كاتب الموضوع :
منى لطفي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جوازة.. نت!!... رواية بقلمي/ منى لطفي...
الحلقة الخامسة:
طالعت منة بنصر يدها اليمنى وابتسامة تختلج على محياها الفاتن، بينما يتخضب وجهها حياءا وقد غشيت عيناها نظرة حالمة شاردة، تتذكر ما حدث منذ سويعات قليلة!!...
بعد أن إنتهى الجميع من تبادل التهاني صدح صوت سيف مستأذنا حماه المستقبلي في رغبته بتقديم هدية لعروسه، وافق الأب وسط الزغاريد التي انطلقت من أمها وأمه تشاركهما أم محمود والتي دخلت بصينيه كبيرة صُفَّت فوقها كؤوس شربات الورد كالعادة في مثل هذه المناسبات، أفسحت زينب لولدها ليجلس بجوار عروسه بينما وقفت هي بجانب ابنها وهى تقول ببهجة عارمة فرحة بوحيدها وبعروسه الفاتنة:
- أُجعد إهنِه يا عريس، بعد إذنك يا حاج عبدالعظيم، العريس هيلبس عروسته هديِّتُه، وافق الاب بهزة من رأسه بينما تحدثت الأم الواقفة بجوار ابنتها بسعادة وهي ترى هدية سيف لابنتها والتي تنم عن فخامة ورقي في الذوق:
- تسلم يا سيف يا ابني، زوقك حلو بصحيح...
كانت الهدية عبارة عن خاتم من الذهب الأبيض مطعم بفصوص صغيرة من الألماس، يحمل فوقه فراشة رقيقة من الذهب الأصفر، بعد أن وضعه في بنصر يدها اليمنى والذي ناسب قياسها تماما وكأنه مصنوع خصيصا من أجلها، همس سيف لها بصوت منخفض:
- اول ما شوفته قلت هو دا، لونه ابيض زي قلبك، والفراشة دي زيك بالظبط، رقيقة..، وتسحر العقول!!...
لم تستطع منة الرد، وكاد وجهها أن ينفجر لشدة الخجل، قام أحمد بتسجيل هذه اللحظات السعيدة بآلة التصوير الرقمية الخاصة به، بعد ذلك دعا والديها سيف وعائلته للانتقال الى غرفة الطعام لتناول طعام العشاء، والذي كان معاناة بجميع المقاييس بالنسبة الى منة والتى جلست بجوار سيف بترتيب من أمها، طالعت منة أمها باستغراب فقالت تلك الاخيرة بضحك:
- اقعدي جنب عريسك يا منون، سماح انهرده بس، انما بعد كدا ما فيش لغاية كتب الكتاب...، ليعلو صوت سيف مرحا:
- طيب أنا بقول نكتب من بكرة ايه رأيكم؟، التفتت اليه منة شاهقة بدهشة في حين غمز أحمد قائلا بخبث:
- ايه يا عريس، هو سلق بيض؟، مش على طول كدا!!..
نظر سيف اليه من تحت جفونه بنصف عين وقال بمرح مفتعل:
- مش الكبار اتفقوا؟!،...يبقى خلاص!!، وعموما ريح نفسك أنا ومنة هنحدد سوا المعاد، ما تشغلش بالك انت!!...
تبادل الجميع الضحك متندرين على لهفة سيف لإتمام الزواج سريعا بعروسه، وان كان الأمر بيده لكان الزفاف وعقد القرآن في يوم واحد!!....
جلس الجميع في غرفة الجلوس بعد الانتهاء من تناول الطعام، وجلس العروسان في جلسة منزوية عن الجميع في أقصى طرف الغرفة بينما تجمع الباقيين في الطرف المقابل منها!!...
نظر سيف الى منة بنظرات هائمة وقال بصوت به بحة خفيفة من فرط سعادته:
- مبروك يا مُنايا!..، ما تتصوريش انا فرحان قد ايه!.....
