كاتب الموضوع :
منى لطفي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جوازة.. نت!!... رواية بقلمي/ منى لطفي...
كانت منة تجلس في صمت تام بجوار سيف وهو منطلقا بسيارته في سرعة عالية الى منزلها، استرقت النظر اليه بين فينة وأخرى مؤثرة عدم الكلام وهى تعلم يقينا ان صمته هذا ما هو الا الهدوء الذي يسبق العاصفة والتي ستقرع فوق رأسها حتما ما إن يصلا منزلها....
قبيل وصولهما الى وجهتهما سعلت لتجلي حنجرتها وقالت بابتسامة صغيرة:
- سيف... أنا مش عارفة إنت...، ليقاطعها سريعا وبحسم ونظره معلّق أمامه:
- مش هنتكلم دلوقتي،.... ثم التفت اليها بحدة وتابع بنظرات غضب سوداء وصوت مكتوم يحمل لهجة نذير لم تفُتها:
- الكلام و.....الحساب لما نوصَل!!...، فسكتت منة تماما وغاصت في مقعدها وعقلها يعمل كالماراثون لإيجاد حل لهذه الكارثة التي أوقعتها فيها نشوى بغبائها!!...
*************************************************
ما إن أغلقت عواطف باب غرفة الجلوس خلفها بعد أن رحبت بسيف وأصرت عليه المكوث لتناول طعام الغذاء قائلة أن زوجها على وشك الوصول، حتى تناول سيف مرفق منة بقوة فاجئتها وجعلتها تشهق وهى تنظر اليه بوجل ومال عليها وهو يقول من بين اسنانه بغضب مكتوم:
- ممكن بقه تشرحيلي يا مدام معناه ايه اللي انا شوفته دا؟، وازاي تسمحي لنفسك انك تقعدي مع واحد غريب عنك؟...، لم يمكثا بعد وصول سيف سوى دقائق معدودة رحب فيها سيف بالضيف وقد قامت نشوى بالتعارف بينهما معرفة سيف انه خطيب منة بينما مدحت بـ.. مدحت فقط!، الأمر الذي استشاط له سيف غيظا وصمم على المغادرة ولم تفلح محاولات نشوى في بقائهما وغادرت منة برفقة سيف وسط نظرات الرجاء والخوف من نشوى لئلا تكون السبب في شجار يحدث بينهما، فحالة سيف لا تبشر بأي خير!!
عادت منة الى الواقع وحاولت امتصاص غضبه قائلة بينما تشير بيدها ليهدأ:
- سيف ممكن تهدى شوية علشان نعرف نتكلم، انا مش فاهمه ايه اللي منرفزك اوي كدا؟...
قبض سيف على مرفقها الآخر وصرخ وهو يجذبها بقوة ناحيته:
- انت هتجنينيني؟، يعني ايه.. ايه اللي منرفزني؟، انت شايفه انه ما فيش حاجه حصلت؟، اشوف مراتي قاعده مع واحد متعرفوش القاعده اللي انا شوفتها دي، وما اتضايقش؟، وما تقوليليش ان نشوى كانت معاكم... كل اللي حصل من تحت راسها ... انا مش قايلك اني مش موافق على الصحوبية بتاعتكم دي؟، وانها نوع تاني خالص غيرك أرفض انك تحتكي بيه؟!، واتفضلي .. اللي حصل انهرده أكبر دليل ان كلامي صح .... قاعدين مع واحد الله اعلم إتلمت عليه منين... تقدري تقوليلي شكلك كان هيبقى ايه لو حد من معارفك شافك؟، كنت هتبرري دا بإيه؟، دا لا أخو واحده فيكم ولا جوزها ولا خطيبها، يبقى ايه ان شاء الله المبرر غير انها واحده منحلة وعاوزة تجرّك معاها؟!...
