يعاني العديد من الأشخاص من مختلف الفئات العمرية و الاجتماعية من آلام في أحد الأطراف السفلى أو كليهما تعرف بعرق النسا أو السياتيك المشهورة محليا ببومزوي. لكن أغلبهم ليسوا على دراية بالأسباب الحقيقية وراء تلك الآلام، أو أن هناك أفكارا مغلوطة تعشعش في تفكيرهم تؤدي بهم إلى اتباع وصفات علاجية بدائية و لا طائل منها.
من خلال الموضوع أسفله سنتعرف على ماهية عرق النسا، و أسبابه و طرق علاجه و أخيرا كيف نعمل على تجنب الإصابة به أو الوقاية منه ؟
عاري عن الصحة...
من بين أهم الاستنتاجات التي خلصت إليها خلال هذه المدة القصيرة من امتهاني للطب، أنه كلما كانت العلامة المرضية أو المرض شائعا، و خصوصا مكلفا من الناحية العضوية و النفسية و أيضا المادية، كلما كثرت حوله الأقاويل، و انتشرت المعلومات الخاطئة و الخزعبلات، و أصبح كل واحد يدلو بدوله في المرض، من تشخيص و تفسير و حتى علاج.
بوزلوم أو باللغة العربية "عرق النَسا" بفتح النون، و هو معروف أيضا بالسياتيك، يبدو من بين الأمثلة الأكثر تجسيدا لهذا الواقع : فالجميع يسمع ببوزلوم دون أن يعرف حقيقة ما هو. و لعل تصفحا سريعا – باللغة العربية – على غوغل "لعرق النسا" أو "بوزلوم" يعطيك فكرة عن هذا التخبط. هذا النت ...! فما بالك بمجتمع تغلب عليه الأمية.
من بين الأفكار المغلوطة عن عرق النَسا أنه مرض، بينما هو فقط علامة أو عرض مرضي كالحمى أو السعال، بحيث توجد مجموعة من الأمراض الذي قد تتسبب في ظهوره. كما أنني سمعت من البعض أن هناك من "يقتل" بوزلوم عبر استعمال أدوات حادة أو عبر الكي انطلاقا من أصابع الأقدام، بينما مصدر المشكل بعيد تماما عن الأقدام. ماذا بعد... أي نعم... يقولون أن
عرق النسا هو عرق مليء بالدماء السوداء الملوثة التي يجب التخلص منها، و تخيلوا معي كيف سيتم فعل ذلك...
حقيقة عرق النسا
السياتيك أو
عرق النسا هو نوع خاص من الألم، غالبا ما يبدأ من أسفل الظهر أو الورك، و ينتقل إلى الركبة أو القدم مثل الصدمة الكهربائية. هو بالفعل ألم مميز، حاد و موجع للغاية. و يتسبب فيه تضرر أو بداية تضرر الأعصاب (و ليس العروق) الموجهة إلى الأطراف السفلى من الجسم، انطلاقا من الجزء السفلي من النخاع الشوكي. و نتكلم هنا بالخصوص عن العصب الوركي، ثم عن العصب الفخدي حيث يختلف مسار الألم في هذا الأخير قليلا كما توضح الصورة أسفله.
هناك العديد من الأمراض التي تصيب فقرات العمود الفقري التي قد تتسبب بظهور عرق النسا، لكن أشهرها و أكثرها شيوعا بدون منازع (90 في المائة من الحالات) هو ما يعرف بالانزلاق الغضروفي القطني. و دون الدخول في التفاصيل التقنية، فالأمر يتعلق بضرر يصيب القرص الموجود بين إحدى الفقرات القطنية (أسفل الظهر). هذا القرص يشبه الوسادة الهوائية في شكلها، و النوابض أو مضادات الصدمات في السيارات في عملها.