أجابت منة وقد تخضب وجهها باللون الأحمر الشديد وهى تشيح ببصرها جانبا:
- الله يبارك فيك، قطب سيف بحزن مصطنع وقال:
- يا ... إيه؟!، مش معقولة يا منة...، لغاية دلوقتي ما سمعتش اسمي منك لوحده كدا!، انت بئيتي خطيبتي فهمي نظمي رسمي، وقريب أووي هتبقى مراتي، ولسه مش بتكلميني الا رسمي !!..
ذكره لأمر عقد القرآن جعلها تنسى حرجها منه، ونظرت اليه في جدية قائلة بحنق خفيف:
- صحيح ... كويس انك فكرتني!، احنا مش اتفقنا ان فترة الخطوبة دي تعارف ولو حسينا اننا مش متفقين يبقى نبعد في هدوء؟!، أقدر افهم ليه موضوع كتب الكتاب اللي انت فاجئتني بيه دا؟
كاد سيف أن يعض على أسنانه غيظا وقال بصوت حاول اخراجه هادئا بصعوبة ونجح الى حد ما وإن كان حمل بعضا من غضبه المكتوم:
- يعني أحنا لسه يدوب مقري فاتحتنا من نص ساعه، وانت بتتكلمي اننا نسيب بعض!، ...زفر بعمق وتابع قائلا:
- انا مش فاهم ايه اللي مضايقك؟!، كتب الكتاب دا علشان تبقى خطوبتنا شرعية، ما نحسش بأي احراج واحنا بنتكلم، علشان نقدر نقرب من بعض من غير خوف وخجل، وبعدين انت بنفسك سمعت بابا وهو بيقول ان سميحة اختي سبق واتكتب كتابها وما حصلش نصيب وفكت وهى دلوقتي متجوزة وعندها طفلين، وبعدين كتب الكتاب دا هو الخطوبة الشرعية غير كدا أنا معرفوش ومش مؤمن بيه!!...
ارتفع قدر سيف في نظر منة، لأحساسها أنه يراعي حدود الله، ويتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكنها لم تستطع اقصاء شعورها بالقلق والوجل نظرا لسرعة الاحداث، نظرت اليه وقالت في أسف:
- معلهش يا سيف، أرجوك ما تزعلش مني، كل الحكاية انى اتخضيت لما لاقيت الكلام على كتب كتابنا، وانا ماكنش عندي فكرة خالص ان باباك هيفتح الموضوع دا مع بابا، وانت ما قولتليش!!...
نظر سيف اليها بانبهار ولم يرسخ في ذهنه أيا مما قالته ما ان سمع همسها باسمه من بين شفتيها النديتين، وهتف:
- ياااااه!، ما كنتش أعرف ان اسمي حلو أوي كدا!، أسدلت منة جفنيها خجلا وكادت أن تتوارى من شدة الحياء، فيما تابع سيف بوله زائد:
- اول مرة أحب اسمي بالشكل دا!، ثم استدؤك مجيبا على الشق الثاني من كلامها:
- وبعدين...ماجاتش فرصة اقولك على موضوع كتب الكتاب، لأني مالقيتش تعارض بينه وبين الخطوبة، المهم دلوقتي ايه رأيك عاوز كتب الكتاب يكون في اقرب وقت؟!..
رفعت منة رأسها شاهقة بدهشة وهى تردد بذهول:
- ايه؟، في اقرب وقت!!، انت مش شايف انك مستعجل اووي؟....، نظر اليها سيف برجاء واجاب:
- لو عليا عاوزة بكرة ، لا ... انهرده!، وعموما دا كتب كتاب بس ، ولو انى نفسي يبقى كتب كتاب وفرح مع بعض!!...
فتحت منة عينيها على وسعهما وقالت بانشداه:
- كتب كتاب وفرح مع بعض!، انت داخل على طمع كدا!، شوية شوية هلاقيك بتقولي يبقى بكرة!!..