نظرت منة اليه باستنكار وقالت بحدة بالغة وهى تحاول جذب مرفقيها من قبضته القوية ولكن دون جدوى:
- يعني ايه تجرّك دي؟، انا مش معزة ولا بقرة بتجرّها وراها في كل حتة؟، وبعدين انا سبق وقلت لك ايه اللي معصبك اوي كدا؟، انك شوفتني قاعده مع نشوى ومعانا واحد غريب؟، لتشتد قبضته بدون شعور فأطلقت آهة ألم بالرغم منها ولكنها تابعت متجاهلة ألمها:
- انت شوفتني اعترضت على كلامك؟، انت عندك حق!، قاعدتنا كان شكلها مش ظريف، لكن اعمل ايه هو جِه قبل وصولك بدقايق وحمدت ربنا انك جيت!!..
وكأن دلوا من الماء البارد قد انصب فوق سيف الذي نظر اليها مبهوتا، فهي تعترف أمامه بخطئها بمنتهى التلقائية ولم تحاول المجادلة او الغضب، بل انها تكلمت بطبيعية شديدة موضحة انها حمدت الله لدى وصوله وعدم تركها برفقتهما أكثر من ذلك!!..
قطب سيف جبينه واقترب منها وهو يقول بشك بينما استطاعت منة جذب نفسها بعيدا عنه ما ان خفّت قبضته:
- انت عاوزة تقولي انك ما كنتيش تعرفي بوجوده وانك اتفاجئتي بيه؟، ...
مسّدت منة موضع قبضته لمرفقيها وقالت وهى تنظر اليه بثقة:
- وهو انت عندك شك في كدا؟، تعتقد انى ممكن اكون عارفة انه فيه حد هيكون موجود معانا ووافق؟!!....
حان الوقت لتتبدل المواقع ويتخذ سيف موقع المدافع بينما اتخذت منة موقع الهجوم ، قال سيف نافيا بشدة:
- لا طبعا!، انا متأكد انك مش ممكن تعملي حاجه زي كدا!...
وقفت منة أمامه بكل عنفوان ونظرت في عينيه سائلة بجدية بالغة:
- أومال ايه اللي مضايقك بقه؟، انى اضطريت لموقف زي دا وان نشوى هي اللي حطتني في الوضع دا لما وافقت انى اقابلها؟!، وبفرض نشوى فري وحياتها أوبن أوي، .. هزت كتفيها بلامبالاة وتابعت ببرود:
- أنا ماليش فيه!، هي حرة ...، وما تقوليش انه هينقال عليا أني زي صاحبتي... لا ... انا هو أنا، اللي هيتكلم عليا علشان مصاحبه فلانه ممكن جدا فلانة دي تكون احسن من ناس كتير اووي مش بيقوموا من على سجادة الصلاة لكن للاسف مابيطبقوش ولا حرف من ديننا!، تلاقيها بتكدب وبتنم وبتخون وكله، بس قودام الناس الست اللي ما فيش منها، وممكن واحده عادية زي نشوى بس واضحة، اللي بتعوز تعمله بتعمله طالما واثقة انها صح!،انا مش بدافع عنها واقول انها مش غلط وانه فيه حاجات كتير لازم تعمل حسابها، لكن انا ارفض الاحكام السطحية المسبقة على الناس!!...
