العمليه لم تذهب عبثا
هنا جاء صوت ليث صارخا / حالة مستعجله
ليقفز الطبيب من أمامي ، متمما بلسانه بصوت أقرب للهمس / اللهم سلم اللهم سلم
كانت كلماته تنخفض من على مسامعي و هو يركض باتجاه البوابه ، حيث ليث يحمل جسد طفل ، تسيل الدماء من رجله اليسرى ، ليعود رعب الأمس يتجدد بأول جريح .
العذوب سليمان
|