ضحك سيف ضحكة رجولية عميقة دغدغت بصوتها الرنان قلبها الذي رفرف عاليا بين أضلعها، قال سيف من وسط ضحكاته:
- حلوة حكاية طمع دي!، ومالو لما أكون طماع في حقي!..
قطبت منة بحيرة وتساءلت بابتسامة خفيفة تعتلي محياها الجميل:
- حقك؟!..، أومأ سيف بالايجاب وأجاب بنظرة ملتهبة وصوت أجش محملا برغبة مكبوتة لاحتوائها بين أحضانه فلا يفلتها بعد ذلك أبدا:
- أيوة يا مُنايا،....إنتِ.....حقِّي!!...، لم تجد منة جوابا مناسبا للرد عليه، وارتبكت فآثرت السكوت، وشكرت الله في سرها عندما تقدم منهما شقيقها يمازحهما بأنه قد طال هذا الهمس الجانبي وآن الأوان لينزل كلا من الملك والملكة من فوق عرشهما وينخرطا مع باقي الرّعيّة !!....
عادت منة من رحلة ذكرياتها لهذا اليوم وهى تتحسس بابهامها خاتم سيف، أيقظها من شرودها صوت هاتفها المحمول، فحانت منها نظرة اليه لترتسم ابتسامة واسعه على وجهها الوضّاء ما أن طالعها اسم المتصل، فتحت عليه واجابت بهمس العصافير:
- السلام عليكم ، فأجابها سيف بصوت حنون:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نِمتِ؟، هزت منة رأسها رفضا ثم انتبهت لعدم استطاعته رؤيتها فأجابت بخفوت:
- لأ....، لسه..،ثم سكتت و....صمت !!، لم تعلم منة ماذا تقول وانتظرته ليبدأ الكلام، طال سكوته، فأعتقدت أن النوم قد غلبه، فنادته همسا:
- إنت نِمت؟!، سمعت صوت أنفاسا عميقا حتى كادت تقسم أنها شعرت بسخونة أنفاسه اللاهبة بينما يقول في صوت هامس دغدغ أوصالها:
- لا يا مُنايا، ما نمتش، بس صوت نفسك خلاني مش قادر أتكلم!
لم تعلم منة بما تجيبه، وارتبكت وقالت في دهشة حائرة:
- صوت نفسي؟، ثم ضحكت ضحكة رقيقة وتابعت:
- هو النفس ليه صوت؟، اجاب سيف بيقين تام:
- أكيد!، يعني مثلا كنت حاسس بصوته دلوقتي زي ما يكون بيهمس لوداني، كفاية أنى أقعد أسمعه كدا، وأسرح معاه!!، ابتسمت منة وقالت بخفر:
- واضح انك مش مهندس شاطر وبس، لا... وشاعر شاطر كمان!!..
ابتسم سيف وأجابها بهمس محبب:
- انت اللي خلتيني شاعر، من يوم ما شوفتك وحاجات كتير أوي اتغيرت فيا!!، ها... مش هتكلميني شوية ، انا اللي عمال أتكلم؟!.، همست منة :
- ما انا مش عارفة أتكلم أقول ايه؟!، عموما طمنِّي اخبار عمي وطنط ايه؟..
أجاب سيف وهو يعتدل فوق فراشه ساندا رأسه الى ظهر الفراش، وقد ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهه ولم يرد ان يثقل عليها بمشاعره العميقة فهو سيسقيها حبه بالتدريج حتى تتشبع به خلاياها تماما كما تشبعت جميع مسام جسمه عشقها:
- الحمدلله كويسين، فرحانين جدا طبعا، وبيقولوا انهم كانوا خايفين من كتر ما كنت رافض موضوع الجواز ، انى لما آجي أتجوز أختار واحده ما تعجبهموش ، لكن الحاج عبد الهادي قالي بالحرف – وقلّد لكنة والده الصعيدية في الكلام -:
- سيف يا وَلَدي... إنت وِجِعت واجف!، الحمد لله، ثم ضحك وتابع :
- والحاجة أم سيف بقه قالت فيكي قصايد شعر، مال وجمال وحسب ونسب كاملة وما كامل الا وجه الله...