ابتسم سيف ابتسامة صغيرة وتقدم منها ليمسك بيديها فيما أشاحت هي بوجهها بعيدا عنه، تحدث بهدوء قائلا:
- منة حبيبتي، احنا عايشين وسط مجتمع وناس، أقل تصرف أو كلمة محسوبة علينا، ما ينفعش اعيش براحتي واعمل اللي في دماغي حتى لو صح من وجهة نظري، لازم أراعي الحدود والضوابط اللي حاطها المجتمع اللي انا عايش فيه، وعلى فكرة الموضوع مش كبت حرية ولا حاجه، بالعكس دا بيحافظ على كرامة الكل، احنا مش عايشين في المدينة الفاضلة، انت عايشة وسط بشر، منهم الكويس ومنهم الوحش، متقدريش تمنعي الوحش انه يأذيكي، لكن تقدري تحدي من أذيته ليكي، مجتمعنا للاسف بيحكم على المظاهر، انت مش هتقدري تغيري عادات وتقاليد مجتمع كامل، لكن نقدر اننا نحاول ما نعملش الشيء اللي ننتقد عليه، انا واثق فيكي ومتأكد انك عمرك ما هتعملي حاجه غلط لكن ممكن تقوليلي كان أحمد أخوكي مثلا هيتصرف ازاي لو شافك زي ما انا شوفتك انهرده؟، او باباكي؟!. ابسط شيء هيلوموكي زي ما انا عملت.. خصوصا ان البنت اللي كنتِ معاها مُنتقدة في كل حاجه من أول لبسها لغاية تصرفاتها المنفتحة اوي، بنت فاهمه الحرية غلط، وللاسف واضح انه ما فيش حد في اهلها واخد باله منها او بيحاول انه يصلح من شخصيتها، وبالتالي منظر زي اللي انا شوفته انهرده دا أي حد هيقول منة ونشوى شوفناهم قاعدين مع راجل، مش هيسأل الراجل دا مع مين فيهم ولا هيهتم انه يعرف التفاصيل، انا بردو مش بقول انه دا صح، لكن هرجع واقولك اننا عايشين في مجتمع بتحكمنا عادات وتقاليد وحدود، لازم نراعيهم كويس اوي....
نظرت اليه منة في انتظار انتهائه من الحديث ثم جذبت يديها من قبضته وتكلمت ببرود:
- خلاص .... خلصت كلامك؟، بص يا سيف.. انا عارفة ومقتنعه بكل اللي انت قلته دا، بس دا مش سبب زعلي منك، انت اتصرفت على اساس انى كنت قاعده مع واحد من وراك!، انت قلت أي حد يشوفنا مش هيفكر يسأل او يستفسر.. جميل..، بس انت المفروض تسأل وتستفسر قبل ما تُحكم وتدين!!...
زفر سيف بيأس وقال بانفعال:
- علشان منظركم استفزني!، لو انت شوفتيني قاعد القاعدة دي مع واحده متعرفيهاش مش هتتضايقي؟، عقدت منة ساعديها امامها مجيبة ببرود شديد:
- كنت هاجيبها من شعرها!، ما ان ابتسم سيف منتصرا وهمّ بالكلام حتى قاطعته رافعة يدها وهى تكمل بذات البرود:
- بس دا لو كان شكل القاعده غلط!، لكن لو انت معاك صاحبك ومعاكم واحده وقاعدين في مكان عام، على طول كنت هسألك واستفسر منك، مش ألوم وأعاتب، وبعدين طالما بنتكلم بقه على المجتمع،...تابعت باستخفاف:
- يبقى للأسف محدش هيلوم ويعاتب... عارف ليه؟، لم تنتظر اجابته وتابعت ردا على نظرة التساؤل التي تلوح في مقلتيه:
- لأن مجتمعنا مجتمع ذكوري بالدرجة الأولى، يعني الراجل مسموح له انه يعمل أي شيء وعذره في الآخر انه راجل، لكن الست انفاسها محسوبة عليها، مع ان الفرق دا فرق بيولوجي الراجل مالوش أي فضل فيه، وديننا ما فرقش بين الذكر والأنثى في أي احكام او واجبات او ثواب او عقاب، الشيء الوحيد اللي فرق فيه الميراث.." وللذكر مثل حظ الأنثيين"، وليه لان الراجل هو اللي له القوامة، واللي عليه كافة الالتزامات المادية اتجاه اسرته ولو له أم هو المتكفل بيها، ولو اخته مش متجوزة بردو متكفل بيها، والست لو متجوزة وعندها مال قارون جوزها الملزوم انه يصرف عليها، هي حابيت تساعده من مالها ما فيش مشكلة لو ما رضيتش حقها وما تتعاقبش على كدا، يعني في الأول والآخر ديننا بيراعي حقوق الست كويس أوي ، وللاسف المجتمع اللي احنا عايشين فيه هو اللي ظالمها وبيجور عليها، وهرجع تاني واقولك... انا مايهمنيش من دا كله غير طريقتك في كلامك، ونبرة الاتهام اللي كلمتني بيها واللي انا برفضها، انا ما بعملش حاجه غلط، ولما واجهتني اول حاجه قلتهالك ايه؟، قولتلك انت صح، عندك حق!، واندهاشي من نرفزتك لأن الموضوع كان ممكن يكون أسهل من كدا بكتير لو كنت سألتني الأول قبل ما تهاجمني بالاسلوب دا!!...