هذه الأقراص يمكن أن نشبهها أيضا بنوع من الكعك الدائري المعروف الذي يتوسطه ثقب نضع فيه الشكولاتة أو المربى (لا أتذكر اسمه صراحة). الذي يحدث، هو أنه بفعل الضغط أو السن، يتشقق القرص و يسمح بخروج المادة الهلامية عبر الشقوق، مما يؤدي إلى إصابة مباشرة للأعصاب القريبة من المكان، و هو ما يؤدي إلى ظهور عرق النسا.
هذا المرض هو شائع نسبيا لكونه مرتبطا بالجهد، أو الوقوف المستمر (الحلاق، الأستاذ)، أو الجلوس بطريقة خاطئة لمدة طويلة (سائق طاكسي)، أو حمل أوزان ثقيلة، أو الإنحناء المتواصل، أو الوزن الزائد. كما أن هناك عوامل وراثية، تجعل أقرباء مصاب بالانزلاق الغضروفي يحتاطون أكثر من غيرهم من العوامل السابقة الذكر.
قد نعتبر الانزلاق الغضروفي مرضا لطيفا إذا ما قارناه ببقية الأمراض التي تسبب أعراض بوزلوم : مثل أورام العمود الفقري الحميدة منها و الخبيثة، و الكسور و الأمراض التعفنية، أو ضيق ثقب العمود الفقري أو المشاكل الخلقية، إلى آخره...
التشخيص بكري... بالذهب مشري
أهم شيء في عرق النَسا هو أنه يجب معرفة السبب بسرعة حتى يتم البدء بالعلاج، و بالتالي تجنب مضاعفاته المحتملة، التي غالبا ما تكون خطيرة، كشلل الأطراف السفلى أو فقدان التحكم في التبول و التبرز. لذلك، فنحن ننصح المرضى بعدم تضييع الوقت في تجريب العلاجات التقليدية، و استشارة الطبيب فورا حتى يقوم بفحص الحالة، و طلب الفحوصات المناسبة للتعرف على السبب و تقييم الخطورة حتى يتم وصف العلاج المناسب للحالة. و التشخيص الأكيد للحالة يمر حتما عبر عمل تصوير اشعاعي مقطعي للعمود الفقري أو حتى تصوير بالرنين المغناطيسي.
علاج بوزلوم
إذا كان السبب فعلا الانزلاق الغضروفي القطني، فالعلاج يعتمد على مدى تضرر الأعصاب، أي المرحلة التي وصل إليها المرض، بحيث قد يقتصر في المراحل الأولى على الأدوية و الراحة و/ أو الترويض فقط، و قد يصل الأمر إلى الجراحة البسيطة التي تعالج المشكل نهائيا، أو تلك المعقدة التي من المحتمل أن يكون لها تأثيرات سلبية على سلامة المريض.
و سواء تعلق الأمر بالمراحل الأولى للمرض، أو تم علاجه جراحيا، فعلى المصاب بهذا المرض الالتزام بالنصائح التالية حتى لا تعاوده تلك الآلام المبرحة المميزة لبوزلوم :
1- الحرص الشديد على عدم حمل أشياء ثقيلة، لأن ذلك يؤدي إلى تحرك النسيج الغضروفي بين العضلات وحدوث الإنزلاق الغضروفي ؛
2- الحرص كذلك على عدم الإنحناء بطريقة خاطئة لإلتقاط أشياء موضوعة على الأرض، و تعويض ذلك بثني الركبة ؛
3- تجنب الوقوف أو الجلوس لفترات طويلة دون حراك، مع أخذ 5 أو 10 دقائق كل ساعتين لتغيير وضعية الجلوس أو الوقوف، و لما لا ممارسة بعض التمارين الخفيفة أو المشي.
4- النوم على سرير خشبي ؛
5- الحرص على ممارسة الرياضة خصوصا تمارين الظهر والعمود الفقري وممارسة السباحة والمشي بانتظام.
6- التخلص من السمنة أو الوزن الزائد....