لم تستطع منة كبت ضحكاتها أكثر من هذا وهى تستمع الى طريقة سيف في تقليد أمه في الكلام ، سكون تام حل على سيف ليقول بعد أن هدأت ضحكاتها بصوت أجش من شدة ما يعتمل بداخله من فوران في مشاعره الجيّاشة:
- ايه دا؟، دي ضحكة ولا تغريد كروان؟!، خجلت منة بينما تابع هو بلهجة تقرير أمر واقع:
- إوعي تضحكي الضحكة دي قودام حد!، مهما كان!، أنا بس المسموح له يسمعها وتضحكيهاله... بس!... غير كدا مرفوووض!
أجبات منة بتساؤل وتقطيبة خفيفة تعتلي جبينها:
- وليه يعني؟، وايش معنى انت بس؟، ايه واسطة؟..، ثم تابعت بجدية مصطنعه:
- لا لا لا معنديش كوسة هنا، مابحبهاش!!...
قال سيف بمرح لا يخلو من الجديّة:
-لاني جوزك حضرتك، عرفت ايش معنى انا بس؟
هزت منة كتفها بلامبالاة وقالت باستفزاز لم يرُق له:
- بس انت ما بئيتش جوزي!، زفر سيف عميقا وأجاب:
- صحيح، ما قولتليش... ايه رأيك نكتب الكتاب يوم الخميس اللي جاي؟
أبعدت منة الهاتف عن أذنها ونظرت اليه مصعوقة، ثم أعادته ثانية الى أذنها وقالت بذهول تام:
- خميس مين ونكتب أيه؟، قال سيف بصبر:
- الخميس اللي جاي دا، وهنكتب ايه يعني يا منة؟، كتاب حياتي يا عين؟!، هنكتب كتابنا طبعا!!..
منة بعدم تصديق :
- انت قصدك الخميس اللي جاي اللي هو بعد تلات ايام دا؟، بما اننا انهرده الاتنين فاللي هو بعد التلات والاربع؟....
كتم سيف ضحكته وأجاب:
- أيوة يا مُنايا...تمام ..، شطورة ...بتعرفي تحسبي صح!، هو دا بشحمه ولحمه!!...
عبست منة وأجابت ساخرة:
- يا راجل!، وجاي على نفسك ليه كدا؟!، ما تخليه بكرة وأهو خير البر عاجله وخلاص!، ثم تابعت من دون ان تدع له المجال للرد :
- هو انت فاكر نفسك رايح تكتب اسمك في ورقة وتمشي؟!، يعني معلهش مش كتب الكتاب دا له استعدادات؟، وأولها لااااازم أكون أنا شخصيا مستعدة؟!، إلا إذا حضرتك عاوز تكتب حاجة تانية غير كتب كتابي أنا وانت؟... ساعتها براحتك، اكتب اللي نفسك فيه، بس خلي بالك مش هقراه!، سايرها سيف في كلامها وسألها في جدية مصطنعه:
- وليه بقه ان شاء الله مش هتقريه؟، ايه دون المستوى!!..
اجابت بجدية مطلقة:
- الملخص من اوله كدا مش عجبني، وشكله هيطلع كتاب مقاولات، تمام زي أفلام المقاولات كدا، وانا ماليش في اللون دا!...
أطلق سيف ضحكة رجولية عميقة مست شغاف قلبها وجعلت ابتسامة حالمة لا ارادية ترتسم على وجهها الفاتن وقال :
- تصدقي أنا الاول كنت عاوز اتخانق معاكي، لكن بعدين مقدرتش امسك نفسي من الضحك،واضح فعلا ان حياتنا مع بعض مش هيكون فيها أي ملل!!، هدأت ضحكاته وتابع بنبرة جادة لم تخلو من شجن أثار لديها مشاعر غريبة عنها تختبرها معه لأول مرة:
- علشان خاطري يا منة، خلينا نكتب الكتاب في أقرب فرصة، انت ماتتصوريش نفسي أغمض وأفتح الاقي الحدود والحواجز دي اتشالت ما بيننا، الفرح ممكن نأجله شوية، لكن على الأقل وأنا بتكلم معاكى زى دلوقتي أكون مش حاسس انى بعمل حاجه فيها شبهة..، ايه رايك؟..