نظر سيف اليها وأجاب وهو ينظر الى عينيها بقوة:
- طيب ممكن تقوليلي مين دا؟، وايه اللي خلاكي ما تقوميش اول ما جِه؟!..
زفرت منة بعمق مغمضة عينيها وما لبثت ان فتحتهما ناظرة اليه بيأس وهى تجيب محاولة التماسك:
- دا يبقى خطيب نشوى!، هما لسه ما أعلنوش الخطوبة رسمي، وأظن سبق وقلتلك انك جيت بعد ما هو وصل بدقايق، وعلشان انا ما بعملش حاجه غلط، ما رضيتش اقوم أتسحب زي الحرامية، بالعكس انت جيت واتعرفت عليه وعرف انك خطيبي، أي استفسارات تانية!!...
أجاب سيف مقطبا:
- خطيب نشوى؟!، وليه ما اعلنتش دا؟..
زفرت منة بيأس واحتدت بالرغم منها قائلة بحنق:
- وانا مالي، إسألها هي السؤال دا!، أظن دي حاجة خاصة بيها هي؟!، بقولك ايه يا سيف انا تعبت من الكلام في الموضوع دا، انا زي المتهم بجريمة مش عارف ايه هي وانت عمال تحقق معاه علشان يعترف بحاجه معملهاش!!...
نفى سيف بشدة قائلا:
- لا طبعا!!..، لتنظر اليه منة مجيبة بحدة مماثلة وقد عقدت جبينها:
- آه طبعا!! ، ما تشوف نفسك بتتكلم ازاي، بقولك ايه يا سيف انا زهقت بجد...، عن اذنك ...
وتأهبت للانصراف عندما التفت يده حول معصمها جاذبا اياها لتقف امامه ومال فوقها لتضرب انفاسه الساخنة صفحة وجهها المرمري وهو يقول بعتب:
- عاوزة تسيبيني وتمشي؟!، أهون عليكي أمشي وانا زعلان؟، واذا أنا هونت عليكي، انت ما تهونيش عليّا!!، .....قطبت منة وقد خالجتها الريبة من معنى كلامه، لتُفاجأ به وهو يميل باتجهها محاولا تقبيلها فحاولت الابتعاد عنه وهي تشيح بوجهها جانباً قائلة باعتراض:
- استنى بس، انت بتعمل ايه؟، يا سيدي أنا عاوزة أهون عليك!، سيف مش ممكن....، لتغيب باقي عبارتها بين شفتيه التي اقتنصت شفتيها في قبلة ضارية وقد جذبها بشدة بين ذراعيه، حاولت منة الافلات منه ولكن دون جدوى، وكأن سيف قد انفصل عن واقعهما، وهو يحاول بثّها عشقه السرمدي وشوقه اللامتناهي ليقوّض مقاومتها فترفع راية الاستسلام لطوفان مشاعره الهادر الذي جرف ممانعتها بعيدا لترفع رايتها وقد طوقت عنقه بذراعيها البضتين غارقة في لجّة مشاعرهما العاصفة!!...
بعد فترة لا يعرف منهما كم طالت، حاولت منة الافلات من قبضته طلبا للهواء، وشهقت بعنف عندما شعرت بأصابعه وهى تعبث بأزرار بلوزتها، حاولت إمساك يده وهى تتحدث من بين شفتيه النهمتين:
- سيف.. مش كدا، سيف ... بابا ممكن يدخل..، سيف انت هيِّست؟! ، لم تجد أي صدى لتوسلاتها فلم يكن أمامها سوى سبيل واحد، فرفعت ركبتها لتهوى على قصبة ساقه بركلة قوية مؤلمة من مقدمة حذائها جعلته يفك قيدها فجأة وهو يسب ويلعن من بين أنفاسه الثائرة ممسكا ساقه وهو يقفز على قدم واحده متأوها بألم، بينما وقفت هي أمامه وثغرها يحمل علامات هجومه القوي، وقد أفلت شعرها من ربطته فأحاطت بوجهها بعض خصلاته الثائرة، حاولت ترتيب هندامها الذي اشعثه أصابع سيف المجنونة ووضعت يديها في خصرها قائلة بسخط واستنكار شديدين:
- انت وقح وقليل الأدب يا سيف، واحمد ربنا ان الضربة جات في رجلك المرة دي، المرة اللي جاية هتدفع تمن قلة أدبك دي غااااالي أوووي!!، قال سيف وهو يمسّد موضع الألم في ساقه المُصابة بينما يرفع حاجبه بخبث وابتسامة مكر تزين ثغره الذي لا يزال مستشعرا لمذاق شفتيها الشهيّ:
- آه، احنا فينا من ضرب؟!، ماشي يا منة أما أشوف يوم الفرح مين اللي هينقذك من ايدي؟، الحساب يجمع يا حبيبتي، العد التنازلي خلاص ابتدى.... كلها شهرين الا 3 ايام ويتقفل علينا باب واحد، أبقي وريني هتقدري تهربي ازاي!!...
زاغ بصر منة لثوان وقد تعالت دقات قلبها خوفا من وعيده لها، ثم وقفت أمامه محاولة التماسك وهى تقول بتحد:
- كويس انك نبهتني، سيف أحب أبشّرك ان الفرح من انهرده ، لا من دلوقتي إتأجل ولأجل غير مسمى!، فياريت ما تتعبش نفسك بعدّ الأيام لأنك هتتعب نفسك ع الفاضي!!..
أعاد سيف ساقه الى الأسفل واعتدل واقفا أمامها قائلا بدهشة وقد ارتفع حاجبيه بغير تصديق حتى كادا يلامسان مقدمة شعره:
- متقدريش!، الفرح انا اتفقت على معاده مع باباكي خلاص، هو مش لعب عيال!!..
حركت منة كتفيها بلامبالاة أغاظته وقالت ببرود:
- لا طبعا أقدر، تحب تشوف؟....، وقبل ان تكمل وكأن والدتها قد شعرت بها، إذا بها تقطع عليهما خلوتهما وهى تدخل قائلة بابتسامة مرحبة:
- ياللا يا منة علشان تساعديني، بابا كلمني وكلها خمس دقايق ويكون هنا، ياللا علشان نحضر السفرة، ام محمود اجازة انهرده انت عارفة....
لفت انتباه عواطف صمت منة التام، فنظرت اليها في تساؤل ولم تغب الابتسامة عن شفتيها فيما أسبلت منة أهدابها في خجل مصطنع، نظرت عواطف الى سيف متسائلة في دهشة:
- هي مالها؟، أجاب سيف بحيرة وذهول من تلك الممثلة القديرة الواقفة أمامه:
- معرفش!، قبل ما حضرتك تدخلي بثانية واحده كانت عماله تناكف فيّا!!....