لم تعلم منة بما تجيبه، فوجهة نظره منطقية وهى لا تملك سوى الاعجاب بها، فهو يخشى الله في علاقته بها، ولا يريد سوى التقرب منها بدون أن يتكبل ضميره بعبأ ذنب من السهل تجاوزه!!..
أجابت ببعض التردد:
- طيب نخليه بعد شهر!، أجاب سيف بنزق:
- ايه شهر؟، بقه أنا يا مفترية بقولك عاوزُهْ بعد تلات أيام تقوليلي شهر؟، تنفس عميقا ثم تابع بجدية:
- بصي يا منة، هما اسبوعين، ودا آخر كلام عندي ، ثم تابع بلهجة ليّنة لإستمالتها:
- المفروض دى حاجه تفرحك، وتخليكي تتأكدي أنى فعلا جاد جدا في ارتباطي بيكي، وعمري ما هفكر تاني، وانا متأكد انه نفس الاحساس دا هيكون عندك، بس انت اديني الفرصة انى أقنعك ان خوفك دا مالوش أي مبرر!!..
أجابت منة وقد بدأ تشبثها بالرفض يتفكك ولاح التردد في نبراتها:
- يعني أنت مش هتنفع تقنعني الا لو كان مكتوب كتابنا؟..
قال سيف بمكر جعل الدماء تتدفق الى وجنتيها:
- اكيد!، يعني مثلا لو عاوز أقولك كلمة أو انقل لك شعور معين، مش هعرف وانت هتتكسفي، لكن واحنا مكتوب كتابنا أنا مش بعمل حاجه غلط، ولا هخاف حد يسمعني ولا حاجه، وفي نفس الوقت أهلك هيكون قلبهم جامد واحنا بنتكلم ولا حتى واحنا خارجين سوا ...
أجابت منة بتلعثم:
- طيب...، هتف سيف:
- طيب ايه؟..
منة بخجل:
- طيب يا سيف، طيب!!، تأوه سيف عاليا وقال بحماس مندفع:
- من بكرة هكون عندكم علشان اقول لوالدك على المعاد، لو بابا ماكانش مسافر بكرة كان جه معايا ، لكن للاسف الحاج والحاجة لازم يسافروا الصبح الحاج وراه مصالح مش هيقدر يعطلها...، انما ما قلتيش عاوزة شبكتك تبقى ايه؟
قضمت منة باسنانها اللؤلؤية شفتها السفلى كعادتها لدى شعورها بالتوتر، وقالت بخفوت:
- الشبكة دي زي بابا ما قال ، هديتك ليا، تبقى على زوقك انت..
سيف بحنان وحب شعرته في نبرات صوته:
- لو عليا انا عاوز أجيب لك أغلى وأجمل حاجه وبردو يبقى شوية عليكي، والمهر زي ما باباكي قال ، اللي في مقدرتي، وانا مش هبخل عليكِ بحاجه ابدا، وبكرة بإذن لله هتفق مع باباكي في كل حاجه، أنا رأيي كتب الكتاب يبقى عائلي، يعني نكتب في المسجد ، انما الفرح نكون مرتبين له قبلها ليكي عليا أعمل لك أجمل فرح في مصر كلها، ونعزم ان شالله حتى الدنيا بحالها، ايه رأيك؟
أجابت منة بخجل :
- اللي تشوفه..