نظرت اليه منة ببراءة مزيفة وقالت وقد بدأت شفتيها بالارتعاش بعد أن استدعت دموعها التي سرعان ما لبّت ندائها وقالت بصوت خرج مهزوزا وباتقان جعلها جديرة بالفوز بجائزة الأوسكار في التمثيل:
- يا سلام .. بقه متعرفش!!، اندفعت الى أمها التي احتوتها بين ذراعيها مطالعة بحيرة سيف الواقف امامهما يراقب ما يحدث باندهاش تام ، وتابعت منة وسط بكائها المفتعل:
- أنا.... أنا مش مصدقة انى خلاص... أقل من شهرين وأبعد عنكم!!، ابتمست عواطف وقد انزاح حملا ثقيلا من فوق أكتفاها عندما علمت سبب حزن أبنتها، وقالت وهي تربت بحنو على شعرها:
- دي سُنّة الحياة حبيبتي، وبعدين انت هتبقي معانا هنا، المشوار كله ربع ساعه بالعربية بيننا وبينك!!...’ حركت منة كتفيها وقالت باعتراض طفولي:
- بردو، ماليش دعوه!!، قالت أمها مهادنة بينما قطب سيف بحيرة لا يعلم الى ما ترمي تلك المشاكسة الصغيرة:
- طيب انت عاوزة ايه يا حبيبتي واحنا نعمله؟، لترفع منة عينين مليئتين بالرجاء الحار هاتفة بتوسل جعل قلب أمها يهفو لصغيرتها التى كبرت ولكنها لا تزال ترفض مفارقة عائلتها الصغيرة:
- نأجل الفرح!!،... قالت الأم بتردد وهو تنظر الى سيف الذي شهق دهشة و...غضبا!، وان كان قد نجح في السيطرة على غضبه وحنقه منها:
- ايوة يا منون.. بس ما ينفعش .. بابا وسيف اتفقوا، وبعدين انت مسيرك لبيتك وجوزك ان ماكانش انهرده هيبقى بكرة!..
نظرت منة بتضرع الى والدتها وقالت بلهفة:
- نأجله شوية بس، انا لسه حاسة انى مش مستعدة للجواز، علشان خاطري يا ماما ، علشان خاطر منونتك حبيبتك!!...ارتبكت الأم من توسلات ابنتها الحارة ورفعت نظرها الى سيف الذي لمح بدء موافقة مهتزة في عيني أمها جعلت قلبه يطرق بعنف، فها هي تلك المشاغبة الممثلة القديرة تكاد تنجح في اقناع أمها بتأجيل حفل الزفاف، ولكن على جثته لو نجحت في تنفيذ ما تصبو إليه!!...
قاطع تأمله صوت الباب وهو يُفتح، ليظهر من خلفه عبدالعظيم الذي انبسطت اساريره ما أن طالعه وقال وهو يسير اتجاهه مادّا يده للترحيب به وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه الصّبوح:
- اهلا اهلا يا سيف يا بني نوّرت، ..... صافحه سيف قائلا بابتسامة صغيرة:
- منورة بيك يا عمي، ليلتفت عبدالعظيم الى عواطف وهو يقول بمرح تعليقا على احتضانها لمنة:
- ايه يا أم أحمد اخبار الغدا؟، يا ترى يا منون ساعدتي ماما ولا زي كل مرة؟!، لتبتعد منة عن أمها وتهرع الى ابيها الذي تلقفها بين ذراعيه مقبلا جبهتها بحنان أبوي بينما قالت هي بدلال الإبنة على والدها:
- مش عيب يا أستاذ عبدالعظيم يا ناظر المدرسة؟، ربنا ما يقطع لي عادة!، زي كل مرة أومال ايه، ما انت عارفني كلمتي واحده!!.....
أطلق عبدالعظيم ضحكة عميقة ثم وجّه حديثه الى سيف قائلا وهو ينظر الى وجه إبنته المبتسم:
- انا مش عارف هتعمل معاها ايه يا سيف؟، خلِّي بالك مش هتعرف تاخد معاها لا حق ولا باطل، أديك شايف أهو!..
تحدث سيف بشرود قائلا بينما نظراته معلقة بتلك التي تتغنج على والديها تاركة إياه يتلظى بنار الحسد لعبدالعظيم، حيث كان يريد ان يكون هو من تتدلل عليه بهذا الشكل وتتمسح به كالقطة المدللة!!، قال سيف بصوت أجش:
- أنا راضي تعمل فيّا ما بدالها، ولو عليّا أنا نتجوز من بكرة، واللي عاوزاه هنفذه!!.....
نظرت اليه منة بغرور بينما علّق والدها قائلا:
- خلاص يا سيف، هانت كلها شهرين والعفريتة دي تبقى معاك، وساعتها وريني شطارتك!!،،،
قاطعته منة بتردد مفتعل:
- بابا.... انا عاوزة نأجّل الفرح شويّة!!، أبعدها والدها عن ذراعيه ونظر اليه مقطبا وهو يقول:
- نأجّل الفرح؟، ثم حانت منه نظرة تساؤل الى سيف الذي أطبق شفتيه غيظا وغضبا منها، ولكنه لم يرد التعليق على ما سمعه منها حتى يرى رأي والدها أولا، ولم ينتظر كثيرا فقد سمعه وهو يقول بحيرة:
- ليه يا منون حبيبتي؟، حصل حاجه؟،، لتبادر عواطف بالاجابة قائلة وهى تتنهد في عمق:
- أبدا... كل الحكاية ان منة مش عارفة ازاي هتقدر تسيبنا وتبعد عننا!!، صدح صوت ضحكة والدها عاليا وقال موجها حديثه الى ابنته:
- انتِ بتتكلمي بجد يا منون؟، طيب دا كلام ناس عاقلين؟، على كدا بقه كل ما يقرب معاد الفرح تقولي لأ... أجّلوه!، ونقعد نأجّل الى ما شاء الله!، .... هتف سيف بانفعال :
- يا سلام يا عمي، هو دا الكلام!!، نظرت اليه منة بامتعاض، والذي لم يلبث أن تحول الى استعطاف ورجاء وهى تنظر الى والدها قائلة بحزن:
- يعني أنا بئيت تقيلة أوي كدا عليكم يا بابا؟، انا عاوزة الفرح يتأجل شوية بس، وبعدين احنا فيه حد بيجري ورانا؟، احنا لسه صغيرين وقودامنا العمر كله، حقي يا بابا انى أعيش يومين حلوين كدا في خطوبتي، مش من الدار للنار، ولا انتو زهئتوا منِّي خلاص؟، ليسارع والدها الى احتضانها وهو يقول بعتب:
- معقول الكلام دا يا منون؟، انت يا بنتي مش عارفة غلاوتك عندنا ولا ايه؟، عموما يا ستي ماتقلقيش، انا عندي كم منة!!، نظرت منة الى سيف الواقف خلف والدها يطالعهما بذهول تام، واخرجت طرف لسانها الوردي له بإغاظة سهوا عن الباقين، بينما راقصت حاجبها الأيمن له بإغاظة، مما جعل الدم ينفر في عروقه، وقد انتفخت أوداجه غضبا وقهرا من هذه المشاغبة الصغيرة، قاطع استرساله في أفكاره الانتقامية صوت عبدالعظيم قائلا:
- ياللا نتغدى الأول وبعدين نتكلم ، قالت منة :
- معلهش يا بابا أنا سبقتكم، كنت برّه مع واحده صاحبتي واتغدينا سوا...
حرك والده رأسه يسارا ويمينا معترضا وقال بحزم:
- ماينفعش، اقعدي معانا علشان خاطر سيف على الأقل!، لتعاجلها والدتها :
- افتحي نفس جوزك يا منة، ياللا اتفضلي معايا علشان نجهز السفرة!!...
************************************************************ ****
|