أنهت مكالمتها مع سيف بعد حديث طال لأكثر من ساعتين، لا تعلم ما هذا الشعورالذي يغزوها كلما حادثها سيف بصوته القوي الرخيم، تشعر بدغدغة في مشاعرها لا تعرف لها إسما، هي لا تعلم ان كانت قد تسرعت بالاستجابة لرجائه بتعجيل موعد عقد القرآن ولكن ما هي على يقين منه أنها بذلك تكون قد اتقت الشبهات، فلا تشعر بالذنب اذا ما همس لها سيف ببضع كلمات جعلت أوصالها تغدو كالهلام كما حدث في نهاية مكالمتهما اذ همس لها بنبرة شجن وحنين:
- تصبحي على خير يا مُنى عمري كله، ثم بنبرة أشد خفوت:
- بحبك...، لينهي المكالمة تاركا اياها وقد شعرت بحرارة جسدها تكاد تقارب الاربعون، وفوران في مشاعرها الداخلية، وسخونة في وجهها حتى انها كادت تقسم أنه غدا كثمرة الطماطم الناضجة تماما!!...
اتفق سيف مع والدها على التفاصيل الاعتيادية الخاصة بزواجهما، لم يكن ينفردا بها في العمل الا نادرا،أما مساءا فكانت مكالمتها المعتادة والتي غدت بالنسة الى منة كطقوس يومية لا تستطيع النوم بدونها، ولكنه لم تهاتفه هي ولا مرة، فكان هو دائما الباديء بالاتصال، وكان يمازحها قائلا أنه لن يغضب لعدم مهاتفتها له، لعلمه بخجلها ولكن بعد عقد القرآن سيكون لكل حادث حديث وقتئذٍ!!...
فرح الجميع لنبأ خطبتهما، وباركوا لهما بفرحة من الاعماق، فقد استطاعت منة اكتساب حب واحترام الجميع في تلك الفترة القصيرة التي عملت بها في المكتب.....
أوشك الاسبوعين على الانتهاء واقترب موعد عقد القرآن والذي تم الاتفاق على أن يكون في مسجد ( ...... ) الشهير، وتمت دعوة جميع الاقارب من الجهتين، لحضور عقد القران، ثم بعد ذلك تمت اعداد وليمة كبيرة لأفراد العائلة المقربين فقط لدى منزل عبد العظيم والد منة....، ولكن.....حدث شيئين في تلك الايام القليلة التي سبقت عقد القرآن، كانا عبارة عن...مكالمة هاتفية و....زيارة غير متوقعة كان لهما دور كبير في مُجْرَيَات الأحداث بعد ذلك!!....
أما المكالمة الهاتفية فكانت بين عواطف والدة منة تدعو فيها شقيقتها الوحيدة سهام والمقيمة في الاسكندرية لحضور عقد قرآن ابنتها، والتي ما ان علمت بالنبأ حتى سكتت مصدومة، وعندما شعرت بدهشة عواطف شقيقتها لصمتها المباغت، انتبهت من صدمتها وهنأتها بخطبة ابنتها وقالت في معرض حديثها ما أزاح النقاب عن صدمتها أول الأمر:
- مبروك يا عواطف يا حبيبتي، انت عارفة منة غالية عندي أد ايه ، لو أقولك يمكن أغلى من رانيا بنتي ...
أجابت عواطف بحنان:
- عارفة يا سهام طبعا، وولادك غاليين عندي اوي، ربنا يفرحك بشهد بنت رانيا، وعقبال نادر... ايه لسه مش ناوي نفرح بيه؟، ابنك مش صغير يا سهام ساكتة عليه ليه؟ دا احمد اللي أصغر منه بسنتين عاوز يخطب، واحده زميلته في الشغل ومنة بتشكر فيها اوي، قلنا بعد كتب كتاب منة ان شاء الله نروح نخطبها له..
زفرت سهام بيأس مطلقة تنهيدة عميقة وقالت:
- أعمل ايه يا عواطف.. مش بإيدي؟!، لو عليا نفسي أجوزه وأفرح بيه انهرده قبل بكرة، انت عارفة هو ورانيا اللي طلعت بيهم أنا وشوقي من الدنيا، لكن أقول ايه اللي كان عاوزها ومستنيها راحت لأبن حلال تاني، بس على الله يكون يستاهلها بجد!!...
عقدت عواطف جبينها وقالت بحيرة:
- هو نادر كان حاطط عينه على حد؟
اجابت سهام بأسف:
- كان يا عواطف... كان!!.....
اجابت عواطف وقد بدأ عقلها يعمل سريعا على ربط المعلومات التى اخبرتها بها أختها بعضها ببعض:
- وانتو ليه ما فاتحتوش اهل البنت؟...
سهام بحزن على ابنها عندما يعلم بخطبة فتاة احلامه لغيره بل ودعوته هو ليكون شاهدا على عقد القرآن كما أخبرتها شقيقتها:
- كانت بتدرس، واحنا عارفين انه باباها رافض أي كلام في الموضوع دا لغاية ما تخلص، وسبحان الله لسه مخلصة مابئالهاش شهرين، ونادر كان مشغول اليومين اللي فاتوا دول في كم فوج سياحي لشركة السياحة اللي هو ماسكها، وكان ناوي آخر الاسبوع ننزل مصر ونتقدم رسمي بعد ما افاتح مامتها طبعا، بس نعمل ايه بقه؟...، القسمة والنصيب!!..
هتفت عواطف بينما رنا الى سمعها حشرجة بكاء من الطرف الآخر :
- انت... انت قصدك.. منة بنتي؟
قالت سهام وسط غصات بكائها:
- كان قايم نايم يحلم بيها يا حبيبي، وكل ما اقوله افاتحِك ولا ألمّح لك يقولي يا ماما عمي عبدالعظيم رافض أي كلام خالص ولما حد بيفاتحه بيرفض من غير حتى ما يعرفوا منة، انما نقول ايه، حد كان عارف انها اول ما هتتخرج هتتخطب على طول، زي ما يكون العريس واقف ع الباب!!،،،
قالت عواطف بحزن على حال شقيقتها وابنها الذي بمكانة احمد ابنها:
- معلهش يا سهام، مش هقولك لو كنت قولتيلي، لأن كل شيء قسمة ونصيب ، وان شاء الله ربنا يوفقه في واحده أحسن من بنتي كمان...
أنتهت المكالمة ولاحظ عبدالعظيم شرود زوجته الواضح فسألها فسردت له ما دار في المكالمة بينها وبين شقيقتها فقال بأسف لحال نادر والذي يكن له معزة خاصة:
- لا حول ولا قوة الا بالله، انما هقول ايه، كل شيء قسمة ونصيب، ونصيبهم مش مع بعض، نادر راجل بجد ولو كان عندي بنت تانية كنت روحت وخطبته هو ليها بنفسي....
ثم طلب منها عدم اخبار أي كان بهذا الامر خاصة منة..
أما الزيارة الغير متوقعة فكانت من.... غادة!!..
فاجئت غادة منة بزيارتها في مكتبها وبعد تبادل التحيات اخبرتها غادة برغبتها في ان ترافقها منة لشراء ما يلزم من أدوات ولوازم التشطيب الداخلي..
فتشت منة عن سيف لابلاغه بمرافقتها لغادة ولكنها علمت من نشوى انه بالخارج في احد مواقع البناء، فأخبرت احمد شقيقها الذي مازحها بشأن رغبتها بأخذ الإذن من سيف قبلا، فأخبرته بترفّع :
- دا شغل، يعني من الآخر أروح ولا أفضل والزبونة تطير مننا؟!..
هتف أحمد:
- لا لا لا، روحي طبعا، زبونة مين دي اللي تطير؟!، دا احنا عاملين لها شغل كتير اوي ، والمكتب هيكسب من وراها غير الارباح المادية شهرة جامدة جدا....
بعد ساعتين قضتها كلا من منة وغادة في جولة شرائية مكوكية، زارا فيها نسبة كبيرة من المعارض المخصصة لهذا الأمر، دعت غادة منة لاحتساء كوبين من العصير في مقهى قريب قبل رحلة العودة...
|